قال ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي (ت: 643هـ):
(بسم الله الرّحمن الرّحيم وحسبنا الله ونعم الوكيل،
الحمد للّه حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى وكما ينبغي لكرم وجهه وعزّ جلاله.
اللّهمّ وصلّ على محمّدٍ النّبيّ الأمّيّ وعلى آله وسلّم صلاةً تكون لك رضًا ولحقّه أداءً، وأعطه الوسيلة والفضيلة، واجزه عنّا أفضل ما جازيت نبينا عن أمّته، وأحينا اللّهمّ على سنّته، وتوفّنا على ملّته غير مبدّلين ولا مفرّطين ولا مفتونين بفضلك وكرمك يا أرحم الرّاحمين.
أما بعد:
فقد ورد كتابٌ من مدينة آمد -حرسها اللّه تعالى- يذكر فيه أنّ رجلًا قدم إليهم أنكر هذه اللّفظة في ذكر القرآن العزيز أنّه إلى اللّه تعالى يعود، فأقول وباللّه التّوفيق:
1 - إن النّبي صلى الله عليه وسلم قد قال: (إنّ الدّين بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ). وقال النّبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم السّاعة حتّى لا يقال في الأرض اللّه اللّه).
2 - فالّذي أخبر به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أعظم من إنكار هذا المنكر لهذه اللّفظة الّتي قد وردت في بعض الأحاديث عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وعن غير واحد من أصحابه، وعن بعض التّابعين وغيرهم من الأئمّة رضوان اللّه عليهم. 3 - غير أن الأحاديث الّتي وردت عن النّبي صلى الله عليه وسلم في ذلك لم يخرّجها أصحاب الصّحيح.
4 - وقد وردت عن عليٍّ رضي الله عنه وعن عبد اللّه بن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
5 - وقال عمرو بن دينارٍ المكّيّ وهو من ثقات التّابعين وأئمّتهم: أدركت مشايخنا منذ سبعين سنةً يقولون القرآن كلام اللّه منه بدأ وإليه يعود.
6 - وقد أدرك عمرو بن دينارٍ من الصّحابة غير واحدٍ منهم: عبد اللّه بن عمرو، وعبد اللّه بن عبّاسٍ، وعبد اللّه بن الزّبير، وجابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، وأبو شريحٍ الخزاعيّ، والمسور بن مخرمة، وسعد بن عائذ المعروف ب القرظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقباء، وأبو هريرة، والسّائب بن يزيد الكنديّ، وأبو الطّفيل عامر بن وائلة رضي اللّه عنهم.
7 - وقد قالها الإمام أبو جعفرٍ أحمد بن سنانٍ الواسطيّ وهو شيخ البخاريّ ومسلمٍ، وأبي داود، وابن ماجه، والنّسائيّ.
8 - وقد وردت هذه اللّفظة عن جماعةٍ منهم: عبد اللّه بن مسعودٍ، وسفيان الثّوريّ، ووكيع بن الجرّاح، وأبو نعيمٍ الفضل بن دكينٍ، وعبد اللّه بن المبارك. 9 - وروى المروذيّ أحمد بن محمّدٍ قال: قال أحمد بن محمّد بن حنبلٍ رحمه اللّه لقيت الرّجال والعلماء والفقهاء بمكّة والمدينة والكوفة والبصرة والشّام والثّغور وخراسان فرأيتهم على السّنّة والجماعة، وسألت عنها الفقهاء فكلٌّ يقول القرآن كلام اللّه غير مخلوقٍ منه بدأ وإليه يعود.
10 - وقد وردت هذه المسألة إلى مدينة السّلام بغداد في زمان مشايخ مشايخنا فأجاب فيها الشّيخ الإمام العالم الزّاهد أبو زيدٍ جعفر بن زيد بن عبد الرّزّاق الشّاميّ السّاكن ببغداد بجوابٍ شافٍ، وسمّاه كتاب البرهان في نصرة القرآن، وهذا الكتاب موجودٌ وذكر فيه أدلّةً كثيرةً). [اختصاص القرآن بعوده إلى الرحيم الرحمن: 19-22]