دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > مكتبة علوم الحديث الشريف > جامع متون الأحاديث > جامع الأصول من أحاديث الرسول

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 جمادى الأولى 1431هـ/4-05-2010م, 12:44 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي كتاب الخلافة والإمارة: الباب الثاني : ذكر الخلفاء الراشدين

الباب الثاني: في ذكر الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم وبيعتهم
2072 - (خ) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما -: أنّ عليّا خرج من عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجعه الذي توفّي فيه، فقال الناس: يا أبا حسنٍ، كيف أصبح رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا، فأخذ بيده العباس بن عبد المطلب، فقال: أنت والله بعد ثلاثٍ عبد العصا، وإني لأرى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيتوفّى من وجعه هذا، إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت، فاذهب بنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنسأله: فيمن هذا الأمر؟ فإن كان فينا علمنا ذلك، وإن كان في غيرنا كلّمناه فأوصى بنا، فقال عليٌّ: أما والله، لئن سألناها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمنعناها لا يعطيناها النّاس بعده: وإني والله، لا أسألها رسول الله-صلى الله عليه وسلم-.أخرجه البخاري.

2073 - (خ م ت) جبير بن مطعم - رضي الله عنه -: قال: إنّ امرأة أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكلّمته في شيءٍ، فأمرها بأن ترجع، قالت: فإن لم أجدك؟ كأنها تقول: الموت - قال: «إن لم تجديني فائتي أبا بكرٍ».أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي.
2074 - (خ س) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: «إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مات وأبو بكرٍ بالسّنح. [قال إسماعيل]: - تعني بالعالية - فقام عمر يقول: والله ما مات رسول الله، قالت: وقال عمر: [والله] ما كان يقع في نفسي إلا ذاك، وليبعثنّه اللّه فليقطّعنّ أيدي رجالٍ وأرجلهم، فجاء أبو بكرٍ، فكشف عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقبّله، وقال: بأبي أنت طبت حيا وميّتا، والذي نفسي بيده، لا يذيقنّك الله الموتتين أبدا، ثم خرج أبو بكرٍ، فقال: أيّها الحالف، على رسلك، فلمّا تكلّم أبو بكرٍ جلس عمر، فحمد الله أبو بكر، وأثنى عليه، وقال: ألا، من كان يعبد محمّدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت، وقال: {إنّك ميّتٌ، وإنّهم ميّتون} [الزمر: 30]، وقال: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللّه شيئا، وسيجزي الله الشاكرين} [آل عمران: 144] قال: فنشج النّاس [يبكون] قال: واجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة، فقالوا: منّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، فذهب إليهم أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأبو عبيدة بن الجراح، فذهب عمر يتكلم، فأسكته أبو بكرٍ، وكان يقول: والله ما أردت بذلك إلا أنّي قد هيّأت كلاما أعجبني، خشيت أن لا يبلغه أبو بكر؟ ثمّ تكلّم أبو بكر، فتكلّم أبلغ الناس، فقال في كلامه: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء، فقال حباب بن المنذر: لا والله، لا نفعل، منّا أميرٌ، ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء - زاد رزين -: لن يعرف هذا الأمر إلا لحيٍّ من قريشٍ - هم أوسط العرب دارا، وأعزّهم أحسابا - فبايعوا عمر، أو أبا عبيدة بن الجرّاح، فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا، وخيرنا، وأحبّنا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخذ عمر بيده فبايعه، وبايعه الناس، فقال قائلٌ: قتلتم سعد بن عبادة، فقال عمر: قتله الله».
قالت عائشة: شخص بصر النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: «في الرفيق الأعلى - ثلاثا-... وقصّ الحديث» قالت: فما كان من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها، لقد خوّف عمر الناس، وإنّ فيهم لتقى فردّهم الله بذلك، ثم لقد بصّر أبو بكر الناس في الله، وعرّفهم الحقّ الذي عليهم، وخرجوا به يتلون: {وما محمدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل....} إلى: {الشاكرين}.أخرجه البخاري.
وأخرج النسائي منه إلى قوله: «الموتتين أبدا».وقال: «أمّا الموتة التي كتبها الله عليك فقد متّها».
وله في أخرى: «إنّ أبا بكرٍ قبّل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وهو ميّتٌ».ولم يزد.
والذي قرأته في كتاب البخاري من طريق أبي الوقت: «وأعربهم أحسابا».وفي كتاب الحميدي: «وأعزّهم أحسابا».

[شرح الغريب]
فنشج: النشيج: تردد صوت الباكي في صدره من غير انتحاب.
سقيفة: السقيفة الصّفّة في البيت، وبنو ساعدة: بطن من الأنصار.

2075 - (خ) أبو سلمة بن عبد الرحمن - رحمه الله-: قال: قالت عائشة - رضي الله عنها - في حديثها: «أقبل أبو بكرٍ على فرسٍ من مسكنه بالسّنح حتى نزل، فدخل المسجد، فلم يكلّم النّاس، حتى دخل على عائشة، فبصر برسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مسجّى ببرده، فكشف عن وجهه، وأكبّ عليه فقبّله، ثمّ بكى، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لا يجمع الله عليك موتتين، أمّا الموتة التي كتبت عليك، فقد متّها، فقال أبو سلمة: فأخبرني ابن عباس: أنّ أبا بكرٍ خرج، وعمر يكلّم النّاس، فقال: اجلس، فأبى، فقال: اجلس، فأبى، فتشهّد أبو بكرٍ، فمال إليه النّاس، وتركوا عمر، فقال: أما بعد، فمن كان منكم يعبد محمدا، فإنّ محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله فإنّ الله حيٌّ لا يموت، قال الله: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} إلى: {الشاكرين} قال: والله، لكأنّ النّاس لم يكونوا يعلمون أنّ الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقّاها منه الناس، فما أسمع بشرا من الناس إلا يتلوها».أخرجه البخاري.
ورأيت الحميديّ - رحمه الله - قد أخرج هذا الحديث في «مسند أبي بكر»، والذي قبله في «مسند عائشة»، وهما بمعنى واحد، إلا أن الأول أطول، ولعله لم يفرقهما إلا لكون هذا الحديث قد اشترك فيه عائشة، وابن عبا س، ولم يجعله في مسند أحدهما، وجعله في مسند أبي بكر، فاقتدينا به، وأفردناه عن الأول.

2076 - (خ) عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: كنت أقرئ رجالا من المهاجرين، منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى، وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجّةٍ حجّها، إذ رجع إليّ عبد الرحمن، فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: هل لك يا أمير المؤمنين في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكرٍ إلا فلتة [فتمّت] فغضب عمر، ثم قال: إني إن شاء الله لقائمٌ العشيّة في الناس، فمحذّرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغضبوهم أمرهم، قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل، فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، وإنّهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، فأنا أخشى أن تقوم، فتقول مقالة يطير بها أولئك عند كلّ مطيرٍ، وأن لا يعوها، وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم المدينة، فإنها دار الهجرة والسّنّة، فتخلص بأهل الفقه، وأشراف الناس، فتقول ما قلت متمكّنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعوها على مواضعها، قال: فقال عمر: أما والله إن شاء الله لأقومنّ بذلك أوّل مقامٍ أقومه بالمدينة، قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجّة، فلما كان يوم الجمعة عجّلنا بالرّواح حين زاغت الشمس زاد رزين: فخرجت في صكّة عمّيٍّ - حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر، فجلست حذوه، تمسّ ركبتي ركبته، فلم أنشب أن خرج عمر بن الخطاب، فلمّا رأيته مقبلا، قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل: ليقولنّ العشية على المنبر مقالة لم يقلها منذ استخلف، فأنكر عليّ. وقال: ما عسى أن يقول ما لم يقل قبله؟.
فجلس عمر على المنبر، فلما سكت المؤذّن قام، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أما بعد: فإني قائلٌ لكم مقالة، قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلّها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحلّ لأحدٍ أن يكذب عليّ: إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمدا -صلى الله عليه وسلم- بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل الله عليه: آية الرّجم، فقرأناها، وعقلناها، ووعيناها، ورجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالنّاس زمانٌ أن يقول قائلٌ: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلّوا بترك فريضةٍ أنزلها الله فالرّجم في كتاب الله حقٌّ على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البيّنة، أو كان الحبل، أو الاعتراف، ثم إنّا كنّا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله: أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنّه كفرٌ بكم أن ترغبوا عن آبائكم - أو إنّ كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم- ألا وإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم، وقولوا: عبد الله ورسوله».
ثم إنه بلغني أنّ قائلا منكم يقول: والله لو مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترّ امرؤٌ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكرٍ فلتة، وتمّت، ألا وإنها قد كانت كذلك، ولكنّ الله وقى شرّها، وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق مثل أبي بكر، [من بايع رجلا عن غير مشورةٍ من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا]، وإنّه قد كان من خبرنا - حين توفّي نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم- - أنّ الأنصار خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة، وخالف عنّا عليٌّ والزّبير ومن معهما.
واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: [يا أبا بكر]، انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نريدهم، فلمّا دنونا منهم لقينا منهم رجلان صالحان، فذكرا ما تمالأ عليه القوم، فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟ فقلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار، فقالا: لا عليكم، لا تقربوهم، اقضوا أمركم، فقلت: والله لنأتينّهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا رجلٌ مزمّلٌ بين ظهرانيهم، فقلت: من هذا؟ قالوا: هذا سعد بن عبادة، فقلت: ما له؟ قالوا: يوعك، فلما جلسنا قليلا تشهّد خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال: أمّا بعد، فنحن أنصار الله، وكتيبة الإسلام، وأنتم معاشر المهاجرين رهطٌ منّا، وقد دفّت دافّةٌ من قومكم، فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، وأن يحضنونا من الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلّم، وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدّمها بين يدي أبي بكرٍ، وكنت أداري منه بعض الحدّ.
فلما أردت أن أتكلّم قال أبو بكر: على رسلك، فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر، فكان هو أحلم مني، وأوقر، والله ما ترك من كلمةٍ أعجبتني في تزويري إلا قال في بديهته مثلها، أو أفضل منها، حتى سكت، فقال: ما ذكرتم فيكم من خيرٍ، فأنتم له أهلٌ، ولن تعرف العرب هذا الأمر إلا لهذا الحيّ من قريشٍ، هم أوسط العرب نسبا، ودارا، وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيّهما شئتم؟ فأخذ بيدي، ويد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالسٌ بيننا، فلم أكره ممّا قال غيرها، كان والله أن أقدّم فتضرب عنقي - لا يقرّبني ذلك من إثمٍ - أحبّ إليّ من أن أتأمّر على قومٍ فيهم أبو بكر، اللهم إلا أن تسوّل لي نفسي عند الموت شيئا لا أجده الآن.
فقال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكّك، وعذيقها المرجّب، منّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ، يا معشر قريش، فكثر اللّغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرقت من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار، ونزونا على سعد بن عبادة، فقال قائلٌ منهم: قتلتم سعد بن عبادة، فقلت: قتل الله سعد بن عبادة، قال عمر: وإنا والله، ما وجدنا فيما حضرنا من أمرنا أقوى من مبايعة أبي بكر، خشينا إن فارقنا القوم، ولم تكن بيعةٌ، أن يبايعوا رجلا منهم بعدنا، فإما تابعناهم على ما لا نرضى، وإما أن نخالفهم فيكون فسادٌ، فمن بايع رجلا على غير مشورةٍ من المسلمين فلا يتابع هو، ولا الذي بايعه، تغرّة أن يقتلا. هذه رواية البخاري.
وهو عند مسلم مختصر حديث الرجم، ولقلة ما أخرج منه لم نثبت له علامة.
وقد ذكر [منه] البخاري مفردا في موضع آخر: «لا تطروني كما أطرت النّصارى عيسى بن مريم».

[شرح الغريب]
رعاع الناس: عامتهم وسفلتهم.
غوغاؤهم: غوغاء الناس الذين يكثرون الجلبة والضجة من غير تثبت.
صكة عمّي: كناية عن شدة الحر وقت الهاجرة، يقال: جاء صكة عمّي، أي في وقت الهاجرة، وغاية القيظ، وذلك أن الإنسان إذا خرج وقت الهاجرة لا يكاد يملأ عينيه من نور الشمس، أرادوا: أنه يصير أعمى، وعميّ تصغير أعمى مرخما، وقيل: هو اسم رجل من العمالقة أغار على قوم ظهرا، فاستأصلهم، «فنسب الوقت إليه».
لم أنشب: أي: لم ألبث، وأصله من نشبت في الشيء: إذا علقت فيه.
تطروني: الإطراء: المبالغة في المدح والإسراف فيه بما ليس في الممدوح.
تقطع دونه الأعناق: أي ليس فيكم سابق إلى الخيرات تقطع أعناق مسابقيه سبقا إلى كل خير مثل أبي بكر، كأنه تنقطع الأعناق من المشقة في تكلف السبق الذي لم ينالوه.
فلتة وقى الله شرها: الفلتة: الفجأة، وذلك أنهم لم ينتظروا ببيعة أبي بكر - رضي الله عنه - عامة الصحابة، وإنما ابتدرها عمر، ومن تابعه وقيل: الفلتة آخر ليلة من الأشهر الحرم، فيختلفون فيها: من الحل هي، أم من الحرم؟ فيسارع الموتور إلى درك الثأر، فيكثر الفساد، وتسفك الدماء، فشبه أيام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالأشهر الحرم، ويوم موته بالفلتة في وقوع الشر: من ارتداد العرب، وتخلف الأنصار عن الطاعة، ومنع من منع الزكاة، والجري على عادة العرب في أن لا يسود القبيلة إلا رجل منها، ويجوز أن يريد بالفلتة: الخلسة، يعني: أن الإمامة يوم السقيفة مالت إلى توليها الأنفس، ولذلك كثر فيها التشاجر، فما قلدها أبو بكر إلا انتزاعا من الأيدي واختلاسا، ومثل هذه البيعة جديرة أن تكون مهيجة للفتن، فعصمهم الله من ذلك ووقى شرها.
ظهرانيهم: يقال: جلست بين ظهراني القوم - بفتح النون - أي: بينهم وقد مر تفسير هذه اللفظة مستقصى في حرف الهمزة.
مزمّل: المزمل: المدثر المغطى بثوب ونحوه.
يوعك: الوعك: الحمى.
كتيبة: الكتيبة: الجيش.
دفت دافة: الدافة: الجماعة من أهل البادية، يقصدون المصر، أي: جاءت جماعة.
يختزلونا: أي يقطعونا عن مرادنا، وانخزل الرجل: ضعف.
يحضنونا: حضنت الرجل عن الأمر حضنا وحضانة إذا نحيته عنه، وانفردت به دونه.
زورت: أي هيأت ورتبت، والمراد رتبت في نفسي كلاما لأذكره.
بعض الحد: الحد والحدة: سواء من الغضب، يقال: حد يحد حدا وحدة: إذا غضب.
أدارئ: المدارءة بالهمز المدافعة بلين وسكون، وبغير الهمز: الخديعة والمكر، وقيل: هما لغتان بمعنى.
على رسلك: يقال: افعل ذلك على رسلك - بكسر الراء -: على هينتك وتؤدتك وتأنيك.
بديهته: البديهة: ضد التروي والتفكر.
تسول: سولت له نفسه شيئا: زينته له وحسنته إليه.
جذيلها المحكك: الجذيل: تصغير الجذل، وهو عود ينصب للإبل الجربى تحتك به فتستشفى، والمحكك: الذي كثر به الاحتكاك حتى صار أملس.
وعذيقها المرجب: عذيقها: تصغير العذق - بفتح العين - وهو النخلة، والمرجب المسند بالرجبة، وهي خشبة ذات شعبتين، وذلك إذا طالت الشجرة وكثر حملها اتخذوا ذلك لها، لضعفها عن كثرة حملها، والمعنى أني ذو رأي يستشفى به في الحوادث، لاسيما في مثل هذه الحادثة، وأني في ذلك كالعود الذي يشفي الجربى، وكالنخلة الكثيرة الحمل، من توفر مواد الآراء عندي، ثم إنه أشار بالرأي الصائب عنده، فقال: «منا أمير ومنكم أمير».
اللغط: كثرة الأصوات واختلافها.
فرقت: الفرق: الخوف والفزع.
ونزوا: النزو: الوثب، ومنه نزا التيس على أنثاه.
فلا يبايع هؤلاء الذي بايعه تغرة أن يقتلا: التغرة: مصدر غررته إذا لقيته في الغرر، وهي من التغرير، كالتعلة من التعليل، وفي الكلام مضاف محذوف، تقديره: خوف تغرة أن يقتلا، أي: خوف إيقاعهما في القتل، وانتصاب الخوف على أنه مفعول له، فحذف المضاف الذي هو الخوف، وأقام المضاف إليه - الذي هو «تغرة» - مقامه ويجوز أن يكون قوله: «أن يقتلا» بدلا من تغرة ويكون المضاف أيضا محذوفا، كالأول، ومن أضاف تغرة، إلى: أن يقتلا، فمعناه خوف تغرته قتلهما، على طريقة قوله تعالى: {بل مكر الليل والنهار} [سبأ: 33].
ومعنى الحديث: أن البيعة حقها أن تقع صادرة عن المشورة والاتفاق، فإذا استبد رجلان دون الجماعة بمبايعة أحدهما الآخر: فذاك تظاهر منهما بشق العصا، واطراح الجماعة، فإن عقد لأحد فلا يكون المعقود له واحدا منهما، وليكونا معزولين من الطائفة التي تتفق على تمييز الإمام منها، لأنه إن عقد لواحد منهما - وهما قد ارتكبا تلك الفعلة الشنيعة التي أحقدت الجماعة، من التهاون بهم والاستغناء عن رأيهم - لم يؤمن أن يقتلا.

2077 - (خ) أنس بن مالك - رضي الله عنه -: «أنّه سمع خطبة عمر بن الخطاب الآخرة، حين جلس على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وذلك الغد من يوم توفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فتشهّد، وأبو بكر صامتٌ لا يتكلّم، ثم قال عمر: أما بعد، فإني قلت لكم أمسٍ مقالة، وإنها لم تكن كما قلت، وإني والله ما وجدت المقالة التي قلت لكم في كتاب أنزله الله، ولا في عهدٍ عهده [إليّ] رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولكني أرجو أن يعيش رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى يدبرنا - يريد: أن يكون آخرهم - وإن يكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات، فإن الله جعل بين أظهركم نورا تهتدون به، به هدى الله محمدا -صلى الله عليه وسلم-، فاعتصموا به تهتدوا بما هدى الله به محمدا، وإن أبا بكرٍ صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وثاني اثنين، وإنه أولى الناس بأموركم، فقوموا إليه فبايعوه، وكانت طائفةٌ منهم قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة، وكانت بيعة العامّة عند المنبر».
وفي رواية قال الزهري: قال لي أنس بن مالك: إنّه رأى عمر يزعج أبا بكر على المنبر إزعاجا.
قال الزهري: وأخبرني سعيد بن المسيّب: أن عمر بن الخطاب قال: والله ما هو إلا أن تلاها أبو بكر - يعني قوله: {وما محمّدٌ إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} [آل عمران: 144] عقرت وأنا قائمٌ، حتى خررت إلى الأرض، وأيقنت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد مات. أخرجه البخاري.
وذكر رزين في كتابه: قال أنس: سمعت عمر يقول لأبي بكر يومئذٍ: اصعد المنبر، فلم يزل به حتى صعد المنبر، فبايعه الناس عامّة، وخطب أبو بكر في اليوم الثالث، فقال: - بعد أن حمد الله وصلى على رسوله -: أما بعد، أيها الناس، إن الذي رأيتم مني لم يكن حرصا على ولايتكم، لكني خفت الفتنة والاختلاف، وقد رددت أمركم إليكم، فولّوا من شئتم، فقالوا: لا نقيلك.

[شرح الغريب]
يدبرنا: دبرت الرجل أدبره: إذا اتبعته وكنت خلفه في أى معنى كان.
يزعجه: أي ينهضه بسرعة.
عقرت: أي دهشت بكسر القاف وأصله في الرجل تسلمه قوائمه فلا يستطيع أن يقاتل من الخوف والدهش.

2078 - (م) عائشة - رضي الله عنها -: قالت: إنّ فاطمة بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والعباس أتيا أبا بكر يلتمسان ميراثهما من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهما حينئذٍ يطلبان أرضه من فدك، وسهمه من خيبر، فقال [لهما] أبو بكر: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا نورث، ما تركنا صدقةٌ» إنما كان يأكل آل محمدٍ في هذا المال، وإني والله، لا أدع أمرا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصنعه فيه إلا صنعته - زاد في رواية: إني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ - قال: فأما صدقته بالمدينة: فدفعها عمر إلى عليٍّ، وعبّاسٍ، فغلبه عليها عليٌّ، وأما خيبر وفدك: فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، قال فهما على ذلك إلى اليوم - قال في رواية: فهجرته فاطمة، فلم تكلّمه في ذلك حتى ماتت، فدفنها عليٌّ ليلا، ولم يؤذن بها أبا بكرٍ - قالت: فكان لعليٍّ وجهٌ من الناس حياة فاطمة، فلما توفّيت [فاطمة] انصرفت وجوه الناس عن عليّ، ومكثت فاطمة بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ستة أشهرٍ، ثمّ توفيت.
فقال رجل للزهريّ: فلم يبايعه عليٌّ ستة أشهرٍ؟ فقال: لا والله، ولا أحدٌ من بني هاشمٍ حتى بايعه عليٌّ - فلمّا رأى عليٌّ انصراف وجوه الناس عنه ضرع إلى مصالحة أبي بكرٍ، فأرسل إلى أبي بكر: ائتنا، ولا تأتنا معك بأحدٍ، وكره أن يأتيه عمر لما علم من شدّة عمر، فقال: لا تأتهم وحدك، فقال أبو بكر: والله لآتينّهم وحدي، ما عسى أن يصنعوا بي؟ فانطلق أبو بكر، فدخل على عليٍّ، وقد جمع بني هاشم عنده، فقام عليٌّ فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فلم يمنعنا أن نبايعك يا أبا بكرٍ إنكارا لفضيلتك، ولا نفاسة عليك بخيرٍ ساقه الله إليك، ولكن [كنّا] نرى أنّ لنا في هذا الأمر حقا، فاستبددتم علينا، ثمّ ذكر قرابته من رسول الله وحقّهم، فلم يزل عليٌّ يذكّر[ه] حتى بكّى أبا بكر، وصمت عليٌّ، فتشهّد أبو بكر فحمد الله، وأثنى عليه بما هو أهله، ثمّ قال: أما بعد، فوالله لقرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وإني والله ما ألوت في هذه الأموال التي كانت بيني وبينكم عن الخير، ولكني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا نورث، ما تركنا صدقةٌ» إنما يأكل آل محمدٍ في هذا المال، وإني والله لا أدع أمرا صنعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا صنعته إن شاء الله، وقال عليٌّ: موعدك للبيعة العشيّة، فلما صلّى أبو بكرٍ الظهر أقبل على الناس يعذر عليّا ببعض ما اعتذر به، ثمّ قام عليٌّ، فعظّم من حقّ أبي بكر، وذكر فضيلته وسابقته، ثم قام إلى أبي بكر فبايعه، فأقبل الناس على عليٍّ، فقالوا: أصبت وأحسنت، وكان المسلمون إلى عليٍّ قريبا حين راجع الأمر المعروف».
أخرجه بطوله مسلم، وأخرج البخاري منه المسند فقط، وهو: «لا نورث ما تركنا صدقةٌ».
وأخرج أبو داود طلبة فاطمة الميراث، إلى قوله: «لا نورث، ما تركنا صدقةٌ، وإنما يأكل آل محمّدٍ في هذا المال».
وله في أخرى بنحو ذلك، ولم يذكر حديث عليٍّ، وأبي بكر، وموت فاطمة.
وأخرج النسائي طرفا من أوله: «أنّ فاطمة أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبيّ -صلى الله عليه وسلم- من صدقته، وممّا ترك من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله قال: «لا نورث».
وسيجيء لفظ أبي داود، والنسائي أيضا في «كتاب الفرائض» من حرف الفاء، وحيث لم يخرّج الحديث بطوله إلا مسلم لم نعلم عليه إلا علامته وحده ها هنا، وأشرنا إلى ما أخرج غيره منه ليعرف.

[شرح الغريب]
أزيغ: زاغ عن الحق: إذا مال عنه وعدل.
وجدت: وجدت تجد، أي غضبت، والموجدة الغضب.
وجه من الناس: يقال لفلان: وجه من الناس أي: حرمة ومنزلة.
نفاسة: المنافسة الحرص على الغلبة والانفراد بالمحروص عليه، نفست عليه أنفس نفاسة.
فاستبددتم: الاستبداد بالأمر الانفراد به دون غيره.
شجر: شجر الأمر بين القوم أي: اختلفوا واشتجروا، تنازعوا واختلفوا ومنه قوله تعالى: {فيما شجر بينهم} [النساء: 65] أي فيما وقع بينهم في الاختلاف.
ما ألوت: ألا يألو: إذا قصر وفلان لا يألوك نصحا أي: لا يقصر.

2079 - (خ م) القاسم بن محمد - رحمه الله -: قال: قالت عائشة: وارأساه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ذاك لو كان وأنا حيٌّ فأستغفر لك، وأدعو لك»، فقالت عائشة: واثكلاه والله إني لأظنّك تحبّ موتي، لو كان ذلك لظللت آخر يومك معرّسا ببعض أزواجك، فقال النبي-صلى الله عليه وسلم-: «بل أنا وارأساه، لقد هممت - أو أردت - أن أرسل إلى أبي بكر وابنه، فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنّى المتمنّون، ثم قلت: يأبى الله، ويدفع المؤمنون، أو يدفع الله ويأبى المؤمنون».أخرجه البخاري.
قال الحميديّ: ويحتمل أن يضاف إلى هذا ما أخرجه مسلم من حديث عروة عن عائشة قالت: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مرضه: «ادعي لي أبا بكرٍ أباك، وأخاك، حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنّى متمنٍّ، ويقول قائلٌ: أنا أولى، ويأبى الله، والمؤمنون إلا أبا بكرٍ».

[شرح الغريب]
معرسا: أعرس الرجل بامرأته: إذا دخل بها، قال الجوهري: ولا يقال: عرس، والناس يقولونه.

2080 - عائشة - رضي الله عنها -: قالت: نحلني أبي جادّ عشرين وسقا من ماله بالغابة، فلما حضرته الوفاة قال لها: والله يا بنيّة، ما من الناس أحدٌ أحبّ إليّ غنى بعدي منك، ولا أعزّ عليّ فقدا بعدي منك، وإني كنت نحلتك جادّ عشرين وسقا، فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك، وإنّما هو الآن مال وارثٍ، وإنما هو أخواك، وأختاك، فاقتسموه على كتاب الله تعالى، قالت: يا أبت، إنما هي أسماء، فمن الأخرى؟ قال: ذو بطن بنت خارجة، أراها جارية - وروي: أريتها جارية - ثم أوصى أن تغسله امرأته.
زاد في رواية: ثمّ دعا عمر فقال: إنّي مستخلفك على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا عمر: إنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الحقّ، وثقله عليهم، وحقّ لميزانٍ لا يوضع فيه إلا الحقّ أن يكون ثقيلا، يا عمر، وإنما خفّت موازين من خفّت موازينه يوم القيامة باتّباعهم الباطل، وخفّته عليهم، وحقّ لميزان لا يوضع فيه سوى الباطل أن يكون خفيفا،وكتب إلى أمراء الأجناد: ولّيت عليكم عمر ولم آل نفسي ولا المسلمين خيرا، ثم مات ودفن ليلا، ثم قام عمر في النّاس خطيبا، ثم قال - بعد أن حمد الله -: «أيّها النّاس، إني لا أعلمكم من نفسي شيئا تجهلونه، أنا عمر، ولم أحرص على أمركم، ولكن المتوفّى أوصى بذلك، والله ألهمه ذلك، وليس أجعل أمانتي إلى أحدٍ ليس لها بأهلٍ، ولكن أجعلها إلى من تكون رغبته في التوقير للمسلمين، أولئك أحقّ بهم ممّن سواهم» أخرجه.

[شرح الغريب]
نحلني: النحلة: العطية والهبة.
جاد عشرين: الجاد: نخل يجد منه أي: يقطع من ثمرته - مقدار معلوم، والوسق: ستون صاعا، والصاع: خمسة أرطال وثلث بالعراقي، أو ثمانية أرطال، على اختلاف المذهبين.
ومعنى الحديث: أن أبا بكر رضي الله عنه كان وهب عائشة في صحته نخلا يجد من ثمرته في كل صرام عشرون وسقا، ولم يكن أقبضها ما وهبها، فلما مرض أعلمها أن ورثته شركاؤها فيه.

2081 - (د) الأقرع - مؤذن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال: بعثني عمر إلى الأسقفّ بإيلياء، فدعوته، فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب؟ قال: نعم، قال: كيف تجدني؟ قال: أجدك قرنا، فرفع عليه الدّرّة، وقال: قرن مه؟ قال: قرنٌ حديدٌ، أمينٌ شديدٌ، قال: فكيف تجد الّذي بعدي؟ قال: أجده خليفة صالحا، غير أنّه يؤثر قرابته، قال عمر: يرحم الله عثمان - ثلاثا - قال: كيف تجد الذي بعده؟ قال: أجده صدأ حديدٍ، فرفع عمر يده على رأسه، وقال: يا دفراه، يا دفراه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّه خليفةٌ صالحٌ، لكنه يستخلف حين يستخلف والسّيف مسلولٌ، والدّم مهراق.أخرجه أبو داود.
[شرح الغريب]
قرن مه: الهاء في مه هاء السكت، أي: قرن أي شيء، وأراد بالقرن: الحصن، وجمعه قرون.
صدأ حديد: الصدأ: ما يعلو الحديد، وهو معروف، والمراد دوام لبس الدروع لاتصال الحروب في زمانه، والمعني به: علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ويروى صدع حديد بالعين، ويكون بدلا من الهمزة، والمعنى واحد، وقيل: الصدع: الوعل الذي ليس بالغليظ ولا بالدقيق، وإنما وصف بذلك لاجتماع القوة فيه والخفة، وقد يوصف به الرجل، شبهه في خفته في الحروب،ونهضته إلى صعاب الأمور، حتى يفضي إليه الأمر: بالوعل، لتوقله في رؤوس الجبال، وجعله من حديد: مبالغة في وصفه بالشدة والبأس، والصبر على الشدائد، ومن رواه بالهمزة، فعلى هذا التأويل: يكون قد أبدلها من العين، والمراد من المعنيين: ما حدث في أيام علي بن أبي طالب من الفتن ومحاربة المسلمين، وملابسة الأمور المشكلة، والخطوب المعضلة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه في آخر الحديث: «يا دفراه»والدفر: النتن، تضجرا من ذلك واستفحاشا له.

2082 - (خ م) عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: أخرج البخاري هذا الحديث من رواية جويرية بن قدامة مختصرا، وأخرجه مسلم من رواية معدان بن أبي طلحة بطوله: «أنّ عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبيّ الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكر أبا بكرٍ، ثم قال: إني رأيت كأنّ ديكا نقرني ثلاث نقراتٍ، وإني لا أراه إلا لحضور أجلي، وإنّ أقواما يأمرونني أن أستخلف، وإنّ الله لم يكن ليضيّع دينه لا خلافته، ولا الذي بعث به رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإن عجل بي أمرٌ فالخلافة شورى بين هؤلاء السّتّة الذين توفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو عنهم راضٍ، وإني قد علمت أنّ أقواما يطعنون في [هذا] الأمر، أنا ضربتهم بيدي هذه على الإسلام، فإن فعلوا ذلك، فأولئك أعداء الله الكفرة الضّلال، ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهمّ عندي من الكلالة، ما راجعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ لي في شيءٍ ما أغلظ [لي] فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: يا عمر، ألا تكفيك آية الصّيف، التي في آخر سورة النساء؟، وإني إن أعش أقض فيها بقضيّةٍ يقضي بها من يقرأ القرآن، ومن لا يقرأ القرآن، ثم قال: اللّهمّ إني أشهدك على أمراء الأمصار، وإني إنما بعثتهم عليهم ليعدلوا، وليعلّموا الناس دينهم، وسنّة نبيّهم، ويقسموا فيئهم فيهم، ويرفعوا إليّ ما أشكل عليهم من أمرهم، ثم إنكم أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين: هذا البصل والثّوم، لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا وجد ريحها من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، فمن أكلهما فليمتهما طبخا».
وفي حديث جويرية: «فما كانت إلا جمعة أخرى حتى طعن عمر، قال: فأذن للمهاجرين من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأذن للأنصار، ثم أذن لأهل المدينة، ثمّ أذن لأهل الشام، ثم أذن لأهل العراق، فكنّا آخر من دخل عليه، قال: فإذا هو قد عصّب جرحه ببردٍ أسود، والدم يسيل عليه، قال: فقلنا: أوصنا ولم يسأله الوصيّة أحدٌ غيرنا، قال: أوصيكم بكتاب الله، فإنكم لن تضلّوا ما اتّبعتموه، قال: وأوصيكم بالمهاجرين، فإن الناس يكثرون ويقلّون، وأوصيكم بالأنصار، فإنهم شعب الإسلام الذي لجأ إليه، وأوصيكم بالأعراب، فإنهم أصلكم ومادّتكم - وفي روايةٍ: فإنهم إخوانكم وعدوّ عدوّكم - وأوصيكم بأهل الذّمّة، فإنهم ذمّة نبيّكم، ورزق عيالكم، قوموا عني».
قال الحميديّ: وبعض هذا المعنى من الوصية في حديث مقتل عمر، والشّورى من رواية عمرو بن ميمون.

[شرح الغريب]
شورى: فعلى، من المشورة في الرأي.
الكلالة: في الميراث: أن لا يرث الميت ولد ولا والد ويرثه أقاربه.
آية الصيف: أنزل الله تعالى في الكلالة آيتين، إحداهما: التي في أول سورة النساء، وكان نزولها في الشتاء، والثانية: التي في آخر سورة النساء وكان نزولها في الصيف، فسميت بآية الصيف.
فيئهم: الفيء، ما يحصل للمسلمين من أموال الكفار عن غير حرب وقتال.

2083 - (ط) سعيد بن المسيب - رحمه الله - قال: «لمّا صدر عمر بن الخطاب من منى أناخ بالأبطح، ثم كوّم كومة من بطحاء، ثم طرح عليها رداءه، ثم استلقى، ومدّ يديه إلى السماء، فقال: اللّهمّ كبرت سني، وضعفت قوّتي، وانتشرت رعيّتي، فاقبضني إليك غير مضيّعٍ، ولا مفرّطٍ، ثم قدم المدينة في عقب ذي الحجّة، فخطب الناس فقال: أيها الناس، قد سنّت لكم السّنن، وفرضت لكم الفرائض، وتركتم على الواضحة، ليلها كنهارها، وصفق إحدى يديه على الأخرى، وقال: إلا أن تضلّوا بالناس يمينا وشمالا، ثم قال: إياكم أن تهلكوا عن آية الرّجم، أن يقول قائلٌ: لا نجد حدّين في كتاب الله، فقد رجم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورجمنا، والذي نفسي بيده، لولا أن يقول الناس: زاد ابن الخطاب في كتاب الله لكتبتها: {الشّيخ والشّيخة فارجموهما ألبتّة} فإنا قد قرأناها».
قال ابن المسيب: فما انسلخ ذو الحجّة حتى قتل عمر.
قال مالك: قوله: {الشّيخ والشّيخة} يعني: الثّيّب والثّيّبة. أخرجه الموطأ.

2084 - (خ م ت د) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «دخلت على حفصة ونوساتها تنطف، فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلفٍ؟ قلت: ما كان ليفعل، قالت: إّنه فاعلٌ، قال: فحلفت أن أكلّمه في ذلك، فسكتّ حتى غدوت ولم أكلّمه، فكنت كأنما أحمل بيميني جبلا حتى رجعت، فدخلت عليه، فسألني عن حال الناس، وأنا أخبره، قال: ثم قلت له: إني سمعت الناس يقولون مقالة، فآليت أن أقولها لك: زعموا أنّك غير مستخلفٍ، وإنه لو كان [لك] راعي إبلٍ، أو راعي غنمٍ، ثم جاءك وتركها لرأيت أن قد ضيّع، فرعاية الناس أشدّ؟ قال: فوافقه قولي، فوضع رأسه ساعة، ثم رفعه إليّ، فقال: إنّ الله عزّ وجلّ يحفظ دينه، وإني إن لا أستخلف، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف، وإن أستخلف فإنّ أبا بكرٍ قد استخلف، قال: فوالله، ما هو إلا أن ذكر رسول الله، وأبا بكرٍ، فعلمت أنه لم يكن ليعدل برسول الله أحدا، وأنّه غير مستخلفٍ».
وفي رواية بمعناه في الاستخلاف: وأنه لما طعن عمر قيل له: لو استخلفت؟ قال: أتحمّل أمركم حيّا وميتا؟ إن استخلفت فقد استخلف من هو خيرٌ مني: أبو بكرٍ، وإن تركت فقد ترك من هو خيرٌ مني: رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وددت: أنّ حظّي منها الكفاف، لا عليّ، ولا لي، قال عبد الله: فعلمت أنه غير مستخلفٍ، فقالوا: جزاك الله خيرا، فقال: راغبٌ وراهبٌ. أخرجه البخاري، ومسلم.
وأخرج الترمذي منه فصلا، وهو قوله: «قال ابن عمر: قيل لعمر بن الخطاب: لو استخلفت؟ قال: إن استخلفت فقد استخلف أبو بكر، وإن لم أستخلف لم يستخلف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-» لم يزد.
وقال: وفي الحديث قصة.
وأخرج أبو داود منه قوله: «وإني إن لا أستخلف، فإنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يستخلف» إلى آخر الرواية الأولى.

[شرح الغريب]
نوساتها: النوسات: ذوائب الشعر.
تنطف: تقطر ماء.
راغب وراهب: الراغب: الطالب، والراهب: الخائف، والمراد: أنكم في قولكم لي هذا القول،إما راغب فيما عندي، أو راهب مني، وقيل: أراد أنني راغب فيما عند الله، وراهب من عقابه، فلا تعويل عندي على ما قلتم لي من الوصف والإطراء.

2085 - (خ) عمرو بن ميمون الأودي - رحمه الله -: قال: «رأيت عمر بن الخطاب قبل أن يصاب بأيامٍ بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان، وعثمان بن حنيفٍ، فقال: كيف فعلتما؟ أتخافان أن تكونا قد حمّلتما الأرض ما لا تطيق؟ قالا: حمّلناها أمرا هي له مطيقةٌ، وما فيها كبير فضل، فقال: انظرا أن تكونا حمّلتما الأرض ما لا تطيق !، فقالا: لا، فقال [عمر]: لئن سلّمني الله تعالى لأدعنّ أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى أحدٍ بعدي أبدا، قال: فما أتت عليه إلا رابعة حتى أصيب - رضي الله عنه - وقال عمرو بن ميمون: وإني لقائمٌ، ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس، غداة أصيب، وكان إذا مرّ بين الصفّين قام بينهما، فإذا رأى خللا قال: استووا، حتى إذا لم ير فيه خللا تقدّم فكبّر، قال: وربما قرأ سورة (يوسف) أو (النّحل) أو نحو ذلك في الرّكعة الأولى، حتى يجتمع الناس، فما هو إلا أن كبّر، فسمعته يقول: قتلني - أو أكلني - الكلب، حين طعنه، فطار العلج بسكّينٍ ذات طرفين، لا يمرّ على أحدٍ يمينا، ولا شمالا إلا طعنه، حتى طعن ثلاثة عشر رجلا، فمات منهم تسعةٌ - وفي رواية: سبعةٌ - فلما رأى ذلك رجلٌ من المسلمين طرح عليه برنسا، فلما ظنّ العلج أنه مأخوذٌ نحر نفسه، وتناول عمر [يد] عبد الرحمن بن عوفٍ فقدّمه، فأمّا من كان يلي عمر، فقد رأى الذي رأيت، وأمّا نواحي المسجد، فإنهم لا يدرون ما الأمر؟ غير أنهم [قد] فقدوا صوت عمر، وهم يقولون: سبحان الله، سبحان الله، فصلّى بهم عبد الرحمن بن عوف صلاة خفيفة، فلما انصرفوا، قال: يا ابن عبّاس، انظر: من قتلني؟ قال: فجال ساعة ثم جاء، فقال: غلام المغيرة بن شعبة، فقال: آلصّنع؟ قال: نعم، قال: قاتله الله، لقد كنت أمرت به معروفا، ثم قال: الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل مسلمٍ، قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة -وكان العباس أكثرهم رقيقا - فقال ابن عباس: إن شئت فعلت- أي: إن شئت قتلنا- قال: [كذبت]، بعدما تكلّموا بلسانكم، وصلّوا قبلتكم، وحجّوا حجّكم؟ فاحتمل إلى بيته، فانطلقنا معه، قال: وكأنّ الناس لم تصبهم مصيبةٌ قبل يومئذ، قال: فقائلٌ يقول: أخاف عليه، وقائلٌ يقول: لا بأس، فأتي بنبيذٍ فشربه، فخرج من جوفه، ثمّ أتي بلبنٍ فشرب منه، فخرج من جرحه، فعرفوا أنّه ميّتٌ، قال: فدخلنا عليه، وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجلٌ شابٌ فقال: أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله - عزّ وجل -، قد كان لك من صحبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقدمٍ في الإسلام، ما قد علمت، ثم وليت فعدلت، ثم شهادةٌ، فقال: وددت أنّ ذلك كان كفافا، لا عليّ، ولا لي، فلما أدبر الرّجل إذا إزاره يمسّ الأرض، فقال: ردّوا عليّ الغلام، فقال: يا ابن أخي، ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك، وأتقى لربّك، يا عبد الله انظر ما عليّ من الدّين، فحسبوه فوجدوه ستّة وثمانين ألفا، أو نحوه، فقال: إن وفى به مال آل عمر فأدّه من أموالهم، وإلا فسل في بني عديّ بن كعب، فإن لم تف أموالهم فسل في قريشٍ، ولا تعدهم إلى غيرهم، وأدّ عني هذا المال، انطلق إلى أمّ المؤمنين عائشة، فقل: يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل: أمير المؤمنين، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا، وقل: يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه، قال: فسلّم واستأذن، ثم دخل عليها، فوجدها قاعدة تبكي، فقال: يقرأ عليك عمر بن الخطاب السلام، ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه، قال: فقالت: كنت أريده لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي، فلما أقبل، قيل: هذا عبد الله بن عمر قد جاء، فقال: ارفعوني، وأسنده رجلٌ إليه، فقال: ما لديك؟ قال: الذي تحبّ يا أمير المؤمنين، أذنت، قال: الحمد لله، ما كان شيءٌ أهمّ إليّ من ذلك، فإذا أنا قبضت فاحملوني، ثم سلّم، وقل: يستأذن عمر، فإن أذنت لي فأدخلوني، وإن ردّتني فردّوني إلى مقابر المسلمين، وجاءت أمّ المؤمنين حفصة والنّساء تسترنها، فلما رأيناها قمنا، فولجت عليه، فبكت عنده ساعة، واستأذن الرجال، فولجت داخلا، فسمعنا بكاءها من الدّاخل، فقالوا: أوص يا أمير المؤمنين، استخلف، قال: ما أرى أحدا أحقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر - أو الرّهط - الذين توفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو عنهم راضٍ، فسمى عليّا، وعثمان، والزّبير، وطلحة، وسعدا، وعبد الرحمن، وقال: يشهدكم عبد الله بن عمر، وليس له من الأمر شيءٌ - كهيئة التّعزية له - فإن أصابت الإمارة سعدا فهو ذاك، وإلا فليستعن به أيّكم ما أمّر، فإني لم أعزله عن عجزٍ، ولا خيانة، وقال: أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين: أن يعرف لهم حقّهم، ويحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا: الذين تبوّؤوا الدارّ والإيمان من قبلهم: أن يقبل من محسنهم، وأن يعفى عن مسيئهم، وأوصيه بأهل الأمصار خيرا: فإنّهم ردء الإسلام، وجباة المال، وغيظ العدوّ، وأن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضى منهم، وأوصيه بالأعراب خيرا، فإنهم أصل العرب ومادّة الإسلام: أن يؤخذ من حواشي أموالهم، ويردّ على فقرائهم، وأوصيه بذمّة الله وذمّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-: أن يوفي لهم بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، ولا يكلّفوا إلا طاقتهم، قال: فلما قبض خرجنا به، فانطلقنا نمشي، فسلّم عبد الله بن عمر، وقال: يستأذن عمر بن الخطاب، قالت: أدخلوه، فأدخل، فوضع هنالك مع صاحبيه، فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرّهط، فقال عبد الرحمن بن عوف: اجعلوا أمركم إلى ثلاثةٍ منكم، فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى عليٍّ، وقال طلحة: قد جعلت أمري إلى عثمان، وقال سعدٌ: قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن، فقال عبد الرحمن: أيّكما يبرأ من الأمر فنجعله إليه، والله عليه والإسلام لينظرنّ أفضلهم في نفسه؟ فأسكت الشيخان، فقال عبد الرحمن: أفتجعلونه إليّ، والله عليّ أن لا آلوا عن أفضلكم؟ قالا: نعم، فأخذ بيد أحدهما، فقال: [إن] لك من قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والقدم في الإسلام ما قد علمت، فالله عليك لئن أمّرتك لتعدلنّ، ولئن أمّرت عثمان لتسمعنّ ولتطيعنّ؟ ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك، فلما أخذ الميثاق قال: ارفع يدك يا عثمان فبايعه، وبايع له عليٌّ، وولج أهل الدّار فبايعوه».أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
العلج: العجمي في ذلك الوقت.
أرامل: جمع أرملة، وهي التي مات زوجها، والرجل إذا ماتت امرأته: أرمل، وقيل: أراد بالأرامل: المساكين من الرجل والنساء.
برنسا: البرنس: قلنسوة طويلة كان يلبسها الزهاد في صدر الإسلام.
رقيقا: الرقيق: اسم لجميع العبيد والإماء.
كفافا: يقال: خرجت من هذا الأمر كفافا، أي: لا لي ولا علي.
نبيذ: شراب من تمر أو زبيب منبوذ في ماء، والمراد به: الحلال المباح الذي لا يسكر.
لا تعدوهم: عداه: إذا جاوزه إلى غيره.
تبوؤوا: تبوأت المنزل: إذا اتخذته منزلا.
ردء: الردء العون.

2086 - (خ) عروة بن الزبير - رضي الله عنهما -: «أنه لمّا سقط حائط حجرة قبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في زمان الوليد أخذ في بنائه، فبدت لهم قدمٌ، ففزعوا، وظنوا أنّها قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فما وجدوا أحدا يعلم ذلك، حتى قال لهم عروة: [لا] والله، ما هي قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما هي إلا قدم عمر» أخرجه....
2087 - (خ) المسور بن مخرمة - رضي الله عنه -: «أنّ الرّهط الذين ولاهم عمر اجتمعوا، فتشاوروا، فقال لهم عبد الرحمن بن عوف: لست بالذي أنافسكم في هذا الأمر، ولكنكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرحمن، فلما ولّوه أمرهم انثال الناس على عبد الرحمن ومالوا إليه، حتى ما أرى أحدا من الناس يتبع أحدا من أولئك الرّهط، ولا يطأ عقبيه، ومال الناس على عبد الرحمن يشاورونه، ويناجونه تلك اللّيالي، حتى إذا كانت الليلة التي أصبحنا منها، فبايعنا عثمان، قال المسور: طرقني عبد الرحمن بعد هجعٍ من الليل، فضرب الباب حتى استيقظت، فقال: ألا أراك نائما؟ فوالله ما اكتحلت هذه الثلاث بكبير نومٍ [انطلق] فادع لي الزّبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما، ثم دعاني، فقال: ادع لي عليّا، فدعوته فناجاه حتى ابهارّ اللّيل، ثم قام عليٌّ من عنده وهو على طمعٍ، وكان عبد الرحمن يخشى من عليٍّ شيئا، ثم قال: ادع لي عثمان، فناجاه حتى فرّق بينهما المؤذّن للصبح، فلمّا صلى الناس الصبح، اجتمع أولئك الرهط عند المنبر، فأرسل عبد الرحمن إلى من كان خارجا من المهاجرين والأنصار، وأرسل إلى أمراء الأجناد، وكانوا قد وافوا تلك الحجّة مع عمر، فلما اجتمعوا تشهّد عبد الرحمن، وقال: أما بعد، يا عليّ، فإني نظرت في أمر الناس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا، وأخذ بيد عثمان، وقال: أبايعك على سنّة الله ورسوله، والخليفتين من بعده، فبايعه عبد الرحمن، وبايعه الناس والمهاجرون والأنصار، وأمراء الأجناد والمسلمون» أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
هجع: مضى هجع من الليل، أي: طائفة منه.
إبهار: الليل: إذا مضى نصفه.

2088 - عبد الله بن سلام - رضي الله عنه -: قال: «لمّا حوصر عثمان، ولّى أبا هريرة على الصّلاة، وكان ابن عباسٍ يصلّي أحيانا، ثم بعث عثمان إليهم، فقال: ما تريدون مني؟ قالوا: نريد أن تخلع إليهم أمرهم، قال: لا أخلع سربالا سربلنيه الله تعالى، قالوا: فهم قاتلوك، قال: لئن قتلتموني لا تتحابّون بعدي أبدا، ولا تقاتلون بعدي عدوّا جميعا أبدا، ولتختلفنّ على بصيرةٍ، يا قوم، لا يجرمنّكم شقاقي أن يصيبكم ما أصاب من قبلكم، فلما اشتدّ عليه الأمر أصبح صائما يوم الجمعة، فلما كان في بعض النهار نام، قال: رأيت الآن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال لي: إنّك تفطر عندنا اللّيلة، فقتل من يومه، ثم قام عليٌّ خطيبا، فحمد الله،وأثنى عليه، وقال: أيّها الناس، أقبلوا عليّ بأسماعكم وأبصاركم، إني أخاف أن أكون أنا وأنتم قد أصبحنا في فتنةٍ،وما علينا فيها إلا الاجتهاد، [وقال]: إنّ الله أدّب الأمّة بأدبين: الكتاب والسنّة، لا هوادة عند السلطان فيهما،فاتّقوا الله وأصلحوا ذات بينكم،ثم نزل،وعمد إلى ما بقي من بيت المال،فقسمه على المسلمين» أخرجه....
[شرح الغريب]
الصنع بفتح الصاد والنون: الصانع المجيد المتقن، والمرأة صناع.
بصيرة: البصيرة: المعرفة والفطنة.
يجرمنكم: لا يجرمنكم أي: لا يحملنكم ولا يحدوكم.
شقاقي: الشقاق: النزاع والخلاف.
هوادة: الهوادة: السكون والموادعة والرضى بالحالة التي ترجى معها السلامة.

2089 - (خ) الحسن البصري - رحمه الله - قال: استقبل والله الحسن بن عليّ معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: إنّي لأرى كتائب لا تولّي حتى تقتل أقرانها، فقال [له] معاوية - وكان والله خير الرجلين -: أي عمرو: «أرأيت إن قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم؟ من لي بضيعتهم؟» فبعث إليه رجلين من قريشٍ من بني عبد شمس: عبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عامر، فقال: اذهبا إلى الرّجل فاعرضا عليه، وقولا له، واطلبا إليه، فأتياه، فدخلا عليه، وتكلّما، وقالا له، وطلبا إليه، فقال لهم الحسن بن عليٍّ: إنّا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال، وإنّ هذه الأمّة قد عاثت في دمائها، قالا: فإنه يعرض عليك كذا وكذا، ويطلب إليك ويسألك؟ قال: فمن لي بهذا؟. قالا: نحن لك به، فما سألهما شيئا إلا قالا: نحن لك به، فصالحه، قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر والحسن بن عليٍّ إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرّة، وعليه أخرى، ويقول: «إنّ ابني هذا سيّدٌ، ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» أخرجه البخاري.
[شرح الغريب]
بكتائب: الكتائب: جمع كتيبة، وهي القطعة المجتمعة من الجيش.
أقرانها: الأقران: جمع قرن - بكسر القاف - وهو المثل والنظير في الحرب.
بضيعتهم: ضيعة الرجل: ما يكون معاشه من صناعة وغيرها من غلة وتجارة ونحوها.
عاثت: العيث: الفساد.


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخلافة, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir