دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب القضاء

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 محرم 1430هـ/24-01-2009م, 10:30 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الشهادات (1/6) [حث الشاهد على أن يشهد إذا كان عنده علم لا يعلمه غيره، وإن لم تطلب منه الشهادة]


بابُ الشَّهَادَاتِ
عنْ زيدِ بنِ خالدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: ((أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا)). رواهُ مسلمٌ.
وعنْ عِمرانَ بنِ حُصينٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلَا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلَا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)). مُتَّفَقٌ عليهِ.


  #2  
قديم 28 محرم 1430هـ/24-01-2009م, 11:35 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ الشَّهَادَاتِ
الشَّهَادَةُ: مَصْدَرُ شَهِدَ، جَمْعٌ لإِرَادَةِ أَنْوَاعِ الشَّهَادَةِ، قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: الشَّهَادَةُ خَبَرٌ قَاطِعٌ، وَالشَّاهِدُ حَامِلُ الشَّهَادَةِ وَمُؤَدِّيهَا؛ لأَنَّهُ مُشَاهِدٌ لِمَا غَابَ عَنْ غَيْرِهِ.
وَقِيلَ: هِيَ مَأْخُوذَةٌ مِن الإِعْلامِ؛ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ}؛ أَيْ: عَلِمَ.
1/1318 - عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؟ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا. رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
دَلَّ الحَدِيثُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الشُّهَدَاءِ مَنْ يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ لِمَن هِيَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ، إلاَّ أَنَّهُ يُعَارِضُهُ الْحَدِيثُ الثَّانِي، وَهُوَ حَدِيثُ عِمْرَانَ، وَفِيهِ: ((ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ))، فِي سِيَاقِ الذَّمِّ لَهُمْ. وَلَمَّا تَعَارَضَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا عَلَى ثَلاثَةِ أَوْجُهٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِحَدِيثِ زَيْدٍ: إذَا كَانَ عِنْدَ الشَّاهِدِ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ لا يَعْلَمُ بِهَا صَاحِبُ الْحَقِّ، فَيَأْتِي إلَيْهِ فَيُخْبِرُهُ بِهَا، أَوْ يَمُوتُ صَاحِبُهَا فَيُخَلِّفُ وَرَثَةً، فَيَأْتِي إلَيْهِمْ فَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ عِنْدَهُ لَهُمْ شَهَادَةً، وَهَذَا أَحْسَنُ الأَجْوِبَةِ، وَهُوَ جَوَابُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ شَيْخِ مَالِكٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا شَهَادَةُ الْحِسْبَةِ، وَهِيَ مَا لا تَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الآدَمِيِّينَ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ مَحْضاً، وَيَدْخُلُ فِي الْحِسْبَةِ مَا يَتَعَلَّقُ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مَا فِيهِ شَائِبَةٌ للَّهِ تعالى؛ كَالصَّلاةِ وَالْوَقْفِ وَالْوَصِيَّةِ الْعَامَّةِ وَنَحْوِهَا. وَحَدِيثُ عِمْرَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ فِي حُقُوقِ الآدَمِيِّينَ الْمَحْضَةِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِ: أَنْ يَأْتِيَ بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، الْمُبَالَغَةُ فِي الإِجَابَةِ، فَيَكُونُ لِقُوَّةِ اسْتِعْدَادِهِ كَالَّذِي أَتَى بِهَا قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا، كَمَا يُقَالُ فِي حَقِّ الْجَوَادِ: إنَّهُ لِيُعْطِي قَبْلَ الطَّلَبِ.
وَهَذِهِ الأَجْوِبَةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الشَّهَادَةَ لا تُؤَدَّى قَبْلَ أَنْ يَطْلُبَهَا صَاحِبُ الْحَقِّ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ؛ عَمَلاً بِرِوَايَةِ زَيْدٍ، وَتَأَوَّلَ حَدِيثَ عِمْرَانَ بِأَحَدِ تَأْوِيلاتٍ:
الأَوَّلُ: أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ؛ أَيْ: يُؤَدُّونَ شَهَادَةً لَمْ يَسْبِقْ لَهُمْ بِهَا عِلْمٌ، حَكَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ إتْيَانُهُ بِالشَّهَادَةِ بِلَفْظِ الْحَلِفِ؛ نَحْوُ: أَشْهَدُ بِاللَّهِ مَا كَانَ إلاَّ كَذَا، وَهَذَا جَوَابُ الطَّحَاوِيِّ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرَادَ بالشَّهَادَةِ عَلَى مَا لَمْ يَعْلَمْ مَا سَيَكُونُ مِن الأُمُورِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، فَيَشْهَدُ عَلَى قَوْمٍ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَعَلَى قَوْمٍ بِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ بغَيْرِ دَلِيلٍ، كَمَا يَصْنَعُ ذَلِكَ أَهْلُ الأَهْوَاءِ. حَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ. وَالأَوَّلُ أَحْسَنُهَا.
2/1319 - وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلا يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلا يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذِرُونَ وَلا يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ).
الْقَرْنُ: أَهْلُ زَمَانٍ وَاحِدٍ مُتَقَارِبٍ، اشْتَرَكُوا فِي أَمْرٍ مِن الأُمُورِ الْمَقْصُودَةِ، وَيُقَالُ: إنَّ ذَلِكَ مَخْصُوصٌ بِمَا إذَا اجْتَمَعُوا فِي زَمَانٍ، أَوْ رَئِيسٍ يَجْمَعُهُمْ عَلَى مِلَّةٍ أَوْ مَذْهَبٍ أَوْ عَمَلٍ، وَيُطْلَقُ الْقَرْنُ عَلَى مُدَّةٍ مِن الزَّمَانِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِهَا مِنْ عَشَرَةِ أَعْوَامٍ إلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ: إنَّهُ لَمْ يُرَ مَنْ صَرَّحَ بِالتِّسْعِينَ وَلا بِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ بِهِ قَائِلٌ. قُلْتُ: أَمَّا التِّسْعُونَ فَنَعَمْ، وَأَمَّا الْمِائَةُ وَالْعِشْرُونَ فَصَرَّحَ بِهِ فِي الْقَامُوسِ؛ فَإِنَّهُ قَالَ: أَوْ مِائَةٌ أَوْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ. وَالأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِغُلامٍ: ((عِشْ قَرْناً))، فَعَاشَ مِائَةَ سَنَةٍ. انْتَهَى.
قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ: الْقَرْنُ أُمَّةٌ هَلَكَتْ، فَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَقَرْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُرَادُ بِهِ هُم الْمُسْلِمُونَ فِي عَصْرِهِ. وَقَوْلُهُ: ((ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)) هُم التَّابِعُونَ، وَالَّذِينَ يَلُونَ التَّابِعِينَ أَتْبَاعُ التَّابِعِينَ.
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّحَابَةَ أَفْضَلُ مِن التَّابِعِينَ، وَالتَّابِعِينَ أَفْضَلُ مِنْ تَابِعِيهِمْ، وَأَنَّ التَّفْضِيلَ بِالنَّظَرِ إلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ. وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ.
وَذَهَبَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ إلَى أَنَّ التَّفْضِيلَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَجْمُوعِ الصَّحَابَةِ، لا إلَى الأَفْرَادِ، فَمَجْمُوعُ الصَّحَابَةِ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ، لا كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ، إلاَّ أَهْلَ بَدْرٍ وَأَهْلَ الْحُدَيْبِيَةِ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِمْ، يُرِيدُ أَنَّ أَفْرَادَهُمْ أَفْضَلُ مِنْ أَفْرَادِ مَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ.
وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَمَّارٍ، مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمَّتِي مِثْلُ الْمَطَرِ، لا يُدْرَى أَوَّلُهُ خَيْرٌ أَمْ آخِرُهُ))، وَبِمَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَالدَّارِمِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي جُمُعَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدٌ خَيْرٌ مِنَّا؟ أَسْلَمْنَا مَعَكَ، وَهَاجَرْنَا مَعَكَ، قَالَ: ((قَوْمٌ يَكُونُونَ مِنْ بَعْدِكُمْ، يُؤْمِنُونَ بِي وَلَمْ يَرَوْنِي))، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ.
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ثَعْلَبَةَ يَرْفَعُهُ: ((تَأْتِي أَيَّامٌ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ أَجْرُ خَمْسِينَ))، قِيلَ: مِنْهُمْ أَوْ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((بَلْ مِنْكُمْ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ فِي مَشْيَخَتِهِ عَنْ أَنَسٍ يَرْفَعُهُ: ((يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ الصَّابِرُ فِيهِ عَلَى دِينِهِ لَهُ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ)).
وَجَمَعَ الْجُمْهُورُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ بِأَنَّ لِلصُّحْبَةِ فَضِيلَةً وَمَزِيَّةً لا يُوَازِيهَا شَيْءٌ مِن الأَعْمَالِ، فَلِمَنْ صَحِبَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضِيلَتُهَا وَإِنْ قَصَرَ عَمَلُهُ وَأَجْرُهُ، بِاعْتِبَارِ الاجْتِهَادِ فِي الْعِبَادَةِ، وَتَكُونُ خَيْرِيَّةُ مَنْ يَأْتِي بِاعْتِبَارِ كَثْرَةِ الأَجْرِ بِالنَّظَرِ إلَى ثَوَابِ الأَعْمَالِ. وَهَذَا قَدْ يَكُونُ فِي حَقِّ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا مَشَاهِيرُ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُمْ حَازُوا السَّبْقَ مِنْ كُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْخَيْرِ، وَبِهَذَا يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ الأَحَادِيثِ.
وَأَيْضاً، فَإِنَّ الْمُفَاضَلَةَ بَيْنَ الأَعْمَالِ بِالنَّظَرِ إلَى الأَعْمَالِ الْمُتَسَاوِيَةِ فِي النَّوْعِ، وَفَضِيلَةُ الصُّحْبَةِ مُخْتَصَّةٌ بِالصَّحَابَةِ، لَمْ يَكُنْ لِمَنْ عَدَاهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ.
وَفِي قَوْلِهِ: ((ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ)) إلَى آخِرِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي القُرونِ الثَّلاثَةِ مَنْ يَتَّصِفُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ الْمَذْمُومَةِ، وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِحَسَبِ الأَغْلَبِ. وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى تَعْدِيلِ الْقُرُونِ الثَّلاثَةِ، وَلَكِنَّهُ أَيْضاً بِاعْتِبَارِ الأَغْلَبِ.
وَقَوْلُهُ: ((وَلا يُؤْتَمَنُونَ))؛ أَيْ: لا يَرَاهُم النَّاسُ أُمَنَاءَ، وَلا يَثِقُونَ بِهِمْ؛ لِظُهُورِ خِيَانَتِهِمْ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ الأَمَانَةَ أَوَّلُ مَا تُرْفَعُ مِن النَّاسِ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ: ((يَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)) أَنَّهُمْ يَتَوَسَّعُونَ فِي الْمَأكِلِ وَالْمَشْرَبِ، وَهِيَ أَسْبَابُ السِّمَنِ، وَقِيلَ: أَرَادَ كَثْرَةَ الْمَالِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَتَسَمَّنُونَ؛ أَيْ: يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ، وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِن الشَّرَفِ.
وَفِي حَدِيثٍ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِلَفْظِ: ((ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ يَتَسَمَّنُونَ وَيُحِبُّونَ السِّمَنَ))، فَجَمَعَ بَيْنَ السِّمَنِ؛ أَي: التَّكَثُّرِ بِمَا لَيْسَ عِنْدَهُمْ، وَتَعَاطِي أَسْبَابِ السِّمَنِ.


  #3  
قديم 28 محرم 1430هـ/24-01-2009م, 11:36 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بابُ الشَّهَادَاتِ

1215- عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ((أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ الشُّهَدَاءِ؛ هُوَ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا)). رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
1216- وَعَنْ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

*مُفْرَداتُ الحديثِ:
َيْرُ: جمعُه: أَخيارٌ وخِيَارٌ، يُسْتَعْمَلُ اسمَ تَفْضِيلٍ، وأصلُه: أَخْيَرُ، فحَذْفُ الهمزةِعلى خِلافِ القياسِ؛ لكثرةِ الاستعمالِ، فصارَ مُتَصَرِّفاً لمغايرتِه وزنَ الفِعْلِ.
َرْنِي: القَرْنُ جمعُه قُرُونٌ، وهو مصدرٌ، وهو مُدَّةٌ، قِيلَ: أربعونَ سنةً. وقِيلَ: أقلُّ. وقيلَ: أكثرُ. والراجِحُ عندَ اللُّغويِّينَ: أنه مائةُ سنةٍ، وعليه جَرَى المؤرِّخُونَ.
ولعلَّ المرادَ هنا أهلُ زمانٍ واحدٍ.
ُسْتَشْهَدُونَ: الشاهِدُ جمعُه شُهُودٌ، يُقالُ: شَهِدَ المَجْلِسَ؛ أي: حَضَرَه، وشَهِدَ عندَ الحاكمِ لفلانٍ على فلانٍ بكذا: أَدَّى ما عندَه من الشَّهادةِ؛ أي: أَخْبَرَ بما عندَه خبراً قاطعاًَ.
فمعنى (يُسْتَشْهَدُونَ) أي: يُؤَدُّونَ الشَّهادةَ قبلَ أنْ تُطْلَبَ منهم.
َخُونُونَ: خانَه في كذا يَخُونَه خَوناً وخِيانةً، فهو خائِنٌ، والجمعُ خَوَنَةٌ، والخِيانةُ: خلافُ الأمانةِ.
ُؤْتَمَنُونَ: يُقالُ: أَمُنَ يَأْمُنُ أمانةً، ضِدُّ خانَ، فهو أمينٌ. فمعنى يُؤْتَمَنُونَ: يُتَّخَذُونَ أُمَنَاءَ.
َنْذُرُونَ: النَّذْرُ مصدرُ نَذَرْتُ أَنْذُرُ بضمِّ الذالِ، من بابِ قَتَلَ، والنذْرُ في الشرعِ: إلزامُ مُكَلَّفٍ مختارٍ نفسَه بعبادةِ اللَّهِ تعالى.
ُوفُونَ: يُقالُ: وَفَى بالعهدِ والوعدِ يَفِي وَفاءً، بمعنى: أَتَمَّه وحافَظَ عليه، وهو ضِدُّ الغَدْرِ، فهو وَفِيٌّ ووَافٍ، فأَوْفَى نَذْرَه: أَحْسَنَ الإيفاءَ.
-السِّمَنُ: يُقالُ: سَمِنَ يَسْمَنُ سَمانةً وسِمَناً: كَثُرَ لحمُه وشَحْمُه، ضِدُّ هَزَلَ، فهو سَمِينٌ، والجمعُ سِمانٌ.
*ما يُؤْخَذُ مِنَ الحَدِيثَيْنِ:
1- الشَّهاداتُ واحِدُها شَهادةٌ، مُشْتَقَّةٌ مِن المشاهَدَةِ: إمَّا بالبَصَرِ، أو البصيرةِ؛ لأنَّ الشاهِدَ يُخْبِرُ عَمَّا شَاهَدَه، وتُطْلَقُ الشَّهادةُ على التحمُّلِ والأداءِ.
2- الشَّهَادَةُ: هي الإخبارُ بما يَعْلَمُه بلفظِ أَشْهَدُ، أو شَهِدْتُ، وهذا هو المشهورُ مِن مَذْهَبِ الأَئِمَّةِ الثلاثةِ: أبي حَنِيفةَ، ومالكٍ، وأحمدَ.
والروايةُ الأخرَى عن أحمدَ: أنه لا يُشْتَرَطُ في أداءِ الشهادَةِ لفظُ أَشْهَدُ؛ واخْتَارَه شيخُ الإسلامِ،وتلميذُه ابنُ القَيِّمِ.
قالَ الشيخُ: وهو مُقْتَضَى قواعدِ أحمدَ وغيرِه، ولا أَعْلَمُ نصًّا يُخالِفُه، ولا يُعْرَفُ عن صَحَابِيٍّ ولا تابِعِيٍّ اشْتِرَاطُ لفظِ الشهادةِ.
وقالَ ابنُ القَيِّمِ: الإخبارُ إشهادٌ مَحْضٌ في أَصَحِّ الأقوالِ.
وهو قولُ الجمهورِ؛ فإنَّه لا يُشْتَرَطُ في صِحَّةِ الشهادةِ لفظُ أَشْهَدُ، بل متى قالَ الشاهدُ: رَأَيْتُ، أو سَمِعْتُ، أو نحوُ ذلك، كانَتْ شَهادةً منه، وليسَ في كِتابِ اللَّهِ، ولا في سُنَّةِ رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْضِعٌ واحدٌ يَدُلُّ على اشتراطِ لفظِ الشهادةِ، ولا عن رجلٍ واحدٍ من الصحابةِ، ولا قِياسٌ ولا استنباطٌ يَقْتَضِيه، بل الأدلَّةُ المتضافِرَةُ من الكتابِ والسنَّةِ، وأقوالِ الصحابةِ، ولغةِ العربِ: تَنْفِي ذلكَ.
3- الحديثانِ متعارِضانِ؛ فحديثُ زيدٍ: مَدَحَ الذي يأتي بالشهادةِ قبلَ أنْ يُسْأَلَهَا، وتُطْلَبَ منه، وحديثُ عِمرانَ: ذَمَّ الذين يَشْهَدُونَ قبلَ أنْ يُسْتَشْهَدُوا، وتُطْلَبَ منهم، وجُمِعَ بينَهما بعدَّةِ أوجهٍ:
أَحْسَنُها: كونُه يَشْهَدُ قبلَ أنْ يُسْتَشْهَدَ مذمومٌ، إلاَّ أنْ يكونَ عندَه شَهادةٌ بحقٍّ لا يَعْلَمُ بها صاحبُ الحقِّ، فيأتي إليه، ويُخْبِرُه بها، أو يموتُ صاحبُ الحقِّ فيأتي إلى وَرَثَتِه، فيُخْبِرُهُم بأنَّ عندَه لهم شَهادةً؛ فهذا هو أحسنُ الوجوهِ في الجَمْعِ بينَ الحديثيْنِ.
قالَ في (الإنصافِ): مَن عندَه شَهادةٌ لآدَمِيٍّ يَعْلَمُها لم يُقِمْها حتى يَسْأَلَه، فإنْ لم يَعْلَمْها، اسْتُحِبَّ له إعلامُه بها.
4- قالَ شيخُ الإسلامِ: يَجِبُ على مَن طُلِبَتْ منه الشهادةُ أداؤُها، فإذا امْتَنَعَ الجماعةُ مِن الشهادةِ أَثِمُوا كُلُّهم باتِّفاقِ العلماءِ.
وقالَ ابنُ القَيِّمِ: إنَّ الشاهدَ إذا كَتَمَ الشهادةَ بالحقِّ، ضَمِنَه؛ لأنَّه أَمْكَنَه تخليصُ حقِّ صاحبِه، فلم يَفْعَلْ؛ فلَزِمَه الضمانُ.
5- قالَ فقهاؤُنا: تُحْمَلُ الشهادةُ في غيرِ حقِّ اللَّهِ تعالى فَرضُ كِفايةٍ، وإنْ لم يُوجَدْ مَن يَكْفِي تَعَيَّنَتْ عليه؛ لقولِهِ تعالى: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: 282]؛ أي: لِتَحَمُّلِ الشَّهادةِ، فعليهم الإجابةُ، وعندَ جمهورِ العلماءِ: أنَّ تَحَمُّلَهَا فرضُ كفايةٍ، والأداءُ فرضُ عَيْنٍ.
6- قالَ فقهاؤُنا: وأداءُ الشهادةِ فرضُ عَيْنٍ على مَن تَحَمَّلَها متى دُعِيَ إليها؛ لقولِهِ: {وَلاَ تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمُهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283]،فهذا وَعِيدٌ شديدٌ، وإنما خَصَّ القلبَ؛ لأنَّه مَوْضِعُ العلمِ بالشهادةِ، فدَلَّتِ الآيةُ على فَرْضِيَّةِ أدائِها عَيْناً على مَن تَحَمَّلَ متى دُعِيَ إليها.
7- قالَ العلماءُ: إنْ لَحِقَ الشاهدَ ضَرَرٌ بتَحَمُّلِ الشهادةِ أو أدائِها في بَدَنِه، أو عِرْضِه، أو مالِه، أو أهلِه-لم تَلْزَمْه.
8- حديثُ عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ دليلٌ على أنَّ الصحابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم هم أفضلُ الأُمَّةِ، وهم أفضلُ مِن التابعينَ، والتابعونَأفضلُ مِن تابع [لعلها: تابِعِي] التابِعِينَ.
9- الصحيحُ أنَّ فَضْلَ الصحابةِ على التابعينَهو فضلُ جُمْلَةٍ على جُملةٍ، لا فَضْلُ كلِّ فَرْدٍ على كلِّ فردٍ؛ فإنَّه قد يكونُ في فُضَلاءِ التابعينَ مَن يَفْضِلُ بعضَ الصحابةِ،ولكنْ يُسْتَثْنَى مِن هذا أمرانِ:
أحدُهما: مشاهيرُ الصحابةِ، وأصحابُ السابقةِ منهم، مِن المهاجرينَ والأنصارِ، لاسيَّما أهلُ بدرٍ وأهلُ الشجرةِ؛ فهؤلاء لا يَلْحَقُهُم أحدٌ في فَضْلِهم، وسابقتِهم، ونصرِهم دينَهم، وما خَصَّهُمُ اللَّهُ تعالى به مِن صُحْبَةِ نبيِّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
الثاني: أنَّ المفضولَ من الصحابةِأمامَ الفاضلِ من التابعينَ وغيرِهم، فالصحابيُّ يُفَضَّلُ على غيرِه بالصُّحْبَةِ، فلا يَلْحَقُه أحدٌ فيها، وإنِ امْتازَ عليه الآخَرُ بالعلمِ، والعبادةِ، والفضلِ، فلِلصحَابِيِّ مهما كانَتْ حالُه فضيلةُ الصُّحْبَةِ.
10- الحديثُ يَدُلُّ على فَضْلِ هذه القرونِ الثلاثةِ المفضَّلَةِ ممَّن سَارُوا على نَهْجِ نَبِيِّهم، واقْتَفُوا أَثَرَه؛ فكانوا خيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للناسِ.
فلمَّا جاءَ القرنُ الرابِعُ، بَدَأَتِ الخلافاتُ في المقالاتِ، وتَعَدَّدَتِ المذاهبُ المنحرِفَةُ، والمقالاتُ الكَلامِيَّةُ،وحَدَثَتِ البِدَعُ؛ فأخَذَتْ معالِمُ العقيدةِ الصحيحةِ تَتَغَيَّرُ، ومحاسِنُها تَنْطَمِسُ.
11- ويَدُلُّ الحديثُ على أنَّ الفضيلةَ ليسَتْ بعِمارةِ الحياةِ الدنيا، وبَهْجَتِها وزِينَتِها، وإنما الفضيلةُ موجودةٌ حيثُ تُوجَدُ الأمانةُ، ويُوجَدُ الوفاءُ بالعُهُودِ، والعُقُودِ، والنُّذُورِ، وتكونُ الآخرةُ هي أكبرَ هَمِّ المسلِمِ؛ لأنَّ المسلِمَ ليسَ هَمُّه، وكَدُّه، وجِدُّه، فيما يَعُودُ عليه بالتَّرَفِ مِن حُسْنِ المآكِلِ، والملابِسِ، والمراكِبِ، والمساكِنِ؛ فإيثارُ الحياةِ الدنيا على الآخرةِ هو عينُ الخَسارةِ؛ قالَ تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17].

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الشهادات, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:58 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir