دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 ربيع الأول 1443هـ/17-10-2021م, 02:08 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي مجلس مذاكرة كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود شاكر

مجلس مذاكرة كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود شاكر

لخّص مقاصد كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود شاكر.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 12 ربيع الأول 1443هـ/18-10-2021م, 08:21 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تلخيص مقاصد كتاب قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام لمحمود شاكر.

*

المقصد الأكبر: إزالة الإبهام الذي اكتنف رسالة ابن سلام، والكشف عن الكثير من الغموض الذي أحاط بالشعر الجاهلي وروايته.

وينطوي تحته ثلاث قضايا هي:
القضية الأولى:*قضية عمر الشعر الجاهلي الذي وقع إلينا، وهي قضية متفرعة عن أولية الشعر نفسه في لسان العرب.
والقضية الثانية:*قضية شعراء الجاهلية المعروفين، وما انتهى إلينا من أشعارهم، ومقدار هذا الشعر.
والقضية الثالثة:*قضية وضع الشعر ونحله شعراء الجاهلية، أهي صحيحة أم باطلة؟ فإن صحت فأين المنحول في ما وصلنا عن العلماء الرواة من أشعارهم؟

*

المقاصد الثانوية:

*مقدمة في منهج أبي فهر مع كتب القدماء:

-إعادة النظر مرة بعد الأخرى في الكلام وتتبع تاريخه.

-استيعاب الكلام وعرض بعضه على بعض حتى يزول التخالف الداعي إلى الشك.

-تحليل الألفاظ ثم الجمل تحليلا دقيقا مع الوقوف على مقاصد الكاتب.

-إعادة تركيب النص بعد زوال الغموض عن اللفظ، والتشقق عن الجمل.

*

القضية الأولى، وهي قضية عمر الشعر الجاهلي وأوليته:

*عمر الشعر الجاهلي ورأي الجاحظ فيه لكونه من أقدم من كتب في القضية:

-يرى الجاحظ أن عمر الشعر قصير, وأن أول من نهج سبيله امرؤ القيس ومهلهل ربيعة.

-يستخدم الجاحظ الأسلوب الحسابي البحت في تقرير هذا الرأي، فيرى أن الشعر ولد قبل الإسلام بمئة وخمسين سنة. أو إن كما قيل أن امرؤ القيس كان يتكئ في بعض شعره على من سبقه كابن حذام الطائي وأبي دؤاد الإيادي, فيكون مئتي عام.

-تفنيد رأي الجاحظ:

-أن الحساب وحده لا يكاد يغني شيئًا في ميلاد الشعر وحداثة سنه.

-عدم النظر في شعر امرئ القيس نفسه، كيف جاء موزونًا مقفى على ضروب مختلفة من الأوزان والقوافي، كيف تسنى لمهلهل وابن أخته أن يستحدثنا هذا القدر في البحور المختلفة الأوزان والقوافي؟ ولا كيف يمكن أن يقع لهما هذا القدر من الابتداع جملة على غير مثال سابق؟

-قول الجاحظ:" كتب أرسطاطاليس، ومعلمه أفلاطون، ثم بطليموس وديمقريطس وفلان وفلان، قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور، والأحقاب قبل الأحقاب" دعوى، والدعوى لا تقرر بمثلها تفتقر هي نفسها إلى برهان يجليها ويثبتها. وكلتاهما تحتاج إلى دليل غير الدليل الحسابي المعتمد على زمن الميلاد وزمن الوفاة.

-اعتماد الجاحظ على خبر واه ضعيف:

بدا أن أبا عثمان قد أخذ أن امرأ القيس هو أول من نهج سبيل الشعر من هذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (رقم: 7127)، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار<. وهذا الخبر نفسه رواه البخاري في الكنى قال: >قال مسدد، حدثنا هشيم، حدثنا شيخ يكنى أبا جهم، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: >صاحب لواء الشعراء إلى النار، امرء القيس، لأنه أول من أحكم الشعر<. وأبو الجهم هذا قال فيه ابن عدي >شيخ مجهول، لا يعرف له اسم، وخبره منكر، ولا أعرف له غيره<، وقد أفاض السيد أحمد محمد شاكر رحمه الله في شرح إسناد هذا الخبر، وذكر إجماع علماء الجرح والتعديل على أن أبا الجهم معروف برواية هذا الخبر، وأنه خبر واهٍ ضعيف جدًا.

* فإذن: قضية أبي عثمان في أولية الشعر دعوى باطلة مركبة على دعوى باطلة أخرى لا أصل لها، وكلتاهما لا حجة عليها يجب التسليم لها من نص أو نظر.

*

*محمد بن سلام وكتابه الطبقات:

-تبرير الإقبال على كتاب ابن سلام، والاستفادة منه في هذه القضية:

أنه أشد من أبي عثمان تحريًا وضبطًا، وأبلغ منه تحققًا وتثبيتًا في رواية الشعر ونقده، وهو بلا ريب أعلم به منه وأخبر. كما أنه أقدم كتاب وصل إلينا من كتب قدماء نقاد الأدب والشعر، بل لعله طليعة كتب النقد في الأدب العربي.

*رسالة طبقات فحول الشعراء وسياقاتها:

-حاول أبو فهر فيها ترتيب السياقات، والإشارة إلى الأوهام التي توحي بها، والنص على غياب إحدى الفقرات في إحدى الطبعات، وهو ما قاد أول المشككين في الشعر الجاهلي النافين لصحة ما روي منه، إلى فساد كثير في الرأي، وإلى خلل مفزع في النظر. فلما حضرت هذه الفقرة نفسها، فهمت على غير وجهها، ووضعت في غير موضعها، وصارت حجة في معان هي في الحقيقة حجة عليها لا لها، ثم أفضت إلى تفسير سائر كلام ابن سلام في رسالة كتابه تفسيرًا غير صحيح.

-عرض لكتاب ابن سلام:

بدأ ابن سلام عرض كتابه وسبب تأليفه في الفقرة الثانية (ص3 من المطبوع) فقال:
>ذكرنا العرب وأشعارها، والمشهورين المعروفين من شعرائها وفرسانها وأشرافها وأيامها، إذ كان لا يحاط بشعر قبيلة واحدة من قبائل العرب، وكذلك فرسانها وساداتها وأيامها. فاقتصرنا من ذلك على ما لا يجهله عالم، ولا يستغنى عن علمه ناظر في أمر العرب، فبدأنا بالشعر<....
وواضح أنه أراد هنا أن يبين منهجه في تأليف الكتاب، وأنه سيذكر بعقب ذلك تتمة عرضه لعمله في التأليف، ولكنه قطع هذا العرض فجأة، ولم يعد إلى وصل الحديث عنه إلا في الفقرة الحادية والثلاثين (ص: 23) فقال متممًا ما بدأ به: >ففصلنا الشعراء من أهل الجاهلية والإسلام، والمخضرمين الذين كانوا في الجاهلية وأدركوا الإسلام، فنزلناهم منازلهم، واحتججنا لكل شاعر بما وجدنا له من حجة، وما قال فيه العلماء ...<، ثم استطرد بعد ذلك في حديث متصل عن هذا الشعر منذ انتهى من هذه الفقرة الحادية والثلاثين، ثم عاد في الفقرة الخامسة والخمسين (ص: 49) فقال متممًا عرض كتابه أيضًا فقال: >ثم إنا اقتصرنا بعد الفحص والنظر والرواية عمن مضى من أهل العلم، إلى رهط أربعة، اجتمعوا على أنهم أشعر العرب طبقة...< وختم بتمام هذه الفقرة رسالة كتابه أو مقدمته. وفي خلال ذلك بعض الاستطراد وهو لا يعنينا هنا. هذا هو السياق الأول في مقدمة كتابه.
ثم يأتي سياق ثان معترض يبدأ من الفقرة الثالثة (ص: 4)، وينتهي عند آخر الفقرة الثالثة عشرة (ص: 11) يبدأه بقوله: >وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه ...<، يتعرض فيه لبيان رأيه في هذا الموضوع، ويكشف عن حقيقة بطلانه.
ثم يبدأ سياقًا ثالثًا يذكر فيه علماء العربية، منذ الفقرة الرابعة عشرة (ص: 12) إلى أن ينتهي بالفقرة الثلاثين (ص: 23)، بادئًا بذكر أبي الأسود الدؤلي، ويحيى بن يعمر العدواني، وقتادة، وإسحق بن سويد، وميمون الأقرن، وعنبسة الفيل، ونصر بن عاصم الليثي، وعبد الله بن أبي إسحق الحضرمي، وعيسى بن عمر، وأبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، ومسلمة بن عبد الله الفهري، وحماد بن الزبرقان، ثم الخليل بن أحمد الفراهيدي، ثم أبي محرز خلف بن حيان، وهو خلف الأحمر، ثم الأصمعي، وأبي عبيدة، وكلهم من أهل البصرة، ثم يختم هذا السياق، فيقول: >وأعلم من وردّ علينا من غير أهل البصرة المفضل بن محمد الضبي الكفوي>

-ترتيب سياق المقدمة جملة:
السياق الأول:*1، 2، ثم 31 إلى 44. السياق الثاني: من 3، إلى 13. السياق الثالث: من 14، إلى 30. ووضوح هذه السياقات الثلاثة المتداخلة والفصل بينها واجب ومهم جدًا لمن يريد أن يفهم ما يريد ابن سلام بكلامه، وهو أشد وجوبًا لمن يحلل ألفاظه وجمله بغيرة الوقوف على مقاصده، بلا خلط بين كلامين مفترقين متباينين.*

*

*الوجوه الخمسة الملثمة في رسالة ابن سلام:

الوجه الأول:*>قوم تداولوا شعرًا من كتاب إلى كتاب<. ولا ندري من الناس يعني ابن سلام؟
الوجه الثاني:*وصف هؤلاء القوم بأنهم >لم يأخذوا هذا الشعر عن أهل البادية، ولم يعرضوه على العلماء<، فذكر >أهل البادية< >والعلماء<. وهذا أيضًا غير محدد، لأنا لا نعرف ماذا يريد بقوله >أهل البادية<، ولا نعلم من هم هؤلاء >العلماء<؟
الوجه الثالث:*ذكر قومًا آخرين سماهم >أهل العلم والرواية الصحيحة<، لهم وحدهم حق إبطال بعض هذا الشعر، ولكنه لم يبين من هم >أهل العلم< ولا معنى ما يريده بالرواية الصحيحة.
الوجه الرابع:*ذكر >صحيفة< نهى عن قبول هذا الشعر عنها، وذكر >صحفيًا< نهى كل أحد أن يروى عنه هذا الشعر. وأيضًا تركنا في عمياء دون أن يحدد لنا معنى ما يريد بالصحيفة، ودون أن يبين من يكون هذا >الصحفي<؟
وهذه الوجوه، غير ممكن تبين ملامحها وحدودها على وجه الدقة، فيما أظن، حتى يتم توسم آخرهن، وهو الوجه الخامس.

أما الوجه الخامس:*فهو وجه >الشعر<، وهو أخفاهن صورة، وأعسرهن على التوسم، وهو أحق بالتقديم، لأنه هو الحقيقة المشتركة الموزعة بين جميعهن. وتحليل معانيه عند ابن سلام في سياق هذه الفقرة، هو الذي سيضيء بنوره معارف هذه الوجوه الأربعة، فنخرج من الشك والتردد، إلى اليقين والاطمئنان.

*

-تحليل كلام ابن سلام:

قال ابن سلام : " فبدأنا بالشعر، وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع كثير لا خير فيه":

-قسم الشعر إلى قسمين: الشعر المصنوع المفتعل )وهذا ظاهر بصريح لفظه(.

-الشعر غير المصنوع )مضمر بدلالة المخالفة(.

-متعلق اختلاف العلماء في نص ابن سلام:

-إما أن يكون الشعر المصنوع.

وهذا القول يعترض عليه باعتراضات: أنه إذا كان جوهر الحديث كله عن >الشعر المصنوع< وحده، فعرضه على العلماء وترك عرضه عليهم سواء، فإن عرضه عليهم لا ينفعه شيئًا، ومحال أن يصححوه أو يصححوا شيئًا منه؛ لأن الحديث هنا عن >الشعر المصنوع< لا عن غيره من الشعر. ثم إنهم على أي وجه يختلفون؟ أيختلفون فيمن صنعه وافتعله ووضعه؟ من يكون أو من يكونون؟ هذا سخف وقلة عقل، وهو بيقين باطل وفوق الباطل، ومحال أن يريد هذا المعنى رجل متهافت العقل، فما ظنك بابن سلام.

-وإما أن تكون جملة معترضة قائمة على حيالها في خلال الحديث عن >الشعر المصنوع<. كأن ابن سلام أعرض عنه إعراضة ليحدثنا مبتدئًا عن >العلماء< الذين عندهم شعر شعراء العرب، ويدلنا على أن هؤلاء العلماء قد اختلفوا في بعض ما عندهم من شعر العرب، واتفقوا على بعض، فما اتفقوا عليه فليس لأحد أن يخرج منه = فإن كان هذا منه، فمعنى ما حدثنا عنه صحيح لا غبار عليه، وهو حق كله، لا يقدح فيه أنه لم يبين لنا معنى اختلافهم هذا، وهذا الفرض هو ما ذهب إليه أبو فهر.


-الاعتذار لابن سلام في تعجله ووقوعه في الزلل عند حديثه عن الشعر في الفقرة الثالثة من مقدمة كتابه.

*

*أسانيد الطبقات وأهميتها:

عندنا اليوم نسختين عتيقتين من كتاب >طبقات فحول الشعراء<، أقدمهن نسخة محمود شاكر المنشورة، والأخرى نسخة المدينة شرّفها الله، وهي على النصف منها، لأن صاحبها اختصرها اختصارًا شديدًا. ولهاتين النسختين ثلاثة أسانيد عن أبي خليفة: إسنادان في نسخة محمود شاكر، وإسناد نسخة المدينة.

-بيان أن أبا خليفة لم يخرج كتب خاله )ابن سلام( إلى الناس إلا بعد دهر طويل، فقرأها على الناس بالبصرة ما بين سنة 295 وسنة 300.
دليله:

-كتب ابن سلام الثلاثة، وكتاب الطبقات خاصة، لم يذع ذكره في الناس إلا بعد وفاة ابن سلام سنة 231، بأكثر من خمس وستين سنة.

-جاء في إسناد ابن أُسيد والطبراني كليهما: >قرئ على القاضي أبي خليفة، وأنا أسمع<، فهذا أول ذيوع خبر كتاب >طبقات فحول الشعراء< وغيره من كتب ابن سلام ما بين سنة 295، إلى سنة 300، حين نقلت كتبه من بغداد إلى البصرة، والله أعلم.

-أسانيد الطبقات:

الإسناد الأول:*رواية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أسيد الأصفهاني (المتوفى سنة 336) عن القاضي أبي خليفة الجمحي. وأبو خليفة ولى قضاء البصرة في سنة 293، وابن أسيد الذي سمعها منه، رحل من أصفهان إلى بغداد، ومر في رحلته بالبصرة، فسمع من أبي خليفة، وذلك قبيل وفاة أبي خليفة سنة 305، فبين هذين التاريخين قرأ على القاضي كتاب الطبقات. (293 – 305) على أكثر تقدير.
والإسناد الثاني:*رواية أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (260 – وتوفى سنة 360) عن القاضي أبي خليفة أيضًا، والطبراني نزل أصفهان واستوطنها ستين سنة إلى أن توفى، وذلك في سنة 300. وإذن، فهو قد قرأها على القاضي أبي خليفة ما بين سنة 293 وسنة 300.
والإسناد الثالث:*رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير الذهلي القاضي، عن أبي خليفة. وأبو طاهر ولد سنة 279 وتوفى سنة 367 بمصر، وانتقل إلى بغداد في خلال ذلك وولى قضاءها سنة 329. وظاهرٌ من تأخر ميلاده إلى سنة 279، يدل على أنه قرأ على أبي خليفة هو أيضًا قبل سنة 300 بقليل، أي في نفس الوقت الذي قرأها على الناس أبو خليفة، وسمعها منه ابن أسيد والطبراني.

*

-متى ألف ابن سلام كتبه؟

الراجح أنه ألفها في آخر حياته.

دليله:

-ما ذكره الحلبي اللغوي في مراتب النحويين: أن الرياشي كان يختلف إلى ابن سلام ليستعير منه كتابه في الطبقات، *فقيل للرياشي في ذلك فقال: "لو عاش يومين لسمعته منه". والرياشي بصري، وابن سلام بصري رحل عن البصرة سنة 222هـ، إلى بغداد، وكانت وفاتها بها = فلو كان ابن سلام ألف الكتاب وإخوته، وهو بالبصرة، لعرف ذلك الرياشي، ولم يؤجل ذلك إلى أن يصير ابن سلام في بغداد سنة 231، فيزوره ليأخذ منه جزءًا جزءًا.

-ونستظهر من هذا الخبر أيضًا أن ابن سلام كان قد فرغ قبل قليل جدًا من وفاته، من تأليف هذه الكتب، وأنه كان قد عزم على إقرائها للناس، ولكن المنية فاتتهم به، فلم يسمعوا منه شيئًا، ولم يسمع منه سوى ابن أخته أبي خليفة وحده، لأنه كان يومئذ معه ببغداد.

-قول ابن سلام -فيما نقله الخطيب البغدادي-: "والله ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة،ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة"، وقوله: "لو وقفت بعرفات وقفة، وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة، وقضيت أشياء في نفسي، لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل"، يدل على أن هذه العلة الشديدة قد أهبته من غفلة عن أشياء كانت في نفسه، ويتمنى أن يكتب الله لو أن يقف حيث يستجاب الدعاء، فيسأل ربه أن ييسر له قضاءها والفروغ منها وتقر عينه، فلا يأخذه من أمر هذه الدنيا جزع. وأكبر الظن أن هذه الأشياء التي كان يتمنى قضاءها هي تأليف كتب جامعة، كان يحب أن يتعجل كتابتها، بعد أن قضى اثنتين وثمانين سنة لم يؤلف كتابًا، ولا يبقى من علمه عند الناس إلا الشيء من الأحاديث التي أثرت عنه، والأخبار سماعًا ورواية. والكتابة قيد العلم ووعاؤه.

*

*أثر تأخر سن ابن سلام على كتاب الطبقات، والخلل الظاهر في رسالته نتيجة لكتابتها مرتين:

-العجلة الظاهرة البينة في مواضع من كتابه "طبقات فحول الشعراء".

-الاستطراد المقحم على نهج الكتاب.

-زيادة أشياء لا ذكر لها في عرض كتابه.

-نسيان تغيير ما كتبه في رسالة كتابه بعد ما أضافه في النسخة الأخيرة.

ومثال ذلك: أن ابن سلام في رسالة كتابه قال: >فاقتصرنا من الفحول المشهورين على أربعين شاعرًا، فألفنا من تشابه شعره منهم إلى نظرائه، فوجدناهم عشر طبقات، أربعة رهط كل طبقة متكافئين معتدلين<، يعني عشر طبقات من أهل الجاهلية، وعشر طبقات من أهل الإسلام. فهؤلاء ثمانون شاعرًا. هذا ما قصده ابن سلام حين بدأ كتابه، ولكنه لم يكد يفرغ من أمر شعراء الجاهلية، حتى بدا له أن يقحم بين الأربعين من شعراء الجاهلية، والأربعين من شعراء الإسلام، طبقات أخرى لم يذكرها في عرض كتابه، كما حدده حين بدأ تأليف كتابه، فقال في آخر طبقات الجاهلية: >انقضى خبر الطبقات العشر<.

*

*نبذة عن ابن سلام وعصره:

-كان حفيا بالشعر وأخباره، وقد ورث ذلك عن أبيه، كما ورد في كتابه إكثاره من سؤال أبيه. وظل متقصيا للشعر والشعراء حتى بلغ التسعين من عمره، فتلقى من كبار الأئمة حتى نال الراية في ذلك.

-العصر الذي عاش فيه كان زاخرا بالعلم والأدب, لا في بغداد وحدها بل في كل أرجاء الخلافة.

-دوافع كتابته للطبقات ومحركاتها:

-كان علم العلماء في صدورهم, وقلما قيدوه في كتبهم، فقل الاهتمام بالتأليف، بيد أن بعض التلامذة خالفوا تلك السنة، كما فعل الفراهيدي في كتاب العين، والموصلي في الإيقاع والنغم، وسيبويه في الكتاب. وقد شهد ابن سلام هذا التلاقي وما كان من أثره، منذ كان يحضر مجالس أبي عمرو بن العلاء، ويونس بن حبيب، والأصمعي، وأبي عبيدة والخليل بن أحمد وسيبويه، والأخفش، فنازعته نفسه منذ ذلك الوقت أن يفعل في شأن الأدب والشعر وأخبار العرب ما فعل هؤلاء بعلم >العروض< و >علم النغم<، و>علم النحو والعربية<، ولما ارتحل إلى بغداد وشهد ما شهد من الحفاوة، عاد له ذلك الهاجس، ولكن لم يكد حتى مرض ... وزاره الطبيب ابن ماسويه، فقال له فيما قال: >الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة .. ولو قضيت أشياء في نفسي، لرأيت ما اشتد علي من هذا قد سهل<. فبدأ بعد أن استبل، في وضع منهج كتابه الأول >طبقات فحول الشعراء<، وكتب هذا المنهج في صدر كتابه، ومضى يؤلف، ليؤسس بهذا الكتاب >علم الأدب والشعر<.

-لما فرغ من نسخته الأولى فوجئ برجل كان واحد الدنيا في زمانه، فذكره بأشياء كان ينبغي أن تكون أساس منهجه ولكنه غفل عنها أو نسيها، أو لم تخطر له في أول التأليف على بال، مع تقدم السن، ومع العجلة، ومع غموض تأسيس منهج شامل لعلم الأدب والشعر. هذا الرجل، هو يحيى بن معين بن عون، وذلك أن تأسيسه لعلم معرفة الرجال والجرح والتعديل، والموضوع من الحديث على رسول الله، قد أثار ابن سلام إلى أن يؤسس هو أيضًا أساسًا لمثل هذين العلمين في ناقلة الآداب والأخبار والشعر، لينفي عن الشعر خبث ناقلته ورواته. وخبث الموضوع على ألسنة شعراء الجاهلية وغيرهم في كتب كان قد آذاه رؤيتها وقراءتها من قبل.

*

- تفكك فقرات رسالة ابن سلام وتعليل ذلك:

*أنه كان بين حاديين: الموت، والمرض المفضي إلى العجز. اللذان يمنعانه من الجمع بين إتمام كتاب الطبقات والبدء بكتاب مؤسس في علم الأدب والشعر، مما أدى به إلى إقحام موضوعات الثاني في الأول مع الاختصار الذي يدفعه التعجل، ولم يبال أن يقحم، ما يريد بين الكلامين المتصلين المترابطين إقحامًا، فبدأ الفقرة الثالثة، بقوله: >وفي الشعر مصنوع مفتعل موضوع لا خير فيه ...<، وعجل عجلاً شديدًا فيما كتب حتى كاد يضطرب الأمر في هذه الفقرات، من الثالثة إلى الفقرة الثالثة عشرة. ثم عجل أيضًا فأتبع ذكر الموضوع، بذكر طبقات علماء البصرة من أهل العلم والرواية الصحيحة، فذكر من ذكر، ثم ضعف بأخرة في آخر فقرة بعد أن مضى على سننه من الفقرة الرابعة عشرة إلى الفقرة الثلاثين، فاختصر الكلام اختصارًا شديدًا، فقال: >وكان الأصمعي وأبو عبيدة من أهل العلم، وأعلم من ورد علينا من غير أهل البصرة المفضل بن محمد الضبي الكوفي<. فانظر إلى هذا الإيجاز في ذكر الأصمعي وأبي عبيدة، وهما شيخاه وصاحباه! ثم انظر إلى عجلته وخوفه من تفلت الأمر، فاقتصر من كل علماء الكوفة على رجل واحد من كثير ممن ورد عليه بالبصرة من علماء الكوفة!

*

- الذين عناهم ابن سلام بقوله (القوم(:

-نستطيع أن نعد بعضا منهم، ممن عد ابن سلام لهم كتبا: عبيد الجرهمي، وله من الكتب "كتاب الأمثال"، ووهب بن منبه، وله "الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم"، ومحمد بن إسحاق وله "السيرة".

- هذه الكتب وإن صح اعتبارها من الأمثلة على الشعر المصنوع إلا أننا نقرر وجود هذه الأصناف الثلاثة فيها: الشعر الصحيح، والشعر الصحيح المخلوط بالغثاء، والغثاء المحض.


قال ابن سلام: >فبدأنا بالشعر، وفي الشعر مصنوع مفتعلٌ موضوع كثير لا خير فيه ... وقد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب، لم يأخذوه عن أهل البادية ولم يعرضوه على العلماء، وليس لأحد – إذا أجمع أهل العلم والرواية الصحيحة على إبطال شيء منه – أن يقبل عن صحيفة أو يروى عن صحفي<.

-المراد بالشعر في النص:

-الشعر المصنوع وحده. وهو مردود فيما بين سابقا.

-الشعر المعروف ببديهة اللغة. وهو أشد استحالة من الأول.

-فيبقى: الشعر الصحيح الذي يعرفه العلماء، ولكنه خلط بمصنوع ليس بشعر، في قصيدة واحدة.

-بيان عودة الضمائر الأربعة إلى هذا الصنف وحده. بدلالة أن:

-الضمير الأول: >قد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب<، واضح لا يحتاج إلى بيان.
-والضمير الثاني: >ولم يأخذوه عن أهل البادية< صحيح أيضًا، فإنهم لو كانوا أخذوه عنهم لما خالطه هذا الغثاء، ولكان مطابقًا لما عند العلماء بالشعر بلا زيادة، فقد أخذوا جميعًا من مصدر واحد.

-والضمير الثالث: >ولم يعرضوه على العلماء<، يجعل الكلام بعودته إلى الصنف الثاني صحيحًا ذا فائدة، فإنه إذا عُرِض على العلماء، استخلصوا الصحيح المعروف عندهم، ونفوا الغثاء الباطل الذي خُلط به.

-والضمير الرابع في قوله: >وليس لأحد – إذا أجمع أهل العلم على إبطال شيء منه – أن يقبل عن صحيفة، أو يروى عن صحفي<، إذا هو عاد أيضًا على هذا الصنف، استقام معنى الكلام، وصار تمامًا للكلام الأول بلا غضاضة، وصار أيضًا للتبعيض في قوله: >على إبطال شيء منه<، معنى، لأن الذي يبطلونه >بعض< من كل، وهو هذه القصيدة الملفقة بالتخليط.

*

*طرق تلقي الشعر:

-أثبت طرق تلقي الشعر على عهد رسول الله بعدة استشهادات منها: ما رواه مسلم في صحيحه في كتاب الشعر، والبخاري في الأدب المفرد، عن عمرو بن الشريد، عن أبيه الشريد بن سويد الثقفي قال: >ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال لي: هل معك من شعر أمية بن أبي الصلت شيئًا؟ قلت: نعم! قال: هِيه! فأنشدته بيتًا، فقال: هيه! ثم أنشدته بيتًا فقال: هيه! حتى أنشدته مئة بيت<، هذا لفظ مسلم، ولفظ البخاري: >حتى أنشدته مئة قافية<.

-كان هؤلاء العرب على عادتهم التي كانوا عليها في جاهليتهم، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في تناشد الأشعار في مجالسهم، وتذاكر أمر الجاهلية. ثم بدأ عمر في تمصير الأمصار، فكانوا في هذه الأمصار على عهدهم في ذلك كله، وتوارث ذلك عنهم أبناؤهم وأهل المدن التي هم فيها. فلما كان زمان أبي الأسود الدؤلي، على عهد علي بن أبي طالب، بدأ يؤسس العربية، وزادت حاجته وحاجة أصحابه إلى تقصي الشعر المنحدر مع حملته من الجاهلية. فمن يومئذ افتتح ناشئة المسلمين بابًا جديدًا لحفظ شعر الجاهلية عن الصحابة وكبار التابعين، لا في البصرة وحدها، بل في الكوفة أيضًا وفي سائر الأمصار التي نزلها المسلمون من عرب الجاهلية.
-كانت الكتابة قد انتشرت في جميع أمصار الإسلام، فكان التابعون يكتبون لأنفسهم أكثر ما يسمعون من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، استعانة بذلك على الحفظ لا أكثر، فأصبح تقييد المسموع أمرًا منتشرًا في الناس، لا على وجه التأليف والتصنيف، بل لمجرد التذكر والحفظ، وكما كان الناس شديدي الحفاوة بحفظ مآثر جاهليتهم، وشعر شعرائهم، كان سبيلهم في ذلك سبيل ما ألفوه في تقييد الحديث، لمجرد التذكر والحفظ، وكل امرئ يكتب لنفسه لا للناس.*

*-يقول ابن سلام في الفقرة الثانية والثلاثين:
>وكان الشعر في الجاهلية عند العرب ديوان علمهم، ومنتهى حكمهم، به يأخذون، وإليه يصيرون. قال ابن سلام: قال ابن عون، عن ابن سيرين قال: قال عمر بن الخطاب: كان الشعر علمَ قومٍ لم يكن لهم علمٌ أصحٌّ منه = قال ابن سلام: فجاء الإسلام، فتشاغلت عنه العرب، وتشاغلوا بالجهاد وغزو فارس والروم، ولهت عن الشعر وروايته. فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، فلم يؤولوا إلى ديوان مدون، ولا كتاب مكتوب. وألفوا ذلك وقد هلك من العرب من هلك بالموت والقتل، فحفظوا أقل ذلك، وذهب عليهم منه كثير<.

-اعتراضات على المقالة:

-لم يمنع انشغال المسلمين في بداية الإسلام من رواية الشعر، فكيف تمنعهم الفتوحات من ذلك.

-هذه العبارة صادقة كل الصدق في جوهرها، ولكن إذا بطل ما بنيت عليه، وهو أن العرب >لهت عن الشعر وروايته< وتشاغلت عنه بالغزو والجهاد، بطل منها لزامًا قوله: >راجعوا رواية الشعر<، لأنه إذا بطل أصل القضية وهو >اللهو< عن رواية الشعر، بطل الفرعُ، وهو مراجعة روايته بلا ريب، وإذن فهم لم ينقطعوا عن روايته في زمن الغزو والجهاد، فلما استقروا واطمأنوا بالأمصار، صار اهتمام الناس بروايته أتم وأوسع. فالصواب إذن أن يحل محل قوله >وراجعوا رواية الشعر<: >اتسع الناس في رواية الشعر<.

-العلة الصحيحة في قلته هو ما قاله ابن سلام نفسه من هلاك من هلك بالموت والقتل، وما يعرض للحفاظ من المرض والضعف والفتور، والخروج في الغزوات، والتنقل في البلدان الغريبة، وقلة اهتمام بعض السامعين بحفظ ما سمعوا أو تقييده حتى لا ينسى، في الوقت بعد الوقت.

-إن تطلب الأبناء أخبار الآباء وأشعارهم في جاهليتهم مطلب صحيح قائم في النفوس، وفي نفوس العرب خاصة، فإن الأمر كان أجل من ذلك، ولكننا نغفل عنه، ولا يدخله أحد من المحدثين في البحث عن أمر الشعر الجاهلي إلا رمزًا.

-سبب هذا الإغفال أمران:

أولهما: اتباع مناهج سقيمة سيئة مجتلبة، مبنية على التقليد، وهي في ذاتها لا تصلح للدراسة الأدبية في هذه اللغة وفي تاريخ أصحابها، مع ما في التقليد من الضعف والتهافت عن أسلوب الباحثين الذين يقلدونهم.

وثانيهما: أن الأمر غامض بعض الغموض، لأنه يتعلق بدخيلة نفوس ذهبت منذ قرون، لم يشهدها منا أحد فينتبه إلى توسم معالمها وخوافيها، ولأن أصحاب هذه النفوس، لم يتحروا أن يبينوا عن مكنون أنفسهم فيما وصل إلينا من مأثور أقوالهم، إلا لمحًا خفيًا في قليل من الأحيان، فهو حري أن يتجاوزه النظر، دون أن يشعر بخطره أو فائدته في الدراسة.

*

*كيف كان تذوق الكلام عند العرب؟

-كان التذوق عاما مستغرقا في العرب قبل نزول القرآن, كانوا يملكون قدرًا لا يمكن تحديده من القدرة على تذوق البيان والنظم، تتيح لهم الفصل الواضح بين الذي هو كلام البشر، والذي هو مباين لكلام البشر، وتمنحهم اليقين القاطع بأن هذا القرآن العربي المنزل بلسانهم، هو كلام رب العالمين.

دليله:

- لما كابر المشركون وكذبوه عنادًا، تحداهم أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات [هود: 13]، ثم بسورة مثله [يونس: 10]، ثم قضى غاية التحدي فقال لهم: {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا} [الإسراء: 88]، ثم لم ينصب لهم حكمًا يحتكمون إليه = في الموازنة بين كلامه سبحانه، والكلام الذين يأتون به استجابةً لهذا التحدي = سوى أنفسهم، فالأمر كله مفوض إليهم. وذلك دليل على أنهم كانوا قادرين على هذا التمييز، وأنهم مؤتمنون على هذا الحكم.

وبيان ذلك في أمرين:

-طلب إقرارهم بأن هذا القرآن المنزل مباين بنظمه وبيانه لكلام البشر.

-وفي الحكم المفوض إليهم في التمييز بين القرآن، وبين ما عسى أن يعارض به المعارضون استجابةً للتحدي.

*

-أصلان عظيمان في الاستدلال على علو كعب الشعر الجاهلي ومدى الاهتمام به وتداوله عند العرب:

أولهما: أنه غير ممكن أن يكون نشأ الذوق فيهم ابتداءً عند تنزيل القرآن، بل هو نتيجة دهور متطاولة من تذوق البيان في أوسع نطاق من التنوع وأشمله، وعلى أعلى درجة من دقة الإحساس بالأبنية اللغوية المختلفة التي أتيحت للبيان الصادر عن الإنسان في جميع لغات البشر.

وثانيهما: أنه لا يمكن أن يكون كان الأمر على هذا الوجه عند تنزيل القرآن، إلا وفي أيدي الناس وفي نفوسهم أمثلة حية كثيرة متنوعة عتيقة جدًا متداولة بينهم، وأمثلة أخرى محدثة عتيدة ذائعة بين الناس، على اختلاف درجاتهم، لا يكفون عن تتبعها وتذوقها، وعن المقارنة بين قديمها ومحدثها، باهتمام وحرص وشغف غالب، يصقل التذوق صقلاً حتى تبلغ هذه الغاية.

*

*القرآن ونزوله وصلته بالتذوق الشعري:

- ست بابات توجبها مطالبة القرآن "أن يأتوا بمثله"، ينبغي لكل دارس من أديب مؤرخ أن يقف عندها، قبل أن يتكلم في شأن >شعر الجاهلية<:

أولها: أنهم إذا أحسنوا الاستماع إلى ما يتلى عليهم منه، كانوا قادرين على أن يعلموا علمًا يقينًا أن هذا الكلام مباين لكلام البشر جميعًا، وهذه المباينة دالة على أنه كلام رب العالمين منزلاً على تاليه عليهم بلسان عربي مبين، فمبلغه عن ربه نبيٌّ ورسول أرسله إليهم ليتبعوه. ولولا هذا لم يكن لهذه المطالبة معنى يعقل.
والثانية: أنهم لا يكونون قادرين على هذا التمييز الفاصل العجيب الذي لم يمتحن البشر بمثله من قبل، إلا وقد أوتوا قدرًا يفوق كل تصور، من القدرة على تذوق أبنية الكلام تذوقًا نافذًا إلى أعمق أعماق البيان الإنساني، ولولا هذا لم يكن لهذه المطالبة الغريبة أيضًا معنى يعقل.
والثالثة: أن هذا القدر من التذوق، غير ممكن أن يناله أحد إلا بعد قرون متطاولة موغلة في القدم، كان التذوق فيها عملاً دائبًا لجمهور العرب الذين نزل هذا القرآن بلسانهم، ولولا هذا لم يكن لهذه المطالبة أيضًا معنى يقعل.
والرابعة: أن هذا غير ممكن أن يكون، إلا وعند المطالبين بهذا الفصل الخارق، قدر هائل من الكلام الشريف النبيل الجامع لأساليب البيان الإنساني، يكون متداولاً بينهم، يمارس عليه جمهور الناس هذا التذوق، ولولا هذا لم يكن أيضًا لهذه المطالبة معنى يعقل.
والخامسة: أن هذا الكلام الشريف النبيل كان أكثره شعرًا عربيًا جاهليًا، متنوع المعاني، متعدد الأغراض، يتناول بيانه كل ما تحتاج نفوس البشر إلى الإبانة عنه، على تعدد هذه الحاجات.
والسادسة: أن تذوق ما كان في صدورهم من الشعر وغير الشعر، كان عمل كبيرهم وصغيرهم ورجالهم ونسائهم، وأشرافهم وعامتهم، وأحرارهم ومواليهم، وأن هذا التذوق كان له القسط الأوفر في حياتهم، في باديتهم وحاضرتهم، وفي جدهم ولهوهم، وأنهم كانوا على مثل تضرم النار من الشغف به والإلحاح عليه، حتى صقلت ذاكرتهم فوعته، وارهف به إحساسهم فميز بعضه من بعض، بلا حاجة إلى علم أو علوم أخرى تعينهم على تعلم هذا التذوق، وحتى صار هذا التذوق العام كأنه سجية فطروا عليها ابتداءً بلا تثقيف مؤسس على الدراسة والتعليم. ولولا هذا لم يكن لهذه المطالبة العامة أيضًا معنى يعقل البتة.

*

*أشار المؤلف إلى أن هذا الذي بينه، أصل من الأصول التي بنى عليها منهجه في الدراسة، بل هو الأصل كله، وما بعده فرع عنه.

*أنهى المؤلف حديثه إلى أن قبول المناهج الحديثة في التقليل من الشعر الجاهلي يكاد ينتهي بالرفض الكامل لكل هذا الماضي، ولو بقي الأمر طويلاً على ما نحن عليه، فسينتهي إلى الرفض الكامل بتة، شئنا أو أبينا. وهذا الباب من المخاوف يقتضي أن تؤلف في بيانه كتب، لا أن تلقى في شأنه كلمة موجزة في ساعة سانحة.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 2 ربيع الثاني 1443هـ/7-11-2021م, 05:52 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
تلخيص مقاصد كتاب :(قضية الشعر الجاهلي في كتاب ابن سلام) لمحمود شاكر
المقصد الرئيسي :
إزالة الإبهام عن رسالة ابن سلام ،وتوضيح الوجوه الملثمة التي أثيرت حول أمر الشعر الجاهلي .
المقاصد الفرعية :
القضية الأولى :
القضية الأولى: قضية عمر الشعر الجاهلي الذي وقع إلينا، وهي قضية متفرعة عن أولية الشعر نفسه في لسان العرب.
ذكر أبو عثمان الجاحظ في كتابه ( الحيوان ) قضية عمر الجاهلي وأوليته ،وحداثة سنه مستندا في ذلك على خبرين أولهما :
ما رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (رقم: 7127)، عن هشيم، حدثنا أبو الجهيم الواسطي، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >امرؤ القيس صاحب لواء الشعراء إلى النار .
وثانيهما : ما نسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر امرأ القيس فقال: >ذاك رجل مذكور في الدنيا شريف فيها. منسي في الآخرة خامل فيها، يجيء يوم القيامة معه لواء الشعراء إلى النار .
وقد رد الشيخ محمود شاكر على هذا بأن الخبرين واهيين لا تقوم بهما الحجة ، وبأن علماء الجرح والتعديل أجمعوا على أن حديث أبي جهم واه ضعيف ، وهذا الاسناد لا تقوم به الحجة .
وبين الشيخ محمود شاكر أن اعتماد الجاحظ على القول بحداثة الشعر
وأن أول من نهج سبيل الشعر وسهل طريقه هما امرئ القيس والمهلهل بن ربيعة مأخوذ من كتاب ابن سلام ( طبقات فحول الشعراء ) ، لكن الجاحظ خلط بين أولية الشعر وأولية وقصيد القصائد وتطويلها وذكر الوقائع فيها ،فابن سلّامٍ في كتابه أراد بذلك الأمر الثاني ولم يقصد بذلك أولية الشعر .
والدليل على أن الجاحظ نقل هذا القول من كتاب ابن سلام هو أن الجاحظ أصابه الفلج قبيل مقتل ابن الزيات سنة 233 وأنه ألف كتابه في آخر حياته .
وكتاب الحيوان الذي ألفه أبو عثمان في آخر حياته، يدل على أنه اطلع على كتاب ابن سلام ونقل منه، وأيضا كتاب البرصان والعرجان يدل دلالة قاطعة أخرى على ذلك.
كذلك رد الشيخ محمود رحمه الله على المسألة الحسابية التي استدل بها الجاحظ على حداثة الشعر عند العرب بقوله :
وهذا الأسلوب من النظر في تقدير عمر الشعر العربي، أسلوب حسابي بحت. والحساب وحده لا يكاد يغني شيئًا في ميلاد الشعر وحداثة سنه. لم ينظر أبو عثمان، أو لم يبال أن ينظر، في شعر امرئ القيس نفسه، كيف جاء موزونًا مقفى على ضروب مختلفة من الأوزان والقوافي معروفة عنده في شعر مهلهل وابن أخته الذي ورث عنه الشعر. ولم يبال أن يأمر نفسه أن تنظر، كما أمرنا أن ننظر ف يموت زرارة، كيف تسنى لمهلهل وابن أخته أن يستحدثنا هذا القدر في البحور المختلفة الأوزان والقوافي؟ ولا كيف يمكن أن يقع لهما هذا القدر من الابتداع جملة على غير مثال سابق؟ وأسئلة أخرى كثيرة جدًا. وهذا الأسلوب الحسابي لا يغني ولا ينفع إلا في أمر واحد لا غير، هو تحديد عم رما بلغنا من شعر مهلهل وابن أخته امرئ القيس، لا أكثر. وكل تجاوز لهذا القدر، تهجم على غيب بلا دليل هاد، وهو أيضًا خطأ فاحش في نقله نتيجة الحساب من موضع هو به لائق، إلى موضع آخر يباينه كل المباينة، وليس ينفع أبا عثمان أن يتكئ في نقله على دعوى يدعيها هو لامرئ القيس أو لخاله مهلهل، زاعمًا أنه أول من نهج سبيل الشعر وسهل الطريق إليه. وذلك لأن هذه الدعوى في أولية امرئ القيس أو غيره، هي قبل كل شيء محتاجة في إثباتها إلى دليل مقنع، غير مجرد الادعاء الذي لا برهان عليه أن: >كتب أرسطاطاليس، ومعلمه أفلاطون، ثم بطليموس وديمقريطس وفلان وفلان، قبل بدء الشعر بالدهور قبل الدهور، والأحقاب قبل الأحقاب<، كما قال، والدعوى لا تقرر بدعوى مثلها تفتقر هي نفسها إلى برهان يجليها ويثبتها. وكلتاهما تحتاج إلى دليل غير الدليل الحسابي المعتمد على زمن الميلاد وزمن الوفاة.
وبهذا يتبين لنا بطلان هذه الدعوى التي لا برهان عليها ولا دليل وهي مقالة لا أصل لها ، أما امرئ القيس والمهلهل بن ربيعة فهما من أقدم شعراء الجاهلية الذين وصل إلينا شعرهم وهذا الشعر لا يتجاوز عمره مئتي عام ، ولكن هذا مقيد بالقصائد الطوال وليس المقطعات أو الأبيات ذوات العدد من قديم شعر الجاهلية .
-وجه الشعر :

ذكر الشيخ محمود شاكر رحمه الله :
أن وجه الشعر عند العرب قديما وحديثا وعند ابن سلام نفسه هو كل كلام شريف المعنى ، نبيل المبنى ،محكم اللفظ ، ، يضبطه إيقاع متناسب الأجزاء ، وهذا اللحن المتكامل هو ما يسمى ( القصيدة ). وهذا اللحن المتكامل مقسم تقسيمًا متعانق الأطراف متناظر الأوصال، تحدده قواف متشابهة البناء والألوان، متناسبة المواقع، متساوية الأزمان، هذا هو >الشعر<.
-أقسام الشعر :
يبدو من القراءة في كتاب ابن سلام أنه قسم الشعر إلى قسمين :
1-مصنوع مفتعل موضوع لا خير فيه
2- محدث مضمر يخرج بدلالة المخالفة ، وهو الشعر غير المصنوع .
ورد الشيخ محمود على هذا التقسيم بقوله :
فقد تبين الآن أن هذا قول باطل أشد البطلان عندنا وعند ابن سلام نفسه = وأن الذي في أيدينا إنما هو وهم فاسد = وأن ليس في أيدينا قسمة واضحة أو غير واضحة، وأن ليس في أيدينا ظاهر يقال له >شعر مصنوع<، بل غثاء خبيث معقود بقواف، وأن ليس في أيدينا مضمر يخرج بدلالة المخالفة يقال له >شعر غير مصنوع<، لأن لفظ >شعر< جار أبدًا على بديهة اللغة وبديهة ورثتها، لا يحتاج إلى صفة تبين عنه، أو نعت يميزه من غيره. وإذن فقد بطلت القسمة، وهلك التقسيم الفاسد، وبقى لفظ >الشعر< في قول ابن سلام: >وفي الشعر مصنوع<، جاريًا على بديهته ونقائه وشرفه ونبله، مبرأ من كل حاجة إلى بيان يرفع من خسيسته، لأنه بائن من كل كلام بشرفه ونبالته. وآخر عذر لأبي عبد الله محمد بن سلام الجمحي أنه عجل، فزل، فأخطأ، فأضلنا خطؤه عن مراده.
وقسم الشيخ محمود شاكر الشعر إلى 3 أقسام :
الأول: شعر >صحيح< يعرفه أهل العلم والرواية الصحيحة عن أهل البادية، وهو قائم على حياله، في هذه الكتب.
الثاني: شعر >صحيح<، يعرفه أيضًا، ولكنه خلط بغثاء مصنوع ليس بشعر، وإنما هو كلام مؤلف معقود بقواف.
الثالث: غثاء مصنوع، ليس بشعر. كثيرٌ لا خير فيه. وقد وصفه ابن سلام وأجاد صفته.
-أسانيد الطبقات في كتاب ابن سلام :
كل الأسانيد الواردة عن ابن سلام مروية من طريق ابن أخته الحافظ مسند عصره أبي خليفة الفضل بن الحباب الجمحي.
والأسانيد المروية عنه ثلاثة هي :
الإسناد الأول: رواية أبي عبد الله محمد بن أحمد بن أسيد الأصفهاني (المتوفى سنة 336) عن القاضي أبي خليفة الجمحي.
والإسناد الثاني: رواية أبي القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني (260 – وتوفى سنة 360) عن القاضي أبي خليفة أيضًا.
والإسناد الثالث: رواية أبي طاهر محمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر بن بجير الذهلي القاضي، عن أبي خليفة.
-تاريخ تأليف ابن سلام لكتبه :
الظاهر من الأخبار الواردة في ذلك ابن سلام كان قد فرغ قبل قليل جدًا من وفاته، من تأليف هذه الكتب، وأنه كان قد عزم على إقرائها للناس، ولكن المنية فاتتهم به، فلم يسمعوا منه شيئًا، ولم يسمع منه سوى ابن أخته أبي خليفة وحده، لأنه كان يومئذ معه ببغداد.
-أثر تأخر سن ابن سلام على كتاب الطبقات :
ظهر هذا الأثر في كتابه ( طبقات فحول الشعراء) فقد سقط منه أشياء فيها بسبب العجلة من أمره وذلك لأنه قارب التسعين من عمره وخاف أن يباغته الأجل ولما ينتهي من كتابه ،ومثال ذلك :زيادة أشياء في النسخة الثانية لم يذكرها في عرض كتابه، وعندما زادها نسي أن يغير في رسالة الكتاب .
-العلم في عصر ابن سلام :
عصر ابن سلام كان من أفضل العصور بعد عصر النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين ، وانتشر فيه العلم انتشارا واسعا ،لكن هذا العصر قل فيه التدوين والتأليف ،وتدفق العلم فيه من صدور العلماء الكبار إلى تلاميذهم النجباء فألفوا وكتبوا ووضعوا أصول العلوم المختلفة .
-الداعي لابن سلام لتأليف كتابه :
ما دعاه لذلك هو معاصرته وحضوره مجالس علماء اللغة حينئذ وكان منهم أبو عمرو بن العلاء والأصمعي والخليل والأخفش ، فأراد أن يؤسس علما( للأدب والشعر ) كما فعل هؤلاء بتأسيس علم ( العروض ) و علم ( النغم ) و ( علم النحو ).
وأيضا مما شجعه على ذلك هو مخالطته ليحي بن معين وابن المديني في بغداد وما كان لهما من دور كبير في تأسيس علوم الحديث.
-الذين عناهم ابن سلام في قوله :( القوم ):
ذكر الشيخ محمود شاكر بعضهم وهم :
1) عبيد بن شربة الجرهمي
وله من الكتب >كتاب الأمثال<، و>كتاب الملوك وأخبار الماضين<وغير ذلك .
(2) ووهب بن منبه الأنباري الصنعاني.
(3) ومحمد بن إسحق، صاحب السير
(4) والشرقي بن القطامي (الوليد بن الحصين) الكلبي
(5، 6) ومحمد بن السائب الكلبي المتوفى سنة 146، وولده >هشام بن محمد بن السائب الكلبي< المتوفى سنة 204، والذي أكثر الرواية عن أبيه.
(7) وعلان الشعوبي، وكان على عهد الرشيد، وكان منقطعًا إلى البرامكة، وكانت له كتب في المثالب، مثالب العرب.
(8، 9) وإدريس بن سنان، وولده عبد المنعم بن إدريس بن سنان.
وغير هؤلاء القوم كثيرٌ قبل ابن سلام وبعده، وهؤلاء هم الذين عناهم بقوله في الكلام المصنوع: >قد تداوله قوم من كتاب إلى كتاب.
المراد من قول ابن سلام بقوله ( العلماء ):
هم من أئمة العربية من أهل البصرة، وبعض من لم يذكر منهم، وظاهر أيضًا أنه لم يحفل كثيرًا بذكر علماء الكوفة، فاقتصر على رجل كوفي واحد كان قدم عليهم البصرة، ورآه هو وسمع منه في صدر حياته، وذلك لزهوه و فخره بأهل بلدته ويحق له ذلك لأنهم كانوا أئمة اللغة والشعر حينئذ ، وهو عندما ذكرهم أراد بذلك علمهم بالشعر وليس مراتبهم في النحو وغيره .
طرق تلقي الشعر :
الطريقة التي كانت عل عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم هي تناشد الأشعار في المجالس وتذاكر أمر الجاهلية واستمر ذلك إلى خلافة علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومع تفرق الصحابة في الأمصار وتكاثر الناس ،طلب علي رضي الله عنه من أبي الاسود الدؤلي تأسيس العربية ،زادت الحاجة لتدوين الشعر وذلك استعانة على الحفظ والتذكر ، وذلك لأهمية ومكانة الشعر لأنه كان ديوان علم العرب ومنتهى حكمتهم ولم يلهوا عنه أو ينشغلوا عنه في يوم من الأيام .
قال ابن سلام : >فلما كثر الإسلام، وجاءت الفتوح، واطمأنت العرب بالأمصار، راجعوا رواية الشعر، ولم يؤولوا إلى ديوان مدون ولا كتاب مكتوب<.
ورد عليه محمود شاكررحمه الله فقال : فهذه العبارة صادقة كل الصدق في جوهرها، ولكن إذا بطل ما بنيت عليه، وهو أن العرب >لهت عن الشعر وروايته< وتشاغلت عنه بالغزو والجهاد، بطل منها لزامًا قوله: >راجعوا رواية الشعر<، لأنه إذا بطل أصل القضية وهو >اللهو< عن رواية الشعر، بطل الفرعُ، وهو مراجعة روايته بلا ريب.
-العوامل التي ساعدت العرب على تذوق القرآن :
يرجع ذلك لسببين كما ذكر الشيخ محمود رحمه الله :
أولهما: أنه غير ممكن أن يكون نشأ فيهم ابتداءً عند تنزيل القرآن، بل هو نتيجة دهور متطاولة من تذوق البيان في أوسع نطاق من التنوع وأشمله، وعلى أعلى درجة من دقة الإحساس بالأبنية اللغوية المختلفة التي أتيحت للبيان الصادر عن الإنسان في جميع لغات البشر.
وثانيهما: أنه لا يمكن أن يكون كان الأمر على هذا الوجه عند تنزيل القرآن، إلا وفي أيدي الناس وفي نفوسهم أمثلة حية كثيرة متنوعة عتيقة جدًا متداولة بينهم، وأمثلة أخرى محدثة عتيدة ذائعة بين الناس، على اختلاف درجاتهم، لا يكفون عن تتبعها وتذوقها، وعن المقارنة بين قديمها ومحدثها، باهتمام وحرص وشغف غالب، يصقل التذوق صقلاً حتى تبلغ هذه الغاية.
وهذا التذوق الفاخر الذي كان عامًّا في العرب المخاطبين بالقرآن، كان أيضًا شاملاً لمن عاشرهُم من طوائف البشر، من مواليهم من غير العرب، ومن غير مواليهم.
-صلة القرآن بالتذوق الشعري :
خلاصة ما ذكره الشيخ محمود بهذا الشأن هو :
أن صلة القران بالتذوق الشعري هو أن الشعر الجاهلي الذي مارس عليه عرب الجاهلية تذوقهم قرونًا حتى بلغ التذوق ما بلغ، تكمن فيه وفي بيانه هذه الصفات المريبة على ما في سائر الألسنة من الصفات إرباءً حقيقًا بالتأمل والتبين ، فأنزل الله القرآن عليهم ليميتحنهم ،ويمتحن تذوقهم للبيان الانساني ،فاجتازوا هذه المحنة وهداهم هذا إلى التذوق النافذ البصير الهادي إلى تذوق القرآن تذوقًا تنخلع له النفس من كل قوتها حتى تستيقن أنه >كلام الله< الذي تخشع له الجبال وتتصدع.
هذا والله تعالى أعلم بالصواب .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 ربيع الثاني 1443هـ/8-11-2021م, 12:03 AM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

المقصد العام
إزالة الشبهات التي أثيرت حول الشعر الجاهلي من خلال مناقشة عمره وشعراؤه وقضية وضعه وبيان أهمية دراسته كونه أعلى مقام من مقامات البيان الذي وصل إليه البشر والسبيل الوحيد للوصول إلى الفارق بين البيان في كلام البشر والبيان في كلام الله تعالى

المقاصد الفرعية
- بيان مفصل لعنوان اللقاء مع توضيح منهج الأستاذ في دراساته الأدبية.
- توضيح موضوع المحاضرة ومحاورها وسبب اختيارها.
- ذكر الأقوال في تاريخ نشأة الشعر الجاهلي وعمره ونقدها.
- التعريف بابن سلام وكتابه وطرق نشر العلم في عصره.
- التعريف برسالة طبقات فحول الشعراء (المقدمة)
- التعريف بالتذوق واعتماد الأستاذ عليه في بعض استدلالاته وبيان أهميته.
- الأسباب التي أدت لتفكك فقرات كتاب ابن سلام، والآثار التي أدت إليها.
- توضيح ابهام الفقرة المربكة في كتاب ابن سلام.
- اهتمام العرب قبل الإسلام وبعده بالشعر الجاهلي وطريقة تناقله.
- بيان الأهمية البالغة للشعر الجاهلي والأحداث المصاحبة لنزول القرآن وعلاقتها بتذوقه وفهم إعجازه.
- العلاقة بين تذوق بلاغة القرآن وبين تذوق الشعر الجاهلي.

توزيع المقاصد الفرعية على موضوعات الكتاب

بيان مفصل لعنوان اللقاء (سلسلة محاضرات. تحمل أسلوبًا جديدًا في الدراسات الأدبية) مع توضيح منهج الأستاذ في دراساته الأدبية.
- قدم الكاتب بين يدي محاضرته اعتذارا عن بعض ما قد يفقده المستمع من مهارات الإلقاء لعدم امتلاكه الموهبة وانعزاله الطويل عن المحاضرات وتفرغه للكتابة.
- بين الكاتب الفروق بين الدراسة الأدبية المحضة التي يمتهنها أساتذة الجامعة في دروسهم وكتبهم وبين الدراسة الأدبية التي يمارسها هو في كتاباته.
- ذكر الأستاذ منهجه في الدراسة الذي بينه منذ إحدى عشرة سنة والذي يقصد به الأساس الذي لا يقوم المنهج إلا عليه، وينقسم إلى شطرين: شطر في تناول المادة، وشطر في معاجلة التطبيق.

توضيح موضوع المحاضرة ومحاورها وسبب اختيارها.
- موضوع المحاضرة هو شعر الأعشى الكبير، ميمون بن قيس.
- يقدم الأستاذ لموضوعه بحديث عن قضية الشعر الجاهلي من ثلاثة محاور عمره، وشعراؤه، وقضية وضعه.
- سبب الاختيار هو ما أثير حول الشعر الجاهلي من شبهات والوقت الطويل الذي قضاه الأستاذ ليستعيد ثقته التامة بالشعر الجاهلي.

ذكر الأقوال في تاريخ نشأة الشعر الجاهلي وعمره ونقدها
- أكثر الباحثين يرجعون إلى قول الجاحظ، (ولد 150، توفي 255هـ)، لأنه من أقدم ما قيل في هذه القضية، ولثقتهم بعقل الجاحظ ونظره.
- حكم الجاحظ على الشعر بأنه جاء قبل الإسلام ب200 عام على الأكثر، وأن أول من نهج سبيله وسهل الطريق إليه: امرؤ القيس بن حجر، ومهلهل بن ربيعة.
- استدل الجاحظ على هذا التقدير بمسألة حسابية ملخصها ذكر امرؤ القيس لعدس بن زيد في شعره ومعرفة تاريخ وفاة ابنه زرارة بن عدس، والذي توفي قبل مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بخمس وأربعين سنة، ثم حسب ما عاشه قبل ذلك وحياة والده إلى أن بعث صلى الله عليه وسلم وأضاف خمسين سنة أخرى لما عسى أن يكون صحيحًا من قولهم إن امرأ القيس كان يتكئ في بعض شعره على من سبقه كابن حذام الطائي وأبي دؤاد الإيادي، واستنتج أن مجموع ذلك لا يتجاوز ال200 عام
- الحقيقة أن هذا الأسلوب الحسابي لا ينفع إلا في تحديد ما بلغنا من شعر مهلهل وابن أخته امرئ القيس، وأنهما من أقدم شعراء الجاهلية الذين انتهى إلينا شعرهم، وأن أكثر الذي انتهى إلينا من سائر قديم شعراء الجاهلية، لا يكاد يتجاوز عمره مئتي عام لا أكثر.
- تقيد هذه القضية بقيد هو أننا نعني القصائد الطوال المقصدة، دون الأبيات ذوات العدد التي بلغتنا من قديم شعر الجاهلية.
- قد يكون الجاحظ أضاف لدليله الحسابي دليلا آخر أخذه من مفاد حديثين لا يصحان، ذُكر فيهما أن امرؤ القيس هو صاحب لواء الشعراء إلى النار، وأنه أول من أحكم الشعر.
- خلص الأستاذ إلى أن قول الجاحظ: "إن الشعر حديث الميلاد صغير السن"، قضية باطلة، لا برهان عليها، وليس لها دليل، وذكر بأنه قول لم يسبقه إليه أحد من نقاد الشعر وحفظته.
- ثبت عند الأستاذ أن الجاحظ قد اطلع على نسخة من كتاب ابن سلام، مستدلا بنقل الجاحظ أقوالاً وأخبارًا عن ابن سلام في مواضع من كتابه الحيوان هي بنصها موجودة في كتاب (طبقات فحول الشعراء)، وبما ثبت من تاريخ تأليف كتابه الحيوان، وببعض ما نقله من كتاب ابن سلام في كتابه الآخر (البرصان والعرجان).
- ذكر ابن سلام في كتابه أن أوائل العرب لم يكن لهم من الشعر إلا الأبيات يقولها الرجل في حاجته، وإنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب وهاشم بن عبد مناف وإن "أول من قصد القصائد وذكر الوقائع المهلهل بن ربيعة التغلبي، كما ذكر أن امرؤ القيس ابتدع أمورا في الشعر واتبعته فيها الشعراء، وفي ظن الكاتب أن هذا سبب اللبس الذي نقله الجاحظ حيث لم يبال بالفرق بين قوله أول من نهج وقول ابن سلام أول من قصد القصائد وبين فحوى الخبر غير الصحيح أول من أحكم الشعر حيث أنها لا تحكم على أولية الشعر.
- كان ابن سلام معاصرا للجاحظ ونظر مثله في قضية الشعر الجاهلي، وهو في حكم الأستاذ أقوم من الجاحظ على الشعر عامة، وعلى الشعر الجاهلي خاصة، وأشد تحققًا بدراسته، وأبلغ نفاذًا وتثبتًا في روايته وفحصه، ومن الخطأ أن يقايس بينهما، لاختلاف طريقيهما في النظر والرواية اختلافًا مبينًا.
- بعد إبطال قول الجاحظ نعود لقول ابن سلام لأنه أعلم من الجاحظ وأشد تثبتا.

التعريف بابن سلام وكتابه وطرق نشر العلم في عصره.
- كتاب ابن سلام (طبقات فحول الشعراء) أقدم كتاب وصل إلينا من كتب قدماء نقاد الأدب والشعر، بل لعله طليعة كتب النقد في الأدب العربي، وهو خليق بأن تبذل الجهود في دراسته.
- لم يقرأ ابن سلام كتابه على أحد في حياته وفي ظن الأستاذ أنه لما توفي بقيت كتبه عند أهله فاستعارها الجاحظ أياما وقرأها على عجل، ثم ردها، ثم نقلت من بغداد إلى البصرة.
- لم يصلنا من كتب ابن سلام إلا كتاب طبقات فحول الشعراء، مع أنه ضمن مقدمته أنه ينوي اتباعه بالكتابة عن أشراف العرب وساداتها وفرسانها وأيامها، وفي مواضع أخرى أن له كتابا اسمه بيوتات العرب، وكتاب الفرسان أو فرسان الشعراء، ولا يعلم متى ألف هذه الكتب ولا الأسبق منها.
- ترجمة ابن سلام في كتب التراجم مختصرة لا تحوي تواريخ تأليفه للكتب مما اضطر الأستاذ لتتبع ما نقل عن كتابه طبقات فحول الشعراء فوجد أنه لا يوجد فيها نقل إلا وهو مروي عن ابن أخته الفضل بن الحباب الجمحي، فاستنتج أنه لم يقرأ كتابه على أحد ولم يروه عنه سوى ابن أخته وأنه وكتبه الأخرى لم يذع أمرها في حياته وأن ابن أخته لم يخرجها إلا بعد دهر طويل.
- يوجد لدينا نسختين عتيقتين من كتاب طبقات فحول الشعراء، أقدمهن نسخة الأستاذ التي نشرها، والأخرى نسخة المدينة وهي على النصف من نسخة الكاتب لأن صاحبها اختصرها اختصارا شديدا.
- لهاتين النسختين ثلاثة أسانيد عن أبي خليفة: إسنادان في نسخة الأستاذ، وإسناد نسخة المدينة.
- كتب ابن سلام الثلاثة، وكتاب الطبقات خاصة، لم يذع ذكره في الناس إلا بعد وفاة ابن سلام سنة 231، بأكثر من خمس وستين سنة.
- استنتج الأستاذ من عدد من الأحداث أن ابن سلام لم يؤلف كتبه إلا في آخر حياته.
- تعرض الأستاذ لذكر سيرة ابن سلام ومبلغه من العلم وتوثيق أهل العلم لروايته.
- ذكر الأستاذ ما احتاط ابن سلام من تعب وكبر سن الجأه إلى المسارعة في تدوين علومه في كتب يرجع إليها الناس وما لهذا من أثر على اضطراب بعض المباحث أو إقحامها بخلاف ما جاء في مقدمة الكتاب.
- كان ابن سلام بلا شك حفيًا بشعر العرب وأخبارها وأيامها في الجاهلية والإسلام. وكان أبوه سلام بن عبد الله بن سالم الجمحي، مولى قدامة بن مظعون الجمحي، أيضًا حفيًّا بالشعر والشعراء وأخبارهم، وكان ابن سلام يكثر من سؤاله.
- العصر الذي عاش فيه ابن سلام كان عصرًا زاخرًا بالعلم، عرفت فيه صناعة الورق وانتشر بذلك التأليف.
- انتشر علم العلماء في زمن ابن سلام بما كانوا يتحدثون به، ويبينون عنه حين يسألون، وقل اهتمامهم بتأليف الكتب الكبار المفصلة المفسرة، وأكثرهم لم يؤلف كتابًا قط، وإنما سار علمه في الناس بكثرة من أخذ عنه، فكان جل تلامذتهم يسيرون على سنتهم، ويتلقون عنهم، ويحفظون ما يتلقونه وما يكتبونه مع ما سمعوه منهم.
- بعض تلامذتهم خالفوا سنتهم في ترك تأليف الكتب، وفي الاقتصار على تأليف الكتب الصغار، وبعضهم برع في تأسيس العلوم ووضع المناهج لها مثل الخليل.
- من المنطقي أن يكون ابن سلام تطلع لتأسيس علم الأدب والشعر كما برع بتأسيس العلوم بعض أهل زمانه وهو من هو في العلم والفضل، إلا أنه شغل بنقل العلم بالطريقة المألوفة حينها دون تأليف الكتب فلما تقدم به العمر سارع لتأليف كتبه فوقع فيها ما وقع من خلل.
- من الراجح أن ابن سلام غفل عن أشياء في كتابه ذكره بها يحيى بن معين (المولود سنة 158، والمتوفى سنة 233هـ)، صاحب السيرة المعروفة والتمكن من علم الحديث والجرح والتعديل.
- خمن الأستاذ بالرجوع لبعض الأحداث أن لقاء ابن سلام بيحيى بن معين وغيره من فطاحلة أهل الحديث كان بعد أن فرغ من كتابه وأنه تاق حين ذاك لتأليف كتاب في منحول الشعر ووضاعيه والكذابين في نقله على غرار ما فعل أئمة أهل الحديث.
- أشار الكاتب إلى منهجه التحليلي في قراءته لكتب القدماء وشدة تحريه لفهم مقاصدهم، مما أظهر له أن بعض كلام ابن سلام فهم على غير مراده كونه كتب على خلاف ما عرف عند العلماء والأدباء في الأزمنة المتأخرة، وضرب لذلك مثلا بمعنى الطبقات عند ابن سلام وعند من جاء بعده.

التعريف برسالة طبقات فحول الشعراء (مقدمة ابن سلام في كتابه) .
- ضمن ابن سلام مقدمة الكتاب منهجه في تأليف كتابه، ولكنه قطع المنهج مرارا بعدد من الاستطرادات التي قد تشوش على القارئ وتفقده أجزاء مهمة من المعنى.
- أحد الاستطرادات كان في ذم الشعر المصنوع وهو فقرة مكونة من عدة أسطر فقدت في بعض النسخ وأثبتت في بعضها، أطال الأستاذ في مراجعتها وتحليلها، إلى أن تبين له مقصود ابن سلام منها.
- ذكر الأستاذ أنه خلال محاولة فهم الفقرة المذكورة وجد فيها خمسة أوجه ملثمة طالت رحلته في الكشف عن معناها حتى هدي بفضل الله.
- أطال الأستاذ في الاستشهاد على ما اكتنف كتاب ابن سلام من اضطراب بسبب كبر السن والمرض، وأضاف لذلك سببا آخر هو إعادة نسخها مرة أخرى والذي كان سببا في إقحام الفقرة التي أشغلت الأستاذ وأربكت المعنى أعني الحديث عن الشر المصنوع.
- قطع الأستاذ بأن ابن سلام حين أعاد الكتاب بنسخته الأخيرة، وهي التي بين أيدينا اليوم، أقحم على أصلها الأول زيادات لم تكن في سياق منهج الكتاب، وأنه كتب هذه الزيادات قبيل وفاته، وأن كبر سنه ومرضه جعلاه على عجل من أمره في إقحامها إقحامًا يفصل فصلاً ظاهرًا بينًا بين كلامين كانا في أصله الأول متتابعين متصلين.
- اعتذر الأستاذ لابن سلام بكبر سنه ومرضه وعجلته التي رجا أن ينهي فيها كتبه قبل أن توافيه المنية وأقر له بأنه "إمام من أئمتنا، ونحن عيال عليه، مقرون بفضله وعلمه وتقدمه وجلالته وسناء مرتبته."، وأننا مع ذلك نتصرف مع الحجة لا مع هيبة ابن سلام.

التعريف بالتذوق واعتماد الأستاذ عليه في بعض استدلالاته وبيان أهميته.
- كل حضارة بالغة تفقد دقة التذوق، تفقد معها أسباب بقائها.
- كل حضارة نامية تريد أن تفرض وجودها، وتبلغ تمام تكوينها، إذا لم تستقل بتذوق حساس نافذ تختص به وتنفرد، لم يكن لإرادتها في فرض وجودها معنى يُعقل.
- التذوق ليس قوامًا للآداب والفنون وحدها، بل هو قوام لكل علم وصناعة، على اختلاف بابات ذلك كله وتباين أنواعه وضروبه.
- حسن التذوق، يعني سلامة العقل والنفس والقلب من الآفات، فهو لب الحضارة وقوامها، لأنه أيضًا قوام الإنسان العاقل المدرك الذي تقوم به الحضارة.
- قام أصل حضارة أصحاب اللسان العربي المبين على التذوق، في الجاهلية الغابرة، وفي الإسلام الباقي بحمد الله وحده، وبلغ التذوق بهم مبلغًا سنيًّا فريدًا، وحين بدأ تشتته وتبعثره بدأ معهما التدهور والإدبار.
- واجبنا اليوم أن نعيد بناء أنفسنا على ما بينت عليه حضارتنا من دقة التذوق، وأن يكون التذوق أساس عملنا الأدبي في آثار أسلافنا.
- لا أدل على أهمية التذوق من أن آية نبينا صلى الله عليه وسلم وهي القرآن إنما تعرف بالتذوق وحده.
- التذوق لا يقتصر فقط على تمييز كلام رب العالمين من كلام البشر، بل يتعدى إلى تمييز كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، من كلامه هو نفسه قبل البعثة، ومن كلام سائر العرب في زمانه وبعد زمانه.
- بين الأستاذ أنه أطال في شرح مفهوم التذوق لسببين: 1/ أن مذهبه في دراسة الأدب قائم على التذوق فيما كتبه قديمًا، وفيما يكتبه اليوم، 2/ لأنه هو الفيصل الفارق بين مناهج الدراسة المتلقاة عن غير أهل هذا اللسان، وبين المناهج التي ينبغي أن تنبع من الأصل الذي قامت عليه حضارة هذا اللسان، ثم ضللنا عنه وطال الضلال.
- استفاد الأستاذ من منهجه في التذوق في تلمس أسباب إقحام بعض الفقرات المربكة في كتاب ابن سلام وأشار إلى أنه لا يستطيع الوصول إلى النتائج التي وصل إليها إلا بالتذوق وحده.

الأسباب التي أدت لتفكك فقرات كتاب ابن سلام، والآثار التي أدت إليها.
أثناء كتابة ابن سلام للنسخة الثانية من كتابه أقحم في مقدمته فقرة مربكة تتكلم عن الشعر المصنوع، وفصلا عن العلماء بالشعر والعربية، إقحامًا أخل بالكلام، وحيرنا في فهمه وقد تلمس الأستاذ لذلك الأسباب التالية.
- أنه فرغ من نسخة الكتاب الثانية قبيل وفاته بأيام، ولا يخفى ما كان يعانية من كبر السن والمرض.
- ما بدا له من تأسيس لعلم الأدب والشعر والأخبار، أساسًا صحيحًا، بتفصيل الوضع على الشعراء، والتمييز بين رواة الشعراء والأخبار، ليُعرف بذلك سقيمها من صحيحها، كالذي فعله يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، والأئمة الجبال الشوامخ الذين ضبطوا علم الأمة بعد أن تلقوه من بحور العلم، منذ أول عهد الإسلام، إلى أن صار إليهم في مطلع هذا القرن الثالث من الهجرة.
- أحسن ابن سلام ولم يُسيء، ولكن الذي أراده، لم يحققه أحد من بعده، في تأسيس هذين العلمين، وإن كانوا قد بلغوا الغاية بعد ذلك في تمحيص الشعر والأخبار فيما كتبوا ورووا. أما تأسيس علم للموضوع، وعلم لرواة الأخبار والشعر، فقد ذهب، كما ذهبت ما كان في صدر محمد بن سلام رحمه الله مما لم يكتبه.
- كلام ابن سلام في كتابه كان سببًا في فساد كبير أصاب شعر العرب على يد أول المشككين في الشعر الجاهلي النافين لصحته، واستمر الأمر بعد ذلك على اتهام ما بأيدينا من شعر العرب الذي نقله إلينا العلماء المحققون الجهابذة.

توضيح ابهام الفقرة المربكة في كتاب ابن سلام.
ورد في الفقرة التي أشبعها الأستاذ دراسة وتحليلا عددا من العبارات المبهمة أطلق عليه الأستاذ: الوجوه الملثمة تمثلت في ابهام مقصده في: القوم، الشعر المصنوع، العلماء.
- ذكر ابن سلام واحدا ممن أشار لتناقلهم الشعر المصنوع وتدوينه هو ابن اسحاق ولا تخفى مكانته في العلم وفي السير خاصة.
- حاول الأستاذ عد بعض من كان له كتب عرفها ابن سلام وعناهم بالقوم الذين أنكر عليهم تناقل المصنوع من الشعر وذكر بأنه يعد بعضهم ولا يستقصيهم ومنهم عبيد الجرهمي، ووهب بن منبه، ومحمد بن إسحاق صاحب السير، والشرقي بن القطامي، ومحمد بن السائب الكلبي وولده هشام، ووعلان الشعوبي، وإدريس بن سنان وولده عبد المنعم، وغيرهم كثير.
- أثبت الأستاذ بالتحليل أن قول ابن سلام في الفقرة المقحمة التي تحدث بها عن الشعر المصنوع يقصد به الشعر الصحيح الذي يعرفه العلماء، ولكنه خلط بمصنوع ليس بشعر، في قصيدة واحدة. وبهذا تستقيم ضمائر الفقرة.
- أراد بقوله العلماء في هذه الفقرة، من ذكرهم هو من أئمة العربية وعلماء الشعر خاصة من أهل البصرة، وبعض من لم يذكر منهم، ولم يحفل كثيرًا بذكر علماء الكوفة، وهو معذور بذلك لنشأته في البصرة وتلقيه العلم عن علمائها.

اهتمام العرب قبل الإسلام وبعده بالشعر الجاهلي وطريقة تناقله.
- استمر تناقل العرب للشعر في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وبعده واستمع إليه عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام وحفظه من حفظه منهم
- كان الصحابة من كافة قبائل العرب، وامتدت بهم الفتوح شرقا وغربا وتفرقوا في الآفاق واستمروا على عادتهم في تناشد الأشعار ثم استقروا في المدن التي هيئت لهم وتوارثوا على عادتهم ما حفظوا من شعرهم
- لما بدأ تأسيس العربية على يد أبو الأسود الدؤلي في زمان علي بن أبي طالب رضي الله عنه زادت حاجته وحاجة أصحابه إلى تقصي الشعر المنحدر مع حملته من الجاهلية. فمن يومئذ افتتح ناشئة المسلمين بابًا جديدًا لحفظ شعر الجاهلية عن الصحابة وكبار التابعين، وكانت الكتابة قد انتشرت وانتشر معها كتابة الناس لما يسمعونه لأنفسهم بغرض الحفظ وليس بغرض التصنيف فكتبوا الحديث وكتبوا الشعر.
- أيد الأستاذ كلام ابن سلام في أن الشعر كان ديوان علم العرب، كم أيده بضياع كثير منه بسبب عدم تدوينه وموت من حفظه، وفتور هممهم عن تناقله وقلة اهتمام بعضهم بحفظه، ولكنه لم يؤيده في أن المسلمين تشاغلوا عنه بالفتوحات في زمن فلما عادوا إليه لم يجدوا أكثره، وقال إنهم لم يراجعوه بعد انقطاع وإنما صار اهتمامهم به أتم وأوسع.

بيان الأهمية البالغة للشعر الجاهلي والأحداث المصاحبة لنزول القرآن وعلاقتها بتذوقه وفهم إعجازه.

- آية نبينا صلى الله عليه وسلم هي القرآن وهو، وإن كان جاريًا على أساليب لغة العرب، فإنه مفارق لكلام البشر، وهم قادرون على تمييز ذلك.
- كانت العرب أمة أمية وكان كل علمهم، كما قال عمر رضي الله عنه، في الشعر وكان الشعر عندهم أرفع الأمثلة الحية، للبيان الذي يتذوقونه، حتى بلغوا هذا المبلغ الذي دلتنا عليه آية النبوة، وهي القرآن العظيم.
- تحداهم سبحانه بأن يميزوا بهذا التذوق المذهل الذي كان فيهم، بين كلام البشر كلهم، وبين الكلام المنزل على نبيهم، فيحكموا بهذا التذوق وحده بأنه كلام مباين لكلام البشر، وأنه كلام رب العالمين سبحانه، كما جعلهم محكمين في الفصل بين هذا القرآن المنزل، وما عسى أن يأتي به من يستجيب للتحدي محاولاً أن يأتي بمثل هذا القرآن.
- يدل هذا الطلب منهم مع تفويض الحكم إليهم على أن المخاطبين بالقرآن، كانوا يملكون قدرًا لا يمكن تحديده من القدرة على تذوق البيان والنظم، وأنه عام يستغرق جميع المخاطبين بهذا القرآن، وأنه كان كائنًا فيهم من قبل أن ينزل القرآن.
- شمل هذا التذوق الفاخر الذي عم العرب من عاشرهم من الطوائف.
- هذا التذوق يستحيل أن يكون نشأ مع نزول القرآن وإنما كان نتيجة دهور متطاولة من تذوق البيان، كما أنه يدل على أن في أيدي الناس وفي نفوسهم أمثلة حية كثيرة متنوعة قديمة متداولة وحديثة.
- اسقاط هذه الحقيقة من الدراسة الأدبية تشبه تجريد العصر من الناس الذين عاشوا فيه، وهو جهل مركب وتقليد مشين.

العلاقة بين تذوق بلاغة القرآن وبين تذوق الشعر الجاهلي
- الإقرار بأن نزول القرآن حادثة فريدة في تاريخ البشر يقتضي جعله أصل الأصول كلها في دراسة الأدب وفي دراسة التاريخ، وإلا أصبح الأدب العربي والتاريخ العربي معًا، خليطًا من المتناقضات لا يمكن فهمه أو دراسته.
- عزل حادثة نزول القرآن عن الدراسات الأدبية والتاريخية كما هو الواقع لا يفهم إلا على أحد وجهين 1/ إنكار نزوله على هذا الوجه الذي نعرفُه، وأنكار إعجاز القرآن، فيؤول الأمر إلى إنكار أن القرآن كلام الله 2/ العجز عن فهم التاريخ، ورسم صورة صحيحة للقوم الذين نزل عليهم، وآمنوا بأنه كلام الله مباين لكلام البشر، وكلا الحالتين أخبث من أختها وأخزى.
- إذا كان الذين آمنوا بهذا الكتاب، كتاب الله، هم العرب الجاهليين أصحاب الشعر الجاهلي، فصورة هذا العصر وصور رجاله، أساس لا غنى عنه في قضية صحة الشعر الجاهلي، وفي قضية صحة روايته.
- مطالبة أهل الجاهلية بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنه نبي مرسل مبلغ عن ربه، تعتمد على أصل واحد لا غير: هو أن يستمعوا إلى هذا القرآن ويستمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتلو عليهم ما ينزل إليه منه. وهذا القرآن في بداية الإسلام كان قليلاً جدًا، وإذن فهذه المطالبة تقع على قليل القرآن وكثيره وقوعًا واحدًا، منذ أول يوم نزل فيه القرآن.
- تدل هذه المطالبة على: 1/ أنهم إذا أحسنوا الاستماع إلى ما يتلى عليهم منه، كانوا قادرين على أن يعلموا علمًا يقينًا أن هذا الكلام مباين لكلام البشر جميعًا، وأن تاليه نبي مرسل، 2/ أنهم لن يكونوا قادرين على هذا التمييز، إلا وقد أوتوا القدرة على تذوق أبنية الكلام تذوقًا نافذًا، 3/ أن هذا القدر من التذوق، غير ممكن أن يناله أحد إلا بعد قرون متطاولة موغلة في القدم، 4/ أن هذا غير ممكن إلا وعند المطالبين، قدر هائل من الكلام الشريف النبيل الجامع لأساليب البيان الإنساني، يكون متداولاً بينهم، يمارس عليه جمهور الناس هذا التذوق، 5/ أن هذا الكلام الشريف النبيل كان أكثره شعرًا عربيًا جاهليًا، متنوع المعاني، متعدد الأغراض، يتناول بيانه كل ما تحتاج نفوس البشر إلى الإبانة عنه،6/ أن تذوق ما كان في صدورهم من الشعر وغير الشعر، كان عمل كبيرهم وصغيرهم ورجالهم ونسائهم، وأشرافهم وعامتهم، وأحرارهم ومواليهم، وأن هذا التذوق كان له القسط الأوفر في حياتهم، في باديتهم وحاضرتهم، وفي جدهم ولهوهم.
- مطالبة عرب الجاهلية، منذ أول يوم في البعثة، بأن يؤمنوا بأن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم، رسول من الله أرسله إليهم، يبلغهم عن ربهم حقيقة تاريخية واقعة لم يشك فيها قبل اليوم، ولا يشك فيها اليوم، إنسان يعقل، لأن حقائق التاريخ المتظاهرة من كل وجه، لا تدع لهذا الشك مجالاً.
- المستشرقين من اليهود والنصارى يعلمون ذلك علم اليقين، ولكنهم يجعلون مناهجهم قائمة على الإعراض عنه هذه الحقيقة وعزلها ويغفلون معها كل ما يتطلبه حدوثها من النتائج المترتبة عليها.
- صنعهم ليس عجيبا عليهم فهو اقتفاء لأثر أسلافهم، ولكن العجب والخزي على من ينخدع منا بهم فيعزل أوثق حقيقة تاريخية في دراسته الأدبية أو التاريخية.
- مطالبة عرب الجاهلية بأن يؤمنوا بأن هذا الرجل، صلى الله عليه وسلم، رسولٌ من عند الله، مؤسسة على مطالبتهم بأن يستمعوا إلى هذا الي يتلوه عليهم، وأن يتبينوا بعد استماعه أنه وإن كان منزلاً بلسانهم، فهو مع ذلك مباين له، ولكلام سائر البشر.
- كلتا المطالبتين حقيقة تاريخية واقعة، وأي إخلال بذلك مفض إلى فساد كبير في جميع الدراسات الأدبية والتاريخية.
- الاخلال بهذه الحقيقة أدى إلى تشويه ثقافتنا وعلومنا وتاريخنا وكل ذلك مثبت في المذاهب المحدثة، وفي الأفكار الجديدة، ولو بقي الأمر طويلاً على ما نحن عليه، فسينتهي إلى الرفض الكامل
- هذا الباب من المخاوف يقتضي أن تؤلف في بيانه كتب، لا أن تلقي في شأنه كلمة موجزة.
- كان نهج الأنبياء من قبل نزول القرآن، أن يأتي النبي ومعه شيئان: آية وبلاغ، فلما شاء ربنا أن يختم النبوة، اختلف النهج، فاصطفى لمشيئته عبده محمدًا صلى الله عليه وسلم من العرب وحدهم، وأرسله ومعه بلاغان ملفوظان:القرآن، وبلاغ كالذي أوتيه النبيون من قبل، قال صلى الله عليه وسلم: (ما من نبي إلا وأوتي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيًا أوحى إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة)، وقوله: (أوتيت الكتاب ومثله معه).
- بدلالة العقل ينبغي أن يكون اللسان العربي قد بلغ حين نزول القرآن غاية تفوق ما بلغته غايات الألسنة كلها، وما سوف تبلغه ألسنة البشر إلى آخر زمانهم، حتى يمكن أن يحتمل ضربًا من الكلام يدل تذوقه على أنه مباين كل المباينة لكلام البشر، ويكون آية دالة على أن التاليه عليهم وعلى الناس كافة نبيٌ مرسلٌ ليكون خاتم أنبياء البشر.
- محال أن يفجأ الله عباده من عرب الجاهلية بهذا التبين الذي طالبهم به، وهم خلو من القدرة عليه، فكان لزامًا أن تكون لهم قدرة يعلمها سبحانه فيهم، وإلا كانت المطالبة تعجيزًا محضًا لعباده.
- بديهة العقل تقضي بأنه محال أن تكون هذه القدرة جبلة فطر العرب عليها بلا إرادة منهم ولا عمل، وإذن، فهي قدرة مكتسبة بإرادة وعمل، وبالجمع بين هذين النظرين، يتبين تبينا جليًّا أن أصحاب اللسان العربي يومئذ، كان عندهم قبل المطالبة، أمثلة حية مستفيضة بينهم، من كلام قد مارسوه هم وآباؤهم ممارسة متوارثة بعيدة الأجل، حتى اكتسبوا قدرة كامنة في أنفسهم، تجعله عدلاً من الله لا ظلم فيه، أن يطالبهم بتبين الفرق بين ما عندهم وما تطيقه ألسنتهم هم، وبين هذا القرآن الذي أطاقه لسانهم العربي.
- هذا الكلام هو ما ألفوه دهورًا إلى زمانهم من بارع كلام فصحائهم، وأعلاه عندهم وأشرفه وأبقاه في صدورهم وعلى ألسنتهم هو ما نسميه الشعر الجاهلي.
- هذه المطالبة كانت عامة لا تحض نفرًا من العرب دون نفر، ولا قبيلة دون قبيلة، ولا تفرق بين ذكر وأنثى، ولا بين صغير وكبير، ولا بين حر وعبد، ولا بين عربي صليبة وعربي قد اكتسب العربية بالمعاشرة، ولا بين بادية وحاضرة.
- أصابتهم هذه المطالبة بالفزع والحيرة، كما أنها أرهفت قدرتهم على تذوق ما يسمعونه من نبيل القول وشريفه.
- لم يكن نزول القرآن العظيم داعيًا إلى هجر شعر الجاهلية، بل كان حافزًا مثبتًا لهذا الشعر في النفوس بتكرار التذوق والتأمل، وبالمقايسة بين بعضه وبعض، وبينه وبين ما طولبوا بأن يتبينوا أنه كلام الله المفارق لكلامهم ولكلام البشر.
- كان فوق ذلك صاقلاً لأقصى قدرة على تذوق الكلام تذوقا يحاول أن يخترق الفاصل بين أروع ما تطيقه ألسنة البشر، وبين هذا القرآن العظيم الذي يباين كلام البشر، وإن كان منزلاً بلسانهم.
- التذوق ليس عملاً هينًا ميسورًا، ولا عملاً موقوتًا بساعته حتى إذا فرغ منه ذهبت حاجة النفس إليه، بل هو عمل خفي متشعب معقد يخالط العقل والنفس ويثيرها ويهزها ويقلبها بتقلب الخواطر تقليبًا لا تكاد تبلغه الصفة، ثم هو عمل غائر في النفس المتذوقة، قائم فيها أبدا بسلطان قاهر، يزيدها على الأيام وعلى الممارسة حرصًا عليه وشغفًا به، ثم لا ينفك عنها ولا تنفك عنه.
- التذوق ليس عملاً يتعلق بظاهر الألفاظ والتراكيب والصور، بل هو عمل مركب متراحب متعانق شديد التعقيد، يبدأ من عند ظاهر الألفاظ والتراكيب والصور، لينفذ منها إلى عمق أعماق المعاني التي تنطوي عليها، وإلى أدق دلالاتها على تنوعها وانتشارها، وإلى أغمض ما يكمن في ثناياها من الفكر والرأي والنظر والحجة.
- هؤلاء العرب المطالبين لم يكن تذوقهم نافذًا إلى الأعماق التي تدل عليها الألفاظ والتراكيب والصور، ويتشعب مع دلالاتها ومعانيها وأغمض ما فيها من الفكر والنظر والحجة، لذلك فإن من آمن بنبوته صلى الله عليه وسلم بعد أن تهدم الجدار الفاصل بين أروع ما في الشعر الجاهلي وبين هذا القرآن المنصوب لهم آية على نبوته صلى الله عليه وسلم لم يجتز هذه العقبة إلا ومعه علم كثير بما نزل من القرآن يومئذ، علم بمعانيه وحججه وبما يدلهم عليه من آياته في الأرض والسماء، وبما يؤدبهم به من الأخلاق والأعمال، وهذا هو فرق ما بين آية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الدالة على نبوته، وبين آيات من سبقه من الأنبياء الدالة على نبوتهم.
- آيته صلى الله عليه وسلم آية ملفوظة باقية آثارها في نفس كل من آمن به، وآيات الأنبياء من قبله معاينة مشهودة، توجب الإيمان بنبوتهم، ولكنها تنقضي بانقضاء حدوثها.
- الأمة مجمعة، إلا من شذ، بأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عند كل منهم من العلم بالقرآن وبسنته صلى الله عليه وسلم، قدر لا يلحقه فيه أحد من التابعين، لأن كل صحابي لم يخرج من جاهليته إلى إسلامه، إلا بعد أن استوعب بهذا التذوق النافذ العميق، قدرًا هائلاً من علم الكتاب المنزل.
- كان مقطوعًا به أن لغتهم عند البعثة كانت قد اكتسبت من المرونة واللطف والدقة والإحكام الفائق، مبلغًا يهيئها لحمل هذه الآية الفريدة في آيات النبيين.
- أنبل كلامهم وأشرفه وهو الشعر الجاهلي، كان قد بلغ أيضًا مثل هذه المنزلة ليكون تذوقهم إياه معينا لهم على تذوق البلاغ.
- كانت المحافظة على الشعر الجاهلي وترديده شأن الصحابة وسائر من أسلم من عرب الجاهلية في الحاضرة والبادية، لم يزدهم نزول القرآن وتحديه لهم إلا حرصًا على شعر جاهليتهم، وكان عليه الصلاة والسلام يستنشدهم، واستمر ذلك من بعده.
- إذا كان هذا الشعر الجاهلي بهذه المكانة عند الصحابة ومن تبعهم وبهذه الوفرة على قدر وفرتهم فكيف يظن بأنهم يضعون الشعر على ألسنة شعراء الجاهلية؟!
- وإذا كان تناشد الأشعار، على سنتهم في جاهليتهم، قائمًا في كل مكان، فهل تظنه سهلاً على أحد أن يفضح نفسه بافتعال شعر ينسبه إلى جاهلي قديم، وفي الناس من هو قادر على تكذيبه والنكير عليه؟
- الشعر الجاهلي ظل سليمًا مبرأً محفوفًا بالصدق، حتى انقضت نحو مئة عام منذ هجرته صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وإن كانت قد تناقصت وفرته.
- أساء كبير المشككين في الشعر الجاهلي والنافين لصحة ما عندنا منه، وأوقد فتنة لم تخب بعد.
وصلى الله على محمد صلاة طيبة زاكية مباركة، والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir