قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وإنما خصّ يوم الدّين، واللّه عزّ وجلّ يملك كل شيء؛ لأنه اليوم الذي يضطر فيه المخلوقون إلى أن يعرفوا أن الأمر كلّه للّه، ألا تراه يقول: {لمن الملك اليوم} وقوله: {يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً}، فهو اليوم الذي لا يملك فيه أحد لنفسه لا لغيره نفعاً ولا ضراً.). [معاني القرآن: 1/ 46-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ، ثنا محمّد بن العلاء -يعني أبا كريبٍ-، ثنا عثمان بن سعيدٍ الزّيّات، ثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا كملكهم في الدّنيا».). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (فإن قيل: لم خصت القيامة بهذا؟ فالجواب: أن يوم القيامة: يوم يضطر فيه الخلائق إلى أن يعرفوا أن الأمر كله لله تعالى،
قيل: خصه؛ لأن في الدنيا ملوكاً وجبارين، ويوم القيامة يرجع الأمر كله إلى الله تعالى). [معاني القرآن: 1/ 61-63]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قال أبو بكر: والوجه لمن قرأ «مالك» أن يقول: إن المعنى أن الله تعالى يملك ذلك اليوم أن يأتي به كما يملك سائر الأيام لكن خصّصه بالذكر لعظمه في جمعه وحوادثه. ). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وتخصيص الملك بيوم الدّين لا ينفيه عمّا عداه، لأنّه قد تقدّم الإخبار بأنّه ربّ العالمين، وذلك عامٌّ في الدّنيا والآخرة، وإنّما أضيف إلى يوم الدّين لأنّه لا يدّعي أحدٌ هنالك شيئًا، ولا يتكلّم أحدٌ إلّا بإذنه، كما قال: {يوم يقوم الرّوح والملائكة صفًّا لا يتكلّمون إلا من أذن له الرّحمن وقال صوابًا} [النّبأ: 38] وقال تعالى: {وخشعت الأصوات للرّحمن فلا تسمع إلا همسًا} [طه: 108]، وقال: {يوم يأت لا تكلّم نفسٌ إلا بإذنه فمنهم شقيٌّ وسعيدٌ} [هودٍ: 105].
وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ: «{مالك يوم الدّين} يقول: لا يملك أحدٌ في ذلك اليوم معه حكمًا، كملكهم في الدّنيا». ). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {مالك يوم الدين}: «يقول: لا يملك أحد معه في ذلك اليوم حكما كملكهم في الدنيا».). [الدر المنثور: 1 /67-73]
13: معنى قوله تعالى: {الدين}
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الدّين}: الحساب والجزاء، يقال في المثل: (كما تدين تدان)، وقال ابن نفيل:
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائل.......واعلم بأنّ كما تدين تدان
).[مجاز القرآن: 1/ 22-24]
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الدين: الحساب، ومنه: {مالك يوم الدين}). [الغريب المصنف: 3/ 1008]
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
فمر على نحره والذراع.......ولم يك ذاك له الفعل دِينَا
والدين: العادة، والدين: الطاعة، والدين: الجزاء، والدين: الحساب، والدين: الملة، والدين: الخلق). [شرح ديوان كعب بن زهير: 110]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء من ذلك قولهم: (كما تدين تدان) ).[غريب القرآن وتفسيره: 61]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (و{يوم الدّين}: يوم القيامة، سمّى بذلك؛ لأنه يوم الجزاء والحساب، ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي : جازيته، ويقال في مثل: «كما تدين تدان» يراد : كما تصنع يصنع بك، وكما تجازي تجازى). [تفسير غريب القرآن: 38]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الدّين} الدّين: الجزاء. ومنه قوله تعالى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4)} أي: يوم الجزاء والقصاص. ومنه يقال: "دنته بما صنع" أي: جزيته بما صنع. و(كما تدين تدان).
والدّين: الملك والسّلطان. ومنه قول الشاعر:
لئن حللت بجوٍّ في بني أسد.......في دين عمرو وحالت دوننا فدك
أي: في سلطانه. ويقال من هذا: "دنت القوم أدينهم" أي: قهرتهم وأذللتهم، "فدانوا" أي: ذلّوا وخضعوا. و"الدّين لله" إنما هو من هذا. ومنه قول القطاميّ:
كانت نوار تدينك الأديانا
أي: تذلّك. ومنه قول الله تعالى: {وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} [التوبة: 29]، أي: لا يطيعونه.
والدّين: الحساب، من قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} [التوبة: 36]. ومنه قوله عز وجل: {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} [النور: 25]، أي: حسابهم). [تأويل مشكل القرآن: 453-454]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ، "كما تدين تدان"، وقال مجاهدٌ: {بالدّين} [الانفطار: 9] : «بالحساب»، {مدينين}[الواقعة: 86] : «محاسبين» ). [صحيح البخاري: 6/ 17]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: (الدّين: الجزاء في الخير والشّرّ " كما تدين تدان")، هو كلام أبي عبيدة ، أيضًا قال: «الدّين : الحساب والجزاء، يقال في المثل: كما تدين تدان». انتهى ،
وقد ورد هذا في حديثٍ مرفوعٍ أخرجه عبد الرّزّاق عن معمرٍ، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بهذا وهو مرسلٌ رجاله ثقاتٌ ورواه عبد الرّزّاق بهذا الإسناد أيضًا، عن أبي قلابة، عن أبي الدّرداء موقوفًا وأبو قلابة لم يدرك أبا الدّرداء وله شاهدٌ موصولٌ من حديث ابن عمر أخرجه بن عديّ وضعّفه.
...
والأثر الأوّل جاء موقوفًا عن ناسٍ من الصّحابة أخرجه الحاكم من طريق السّديّ، عن مرّة الهمداني، عن ابن مسعودٍ وناسٍ من الصّحابة في قوله تعالى: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب ويوم الجزاء».
وللدّين معان أخرى منها: العادة والعمل والحكم والحال والخلق والطّاعة والقهر والملّة والشّريعة والورع والسّياسة وشواهد ذلك يطول ذكرها). [فتح الباري: 8/ 156]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (والدّين: الجزاء في الخير والشّرّ،"كما تدين تدان" ، وقال مجاهدٌ: «{بالدّين}: بالحساب {مدينين}: محاسبين»).
أشار به إلى تفسير الدّين في قوله: {مالك يوم الدّين} وهو كلام أبي عبيدة حيث قال: «الدّين: الجزاء والحساب، يقال في المثل: كما تدين تجازي، أي: كما تفعل تجازى به»، وروي هذا حديثا مرسلا، رواه عبد الرّزّاق، عن معمر، عن أيّوب، عن أبي قلابة، عن النّبي صلى الله عليه وسلم، وروي أيضا بهذا الإسناد عن أبي، قلابة عن أبي الدّرداء، موقوفا، وأبو قلابة: عبد الله بن زيد لم يدرك أبا الدّرداء.
...
والدّين يأتي لمعان كثيرة: العادة، والعمل، الحكم، والحال، والحق والطّاعة، والقهر، والملّة، والشريعة، والورع، والسياسة.). [عمدة القاري: 18 /80]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (والدين: الجزاء في الخير والشر) وسقطت الواو لأبي ذر، وهذا رواه عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- وهو مرسل رجاله ثقات. ورواه عبد الرزاق بهذا الإسناد أيضًا عن أبي قلابة، عن أبي الدرداء موقوفًا، وأبو قلابة لم يدرك أبا الدرداء، لكن له شاهد موصول من حديث ابن عمر أخرجه ابن عدي وضعفه.
وفي المثل: كما تدين تدان، الكاف في موضع نصب نعتًا لمصدر محذوف أي: تدين دينًا مثل دينك. وهذا من كلام أبي عبيدة أيضًا كسابقه وهو حديث مرفوع أخرجه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف من حديث ابن عمر مرفوعًا، وله شاهد من مرسل أبي قلابة قال: قال رسول الله -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «البر لا يبلى والإثم لا ينسى، والديان لا يموت، فكن كما شئت كما تدين تدان». رواه عبد الرزاق في مصنفه. وأخرجه البيهقي في كتاب الأسماء والصفات من طريقه، ومعناه: كما تعمل تجازى، وفي الزهد للإمام أحمد، عن مالك بن دينار موقوفًا مكتوب في التوراة: «كما تدين تدان وكما تزرع تحصد».). [إرشاد الساري: 7/4]
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (وقال المفسرون في قوله عز وجل: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}. قالوا: يوم الجزاء والحساب، ومن أمثال العرب: "كما تدين تدان"، وأنشد أبو عبيدة:
واعلم وأيقن أن ملكك زائلٌ.......واعلم بأن كما تدين تدان
وللدين مواضع منها ما ذكرنا، ومنها: الطاعة، ودين الإسلام من ذلك يقال: فلان في دين فلانٍ، أي: لم يكونوا في دين ملك، وقال زهيرٌ:
لئن حللت بجو في بني أسدٍ.......في دين عمرو وحالت بيننا فدك
فهذا يريد: في طاعة عمرو بن هند، والدين: العادة، يقال: ما زال هذا ديني ودأبي وعادتي وديدني وإجرياي، قال المثقب العبدي:
تقول إذا درأت لها وضيني.......أهذا دينه أبدًا وديني
أكل الدهر حل وارتحالٌ.......أما تبقي علي وما تقيني
).[الكامل: 1/ 425-427]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال: و{مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} أي: يوم الجزاء). [مجالس ثعلب: 276]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : ( والدّين في هذا الموضع بتأويل الحساب والمجازاة بالأعمال، كما قال كعب بن جعيلٍ:
إذا ما رمونا رميناهم.......ودنّاهم مثل ما يقرضونا
وكما قال الآخر:
واعلم وأيقن أنّ ملكك زائلٌ.......واعلم بأنّك ما تدين تدان
يعني ما تجزي تجازى.
ومن ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {كلاّ بل تكذّبون بالدّين} يعني: بالجزاء، {وإنّ عليكم لحافظين} يحصون ما تعملون من الأعمال. وقوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} يعني: غير مجزيّين بأعمالكم ولا محاسبين.
وللدّين معانٍ في كلام العرب غير معنى الحساب والجزاء سنذكرها في أماكنها إن شاء اللّه.
وبما قلنا في تأويل قوله: {يوم الدّين} جاءت الآثار عن السّلف من المفسّرين، مع تصحيح الشّواهد لتأويلهم الّذي تأوّلوه في ذلك.
- حدّثنا أبو كريبٍ محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، قال: حدّثنا أبو روقٍ، عن الضّحّاك، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ: {يوم الدّين} قال: «يوم حساب الخلائق هو يوم القيامة، يدينهم بأعمالهم، إن خيرًا فخيرٌ وإنّ شرًّا فشرٌّ، إلاّ من عفا عنه، فالأمر أمره». ثمّ قال: «{ألا له الخلق والأمر}».
- وحدّثني موسى بن هارون الهمدانيّ، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ القنّاد، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ الهمدانيّ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ، وعن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ، وعن مرّة الهمدانيّ، عن ابن مسعودٍ، وعن ناسٍ، من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «{مالك يوم الدّين}: هو يوم الحساب».
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدين اللّه العباد بأعمالهم».
- وحدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا الحسين بن داود، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ: {مالك يوم الدّين} قال: «يوم يدان النّاس بالحساب»). [جامع البيان: 1/ 149-159]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يوم الدّين}: الدين في اللغة: الجزاء، يقال: "كما تدين تدان"، المعنى : كما تعمل تعطى وتجازى، قال الشاعر:
واعلم وأيقن أن ملكك زائل.......واعلم بأن كما تدين تدان
أي : تجازى بما تعمل، والدّين أيضاً في اللغة: العادة، تقول العرب: "ما زال ذلك ديني"، أي: عادتي.
قال الشاعر:
تقول إذا درأت لها وضيني.......أهذا دينه أبدا وديني
). [معاني القرآن: 1/ 46-48]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {يوم الدّين}
- حدّثنا عليّ بن طاهرٍ به، عن ابن عبّاسٍ في قوله: { يوم الدّين} قال: «الدّين يوم حساب الخلائق، وهو يوم القيامة يدينهم بأعمالهم إن خيرًا فخيرٌ، وإن شر شرا إلا من عفا عنه».
- حدّثنا أبي، ثنا محمود بن غيلان، ثنا سفيان بن عيينة، عن حميدٍ الأعرج في قول اللّه {مالك يوم الدّين} قال: «يوم الجزاء»). [تفسير القرآن العظيم: 1 /29]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (-وحدثنا محمد بن جعفر بن محمد، عن أبي داود بن الأنباري، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا عمرو بن أسباط عند السدي وهو إسماعيل بن عبد الرحمن بن أبي مالك، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس، وعن مرة الهمداني، عن أبي مسعود، وعن أناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {مالك يوم الدين}: «يوم الدين: هو يوم الحساب».
وقال مجاهد: "الدين: الجزاء" والمعنيان واحد؛ لأن يوم القيامة: يوم الحساب، ويوم الجزاء.
والدين في غير هذه: الطاعة، والدين أيضاً: العادة، كما قال:
أهذا دينه أبداً وديني
والمعاني متقاربة؛ لأنه إذا أطاع: فقد دان. والعادة تجري مجرى الدين، و"فلان في دين فلان" أي: في سلطانه وطاعته.).[معاني القرآن: 1/ 61-63]
قال أبو عليًّ إسماعيلُ بنُ القاسمِ القَالِي (ت: 356هـ) : (تفسير قوله تعالى: {غير مدينين} [الواقعة: 86] ومعنى الدين.
وحدّثنا أبو بكر بن الأنباري، رحمه الله، في قوله تعالى: {فلولا إن كنتم غير مدينين} [الواقعة: 86] معناه غير مجزّيين، قال: وأنشدنا:
ولم يبق سوى العدوا.......ن دناهم كما دانوا
أي: جازيناهم كما جازوا، ومن ذلك قوله جل وعز: {مالك يوم الدّين}، قال قتادة: «معناه: مالك يومٍ يدان فيه العباد أي: يجازون بأعمالهم»،
ويكون الدين أيضًا الحساب قال ابن عباس: «معنى قوله {مالك يوم الدّين} أي: يوم الحساب»،
ويكون الدّين أيضًا السّلطان، قال زهير:
لئن حللت بجوٍّ في بني أسدٍ.......في دين عمروٍ وحالت بيننا فدك
معناه في سلطان،
ويكون الدّين أيضًا الطاعة، من ذلك قوله جل وعز: {ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك} [يوسف: 76] معناه في طاعة الملك.
ويكون الدّين أيضًا العبودية والذّل، وجاء في الحديث: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» فمعناه: استعبد نفسه وأذلّها لله عز وجل، قال الأعشى:
هو دان الرّباب إذ كرهوا.......الدين دراكًا بغزوةٍ وصيال
ثم دانت بعد الرّباب وكانت.......كعذابٍ عقوبة الأقوال
يعني أنه أذلهمّ فذلّوا، وقال القطامي:
رمت المقاتل من فؤادك بعدما.......كانت نوار تدينك الأديانا
معناه تستعبدك بحبها،
ويكون الدين أيضًا الملة، كقولك: نحن على دين إبراهيم، ويكون العادة، قال المثقب العبدي:
تقول إذا درأت لها وضينا.......أهذا دينه أبدًا وديني
أكلّ الدهر حلٌّ وارتحالٌ.......أما يبقى على وما يقيني
ويكون الدين أيضًا الحال، قال النضر بن شميل: سألت أعرابيًا عن شيء، فقال: لو لقيتني دينٍ غير هذه لأخبرتك، وروى أبو عبيدة قول امرئ القيس:
كدينك من أم الحويرث قبلها.......وجارتها أمّ الرباب بمأسل
أي: كعادتك.
والعرب تقول: ما زال هذا دينه ودأبه وديدنه وديدانه وديدبونه أي: عادته). [الأمالي: 2/ 295] (م)
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني أبو أحمد محمّد بن إسحاق الصّفّار العدل، ثنا أحمد بن نصرٍ، ثنا عمرو بن طلحة القنّاد، ثنا أسباط بن نصرٍ، عن إسماعيل بن عبد الرّحمن السّدّيّ، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، وعن أناسٍ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: {مالك يوم الدّين} قال: «هو يوم الحساب» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، ولم يخرّجاه). [المستدرك: 2 /284]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يوم الدين}: يوم الجزاء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 21]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَوْمِ الدِّينِ}: يوم الجزاء). [العمدة في غريب القرآن: 67-68]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والدين لفظ يجيء في كلام العرب على أنحاء، منها الملة. قال الله تعالى: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: 19] إلى كثير من الشواهد في هذا المعنى، وسمي حظ الرجل منها في أقواله وأعماله واعتقاداته دينا، فيقال فلان حسن الدين، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في رؤياه في قميص عمر الذي رآه يجره: قيل: فما أولته يا رسول الله؟ قال: «الدين» وقال علي بن أبي طالب: «محبة العلماء دين يدان به». ومن أنحاء اللفظة الدين بمعنى العادة. فمنه قول العرب في الريح: «عادت هيف لأديانها».
ومنه قول امرئ القيس:
كدينك من أمّ الحويرث قبلها ....... ... ... ... ...
ومنه قول الشاعر: [المثقب العبدي]:
... ... ... .... ....... أهذا دينه أبدا وديني
إلى غير ذلك من الشواهد، يقال دين ودينة أي عادة، ومن أنحاء اللفظة: الدين سيرة الملك وملكته، ومنه قول زهير:
لئن حللت بجوّ في بني أسد ....... في دين عمرو وحالت بيننا فدك
أراد في موضع طاعة عمرو وسيرته، وهذه الأنحاء الثلاثة لا يفسر بها قوله ملك يوم الدين. ومن أنحاء اللفظة الدين الجزاء، فمن ذلك قول الفند الزماني: [شهل بن شيبان]
ولم يبق سوى العدوا ....... ن دنّاهم كما دانوا
أي جازيناهم. ومنه قول كعب بن جعيل:
إذا ما رمونا رميناهم ....... ودناهم مثل ما يقرضونا
ومنه قول الآخر:
واعلم يقينا أنّ ملكك زائل ....... واعلم بأنّ كما تدين تدان
وهذا النحو من المعنى هو الذي يصلح لتفسير قوله تعالى: {ملك يوم الدين} أي: يوم الجزاء على الأعمال والحساب بها، كذلك قال ابن عباس، وابن مسعود، وابن جريج، وقتادة وغيرهم.
قال أبو علي: يدل على ذلك قوله تعالى: {اليوم تجزى كلّ نفسٍ بما كسبت} [غافر: 17]، و{اليوم تجزون ما كنتم تعملون} [الجاثية: 28]. وحكى أهل اللغة: دنته بفعله دينا بفتح الدال ودينا بكسرها جزيته، وقيل الدين المصدر والدين بكسر الاسم.
وقال مجاهد: «ملك يوم الدين أي: يوم الحساب، مدينين: محاسبين» وهذا عندي يرجع إلى معنى الجزاء. ومن أنحاء اللفظة الدين الذل، والمدين العبد، والمدينة الأمة، ومنه قول الأخطل:
ربت وربا في حجرها ابن مدينة ....... تراه على مسحاته يتركّل
أي ابن أمة، وقيل بل أراد ابن مدينة من المدن، الميم أصيلة، ونسبه إليها كما يقال ابن ماء وغيره.
وهذا البيت في صفة كرمة فأراد أن أهل المدن أعلم بفلاحة الكرم من أهل بادية العرب. ومن أنحاء اللفظة الدين السياسة، والديان السائس، ومنه قول ذي الأصبع الحدثان بن الحارث:
لاه ابن عمّك لا أفضلت في حسب ....... يوما ولا أنت دياني فتخزوني
ومن أنحاء اللفظة الدين الحال.
قال النضر بن شميل: «سألت أعرابيا عن شيء فقال لي لو لقيتني على دين غير هذه لأخبرتك».
ومن أنحاء اللفظة الدين الداء، عن اللحياني وأنشد:
ما دين قلبك من سلمى وقد دينا
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: أما هذا الشاهد فقد يتأول على غير هذا النحو، فلم يبق إلا قول اللحياني). [المحرر الوجيز: 1/ 74-82]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (والدّين الجزاء والحساب؛ كما قال تعالى: {يومئذٍ يوفّيهم اللّه دينهم الحقّ}، وقال: {أئنّا لمدينون} أي: مجزيّون محاسبون، وفي الحديث: «الكيّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» أي: حاسب نفسه لنفسه؛ كما قال عمر رضي اللّه عنه: «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، وتأهّبوا للعرض الأكبر على من لا تخفى عليه أعمالكم: {يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافيةٌ}»). [تفسير ابن كثير: 1/ 133-134]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (-وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عن ابن مسعود وأناس من الصحابة في قوله {مالك يوم الدين} قال: «هو يوم الحساب».). [الدر المنثور: 1 /67-73]