دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > فضائل القرآن > فضائل القرآن وتلاوته لأبي الفضل الرازي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ربيع الثاني 1431هـ/5-04-2010م, 10:06 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي مقدمات


قال أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد الرازي (ت: 454هـ) : (
قال الشيخ الإمام أبو الفضل عبد الرحمن بن أحمد بن الحسن الرازي المقرئ رحمة الله عليه‏:‏ وبعد فإن هذا كتاب ألفته في فضائل القرآن وتلاوته وخصائص تلاوته وحملته‏.
وقد سماه الله بالقرآن والفرقان والعظيم والعزيز والحكيم والروح والكريم والنور والهدى والتذكرة والذكرى والرحمة والشفاء والكتاب المبين والذكر الحكيم والصراط المستقيم والحق اليقين والقصص الحق والموعظة الحسنة والآيات البينات والمتبينات والبيان والتبيان والبينة وحبل الله وصراط الله في غيرها من الأسماء العلية والصفات الجلية‏.
ونوه بذكر حملته من حفظته ورفع من شأنهم فقال عز من قائل‏:‏ ‏{‏كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون‏}
[فضائل القرآن: 27]
فالرباني أخص نسبة ينسب به العبد إلى مولاه من بعد النبوة ومعناه‏:‏ كونوا علماء حكماء بتعليمكم الكتاب ودرسكم إياه‏.
وجعلهم مغبوطين في الأنبياء والسالفة من الأمم قبل أن أظهروا ومحسودين في أهل الكتاب والمشركين ثم في الأمة بعد أن ظهروا واستظهروا‏.
وفوض إليهم الإمامة والإمارة وولا من عملوا علموه في الدنيا والشفاعة في الآخرة‏.
وجعلهم خير الأمة وأفضلهم وخيارهم وأشرافهم‏.
واتخذهم أهلين من بين خلقه وخواص من بين عباده‏.
[فضائل القرآن: 28]
واستدرج النبوة، من بين جنوبهم من غير وحي إليهم‏.
وأخير بأنه عز وجل يأخذهم بما يأخذ به الأنبياء إلا الوحي‏.
وجعل حرمتهم على المؤمنين كحرمة أمهاتهم عليهم احتراما ومبرة‏.
وآمنهم من أن تحرقهم النار أو يلجوها إلا تحلة القسم كل ذلك بينه عز وجل في نص تنزيله وعلى لسان نبيه عليه الصلاة والسلام‏.
ومن وراء جميع ما ذكرته خص علماءهم بخلة مستخلصة لهم دون غيرهم من علماء الشريعة وهي ائتمام الأمة بهم في كتابه عن آخرها على اختلاف نحلها ومذاهبها من غير نزاع ولا مخالفة فأعظم بهن من فضائل وخصائص وأكرم وإن لم يحصل المرء المسلم إلا على مجرد حفظه دون تبطن في معناه أو منازلة لجميع موجبه ومقتضاه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال‏:‏ ‏((‏لو جعل القرآن في إهاب ثم ألقي في النار ما احترق‏))‏ أي من علمه الله القرآن من المسلمين وحفظه إياه - لم تحرقه النار يوم القيامة إن ألقي فيها بالذنوب كذلك قيل في معنى الخبر‏.
وقد قال أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه‏:‏ اقروا القرآن ولا تغرنكم هذه المصاحف فإن الله لا يعذب بالنار قلبا وعى القرآن.
[فضائل القرآن: 29]
وأحرى لمن تنبه على تعظيم حرمات الله في نص التنزيل من الشعائر والمشاعر والمناسك والمسعى والمواقف
- أن يتنبه لحرمة ما هو أعظم حرمة عند الله سبحانه منهن وهو المؤمن ثم لحرمة من اتخذه الله من بين المؤمنين أهلين من جملتهم وهم حملة كتابه ولولا ورود الشرع بها من لفظه لاستعظم إضمارها فكيف بإظهارها وإنما تنبيهي على ما جعل الله لأهليه من الحق والحرمة من بين خلقه لأنا قد بلينا في الموقف بقوم من نشئة لا يعبئون بكتاب الله ولا بحفظه فلا يعبأ الله بهم قاصرين عنه حاجزين مفترين غيرهم مزهدين فيه ملقبين حملته بالقراء على النبز والازدراء دون المدح والإطراء ما بين المترسمين بالعلم والمتوسمين بالنسك جل كلامهم‏:‏ أن حفظ القرآن يصلح للمعلمين والصبيان ولم يقرأ عند المرضى وفي المقابر وأكثر فتياهم أنه يكفي من القرآن ما يسقط به الفرض بعدما علموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عن الله عز وجل‏:‏ ‏((‏من شغله قراءة القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته
[فضائل القرآن: 30]
أفضل ما أعطي السائلين)‏)‏‏
.

وقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏((‏أفضل العبادة القرآن)‏)‏‏.
ولما سئل عليه السلام عن أفضل الأعمال قال‏:‏ ‏((‏عليك بالحال المرتحل‏))‏ قيل‏:‏ وما الحال المرتحل؟ قال‏:‏ ‏((‏صاحب القرآن يضرب في أوله حتى يبلغ آخره ثم يضرب في آخره حتى يبلغ في أوله‏))‏ ونحوها من الأخبار التي وردت وسأسوق قليلا منها مسندا ومبوبا يدل على كثير جاء في هذا المعنى وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء‏} قيل‏:‏ معناه‏:‏ بحفظ القرآن أي ما حسدتكم اليهود والنصارى على شيء كحفظ القرآن
[فضائل القرآن: 31]
وبحفاظ الأمة أنجز الله حسن موعوده من قوله تعالى‏
:‏ ‏{‏إنا نحن نزلنا الذكر وإنا لحافظون‏}‏.

وبحفظ القرآن وصفهم الله عز وجل بالعلم فقال‏:‏ ‏{‏بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم‏}‏.
وقرر لهم حقيقة العلم وكذلك وجدهم موسى عليه السلام فقال‏:‏ يا رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونه ظاهرا‏.
وكذلك أشعيا بن راموص فقال‏:‏ قربانهم دماؤهم وأناجيلهم في صدورهم‏.
[فضائل القرآن: 32]
وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام‏
:‏ ‏((لا حسد إلا في اثنين‏:‏ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار))‏.

وعن عيسى ابن مريم عليه السلام أنه قال‏:‏ طوبى لمن قرأ القرآن ثم عمل به‏.
وعلى الحفظ والتحفظ كان الصدر الأول ومن بعدهم فربما قرأ الأكبر منهم على الأصغر منه سنا وسابقة فلم يكن الفقهاء منهم ولا المحدثون والوعاظ يتخلفون عن حفظ القرآن والاجتهاد على استظهاره ولا المقربون منهم عن العلم بما لم يسعهم جهله منه غير أنهم نسبوا إلى ما غلب عليهم من المعرفة بحروفه أو العلم بغيرها إلى أن خلفهم الخلف الذين مضى ذكرهم فاتهم في طراتهم وحداثتهم طلب حفظ القرآن وفي أوانه ولحقهم العجز والبلادة على سنهم من غير أن كان لهم أنس بتلاوة كتاب من ربهم ولا بلطيف خطابه وشريف عتابه فعوقبوا لحرمانه وإيثار الجدل والنطاح اللذين يؤديان إلى تفريق الأمة وتمقيت بعضهم إلى بعض وصار ذلك أروج لهم في مجالس الظلمة والمسلطين الفجرة فمضوا بذلك وأسند بجوابه والله زين لهم ذلك فقال عز وجل: ‏{‏كذلك زينا لكل أمة عملهم‏} ومع ذلك فإنهم لا
[فضائل القرآن: 33]
يدخلون حفرهم إلا تحسرا وتكمدا وتأسفا على ما فاتهم من بركة حفظ كتاب الله الكريم ولا يظهر ذلك عليهم إلا عند الطعن في السن أو الإشراف على الفوت أو التغرغر بالموت لكنهم في الحال يستنزرون حفظ القرآن ويزرون بأهله ويلقبونهم بما تقدم من النبز‏
.

فأما من لم يتحل بالعلم بل ترسم بالنسك ثم أزرى بأهل القرآن ونبزهم بالقراء فإنه بربخ لا قيمة له فربما كان ذلك منه بلادة وعجزا أو تعديا وجهلا فليتق الله امرؤ بعد عجزه عمن حفظ كتاب الله ولا يفترن غيره فإنه لا يأمن أن يصير كمن كفر به وصد عنه وقد قال الله عز وجل في ذم قوم صدوا عنه وهجروه فقال عز من قائل إخبارا عنهم‏:‏ ‏{‏لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني‏} وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا‏‏}
[فضائل القرآن: 34]
ولا ينسين بعدما تعلمه أو شيئا منه فإن الله تعالى يقول‏
:‏ ‏{‏قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى‏} فهذه الآي وإن كن على الخصوص للكفار فإن ظاهر تلاوتهن على العموم فمن رغب عن حفظ القرآن وزهد غيره فيه أو نسي بعدما تعلمه فكأنه أريد بما مضى وخوطب به على أنه قد وردت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في الوعيد والتوبيخ فيمن نسيه من المسلمين بعدما تعلمه فمن ذلك‏:‏ ما حدثني به والدي أبو العباس أحمد بن الحسن الرازي الحافظ نزيل مكة - رحمه الله بمكة حرسها الله - حدثنا أبو علي محمد بن أحمد الصواف نا يوسف بن يعقوب نا عمرو بن مرزوق نا شعبة عن يزيد بن أبي زياد عن عيسى بن لقيط عن رجل من أهل الشام‏:
[فضائل القرآن: 35]
عن سعد بن عبادة‏
:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ((‏ما من رجل تعلم القرآن ثم نسيه إلا لقي الله أجذم))‏‏.

[فضائل القرآن: 36]
وأخبرنا أبو القاسم جعفر بن عبد الله بن يعقوب بن فناكي العدل الروياني نزيل الري حدثنا أبو بكر محمد بن هارون الروياني الحافظ نا أبو الربعي السمتي ثنا أبو عوانة وضاح بن عبد الله ثنا عاصم بن أبي النجود عن أبي وائل‏
:
[فضائل القرآن: 37]
عن عبد الله قال‏
:‏ ما للمرء أو لأحدكم أن يقول‏:‏ نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي وذكر الحديث‏.

وحدثنا أبو طاهر محمد بن محمد الزيادي الفقيه بنيسابور نا أبو عثمان عمرو بن عبد الله البصري الزاهد نا أبو أحمد محمد بن عبد الوهاب أنا أحمد بن أبي طيبة عن إبراهيم بن طهمان عن منصور عن أبي وائل‏:‏ عن عبد الله بن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏(بئسما لأحدكم يقول‏:‏ نسيت آية كيت وكيت بل هو نسي استذكروا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من الناقة من عقلها)‏)‏‏.
[فضائل القرآن: 38]
وأخبرنا ابن فناكي نا الروياني نا محمد بن إسحاق نا عبد الله بن صالح قال‏
:‏ حدثني موسى بن علي بن رباح عن أبيه‏:‏ عن عقبة بن عامر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏((‏تعلموا كتاب الله
[فضائل القرآن: 40]
وتعاهدوه وأفشوه وتغنوا به فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من المخاض في العقل)‏)‏‏
.

[فضائل القرآن: 41]
وأخبرني أبو الحسن محمد بن القاسم الأبرقوهي ثنا أبو بكر محمد بن إسحاق بن إبراهيم معبد البخاري ثنا مزيد بن عبد الله المصري ثنا حاجب بن سليمان المنبجي نا وكيع بن الجراح نا سفيان عن محمد بن المنكدر‏:‏

عن جابر بن عبد الله‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏((‏عرضت علي أجور أمتي حتى القذاة تخرجها من المسجد وعرضت علي ذنوب أمتي فلم أر ذنبا أعظم من آية أو سورة أوتيها ثم نسيها‏)‏)‏.
[فضائل القرآن: 42]
فصل‏
:‏ فإن قال قائل‏:‏ هل تعين فرض حفظ جميع القرآن على أعيان جماعة المكلفين أم لا‏؟‏

والجواب‏:‏ إنه لم يتوجه ذلك على كل واحد منهم فرضا وذلك لأن الله عز وجل أرأف بعباده من أن يكلفهم ما لا طاقة لعامتهم به وقد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ‏(‏(بعثت بالحنيفية السهلة السمحة‏))‏ فلو كلفوا على العموم لعجز الأكثر عنه لأن القرآن أعظم شأنا وأمنع جانبا من أن يتأتى حفظه لكل إنسان أو يتسر بكل لسان أو ينطلق به أو يطيقه كل أحد أو يحيط به كل حفظ أو يحويه كل فهم أو يعيه كل قلب أو يسترسل له كل طبع أو يحتمله كل سن ألا ترى أن الجزء الذي منه توجه فرضه على كل
[فضائل القرآن: 43]
مكلف وهو الفاتحة في الأكثر وآيها أعتقد هو جزء من ثلاثة آلاف وثمانمائة وسبعين جزءا وكثير على عدد الكلم قد أعيا عامة الأمة تأدية على حد الواجب قديما وحديثا وتفاوتت بقراءته درجاتهم واختلفت على إقامته ألسنتهم وطباعهم وكثرت لتجويده على النحو المرضي رياضاتهم حتى أنه قد يتخلف كثير من الفضل عن إمامة الصلاة لقصورهم عنه إقامة على سواء الصواب بتقدم المفضولين عليهم فيها لإقامتهم إياه على حد الواجب أو أجود ممن أخر عنها فإذا كان هذا دأبهم مع الجزء اللطيف الذي كلفوا منه فكيف تراهم كانوا أن لو كلفوا جميعه على الأعيان مع عزته وصعوبته وكثرة متشابهه ومشكله واختلاف حركاته وسكونه ونقطه وإعجامه وقد قال الله عز وجل‏
:‏ ‏{‏ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر‏} ‏{‏فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا‏}‏.

وكان مقاتل بن سليمان يقول‏:‏ لولا أن الله تعالى يسره ما
[فضائل القرآن: 44]
استطاع أحد أن يتكلم بكلام الرحمن‏
.

لكن الله عز وجل وإن لم يكلفهم جميعه على الأعيان لما فيه من المشقة والامتناع عن الأكثر فإنه عز وجل لم يحب من جميعهم إلا حفظه طواعية منهم أو الجد والاجتهاد فيه إلى تصرم الآجال وإبلاء العذر عند الله عز وجل للعجز بدليل ما تقدمنا به من الوعيد لمن نسي شيئا منه بعدما تعلمه إذ الوعيد من الله لم يرد إلا في ترك الفرائض أو فيما يجري مجريها ومن وجوه أخر وسأذكر طرفا من ذلك على الوجز ما ينبه على ما وراءه فلعله قد يحث بعض المتوانين على إتقانه حفظا أو يحض المستهترين به على إحسانه لفظا أو يحمل المستظهرين إياه على الاستكثار منه تدبرا ودرسا أو يقصر من يزهد في حفظه غيره أو يفتر إما قصورا وإما جهلا‏.
فمنها‏:‏ ما لزم الأمة من الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جلي أمر الشرع وخفيه قولا وفعلا على الوجوب أو الندب إلى أن يقوم دليل على أنه كان - عليه السلام - مخصوصا به من قوله أو فعله فلما وجدنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حافظا بجميع ما نزل عليه من القرآن ومأمورا بقراءته حتى أنه - عليه السلام - من شدة تمسكه بحفظه كان يعرض على جبريل - عليهما السلام - في كل سنة مرة واحدة وفي السنة التي قبض فيها عرض عليه - عليهما السلام - مرتين وكان يعرض على أصحابه ويعرضون عليه ويعجل به ليستكثر منه
[فضائل القرآن: 45]
لئلا ينسى ولحرصه عليه فنهي عنه بقوله تعالى‏
:‏ ‏{‏ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه‏} وبقوله عز وجل‏:‏ ‏{‏لا تحرك به لسانك لتعجل به‏} وأمر بالترتيل وأمن مما كان يصده عن ذلك وهو خشية النسيان والتفلت منه بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏سنقرئك فلا تنسى‏} علمنا أن الأمة لزم حفظه مع الإمكان وجوبا إلا عن عذر بين وإلا فقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة استحبابا وندبا‏.

ومنها‏:‏ أن الله عز وجل دعا الخلق على العموم إلى الاعتصام بالقرآن والاتباع له وتدبره والتذكر به في نص التنزيل فقال عز من قائل‏:‏ ‏{‏واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا‏} ومعناه‏:‏ التمسك بالقرآن والعمل بما فيه وبيان ذلك في قوله عليه السلام‏:‏ ‏((‏إن هذا القرآن سبب طرفه بيد الله عز وجل وطرفه بأيديكم فتمسكوا به ما استطعتم‏)‏)‏.
فقال سبحانه عز وجل‏:‏ ‏{‏وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون‏} وقال تعالى‏:‏ ‏{‏اتبعوا ما أنزل إليكم من
[فضائل القرآن: 46]
ربكم‏} وقال عز وجل‏
:‏ ‏{‏فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى‏} أي‏:‏ فلا يضل في الدنيا عن طريق الحق ولا يشقى في الآخرة في النار وقال سبحانه‏:‏ ‏{‏أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا‏} وقال جل جلاله‏:‏ ‏{‏أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها‏} فالاعتصام به ما مضى من التمسك بالقرآن واتباعه‏:‏ العمل بما فيه وتدبره‏:‏ التفكر فيما أريد به والتذكر‏:‏ الاتعاظ بما فيه فلما طولبوا بما ذكرنا لزم حفظه على الأعيان إما وجوبا وإما ندبا إلا عن عجز ظاهر وذلك لأن المخاطبين به هم العرب الأمة الأمية والمنزل عليه هو النبي الأمي صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أن المراد به الحفظ إذ الأمي إذا طولب باتباع ما لا يحفظه والاعتصام به وتدبره وتذكره وسيما ما طال من الكلام واختلف من الأحكام - فقد كلف ما لم يطقه فالله عز وجل
[فضائل القرآن: 47]
أرأف بعباده من ذلك فليت من استظهر القرآن بنفسه ولم يكن أميا بل كتبه بخطه وتدبره مدة حياته وسمعه مدى عمره على الترداد من غيره وقف على ما كلف منه لأن جميعه لا يحيط به أحد علما غير الله سبحانه ثم إن الأمي إذا خوطب بما لا طائل من الكلام واشتبه كثيره لفظا وحكما ولا هو ممن يكتب فيقيده بخطه ولا هو يحفظه
- فالخطاب معه أضيع وما كان الله أنزله ليضيع بل دعاهم ليعلم ما فيه ويعمل به وإن لم يكلف حفظ جميعه على الأعيان فشتان بين من حفظه بنفسه وجمعه في صدره وتدبره من قلبه وتلاه في كل أوان أزاده وعلى أي حال أحبه في النور والظلمة والهواء والماء وبين من عميت بصيرته كما لا يتمكن من قراءته ولا التفكر فيه ولا التدبر المأمور به إلا في الرجوع إلى غيره فيه وانقطعت عليه سبل الاتباع والاتعاظ والتفكر والتدبر عند عدمه فإن قيل‏:‏ إن القرآن وإن خوطب به العرب ونزل بلسانهم - فقد لزم حكمه الثقلين كافة عربا وعجما فهل لزم العجم من حفظه على أي وجه كان من الوجوب أو الندب أو الاستحباب على الأعيان أو الكفاية كما لزم العرب‏.

فالجواب‏:‏ نعم وذلك لأنهم محمولون على حكمهم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكذلك أنزلناه حكما عربيا‏}‏.
الآية وكذلك من فارق من العرب حكم الأميين لتعلمه الكتابة والاستنباط ومن سكن منهم
[فضائل القرآن: 48]
الأمصار والأرياف
- فإنهم في حكم العرب العاربة الأمية في حفظ القرآن وتحفظه لأن الحكم في ظهوره لعلة لا يزول بزوالها إلا على صفة ولم يسقط الوعيد جملة عمن تعلم شيئا منه ثم نسيه إلا عمن رحمه الله‏.

ومنها‏:‏ أن الله عز وجل لم ينزله جملة كغيره من الكتب بل نجوما متفرقة مترتلة ما بين الآية والآيتين والآيات والسورة والقصة في مدة زادت على عشرين سنة إلا ليتلقفوه حفظا ويستوي في تلقفه بهذه الصورة في هذه المدة الكليل والفطن والبليد والذكي والفارغ والمشغول والأمي وغير الأمي فيكون لمن بعدهم فيهم أسوة في نقل كتاب الله حفظا ولفظا قرنا بعد قرن وخلفا بعد سلف لئلا يجد التحريف أو التصحيف أو النقص أو اللحن أو سوء الأداء إليه أو إلى شيء من كلمه أو حروفه أو صفاتها سبيلا كما وجد إلى غيره من الكتب من حيث لم يحفظوه لما كان كل كتاب نزل جملة واحدة مكتوبا تنزيلا قال الله عز وجل‏:‏ ‏{‏وقال
[فضائل القرآن: 49]
الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك‏}‏
.‏ الآية - أي‏:‏ كذلك أنزلناه على التفريق والترتيل‏:‏ ‏{‏لنثبت به فؤادك ورتلناه‏}‏.

قيل‏:‏ معناه لنثبته في فؤادك والله أعلم‏.
ومنها‏:‏ ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنبيه على عظمة القرآن وفضله على غيره من الكلام والكتب وعلى شرف حملته وحفظته وقراءته والترغب في تلاوته وهذا موضع سياقته غير أني أتقدم عليه بسند ما تقدم من قراءة النبي صلى الله عليه وسلم وعرضه على غيره وعرض الصحابة - رضي الله عنهم - بعضهم على بعض، ففي جميع ذلك يستدل أنه من الله سبحانه دعا به إلى حفظه، وعطف على العمل بما فيه وأن لا يسع أحدا أن يتخلف عن حفظه أو تحفظه وتلاوته على الدوام إلا عن عذر ظاهر فطوبى لمن حفظه واستحكمه وأحسن تلاوته واتبعه وتدبره وعمل بما فيه وأخلص النية في
[فضائل القرآن: 50]
ذلك والويل لمن هجره أو أعرض عنه أو تركه أو نسيه بعدما تعلمه أو فتر غيره عنه أو زهد في حفظه واستبدل به مزامير الشيطان وآثرها عليه وأكاذيب الشعراء وهجر السفهاء وتأبين الحرم ومن كان بها صفة
- نعوذ بالله منه ومنها - فقد حرم حظا عظيما وعرض للفتن نسأل الله العصمة والتوفيق وصلواته على نبيه محمد وآله‏). [فضائل القرآن: 51]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مقدمات

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:07 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir