دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 29 شعبان 1432هـ/30-07-2011م, 02:30 PM
تلميذ ابن القيم تلميذ ابن القيم غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2009
المشاركات: 237
افتراضي شرح الزاد للشيخ حمد الحمد

قال المؤلف رحمه الله تعالى : ( ومنها استقبال القبلة )
أي من شروط الصلاة استقبال القبلة – باتفاق أهل العلم لقوله تعالى : { فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره } ولقوله صلى الله عليه وسلم – في حديث المسيء صلاته : ( ثم استقبل القبلة فكبر ).
قال : ( فلا تصح بدونه )
فلو صلى إلى غير القبلة مع قدرته على استقبالها فإن صلاته باطلة .
قال : ( إلا لعاجز )
أي عاجز عن استقبالها ، كمربوط أو مصلوب إلى غير القبلة فإن هذا لا يمكنه أن يستقبلها ، فيجب عليه أن يصلي الصلاة على حسب حاله لقوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } والحديث : (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ))متفق عليه .
ومثل ذلك بعض صور صلاة الخوف – وسيأتي الكلام عليها في بابها - .
قال : ( ومتنفل راكب سائر في سفر )
" راكب " لا ماشي وسيأتي الكلام على الماشي .
" سائر " لا نازل ، فإذا كان نازلاً فيجب أن يصلي مستقبل القبلة .
" في سفر " سواء كان السفر طويلاً أو قصيراً .
والسفر القصير عند الفقهاء : هو السفر الذي لا تقصر فيه الصلاة ، وهو ما دون 4 برد أو 16 فرسخاً وهي ما تزيد على 80 كم .
فلو سافر إلى بلدة دون هذه المسافة فهذا هو السفر القصير .
وأما إذا كان أربعة برد فهذا الذي يحل فيه قصر الصلاة – هذا هو المشهور في المذهب وهو مذهب الجمهور – من تقسيم السفر إلى سفر طويل وقصير – وسيأتي ترجيح الظاهر في هذه المسألة وأن السفر مطلق ليس منه القصير والطويل ، بل متى ثبت السفر فإن القصر يكون مشروعاً ولا فرق بين طويل السفر أو قصيره .
فعلى المذهب : لو خرج إلى قرية قريبة لا يقصر فيها الصلاة فيجوز له أن يصلي النافلة على راحلته غير مستقبل القبلة وأولى منه لو سافر سفراً تقصر فيه الصلاة .
هذا مذهب جمهور العلماء وأن السفر هنا مطلق يدخل فيه القصير والطويل .
- وذهب الإمام مالك : إلى أن الصلاة على الراحلة في النفل لا تشرع إلا في السفر الطويل والسفر الطويل هو ما ثبت فيه القصر ، وما لم يثبت فيه القصر فلا يشرع فيه ذلك .
- وعن الإمام أحمد قول ثالث : وهو جوازه في الحضر وهو قول أبي يوسف من الأحناف وهو مذهب الظاهرية ومذهب بعض الشافعية .
إذن في المسألة ثلاثة أقوال :
1- القول الأول : أنه يجوز حضراً وسفراً – وهو رواية عن الإمام أحمد – .
2- القول الثاني: أنه لا يجوز في الحضر ، وإنما يجوز في السفر مطلقاً طويلاً كان أو قصيراً ( وهذا المشهور في مذهب الحنابلة).
3- القول الثالث : وهو مذهب المالكية أنه لا يشرع إلا في السفر الطويل .
والصحيح منها ما ذهب إليه المالكية ، للأحاديث الواردة في هذا الباب ، فمن الأحاديث الواردة في أصل الرخصة في صلاة النفل على الراحلة – ما ثبت في الصحيحين عن عامر بن ربيعة قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته حيث توجهت به )زاد البخاري : ( يومئ برأسه ولم يكن يصنعه في المكتوبة )
وهذا الحديث ليس فيه أن ذلك في السفر ، بل هو مطلق في السفر وفي غيره . وبه استدل من رأى أن النافلة يجوز أن تصلى على الراحلة في الحضر وهو رواية عن أحمد كما تقدم .
والحديث الثاني في هذا الباب : ما ثبت في البخاري عن عبد الله بن دينار قال : ( كان عبد الله بن عمر إذا كان في السفر يصلي على راحلته أينما توجهت يومئ ، وذكر عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله ) وهنا فيه قيد السفر .
والحديث الثالث : ما ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود بإسناد جيد عن أنس بن مالك قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في سفر فأراد أن يتطوع استقبل بناقته القبلة فكبر ثم صلى حيث كان وجه ركابه ).
وفي هذا دليل لما ذهب إليه الجمهور في أن ذلك إنما يكون في السفر ، فإن مفهوم هذا الحديث أنه إن لم يكن في سفر فإنه لا يفعل ذلك – وهذا هو الأصل فإن الأصل في الصلاة أن تصلى إلى القبلة وأن يركع ويسجد وأن يفعل فيها ما يفعله المفترض إلا أن يدل دليل على ذلك ، فقيد أنس هذا الفعل بأنه في السفر فيحمل عليه حديث عامر بن ربيعة فيقيد به إطلاق حديثه .
وإنما نرجح مذهب مالك ؛ لأن ظاهر لفظة السفر في الشريعة السفر الذي تقصر فيه الصلاة ، فإن الشارع شرع القصر في السفر ، وهنا قد أتى لفظ السفر ، فالأصل أن يكون هو السفر الذي رخص فيه بالقصر وغيره من الأحكام المختصة بالسفر ، فيحمل لفظ السفر في حديث ابن عمر وأنس على السفر الذي يشرع فيه القصر .
وتقسيم السفر إلى طويل وقصير لا دليل عليه شرعي ، وإطلاقات الشريعة ظاهرها أن السفر واحد وأن السفر الذي شرع فيه القصر هو السفر الذي شرعت فيه الصلاة على الراحلة تطوعاً حيث توجهت الراحلة .
إذن أرجح هذه المذاهب هو مذهب المالكية من أن هذا مشروع في السفر الذي تقصر فيه الصلاة ، وأما ما يسميه الفقهاء من السفر القصير فلا تشرع فيه ، ومثله الحضر فكذلك لا تشرع فيه .
والسنة له أن يومئ بركوعه وسجوده ، كما تقدم في حديث عامر بن ربيعة ( يومئ رأسه )وحديث ابن عمر في قوله ( أينما توجهت يومئ ) وذكر عبد الله بن عمر أن : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله أي من الصلاة والإيماء ).
والسجود أخفض من الركوع لما ثبت في سنن أبي داود والترمذي والحديث صحيح عن جابر قال : ( بعثني النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة فجئته وهو يصلي على راحلته نحو المشرق والسجود أخفض من الركوع ).
وفي صفته ما ذكره المؤلف بقوله : ( ويلزمه افتتاح الصلاة إليها )
هذه إحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختارها أكثر أصحابه أنه يلزمه افتتاح الصلاة إليها ، فعلى ذلك يجب عليه أن يستقبل بركابه أو ببدنه جميعه القبلة فيكبر ثم يتوجه حيث توجه ركابه .
واستدلوا بحديث أنس المتقدم وفيه : ( استقبل بناقته القبلة فكبر ) قالوا : فهذا يدل على أن هذا الاستقبال فرض ؛ لأنه ثابت من فعل النبي صلى الله عليه وسلم في تخصيص الصلاة تنفلاً عن التوجه إلى القبلة في الراحلة في السفر ، فيبقى على الأصل من استقبال القبلة فيكون توجهه إذا كبر مبق لهذا الركن على الأصل .
- والرواية الثانية عن الإمام أحمد : أنه لا يجب عليه ذلك ، وهذا أظهر. فيحمل حديث أنس على الاستحباب ؛ لأنه فعل مجرد ، والفعل المجرد يدل على الاستحباب .
فإن قيل : فلم لم تحمله على الفرضية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خصص هذا الركن بالتوجه إلى القبلة عن سائر الأركان وهو الأصل فوجب أن يبقى على الأصل ؟
فالجواب أن يقال : إنه لا فرق بين التكبير وغيره فالتكبير جزء من أجزاء الصلاة لا فرق بينه وبين غيره ، ولم يُذكر في حديث عامر بن ربيعة ولا في حديث عبد الله بن عمر ولا في حديث جابر ، وحيث لم يذكر فإنه يدل على أنه لم يفعل في تلك الأحاديث .
فإن قيل : لم لا تقيد تلك الأحاديث بحديث أنس ؟
فالجواب : إن الأفعال لا يقيد بعضها بعضاً ، فإن كل فعل حكاية عين وحكاية واقعة ، فهذا يحكي الواقعة التي رآها وهذا يحكي الواقعة التي رآها وهكذا .
وظاهر - ما ذكره- من لم يذكرها أنها لم تقع من النبي صلى الله عليه وسلم .
فأظهر الروايتين عن الإمام أحمد أن ذلك لا يجب وهو الذي يقتضيه النظر والقياس فإنه لا فرق بين تكبيرة الإحرام وغيرها من سائر الأركان .
ولعل النبي صلى الله عليه وسلم حيثما فعل ذلك : أنه كان نازلاً فركب راحلته ، وفي تلك الحال لا يشق أن يتوجه إلى القبلة فكبر متوجهاً إلى القبلة .
بخلاف ما إذا كان سائراً فإن هناك مشقة أن يقف فيستقبل القبلة ويكبر تكبيرة الإحرام .
ومعلوم أن من أحب أن يصلي ركعات كثيرة ، كمن له ورد من الليل ، فإنه على ذلك يحتاج أن يقف بعد كل ركعتين فيستقبل القبلة فيكبر ، إن صلى مثنى مثنى .
ففي هذا مشقة ظاهرة ، فالأولى ما تقدم وأنه ليس بواجب وهذا ما يقتضيه التخفيف والتسهيل في أمر النافلة ، فمعلوم أن هذا أسهل للمحافظة عليها .
وهذا هو أصل مشروعية التنفل على الراحلة غير مستقبل القبلة وإخراجها عن الأصل من إيجاب الركوع والسجود ومن استقبال القبلة ، وكذلك ما يكون في الحضر من كونه يصلي قاعداً – كل هذا من باب تخفيف وتسهيل أمر النافلة لتتم المحافظة عليها – والعلم عند الله تعالى .
قال : ( وماشٍ )
كذلك الماشي من باب القياس ، فلو كان ماشي في سفر فإنه يصلي حيث توجه .
قالوا : لأن المعنى الموجود في الراكب موجود في الماشي فكل منهما يحتاج إلى أن يحافظ على النافلة ، وكل منهما إذا وقف للنافلة فصلاها نازلاً فإنه ينقطع عن السير وربما فاتت عليه صحبته ونحو ذلك – فكان الماشي في هذا الحكم كالراكب لا فرق بين الاثنين وهو أحد نوعي المسافر . فالمسافرون : إما ركبان أو مشاة .
- وعن الإمام أحمد : أن الماشي لا يشرع له ذلك ولا يجوز ؛ لأن النص إنما ورد في الراكب وليس الماشي كالراكب ؛ لأنه يحتاج إلى مشي كثير ، والمشي الكثير مبطل للصلاة .
والأظهر هو القول الأول ، لأنا حيث أسقطنا عنه استقبال القبلة وحيث أسقطنا عنه الركوع والسجود ونحو ذلك من فرائض الصلاة ، فمثل ذلك أن يسقط عن الماشي ما هو من طبيعة سيره من المشي على قدميه فهذا أولى أن يسقط مما تقدم ذكره .
فالأظهر ما هو مشهور في المذهب من قياس الماشي على الراكب .

وحيث قلنا بوجوب استقبال القبلة عند الافتتاح ، فيجب عليه ذلك ، لذا قال : ( ويلزمه الافتتاح )
فهو في حكم الراكب , وحيث قلنا أن الاستقبال عند الافتتاح لا يجب على الراكب فكذلك الماشي .
قال : ( ويلزمه الافتتاح والركوع والسجود إليها )
فلا يجوز له أن يومئ بل يجب عليه أن يقف فيركع ويسجد إلى القبلة ، لأنه يجب عليه الركوع والسجود – عندهم – وحيث وجب عليه فإنه لا حاجة إلى ألا يستقبل القبلة أي لا حاجة إلى إسقاط استقبال القبلة عنه .
- وعن الإمام أحمد رواية أخرى اختارها المجد بن تيمية أنه يومئ بالركوع والسجود كالراكب .
وهذا هو الراجح ، لأنا حيث قلنا بكونه يصلي وهو ماشي كان من الممكن أن يقف ، والركوع والسجود يتكرر في الصلاة .
وحيث أمرناه بالوقوف والركوع والسجود في كل ركعة ، فإن ذلك سيؤدى إلى انقطاع سيره ، وسيلحقه شيئاً من المشقة ، فلا فرق – حينئذ – بين أن يؤمر فيقف فيصلي وبين أن يؤمر بأن يقف فيركع ويسجد ؛ لأن هذه الأفعال متكررة في الصلاة ، فالركوع والسجود وما بينهما هذا يأخذ أكثر من شطر الصلاة ، فيناقض ما هو المقصود من التخفيف والتسهيل في أمر النافلة .
فالأظهر : أنه يومئ بركوعه وسجوده وهذا كذلك الذي يقتضيه القياس على الراكب .

فالراجح : أنه لا يجب عليه الركوع والسجود ولا يجب أن يكون ذلك إلى القبلة ، بل أصل الركوع والسجود ليس بواجب ، فيكفيه أن يومئ إيماء عن الركوع والسجود ، ويكون إيماؤه في السجود أخفض من إيمائه في الركوع .
فعلى ذلك : صفة صلاة الماشي أن يكبر للإحرام مستقبل القبلة استحباباً ثم يتوجه حيث شاء ثم يومئ بالركوع والسجود .
أما صفته على المذهب : فيجب أن يستفتح الصلاة تجاه القبلة ثم يتوجه حيث شاء ثم إذا حان الركوع والسجود يقف فيركع أو يسجد إلى القبلة – والصحيح خلاف ذلك كما تقدم – .
قال : ( وفرض من قرب من القبلة إصابة عينها ، ومن بعد جهتها )
فالقريب من القبلة الذي ليس بينه وبينها شاخص ولا ستر يغطي القبلة عنه يجب عليه أن يصيب عينها اتفاقاً فلا يكون مائلاً عنها ولو شيئاً يسيراً ، بل يجب أن يكون بدنه كله متوجهاً إلى عين الكعبة ، لأنه قادر على ذلك .
فإن لم يكن كذلك بل كان بينه وبينها ستر أو جدران ويشق عليه إصابة عينها – بخلاف الجدران التي في الحرم وما حولـه فإنه لا يشق عليه أن ينظر فيتوجه إلى القبلة عيناً – أما حيث كان على خلاف ذلك – فالواجب عليه أن يصيب جهتها ، لذا قال :
( ومن بعد جهتها ) وهذا باتفاق أهل العلم ، لما ثبت في الترمذي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( بين المشرق والمغرب قبلة )
فإن كنت من أهل المدينة فجعلت المشرق عن يسارك ، والمغرب عن يمينك فأنت متوجه إلى القبلة ، وإن كان هناك انحراف يسير فهذا لا يؤثر . فالواجب أن يصيب جهتها ، لأن إصابة عينها متعذر .
وعندما يكون قريباً إلى الحرم فإنه يشق عليه أن يتقصد إصابة عينها وحيث كان كذلك فالمشقة تجلب التيسير وحيث تعذر ذلك فالعجز عن الواجب يسقطه .
قال : ( فإن أخبره ثقة بيقين أو وجد محاريب إسلامية عمل بها )
إن أخبره ثقة ممن يجب قبول خبره وهو العدل المكلف ذكر كان أو أنثى حراً كان أو عبداً – أخبره عن القبلة عن يقين لا عن اجتهاد ونظر – فيجب عليه أن يقبل خبره ؛ لأنه خبر ديني فقبل فيه خبر الواحد . وثبت في الصحيحين عن البراء قال : ( لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلى قبل بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً وكان يعجبه أن يتوجه قبل البيت ، وإنه صلى أول صلاة صلاها صلاة العصر فصلى معه رجال ، فخرج رجل منهم فمر على أهل مسجد وهو راكعون فقال : أشهد بالله لقد صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم قبل البيت فداروا كما هم قبل الكعبة ) فقبلوا خبر الواحد .
أما إذا كان الخبر عن اجتهاد فإنه لا يجوز أن يقبل خبره – وهذا على المجتهد .

فمن كان عارفاً بأدلة القبلة ، فسأل آخر فأخبره باجتهاد فلا يجوز له قبول خبره ، بل يجب أن يجتهد لأنه قادر على الاجتهاد ، والاجتهاد الأول – أي اجتهاد المخبر – قابل للصواب والخطأ ، فلا يجوز له إلا أن يجتهد فينظر وهذا باتفاق أهل العلم وأن المجتهد لا يجوز أن يقبل خبر المجتهد مثله .
بخلاف المقلد وهو غير العارف بأدلة القبلة, فإنه إذا لم يمكنه أن يتعلمها ودخل وقت الصلاة وتضايق الوقت فإنه يجوز له تقليد المجتهد
أما إذا كان يمكنه أن يتعلم فيجب عليه أن يتعلم لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
فإذا دخل وقت الصلاة وأمكنه أن يتعلم ما به يعرف القبلة فيجب عليه ذلك ولا يَقبل الاجتهاد .
أما إذا كان غير بصير ونحوه ممن لا يمكنه أن يتعرف على القبلة ويصل إليها فإنه يجوز له أن يقلد غيره .
( أو وجد محاريب إسلامية )
فإنه يصلي إليها ولا يجتهد لأنها – في الحقيقة – تجري مجرى الخبر بل أولى منه فإن وضعها عند هؤلاء المسلمين واستمرارها بعد ذلك تقطع بثبوت صحة اتجاهها إلى القبلة وإن كانت منحرفة يسيراً فهذا لا يؤثر كما تقدم . ولا يجوز له الاجتهاد في هذه الحالة .
قال : ( ويستدل عليها في السفر بالقطب والشمس والقمر ومنازلهما )
القطب : هو ما يكون في ناحية الشمال ، فمن كان في مثل بلدنا هذه يتوجه إلى الجهة المغايرة له ، فيكون في ظهره .
فهذه أساليب وطرق الاجتهاد ، ومثل ذلك " البوصلة " .
إذن يبحث ويتحرى جهة القبلة سواء كان ذلك بالشمس والقمر ومنازلهما ، أو بالرياح واتجاهاتها ، أو كان ذلك بالنجوم ، المقصود من ذلك أن يجتهد وينظر ويتجه إلى القبلة بعد ذلك .


قال : ( وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر )
لأن كلاً منهما مجتهد والواجب على المجتهد أن يعمل بما تبين له ، وهو يعتقد صواب نفسه وخطأ غيره .
فإن صلى إلى الجهة الأخرى مقلداً فلا تصح صلاته ، لأنه صلى إلى ما يعتقد أنه غير القبلة ، فهو يعتقد أن القبلة في الناحية الأخرى – وهو من أهل الاجتهاد - ، لأنه توجه إلى غير القبلة في اعتقاده .
لكن هل يقتدي أحدهما بالآخر أم لا ؟ قولان لأهل العلم :
1- القول الأول وهو مذهب الشافعية وهو المشهور في المذهب : أنه لا يجوز أن يأتم أحدهما بالآخر .
قالوا : لأنه يعتقد خطأ اتجاهه ، وحيث كان يعتقد خطأ اتجاهه فلا يجوز أن يصلي خلفه .
2- وقياس المذهب كما قال ذلك الموفق : أن الصلاة صحيحة . وهذا هو الظاهر .
فالراجح أن الصلاة صحيحة إذا ائتم بعضهم ببعض ؛ لأن كلاً منهما يعتقد صحة صلاة الآخر .

وهذا كصلاة من يعتقد النقض بناقض من نواقض الوضوء خلف من لا يعتقد ذلك فإنه يعتقد خطأه في هذه المسألة ولكنه يعتقد صحة صلاته – وفي هذه المسألة كذلك ، وحيث اعتقد خطأه في اتجاهه لا يبرر ذلك عدم ائتمامه .
فالراجح : ما رجحه الموفق وقال إنه قياس المذهب من أن الائتمام صحيح ؛ لأن كلا منهما يعتقد صحة صلاة الآخر .
قال : ( ويتبع المقلد أوثقهما عنده )
- ظاهره وجوباً وهذا هو المشهور في المذهب .
- والقول الثاني في المذهب : أن ذلك ليس على هيئة الوجوب بل الأولى له أن يقلد الأوثق وليس ذلك واجباً عليه .
حجة أهل القول الأول : قالوا : إن هذا هو الأقرب للصواب ، فلما كان الأقرب للصواب وجب التزامه .
وحجة أهل القول الثاني : أن كليهما دليل بمفرده يجوز أن يقلد لو لم يعارض ، وحيث كانا كذلك فهما كالمجتهدين في المسائل الشرعية لا يجب على المقلد أن يقلد أوثقهما ولا أورعهما ؛ لأن الله لم يوجب ذلك ، بل أوجب عليه أن يسأل أهل العلم ولم يوجب عليه أن يسأل أعلمهما أو أوثقهما أو أورعهما ، وللمسلم أن يقلد من العلماء خلاف الأوثق ما لم يكن ذلك عن هوى وشهوة لعموم قوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر } وهذه كتلك .
وكون أحدهما أوثق لا يكون ملزماً بتقليده بل يدل على أن الأولى هو تقليده – وهذا هو اختيار الموفق وهو القول الظاهر في هذه المسألة – وأنه لو اختلف مجتهدان أحدهما أوثق من الآخر فكما لو اختلف عالمان أحدهما أوثق فلا يجب على المقلد أن يقلد الأوثق أو الأعلم بل يجوز أن يقلد أحدهما لعموم قوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون }
قال : ( ومن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد قضى إن وجد من يقلده )
إذا صلى بغير اجتهاد وهو يمكنه الاجتهاد ، أو صلى بغير تقليد وهو واجد لمن يقلده ، فيجب عليه أن يعيد الصلاة ، لأنه قد ترك فرضه .
فمن هو من أهل الاجتهاد وصلى بلا اجتهاد أو هو من أهل التقليد فلم يكن منه ذلك – فلم يكن منهم فعل ما فرض الله عليهم من الاجتهاد أو التقليد فالواجب عليهم : أن يعيدوا الصلاة وإن أصابوا القبلة ، لأنهم تركوا الفرض مع الاستطاعة ، فإن الفرض هو التوجه إلى القبلة عن علم إما بتقليد عالم حيث لا يمكن الاجتهاد أو باجتهاد ونظر أو بخبر متيقن – والحالة هنا ليست على هذه الصور فكان الواجب عليهم أن يعيدوا الصلاة .
فإذن : من صلى إلى غير القبلة أو إلى القبلة بغير اجتهاد وهو قادر عليه أو هو من أهل التقليد وهو قادر عليه ومع ذلك لم يقلد سواء أصاب أم لم يصب فيجب عليهم الإعادة ؛ لأنهم تركوا الواجب عليهم والفرض عليهم من وجوب تحري القبلة والصلاة إليها .

وهم صلوا على هيئة التخمين والظن غير المشروع مع قدرتهم على الظن الغالب المشروع أو اليقين .
أما من صلى باجتهاد أو تقليد ولم يصب القبلة فصلاته صحيحة اتفاقاً ، لأنه قد فعل ما أمر به واتقى الله ما استطاع فلم يجب عليه أن يعيد الصلاة مرة أخرى وقد صلاها على الوجه المشروع حيث أمر الله تعالى .
ومثل ذلك : المجتهد إذا لم يمكنه الاجتهاد مطلقاً كأن يكون في غيم أو ليلة مظلمة شديدة الظلمة وهي مصحوبة بقتر أو غيم فلم يمكنه أن يجتهد فصلى على حسب حاله فصلاته صحيحة .
يدل على هذا : ما ثبت في الترمذي والحديث حسن بشواهده : عن عامر بن ربيعة قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأشكلت علينا القبلة فصلينا ، فلما طلعت الشمس إذا نحن صلينا إلى غير القبلة فنزل قول الله تعالى : { فأينما تولوا فثم وجه الله } أي أقر الله تعالى صلاتهم وقبلها منهم لأنهم قد فعلوا ما أمر الله به وهذه هي استطاعتهم وقدرتهم ، فقد اتقوا الله ما استطاعوا فلم يجب عليهم أن يعيدوا الصلاة مرة أخرى .

قال : ( ويجتهد العارف بأدلة القبلة لكل صلاة ويصلي بالثاني ولا يقضي ما صلى بالأول )
فيجب عليه لكل صلاة أن يتحرى وينظر في أدلة القبلة فلو صلى بناءً على اجتهاده في الصلاة الأولى فلا تصح صلاته ، بل يجب أن يجدد اجتهاده ؛ لأن هذه الواقعة جديدة فيجب الاجتهاد لها . قال في الفروع : " في الأصح " .
وحيث قال ذلك : فإنه يدل على أن هناك قول آخر والقول الآخر هو الظاهر ، فالظاهر أن ذلك لا يجب ؛ لأنه قد اجتهد للصلاة الأولى وظن ظناً غالباً أن هذا هو اتجاه القبلة ، والأصل بقاء ما كان على ما كان ، إلا أن يتبين له أن اجتهاده كان خاطئاً أو أن شيئاً من النظر والبحث الذي فعله كان على خطأ فحينئذ : يجب عليه أن يجدد الاجتهاد .
( ويصلي بالثاني ) : أي يصلي بالاجتهاد الثاني ولا يعيد الصلاة الأولى لأنه صلاها عن اجتهاد صحيح وفعل ما أمر به .
ومثل ذلك : لو تبين له أثناء الصلاة – كما تقدم في الحديث المتفق عليه – فلو تبين في الصلاة أنه إلى غير القبلة فإنه ينحرف وما تقدم من الصلاة صحيح .
* وإذا اجتهد اجتهاداً ثانياً فناقض الاجتهاد الأول ، فإن هذا الاجتهاد الثاني لا ينقض الأول للقاعدة الشرعية : " الاجتهاد لا ينقض الاجتهاد " فالاجتهاد لا ينقض باجتهاد مثله وإنما ينقض بنص ، فهنا حيث اجتهد ثم رأى اجتهاداً آخر ، فإن الاجتهاد الآخر لا ينقض الأول فلا تبطل الصلاة لأنه قد صلاها على ما أمره الله به .
لذا قال : ( ولا يقضي ما صلى بالأول ) لأنه صلاها صلاة شرعية صحيحة باجتهاد صحيح ففعل ما أُمر به واتقى الله ما استطاع فلم يؤمر بإعادة الصلاة مرة أخرى .


 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
القبلة, استقبال

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir