دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > تدوين التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:31 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي الدرس الخامس: اشتهار التدوين وبدء التصنيف

الدرس الخامس: اشتهار التدوين وبدء التصنيف

عناصر الدرس:
● مقاصد الناهين من السلف عن كتابة غير القرآن.
● التنبيه على فقه الأئمة لمقاصد النهي عن الكتابة واعتبارها.
● استقرار القول بجواز كتابة مسائل العلم.

● اشتهار التدوين.
● أنواع التدوين.
● بدء التصنيف.
ذكر أوائل المصنفين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:32 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

مقاصد الناهين من السلف عن كتابة غير القرآن:
الناظر في الآثار المروية عن الصحابة والتابعين وتابعيهم في النهي عن كتابة غير القرآن من الحديث والتفسير والفقه وغيره يجد أن بعضهم يعلل النهي بعلل تتبيّن بها مقاصدهم من النهي، فحرصت على جمع تلك العلل للنظر فيها؛ فكانت نحو ثمان علل:
1: الاعتماد على النهي الأول، وأن ما ورد من الإذن من النبي صلى الله عليه وسلم كان خاصاً، وهذا ظاهر مذهب أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وقد تبيّن أنّ هذا النهي منسوخ، وقد كان في أوّل الإسلام نهياً مخصوصاً.
2: التحرز من التباس القرآن بغيره، واختلاف الأمة في كتابها كما اختلف أهل الكتاب في كتابهم، ولا سيما في أوّل الإسلام، وكثرة المقبلين على الدخول في الإسلام مع عدم معرفتهم بالقرآن.
وهذا كان أكثر ما حمل عمر بن الخطاب على الكف عن تدوين السنة في زمانه.
- قال ابن أبي الزناد: قال عروة بن الزبير: (كنا نقول لا يُتخذ كتابٌ مع كتاب الله؛ فمحوت كتبي؛ فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرّت مريرته). رواه ابن عساكر.
3: خشية الافتتان بالكتب، فيُقبل عليها ويُترك القرآن، وهذا مأثور عن ابن مسعود رضي الله عنه.
4: الحذر من اتخاذ كتاب يُضاهَى به القرآن يكون كمثناة أهل الكتاب.
وهذه العلل الثلاث مأثورة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
5: إمكان تطرّق الخطأ إلى الكتب، ثم قد يزداد الغلط وتكثر الأخطاء حتى تكون سبباً في الضلال.
6: التحرّز من أن يقع الكتاب بيد من لا يحسن فهمه، ولا يضعه مواضعه؛ فيرويه على غير وجهه.
وهذا ما حمل عبيدة السلماني رحمه الله على إتلاف كتبه لما حضرته الوفاة.
7: خشية الاتكال على الكتب وتضييع الحفظ وملاحظة الهَدْي.
8: صيانة العلم من دخول غير أهله فيه.
- قال الأوزاعيّ: (كان هذا العلم كريمًا يتلقّاه الرّجال بينهم، فلمّا دخل في الكتب دخل فيه غير أهله).
وهذا قاله الأوزاعي مع أنه كان كثير الكتب رحمه الله.

وقد جمع الخطيب البغدادي بين بعض هذه العلل فقال: (فقد ثبت أنَّ كراهة من كره الكتاب من الصدر الأول إنما هي لئلا يضاهى بكتاب الله تعالى غيره، أو يشتغل عن القرآن بسواه، ونهي عن الكتب القديمة أن تتخذ لأنه لا يعرف حقها من باطلها وصحيحها من فاسدها، مع أن القرآن كفى منها وصار مهيمنا عليها، ونهي عن كتب العلم في صدر الإسلام وجدّته لقلة الفقهاء في ذلك الوقت، والمميزين بين الوحي وغيره؛ لأن أكثر الأعراب لم يكونوا فقهوا في الدين ولا جالسوا العلماء العارفين؛ فلم يؤمن أن يلحقوا ما يجدون من الصحف بالقرآن، ويعتقدوا أن ما اشتملت عليه كلام الرحمن، وأمر الناس بحفظ السنن إذ الإسناد قريب، والعهد غير بعيد، ونهي عن الاتكال على الكتاب، لأن ذلك يؤدي إلى اضطراب الحفظ حتى يكاد يبطل، وإذا عدم الكتاب قوي لذلك الحفظ الذي يصحب الإنسان في كل مكان، ولهذا قال سفيان الثوري ما أخبرنا ابن رزقويه، أخبرنا عثمان بن أحمد، حدثنا حنبل بن إسحاق، حدثني أبو عبد الله وهو أحمد بن حنبل , حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان الثوري، قال: "بئس المستودع العلم القراطيس").
قال: (وكان سفيان يكتب، أفلا ترى أن سفيان ذم الاتكال على الكتاب وأمر بالحفظ، وكان مع ذلك يكتب احتياطاً واستيثاقاً، وكان غير واحد من السلف يستعين على حفظ الحديث بأن يكتبه ويدرسه من كتابه، فإذا أتقنه محا الكتاب خوفا من أن يتّكل القلب عليه فيؤدي ذلك إلى نقصان الحفظ وترك العناية بالمحفوظ).
- وقال ابن عبد البرّ في جامع بيان العلم وفضله: (من كره كتاب العلم، إنما كرهه لوجهين:
أحدهما: ألا يتخذ مع القرآن كتاب يضاهى به.
ثانيهما: ولئلا يتكل الكاتب على ما كتب فلا يحفظ فيقل الحفظ؛ كما قال الخليل رحمه الله: ليس بعلمٍ ما حوى القِمَطْرُ ... ما العلم إلا ما حواه الصَّدْرُ).


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:33 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

التنبيه على فقه الأئمة لمقاصد النهي عن الكتابة واعتبارها:
مما لا تكاد تخطئه عين البصيرة أن الذي حمل أكابرَ السلف على النهي عن الكتابة كانت مقاصد معتبرة لا ينبغي إغفالها حتى بعد اقتضاء المصلحة تدوين العلم لكثرة الأسانيد وتشعّب العلوم والمسائل فإنّ تعاظم الحاجة للتدوين لا يعود على تلك المقاصد الشريفة بالبطلان وعدم الاعتبار، بل ينبغي لمن يُعنى بالكتابة أن تكون تلك المقاصد منه على بال، وأن يحرص على عدم الإخلال بها.
وإنّ إقبال الطالب على الكتابة وجمع الكتب والاستكثار منها من غير مراعاة للمقاصد المذكورة قد يؤول به إلى الحرمان من بركات العلم وفضائله ولا سيما إذا اشتغل بها عن واجبات شرعية.
ولا أرى أنه يُستثنى من تلك المقاصد إلا قول من ذهب إلى أنّ النهي عن الكتابة محكم دائم غير منسوخ.
ومن تأمّل سير السلف الصالح المعتنين بكتابة العلم وجد منهم العناية الظاهرة بتنظيم أوقاتهم، وتقديم الفرائض والواجبات، وأخذ نفوسهم بنصيبٍ وافرٍ من التعبّد بالتلاوة والتهجّد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتعليم، والإفتاء، ونشر السنة، والتحذير من البدع والأهواء، والقيام بالقسط، وفعل الخيرات.

وسأذكر من ذلك شذرات تنبيك عن حال القوم وجمعهم العلم والعمل، وأنهم لم يحملوا الترخّص في الكتابة على الإباحة المطلقة غير المنضبطة، وأنهم أدركوا مقاصد النهي عن الكتابة واستصحبوها؛ فكان لعلمهم بركة، ولكتبهم بركة، والله يؤتي فضله من يشاء، والله واسع عليم.
1: فهذا سليمان بن طرخان التيمي(ت:143هـ):
وهو من أوائل من كتب الكتب من التابعين بالبصرة، له كتاب السير، وكتاب الخلق، وغيرهما.
- قال حماد بن سلمة: (ما أتينا سليمان التيمي في ساعةٍ يطاع الله عز وجل فيها إلا وجدناه مطيعاً، إن كان في ساعة صلاة وجدناه مصلياً، وإن لم تكن ساعة صلاة وجدناه إما متوضئا، أو عائداً مريضاً، أو مشيعاً لجنازة، أو قاعداً في المسجد).
قال: (فكنّا نرى أنه لا يحسن يعصي الله عز وجل). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال معاذ بن معاذ العنبري: «كنت أرى سليمان التيمي كأنه غلام حدث قد أخذ في العبادة، وكانوا يرون أنه قد أخذ عبادته عن أبي عثمان النهدي» رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال يحيى بن سعيد القطان: (كان [أي سليمان التيمي]لا يدع أحداً يكتب؛ فإن ردّ على إنسان حسبه عليه، وكنت أردّ عليه ويحسبه علي، وكان يحدث الشريف والوضيع خمسة خمسة، وكان عندنا من أهل الحديث). رواه البخاري في التاريخ الكبير.
2: وهذا سفيان بن سعيد الثوري(ت:161هـ):
وهو من أوائل المصنفين من تابعي التابعين وأصحاب الكتب من أهل الكوفة، وكان كثير الحديث جداً، وله كتب كثيرة، لم تشغله عن التعبّد والقيام بالحق.
- قال عبد الرزاق الصنعاني: (كان الثوري جعل على نفسه لكل ليلة جزءاً من القرآن، وجزءاً من الحديث؛ فيقرأ جزأه من القرآن، ثم يجلس على الفراش؛ فيقرأ جزأه من الحديث، ثم ينام). رواه ابن أبي حاتم.
3: وهذا حمّاد بن سلمة البصري(ت:167هـ):
من أوائل المصنفين في البصرة، وله نسخ كثيرة، وتصانيف، وكان مع ذلك على قدر كبير من الاجتهاد في العبادات والأعمال الصالحة.
- قال عفان بن مسلم الصفار: (قد رأيتُ من هو أَعْبَدُ من حماد بن سلمة، ولكن ما رأيت أشدَّ مواظبة على الخير، وقراءة القرآن، والعمل لله من حماد بن سلمة). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال موسى بن إسماعيل: (لو قلت لكم: إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكاً قطّ صدقتكم، كان مشغولاً بنفسه، إمّا أن يحدّث وإمّا أن يصلّي، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبّح، كان قد قسم النهار على هذه الأعمال). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: (لو قيل لحماد بن سلمة: إنك تموت غداً؛ ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً). رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال ابن حبان: (لم يكن من أقران حمّاد مثله بالبصرة في الفضل والدين، والعلم والنسك، والجمع والكتابة، والصلابة في السنة والقمع لأهل البدعة، ولم يكن يثلبه في أيّامه إلا قدري أو مبتدع جهمي، لما كان يظهر من السنن الصحيحة التي ينكرها المعتزلة).
4: وهذا أبو عبيد القاسم بن سلام(ت:224هـ): صاحب المصنفات الكثيرة المباركة التي بقيت إلى اليوم عمدة لطلاب العلم والعلماء، كان مواظباً على الجمع بين الكتابة والتعبد.
- قال أبو بكر ابن الأنباري: (كان أبو عبيد [القاسم بن سلام ] يقسّم الليل؛ فيصلي ثلثه، وينام ثلثه، ويصنّف الكتبَ ثُلُثَه). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد.

5. وهذا وكيع بن الجراح الرؤاسي(ت:197هـ):
كان عابداً زاهداً كثير التلاوة والصيام، على كثرة ما حفظ من العلم وكتب، حتى كانت له مصنفات مشهورة، طبع منها كتابه في الزهد، ونسخة حديثه عن الأعمش، وله كتاب في التفسير مفقود.
- قال أحمد بن حنبل: (ما رأيت أحداً أوعى للعلم من وكيع بن الجراح، ولا أَشْبَهَ بأهل النسك منه). رواه ابن أبي حاتم.
وغيرهم كثير من الأئمة الذين كانت لهم كتب كثيرة وكانوا مع ذلك قائمين بالسنة والتزكية والتعبد كالأئمة الأربعة، وابن جريج، وابن أبي ذئب، والأوزاعي، والليث بن سعد، وعبد الله بن المبارك، وهشيم بن بشير، وسفيان بن عيينة، وغيرهم كثير.
وبهذا يتبيّن أن بحثنا في محاولة تفهّم مقاصد الناهين عن كتابة غير القرآن بعد استقرار القول بجواز تدوين العلم، وعمل كثير من الأئمة بالكتابة هو التنبيه على أنّ هذه المقاصد معتبرة، وأن الحاجة إلى تدوين العلم لما قويت حتى بلغت مبلغاً لا يمكن معه القول بمنع الكتابة فإن ذلك لا يقتضي الغفلة عن تلك المقاصد.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:33 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

استقرار القول بجواز كتابة مسائل العلم:
ثمّ استقرّ القول بعد ذلك على جواز كتابة العلم، حتى رجع بعض من اشتهرت عنهم كراهية الكتابة إلى الإذن بها لما رأوا من الحاجة الشديدة إليها، حتى روي عن بعض من كان يترك الكتابة الندامة على تركها.
ولم يعد يسع أهلَ العلم مع كثرة الأسانيد والمسائل، وتفاوت أحوال الرواة إلا ضبط العلم بالكتاب، ودراسة الأسانيد، وضبط الأقضية والفتاوى التي تحتاج إليها الأمة حاجة ماسّة.
- قال يحيى بن معين: حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة أن أباه أحرق كتباً له فيها فقه، ثم قال: (لوددت أني كنت فديتها بأهلي ومالي). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن أبي الزناد: قال عروة بن الزبير: (كنا نقول لا يُتخذ كتابٌ مع كتاب الله؛ فمحوت كتبي؛ فوالله لوددت أن كتبي عندي، إن كتاب الله قد استمرّت مريرته). رواه ابن عساكر.
- وقال الزهري: «كنا نكره كتاب العلم حتى أكرهنا عليه هؤلاء الأمراء فرأينا أن لا نمنعه أحداً من المسلمين» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال مالك بن أنس: سمعت يحيى بن سعيد يقول: «لأَن أكون كتبت كلَّ ما أسمع أحب إلي من أن يكون لي مثل مالي» رواه البيهقي في المدخل إلى السنن.
- وقال الخطيب البغدادي: (إنّما اتّسع الناس في كَتْبِ العلم، وعوَّلوا على تدوينه في الصحف بعد الكراهة لذلك؛ لأنَّ الروايات انتشرت، والأسانيد طالت، وأسماء الرجال وكناهم وأنسابهم كثرت، والعبارات بالألفاظ اختلفت؛ فعجزت القلوب عن حفظ ما ذكرنا، وصار علم الحديث في هذا الزمان أثبت من علم الحافظ، مع رخصة رسول الله صلى الله عليه لمن ضعف حفظه في الكتاب، وعمل السلف من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الخالفين بذلك).
- وقال أبو عمرو ابن الصلاح الشهرزوري (ت: 643هـ): (ثمّ إنّه زال ذلك الخلاف وأجمع المسلمون على تسويغ ذلك [ أي تدوين العلم ] وإباحته، ولولا تدوينه في الكتب لدرس في الأعصر الآخرة، واللّه أعلم).
- وقال الحافظ ابن حجر: (قال العلماء: كره جماعة من الصحابة والتابعين كتابة الحديث واستحبوا أن يُؤخذ عنهم حفظاً كما أخذوا حفظاً، لكن لما قصرت الهمم وخشي الأئمة ضياع العلم دوّنوه، وأوَّل من دون الحديثَ ابنُ شهاب الزهري على رأس المائة بأمر عمر بن عبد العزيز، ثم كثر التدوين، ثم التصنيف، وحصل بذلك خير كثير؛ فلله الحمد).


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:35 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

اشتهار التدوين:
بدأ التدوين العام للسنة في خلافة عمر بن عبد العزيز رحمه الله؛ فكتب إلى أبي بكر بن حزم: (انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولْتفشوا العلم، ولْتجلسوا حتى يُعَلَّم من لا يَعْلم، فإنَّ العلم لا يهلك حتى يكون سراً). رواه البخاري في صحيحه من طريق عبد العزيز بن مسلم القسملي عن عبد الله بن دينار به.
- وفي رواية عند الدارمي والمروزي في السنة من طرق عن عبد العزيز بن مسلم عن عبد الله بن دينار قال: «كتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل المدينة أن انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
- وفي رواية عند أبي نعيم الأصبهاني في تاريخ أصبهان من طريق درهم بن مظاهر قال: حدثنا عبد العزيز بن مسلم، عن عبد الله بن دينار، قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى الآفاق: «انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجمعوه واحفظوه؛ فإني أخاف دروس العلم، وذهاب العلماء».
- وفي رواية عند الدارمي من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن دينار، قال: «كتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن اكتب إليَّ بما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبحديث عَمْرَة، فإني قد خشيت دروس العلم وذهابه».
- وقال ابن وهب: حدثني مالك أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن عمرو بن حزم وكان عمر قد أمّره على المدينة بعد أن كان قاضيا.
قال مالك: وقد ولي أبو بكر ابن حزم المدينة مرتين أميراً، فكتب إليه عمر أن يكتب له العلم من عند عمرة بنت عبد الرحمن والقاسم بن محمد.
فقلت لمالك: السنن؟
قال: نعم.
قال: فكتبها له.
قال مالك: فسألت ابنَه عبدَ الله بن أبي بكر عن تلك الكتب؛ فقال: (ضاعت). رواه يعقوب بن سفيان.
قلت: الظنّ أنه بعث بها إلى عمر بن عبد العزيز لصريح ما ورد من أمره إياه أن يكتب إليه، وذلك متضمّن لكتابتها وبعثها إليه.
- قال أحمد بن حنبل: حدثنا ابن عيينة، عن يحيى [بن سعيد الأنصاري] قال: ( كتب عمر بن عبد العزيز، وهو والٍ إلى أبي بكر بن محمد؛ أن اكتب إليَّ من بما ثبت عندك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديث عمرة). رواه عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب العلل لأبيه.

وأمرَ الزهريّ أن يتولّى جمع السنن وكتابتها، ثم بعث بها إلى الأمصار.
- قال معن بن عيسى القزاز: حدثنا سعيد بن زياد قال: سمعت ابن شهاب يحدّث سعد بن إبراهيم يقول: (أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفتراً دفتراً؛ فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفتراً). رواه ابن أبي خيثمة في تاريخه، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال صالح بن كيسان: (اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه فقلت: «لا، ليس بسنة» وقال هو: بلى هو سنة.
فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت). رواه معمر بن راشد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي خيثمة، وغيرهم.
قوله: (ونحن نطلب العلم) ربما تبادر إلى الذهن أنّهم فعلوا ذلك في أوّل طلبهم للعلم وهم صغار، وهذا خلاف ما كان عليه الأمر؛ فإنّ صالح بن كيسان لم يطلب العلم إلا على كِبَر، والزهريّ لم يكن يكتب عند طلبه للعلم في أوّل أمره، كما تقدّم ذلك عنه من طرق صحيحة متعددة.
فهذه العبارة إنما يصحّ حملها على طلبهم العلم عند الكتابة والتدوين؛ فإنّ ذلك يصدق عليه أنه طلبٌ للعلم.

- قال أحمد بن صالح المصري: حدثنا يحيى بن محمد الجاري عن مالك بن أنس قال: جاء صالح بن كيسان وموسى بن عقبة إلى ابن شهاب يطلبان العلم؛ فقال لهما ابن شهاب: (جلستما حتى إذا صرتما كالشنان لا تمسكان الماء جئتما تطلبان العلم). رواه ابن عساكر.
وكان صالح بن كيسان أسنّ من الزهري، ومات بعده بنحو ست عشرة سنة، وهو الذي علّم الزهريَّ في صغره وأقام أَوَد لسانه، ثمّ لمّا اكتهل طلب العلم عند الزهري فعلّمه السنن، وقد ذكر الذهبي أنّ صالح بن كيسان طلب الحديث وهو ابن سبعين سنة؛ فيكون ذلك قريب من وقت جمع الزهري للسنن.

وقبل جمع عمر بن عبد العزيز جمع آخر لم يشتهر خبره، ينبغي أن يدرس ويُنظر في أثره، وهو ما قام به أبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم في زمان ولايته على مصر إذ كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي (ت: 80 هـ تقريباً)، وكان من كبار المحدّثين بالشام، من أهل حمص، وقد لقي جماعة من كبار علماء الصحابة رضي الله عنهم، منهم معاذ بن جبل، وأبو الدرداء، وعبادة بن الصامت، وغيرهم كثير.
- قال عبد الله بن صالح عن الليث بن سعد قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب أن عبد العزيز بن مروان كتب إلى كثير بن مرة الحضرمي، وكان قد أدرك بحمص سبعين بدرياً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: (فكتب إليه أن يكتب إليه بما سمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحاديثهم إلا حديث أبي هريرة فإنه عندنا). رواه ابن سعد.
وعبد العزيز بن مروان(ت:85هـ) كان رجلاً صدوقاً، نشأ بالمدينة وسمع من أبي هريرة، وغيره، وخرج مع أبيه بعد وقعة الحرة إلى الشام، ثم لما تغلّب أبوه على الشام ومصر ولّاه على مصر فبقي والياً عليها نحواً من عشرين سنة حتى توفي.
لكن لا أعلم لكثير بن مرة في دواوين السنة حديثاً كثيراً يدلّ على نهوضه بالجمع كما نهض به الزهريّ، وربما كتب شيئاً ولم يبلغنا، ولعلّه لم يتهيّأ له من الأعوان والكَتَبَة ما تهيّأ للزهري.
وعلى كلّ حال فقد اشتهر ما نهض به عمر بن عبد العزيز من التدوين، وكثر بعده تدوين العلم، واشتهر جداً.

وكان عمر بن عبد العزيز قد تهيّأ له ما لم يتهيّأ لأقرانه في زمانه؛ فقد نشأ في المدينة، واعتنى والدُه بتأديبه أدباً حسناً، ووكّل به أمهر المؤدبين في زمانه، مع ما كان عليه عمر رحمه الله من ذكاء جِبِلّي وفطنة، وحسن خلق.
وقد تولى إمارة المدينة سنة 87هـ، وهو ابن خمس وعشرين سنة، في خلافة الوليد بن عبد الملك، فولّى على قضاء المدينة أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري، وجمع عشرة من كبار فقهاء المدينة فجعلهم من خاصته وقال لهم: (إني دعوتكم لأمرٍ تؤجرون عليه، وتكونون فيه أعواناً على الحق، ما أريد أن أقطع أمراً إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم؛ فإن رأيتم أحداً يتعدّى، أو بلغكم عن عاملٍ لي ظُلامة؛ فأحرّج بالله على أحدٍ بلغه ذلك إلا أبلغني). والخبر في طبقات ابن سعد من طريق الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبيه، وذلك مشتهر عنه.
فكان ذلك من أسباب توفيقه وتفقهه في الأحكام والأقضية، إذ اجتمع له بالمدينة أعلم الناس بأقضية النبي صلى الله عليه وسلم وأقضية أبي بكر وعمر وعثمان وزيد بن ثابت وغيرهم من فقهاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الفقهاء السبعة من خاصّة أهل مجلسه، وكانوا أعلم الناس في زمانهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وآثار الخلفاء الراشدين وأقضيتهم.
فكان ذلك من أسباب تضلّعه بالعلم، ورسوخ قدمه في الفهم، وتبصّره بما يجب أن تكون عليه سياسة الرعية، ومن أهمّ ذلك إحياء ما كان عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعث العلماء إلى الأمصار لتفقيه الناس في الدين ونشر العلم، فكان من الأمور التي رأى المصلحة الشرعية مقتضية لها اقتضاء ظاهراً جَمْعُ السنة وتدوينها ونشرها.
ولما تولى الخلافة قام بأمور جليلة القدر كان له أثر كبير في إنجاح هذه المهمّة الشريفة، ونشر العلم وإقبال الناس عليه، منها:
1: ردّ المظالم، وإبطال المكوس، وعزل الولاة الظلمة.
2: تولية العلماء المصلحين الذين يُشهد لهم بالصلاح والاستقامة وحسن الرأي والتدبير ولاةً على الأمصار.
3: تعيين القضاة الصالحين.
4: الكتابة إلى العلماء بجمع الحديث وكتابته، ثم أسند إلى ابن شهاب الزهري الاضطلاع بالتدوين والإملاء.
5: بعث المعلّمين إلى الأمصار ليفقهوا الناس في الدين، وينشروا العلم.

وهذه الأمور قد لا تُتصوّر كما ينبغي إلا بذكر أعيان من عيّنهم من الولاة والقضاة، ومن بعثهم إلى علماء الأمصار، ليُعلم مقدار ما حُشد من الرجال الأكفاء للنهوض بنشر العلم والعدل، وإحياء السنة، وليُنبّه ذلك على تسخير ما أمكن من الأدوات والأموال الوفيرة لإتمام هذه الأعمال الشريفة.
- فولّى أبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري أميراً على المدينة وكان قبل ذلك من أحزم القضاة وأعلمهم، وكتب إليه أن يجمع حديث أهل المدينة.
- وولى على الأردن عبادة بن نسي الكندي، وهو من العلماء الأكياس المذكورين.
- واستعمل ميمون بن مهران الجزري (ت: 117 هـ) على أهل الجزيرة قاضياً ومفتياً.
- وولّى عدي بن عديّ بن عميرة الكندي على الموصل والجزيرة ثم ولاه أرمينية، وكان من العلماء الأخيار.
- قال البخاري في صحيحه: كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن عدي: (إنَّ للإيمان فرائض وشرائع، وحدوداً وسنناً؛ فمن استكملها استكمل الإيمان، ومن لم يستكملها لم يستكمل الإيمان، فإن أعشْ فسأبيّنها لكم حتى تعملوا بها، وإن أمتْ فما أنا على صحبتكم بحريص).
- وولّى عديّ بن أرطأة الفزاري أميراً على البصرة، وولى إياس بن معاوية على القضاء، ولما ترك إياس القضاء بعد سنة، ولّى مكانه الحسن البصريَّ.
- وولى عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب على الكوفة.
- وولّى عروة بن محمد السعدي على اليمن، وكان مذكوراً بالزهد والصلاح، وله بها أثر حسن.
- وولّى محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصاري على اليمامة، وكان صاحب علم وفضل.
- وولّى على عمان حاجب بن المفضّل بن المهلّب بن أبي صفرة الأزدي ثم عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري، وكانا مذكورين بالفضل والخير.
- وولّى على مصر أيوب بن شرحبيل بن يكسوم بن أبرهة صاحب الفيل، وكان أيّوب رجلاً صالحاً من أهل الحديث، ومن نبلاء الرجال، وحُمدت سيرته في مصر.
- وبعث نافعَ مولى ابن عمر إلى أهل مصر يعلّمهم السنن ويفقّههم في الدين.
- وأرسل عشرة من التابعين إلى أهل إفريقية يفقّهونهم في الدين ويعلّمونهم القرآن والسنن.
- وولّى على أفريقية؛ إسماعيل بن عبيد الله مولى بني مخزوم، وكان حسن السيرة بها؛ فأسلم عامّة البربر في ولايته، وبعث إلى أفريقية عشرة معلّمين من التابعين.
- قال أبو العرب ابن تميم المغربي(ت:333هـ) في كتابه طبقات علماء أفريقية: (حدثني فرات بن محمد، أن عمر بن عبد العزيز أرسل عشرة من التابعين، يفقهون أهل إفريقية، منهم: موهب بن حي المعافري، وأقام بإفريقية حتى مات بها، وحبان بن أبي جبلة، وإسماعيل بن عبيد الله الأعور القرشي، مولاهم، وكان رجلا صالحا استعمله عمر بن عبد العزيز، ليفقههم أيضا، وإسماعيل بن عبيد، مولى الأنصار، وهو صاحب سوق مسجد الأحباش، كذا، وهو الذي يقال له: تاجر الله).
- وبعث يحيى بن يزيد التجيبي(ت:142هـ) قاضياً على الأندلس.
- وولّى الجراح بن عبد الله الحكمي على أذربيجان؛ فكان له بها أثر حسن، ولما قتله الخزر عمّ الحزن عليه بلاد المسلمين، حتى كانت العامة تؤرّخ بوفاته، فكان يقال: حدث كذا عام قُتل الجرّاح، وولد فلان بعد مقتل الجراح بكذا وكذا.

وكان عمر نفسه معنياً بالسؤال عن الأحاديث وجمعها، يكاتب العلماء في ذلك، بل ربما استقدم بعضهم ليسمع الحديث منه.
- قال دحيم: حدثنا الوليد بن مسلم، عن يحيى بن الحارث، عن أبي سلام قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى صاحب دمشق أن: (سلْ أبا سلام عما سمع من ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوض؛ فإن كان يثبته، فاحمله على مركبة من البريد). رواه أبو زرعة الدمشقي.

وفي هذا دلالة بيّنة على سعي عمر بن عبد العزيز الحثيث في جمع السنة وتدوينها ونشرها، وبذله ما أمكنه لتحقيق هذه الغاية، وكان أوفر أصحابه نصيباً في ذلك وأحسنهم أثراً، وأكثرهم حديثاً في دواوين السنة ابن شهاب الزهري، وكان عمر قد اختاره لذلك على علم ومعرفة.
- قال عبد الرزاق، عن معمر، قال: قال عمر بن عبد العزيز لجلسائه: هل تأتون ابن شهاب؟
قالوا: إنا لنفعل.
قال: (فأتوه فإنّه لم يبقَ أحدٌ أعلم بسنة ماضية منه).
قال معمر: (وإنّ الحسن وضرباءَه لأحياء يومئذ). رواه ابن أبي حاتم.
- وقال جعفر بن برقان، عن عمرو بن ميمون، عن عمر بن عبد العزيز قال: (ما رأيتُ أحداً أحسنَ سوقاً للحديث إذا حدّث مثل الزهري). رواه ابن أبي حاتم وابن عدي في الكامل.
فلا ريب أن حثّه على الاجتهاد في جمع الحديث وتدوينه ونشره.

ومع هذا الاجتهاد والتمكن ووفرة علماء التابعين وحفاظهم، وتظافر الولاة الصالحين والقضاة المقسطين والمعلّمين الناصحين الذين انتشروا في الأمصار وردّ المظالم وقيام العدل لم يمكث إلا زمناً يسيراً حتى انتشر العلم، واستيسر الناس، وصلح حال الرعية، ودوّنت السنة، وحُفظ العلم في الكتب والصحف حفظاً مشتهراً ظاهراً بعد أن كان أكثره في صدور العلماء الحفاظ من التابعين، وفي صحف قليلة متفرقة بأيدي أصحابها.
فشاع العلم في الأمصار، وكثرت المرويات والرحلات في طلب العلم وتحصيل النّسخ والمصنفات، وكثرت الأسئلة والأجوبة؛ فكثرت لأجل ذلك الكتب.

ولذلك عدّ العلماء عُمر بن عبد العزيز المجدد الأوّل للدين في المائة الأولى.
- قال عبد الله بن وهب: أخبرني سعيد بن أبي أيوب، عن شراحيل بن يزيد المعافري، عن أبي علقمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله يبعث على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها» رواه أبو داوود في سننه، والحاكم في المستدرك، والطبراني في الأوسط، وغيرهم.
- قال أبو سعيد الفريابي: قال أحمد بن حنبل: (إن الله تعالى يقيض للناس في كل رأس مائة سنة من يعلمهم السنن، وينفي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب؛ فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز، وفي رأس المائتين الشافعي). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد، وابن عساكر في تاريخ دمشق.
ورواه أبو نعيم في الحلية والبيهقي في المدخل إلى السنن من طرق أخرى عن أحمد.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:37 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

أنواع التدوين:
تدوين العلوم في زمن أتباع التابعين كان أكثره على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: نسخ وصحف مفردة، يكتبها الراوي عن شيخه، وأمثلة هذا النوع كثيرة جداً يتعسر تقصّيها.
النوع الثاني: أمالي ومجالس وفوائد يمليها الشيخ أو يحدّث بها عن جماعة من شيوخه، فتُكتب عنه، وقد يكون في بعضها شرح وتفسير، أو تنبيه وتعقيب.
النوع الثالث: كتب مصنّفة، جمعوا فيها نُسخاً وصنّفوها، وسيأتي ذكر أوائل المصنفين، ومنهم جماعة من أتباع التابعين، والتصنيف منه ما هو على المسانيد، ومنه ما هو على الأبواب، ومنه ما هو على الشيوخ، والأسماء.
ومن المصنفات جوامع كبيرة، وكتب مفردة في بعض فروع العلم، ككتب المناسك، والزهد، والرقائق، وغيرها كثير.


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:41 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

بدء التصنيف:
بعد اشتهار التدوين كثرت الصحف والنسخ الحديثية والتفسيرية وغيرها في أواخر زمن التابعين وزمن تابعي التابعين حتى صار من غير المستنكر أن يكون لدى الواحد منهم صحف ونسخ كثيرة جداً لكثرة ما يحضر من مجالس العلماء وما يُملى فيها من الحديث ومسائل العلم.
- قال خلف بن تميم: سمعت أبا الأحوص إن شاء الله ذكر عن أبي إسحاق، قال: (ما ترك لنا إسرائيل كُوَّة، ولا سِفطاً إلا دحسها كتباً). رواه الخطيب البغدادي.
وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي من طبقة تابعي التابعين.
- وقال أبو العيناء محمد بن القاسم: حدثنا أبو عبيدة معمر بن المثنى قال: (كان أبو عمرو بن العلاء أعلم الناس بالقرآن، والعربية، والعرب وأيامها، والشعر وأيام الناس، وكان ينزل خلف دار جعفر بن سليمان الهاشمي، وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف، ثم تنسك فأحرقها). رواه ابن عساكر.
- وقال علي ابن المديني: (نظرت لروح بن عبادة في أكثر من مائة ألف حديث، كتبت منها عشرة آلاف). رواه الخطيب البغدادي.

وهذا كان حال كثير من أهل العلم من تابعي التابعين في جميع فنون العلم، ولذلك لمّا جاء تبع الأتباع واجتهدوا في طلب العلم، وطوّفوا البلدان للسماع من الشيوخ وتحصيل النسخ والكتب وعرضها وتصحيحها اجتمع لهم شيء عظيم من الأحاديث والآثار، وكثير منها له طرق كثيرة وألفاظ متعددة.
- قال عبد الله بن جعفر بن خاقان المروزي: سألت إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حديث لأبي بكر الصديق، فقال لجاريته: أخرجي إليَّ الثالث والعشرين من مسند أبي بكر.
فقلت له: لا يصحّ لأبي بكر خمسون حديثاً، من أين ثلاثة وعشرين جزءاً؟
فقال: (كلّ حديثٍ لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم).
وإبراهيم بن سعيد الجوهري(ت:249هـ) ثقة حافظ مسند من شيوخ مسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجه والنسائي وطبقتهم، كان معروفاً بكثرة كتابة الأحاديث، قال عنه الإمام أحمد كما في التهذيب: (كثير الكتاب، كتب فأكثر)، وقد مات مرابطاً في الثغور رحمه الله.
- وقال الإمام أحمد: (انتقيتُ المسند من سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث).
وأحاديث المسند نحو ثلاثين ألف حديث.
- وقال الإمام مسلم: (صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة).
- وقال أبو داود: (كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمّنته كتاب السنن).
- وقال إسحاق ابن راهويه: (كأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي).
وقد نقل البيكنديّ هذه العبارة إلى محمد بن إسماعيل البخاري: فقال: (أوتعجب من هذا؟ لعلّ فِي هذا الزمان مَن ينظر إلى مائتي ألف حديث من كتابه).
قال البيكندي: (وإنّما عَنى بِهِ نفسه). وهذه الحكاية في تاريخ بغداد للخطيب.
وكتابه المقصود هنا إنما هو أصله العلمي الذي اتّخذه لنفسه، وأما صحيحه فأحاديثه نحو سبعة آلاف.
وهذه الأحاديث الكثيرة التي حصّلوها وجعلوها أصولاً لهم استفادوا أكثرها من النسخ التي طوّفوا البلدان في تحصيلها وسماعها، وما كتبوه عن شيوخهم من نسخ خاصة.

فلا ريب أنّ الحاجة للتصنيف والترتيب كانت ملحة، وهذا أمر قد تُفُطّن له في أواخر عصر التابعين فكتب بعضهم كتباً في بعض فروع العلم، ثم في زمان تابعي التابعين بدأ التصنيف المعروف للأحاديث والآثار على المسانيد وعلى السنن، ثم كثر ذلك جداً في عصر تبع أتباع التابعين، ومن بعدهم.


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 26 جمادى الأولى 1443هـ/30-12-2021م, 06:42 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

ذكر أوائل المصنّفين:
اشتهر في عامة الأمصار مصنفون سبقوا إلى التصنيف، ومنهم:
1: في مكة المكرمة:
- عبد الملك ابن جريج (ت:151هـ)، وهو أوّل من عرف عنه التصنيف بمكة، وقيل بل في جميع الأمصار، وله كتب كثيرة جداً، حتى قال سفيان الثوري: (أعياني حديث ابن جريج أن أحفظه فانتخبت منه).
- وسفيان بن عيينة الهلالي (ت:198هـ)، وله كتاب في التفسير يأتي ذكره إن شاء الله.

ثم بعدهم جماعة من كبار المصنفين في مكة منهم:
- أبو بكر الحميدي (ت: 219هـ) صاحب المسند.
- وأبو عبيد القاسم بن سلام (ت: 224هـ) صاحب المصنفات الكثيرة المباركة، طبع منها نحو عشرة كتب، وفقدت بعض كتبه، ومن أشهر كتبه فضائل القرآن، وغريب الحديث، والطهور، والناسخ والمنسوخ، وغيرها.
- وسعيد بن منصور الخراساني (ت: 227هـ) صاحب كتاب السنن.

2: وفي المدينة النبوية:
- محمد بن إسحاق(ت:151هـ) ، صاحب السيرة، وكان له كتب ونسخ كثيرة، ثمّ إنّه انتقل إلى بغداد.
- ومحمد بن عبد الرحمن ابن أبي ذئب(ت:159هـ) له موطّأ ، سمعه منه روح بن عبادة القيسي(ت:205هـ).
- ومالك بن أنس(ت:179هـ) ، وله الموطأ المشهور، وله رسائل أخرى طبع منها خمس رسائل فيما أعلم.

3: وفي البصرة:
- سعيد بن أبي عروبة(ت:156هـ).
- والربيع بن صبيح البصري(ت:160هـ).
- حماد بن سلمة(ت:167هـ)
- وأبو داود الطيالسي (ت: 204هـ).

4: وفي الكوفة:
- سفيان بن سعيد الثوري(ت:161هـ).
- ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة(ت:183هـ).
- ومحمد بن فضيل بن غزوان(ت:195هـ).
- ووكيع بن الجراح الرؤاسي(ت:197هـ).
- ويحيى بن آدم الكوفي(ت: 203هـ).

5: وفي واسط:
- هشيم بن بشير الواسطي(ت:183هـ)

6: وفي بغداد:
- عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون (ت:164هـ)، وكان بالمدينة ثم انتقل إلى بغداد.
- وأبو يوسف القاضي يعقوب بن إبراهيم الأنصاري(ت: 182هـ).
- ومحمد بن الحسن بن فرقد الشيباني (ت: 189هـ).
- وعلي بن حمزة الكسائي(ت:189هـ).
- ويحيى بن زياد الفراء(ت:207هـ)

7: وفي الشام:
- عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي(ت:157هـ).
- وإسماعيل بن عياش الحمصي(ت:181هـ).
- وأبو إسحاق الفزاري (ت: 186هـ).
- والوليد بن مسلم الدمشقي(ت:194هـ).
- وآدم بن أبي إياس العسقلاني (ت:220هـ)

8: وفي اليمن:
- معمر بن راشد الأزدي(ت:153هـ).
- وعبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت: 211هـ).

9: وفي مصر:
- عبد الله بن لهيعة الحضرمي(ت:175هـ).
- وعبد الله بن وهب المصري (ت:197هـ).
- ومحمد بن إدريس الشافعي(ت:204هـ).
- وأسد بن موسى الأموي (ت: 212هـ).
- وعبد الله بن عبد الحكم (ت: 214هـ).
- ونعيم بن حماد المروزي (ت: 228هـ).

10: وفي فارس وخراسان:
- إبراهيم بن طهمان الخراساني(ت:168هـ)
- وعبد الله بن المبارك(ت:181هـ).
- وجرير بن عبد الحميد الضبي(ت:188هـ)
- والنضر بن شميل المازني (ت: 204 هـ)

ثم كثرت التصانيف والمؤلفات، واحتيج إلى الجوامع والمسانيد الكبار، وهو ما نهض به أصحاب القرن الذي يليه من طبقة الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبي داوود والترمذي وابن ماجه والنسائي.
ثم توالى التأليف في كلّ قرن بما يحتاجه طلاب العلم فيه.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الخامس, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:02 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir