دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 02:21 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي آداب العزلة والمخالطة


233- وَفِي (خَلْوَةِ) الإِنْسَانِ بِالْعِلْمِ: أُنْسُهُ = وَيَسْلَمُ دِيْنُ الْمَرْءِ عِنْدَ التَّوَحُّدِ
234- وَيَسْلَمُ مِنْ قَالٍ وَقِيْلٍ، وَمِنْ أَذَى = جَلِيْسٍ، وَمِنْ وَاشٍ بَغِيْضٍ وَحُسَّدِ
235- فَكُنْ حِلْسَ بَيْتٍ فَهُوَ سِتْرٌ لِعَوْرَةٍ = وَحِرْزُ الْفَتَى عَنْ كُلِّ غَاوٍ وَمُفْسِدِ
236- وَخَيْرُ جَلِيْسِ الْمَرْءِ كُتْبٌ تُفِيْدُهُ = عُلُومًا وَآدَابًا، كَعَقْلٍ مُؤَيَّدِ
237- وَخَالِطْ إِذَا خَالَطْتَ: كُلَّ مُوَفَّقٍ = مِنْ الْعُلَمَا، أَهْلِ التُّقَى وَالتَّعَبُّدِ


  #2  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 02:26 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب / السفاريني

ثم ذكر الناظم أشياء من فضل العزلة عن الناس فقال : مطلب : في فضل العزلة عن الناس وأنها موجبة لسلامة الدين : وفي خلوة الإنسان بالعلم أنسه ويسلم دين المرء عند التوحد ( وفي خلوة ) أي انفراد ( الإنسان ) عن الناس وأحوالهم وشئونهم ( ب ) مطالعة كتب ( العلم ) من التفسير والحديث والفقه وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم والتفهم في ذلك ، وتتبع أيامه صلى الله عليه وسلم وأحواله وشئونه " والتأدب بآدابه . والتخلق بما أمكنه من أخلاقه ، وذكر غزواته وسراياه ومكاتباته ، والوفود الذين كانوا يفدون عليه من أقطار الأرض ومطالعة كتب الرقائق والوعظ وذم الدنيا والاحتفال بها والرضا عن النفس ، ومطالعة اللغة العربية وكتب النحو وما يحتاج إليه من الآلات ، فمطالعة المرء لهذه العلوم والخلوة بها ( أنسه ) في خلوته ووحدته . قال في القاموس : والأنس بالضم وبالتحريك والأنسة محركة ضد الوحشة ، وقد أنس به بتثليث النون وآنسه ضد أوحشه ، وآنس الشيء أبصره . فإذا كان الإنسان قد منحه الله تعالى طرفا صالحا من العلوم وانفرد بها عن أبناء زمانه في خلوته لم يستوحش أبدا . كيف وهو يمر على أخبار الأوائل وأيامهم ، ويطلع على شئونهم وأحوالهم ، ويظهر على أفعالهم وكلامهم ، ونثرهم ونظامهم ، وكرمهم وقتالهم ، وهممهم ونكالهم ، وإقدامهم وإحجامهم ، وإحلالهم وإبرامهم ، وكفرهم وإسلامهم ، وأديانهم وأصنامهم ، وحلم الرسل وعزمهم ، وسعة أخلاقهم وحزمهم ، وعفوهم وصبرهم ، وتضرعهم إلى الحق وذكرهم ، حتى إذا انتهيت إلى سيرة الخاتم للرسالة والقامع للكفر والضلالة ، كنت كأنك بين أظهر الصحابة الكرام الذين قشع الله بهم الكفر وأباده ، ونصر بهم نبيه صلى الله عليه وسلم وأهلك أضداده ، فتارة تفرح وأخرى تبكي ، ورأيت وقعاتهم واحدة تشرح وأخرى تنكي فمن كان في خلوته بهذه المثابة ، كيف لا تفارقه الوحشة والكآبة ، ويصحبه الأنس والسرور والمهابة ، مع ما يطلع عليه من معرفة الأحكام الشرعية ، والأخبار النبوية ، وسير الملوك والدول ، وأخبار الأحبار والأول ، والشرائع والملل ، والمقالات والنحل ، وأهل التقوى والخشوع ، والطاعة والخضوع ، والظلمة والجبابرة ، والأكاسرة والقياصرة ، فكل هذا يأنس به في خلوته ، ويسكن إليه في وحدته ( ويسلم دين المرء ) المختلي من شائبة الرياء ومقارفة الأذى ( عند التوحد ) والانفراد ، والعزلة عن العباد . ومن سلم دينه فقد حصل على غاية المراد ، وسعد كل الإسعاد . ولا يخفى عليك أن الخلوة عن الخلق إنما تمدح لمن أتقن أمر دينه ، وعلم من العلوم ما يتعين عليه علمه ، وعرف الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحظور ، وما يجب لله ويجوز ، وما يستحيل في حقه جل شأنه وتعالى سلطانه ، وكذا الرسل عليهم الصلاة والسلام . وهذا مفهوم من فحوى كلام الناظم حيث إنه جعل هذا المختلي قد أنس بما معه من العلوم والمعارف ، والأذكار والوظائف ، وهذا لا بد منه قبل الخلوة ليعبد الله على علم والله تعالى أعلم .
مطلب : ذكر الأخبار الواردة في العزلة . وقد جاء في مدح العزلة عدة أخبار ، عن النبي المختار ، وجملة آثار ، عن السلف الأخيار ، فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال { : قال رجل أي الناس أفضل يا رسول الله ؟ قال مؤمن يجاهد بنفسه وماله في سبيل الله . قال ثم من ؟ قال : رجل معتزل في شعب من الشعاب يعبد ربه } - وفي رواية لهما { - يتقي الله ويدع الناس من شره } . ورواه الحاكم بإسناد على شرطهما بلفظ { أي المؤمنين أكمل إيمانا ؟ قال : مؤمن يجاهد بنفسه وماله ، ورجل يعبد ربه في شعب من الشعاب وقد كفى الناس شره } . وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد قال { : كان سعد بن أبي وقاص في إبله ، فجاءه ابنه عمر فلما رآه سعد قال : أعوذ بالله من شر هذا الراكب ، فنزل فقال له : أنزلت في إبلك وغنمك وتركت الناس يتنازعون الملك ، فضربه سعد في صدره وقال : اسكت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي } . قال الحافظ المنذري : أي الغني النفس القنوع . وروى الإمام أحمد والطبراني وابن خزيمة في صحيحه وابن حبان واللفظ له عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من جاهد في سبيل الله كان ضامنا على الله ، ومن عاد مريضا كان ضامنا على الله ، ومن دخل على إمام يعزره كان ضامنا على الله ، ومن جلس في بيته لم يغتب إنسانا كان ضامنا على الله } وعند الطبراني { أو قعد في بيته فسلم الناس منه وسلم هو من الناس } وهو عند أبي داود بنحوه . ورواه الطبراني أيضا في الأوسط من حديث عائشة رضي الله عنها ولفظه : قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { خصال ست ما من مسلم يموت في واحدة منهن إلا كان ضامنا على الله أن يدخله الجنة ، فذكر منها ورجل في بيته لا يغتاب المسلمين ولا يجر إليهم سخطا ولا نقمة } . وروى أيضا في الأوسط والصغير وحسن إسناده عن ثوبان قال : رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { طوبى لمن ملك لسانه ، ووسعه بيته ، وبكى على خطيئته } . والترمذي وحسنه وابن أبي الدنيا والبيهقي عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال { قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال أمسك عليك لسانك ، وليسعك بيتك ، وابك على خطيئتك } . وروى الطبراني أيضا بإسناد مقارب عن عمران بن حصين رضي الله عنه مرفوعا { من انقطع إلى الله كفاه الله كل مؤنه ، ورزقه من حيث لا يحتسب ، ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها } . ورواه أبو الشيخ في الثواب وله شواهد . وأما حديث { السلامة في العزلة } فهو وإن كان معناه صحيحا فليس بحديث . نعم قال السخاوي : أسند الديلمي معناه مسلسلا عن أبي موسى رفعه { سلامة الرجل في الفتنة أن يلزم بيته } ثم ساق قول أبي حيان رحمه الله تعالى : أرحت نفسي من الإيناس بالناس لما غنيت عن الأكياس باليأس وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا بنات فكري وكتبي هن جلاسي وقال سيدنا عمر رضي الله عنه : خذوا حظكم من العزلة . قال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه : والله لوددت أن بيني وبين الناس بابا من حديد لا يكلمني أحد ولا أكلمه حتى ألحق بالله عز وجل . وقال ابن عباس رضي الله عنهما : لولا مخافة الوسواس لدخلت إلى بلاد لا أنيس بها ، وهل يفسد الناس إلا الناس . وقال سعيد بن المسيب وابن سيرين : العزلة عبادة وقال عمر بن عبد العزيز : إذا رأيتم الرجل يطيل الصمت ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يلقي الحكمة . وأوصى داود الطائي : فر من الناس كما تفر من الأسد وأوصى سفيان الثوري رحمه الله تعالى بعض أصحابه فقال : إن استطعت أن لا تخالط في زمانك هذا أحدا فافعل ، وليكن همك مرمة جهازك ، وكان يقول هذا زمان السكوت ولزوم البيت . وقد كان سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه يحب الانفراد والعزلة من الناس ، وكذلك إبراهيم بن أدهم ، وسليمان الخواص ، ويوسف بن أسباط في خلق كثير من الخواص .

ولما بين لك هذه الفوائد المترتبة على العزلة وأضعاف أضعافها من الفوائد مما لم ينبه عليه أمرك بها مؤكدا لما رغب فيه فقال : مطلب : في ملازمة البيوت عند الفتنة : فكن حلس بيت فهو ستر لعورة وحرز الفتى عن كل غاو ومفسد ( فكن ) أي إن كنت فهمت ما أشرت به إليك ، وأهديته عليك من هذه المناقب والفوائد الحاصلة بالاختلاء عن الناس ، فكن أنت ( حلس ) أي كن في اختلائك كحلس ( بيت ) لا تفارقه ولا تبرح عنه بل الزمه ( فهو ) أي صنيعك من لزومك لبيتك ( ستر لعورة ) وهي كل ما يستحى منه إذا ظهر . قال في النهاية : وكل عيب وخلل في الشيء فهو عورة ، وهو المراد هنا . وأشار بهذا إلى ما رواه ابن أبي الدنيا عن مكحول مرسلا قال : { قال رجل متى قيام الساعة يا رسول الله ؟ قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل ولكن لها أشراط وتقارب أسواق ، قالوا يا رسول الله ما تقارب أسواقها ؟ قال كسادها ومطر ولا نبات ، وأن تفشو الغيبة ، وتكثر أولاد البغية ، وأن يعظم رب المال ، وأن تعلو أصوات الفسقة في المساجد ، وأن يظهر أهل المنكر على أهل الحق . قال رجل فما تأمرني ؟ قال فر بدينك وكن حلسا من أحلاس بيتك } . وروى أبو داود عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح الرجل فيها مؤمنا ويمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، القاعد فيها خير من القائم ، والقائم فيها خير من الماشي ، والماشي فيها خير من الساعي . قالوا فما تأمرنا ؟ قال كونوا أحلاس بيوتكم } قال الحافظ المنذري : الحلس هو الكساء الذي يلي ظهر البعير تحت القتب ، يعني الزموا بيوتكم في الفتن كلزوم الحلس لظهر الدابة ، انتهى . وقال في المطالع في قوله تلبس شر أحلاسها أي دنيء ثيابها ، وأصله من الحلس وهو كساء أو لبد يجعل على ظهر البعير تحت القتب يلازمه . قال : ومنه يقال فلان حلس بيته أي ملازمه ، ونحن أحلاس الخيل أي الملازمون لظهورها . ومنه في إسلام عمر رضي الله عنه : ولحوقها بالقلاص وأحلاسها أي ركوبها إياها ، انتهى . وفي القاموس : الحلس بالكسر كساء على ظهر البعير تحت البردعة ويبسط في البيت تحت حر الثياب ، ويحرك ويجمع على أحلاس وحلوس وحلسة . قال وهو حلس بيته إذا لم يبرح مكانه ، انتهى . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لأصحابه : كونوا ينابيع الحكم ، مصابيح الحكمة سرج الليل جدد القلوب أحلاس البيوت ، خلقان الثياب ، تعرفون في السماء وتخفون على أهل الأرض ، كما في شرح الإسلام لشيخ الإسلام ابن تيمية : و ) هو أي لزوم البيت ( حرز الفتى ) أي حصن حصين . يقال حرز حريز أي منيع ( عن كل ) شخص ( غاو ) أي ضال من ذكر وأنثى يقال غوى يغوي غيا وغوى غواية ولا يكسر فهو غاو وغوي وغيان ( و ) عن كل ( مفسد ) لدينه ودنياه وقلبه وعقيدته ، يقال فسد كنصر وعقد وكرم فسادا وفسودا ضد صلح فهو فاسد .

مطلب : خير جليس المرء كتب تفيده علوما : وخير جليس المرء كتب تفيده علوما وآدابا كعقل مؤيد ( وخير جليس المرء ) العالم ( كتب ) جمع كتاب وإسناد الجلوس إليها مجاز ( تفيده ) بمطالعته فيها وإمعان نظره وسبره لها ( علوما ) جمع علم ، وحده صفة يميز المتصف بها بين الجواهر والأجسام والأعراض ، والواجب والممكن والممتنع تمييزا جازما مطابقا لا يحتمل النقيض ( و ) تفيده الكتب أيضا ( آدابا ) جمع أدب وهو الظرف وحسن التناول ، يقال أدب كحسن فهو أديب ( كعقل مؤيد ) أي كما تفيده الكتب أيضا بمطالعتها ولزوم التفهيم في معانيها عقلا . وفي نسخة وعقل مؤيد بإضافة العقل إلى مؤيد ، أي عقل رجل مؤيد من الله تعالى بالتوفيق والتسديد والتحقيق ، والإلهام والتدقيق ، والإصابة في الأمور ، ومجانبة المحظور .

مطلب : في بيان العقل . والعقل هو العلم بصفات الأشياء من حسنها وقبحها وكمالها ونقصانها ، أو العلم بخير الخيرين ، أو شر الشرين ، أو مطلق الأمور لقوة بها يكون التمييز بين القبيح والحسن ، والحق أنه نور روحاني به تدرك النفس العلوم الضرورية والنظرية ، وابتداء وجوده عند اجتنان الولد ، ثم لا يزال ينمو إلى أن يكمل عند البلوغ . قال في القاموس وقال في شرح مختصر التحرير : العقل ما يحصل به الميز ، وهو غريزة نصا ليس بمكتسب ، بل خلقه الله تعالى يفارق به الإنسان البهيمة ، ويستعد به لقبول العلم وتدبير الصنائع الفكرية ، فكأنه نور يقذف في القلب كالعلم الضروري . وقال الحسن بن علي البربهاري من أئمة أصحابنا : ليس بجوهر ولا عرض ولا اكتساب ، وإنما هو فضل من الله تعالى . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا يقتضي أنه القوة المدركة كما دل عليه كلام الإمام أحمد ، وهو بعض العلوم الضرورية عند أصحابنا والأكثر . وممن قال بذلك من غير أصحابنا أبو بكر بن الباقلاني وابن الصياغ وسليم الرازي فخرجت العلوم الكسبية ؛ لأن العاقل يتصف بكونه عاقلا مع انتقاء العلوم النظرية ، وإنما قالوا بعض العلوم الضرورية ؛ لأنه لو كان جميعها لوجب أن يكون الفاقد للعلم بالمدركات لعدم الإدراك المعلق عليها غير عاقل ، ومحل العقل القلب عند أصحابنا والشافعية والأطباء ، واستدلوا لذلك بقوله تعالى { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب } أي عقل ، فعبر بالقلب عن العقل لأنه محله ، وبقوله تعالى { أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها } وبقوله { لهم قلوب يعقلون بها } فجعل العقل في القلب . وقد تقدم أنه بعض العلوم الضرورية والعلوم الضرورية لا تكون إلا في القلب . نعم له اتصال بالدماغ كما قاله التميمي وغيره من أصحابنا وغيرهم . وقالت الحنفية والطوفي منا : هو في الدماغ . وقيل إن قلنا جوهر وإلا فهو في القلب . والمعتمد عندنا أنه يختلف كالمدرك به ؛ لأنا نشاهد قطعا آثار العقول في الآراء والحكم والحيل وغيرها متفاوتة ، وذلك يدل على تفاوت العقول في نفسها . وأجمع العقلاء على صحة قول القائل : فلان أعقل من فلان أو أكمل عقلا ، وذلك يدل على اختلاف ما يدرك به ، ولحديث أبي سعيد { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للنساء أليس شهادة إحداكن مثل شهادة نصف الرجل ؟ قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان عقلها } . وقال ابن عقيل والأشاعرة والمعتزلة : العقل لا يختلف ؛ لأنه حجة عامة يرجع إليها الناس عند اختلافهم ، ولو تفاوتت العقول لما كان كذلك ، انتهى والحق الأول ، والله أعلم . فإن قلت : قد ذكرت أن العقل غير مكتسب ، فما وجه قول الناظم أنه يستفاد من مطالعة كتب العلم ؟ قلت : العقل عقلان ، غريزي وهذا هو الذي لا يزيد ولا يختلف ، والثاني تجريبي يختلف ويزيد وينقص بحسب كثرة الممارسة والتجربة ، وهذا ظاهر والله أعلم . وقد نص عليه الطوفي منا وذكره في شرح التحرير ومختصره ، وقاله الماوردي من الشافعية وغيرهم والله أعلم . وقول الناظم مؤيد . النسخ التي رأيتها بالباء الموحدة أي الدائم المستمر ، والصواب أنه بالياء المثناة تحت من أيدته تأييدا قويته تقوية . قال الإمام المحقق ابن القيم روح الله روحه في كتابه الكلم الطيب والعمل الصالح سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول : إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة ، يعني الكتب . قال وقال لي مرة : ما يصنع أعدائي بي أنا جنتي وبستاني في صدري أين رحت فهي معي لا تفارقني ، أنا حبسي خلوة ، وقتلي شهادة ، وإخراجي من بلدي سياحة . وقال لي مرة : المحبوس من حبس قلبه عن ربه ، والمأسور من أسره هواه . قال وعلم الله ما رأيت أحدا أطيب عيشا منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاق الرفاهية والنعيم بل ضدها مع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرجاف وهو مع ذلك أطيب الناس عيشا وأشرحهم صدرا ، وأقواهم قلبا وأسرهم نفسا تلوح نضرة النعيم على وجهه قال : وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله ، وينقلب انشراحا وقوة ويقينا وطمأنينة ، فسبحان من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فأتاه من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها .

مطلب : في مدح الخلوة . وقد أكثر الناس من مدح الخلوة وكف رجل لرجل عن الاختلاط بالناس نثرا ونظما . قال بعضهم : أنست بوحدتي ولزمت بيتي فدام الأنس لي ونما السرور وأدبني الزمان فلا أبالي هجرت فلا أزار ولا أزور ولست بسائل ما دمت حيا أسار الجيش أم ركب الأمير وقال غيره : اعكف على الكتب وادرس تؤتى فخار النبوة فالله قال ليحيى خذ الكتاب بقوة وقال آخر : رأيت الانقباض أجل شيء وأدعى في الأمور إلى السلامة فهذا الخلق سالمهم ودعهم فخلطتهم تقود إلى الملامة ولا تعبأ بشيء غير شيء يقود إلى خلاصك في القيامة وقال شيخ مشايخنا الشيخ عبد الباقي الحنبلي : دخل رجل على أبي العباس ثعلب وهو ينظر في الكتب فقال له إلى متى هذا ؟ فأنشد في الحال : إن صحبنا الملوك تاهوا وعقوا واستخفوا جهلا بحق الجليس أو صحبنا التجار صرنا إلى البؤس وأشغلونا كما هم بضبط الفلوس فلزمنا البيوت نستكثر الخير ونملي من الفضل بطون الطروس لو تركنا وذاك كنا ظفرنا كل أعمارنا بعلق نفيس غير أن الزمان بث بنيه فهم حسدونا على حياة النفوس ومن نظم الفقير على ظهر كتاب الملح الغرامية في شرح منظومة ابن فرح اللامية شعر : روح النفس في معان رقيقه ونكات من الغرام رشيقه وامح عن قلبك الهموم بنظم كل من حازه أثار رحيقه واغتذي بالفنون عن كل لهو يغتدى بالنهي لغير حقيقه واكتفي بالبيان عن ظل بان وعن الغيد بالعلوم الدقيقه واصحب السفر حيث كنت رفيقا فاز من سفره يكون رفيقه فهي عنوان عقل من يصحبها عروة في المعاد تدعى وثيقه وعلى كل حال من أفضل كل جليس ، مجالستك لكتاب أنيس . والله الموفق .

ولما كان لا يستغني كل إنسان عن مخالطة أبناء الزمان ، إذ الإنسان مدني بالطبع ومفتقر لأبناء جنسه بالوضع ، بين لك الناظم من تخالط مع استعمال الحمية عن التخليط ، واستصحاب اليقظة من التخبيط ، والتحرز من التفريط . فقال : مطلب : في مخالطة أهل التقى والتعبد وفيه بيان معنى التوفيق : وخالط إذا خالطت كل موفق من العلما أهل التقى والتعبد ( وخالط ) أيها الأخ المسترشد والمستغيث المستنجد ( إذا خالطت ) أحدا من أبناء زمانك ، وعاشرت شخصا من إخوانك وأخدانك ، ولم تقدر على استدامة العزلة ، أو احتجت لإصلاح بعض أمور دينك على يد إمام راسخ رحله ( كل ) مفعول خالط ( موفق ) لطرق الخيرات ، مهتد لسبل السعادات ، مسدد في الحركات والسكنات ، غير مخذول ولا مفرط ، ولا جهول ولا مخلط ، والتوفيق مصدر وفق يوفق . قال الإمام المحقق ابن القيم في شرح منازل السائرين : التوفيق إرادة الله من نفسه أن يفعل بعبده ما يصلح به العبد بأن يجعله قادرا على فعل ما يرضيه مريدا له محبا له مؤثرا له على غيره ، ويبغض إليه ما يسخطه ويكرهه ، وهذا مجرد فعله تعالى والعبد محله . قال وفسرت القدرية التوفيق بأنه خلق الطاعة ، والخذلان خلق المعصية ، انتهى . وقالت المعتزلة : التوفيق خلق لطيف يعلم الرب تعالى أن العبد يؤمن عنده ، والخذلان محمول على امتناع اللطف . حكاه أبو المعالي في الإرشاد . وقال القاضي علاء الدين المرداوي في شرح التحرير : وفق أي سهل طريق الخير والطاعة ، والموفق اسم فاعل هو صفة من صفات الله تعالى ، سمي به ؛ لأنه يوفق العباد أي يرشدهم ويهديهم إلى طاعته ، مأخوذ من الوفق والموافقة وهي التحام بين الشيئين . وقال البغوي : التوفيق من الله خلق قدرة الطاعة وتسهيل سبيل الخير ، وعكسه الخذلان .

مطلب : مقام العبودية أشرف المقامات . فأرشد الناظم رحمه الله تعالى أن الإنسان إذا خالط فلتكن خلطته لموفق من الله سبحانه لما فيه سعادته ونجاته ، وأن يكون ذلك الموفق ( من العلما ) جمع عالم وهو المتصف بالعلوم الشرعية وقصره لضرورة الوزن ، وذلك لأجل استفادته معرفة الأحكام ، من الحلال والحرام ، وإصلاح دينه ، ورسوخه وتمكينه ( أهل التقى ) صفة لازمة أو كاللازمة للعلماء ( و ) أهل ( التعبد ) والخضوع ، والذل والخشوع ، ورفع الأيدي وسفح الدموع بين يدي عالم السر والنجوى ، وكاشف الضر والبلوى . وهذه من صفات علماء الآخرة الذين علومهم زاخرة ، ونفوسهم طاهرة ، ومقام العبودية اختاره المصطفى صلى الله عليه وسلم لنفسه على مقام الملك وهو مقام عظيم ، وصف الله سبحانه نبيه به في أشرف مقاماته كمقام التنزيل في قوله { الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب } ومقام الدعوة في قوله { وأنه لما قام عبد الله يدعوه } وفي مقام التحدي في قوله { وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله } . وفي مقام الإسراء في قوله { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى } . { وقام بين يديه صلى الله عليه وسلم رجل يوم الفتح فارتعد فقال له هون عليك إني لست بملك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد } . وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال { لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم ، فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله } . وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { جلس جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى السماء فإذا ملك مهول ، فقال جبريل إن هذا الملك ما نزل منذ يوم خلق قبل الساعة ، فلما نزل قال يا محمد أرسلنا إليك ربك أملكا نبيا يجعلك أم عبدا رسولا ؟ قال جبريل : فتواضع لربك يا محمد ، قال بل عبدا رسولا } . ومن مراسيل يحيى بن أبي كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { آكل كما يأكل العبد ، وأجلس كما يجلس العبد ، فإنما أنا عبد } خرجه ابن سعد في طبقاته . وخرج أيضا من رواية أبي معشر عن المقبري عن عائشة رضي الله عنها { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال أتاني ملك فقال إن ربك يقرأ عليك السلام ويقول لك : إن شئت نبيا ملكا ، وإن شئت نبيا عبدا فأشار إلي جبريل عليه السلام ضع نفسك فقلت نبيا عبدا . قالت فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك لا يأكل متكئا ويقول : آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد } . قلت : ورواه النسائي عن ابن عباس رضي الله عنه ما ولفظه { أن الله تبارك وتعالى أرسل إلى نبيه صلى الله عليه وسلم ملكا من الملائكة ومعه جبريل ، فقال الملك إن الله تبارك وتعالى يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا وبين أن تكون ملكا ، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستشير ، فأشار جبريل بيده أن تواضع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا بل أكون عبدا نبيا . فما أكل بعد تلك الكلمة طعاما متكئا } . ومن مراسيل الزهري قال { بلغنا أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم ملك لم يأته قبلها ومعه جبريل ، فقال الملك وجبريل صامت إن ربك يخيرك بين أن تكون نبيا ملكا أو نبيا عبدا ، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى جبريل كالمستأمر ، فأشار إليه أن تواضع ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بل نبيا عبدا } قال الزهري : فزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكل منذ قالها متكئا . وتقدم بعض ذلك في آداب الأكل والكلام عليه بما فيه غنية . وما رواه الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها وقولها له { يا نبي الله لو أكلت وأنت متكئ كان أهون عليك ، فأصغى بجبهته إلى الأرض حتى كاد يمس بها الأرض وقال بل آكل كما يأكل العبد وأنا جالس كما يجلس العبد فإنما أنا عبد } . قال بعض العارفين : من ادعى العبودية وله مراد باق فهو كاذب في دعواه ، إنما تصح العبودية لمن أفنى مراداته وقام بمراد سيده يكون اسمه ما يسمى به ونعته ما حلي به ، إذا دعي باسمه أجاب عن العبودية ، فلا اسم له ولا رسم ولا يجيب إلا لمن يدعوه بعبودية سيده ، وأنشأ يقول : يا عمرو ثاري عند زهراء يعرفه السامع والرائي لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أصدق أسمائي وقال آخر : مالي وللفقر إلى عاجز مثلي لا يملك إغنائي وإنما يحسن فقري إلى مالك إسعادي وإشقائي أتيه عجبا بانتمائي إلى أبوابه إذ قلت مولائي لا تدعني إلا بيا عبده فإنه أشرف أسمائي وما أحسن قول القاضي عياض في مثل هذا : ومما زادني عجبا وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا ( تنبيهان ) : ( الأول ) : رأيت في بعض نسخ القصيدة من العلماء أهل التقى والتسدد بدل التعبد ، ومعناه كما مر سابقا التقويم والإصابة ، يقال سدده تسديدا قومه ووفقه للسداد أي الصواب من القول والعمل ، وأما سداد القارورة والثغر فبالكسر فقط والله أعلم .

مطلب : في بيان الممدوح من العزلة والمخالطة . ( الثاني ) : الممدوح من العزلة اعتزال ما يؤذي ، ومن الخلطة ما ينفع ، فلا ينبغي أن تقطع العزلة عن العلم والجماعات ومجالس الذكر والاحتراف للعائلة . وقد قال شعيب بن حرب : الناس ثلاثة : رجل تعلمه فيقبل منك ، ورجل تتعلم منه ، واهرب من الثالث . وكان الثوري يقول : أقلل من معرفة الناس . وقال ابن أدهم : لا تتعرف إلى من لا تعرف ، وأنكر من تعرف . وأنشد بعضهم في ذلك : إني نظرت إلى الزمان وأهله نظرا كفاني فعرفته وعرفتهم وعرفت عزي من هواني فحملت نفسي بالقناعة عنهم وعن الزمان وتركتها بعفافها والزهد في أعلى مكاني فلذاك أجتنب الصديق فلا أراه ولا يراني فتعجبوا لمغالب وهب الأقاصي للأداني وانسل من بين الزحام فما له في الخلق ثاني

مطلب : الناس في العزلة والاختلاط على ضربين : قال الإمام الحافظ ابن الجوزي : وفصل الخطاب في العزلة والاختلاط أن الناس على ضربين : عالم وعابد ، فالعالم لا ينبغي له أن ينقطع عن نفع الناس ، فإنه خلف الأنبياء ، وليعلم أن هداية الخلق أفضل من كل عبادة . وفي الصحيحين { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي رضي الله عنه لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم } . قال : فمتى جاء الشيطان فحسن للعالم الانقطاع عن الخلق جملة فذاك خديعة منه ، بل ينبغي للعالم أن يعتزل شر ما يؤذي ويبرز لمن يستفيد ، فظهوره أفضل من اختفائه . والعابد إن كان عابدا لا ينافس في هذا ، فإن من القوم من شغلته العبادة ، كما روي أن الحسن رأى رجلا متعبدا فأتاه فقال يا عبد الله ما منعك من مجالسة الناس ؟ فقال ما أشغلني عن الناس . قال فما منعك أن تأتي الحسن ؟ قال ما أشغلني عن الحسن . قال فما الذي أشغلك ؟ قال إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة فرأيت أن أشغل نفسي به بالاستغفار للذنب والشكر لله على النعمة ، فقال له : أنت عندي أفقه من الحسن . ومن القوم من غلبت عليه محبة الحي القيوم فلا يحصل له أنس ولا طيب عيش إلا بانفراده بربه ، فمثل هؤلاء عزلتهم أصلح لهم . نعم لا ينبغي أن تشغلهم العزلة عن الجماعات ومجالسة العلماء ، فإن منعتهم كانت غير محمودة . وعلى كل حال العزلة حمية وسلم للسلامة ، ولكن لا بد من معرفة الأحكام ليعبد الله على علم . ولله در الحميدي حيث يقول : لقاء الناس ليس يفيد شيئا سوى الهذيان من قيل وقال فأقلل من لقاء الناس إلا لأخذ العلم أو إصلاح حال وقال الحافظ السيوطي : إني عزمت وما عزمي بمنجزم ما لم تساعده ألطاف من الباري أن لا أصاحب إلا من خبرتهم دهرا مديدا وأزمانا بأسفار ولا أجالس إلا عالما فطنا أو صالحا أو صديقا لا بإكثار ولا أسائل شخصا حاجة أبدا إلا استعارة أجزاء وأسفار ولست أحدث فعلا غير مفترض أو مستحب ولم يدخل بإنكار ما لم أقم مستخير الله متكلا وتابعا ما أتى فيها بآثار فالعاقل إنما يخالط الأفاضل والأماثل من أهل التعبد والعلم والتسدد والحلم .


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, العزلة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:05 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir