دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > السلوك والآداب الشرعية > متون الآداب الشرعية > منظومة الآداب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 01:49 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي آداب النكاح [3]


224- عَلَيْك بِذَاتِ الدِّينِ: تَظْفَرُ بِالْمُنَى = الْوَدُودَ الْوَلُودِ الأَصْلِ، ذَاتِ التَّعَبُّدِ
225- حَسِيْبَةُ أَصْلٍ مِنْ كِرَامٍ، تَفُزْ إِذًا = بِوُلْدٍ كِرَامٍ، وَالْبَكَارَةَ فَاقْصُدِ
226- وَوَاحِدَةٌ أَدْنَى مِنْ الْعَدْلِ فَاقْتَنِعْ = وَإِنْ شِئْتَ فَابْلُغْ: أَرْبَعًا لاَ تُزَيِّدِ
227- وَمَنْ عَفَّ تَقْوَى عَنْ مَحَارِمِ غَيْرِهِ: = يَعِفَّ أَهْلُهُ حَقًّا، وَإِنْ يَزْنِ يُفْسَدِ

  #2  
قديم 7 محرم 1430هـ/3-01-2009م, 02:02 AM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي غذاء الألباب شرح منظومة الآداب / السفاريني


ثم أرشد الناظم إلى الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على نكاح ذات الدين الولود الودود فقال : مطلب : ينبغي للرجل أن يختار ذات الدين الودود الولود الحسيبة : عليك بذات الدين تظفر بالمنى ال ودود الولود الأصل ذات التعبد ( عليك ) أي الزم أيها الأخ المريد النكاح ( ب ) نكاح ( ذات ) أي صاحبة ( الدين ) أي الدينة من بيت دين وأمانة وعفة وصيانة ، إذ الديانة تقتضي ذلك كله ، فإن فعلت ( تظفر ) أي تفوز ( بالمنى ) أي المطلوب وتستريح من الهم والعناء . أخرج الإمام أحمد بإسناد صحيح والبزاز وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { تنكح المرأة على إحدى خصال : لجمالها ومالها وخلقها ودينها فعليك بذات الدين والخلق تربت يمينك } . وفي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تنكح المرأة لأربع : لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك } . قال الحافظ المنذري : قوله " تربت " كلمة معناها الحث والتحريض ، وقيل هي هنا دعاء عليه بالفقر ، وقيل بكثرة المال ، واللفظ مشترك بينهما قابل لكل منهما . قال والآخر هنا أظهر ومعناه اظفر بذات الدين ولا تلتفت إلى المال أكثر الله مالك . وروي الأول عن الزهري وأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قال له ذلك ؛ لأنه رأى الفقر خيرا له من الغنى ، والله أعلم بمراد نبيه صلى الله عليه وسلم انتهى . وقال في المطالع : قوله صلى الله عليه وسلم { تربت يداك } قال مالك : خسرت يداك . وقال ابن بكير وغيره : استغنت ، وأنكره أهل اللغة أي لا يقال في الغنى إلا أترب . وقال الداودي : إنما هو تربت أي استغنيت ، وهي لغة للقبط جرت على ألسنة العرب ، وهي تردها الرواية الصحيحة ومعروف كلام العرب وقيل معناه ضعف عقلك أتجهل هذا ؟ وقيل افتقرت يداك من العلم . وقيل هو حض على تعلم مثل . وقيل معناه لله درك . وقيل امتلأت ترابا . وقيل تربت أصابها التراب ، ومنه ترب جبينك وأصله القتيل يقتل فيقع على جبينه فيتترب ثم استعمل استعمال هذه الألفاظ . قال : والأصح فيه وفي مثله من هذه الألفاظ أنه دعاء يدعم به الكلام ويوصل تهويلا للخبر ، مثل انج لا أبا لك ، وثكلته أمه ، وهوت أمه ، وويل أمه ، وحلقى عقرى ، وأل وعل ، لا يراد وقوع شيء من ذلك ، وأن أصله الدعاء ، لكنهم قد أخرجوه عن أصله إلى التأكيد زيادة ، وإلى التعجب والاستحسان تارة ، وإلى الإنكار والتعظيم أخرى . انتهى والله أعلم . فعلى العاقل إذا أراد أن يتزوج أن يرغب في الدين فإنه المعتمد والعمود ، وهو الغاية والمقصود . ويحكى أن نوح بن مريم قاضي مرو أراد أن يزوج ابنه ، فشاور جارا له مجوسيا ، فقال : الناس يستفتونك وأنت تستفتيني ، قال لا بد أن تشير علي . فقال إن رئيسنا كسرى كان يختار المال ، ورئيس النصارى قيصر كان يختار الجمال ، وجاهلية العرب كانت تختار الحسب والنسب ، ورئيسكم محمدا كان يختار الدين ، فانظر أنت بأيهم تقتدي . ثم وصف الناظم ذات الدين المرغوب في نكاحها بأوصاف زائدة على كونها دينة فقال ( الودود ) بالنصب على المفعولية وبالرفع على أنه خبر لمبتدأ محذوف ، وهو من الأوصاف التي يستوي فيه المذكر والمؤنث ؛ لأنه فعول بمعنى فاعل وكذا ولود كصبور بمعنى صابر أي وادة لزوجها بمعنى أنها تحبه ( الولود الأصل ) أي التي من أصل ذوات أولاد يعني أمهاتها ذوات أولاد ، لما روى أبو داود والنسائي والحاكم وقال صحيح الإسناد عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال { جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها ؟ فنهاه . ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك ، ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم } . فدل على أن نساءها كثيرات الأولاد ، لأن فعول من صيغ المبالغة ( ذات ) أي صاحبة ( التعبد ) أي العبادة الكثيرة من القيام والصيام والذكر والتأله ، فإن المقصود من الخلق العبادة بشهادة قوله تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . حسيبة أصل من كرام تفز إذا بولد كرام والبكارة فاقصد ( حسيبة أصل ) الحسب ما تعده من مفاخر آبائك ، أو الكرم أو الشرف في الفعل أو الفعال الصالحة ، أو الشرف الثابت في الآباء . وبعضهم قال : الحسب والكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء ، والشرف والمجد لا يكونان إلا بهم . وفي المطالع : حسب الرجل آباؤه الكرام الذين تعد مناقبهم وتحسب عند المفاخر ، انتهى . وفي المطلع : الحسيبة هي النسيبة . وأصل الحسب الشرف بالآباء وما يعده الإنسان من مفاخرهم ، يعني أنها تكون حسيبة من جهة أصلها . فإن قلت : قد علمنا أن الحسيبة كذلك فما فائدة زيادة أصل ؟ فالجواب أنها حشو للوزن أو لزيادة التنصيص ، فإن ذلك طافح في الكلام الفصيح . ويحتمل وهو الأظهر أنه إنما زادها احترازا من توهم إرادة المال والدين . قال في القاموس : الحسب ما تعده من مفاخر آبائك أو المال أو الدين ، فصرح بأن هذه المرأة حسيبة من جهة الأصل ، وأما الدين فقد ذكره سابقا والله أعلم . ثم زاد ذلك بيانا بقوله متولدة وناشئة ( من ) قوم ( كرام ) غير لئام . قال في القاموس : الكرم محركة ضد اللؤم ، يقال كرم بضم الراء كرامة وكرما وكرمة محركتين فهو كريم وكريمة والجمع كرماء وكرام وكرائم انتهى . وفي أسمائه تعالى الكريم . قال في النهاية : هو الجواد المعطي الذي لا ينفذ عطاؤه وهو الكريم المطلق . قال والكريم الجامع لأنواع الخير والشرف والفضائل ، ومنه حديث { إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم } لأنه اجتمع له شرف النبوة والعلم والجمال والعفة وكرم الأخلاق والعدل ورياسة الدنيا والدين ، فهو نبي ابن نبي ابن نبي ابن نبي رابع أربعة في النبوة .

مطلب : في بيان الفرق بين الشح والبخل : وقال الإمام المحقق في كتابه الكلم الطيب والعمل الصالح في الكلام على السخاء والشح : الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله ، وجشع النفس عليه . والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه ، فهو شحيح قبل حصوله ، بخيل بعد حصوله . فالبخل ثمرة الشح ، والشح يدعو إلى البخل ، والشح كامن في النفس ، فمن بخل فقد أطاع شحه ، ومن لم يبخل فقد عصى شحه ووقي شره وذلك هو المفلح { ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون } والسخي قريب من الله ومن خلقه ومن أهله ، وقريب من الجنة وبعيد من النار . والبخيل بعيد من الله بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار . فجود الرجل يحببه إلى أضداده ، وبخله يبغضه إلى أولاده ، وأنشد : ويظهر عيب المرء في الناس بخله ويستره عنهم جميعا سخاؤه تغط بأثواب السخاء فإنني أرى كل عيب والسخاء غطاؤه قال : وحد السخاء بذل ما يحتاج إليه عند الحاجة ، وأن يوصل ذلك إلى مستحقه بقدر الطاقة . وليس كما قال بعض من نقص علمه : حد الجود بذل الموجود ، ولو كان كما قال لارتفع اسم السرف والتبذير ، وقد ورد الكتاب بذمهما وجاءت السنة بالنهي عنهما . قال : وإذا كان السخاء محمودا فمن وقف على حده سمي كريما وكان للحمد مستوجبا ، ومن قصر عنه كان بخيلا وللذم مستوجبا . قال وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - يقول : { إن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم أتدري لم اتخذتك خليلا ؟ قال لا ، قال : لأني رأيت العطاء أحب إليك من الأخذ } . قال وهذه صفة من صفات الرب جل جلاله ، فإنه يعطي ولا يأخذ ، ويطعم ولا يطعم ، وهو أجود الأجودين ، وأكرم الأكرمين ، وأحب الخلق إليه من اتصف بصفاته ، فإنه كريم يحب الكريم من عباده ، وعالم يحب العلماء ، وقادر يحب الشجعان ، وجميل يحب الجمال ، انتهى . .

ثم قال رحمه الملك المتعال : مطلب : الاقتصار على زوجة واحدة أقرب للعدل : وواحدة أدنى من العدل فاقتنع وإن شئت فابلغ أربعا لا تزيد ( و ) زوجة ( واحدة أدنى ) أي أقرب ( من العدل ) الذي هو ضد الجور والميل بشهادة قوله تعالى { لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة } ( فاقتنع ) بواحدة تسلم من ديجور الجور ، يقال قنع يقنع قنوعا وقناعة بالكسر إذا رضي ، وقنع بالفتح يقنع قنوعا إذا سأل . ومن الأول : القناعة كنز لا يفنى . قال في النهاية : لأن الإنفاق منها لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي . وفي الحديث { عز من قنع وذل من طمع } لأن القانع لا يذله الطلب فلا يزال عزيزا ( وإن شئت ) الزيادة عن الواحدة ( فابلغ ) في زيادتك ( أربعا ) من النساء الحرائر إن كنت حرا ، فإن ذلك نهاية جمع الحر . لا تزيد ) لا ناهية وتزيد بتشديد الياء المثناة تحت مجزوم بها وكسر للقافية . فليس للحر أن يزيد على أربع نسوة إلا بملك اليمين فله أن يتسرى بما شاء من الإماء ولو كتابيات من غير حصر . وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتزوج بأي عدد شاء ونسخ تحريم المنع . وليس للعبد أن يجمع أكثر من اثنتين ، وليس له التسري ولو أذن له سيده . ولمن نصفه حر فأكثر نكاح ثلاثة نصا . قال في الإقناع : ويستحب أن لا يزيد على واحدة إن حصل بها الإعفاف ، وكل هذا لقوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع ، فإن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى أن لا تعولوا } . قال المفسرون : أقرب من أن لا تميلوا . يقال عال الميزان إذا مال ، وعال الحكم إذا جار ، وعول الفريضة الميل عن حد السهام المسماة . وفسر بأن لا يكثر عيالكم ، والأول أولى لأن كثرة النساء مظنة الميل عن حد الاستقامة والجور في القسم بينهن وعدم السلامة . وأخرج الترمذي وتكلم فيه والحاكم وصححه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط } ورواه أبو داود ولفظه { من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل } . والنسائي ولفظه { من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل } . ورواه ابن ماجه وابن حبان في صحيحه بنحو رواية النسائي هذه إلا أنهما قالا { جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط } وأخرج أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي روي مرسلا وهو أصح عن عائشة رضي الله عنها قالت { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك يعني القلب } . وروى مسلم وغيره عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين ، الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا } والله الموفق . " تتمة " كان الناس في الصدر الأول لهم شأن غير شأن أهل هذا الزمان ، فقد كان لداود عليه السلام مائة امرأة ، ولولده سليمان عليه السلام ألف امرأة ، وكان لنبينا صلى الله عليه وسلم عدة من النساء ، ومات عن تسعة وسريتين ، وكان لأمير المؤمنين بعد وفاة سيدة نساء العالمين ، وبضعة خاتم المرسلين أربع حرائر وسبع عشرة سرية ، وتزوج ابنه الحسن بنحو من أربعمائة امرأة ، فكانوا قد أيدوا بالقوة وهن بالصبر بخلاف عصرنا لكل زمان دولة ورجال .

مطلب : النكاح مأمور به شرعا مستحسن وضعا وطبعا ويعتريه أحكام أربعة . ( تنبيهات ) : ( الأول ) : النكاح مأمور به شرعا ، مستحسن وضعا وطبعا ، فإن به بقاء النسل ، وعمار الدنيا ، وعبادة الله ، والقيام بالأحكام ، وذكر الله من الصلاة والزكاة والحج والتوحيد والصيام . وقد أمر الله جل شأنه به في كتابه القديم ، وحض عليه رسوله الكريم . قال في محكم كتابه العظيم : { وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم } . ثم إنه من حيث هو يعتريه من الأحكام الخمسة أربعة ، فيسن لذي شهوة ولا يخاف الزنا ولو فقيرا ، واشتغاله به أفضل من التخلي لنوافل العبادة ، ويباح لمن لا شهوة له ، ويجب على من يخاف الزنا من رجل وامرأة علما أو ظنا ، ويقدم حينئذ على حج واجب ، نص عليه الإمام أحمد رضي الله عنه ، ولا يكتفي في الوجوب بمرة واحدة ، بل يكون في مجموع العمر ، ولا يكتفي بالعقد فقط ، بل يجب الاستمتاع ، ويجزي التسري عنه ، ويجب بالنذر ، ويحرم بدار حرب إلا لضرورة ، فإن كانت لم يحرم . ويعزل وجوبا إن حرم وإلا استحبابا . اللهم إلا أن تكون آيسة أو صغيرة فلا حرمة . وقيل إن النكاح لغير ذي شهوة مكروه لمنع من يتزوجها من التحصين بغيره ، وإضرارها بحبسها على نفسه ، وتعريض نفسه لواجبات وحقوق لعله لا يقوم بجميعها ، ويشتغل عن العلم والعبادة بما لا فائدة فيه . فإن قلت : قد تقدم في كلام الناظم أنه لا ينكح مع الفقر إلا لضرورة . وهنا ذكرت أنه يسن لذي شهوة ولو فقيرا حيث لم يخف الزنا . فالجواب كلام الناظم مبني على مرجوح . قال في الفروع : والمنصوص حتى لفقير . وجزم في النظم لا يتزوج فقير إلا ضرورة . وكذا قيدها ابن رزين بالموسر والمذهب ما ذكرنا نقل صالح عن الإمام يقترض ويتزوج . واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلم { كان يصبح وما عندهم شيء ويمسي وما عندهم شيء } ؛ ولأنه صلى الله عليه وسلم { زوج رجلا لم يقدر على خاتم من حديد ولا وجد إلا إزاره ولم يكن له رداء } أخرجه البخاري . قال شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا فيه نزاع في مذهب الإمام أحمد وغيره ، انتهى . وفي الشرح الكبير : هذا في حق من يمكنه التزويج فأما من لم يمكنه فقد قال تعالى : { وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله } انتهى . وأقول مستمدا من الله التوفيق والحول : ينبغي أن يفصل بين الفقير الذي لا يجد ما ينفق وليس بذي كسب وهو مع ذلك ليس بذي شهوة . فيقال يكره النكاح في حقه لعدم قدرته على مؤن النكاح . وعدم تحصين زوجته . وعدم حاجته إليه . فحينئذ تكمل الأحكام الخمس . ثم رأيت ابن قندس في حواشي الفروع ذكرها رواية عن الإمام أحمد فلله الحمد على الموافقة والله الموفق . وقد جاءت الأخبار ، وصحت الآثار عن النبي المختار والصحابة الأخيار ، والتابعين الأبرار والمجتهدين الأحبار - بالحث على النكاح والترغيب فيه . وقد مضى عدة أحاديث ناطقة بما نحن فيه . وروى ابن ماجه عن أنس مرفوعا : { من أراد أن يلقى الله طاهرا مطهرا فليتزوج الحرائر } وذكره ابن الجوزي في الموضوعات عن أنس وعلي وابن عباس رضي الله عنهم . وتعقبه السيوطي بأنه أخرجه ابن ماجه ولم يزد على ذلك والترمذي وحسنه عن أبي أيوب مرفوعا { أربع من سنن المرسلين : الحناء والتعطر والسواك والنكاح } وتقدم الكلام على لفظة الحناء . وأنه روي بالياء الحياء . وإن ابن القيم قال هو الختان والله أعلم . وروى الترمذي أيضا وقال حسن صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : { ثلاثة حق على الله عونهم : المجاهد في سبيل الله ، والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي يريد العفاف } ورواه ابن حبان والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم وأخرج الطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال : { من كان موسرا لأن ينكح ثم لم ينكح فليس مني } وتقدم . وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال : { جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها . فقالوا : وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، قال أحدهم : أما أنا فإني أصلي الليل أبدا ، وقال آخر : أنا أصوم الدهر ولا أفطر ، وقال آخر : وأنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم فقال : أنتم القوم الذين قلتم كذا وكذا . أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء ، فمن رغب عن سنتي فليس مني } . وروى البيهقي في السنن عن أبي أمامة مرفوعا : { تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى } قال بعض شراح الجامع الصغير : إسناده ضعيف وكذا قاله في تسهيل السبيل وقال ابن مسعود رضي الله عنه : لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت في آخرها يوما لي فيهن طول النكاح لتزوجت مخافة الفتنة . وقال ابن عباس رضي الله عنهما لسعيد بن جبير رحمه الله تعالى : تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء . وفي كتاب روضة المحبين ونزهة المشتاقين عن المروزي قال أبو عبد الله يعني الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه : ليست العزوبية من أمر الإسلام في شيء النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أربعة عشرة ومات عن تسع . ولو تزوج بشر بن الحارث تم أمره ولو ترك الناس النكاح لم يكن غزو ولا حج ولا كذا ولا كذا . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح وما عندهم شيء ومات عن تسع ، وكان يختار النكاح ويحث عليه ، وينهى عن التبتل ، فمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو على غير الحق ويعقوب في حزنه قد تزوج . والنبي صلى الله عليه وسلم قال : { حبب إلي النساء } . قال المروزي : قلت له فإن إبراهيم بن أدهم يحكى عنه أنه قال يا لوعة صاحب العيال - فما قدرت أن أتم الحديث - حتى صاح بي وقال وقعت في بنيات الطريق ، أنظر ما كان عليه محمد رسول الله وأصحابه ، ثم قال فبكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب منه الخبز أفضل من كذا وكذا أين يلحق المتعبد والعزب ؟ انتهى .

مطلب : في ذم العزوبية وأن الزواج من أسباب الرزق . ( الثاني ) : في ذم العزوبية ، وقد فهم مما ذكرنا ذمها ، وقول الإمام أحمد رضي الله عنه : ليست العزوبية من أمر الإسلام في شيء . وأخرج الإمام أحمد عن أبي ذر بسند رمز السيوطي في الجامع الصغير لحسنه وأبو يعلى في مسنده عن عطية بن بشر مرفوعا { شراركم عزابكم وأرذل موتاكم عزابكم } . وأخرج أبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عدي عن أبي هريرة مرفوعا { شراركم عزابكم } . وابن عدي عنه مرفوعا { شراركم عزابكم . ركعتان من متأهل خير من سبعين ركعة من غير متأهل } وقد نظم ذلك ابن العماد فقال : شراركم عزابكم جاء الخبر أراذل الأموات عزاب البشر وقد أورده الإمام الحافظ ابن الجوزي في الموضوعات من حديث أبي هريرة وحكم عليه بالوضع وأعله بخالد بن إسماعيل قال وله طريق ثان فيه يوسف بن السفر متروك . قال الحافظ السيوطي : قلت ورد بهذا اللفظ من حديث أبي ذر أخرجه الإمام أحمد في مسنده بسند رجاله ثقات ومن حديث عطية بن بشر المازني أخرجه أبو يعلى والطبراني والبيهقي في الشعب . ( الثالث ) : ورد في الأخبار أن الزواج من أسباب الرزق . فروى الخطيب في تاريخه عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا { تزوجوا النساء فإنهن يأتين بالمال } ورواه البزار عنها مرفوعا أيضا . ورواه أبو داود في مراسيله عن عروة مرسلا وروى البزار ورواته محتج بهم في الصحيح إلا طارق بن عمار ففيه كلام قريب ولم يترك . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن المعونة من الله على قدر المئونة ، وإن الصبر يأتي من الله على قدر البلاء } قال الحافظ المنذري حديث غريب . قلت : ورواه الحكيم الترمذي والحاكم في الكنى والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة أيضا رضي الله عنه والله أعلم .

مطلب : في فضل النفقة على الزوجات والعيال ولا سيما البنات . ( الرابع ) : تظافرت الأخبار في فضل النفقة على الزوجات والعيال لا سيما البنات ، فمن ذلك ما رواه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا { دينار أنفقته في سبيل الله ، ودينار أنفقته في رقبة ، ودينار تصدقت به على مسكين ، ودينار أنفقته على أهلك ، أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك } . وفي مسلم والترمذي عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرفوعا { أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله ، ودينار ينفقه على دابته في سبيل الله ، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله } قال أبو قلابة : بدأ بالعيال . ثم قال أبو قلابة : وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار يعفهم الله أو ينفعهم الله به ويغنيهم . وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك } أي في فمها . وفيهما عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { إذا أنفق الرجل على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة } . وروى الإمام أحمد بإسناد جيد عن المقدام بن معدي كرب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ، وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة ، وما أطعمت زوجتك فهو لك صدقة ، وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة } . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا } . وفي صحيح ابن حبان عن أنس مرفوعا { إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع } زاد في رواية { حتى يسأل الرجل عن أهل بيته } . وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها { قالت دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسأل فلم تجد عندي شيئا غير تمرة واحدة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتها ولم تأكل منها ثم قامت فخرجت ، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته فقال من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار } ورواه الترمذي بلفظ " من ابتلي بشيء من البنات فصبر عليهن كن له حجابا من النار " . وفي مسلم عنها رضي الله عنها قالت { جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار } . وفيه عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا ، وهو وضم أصابعه } . ورواه الترمذي بلفظ { من عال جاريتين دخلت أنا وهو الجنة كهاتين ، وأشار بأصبعيه } وابن حبان في صحيحه ولفظه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من عال ابنتين أو ثلاثا ، أو أختين أو ثلاثا ، حتى يبن أو يموت عنهن ، كنت أنا وهو في الجنة كهاتين ، وأشار بأصبعيه السبابة والتي تليها } . وروى الإمام أحمد والطبراني عن المطلب بن عبد الله المخزومي قال { دخلت على أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت يا بني ألا أحدثك بما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت بلى يا أمه ، قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من أنفق على ابنتين أو أختين أو ذواتي قرابة يحتسب النفقة عليهما حتى يغنيهما الله أو يكفيهما كانتا له سترا من النار } . وروى أبو داود والحاكم وقال صحيح الإسناد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده - يعني الذكور - عليها أدخله الله الجنة } . قوله لم يئدها أي لم يدفنها حية . وكانوا في الجاهلية يدفنون البنات أحياء ، ومنه قوله تعالى { وإذا الموءودة سئلت } . وفي الباب عدة أحاديث ، والله تعالى أعلم .

ثم إن الناظم رحمه الله تعالى حض على العفاف ، ورشح ذلك بأن من عف عن محارم الناس عف أهله ، ومن لا فلا فقال : مطلب : من عف عن محارم الناس عف أهله ومن لا فلا : ومن عف تقوى عن محارم غيره يعف أهله حقا وإن يزن يفسد ( ومن ) أي أي رجل ( عف ) أي لم يزن ، ومثله من كف بصره ( تقوى ) أي لأجل التقوى لا لخوف عاجل في الدنيا ولا لحفظ منصبه وناموسه ( عن ) الزنا في ( محارم ) أي نساء ( غيره ) ومثل النساء الذكور بأن عف عن اللواط في أولاد غيره تقوى ( يعف ) أي لم يزن ( أهله ) بإسقاط الهمز ضرورة من نسائه من زوجاته وسراريه وبناته وأخواته وأمهاته ونحوهن حق ذلك ( حقا ) ولا تشك فيه فإنه ورد عن المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى . فقد روى الحاكم وقال صحيح الإسناد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم ، وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، ومن أتاه أخوه متنصلا فليقبل ذلك محقا كان أو مبطلا ، فإن لم يفعل لم يرد علي الحوض } . ( وإن ) حرف شرط جازم ( يزن ) فعل الشرط مجزوم بحذف الياء ( يفسد ) فعل مضارع مبني للمجهول جواب الشرط مجزوم وحرك بالكسر للقافية ، أي وإن يزن الرجل يفسد في أهله ، يعني يزنى في أهله ، لأن الجزاء من جنس العمل جزاء وفاقا . ويصح أن يكون مبنيا للمعلوم أي يفسد أهله . وروى الطبراني في الأوسط عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا { عفوا تعف نساؤكم . وبروا آباءكم تبركم أبناؤكم ، ومن اعتذر إلى أخيه المسلم من شيء بلغه عنه فلم يقبل عذره لم يرد علي الحوض } ورواه أيضا من حديث ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد حسن . وروى القاسم بن بشر في أماليه وابن عدي عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا { عفوا تعف نساؤكم } . وروى ابن ماجه بإسناد حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { من ستر عورة أخيه ستر الله عورته يوم القيامة ، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها } . قال الإمام ابن مفلح في الآداب الكبرى : قال بعض العباد : نظرت امرأة لا تحل لي فنظر زوجتي من لا أريد . وقال ابن الجوزي في صيد الخاطر : ما نزلت بي آفة ولا غم ولا ضيق صدر إلا بزلل أعرفه حتى يمكنني أن أقول هذا بالشيء الفلاني ، وربما تأولت تأويلا فيه بعد فأرى العقوبة . وقال محمود الوراق : رأيت صلاح المرء يصلح أهله ويعديهم داء الفساد إذا فسد ويشرف في الدنيا بفضل صلاحه ويحفظ بعد الموت في الأهل والولد وأنشد بعضهم : لا تلتمس من مساوي الناس ما ستروا فيكشف الله سترا من مساويكا واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحدا منهم بما فيكا واستغن بالله عن كل فإن به غنى لكل وثق بالله يكفيكا وقال آخر : يا هاتكا حرم الرجال وتابعا طرق الفساد فأنت غير مكرم من يزن في قوم بألفي درهم في أهله يزنى بربع الدرهم إن الزنا دين إذا استقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم

مطلب : بيان ما ورد من الآيات والأخبار في التخويف من الزنا . وقد روي عن النبي المختار ، في الترهيب والتخويف من الزنا وتعظيم أمره عدة أخبار ، ونفر منه العزيز الجبار ، في كتابه العزيز الحكيم في عدة آيات فقال جل شأنه : { ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا } . وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن } ورواه أبو داود والترمذي والنسائي . وزاد في رواية { فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه فإن تاب تاب الله عليه } وفي الصحيحين وغيرهما عن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني ، والنفس بالنفس ، والتارك لدينه المفارق للجماعة } . وروى البيهقي عن ابن عمر مرفوعا { الزنا يورث الفقر } وروى أبو داود واللفظ له والترمذي والبيهقي والحاكم عن أبي هريرة مرفوعا { : إذا زنى الرجل أخرج منه الإيمان وكان عليه كالظلة فإذا قلع رجع إليه الإيمان } . وروى الخرائطي وذكره الإمام ابن القيم في روضة المحبين عن حذيفة رضي الله عنه مرفوعا { يا معشر المسلمين إياكم والزنا فإن فيه ست خصال ثلاث في الدنيا وثلاث في الآخرة ، فأما اللواتي في الدنيا فذهاب البهاء ، ودوام الفقر ، وقصر العمر ، وأما اللواتي في الآخرة فسخط الله ، وسوء الحساب ، ودخول النار } قال ابن القيم : ويذكر عن أنس رضي الله عنه أنه قال : المقيم على الزنا كعابد وثن . ورفعه بعضهم . قال ابن القيم : وهذا أولى أن يشبه بعابد الوثن من مدمن الخمر . وفي المسند وغيره مرفوعا { مدمن الخمر كعابد وثن } فإن الزنا أعظم من شرب الخمر . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : ليس بعد قتل النفس أعظم من الزنا . وفي الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال { سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم عند الله ؟ قال أن تجعل لله ندا وهو خلقك ، قلت : إن ذلك لعظيم ، قلت ثم أي ؟ قال أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك ، قلت ثم أي ؟ قال أن تزاني حليلة جارك } . وذكر سفيان بن عيينة عن جامع بن شداد عن أبي وائل عن عبد الله قال : إذا بخس المكيال حبس القطر ، وإذا ظهر الزنا وقع الطاعون ، وإذا كثر الكذب كثر الهرج . ويكفي في قبح الزنا أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شرع فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها ، وأمر أن يشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله . ومن قبحه أن الله فطر عليه بغض الحيوان البهيم الذي لا عقل له ، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قردا زنى بقردة ، فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا ، وكنت فيمن رجمهما .


مطلب : الزنا يجمع خلال الشر كلها . قال في روضة المحبين : والزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع ، وفساد المروءة وقلة الغيرة ، فلا تجد زانيا معه ورع ، ولا وفاء بعهد ، ولا صدق في حديث ، ولا محافظة على صديق ، ولا غيرة تامة على أهله ، فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته ، ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة . ومنها سواد الوجه وظلمته وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين . ومنها ظلمة القلب ، وطمس نوره ، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه ، وغشيان الظلمة له ، ومنها الفقر اللازم ، وفي أثر يقول الله تعالى : { إن الله مهلك الطغاة ، ومفقر الزناة } . ومنها أنه يذهب حرمة فاعله ويسقط من عين ربه ومن أعين عباده المؤمنين . ومنها أنه يسلبه أحسن الأسماء ، وهو اسم العفة والبر والعدالة ، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن . ومنها أنه يسلبه اسم الإيمان كما مر ، فيسلب اسم الإيمان المطلق دون مطلق الإيمان ، وسئل جعفر بن محمد رضي الله عنهما عن هذا الحديث فخط دائرة في الأرض وقال هذه دائرة الإيمان ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال هذه للإسلام ، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه ، ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا ، كما أن الرجل يكون معه جزء ما من العلم ولا يسمى به عالما فقيها ، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا ونظائره . قال ابن القيم : فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ، ولا يتأول بما يخالف ظاهره . قلت : وكنت سألت في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف هل يكون الزاني في حال تلبسه بالزنا وليا لله تعالى ؟ قلت : لا ، فعظم ذلك على بعض الطلبة والمدرسين ، ومضى رجل من الإخوان إلى أحد الأعيان فذكر له القصة وحرف بعض تحريف ، وكان ذلك الكبير من أشياخي ، فلما حضرت لصلاة الظهر في جامع بني أمية وفرغت من الصلاة وانصرفت إلى نحو المدرسة أرسل إلي الشيخ وقال لي بلغني عنك مقالة ساءتني ، فقلت له : لا ساءك الله بمكروه ما هي ؟ فذكر لي القضية ، فقلت : سبحان الله ، المصطفى يسلبه اسم الإيمان وأنتم لا تسلبونه اسم الولاية ، فلا بد من حمل كلام المعصوم على أحد أمرين ، إما أن يكون إيمان الزاني قد ارتفع عنه كما في حديث أبي هريرة عند أبي داود وغيره ، وكان عليه كالظلة ، وعند البيهقي : أن الإيمان سربال سربله الله من يشاء ، فإن زنى العبد نزع منه سربال الإيمان ، فإن تاب رد عليه ، أو يكون إيمانه ناقصا ، وعلى الحالتين فليس هو وليا في تلك الحالة . فرضي الشيخ بما قلت ودعا لي وانصرف ، والله أعلم . ومنها أنه يفارقه الطيب المتصف به أهل العفاف ، ويتبدل به الخبث المتصف به الزناة في قوله تعالى : { الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات ، والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات } وقد حرم الله الجنة على كل خبيث بل جعلها مأوى الطيبين . قال تعالى : { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين } ، { وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم } والزناة من أخبث الخلق . وقد جعل الله جهنم دار الخبث وأهله ؛ فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب وجعل الخبيث بعضه فوق بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم ، فلا يدخل النار طيب كما لا يدخل الجنة خبيث . ومنها أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن . وإذا كان الله سبحانه عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه في الآخرة يوم القيامة فلأن يمنع من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا من التمتع بالحور العين يوم القيامة أولى . بل كل ما ناله العبد في الدنيا ، فإن التوسع من حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما يتوسع فيه فكيف بالحرام . وفي كتاب الزهد للإمام أحمد رضي الله عنه : لا يكون البطالون حكماء ، ولا تلج الزناة ملكوت السماء . ولو شرعنا نتكلم على فضائح الزنا وقبائح الخنا لخرجنا عن المقصود ، ولكن في الإشارة ما يغني عن العبارة . ويكفي الزاني إباحة دمه وأنه غير معصوم . فيا لها من صفقة ما أبخسها ، وخصلة ما أنحسها . قد ذهبت اللذات . وبقيت الحسرات . وكان سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه كثيرا ما ينشد : تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها من الحرام ويبقى الخزي والعار تبقى عواقب سوء في مغبتها لا خير في لذة من بعدها النار والله سبحانه وتعالى أعلم .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
آداب, النكاح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir