المجموعة الثالثة:
س1: اعرض بإيجاز اختلاف المواقف من مسألة اللفظ
توضيح عام لمسألة اللفظ فقول القائل: لفظي بالقرآن مخلوق؛ قد يريد به ملفوظه وهو كلام الله الذي تلفّظ به و هذا ما تقوله الجهمية أن القرآن مخلوق.
وقد يريد به فعلَ العبد الذي هو القراءة والتلفّظ بالقرآن؛ و هذا لاشئ فيه
فالكلمة مجملة تحتمل معاني مختلفة ، و لبست على الناس و أسعدت الجهمية فأعانتهم في نشر فكرهم الضال .
مواقف مسألة اللفظ :
الموقف الأول: موقف الجهمية المتستّرة باللفظ، أي أن عقيدتهم هي ان القرآن مخلوق و يتخذون اللفظ ستار لهم و أول من قال بها الكرابيسي .
هذه المقالة أعطت الجهمية الفرصة للتلبيس على الناس فالناس قبلوا بها و لم ينكروها لعدم غرابة الكلمة و لأنها تعتمد على نية من قال بها .
و الجهمية هم من التقطوا المقالة و روجوا لها و قد أكثر الامام أحمد من التحذير منهم .
قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: « كلُّ من يقصد إلى القرآن بلفظ أو غير ذلك يريد به مخلوق؛ فهو جهمي »
وقال أيضاً: سمعت أبي يقول: « من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، يريد به القرآن، فهو كافر ».
الموقف الثاني: موقف طائفة ممن خاض في علم الكلام وتأثّر ببعض قول الجهمية وإن كان كلامهم غيرَ جارٍ على أصول الجهمية، وعلى رأس هؤلاء رجل من أهل الشام يقال له: الشرّاك؛ قال: إن القرآن كلام الله؛ فإذا تلفظنا به صار مخلوقاً، وهذا يعود إلى صريح قول الجهمية عند التحقيق.
قال أبو طالبٍ للإمام أحمد: كُتب إليّ من طرسوس أنّ الشّرّاك يزعم أنّ القرآن كلام اللّه، فإذا تلوته فتلاوته مخلوقةٌ
قال: «قاتله اللّه، هذا كلام جهمٍ بعينه».
. الموقف الثالث: موقف داوود بن عليّ بن خلف الأصبهاني الظاهري رأس أهل الظاهر وإمامهم، وهو من أصحاب حسين الكرابيسي، وعنه أخذ مقالته في اللفظ، لكنّه تأوّلها على مذهبه في القرآن؛ فإنّ له قولاً في القرآن لم يسبق إليه: قال: (أما الذي في اللوح المحفوظ: فغير مخلوق، وأما الذي هو بين الناس: فمخلوق).
قال الذهبي: (هذه التفرقة والتفصيل ما قالها أحد قبله فيما علمت).
فهجره الإمام أحمد، وأمر بهجره..
الموقف الرابع: موقف جمهور أهل الحديث كالإمام أحمد وإسحاق بن راهويه والبخاري وأبي ثور وجماعة.
واشتدّوا على من قال: لفظي بالقرآن مخلوق؛ خشية التذرّع بهذا التلبيس إلى إرادة القول بخلق القرآن، وقد جرى من المحنة في القول بخلق القرآن ما جرى فكانوا شديدي الحذر من حيل الجهمية وتلبيسهم.
وبيّنوا أنّ أفعال العباد مخلوقة.
, هؤلاء منعوا الكلام في اللفظ مطلقاً لالتباسه؛ وبدّعوا الفريقين: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق
الموقف الخامس: موقف طائفة من أهل الحديث صرحوا بأنّ اللفظ بالقرآن غير مخلوق، وهم يريدون أنّ القرآن غير مخلوق، وأخطؤوا في استعمال هذه العبارة.
وهؤلاء :
1. يقولون إن القرآن غير مخلوق.
2. وإن أفعال العباد مخلوقة.
لكنّهم أخطؤوا في إطلاق القول بأن اللفظ بالقرآن غير مخلوق.
وظنوا أنّهم بقولهم: (ألفاظنا بالقرآن غير مخلوقة) يقطعون الطريق على الجهمية الذين يريدون التحيّل باللفظ للقول بخلق القرآن.
الموقف السادس: موقف أبي الحسن الأشعري وبعض أتباعه ومن تأثر بطريقته كأبي بكر بن الطيب الباقلاني، والقاضي أبي يعلى.
وهؤلاء فهموا من مسألة اللفظ معنى آخر ؛ وقالوا إنّ الإمام أحمد إنما كره الكلام في اللفظ؛ لأنّ معنى اللفظ الطرح والرمي، وهذا غير لائق أن يقال في حق القرآن.
الموقف السابع: موقف طوائف زعمت أنّ ألفاظ القراء بالقرآن غير مخلوقة؛ وزعموا أن سماعهم لقراءة القارئ هي سماع مباشر من الله، وأنهم يسمعون كلام الله من الله إذا قرأه القارئ كما سمعه موسى بن عمران.
واختلفوا في تفصيل ذلك على أقوال:
فقال بعضهم: إن صوت الربّ حلّ في العبد.
وقال آخرون: ظهر فيه ولم يحلّ فيه.
وقال آخرون: لا نقول ظهر ولا حلّ.
وقال آخرون: الصوت المسموع قديم غير مخلوق.
وقال آخرون: يسمع منه صوتان مخلوق وغير مخلوق
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن بعض الطوائف ( وهذه الأقوال كلها مبتدعة، لم يقل السلف شيئا منها، وكلها باطلة شرعا وعقلا، ولكن ألجأ أصحابها إليها اشتراك في الألفاظ واشتباه في المعاني
قال أيضاً (من قال إن لفظه بالقرآن غير مخلوق أو صوته أو فعله أو شيئا من ذلك فهو مبتدع.)
وهؤلاء قد يحتجون بقوله: {حتى يسمع كلام الله} [التوبة: 6] ، ويقولون هذا كلام الله غير مخلوق، فهذا غير مخلوق، ونحن لا نسمع إلا صوت القارئ، وهذا جهل منهم. فإن سماع كلام الله بل وسماع كل كلام يكون تارة من المتكلم به بلا واسطة الرسول المبلغ له، قال تعالى: {وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء}
س2: ما سبب ظهور بدعة ابن كلاب؟ وما موقف أئمة أهل السنة منه؟
بن كلاب كان معاصراً للامام أحمد و قدأراد أن يرد على المعتزلة أقوالهم و ظن أن الخير أن يرد حججهم بطريقتهم الكلامية و المنطقية و ترك نهج أهل السنة و الجماعة و لقصور علمه بالسنة و اتباعه هذا النهج في الرد و التسليم للمعتزلة بأصول بعض أقوالهم الفاسدة خرج بقول مبتدع ظن أنه يصلح من حيث هو أفسد
خرج بقول بين قول أهل السنة وقول المعتزلة، وأحدث أقوالاً لم تكن تعرف في الأمّة ، منها قوله أن القرآن حكاية عن المعنى القديم القائم بالله تعالى، وأنّه ليس بحرف ولا صوت، ولا يتجزأ ولا يتباعض، ولا يتفاضل إلى آخر ما قال ، وهذا كلّه بسبب أنّه التزم هذا الأصل الذي أصّلوه وهو باطل.
رأي الائمة فيه :
أنكر أئمّة أهل السنة على ابن كلاب طريقته المبتدعة، وما أحدث من الأقوال، وحذّروا منه ومن طريقته.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وابن كلاب لما رد على الجهمية لم يهتدِ لفساد أصل الكلام المحدث الذي ابتدعوه في دين الإسلام بل وافقهم عليه).
قال ابن خزيمة: (كان أحمد بن حنبل من أشد الناس على عبد الله بن سعيد بن كلاب، وعلى أصحابه مثل الحارث وغيره).
وكذلك كان إمام الأئمّة ابن خزيمة من أشدّ العلماء على الكلابية، وأكثرهم تحذيراً منهم، وردّا عليهم.
وفي القرن الخامس ألّف الإمام الحافظ أبو نصر السجزي في الردّ على ابن كلاب والأشعري والقلانسي رسالته في الحرف والصوت، وكتاب الإبانة، واجتهد في نصرة السنّة والذبّ عنها.
س3: بيّن خطر فتنتي الواقفة واللفظية.
خطرهم يكمن في حصول خداع للناس بهذه الاقوال ، لأنّهم يستدرجونهم بذلك؛ ثم يشكّكونهم في كلام الله؛ فلا يدرون أمخلوق هو أم غير مخلوق، وإذا ابتلي المرء بالشكّ وقع في الفتنة، وكان أقرب إلى التزام قولهم.
فاللفظية هي كلمة مجملة حمّالة لوجوه، ولا نفع في إيرادها، والناس كانوا أحوج إلى البيان والتوضيح والتصريح بأنَّ القرآن كلام الله غير مخلوق ، لا أن تلقى إليهم كلمة مجملة فيها تلبيس تتأوَّلها كلّ فرقة على ما تريد و كانت ستاراً للجهمية من خلاله بثوا معتقداتهم الضالة .
و الوقف كان الإمام أحمد شديداً على من يقول به من المحدّثين، ويأمر بهجرهم؛ لأنّهم يوطّئون الطريق لأصحاب الأهواء، ويشكّكون العامّة في كلام الله.
س4: ما هي الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "مسائل الإيمان بالقرآن"؟
1- أهمية تبين مسائل الايمان بالقرآن للعامة و لطالب العلم خاصة .
2- تجديد المعاني القلبية للايمان بالقرآن مما يجدد القلب ، ففي التذكرة الخير الكثير .
3- أن الفتنة تولد فتنة .
4- أنه لا بد لطالب العلم من تعلم العقيدة السليمة و مقاصد الشريعة على نهج السنة و الجماعة .
5- القرآن و السنة فيهما الكفاية في الرد على البدع و أن لا خير في اتباع طريق المتكلمين في الرد على الشبهات .
6- ثبات االائمة ثبات لمن ورائهم .
7- في وقت الفتن و انتشار الشبهات لا بد من التوضيح و البيان و نبذ الكلمات و الالفاظ التي تلبس على العامة .
8- أنه قد يجيب بعض العلماء و يقولوا باقوال فيها شبهات و تلبيس عل الناس فلا يجب جلدهم بالتهم ، بل يعذروا فلا يعلم ما عليهم من تضييق .
9- معرفة قصص العلماء الربانيين و ثباتهم أمام الفتن مما يقوي عزة المسلم بدينه و معتقده و يثبته.
10- معرفة هذه القصص تعلمنا أن الفتن أصحابها لهم نهج واحد و قلب واحد لا يتغير و الرد عليهم أيضا ً لا يتغير ، فعلى طالب العلم أن يتعلم حججهم و أصول معتقداتهم الفاسدة و حجج الرد عليها بما يجد في كتب لسلف الصالح على نهج أهل السنة و الجماعة من الكتاب و السنة .
11- لا بد من الانتباه عند تلقي أي معلومة و تحري مصدرها قبل نشرها فيسيئ المرء من حيث هو أراد الااصلاح .
12- أن الله غالب على أمره و يموت أصحاب الفتن و الشبهات و تثبت العقيدة الصحيحة و أصحابها .
13- من يأخذ جانب الحياد و يتبع مقولة وسط بين حق و باطل قد يكون سببا ً في فتنة ، فلا بد من أن يكون الموقف واضح و لا يخجل المسلم و طالب العلم خاصة من مقالة الحق مقابل مقالة الباطل و التلبيس.
14- الرجوع للحق مكرمة ، من وقع في شبهة و أدركها لا بد له من تبيينها و لا يترك الامر ملتبساً على الناس و خاصة ان كان من ذوي الرأي و المشورة .
15- الصحبة الصالحة مما يعين على الوقوف في وجه الفتن .
16- النصيحة واجبة على أهل العلم بعضهم لبعض و مراجعة من حاد عن الطريق حق على من علم الحق و اتبعه.
17- لا أحد بعيد عن الفتنة ، العالم يفتن و الطالب يفتن و العامي يفتن ، نسأل الله الثبات حتى الممات .