حرّر القول في واحدة من المسألتين التاليتين:
1: معنى الربّانيّ في قوله تعالى: {ولكن كونوا ربّانيّين بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون}.
اختلف أهل العلم من المفسرين في معنى الرباني إلى أقوال:
الأول: الحكيم العالم. وهو قول ابن عباس, وأبو رزين, والحسن, ومجاهد, وقتادة, والسدي, ويحيى بن عقيل, والضحاك, وعطاءٍ الخراسانيّ، وعطيّة العوفيّ، والرّبيع بن أنسٍ . ذكره ابن عطية وابن كثير.
وأخرج قول ابن عباس:
- ابن جرير في تفسيره عن ابن سنانٍ القزّاز، قال: حدّثنا الحسين بن الحسن الأشقر، قال: حدّثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاس في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا حكماء فقهاء.
وأخرج قول أبو رزين:
- ابن جرير في تفسيره من طرق عن عن منصورٍ، عن أبي رزينٍ: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء علماء.
وأخرج قول الحسن:
- ابن جرير في تفسيره عن يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن عوفٍ، عن الحسن، في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
وأخرج قول مجاهد:
- ابن جرير في تفسيره عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني القاسم، عن مجاهدٍ، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: فقهاء.
وأخرج قول قتادة:
- ابن جرير في تفسيره عن بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولكن كونوا ربّانيّين} قال: كونوا فقهاء علماء.
وأخرج قول السدي:
- ابن جرير في تفسيره عن محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، في قوله: {كونوا ربّانيّين} أمّا الرّبّانيّون: فالحكماء الفقهاء.
وأخرج قول يحيى بن عقيل:
- ابن جرير في تفسيره عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي حمزة الثّماليّ، عن يحيى بن عقيلٍ، في قوله: الرّبّانيّون والأحبار، قال: الفقهاء العلماء.
وأخرج قول الضحاك:
- ابن جرير في تفسيره عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذٍ، قال: أخبرنا عبيد بن سليمان قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} يقول: كونوا فقهاء علماء.
الثاني: حكماء أتقياء. وهو قول سعيد بن جبير, والحسن. ذكره ابن كثير.
وأخرج قول سعيد بن جبير:
- ابن جرير في تفسيره عن يحيى بن طلحة اليربوعيّ، قال: حدّثنا فضيل بن عياضٍ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ، قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: حكماء أتقياء.
الثالث: هم ولاة النّاس وقادتهم.وهو قول ابن أبي زيد. ذكره ابن عطية.
وأخرج قول ابن أبي زيد:
- ابن جرير في تفسيره عن يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سمعت ابن زيدٍ، يقول في قوله: {كونوا ربّانيّين} قال: الرّبّانيّون: الّذين يربون النّاس، ولاة هذا الأمر، يربونهم: يلونهم وقرأ: {لولا ينهاهم الرّبّانيّون والأحبار} قال: الرّبّانيّون: الولاة، والأحبار: العلماء.
الدراسة:
اختلف أهل العلم في معنى الرباني إلى عدة أقوال والخلاف راجع إلى نسبة الرباني إلى ماذا؟:
- فمن قائل إنه راجع إلى الرب من حيث هو العالم ما علمه، العامل بطاعته، المعلم للناس ما أمر به، وزيدت الألف والنون مبالغة كما قالوا، لحياني وشعراني في النسبة إلى اللحية والشعر، وإلى هذه النسبة ترجع معاني القول الأول والثاني في معنى الرباني.
- ومن قائل منسوب إلى الربان وهو معلم الناس، وعالمهم السائس لأمرهم، مأخوذ من رب يرب إذا أصلح وربى، وزيدت فيه هذه النون كما زيدت في غضبان وعطشان، ثم نسب إليه رباني, وإلى هذه النسبة يرجع المعنى للقول الثالث في معنى الرباني.
- ورجح ابن جرير القول بأن الرباني منسوب إلى الربان فقال: وأولى الأقوال عندي بالصّواب في الرّبّانيّين أنّهم جمع ربّانيّ، وأنّ الرّبّانيّ المنسوب إلى الرّبّان: الّذي يربّ النّاس، وهو الّذي يصلح أمورهم ويربّها، ويقوم بها ومنه قول علقمة بن عبدة:
وكنت امرأً أفضت إليك ربابتي = وقبلك ربّتني فضعت ربوب
يعني بقوله: ربّتني: ولي أمري والقيام به قبلك من يربّه ويصلحه، فلم يصلحوه، ولكنّهم أضاعوني فضعت.
- ثم جمع ابن جرير بين هذه الأقوال جميعا فقال: فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، وكان الرّبّان ما ذكرنا، والرّبّانيّ: هو المنسوب إلى من كان بالصّفة الّتي وصفت، وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين، يربّ أمور النّاس بتعليمه إيّاهم الخير، ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم، وكان كذلك الحكيم التّقيّ للّه، والوليّ الّذي يلي أمور النّاس على المنهاج الّذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم، بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم، وعائدة النّفع عليهم في دينهم ودنياهم؛ كانوا جميعًا مستحقّين أنّهم ممّن دخل في قوله عزّ وجلّ {ولكن كونوا ربّانيّين}.
فالرّبّانيّون إذًا، هم عماد النّاس في الفقه والعلم وأمور الدّين والدّنيا، ولذلك قال مجاهدٌ: وهم فوق الأحبار، لأنّ الأحبار هم العلماء. والرّبّانيّ: الجامع إلى العلم والفقه البصر بالسّياسة والتّدبير والقيام بأمور الرّعيّة، وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.
- كما جمع بين هذه الأقوال ابن عطية فقال: فجملة ما يقال في الرباني إنه العالم بالرب والشرع المصيب في التقدير من الأقوال والأفعال التي يحاولها في الناس.
والله أعلم