دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > لامية العرب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 06:23 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح لامية العرب (9/10) [وليلة نحس يصطلي القوس ربها ... وأقطعه اللاتي بها يتنبل]

54- وليلةِ نَحْسٍ يَصْطَلِي القَوْسَ رَبُّها = وأَقْطُعَهُ اللاتِي بها يَتَنَبَّلُ
55- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وبَغْشٍ وصُحْبَتِي = سُعارٌ وإِرزيزٌ ووَجْرٌ وأَفْكَلُ
56- فأَيَّمْتُ نِسواناً وأَيْتَمْتُ إِلْدَةً = وعُدْتُ كما أَبْدَأْتُ والليلُ أَلْيَلُ
57- وأَصْبَحَ عَنِّي بالغُميصاءِ جالِساً = فَريقانِ مَسؤولٌ وآخَرُ يَسألُ
58- فقالوا لقد هَرَّتْ بليلٍ كلابُنا = فقُلنا أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ
59- فلم تَكُ إلاَّ نَبأةٌ ثم هَوَّمَتْ = فقُلنا قَطاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أَجْدَلُ
60- فإنْ يَكُ مِن جِنٍّ لأَبْرَحُ طارِقًا = وإنْ يكُ إنْساً مَاكَهَا الإنسُ تَفعَلُ


  #2  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:53 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي شرح أبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي

56 - وليلةِ نَحْسٍ يَصْطَلِي القوسَ رَبُّها = وأَقْطُعَه اللائي بها يَتَنَبَّلُ

النَّحْسُ: الليلةُ الباردةُ، يَصطلِي القوسَ رَبُّها: مِن شِدَّةِ البَرْدِ والْجَهْدِ, قالَ غيرُه: نَحْسٍ: بَرْدٍ.
وأَقْطُعَه: جَمْعُ قِطْعٍ، وهو نَصْلٌ صَغيرٌ، أيْ: يَحتاجُ إلى إيقادِ قِدَاحِه.
وقولُه: اللائي بها يَتَنَبَّلُ, أيْ: يَرْمِي بها, وهو يَتَفَعَّلُ بها, مِن النَّبْلِ.

57 - دَعَسْتُ على غَطْشٍ وبَغْشٍ وصُحْبَتِي = سُعارٌ وإرزيزٌ ووَجْرٌ وأَفْكَلُ

دَعَسْتُ: وَطِئْتُ.
والدَّعْسُ: الوَطْءُ والدَّعْسُ: الطعْنُ أيضًا, وهو هَهُنا الإغارةُ والإقدامُ، والغَطْشُ: الظلامُ وهي الظُّلمةُ، والبَغْشُ: الخفيفُ مِن الْمَطَرِ, والسُّعارُ: شِدَّةُ الْجُوعِ واستِعارُه، والإرزيزُ: شِدَّةُ البَرْدِ، والوَجْرُ: الخوفُ، وقدْ وَجِرَ وأَوْجَرَ يُوجِرُ إذا خَافَ.
والأَفْكَلُ: الرِّعْدَةُ.
يَقولُ: أَغَرْتُ ولا صاحِبَ لي غيرَ هذه الأصنافِ، قالَ غيرُه: إِرزيزٌ: صوتٌ مِن الداءِ، والوَجْرُ: الخوفُ، وأَوْجَرَ وأَوْجَلَ واحدٌ، قالَ أبو داودَ: الوَجْرُ: الشوْكُ.
وأَنشَدَ لحاتمٍ: [الطويل]
وما نَكِراهُ غيرَ أنَّ ابنَ مِلْقَطٍ أَراهُ وقد أَعْطَى الْمَقادةَ أوْجَرَا()
58 - فأَيَّمْتُ نِسوانًا وأَيْتَمْتُ إِلْدَةً = وعُدْتُ كما أَبْدَأْتُ والليلُ أَلْيَلُ

أَيَّمْتُ: أَرْمَلْتُ نِساءً، أيْ: قَتلتُ أزواجَهنَّ فتَركْتُهُنَّ أَيَامَى.
والإلْدَةُ والوِلْدَةُ واحدٌ وهم الأطفالُ، أيْ: أَغَرْتُ في هذا الوقْتِ ففَعلتُ هذا الفعْلَ وعُدْتُ في بَقِيَّةِ سَوادِ الليلِ. والأَلْيَلُ: الشديدُ الظُّلمةِ، قالَ غيرُه: الأَيِّمُ: التي لا زَوجَ لها؛ يَقولُ: قَتلتُ أزواجَهُنَّ وقَتلتُ آباءَ الأولادِ فتَركتُهم يَتامَى.
رَوَى أبو محمَّدٍ: وِلْدَةً.
59 - وأَصبَحَ عني بالغُمَيصاءِ جالسًا = فريقانِ مسؤولٌ وآخرُ يَسألُ

الغُميصاءُ: موْضِعٌ.
أيْ: يَسألونَ عمَّا فَعَلَ في لَيلتِه, وقالَ غيرُه: مَن تَبَاعَدَ عنكَ فقد أصْبَحَ جالسًا.
قالَ أبو محمَّدٍ: قولُه: جالسًا.
أيْ: مُنْجِدًا، وذلك أنَّ نَجْدًا تُسمَّى جَلْسًا لصَلابَتِها.
وكلُّ جَلْسٍ صلْبٌ، ومنه ناقةٌ جلوسٌ وجَلْسٌ.
وأَنْشَدَ لِمَرْوانَ: [الكامل]
قلْ للفَرزدقِ والسفاهَةُ كاسْمِها = إنْ كنتَ تاركَ ما أمَرْتُكَ فاجْلِسِ

أي: الْحَقْ بجَلْسٍ, وهو نَجْدٌ.
ودَعِ المدينةَ إنها مَرهونةٌ = والْحَقْ بِمَكَّةَ أو ببيتِ الْمَقدِسِ

60 - فقالوا لقد هَرَّتْ بليلٍ كِلابُنا = فقلنا أذئبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ

أيْ: أغارَ عليهم فنَبَحَتْهُ الكلابُ فتَوَهَّمُوهُ ذِئبًا أو فُرْعُلاً.
والفُرْعُلُ: ولدُ الضَّبُعِ, وعَسَّ: طَلَبَ مَأكلاً.
ويُقالُ في مَثَلٍ للعَرَبِ: كلْبٌ اعتَسَّ خيرٌ مِن كلْبٍ() رَبَضَ.
أيْ: كلبٌ دارَ يَطلبُ خيرٌ مِن كلْبٍ رَابِضٍ.
و"فُرْعُلُ": ولَدُ الذئبِ مِن الضبُعِ.
61 – فلم يَكُ إلا نَبْأةٌ ثم هَوَّمَتْ = فقُلنا قَطاةٌ رِيعَ أوْ رِيعَ أَجْدَلُ

النَّبْأَةُ: الْهَنَةُ مِن الصوتِ.
وهَوَّمَتْ: نَامَتْ، يَعنِي الكلابَ، شَبَّهَ نفْسَه في سُرعتِه بقَطاةٍ أو صَقْرٍ، وقولُه: "قُلنا".
حكايةٌ عن الذين أَغارَ عليهم، وقالَ غيرُه: قالَ: رِيعَ ولم يَقُلْ: رِيعَتْ؛ لأنَّ الذكَرَ والأُنثى مِن القَطَا: قَطاةٌ، وهذا كما قالَ الفَرزدقُ: [الطويل]
فما تَدَّرِي مِن حَيَّةٍ جَبَلِيَّةٍ شَكاةٍ = إذا ما عَضَّ ليس بأَدْرَدَا

ولم يَقُلْ: ليستْ بدَرداءَ؛ الهاءُ في الذكَرِ مِن الحيَّاتِ والأُنْثَى ثابتةٌ.
62 - فإن يكُ من جِنٍّ لأَبْرَحَ طارقًا = وإن يَكُ إِنْسًا مَا كَهَا الإنسُ تَفْعَلُ
يُقالُ: أَبْرَحَ الرجُلُ: إذا أَتى بأَمْرٍ عَظيمٍ.
والطُّروقُ لا يكونُ إلا بالليلِ, ومنه يُقالُ: أتَى ببَنَاتِ بَرْحٍ وبَنِي بَرْحٍ، أيْ: بأمْرٍ عظيمٍ بَرِيحٍ.
وقولُه: مَا كَهَا الإنْسُ, أيْ: ما كذا الإنْسُ تَتكلَّمُ في مِثلِ هذا الوقتِ.
وقالَ غيرُه: أرادَ ما كهذا تَفعلُ الإنْسُ، وأمْرٌ بَريحٌ, أيْ: فَظيعٌ.


  #3  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:54 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تفريج الكرب للشيخ: محمد بن القاسم ابن زاكور الفاسي

54- وليلةِ نَحْسٍ يَصْطَلِي القوسَ رَبُّها = وأَقْطُعَهُ اللاَّتِي بِهَا يَتَنَبَّلُ
النحسُ هنا: الشؤمُ والشدَّةُ. والاصطلاءُ: التسَخُّنُ بالنارِ، واصْطِلاءُ القوسِ: اصطلاءُ النارِ التي أُوقِدَت بالقوسِ. والأقْطُعُ: جَمْعُ قِطْعٍ ـ بالكسرِ ـ وهوَ هنا السهمُ. والتنَبُّلُ: تكلُّفُ الرَّمْيِ بالنَّبْلِ، ولا واحدَ للنَّبْلِ منْ لفْظِهِ، وقيلَ: واحدُهُ نَبْلَةٌ.
والتقديرُ: ورُبَّ ليلةِ شُؤْمٍ وشدَّةِ بَرْدٍ موصوفةٍ بما ذَكَرَ من الاصطلاءِ بالنارِ المُوقَدَةِ بأعوادِ القوسِ التي لا غِنَى لصاحبِها عنها، لعدمِ ما يُوقِدُ بهِ النارَ سِوَاهَا وسِوَى سهامِها التي يتَكَلَّفُ الرَّمْيَ بها نِبَالاً.
ويَصِحُّ ـ وهوَ الأَوْلَى إنْ شاءَ اللَّهُ ـ أنْ يكونَ معنى يتَنَبَّلُ يَصِيرُ نَبِيلاً صَاحِبَ نُبْلٍ، بالضمِّ؛ أيْ: ذكاءً وحِذْقاً، ولا شكَّ أنَّ إجادةَ الرميِ بالقوسِ منْ أمثلِ ما يَدْخُلُ بهِ الإنسانُ في زُمرةِ النبلاءِ كالفُرُوسَةِ والسباحةِ.
قولُهُ: (وليلةِ) مخفوضٌ بِـ(رُبَّ) المُقَدَّرَةِ بعدَ الواوِ، ومعَ ذلكَ فهوَ مرفوعُ الموضعِ بالابتداءِ؛ لأنَّ (رُبَّ) حرفٌ زائدٌ يدخلُ على المبتدأِ. وجملةُ (يَصْطَلِي) صفةُ (ليْلَةِ). وخبرُ المبتدأِ في قولِهِ:

55- دَعَسْتُ على غَطْشٍ وبَغْشٍ وصُحْبَتِي = سُعَارٌ وإِرْزِيزٌ ووَجْرٌ وأَفْكَلُ

الدَّعْسُ هنا: شدَّةُ الوطءِ. والغَطْشُ، بالغينِ المعجمةِ: الظلامُ. والبَغْشُ، بالغينِ والشينِ المُعجمتيْنِ بعدَ المُوحَّدَةِ التحتِيَّةِ: المطرُ الخفيفُ. والصُّحْبَةُ، بالضمِّ: الصحابةُ، الواحدُ صَاحِبٌ. والسُّعَارُ، بالضمِّ: حرُّ الجوعِ. والإِرْزِيزُ، بكسرِ الهمزةِ فراءٍ ساكنةٍ فزَاءَيْنِ بينَهُما ياءٌ: تَكَمُّشٌ من البردِ. والوَجْرُ، بالجيمِ بينَ الواوِ والراءِ: الوَجَلُ. والأَفْكَلُ، بفتحِ الهمزةِ فسكونِ الفاءِ: الرِّعْدَةُ منْ خوفٍ أوْ بَرْدٍ ونحْوِهِ.
يقولُ: ورُبَّ ليلةِ نَحْسٍ سَرَيْتُ فيها، وَاطِئاً الأرضَ بشدَّةٍ معَ ظلامٍ ومطرٍ، وصَحَابَتِي ـ أي: الملازمونَ لي في سُرَايَ ـ جوعٌ شديدٌ، وبردٌ شديدٌ، وخوفٌ ورِعْدةٌ منهُ ومن البردِ.
فجملةُ (وصُحْبَتِي) في محلِّ نصبٍ على الحالِ من الفاعلِ، و(عَلَى) ( 15 / أ ) في (عَلَى غَطْشٍ) بمعنى (معَ).

56- فَأَيَّمْتُ نِسْوَاناً وَأَيْتَمْتُ إِلْدَةً = وعُدْتُ كما أبْدَأْتُ واللَّيْلُ أَلْيَلُ

تَأْيِيمُ النِّسْوَةِ: تَصْيِيرُهُنَّ أَيَامَى، والأَيِّمُ: التي لا زوجَ لها. كما أنَّ الإِيتَامَ: تَصْيِيرُ الإِلْدَةِ يَتَامَى، وهمزةُ الإِلْدَةِ أصْلُها واوٌ. والعَوْدُ: الرجوعُ، ضدُّ البدءِ والإبداءِ أيضاً، بَدَأَ الشيءُ وبدَأَهُ كابْتَدَأَهُ، فِعْلُهُ ابْتَدَأَ. والليلُ الأَلْيَلُ: الطويلُ، كاليومِ الأَيْوَمِ, مُبَالَغَةً في الطولِ، وهكذا كلُّ وصفٍ لشيءٍ منْ لفْظِهِ.
وقولُهُ: (فأَيَّمْتُ) معطوفٌ على قوْلِهِ: (دَعَسْتُ)، مُسَبَّبٌ عنهُ؛ أيْ: سَرَيْتُ مُصَاحِباً لِمَا ذَكَرَ، فتسبَّبَ عنْ ذلكَ تَأْيِيمِي نِسْوَاناً كثيرةً بقَتْلِي أزْوَاجَهُنَّ. وإِيتَامِي أوْلاداً كثيرينَ بقتلِي آبائِهُنَّ، ورَجَعْتُ سالماً إلى محَلِّي على الحالةِ التي أبْدَأْتُ السُّرَى بها، والليلُ طويلٌ جِدًّا، أيْ: بَقِيَ منهُ بعدَ عَوْدِي كثيرٌ.
والمعنى: أنَّهُ فعلَ ما فعلَ في بعضِ الليلِ، وهوَ وسَطُهُ مَثَلاً، وفَضَلَ منهُ عنْ سُرَاهُ كثيرٌ.

57- وأصبحَ عنِّي بالغُمَيْصَاءِ جَالِساً = فَرِيقَانِ: مَسْئُولٌ وآخَرُ يَسْأَلُ

الغُمَيْصَاءُ، بالغينِ المعجمةِ مُصَغَّراً مَمْدُوداً: موْضِعٌ أَوْقَعَ فيهِ خالدُ بنُ الوليدِ رضيَ اللَّهُ عنهُ ببَنِي جَذِيمَةَ إِثْرَ فتحِ مكَّةَ. وفريقانِ تَثْنِيَةُ فَرِيقٍ، بمعنى مُفَارِقٍ لغيْرِهِ، وهوَ اسمُ (أصْبَحَ)، و(جالساً) خَبَرُها، وأفرَدَهُ ولمْ يقُلْ: جالسَيْنِ ليُطَابِقَ (فريقانِ) لفظاً؛ لأنَّ فريقانِ في معنى جمعٍ مُختلفٍ. و(مسئُولٌ) خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أيْ: فريقٌ مسئُولٌ. (والآخَرُ يَسْأَلُ)، وهذا تفصيلٌ لإجمالِ فريقانِ. وأهلُ المعاني والبديعِ يُسَمِّي مثلَ هذا المُثَنَّى المُفَسَّرِ باسمَيْنِ على إِثْرِهِ في آخرِ الكلامِ تَوْشِيعاً، وهوَ في اللغةِ لفُّ القُطْنِ المَنْدُوفِ، ووجْهُهُ أنَّ المُثَنَّى ـ وهوَ لفظٌ واحدٌ ـ لَمَّا كانَ معناهُ مُتَعَدِّداً كانَ كلَفِّ القطنِ بعدَ ندْفِهِ، و (عنْ) في (عنِّي) معناها التعليلُ، وليستْ مُتعلِّقَةً بِـ (مسْئُولٌ) و(يَسْأَلُ)، حتَّى يكونَ المعنى: فريقٌ مسئُولٌ عنِّي، وفريقٌ سائلٌ عنِّي؛ لأنَّ المسئُولَ عنهُ مبهمٌ غيرُ مُعَيَّنٍ، بدليلِ السياقِ. وتَعَلُّقُهُ بهِ يقتضي أنْ يكونَ صُورةَ سُؤَالِهِم هكذا: أَفَعَلَ الشنْفَرَى؟ أو الشنْفَرَى فعلَ هذا؟ وما أشبهَ ذلكَ.
ولا يلْزَمُ منْ كونِ الجلوسِ في الغُمَيْصَاءِ ( 15 / ب ) لأجْلِهِ أنْ يكونَ مُعَيَّناً عندَهُم حتَّى يُقالَ: هذا أيضاً لازمٌ في جعْلِها للتعليلِ؛ لأنَّا نقولُ: قولُهُ: (عنِّي) لأجْلِي، معناهُ أنَّ الجلوسَ سبَبُهُ فِعْلَتُهُ هوَ وسُرَاهُ في نفسِ الأمرِ، ولمْ يعْلَمُوا بهِ ولمْ يطَّلِعُوا على ما في الأمرِ منْ ذلكَ، فجلَسُوا مُسْتَكْشِفينَ عمَّا كانَ.
ومعنى البيتِ: وأصبحَ لأَجْلِ فِعْلَتِي المُنْكَرَةِ في الغُمَيْصَاءِ جمعٌ مُخْتَلِفٌ جالساً؛ بعضُهم مَسْئُولٌ وبعْضُهُم يَسْأَلُهُ. وحِكَايَتُهُم ما ظَنُّوهُ سبباً لهَرِيرِ الكلابِ عندَ سماعِهِ لرُؤْيَةِ ما تكْرَهُهُ. قولُهُ:

58- فقالُوا: لقدْ هرَّتْ بليلٍ كِلابُنا = فقُلْنَا: أذِئْبٌ عَسَّ أَمْ عَسَّ فُرْعُلُ

معناهُ: ما قدَّمْنَاهُ منْ جُلُوسِهِمْ للتحدُّثِ والاستخبارِ عمَّا كانَ بسببِ سُرَاهُ؛ أيْ: فقالُوا جميعاً ـ أوْ مَنْ قالَ منهم: لقدْ هرَّتْ كِلابُنا في الليلِ هَرِيراً مُرَدَّداً لمْ نعْلَمْ سبَبَهُ فقُلْنا جميعاً ـ بمعنى أنَّ بعْضَهُم قالَهُ لبعضٍ، فالقائلُ السائلُ، والمقولُ لهُ المسئُولُ: أذِئْبٌ عَسَّ؟ أيْ: سَرَى طالباً، أمْ عَسَّ فُرْعُلُ، وهوَ ولدُ الضَّبُعِ. وهذا حكايَةٌ لقولِهِم عندَ سماعِهِم الهريرَ، وهوَ صوتٌ دُونَ نُبَاحٍ لبَرْدٍ أوْ غيرِهِ بحَسَبِ اعتقادِهِم، وهوَ أنَّ سببَهُ أحدُ أمرَيْنِ: عسُّ الذئبِ أو الفُرْعُلِ، منْ غيرِ قَطْعٍ بأحدِهِما.

59- فَلَمْ يَكُ إلاَّ نَبْأَةٌ ثمَّ هَوَّمَتْ = فقُلْنَا: قَطَاةٌ رِيعَ أَمْ رِيعَ أجْدَلُ

النَّبْأَةُ: هُنا: صَوْتُ الكِلابِ، أوْ صَوْتٌ مُنْبَتِرٌ لا مادَّةَ لهُ، وكذلكَ أصواتُ الكلابِ. والتَّهْوِيمُ: هزُّ الرُّءُوسِ من النُّعَاسِ. ورِيعَ: أصابَهُ رَوَعٌ؛ أيْ: فزعٌ. والأجْدَلُ: الصَّقْرُ.
قولُهُ: (نَبْأَةٌ)، يُرْوَى بالرفعِ على أنَّ (يكُ) تامَّةٌ، وبالنصبِ على أنَّها ناقصةٌ، والاسمُ حينئذٍ ضميرُ الهَرِيرِ.
والمعنى: أنَّهُم قالُوا في تمامِ الحكايَةِ: فلمْ يَكُ الهَرِيرُ الذي سَمِعْناهُ إلاَّ خَفِيًّا، أيْ: لمْ يَقْوَ ولمْ يَدُمْ، ثمَّ نَامَت الكلابُ بعدَهُ، فتغَيَّرَ اعتقادُنا أنَّ سببَهُ ما تقدَّمَ مُعْتَقِدِينَ خلافَ ذلكَ، فقُلْنَا لمَّا هوَّمَتْ على حسَبِ اعتقادِنا أيضاً، وإنْ لمْ يكُنْ مُطَابِقاً أيضاً: أقَطَاةٌ حصلَ لها رَوَعٌ فطَارَتْ، أمْ صَقْرٌ هوَ الذي أُفْزِعَ فَطَارَ؟ فَهَرَّت الكِلابُ فانقطعَ ذلكَ، فانقطعَ هَرِيرُهَا، إذْ لوْ كانَ سببُهُ اعتساسَ الذئبِ أو الفُرْعُلِ لدَامَ؛ لأنَّ الهريرَ بحسَبِ مُوجِبِهِ في القُوَّةِ والضعفِ، وطيرانُ القَطَاةِ والأجْدَلِ عندَ الرَّوَعِ ( 16 / آ ) أضعفُ منْ حركةِ الذئبِ والفُرْعُلِ في الاعتساسِ، فالهريرُ الذي يترتَّبُ على الأوَّلِ أضعفُ من الذي يترتَّبُ على الثاني.
والحاصلُ أنَّهُ يُسْتَدَلُّ بصفةِ الهريرِ عن سببِهِ، ولمَّا تبيَّنَ لهم عدمُ مُطابقةِ اعتقادِهم الثاني أيضاً منْ كونِ الهريرِ لقطاةٍ أوْ أجْدَلَ رِيعَ، قالُوا ما حكَاهُ هوَ عنهم بقوْلِهِ:

60- فإنْ يكُ منْ جِنٍّ لأَبْرَحَ طارِقاً = وإنْ يَكُ إنْساً ما كَهَا الإنسُ تفْعَلُ

أبْرَحَ: فعلٌ ماضٍ فاعلُهُ ضميرُ الطارقِ المدلولُ عليهِ بما تقدَّمَ. ومعنى أبْرَحَ: أتَى بالبَرْحِ بالسكونِ، أي: الشدَّةِ. والطارقُ: الآتي ليلاً. و(كَهَا) جارٌّ ومجرورٌ، وهوَ ضميرُ الفِعْلَةِ المفهومةِ منْ سياقِ الكلامِ. وجرُّ الضميرِ بالكافِ شاذٌّ، منهُ قولُ العجَّاجِ: [ الرجز ]
وأُمُّ أوْعَالٍ كَهَا أوْ أقْرَبَا
قولُهُ: (فإنْ يكُ) حرفُ شرطٍ وفعلُهُ، وهوَ مُضارعُ (كانَ) الناقصةِ، واسْمُهُ ضميرٌ يعودُ على الطارقِ، و(مِنْ جِنٍّ) خبرُ (يكُ)، و(لأَبْرَحَ) جوابُ الشرطِ. و(طارقاً) حالٌ منْ فاعلِ (أبرَحَ). وقولُهُ: (مَا كَهَا) جوابُ قولِهِ: (وإنْ يكُ إنْساً) جرَّدَهُ ممَّا يستحِقُّهُ من الفاءِ ضرورةً، ونظِيرُهُ قولُ حسَّانَ رضيَ اللَّهُ عنهُ: [ البسيط ]
مَنْ يفْعَل الحسناتِ اللَّهُ يَشْكُرُهَا .......................
وحَلُّ البيتِ: فإنْ يكُن الطارقُ منْ جِنٍّ ومَنْ يُحْلَفُ بهِ لأتَى بأمرٍ عظيمٍ وداهيَةٍ دَهْيَاءَ معَ قِلَّةِ زمانِهِ وخَفَاءِ مكانِهِ، بحيثُ ظُنَّ ذَئِباً أوْ فُرْعُلاً اعتَسَّ، ثمَّ ظُنَّ قَطَاةً أوْ أجْدَلَ حَصَلَ لهُ رَوْعٌ، وإنْ يكُن الطارقُ إنْساً فما مثلُ هذهِ الفِعْلَةِ تفعلُ الإنسُ، فقدْ خرجَ عنْ نظائرِهِ من الإنسِ بفِعْلَتِهِ المُنْكَرَةِ المُقَرَّرةِ. وهذا يدُلُّكَ على ما قرَّرْنَاهُ منْ كونِ المسئُولِ عنهُ منهما مطلوبَ التصَوُّرِ لا مُعَيَّناً مشْكُوكاً فيما نُسِبَ إليهِ، ويُسَمَّى الأوَّلُ تصوُّراً، والثاني تصدِيقاً.
هذا والإنسُ فاعلُ فِعْلٍ مُقَدَّرٍ دلَّ عليهِ المُؤَخَّرُ، فهوَ من الاشتغالِ في المرفوعِ, نظيرَ قولِهِ تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ}.


  #4  
قديم 11 محرم 1430هـ/7-01-2009م, 11:57 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي أعجب العجب لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


وليلةِ نَحْسٍ يَصْطَلِي القَوْسَ رَبُّها = وأَقْطُعَه اللاتِي بها يَتَنَبَّلُ

النَّحْسُ ضِدُّ السعْدِ، والنحْسُ الْبَرْدُ، وله أَرادَ ههنا.
والاصطلاءُ أنْ تُقَاسِيَ حَرَّ النارِ وشِدَّتَها، يُقالُ: اصْطَلَيْتُ بالنارِ, وتَصلَّيْتُ بها، قالَ أبو زُبيدٍ:

وقد تَصَلَّيْتُ حَرَّ حَرْبِهم كما = تَصَلَّى المقرورُ مِن قَرْسِ

والقَرْسُ البَرْدُ.
ورَبُّها صاحِبُها، والأَقْطُعُ جمعُ قِطْعٍ، وهو نَصْلٌ قصيرٌ عَريضُ السهْمِ، يُريدُ أنه يَصطلِي القَوسَ والسهامَ لشِدَّةِ البَرْدِ, ويَتَنَبَّلُ أي: يَرْمِي بها.
وليلةِ نَحْسٍ, الواوُ واوُ "رُبَّ"، و"رُبَّ" بعدَها مُضمَرَةٌ، والجارُّ بها دونَ الواوِ، لأنَّ الواوَ للعطْفِ، وهي غيرُ مُخْتَصَّةٍ بموْضِعٍ، بل تكونُ في الأسماءِ والأفعالِ والحروفِ، وما لا يَخْتَصُّ لا يَعملُ إلا إذا كان نائباً غيرَ مُخْتَصٍّ لا يَظهرُ معه, قولاً واحداً، مثلُ واوِ القسمِ, فإنها لا تَدخلُ على الباءِ أَصْلاً, ولذلك لم تَعملْ حروفُ العطفِ؛ لأنَّ العاملَ يَظهَرُ معها، والواوُ تَدخلُ على "رُبَّ" مع أنها عاطفةٌ، ويَصطلِي نَعْتٌ لـ "ليلةِ" أيْ: مُصْطَلًى فيها، وأَقْطُعُه معطوفٌ على القوسِ، و"اللاتي" صِفةٌ لأَقْطُعَ، و"بها" يَتعلَّقُ بـ "يَتَنَبَّلُ".
دَعَسْتُ على غَطْشٍ وبَغْشٍ وصُحْبَتِي سُعارٌ وإِرْزِيزٌ ووَجْرٌ وأَفْكَلُ
الدَّعْسُ الطعْنُ والوَطْءُ، والغطْشُ الظُّلمةُ، والبَغْشُ الْمَطَرُ الخفيفُ، وهو فَوْقَ الطَّشِّ، والسُّعارُ بالضمِّ حَرُّ النارِ وشِدَّةُ الجوعِ، ومُرادُه حَرٌّ عظيمٌ مِن شِدَّةِ الْجُوعِ، يُشْبِهُ حَرَّ النارِ.
والإرزيزُ البَرْدُ، والوجْرُ الخوفُ، وقد رُوِيَ: وَجْزٌ. وقِيلَ: هو الْخَوفُ أيضاً، والأَفْكَلُ الرِّعْدَةُ، على وزْنِ أَفعَلَ.
دَعَسْتُ جَوابُ رُبَّ في البيتِ قَبْلَه، ومَوْضِعُ "وليلةِ نَحْسٍ" نَصْبٌ بـ "دَعَسْتُ" أيْ: دَعَسْتُ في ليلةِ نَحسٍ، ويَجوزُ أنْ يكونَ "دَعَسْتُ" صِفةً لـ "ليلةِ"، أيْ مدعوسٌ فيها، ويكونُ العاملُ في "رُبَّ" محذوفاً وتقديرُه: تَعَمَّدْتُ الدعْسَ في ليلةِ نَحْسٍ، وعلى غطْشٍ موضِعُه حالٌ، أيْ داخلاً في ظلمةٍ ومَطَرٍ، وصُحبتي مُبتدأٌ, وسُعارٌ خبرُه، والجملةُ حالٌ، أيْ مُسْتَصْحِباً، وصاحبُ الحالِ الضميرُ في "دَعَسْتُ".

فأَيَّمْتُ نِسواناً وأَيْتَمْتُ إِلْدَةً = وعُدْتُ كما أَبْدَأْتُ والليلُ أَلْيَلُ

الأَيِّمُ مَن لا زَوْجَ له مِن الرجالِ والنساءِ، أيْ: تَركتُهم بلا أَزواجٍ, واليُتْمُ الانفرادُ, وهو في الناسِ مِن قِبَلِ الأبِ، وفي البهائمِ مِن قِبَلِ الأُمِّ، أي تَركتُ الأولادَ بلا آباءٍ، وإِلدةٌ عبارةٌ عن الأولادِ، وأَلْيَلُ أيْ: مُظْلِمٌ.
الفاءُ عاطفةٌ على دَعَسْتُ، وإلدةٌ هَمْزَتُها بدَلٌ مِن الواوِ، لأنها مِن الولَدِ والوِلادةُ، والكافُ في "كما" صِفةٌ لمصدَرٍ محذوفٍ, تَقديرُه: وَعُدْتُ عَوْدًا مُشْبِهاً، و"ما" مَصدريَّةٌ، أيْ كإبدائِي، والليلُ أَلْيَلُ، جُملةٌ مِن مُبتدأٍ وخبَرٍ، وهي حالٌ، وصاحبُ الحالِ الضميرُ في "عُدْتُ"، أيْ عُدْتُ مُلْيِلاً, وجاءَ بـ "أليلُ" للمبالَغَةِ.

وأَصْبَحَ عَنِّي بالغُيمصاءِ جَالِساً = فَريقانِ مَسؤولٌ وآخَرُ يَسألُ

الغُميصاءُ موْضِعٌ بنَجْدٍ, والْجَلْسُ اسمٌ لنَجْدٍ، يُقالُ: جَلَسَ الرجُلُ، إذا أتى نَجْداً، فهو جالِسٌ، كما يُقالُ: أَتْهَمَ, إذا أَتى تِهامةَ، وقالَ الشاعرُ:

قُلْ للفَرزدقِ والسفاهةُ كاسْمِها = إنْ كنتَ تاركَ ما أَمَرْتُكَ فاجْلِسِ

أَصْبَحَ تُستعملُ ناقصةً وتامَّةً، والوَجهانِ هنا مُحتمِلانِ، أمَّا كونُها تامَّةً، فيَحْتَمِلُ أنه أَخْبَرَ عن الفريقينِ، بأنهما دَخَلاَ الصباحَ في هذه الحالِ، وفريقانِ العاملُ، و"جالساً" حالٌ، والغُميصاءُ حالٌ مِن الضميرِ في "جالساً" أيْ: أَصْبَحَ جالساً وهو بالغُميصاءِ، والوجهُ الآخَرُ أنْ تكونَ ناقصةً، وفريقانِ اسْمُها، و"جالساً" خبَرُها، والواجبُ أنْ يُطابِقَ الخبرُ الاسمَ في التثنيةِ والجمْعِ، ولكنِ اكتَفَى بالواحدِ عن الاثنينِ، وقد جاءَ ذلك, فمِنه قولُ الشاعرِ:

وكأنَّ في العَينينِ حَبَّ قُرُنْفُلٍ = أو سُنْبُلاً كُحِلَتْ به فانْهَلَّتِ

فأَفْرَدَ "كُحِلَتْ"، وهو يُريدُ: كُحِلَتَا, وكذلك: فانْهَلَّتِ، أيْ: فانْهَلَّتَا.
وكذلك قولُ الآخَرِ:
لِمَنْ زُحلوفةٌ زَلُّ بها العَينانِ تَنْهَلُّ
أيْ: تَنْهَلاَّنِ. ففَعَلَ فيه كما تَقدَّمَ.
وأمَّا "عَنِّي" فالعامِلُ فيها فعْلٌ محذوفٌ يُفَسِّرُه "يَسألُ"، تَقديرُه: أَصْبَحَ يَسألُ عَنِّي فريقانِ، والداعي إلى هذا التقديرِ: أنْ يَسألَ، ومَسؤولٌ صفةٌ لـ "فريقانِ"، فلو أَعْمَلَ واحداً منهما في "عني" لأُعْمِلَتِ الصفةُ فيما قَبْلَها، ولا تَعْمَلُ فيما قَبْلَها، لأنها نازِلةٌ مَنزلةَ الصلةِ مع الموصولِ، وكما أنَّ الصلةَ لا تَعملُ في الموصولِ ولا فيما قبلَه، فكذلك الصفةُ؛ لأنَّ ما في حَيِّزِ الصفةِ كالصِّلَةِ، والصفةُ مع الموصوفِ بمنزلةِ الاسمِ الواحدِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ "عني" صِفةً لجالِسٍ، أيْ بَعيداً مجاوزًا لي، فَلَمَّا قُدِّمَ صارَ حالاً، ويَجوزُ على هذا أنْ يكونَ متَعَلِّقاً بـ "جالساً"، وبالغُميصاءِ ظرْفٌ، العاملُ فيه "جالِساً"، أي" "جالساً" في الغُميصاءِ، ولا يَعملُ فيه ما هو صفةٌ لـ "فريقانِ"؛ لِمَا ذَكَرْنَا قبلُ، ويَجوزُ أنْ يكونَ خبرُ "أَصْبَحَ" "فَريقانِ"، أيْ مُسْتَقِرِّينَ بالغُميصاءِ، فعلى هذا يكونُ "جالساً" حالاً مِن ضميرِ الاستقرارِ، ولم تُثَنَّ الحالُ لِمَا ذَكَرْنَا قبلُ مِن الاكتفاءِ بالواحدِ عن التثنيةِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن "فريقانِ"؛ لأنه وإن كان نَكرةً فقد وُصِفَ، ويَجوزُ أنْ يكونَ "جالساً" صفةً لـ "فَريقانِ"، وإنما أُفْرِدَ لِمَا تَقَدَّمَ، فلَمَّا قَدَّمَ "جالساً" نُصِبَ على الحالِ، ومسؤولٌ خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ، أيْ أحَدُهما مسؤولٌ والآخَرُ يَسألُ، قالَ شيخُنا مُحِبُّ الدِّينِ ـ أثابَه اللهُ الجنَّةَ ـ: الْجَيِّدُ أنْ يُقَدَّرَ ههنا مبتدأٌ، ومسؤولٌ وآخَرُ يَسأل ُخبرُه، ويكونُ التقديرُ: هما، وعندَ الأخفَشِ, أنَّ الظرْفَ يَعْمَلُ الرفعَ في الاسمِ الذي بعدَه، كما يَعْمَلُه الفعلُ في الفاعلِ، سواءٌ اعتمَدَ على ما قبلَه أو لم يَعتمدْ، إلا أنه إذا اعتمَدَ كان موضعَ اتفاقٍ، وههنا وافَقَ الأخفَشُ على أنَّ الظرْفَ وهو بالغُميصاء، لا يكونُ رافعاً لـ "فريقانِ"؛ لأنَّ "أَصْبَحَ" يَقتضِي اسماً مرفوعاً وخبراً منصوباً، فإذا رَفعتَ "فريقانِ"، تَعَرَّى "أَصبحَ" عن معمولٍ، وهو خَرْقُ القاعدةِ، فلذلك وافَقَ هنا.

فقَالُوا لقد هَرَّتْ بليلٍ كلابُنا = فقُلنا أذِئْبٌ عَسَّ أمْ عَسَّ فُرْعُلُ

هريرُ الكلبِ صوتُه دُونَ نُباحِه مِن قِلَّةِ صَبْرِه على البَرْدِ. وهَرَّ الكلْبُ يَهِرُّ هَريراً. قالَ الشاعِرُ يَصِفُ شِدَّةَ البَرْدِ:

إذا كَبَدَ النجْمُ السماءَ بشَتْوَةٍ = على حينَ هَرَّ الكلْبُ والثلْجُ خاشِفُ

والْخَشْفَةُ الْحِسُّ والحركةُ، وخَشَفَ الثلْجُ، وذلك في شِدَّةِ البَرْدِ، تَسمعُ خَشْفَةً عندَ المشْيِ عليه، ونَصَبَ حينَ لأنه جَعَلَ "على" فَضلةً زائدةً.
والعَسُّ الطوافُ بالليلِ، وعَسَّ الكلبُ إذا طافَ فطَلَبَ، والفُرْعُلُ ولَدُ الضَّبُعِ، وفي الْمَثَلِ (أَغْزَلُ مِن فُرْعُلٍ) وهو مِن الغَزَلِ والْمُرَاوَدَةِ.
والفاءُ في "فقالوا" رابطةٌ لِمَا بعدَها بما قَبْلَها، واللامُ في "لقد" جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، أيْ: واللهِ لقد، وبِليلٍ ظرْفٌ لِـ "هَرَّتْ"، ويَجوزُ جعْلُه حالاً مِن "كلابُنا"، وموضِعُ هذه الْجُملةِ وما يَتعلَّقُ بها نصْبٌ بـ "قالوا"؛ لأنه المفعولُ، وهي جُملةٌ مَحكيَّةٌ، وأَذِئْبٌ يَجوزُ أنْ يكونَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، أي العاسُّ، و"عَسَّ" على هذا صفةُ ذِئْبٍ، أي عاسٌّ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مَرفوعاً بفعْلٍ يُفَسِّرُه "عَسَّ"، أيْ: عَسَّ ذِئبٌ، ومتى كان الاسمُ مَرفوعاً وَحُكِمَ بأنه فاعلٌ لفعْلٍ محذوفٍ، كانَ الفعْلُ واقِعاً بعدَ الاسمِ المفَسِّرِ للفعْلِ المحذوفِ، مِن جِنسِ المفَسَّرِ و"عَسَّ" الذي بعدَ أَذِئْبٌ لا مَوْضِعَ له، وهو المحذوفُ، وأمْ هي المعادِلَةُ هَمزةَ الاستفهامِ متَّصِلَةٌ؛ لأنه يَصِحُّ أنْ تُقَدَّرَ بـ (أَيُّهما) فيُقالُ: أيُّهما عَسَّ، كما إذا قُلتَ: أَزيدٌ عندَك أمْ عمرٌو، أيْ أيُّهما عندَك، وإنما كان كذلك لأنَّ (أيَّهما) اسمٌ مُفْرَدٌ، فإذا كان خَبَرُها مُتَّحِداً، جازَ, لا أنْ يكونَ مُخْتَلِفاً بجَرٍّ, كما إذا قُلتَ: أَزَيْدٌ في الدارِ أمْ عمرٌو في السوقِ؟ لأنه لا يَصِحُّ تقديرُ: أيُّهما عندَك، وقيلَ: بل هي منْقَطِعَةٌ؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ مِن الاسمينِ، وهما ذِئبٌ وفُرعُلٌ قد اختَصَّ بِخَيَرٍ أُسْنِدَ إليه، وما بعدَ "فقلتا" نَصْبٌ به لأنه مَحْكِيٌّ.
فلم تَكُ إلا نَبأةٌ ثم هَوَّمَتْ = فقُلنا قَطاةٌ رِيعَ أمْ رِيعَ أَجدَلُ
النَّبْأَةُ: صوتٌ, أيْ: ما كان إلا صوتٌ ثم نامَتْ؛ لأنَّ التهويمَ هو النومُ، يُقالُ: هَوَّمَتْ أي نامَتْ، رِيعَ أيْ أُفْزِعَ، والأجْدَلُ الصقْرُ.
والمعنى أنه لم يُوجَدْ مِن الكلابِ إلا صوتٌ, فزَالَ نَوْمِي كما يَزولُ نومُ القَطاةِ والأَجْدَلُ بأَدْنَى حركةٍ أو صوتٍ.
و"لم" جازِمَةٌ لـ "تَكُ"، والأصْلُ "تكونُ"، فحُذِفَتْ حركةُ النونِ بالجازِمِ، فلَمَّا سَكَنَتِ النونُ حُذِفَتِ الواوُ لسكونِها وسكونِ النونِ بعدَها، وكانَ حذْفُ الواوِ أَوْلَى؛ لأنه حرْفُ عِلَّةٍ، ثم حُذِفَتِ النونُ لكثرةِ الاستعمالِ لهذه الكلمةِ، ولا يُقاسُ عليه مِثلُ: يَمُونُ ويَهونُ، ويَصونُ، ونظائرُه، لكثرةِ الاستعمالِ لـ "كانَ"، وكانَ هنا تامَّةٌ لأنها بمعنى الوِجدانِ، ونَبأةٌ فاعلُها، و"إلا" غيرُ عاملةٍ هنا في اللفْظِ، وإنما أَثَّرَتْ في المعنى لأنها نَفَتْ النفيَ المتقَدِّمَ، و"ثم" عاطفةٌ للجملةِ التي بعدَها على الجملةِ التي قبلَها، وليستْ عاطفةً لِـ "هَوَّمَتْ" على نفْسِ "تَكُنْ"؛ لأنه يُؤَدِّي إلى نَفْيِ التهويمِ، ومرادُ الشاعرِ إثباتُه، وقَطاةٌ خبرُ مُبتدأٍ, أيْ: أَهَذِه قَطاةٌ، ورِيعَ صِفةٌ لقطاةٍ أيْ: مَروعةٌ، وقيلَ: قَطاةٌ مُبتدأٌ، ورِيعَ خبرُه، وفيه بُعدٌ، لكونِ المبتدأِ نَكرةً ولم يَقْوَ بشيءٍ، كالمواضِعِ التي يُبْتَدَأُ بالنَّكِرَاتِ فيها، وتَرْكُ التأنيثِ في "رِيعَ" شاذٌّ مُخَالِفٌ للقياسِ, إذ القياسُ يَقتضِي عندَ تَقَدُّمِ الاسمِ على الفعلِ إلحاقَ التاءِ على الفعْلِ، كقولِك: هندٌ قامَتْ، وزينبُ أَقْبَلَتْ، وقد جاءَ مِن ذلك شاذًّا:
فلا مُزْنَةٌ وَدَقَتْ وَدْقَهَا ولا أرْضٌ أَبْقَلَ أبقالَها
فلم يُلْحِقِ التاءَ في "أَبْقَلَ".
وقيلَ: إنَّ القَطاةَ طائرٌ، والطائرُ اسمُ جِنْسٍ، فلم يُلْحِقِ التاءَ حَمْلاً على الجنْسِ، والهمزةُ مقَدَّرَةٌ في أوَّلِ قَطاةٍ، أيْ أَقطاةٌ، ودَلَّ على صِحَّةِ هذا التقديرِ قولُه: أمْ رِيعَ أَجْدَلُ، والكلامُ في "أَمْ" هذه كالكلامِ في "أم" الْمُقَدَّمَةِ.
فإنْ يَكُ مِن جِنٍّ لَأَبْرَحُ طَارِقاً = وإنْ يكُ إنساً مَاكَهَا الإنْسُ تَفعلُ
الْبَرْحُ الشدَّةُ، قالَ الشاعرُ:
أَجَدِّكَ هذا عَمْرَك اللهَ كلما = دَعاكَ الهَوَى بَرْحٌ لعينيك بارِحُ
"إنْ" شَرطيَّةٌ، و"يَكُ" تَقَدَّمَ الكلامُ عليها، واسْمُها مضمَرٌ فيها. أيْ: إنْ يَكُ الْمُرَوِّعُ، و"مِن جِنٍّ" خبرُ كانَ، أيْ إنْ كانَ جِنِّيًّا، واللامُ في "لأَبْرَحُ"، جوابُ قَسَمٍ محذوفٍ، أيْ واللهِ لأَبْرَحُ، وهنا جوابُ القسَمِ أَغْنَى عن جوابِ الشرْطِ، كقولِه تعالى: {وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولَنَّ} وكما لو قُلتَ: إنْ أَكْرَمْتَنِي لأُكْرِمَنَّكَ، أيْ واللهِ، و"طارقاً" تَمييزٌ، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في "لأَبْرَحُ"، وهو للطارقِ، و"إنْ يَكُ" "إنساً" مثلُ أوَّلِ البيتِ، والكافُ معناها التشبيهُ، وهي حرْفُ جَرٍّ، وقد تَكونُ اسماً، وهي مُحْتَمِلَةٌ للأمرينِ هنا، فإذا كانتْ حَرْفاً حُكِمَ بأنها في موضِعِ نصْبٍ بـ "تَفعلُ"، وإنْ كانتِ اسْماً كانتْ مَفعولاً صَريحاً، أيْ ما تَفعلُ الإنسُ مثلَها، والضميرُ في "ها" عائدٌ إلى الفِعلةِ التي وُجِدَتْ, والإنسُ مُبتدأٌ, و"تَفعلُ" خبرُه.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لامية, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 03:24 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir