دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > الأدب > لامية العرب

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 05:14 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي شرح لامية العرب (3/10) [ولست بمهياف يعشي سوامه ... مجدعة سقبانها وهي بهل]


14- ولستُ بمِهْيَافٍ يُعَشِّي سَوَامَهُ = مُجَدَّعَةً سُقْبَانُهَا وهيَ بُهَّلُ
15- ولا جُبَّأٍ أَكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ = يُطَالِعُهَا في شَأْنِهِ كيفَ يَفْعَلُ
16- ولا خَرِقٍ هَيْقٍ كأنَّ فُؤَادَهُ = يَظَلُّ بهِ المُكَّاءَ يعْلُو ويَسْفُلُ
17- ولا خَالِفٍ دَارِيَّةٍ مُتَغَزِّلٍ = يَرُوحُ ويغْدُو دَاهِناً يَتَكَحَّلُ
18- ولسْتُ بِعَلٍّ شرُّهُ دونَ خيرِهِ = ألَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أعْزَلُ
19- ولسْتُ بمِحْيَارِ الظلامِ إذا انْتَحَتْ = هُدَى الهَوْجَلِ العِسِّيفِ يَهْمَاءَ يَعْمَلُ


  #2  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 09:57 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي شرح أبي فيد مؤرج بن عمرو السدوسي


16 - ولستُ بِمِهْيَافٍ يُعَشِّي سَوَامَهُ = مُجَدَّعَةً سُقْبَانُها وَهْيَ بُهَّلُ

الْمِهيافُ: الشديدُ العَطَشِ، والسَّوَامُ: المالُ السائِمُ وهو الراعِي، يقالُ: سامَ المالُ يَسومُ سَوْمًا: إذا نُشِرَ.
وسُمْتُ المالَ: رَعَيْتُهُ، ومُجَدَّعَةً: تُقْطَعُ آذانُها كأنه يُنَفَّرُ عنها الْمَنِيَّةُ؛ لئَلاَّ تَلْحَقُها العَيْنُ.
وسُقبانٌ: جَمْعُ سَقْبٍ وسَقْبَةٍ وهو الصغيرُ مِن أولادِ الإبِلِ.
والبُهَّلُ: جَمْعُ باهِلٍ، وهي التي لا صِرارَ عليها لتَرْضَعَها أولادُها فيكونَ أَسْمَنَ لها.
يقولُ: لستُ كهذا اللئيمِ الذي يُعَشِّي سُقبانَ إبِلِه بأَلْبَانِها, وهو عَطشانُ لا يَشرَبُ مِن أَلبانِها شَيْئًا.
قالَ غيرُه: أيْ: لستُ برَاعٍ قد عَطِشَتْ إبِلُه.
والْمِهْيَافُ: الراعِي الذي تَعْطَشُ إبِلُه سريعًا، والسَّوَامُ: الإبِلُ, والسُّقبانُ: الذُّكرانُ مِن ولَدِ الإبِلِ، مُجَدَّعَةً: لم تَرْوَ مِن اللبَنِ، بُهَّلُ: لا صِرارَ عليها.

17 - ولا جُبَّأٍ أَكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِه = يُطَالِعُها في شأنِه كيفَ يَفْعَلُ
ويُرْوَى: في أمْرِه.
الْجُبَّأُ: الْجَبانُ، وقالَ أبو عيسى الأَعرابيُّ: الأَكْهَى: الأَبْخَرُ، والْمُرِبُّ: الْمُقيمُ لا يُفارِقُ عِرْسَه وبَيْتَه، ويُطَالِعُها: يُؤَامِرُها في كلِّ أمْرٍ يُريدُ أنْ يَفعلَه، وقالَ غيرُه: الْجُبَّأُ: الضَّعيفُ اللازِمُ لعُقْرِ بَيتِه.
يُقالُ: جَبَأَتِ الضَّبُعُ إذا صارَتْ في أَقْصَى جُحْرِها.
وأَكْهَى: ثَقيلٌ ويُقالُ: بَلِيدٌ.

18 - ولا خَرِقٍ هَيْقٍ كأنَّ فُؤَادَه = َظَلُّ به الْمُكَّاءُ يَعْلُو ويَسْفُلُ

الْخَرِقُ: الجاهِلُ, خَرِقَ يَخْرَقُ أيْ: جَهِلَ, وخَرُقَ فهو أَخْرَقُ: الأَحْمَقُ، ويُرْوَى: خَرِقٍ هَيْكٍ، والْهَيْكُ: الأَحْمَقُ, أَرادَ: هَيِّكٍ، فخَفَّفَه كما يُقالُ: مَيْتٌ [ومَيِّتٌ] والْهَوَكُ: الْحُمْقُ، رجُلٌ هَوَّاكٌ مُتَهَوِّكٌ: يَقعُ في الأشياءِ بحُمْقٍ.
ومَن رَوى: هَيْقٍ, أرادَ الطويلَ.
والْمُكَّاءُ: طائرٌ أكبرُ مِن العُصفورِ، يُريدُ أنَّ فُؤادَه فؤادُ طائرٍ جَبانٍ.
وقالَ غيرُه: هَيْقٍ, نَعامٍ.

19 - ولا خالفٍ دارِيَّةٍ مُتَغَزِّلٍ = يَروحُ ويَغدو داهِنًا يَتَكَحَّلُ

الخالِفُ: الفاسِدُ، يُقالُ: هو خالِفَةُ أهْلِ بَيتِه.
أيْ: أَرْدَأُهُم وأَفْسَقُهم, والدارِيَّةُ: لا يُفارِقُ البيوتَ, والْمُتَغَزِّلُ الذي يُغَازِلُ النساءَ، يَتحدَّثُ إليهِنَّ ويَتْبَعُهُنَّ، يُقالُ منه: إنه لَزِيرُ نِساءٍ وخِلْمُ نِساءٍ وتِبْعُ نِساءٍ, قالَ غيرُه: دَارِيَّةٌ: صاحبُ الدارِ.

20 - ولستُ بعَلٍّ شَرُّه دونَ خيرِه = أَلَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أَعزلُ

العَلُّ: الذي لا خَيْرَ عندَه, وشَرُّهُ دُونَ خيرِه، أيْ: هو معترِضٌ أبَدًا دُونَ خيرِه، أيْ: هو شَرٌّ بلا خيرٍ، والأَلَفُّ: العاجِزُ الواهِنُ، أيْ: لستُ كهذا الذي هذه صِفَتُه.
قالَ غيرُه: يُقالُ: ألَفَّ: الرجُلُ إذا فَزِعَ ودَهِشَ، ويُقالُ: الْجَبانُ، ويُقالُ: العظيمُ الفَخِذَيْنِ, ويُقالُ: البطيءُ العاجزُ.

21 - ولستُ بمِحيارِ الظلامِ إذا نَحَتْ = هُدى الْهَوْجَلِ العِسِّيفِ يَهماءُ هَوْجَلُ

أرادَ بِمِحْيَارٍ في الظلامِ، يُريدُ أنه لا يَتحيَّرُ, إذا أَظْلَمَ يَسرِي بالنجومِ, إذا نَحَتْ: جَدَّتْ، وكلُّ مَن جَدَّ في أمْرٍ فقد نَحَا له وانْتَحَى له، ونَحَا: قصَدَ، والْهَوْجَلُ: الدَّليلُ، العِسِّيفُ: يَركَبُ الْمَفازَةَ على غيرِ قَصْدٍ.
واليَهماءُ: الْمَفَازَةُ: يَهيمُ فيها السالِكُ.
والْهَوْجَلُ الثاني هو الْمَفَازَةُ، ويُرْوَى: إذا انْتَحَتْ، وقالَ غيرُه: الْمِحْيَارُ: الذي يَضِلُّ في الْمَفازَةِ، رجُلٌ مِحيارٌ: إذا لم تَكنْ له هِدايةٌ.
والْهَوْجَلُ: الأَحْمَقُ الضَّعيفُ، الذي يَعْسِفُ البلادَ يَقْطَعُها، وهَوْجَلُ: الفَلاةُ التي لا عَلامَةَ فيها.


  #3  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 09:59 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تفريج الكرب للشيخ: محمد بن القاسم ابن زاكور الفاسي

14- ولستُ بمِهْيَافٍ يُعَشِّي سَوَامَهُ = مُجَدَّعَةً سُقْبَانُهَا وهيَ بُهَّلُ
المِهْيَافُ: الشديدُ العَطَشِ. والسَّوَامُ: النَّعَمُ الراعي كالسائمةِ. أَسَامَ الإبِلَ: رَعَاهَا. وعشَّاها بالتشديدِ: رَعَاهَا ليلاً، فهيَ عاشيَةٌ، وفي المثلِ: العاشيَةُ تَهِيجُ الآبِيَةَ، أي: الراعيَةُ تبعثُ التي امتنعتْ من الرعْيِ عليهِ، والسُّقْبَانُ - بالضمِّ -: أولادُ الإبلِ. ومن الناسِ مَنْ خصَّ بهِ الذكورَ.
ومنهم مَنْ قالَ: إنَّما يُسَمَّى السَّقْبَ ساعةَ الولادةِ، وتجديعُ السُّقْبَانِ: إساءةُ غذَائِهَا كإجْدَاعِهَا، والبُهَّلُ جمعُ باهِلٍ: وهيَ الناقةُ التي لا صِرَارَ عليها. والصِّرَارُ، بالصادِ المُهْمَلَةِ بزنةِ كِتَابٍ: ما يُشَدُّ بهِ ضَرْعُ الناقةِ، يُقَالُ: أبْهَلَهَا إذا أهْمَلَها منْ ذلكَ وتركَ ولدَهَا يَرْضَعُها.
يقولُ: لستُ راعياً شديدَ العطشِ أوْ سريعَهُ في حالِ كوْنِهِ يَرْعَى إبِلَهُ ليلاً حالةَ كونِ الإبلِ جائعةَ الأولادِ لقِلَّةِ اللبنِ، وفي حالِ كوْنِهَا غيرَ مشدودةِ الضروعِ منْ أجلِ ذلكَ؛ إذْ لا فائدةَ في شدِّها حينَ لا لبنَ، فأوْلادُها تُرْضِعُهَا لوْ كانَ الرضاعُ يُغْنِيهَا منْ جوعٍ أوْ يُسْمِنُها، وهذهِ حالةٌ شديدةٌ، نفَى عنْ نفسِهِ أنْ يكونَ مَنْ ذَكَرَ مؤكِّداً للنفيِ بزيادةِ الباءِ في الخبرِ؛ لأنَّ الكونَ على تلكَ الحالِ تسوءُ معَهُ الأخلاقُ وتَحْرَجُ بهِ الصدورُ.
15- ولا جُبَّأٍ أَكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ = يُطَالِعُهَا في شَأْنِهِ كيفَ يَفْعَلُ

( 4 / ب ) الجُبَّأُ، بوزْنِ سُكَّرٍ: الجبانُ. والأكْهَى بالهاءِ: الجبانُ الضعيفُ. فهوَ تأكيدٌ للجبانِ؛ أيْ: نعتٌ لهُ مفيدٌ للتأكيدِ بما فيهِ من الزيادةِ على معنى الأوَّلِ، يُقَالُ منهُ: كَهِيَ كرَضِيَ، والإِرْبَابُ بالعِرْسِ - أي: الزوجةِ - ملازمَتُها. ومُطَالعتُها في الشأنِ: مُؤَامَرَتُها فيهِ.
يقولُ: ولستُ أيضاً بجبانٍ ضعيفٍ مُلازمٍ لزوجتِهِ، يُؤَامِرُها في شئُونِهِ، كيفَ يفعلُ فيها، فقَوْلُهُ: كيفَ يفعلُ تفسيرٌ لِـ (يُطالعُها)؛ أيْ: يسألُها كيفَ يفعلُ فيما عنَّ لهُ منْ شأْنِهِ، وناهيكَ بضعفِ مَنْ يسألُ النساءَ، ويرجعُ إلى إشارتِهِنَّ في الأمورِ، ومشُورتِهِنَّ في الشئُونِ؛ فإنهنَّ ناقصاتُ عقلٍ ودينٍ، والمحتاجُ إليهنَّ في ذلكَ أنقصُ عقلاً، وأضعفُ رَأْياً.
16- ولا خَرِقٍ هَيْقٍ كأنَّ فُؤَادَهُ = يَظَلُّ بهِ المُكَّاءَ يعْلُو ويَسْفُلُ

الخَرِقُ - بالخاءِ المعجمةِ المفتوحةِ بوزْنِ كَتِفٍ - الذي خَرِقَ كفَرِحَ، أيْ: دَهِشَ منْ خوفٍ أوْ حياءٍ، أوْ بَهَتَ فاتحاً عينَيْهِ ينظرُ. وخَرِقَ الطائرُ: لمْ يقْدِرْ على الطيرانِ. والهَيْقُ: الدقيقُ الطويلُ. والمُكَّاءُ، بضمِّ الميمِ وفتحِ الكافِ المُشدَّدةِ: طائرٌ جمْعُهُ مَكَاكِيٌّ. وأمَّا المُكَاءُ بالتخفيفِ: فالتصفيرُ بالفمِ، أو النفخُ في الأصابعِ مُشَبَّكَةً. والمُكَّاءُ بالتشديدِ: ذُو مُكَاءٍ بالتخفيفِ، ولذلكَ يُسمَّى الصَّافِرَ، وهوَ طائرٌ جبانٌ يُضربُ بهِ المثلُ فيقالُ: أجبنُ منْ صافرٍ؛ ولذلكَ ما خصَّهُ الشنْفَرَى بظنِّهِ في فؤادِ الخَرِقِ الهَيْقِ. والفؤادُ: ما يتعَلَّقُ بالمَرِئِ منْ كبدٍ ورِئَةٍ وقلبٍ.
والمعنى على تشبيهِ القلبِ في الاضطرابِ من الدَّهَشِ والخوفِ بالمُكاءِ. وهوَ تشبيهٌ مُكَنًّى عنهُ لا مُصرَّحٌ بهِ، وبيانُ الكنايَةِ أنَّهُ يلزمُ منْ ظنِّ المُكاءِ في الفؤادِ ظنُّ القلبِ مُكاءً؛ لأنَّ الذي في الفؤادِ - على التحقيقِ - القلبُ، والظنُّ المذكورُ اسْتُفِيدَ منْ خبرِ (كأنَّ)، فإنَّهُ إذا كانَ فعلاً كما هنا، أوْ ظرفاً، أوْ مُشْتَقًّا، أُشْرِبَتْ (كأنَّ) معنى الظنِّ.
وتقديرُ البيتِ: ولستُ أيضاً بذي دَهَشٍ طويلٍ في نَحافةٍ؛ فإنَّ ذلكَ منْ أماراتِ الحُمْقِ غالباً، مظنوناً فؤادُ ذلكَ الخَرِقِ يُقيمُ بهِ المُكَّاءُ حالةَ كونِهِ عالياً وسافلاً، أيْ: يرتفعُ وينخفضُ منْ شدَّةِ الدهشِ.
17- ولا خَالِفٍ دَارِيَّةٍ مُتَغَزِّلٍ = يَرُوحُ ويغْدُو دَاهِناً يَتَكَحَّلُ

( 5 / أ ) الخالفُ: الذي خَلَفَ، بمعنى فسدَ أوْ حَمُقَ، ويُسَمَّى بهذا المعنى الثاني خالِفَةً أيضاً، أو الذي خلفَ عنْ أصحابِهِ، بمعنى تخلَّفَ عنهم، أو الذي خلَفَ غيرَهُ: أيْ صارَ خليفتَهُ في أهلِهِ. والدَّارِيَّةُ: مَنْ لا يُفارقُ البيوتَ. وقيلَ: الذي يُكْثِرُ الادِّرَاءَ لغيرِهِ، أي: الخَتْلَ. فتَاؤُهُ -عليهما- للمبالغةِ كعلاَّمَةٍ ونسَّابَةٍ. والمُتَغَزِّلُ: الذي يتكلَّفُ الغَزَلَ، بالتحريكِ: وهوَ محادثةُ النساءِ، ومُرَاودتُهُنَّ، غازَلَهُنَّ وغازَلْنَهُ.
يقولُ: ولستُ بالفاسدِ الذي يُخْلِفُ عنْ أصحابِهِ: أيْ: يتخلَّفُ عنهم، أوْ يخلُفُهم في أهالِيهم بالرِّيبَةِ، لا يُفارقُ البيوتَ لذلكَ، يُغازلُ النساءَ ويُغَازِلْنَهُ، رائحٌ غادٍ مُتطيِّباً مُتكحِّلاً، يستميلُ بذلكَ النساءَ.
والمقصودُ نفيُ كونِهِ خالِفاً، لا خَالِفاً موصوفاً بالأوصافِ المذكورةِ حتَّى يقالَ: لا يلزمُ منْ نفيِ الخالفِ الموصوفِ بها نفيُ الخالفِ غيرِ الموصوفِ بها، على أنَّهُ - واللَّهُ العالمُ سُبحانَهُ - لا وجودَ للخالفِ بدونِ تلكَ الأوصافِ، فهيَ مُفسِّرَةٌ لهُ، كاشفةٌ عنْ معناهُ، تُشْعِرُ بذمِّهِ، ومعَ ذلكَ فإنَّ نفوسَ ذَوِي الهِمَمِ من العربِ كانتْ تأْنَفُ منْ ذلكَ في جاهلِيَّتِها، وتذُمُّ فاعِلَهُ غايَةَ الذمِّ، ويتمَدَّحُونَ بغضِّ البصرِ عن الجاراتِ، قالَ عنترةُ: [ الكامل ]
وأَغُضُّ طرْفِي إنْ بدَتْ لي جارَتِي = حتَّى يُوَارِيَ جارَتِي مَأْوَاهَا
وقالَ عَقِيلُ بنُ عُلَّفَةَ المُرِّيُّ: [ الكامل ]

ولَسْتُ بسائلٍ جاراتِ بيْتِي = أَغُيَّابٌ رجَالُكِ أمْ شهودُ
ولا مُلْقٍ لِذِي الوَدَعَاتِ سَوْطِي = أُلاعِبُهُ ورَبَّتَهُ أُرِيدُ
ولَسْتُ بصادرٍ عنْ بيتِ جارِي = صُدورَ العَيْرِ غَمَّرَهُ الوُرودُ
18- ولسْتُ بِعَلٍّ شرُّهُ دونَ خيرِهِ = ألَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أعْزَلُ

العَلُّ، بفتحِ العينِ المهملةِ وتشديدِ اللامِ: مَنْ يزورُ النساءَ كثيراً، ومَنْ تقبَّضَ جِلْدُهُ منْ مرضٍ، والمُسِنُّ الصغيرُ الجُثَّةِ. وهذهِ المعاني صالحةٌ هنا كلُّها. أمَّا الذي يُكْثِرُ الزيارةَ للنساءِ فإنَّهُ يتخَلَّقُ بأخلاقِهِنَّ فيكثرُ شرُّهُ، ويقِلُّ خيرُهُ، كالَّذي تقبَّضَ جِلْدُهُ من المرضِ؛ فإنَّهُ يفْسُدُ مَزاجُهُ، ويَحْرَجُ صدْرُهُ ولا تَسَلْ عنْ شرِّهِ ونُدُورِ خيرِهِ.
وأمَّا الثالثُ فلأنَّ دمامةَ الخَلْقِ - بالفتحِ -( 5 / ب ) يُلازمُها ذَمَامَةُ الخُلُقِ في الغالبِ. والألَفُّ - بتشديدِ الفاءِ - العَيِيُّ البطيءُ الكلامِ، إذا تكلَّمَ ملأَ لسانُهُ فمَهُ، وهوَ أيضاً الثقيلُ البطيءُ المقرونُ الحاجبَيْنِ. وكلا المعنيَيْنِ يُعابُ بهِ؛ لكونِهِ يدلُّ على نقصٍ باطنِيٍّ. والاهتياجُ: الثَّوَرَانُ، كالْهَيَجِ والهَيَجَانِ والهِيَاجِ بالكسرِ. والروعُ: الفزعُ. والأعزلُ: الذي لا سلاحَ معهُ.
وجملةُ شرِّهِ دونَ خيرِهِ في موضعِ خفضٍ على النعتِ لِـ (عَلَّ). و(ألَفُّ) و(أعزَلُ) نعتانِ لهُ مقطوعانِ، أيْ: هوَ ألَفُّ، وهوَ أعزَلُ. والثاني هوَ المقطوعُ، والأوَّلُ تابعٌ لمَتْبُوعِهِ في الإعرابِ. والمقصودُ منْ هذهِ النعوتِ مُجرَّدُ الذمِّ للمنعوتِ على أنَّ الأوَّلَ، وهوَ: شرُّهُ دونَ خيْرِهِ، مُبَيِّنٌ لمُلازِمِ معنى المنعوتِ كما أوْمَأْنَا إليهِ آنِفاً، ومعنى: شرُّهُ دونَ خيرِهِ: أيْ: شرُّهُ أدنى للنَّاسِ منْ خيرِهِ، وضرُّهُ أقرَبُ إليهم منْ نفْعِهِ، فَشرُّهُ حائلٌ بينَهُ وبينَ خيرِهِ فلا يَصِلُونَ إليهِ، وهذا بحَسَبِ الدلالةِ الوضعيَّةِ.
أمَّا المقصودُ: فنفيُ خيْرِهِ على سبيلِ المبالغةِ، لا نفيُ الوصولِ إليهِ معَ وجودِهِ؛ لأنَّ وجودَ الخيرِ إنَّمَا يُدْرَكُ بنَيْلِهِ والوقوفِ عليهِ، وهوَ مُنْتَفٍ بكونِ الشرِّ دُونَهُ، أيْ: لا يُعْلَمُ فيهِ خيرٌ يَشُوبُ شرَّهُ، ونفعٌ يُخالِطُ ضرَّهُ. وأفْهَمَ نفيُ هذهِ الأوصافِ المذمومةِ عنهُ ثبوتَ أضدادِهَا المحمودةِ لهُ، فهوَ خيرُهُ دُونَ شرِّهِ قريبُ البيانِ، فصيحُ اللسانِ، ثَبْتُ الجَنَانِ، لا يَهْتَاجُ لقَعْقَعَةِ الشِّنَانِ، مُلازمٌ للسلاحِ، مُسْتَعِدٌّ للكفاحِ.

19- ولسْتُ بمِحْيَارِ الظلامِ إذا انْتَحَتْ = هُدَى الهَوْجَلِ العِسِّيفِ يَهْمَاءَ يَعْمَلُ

المِحْيَارُ: الكثيرُ الحَيْرَةِ. والانْتِحَاءُ: القصدُ. اليَعْمَلُ: الجملُ النَّجِيبُ المطْبُوعُ على العملِ، والناقةُ يَعْمَلَةٌ، واليَعْمَلُ واليَعْمَلَةُ اسمانِ لا يُوصَفُ بهما كما في القاموسِ.
واليَعْمَلُ فاعلُ انتَحَى، ويُرْوَى: هَوْجَلُ: وهيَ الناقةُ السريعةُ. وانْتَحَتْ بتاءِ التأنيثِ. والهُدَى، بضمِّ الهاءِ وفتحِ الدالِ: الرشادُ والدلالةُ، والمرادُ هنا: الطريقُ والقصدُ؛ لأنَّهُ يهتدي بالطريقِ ويُهْتَدَى لهُ، والهَوْجَلُ هنا: الدليلُ. والعِسِّيفُ، بكسرِ العينِ والسينِ المُشدَّدةِ المهملتَيْنِ: الذي يكْثُرُ منهُ قطعُ المفاوزِ على غيرِ طريقٍ؛ مُبالغةً في العاسِفِ.
و (هُدَى) منصوبٌ بِـ (انْتَحَتْ) على أنَّهُ مفعولٌ بهِ، أوْ مفعولٌ مطلقٌ مُرادِفٌ لمصدرِ الفعلِ؛ لأنَّ المعنى: انْتَحَى انتحاءَ ( 6 / أ ) الهَوْجَلِ، أو المعنى: اهْتَدَى هُدَاهُ.
وتقديرُ البيتِ: ولستُ بشخصٍ كثيرِ الحيرةِ في الظلامِ، بمعنى: يقعُ التحيُّرُ منهُ كثيراً، أيْ: تكثرُ مُرَاءَاتُهُ، أوْ يشتدُّ ما يقعُ منهُ منْ ذلكَ بحيثُ لا يَجِدُ مخرجاً، وقدْ يقالُ: لا يُحتاجُ إلى هذا؛ إذْ لا يُسَمَّى تحيُّراً إلاَّ ما كانَ مثلَ هذا. أمَّا التوقُّفُ الذي يعْقُبُهُ الاهتداءُ فليسَ بحيرةٍ، ولا يُذَمُّ بهِ صاحبُهُ، وقلَّما يسْلَمُ منهُ، فلأجلِ هذا خصَّ النفيَ بما يدلُّ على الكثرةِ في ذلكَ، وهوَ مِحْيَارٌ بزِنَةِ (مِفْعَالٍ) الذي هوَ منْ أمثلةِ المبالغةِ في تكثيرِ المعنى. ونفيُ ذلكَ عنهُ أفادَ ثبوتَ ضدِّهِ لهُ، وهوَ أنَّهُ كثيرُ الاهتداءِ إلى قصدِ السبيلِ عندَ اشتباكِ الظلامِ، فلا تَعْمَى عليهِ المسالكُ، إذا قُصِدَ جملٌ مطبوعٌ على العملِ بهِ قَصْدَ الدليلِ الذي يكثرُ منهُ عَسْفُ اليَهْمَاءِ؛ أي: المَفَازةِ التي يهيمُ فيها السالكُ.
فَـ(يَهْمَاءَ) ـ على ما قَرَّرْنَا ـ مفعولٌ بالعِسِّيفِ، وأسندَ القصدَ إلى الجملِ؛ لأنَّهُ هوَ الذي يَسِيرُ، فالراكبُ تابعٌ في القصدِ للمركوبِ، والمركوبُ تابعٌ للراكبِ في الاهتداءِ والتحيُّرِ، ولذلكَ ما نفى التحيُّرَ عنهُ دونَ الجملِ. وهذهِ منْ لطائفِ البلاغةِ وأسرارِ الفصاحةِ.
وجعلَ طريقَ الدليلِ هُدًى؛ لأنَّ مَنْ يسلُكْها يَجِدْ عليها هُدًى، فكانَ الطريقُ هُدًى من الدليلِ الذي سلَكَها أوَّلاً لمَنْ يسلُكُها بعدَهُ.
ويجوزُ أنْ يُفَسَّرَ الهُدَى بالراحةِ هنا، لاهتداءِ راكِبِها بها. فـ(هُدَى) عليهِ فاعلُ (انْتَحَتْ)، و(يعْمَلُ) بدلٌ منهُ، و(يهماءَ) بالنصبِ مفْعُولُهُ.
والتقديرُ: إذا قَصَدْتُ راحلةَ الهَوْجَلِ العِسِّيفِ وهيَ يَعْمَلُ يَهْمَاءُ.


  #4  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 10:02 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي أعجب العجب لأبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري


ولستُ بِمِهْيَافٍ يُعَشِّي سَوَامَهُ = مُجَدَّعَةً سُقبانُها وهي بُهَّلُ

الْمِهْيَافُ السريعُ العَطَشِ، والسوامُ والسائمُ المالُ الراعي، يُقالُ: سامَتِ الماشيةُ تَسُومُ سَوْماً، أيْ رَعَتْ، وجَمْعُ السائمِ والسائمةِ سَوائمُ، والْمُجَدَّعَةُ التي قُطِعَتْ آذانُها، والأشبَهُ أنه أَرادَ بالْمُجَدَّعَةِ السيِّئَةَ الغذاءِ، وقد جَدِعَ بالكسْرِ وأَجْدَعْتُه إذا أَسَأْتَ غِذاءَه، والسُّقْبُ الذكَرُ مِن وَلَدِ الناقةِ، ولا يُقالُ للأُنْثَى سُقْبَةٌ، والسُّقْبَةُ عندَهم هي الْجَحْشَةُ، وبُهَّلُ جَمْعُ باهِلٍ، وهي الناقةُ التي لا صِرارَ عليها، وكذلك هي ـ أيضاً ـ الناقةُ التي لا سِمَةَ عليها، وقالتِ امرأةٌ مِن العرَبِ لزوجِها: أتيتُكَ باهِلاً غيرَ ذاتِ صِرارِ.
والمعنى أَنِّي بَطيءُ العَطَشِ، أَدْخُلُ بسَوَامِي إلى الْمَرْعَى البَعيدِ لتَنَالَ منه، ولا أَخافُ سُرعةَ العَطَشِ، والسُّقبانُ ليستْ سَيِّئَةَ الغِذاءِ لأنَّ الأُمَّهَاتِ لا صِرارَ عليها.
ولستُ كلامٌ مُستَأْنَفٌ، ولا تَعَلُّقَ له بما قَبْلَه، وبِمِهْيَافٍ خَبَرُ ليسَ، ويُعَشِّي نَعْتٌ لِمِهْيَافٍ، تقديرُه مِهيافٌ مُعَشٍّ، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في مِهيافٍ، تَقديرُه مُعَشِّياً، ومُجَدَّعَةً ـ أيضاً ـ حالٌ مِن سَوَامِه، ولو رُفِعَ على أنه خبرُ مُبتدأٍ، هو سُقبانُها, لم يكنْ مُمْتَنِعاً، وإذا نَصَبْتَ مُجَدَّعَةً رَفَعْتَ سُقبانَها على أنه فاعلُ مُجَدَّعَةٍ، وهي بُهَّل مُبتدأٌ وخَبَرُه، موْضِعُه نصْبٌ على الحالِ مِن سَوَامِه، وهي حالُ مقَارَنَةٍ.

ولا جُبَّإٍ أَكْهَى مُرِبٍّ بعِرْسِهِ = يُطَالِعُهَا في شَأْنِهِ كيفَ يَفْعَلُ

الْجُبَّأُ الْجَبانُ. والأَكْهَى الأَبْخَرُ والكَدِرُ الأخلاقِ، وقيلَ إنه البَليدُ أيضاً، والْمُرِبُّ الْمُقيمُ على امرأتِه لا يُفَارِقُها.
ولا جُبَّإٍ معطوفٌ على لفْظِ مِهيافٍ، ويَجوزُ نَصْبُه عَطْفاً على موْضِعِ بِمِهْيَافٍ، وأَكْهَى يَجوزُ جَعْلُه نَعتاً للفْظِ مِهيافٍ ولِمَوْضِعِه، ويَجوزُ جَعْلُه حالاً مِن الضميرِ في جُبَّإٍ، ومُرِبٍّ يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ صِفةً لِجُبَّأٍ، على اللفْظِ، وأنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في أَكْهَى، فيَكونُ مَنصوباً، والباءُ في بعِرْسِهِ يَجوزُ أنْ يكونَ بمعنى على، أيْ مقيمٌ على عِرْسِه، كما تَقولُ: أَقَمْتُ على فُلانٍ، أيْ لازَمْتُه، ويَجوزُ أنْ يُقَدَّرَ حَذْفُ مضافٍ، ويُجْعَلَ الباءُ بمعنى في، أي مُرِبٍّ في بيتِ عِرْسِه.
ويُطَالِعُها يَجوزُ أنْ يكونَ صِفةً لِجُبَّأٍ، وقد تَقَدَّمَ الكلامُ عليه، ويَجوزُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ في مُرِبٍّ، أو مِن جُبَّأٍ؛ لأنه قد وُصِفَ، وفي شأنِه مَوْضِعُه نصْبٌ بـ "يُطَالِعُ" قَبْلَه، وأمَّا كيفَ فاسْمُ استفهامٍ عن الحالِ، مَبْنِيٌّ لتَضمينِ معنى حرْفِ الاستفهامِ، وبُنِيَ على حرَكةٍ لسكونِ ما قَبْلَ آخِرِه، وحُرِّكَ بالفتْحِ لِخِفَّتِه واستثقالاً للضَّمَّةِ والكسرةِ مع الياءِ، قالَ بعضُهم، هي ظَرْفٌ لأنها في غالِبِ أحوالِها تُفَسَّرُ باسمٍ يَصحبُه حَرْفُ الْجَرِّ، ألا ترى أنك إذا قلتَ: كيفَ زيدٌ؟ فتفسيرُ هذا الكلامِ: على أيِّ حالٍ زيدٌ، أو في أيِّ حالٍ زيدٌ، والصحيحُ أنها اسمٌ؛ لأنها يُبْدَلُ منها الاسمُ، كقولِك: كيف زيدٌ، أصحيحٌ أمْ مَريضٌ، وأيضاً فإنَّ كيف إمَّا أنْ تكونَ اسماً أو فِعْلاً أو حرْفاً, لا جائِزٌ أنْ تكونَ حَرفاً؛ لأنَّ الحرْفَ لا يُفيدُ كلاماً تامًّا، مع غيرِه في غيرِ النداءِ، نحوَ: يا زيدُ، وهذه تُفيدُ كقولِك: كيف زيدٌ؟ ولا جائِزٌ أنْ تكونَ فِعلاً؛ لأنَّ الفعْلَ لا يَلِي الفعْلَ مِن غيرِ فصْلٍ, وهذه تَلِيهِ، فتَعَيَّنَ أنْ تَكونَ اسماً، وأمَّا اشتقاقُ الفعْلِ مِن كيفَ، نحوِ قولِهم: هذا شيءٌ لا يُكَيَّفُ، فكلامٌ ليس بعربيٍّ، وإنما هو مُوَلَّدٌ، ويُشْبِهُ هذا في رَداءةِ الاستعمالِ إدخالُهم الألِفَ واللامَ على كَيفَ، نحوَ قولِهم: الكيفُ، ومَوْضِعُ كيفَ نَصْبٌ بـ "يَفْعَلُ"، فيَحْتَمِلُ أنْ يكونَ مَفعولاً، ويَحْتَمِلُ أنْ يكونَ حالاً مِن الضميرِ فيه.

ولا خَرِقٍ هَيْقٍ كَأنَّ فُؤَادَه = يَظَلُّ به الْمُكَّاءُ يَعْلُو وَيَسْفُلُ

الْخَرِقُ الدَّهِشُ مِن الخوفِ أو الحياءِ، والمرادُ هنا الخوفُ، وقد خَرِقَ بفَتْحِ الخاءِ وكسْرِ الراءِ، وأَخْرَقْتُه أيْ أَدْهَشْتُه، والْهَيْقُ الظَّلِيمُ. يُريدُ لستُ كالظَّلِيمِ في نُفُورِه عندَ حُدوثِ مُرَوِّعٍ، والْمُكَّاءُ طائرٌ، أيْ: لستُ ممن يَخافُ فيَتَقَلْقَلَ فُؤادُه ويَرْجُفَ، شَبَّهَ رَجَفانَ فُؤادِه وتَقَلْقُلَه بشيءٍ مع طائرٍ يَعلو به مَرَّةً ويَسْفُلُ به أُخرى، وخَرِقٍ بالجَرِّ عَطْفاً على ما قَبْلَه، مِن الصفاتِ المجرورةِ، ولو نُصِبَ على الحالِ عَطْفاً على أَكْهَى، كانَ جَائزاً، وهَيْقٍ نَعْتٌ لِخَرِقٍ، وكأنَّ ومَعْمُولَتُها في مَوْضِعِ جَرٍّ على الصفةِ لِمَا قَبْلَها، ويَجوزُ جَعْلُه حالاً مِن الضميرِ في خَرِقٍ، ومِن خَرِقٍ نفْسِه؛ لأنه قد وُصِفَ، ويَظلُّ وما عَمِلَتْ فيه خبرُ كأنَّ، ويَعْلُو خبرُ يَظَلُّ، وبه على هذا معمولٌ لـ "يَعْلُو" أو "يَسْفُلُ"، ويَجوزُ أنْ يكونَ "يَعْلُو" حالاً، وبه خَبَرُ يَظَلُّ، والأوَّلُ أَجْوَدُ وأَقْعَدُ في المعنَى.

ولا خَالِفٍ دَارِيَّةٍ مُتَغَزِّلٍ = يَروحُ ويَغْدُو داهِنًا يتَكَحَّلُ

الخالِفُ الذي لا خَيرَ فيه، يُقالُ: فُلانٌ خالِفَةُ أهْلِ بيتِه، إذا لم يكنْ عندَه خَيرٌ، والدارِيُّ الْمُقيمُ في دارِه لا يُفَارِقُها، والدارِيُّ العَطَّارُ، ويَجوزُ أنْ يكونَ مُرادُه هذا؛ لأنَّ الَعَطَّارَ يَكتسِبُ مِن رِيحِ عطْرِه فيَصيرُ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَطِّرِ، فأرادَ: إني لستُ ممن يَتشاغلُ بتَطييبِ بدَنِه وثوبِه، أو يَكتسِبُ مِن طِيبِ حَليلتِه، لملازَمَتِه لها، ومُغازَلَةُ النساءِ محادَثَتُهُنَّ ومُرَاوَدَتُهُنَّ، يُقالُ: غازَلْتُها وغازَلَتْنِي، والاسمُ الغَزَلُ، فالمتغَزِّلُ هو الذي يُحادِثُ النساءَ ويُرَاوِدُهُنَّ. فنَفَى عن نفْسِه هذا الوصْفَ لشرَفِ هِمَّتِه، والرواحُ نَقيضُ الصَّباحِ، وهو اسمٌ للوقْتِ مِن زوالِ الشمسِ إلى الليلِ، والغدُوُّ نَقيضُ الرواحِ.
والداهِنُ الذي يَدْهُنُ نفْسَه بالدُّهْنِ، والمتكَحِّلُ الذي يَتعاطَى كَحْلَ عَينيهِ.
ولا خالِفٍ ودَارِيَّةٍ ومتَغَزِّلٍ عطْفٌ على ما تَقَدَّمَ مِن الصفاتِ، ويَجوزُ فيها ما تَقَدَّمَ مِن إعرابِ الصفاتِ، ويَروحُ ويَغدُو حالانِ مِن الضميرِ في مُتَغَزِّلٍ, ويَجوزُ أنْ يَكونَا في مَوْضِعِ جَرٍّ نَعْتاً لما قَبْلَهما، وداهِناً خبرُ يَغْدُو، أو هي تامَّةٌ لا تَفتقِرُ إلى خبرٍ، فيكونُ "داهناً" حالاً مِن الضميرِ في يَغدُو، وأمَّا يَروحُ فاسْمُها مُستَتِرٌ بعدَها، وأمَّا خَبَرُها فمَحذوفٌ، دَلَّ عليه خَبَرُ يَغدُو، والمعنى: يُروحُ داهناً, وهذا المحذوفُ لك أنْ تَحكمَ عليه بالحالِ، كما حَكَمْتَ على داهناً الذي هو خبرُ يَغدو، وأمَّا يَتَكَحَّلُ، فيَجوزُ أنْ يكونَ خَبراً ثانياً ليَغْدُو، أو حالاً مِن الضميرِ في "دَاهِنا".

ولستُ بِعَلٍّ شَرُّه دونَ خَيْرِهِ = ألَفَّ إذا ما رُعْتَهُ اهتاجَ أَعْزَلُ

العَلُّ القَرَادُ، والعَلُّ مِن الرجالِ الْمُسِنُّ الصغيرُ الجسْمِ، شُبِّهَ بالقَرَادِ لصِغَرِه، والألَفُّ العاجِزُ الذي لا غَناءَ عندَه في حرْبٍ ولا ضَيْفٍ، والرَّوْعُ الفَزَعُ، يُقالُ: رُعْتُهُ: إذا أَفْزَعْتَهُ, واهتاجَ أيْ: أَسْرَعَ عندَ إفزاعِكَ إيَّاهُ سُرعةً بحُمْقٍ، والأعزَلُ الذي لا سِلاحَ معه.
وشَرُّه مبتدأٌ، ودُونَ خَبَرُه، والتقديرُ لا يَحولُ شَرِّي بيني وبينَ خَيْرِي، وموضِعُ هذه الْجُملةِ جَرٌّ على الصفةِ لعَلٍّ على اللفْظِ، أو نصْبٌ على مَوْضِعِ عَلٍّ، وألَفَّ صِفةٌ لـ"عَلٍّ" على ما ذُكِرَ، ولا يَنصرِفُ للصفةِ ووَزْنِ الفعْلِ الذي يَغْلِبُ عليه؛ لأنَّ وزْنَ أفعَلَ في الأفعالِ أكثَرُ منه في الأسماءِ, وإذا ظَرْفٌ، العامِلُ فيها جوابُها وهو: اهتاجَ، ورُعْتُه مَجرورٌ بإضافتِه إلى إذا، وما يَجوزُ أنْ تكونَ زائدةً، ويَحْتَمِلُ أنْ تُجعلَ مَصدرِيَّةً، ويكونُ التقديرُ وقتَ رَوعاتِه، وفاعلُ اهتاجَ ضميرٌ يعودَ على عَلٍّ أو ألَفَّ، وأَعْزَلُ خبرُ مُبتدأٍ محذوفٍ، أيْ وهو أعزَلُ، وتكونُ هذه الجملةُ حالاً مِن الضميرِ في "اهتاجَ"، أيْ اهتاجَ وهو أعْزَلُ، يُريدُ عارِياً عن السلاحِ، ويَجوزُ أنْ يكونَ نَعتاً لعَلٍّ.

ولستُ بِمِحْيَارِ الظلامِ إذا انْتَحَتْ = هُدَى الْهَوْجَلِ العِسِّيفِ يَهماءُ هَوْجَلُ

الْمِحْيَارُ الْمُتَحَيِّرُ، يُقالُ: حَارَ حَيْرَةً وحَيْراً، أيْ تَحَيَّرَ في أَمْرِه، وانْتَحَتْ قَصَدَتْ واعْتَرَضَتْ، والْهَوْجَلُ الرجُلُ الطويلُ الذي فيه تَسَرُّعٌ وحُمْقٌ، والعِسِّيفُ والعَسِّيفُ الآخِذُ على غيرِ الطريقِ، والْهَوْجَلُ آخِرُ الفَلاةِ التي لا أَعلامَ بها، ويَهماءُ الفَلاةُ التي لا يُهْتَدَى فيها للطريقِ، ولا يَستطيعُ المارُّ فيها دَفْعَ تَحَيُّرِه بها، وإنما جاءَ بِمِحْيَارٍ على وزْنِ الـ: مِفعالِ للمبالَغَةِ، وظاهِرُ هذا اللفْظِ أنه لا تَبْلُغُ منه الْحَيْرَةُ كما تَبلغُ مِن الذي اشتَدَّتْ حَيْرَتُه في الظلامِ، وليس هذا مُرَادَه، وإنما المرادُ هنا أنه لا يُوجَدُ منه أصْلُ الْحَيْرَةِ ولا غَلَبَتُها، فالظُّلْمَةُ مِن أسبابِ الْحَيْرَةِ للسائرِ فيها وقيلَ: بل الإضافةُ هنا، على معنى لستُ مِحْيَاراً في الظلامِ، كما قالَ تعالى: {بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ} وإذا ظرْفٌ لِمِحْيَارٍ، أيْ لستُ مِحياراً في وقتِ اعتراضِ اليَهْمَاءَاتِ.
وقد رُوِيَ إِذَا نَحَتْ، ومعناه قَصَدَتْ، وهو معنى ما تَقَدَّمَ، والْهُدَى يُذَكَّرُ ويُؤَنَّثُ، وعلى هذه الروايةِ قد أضافَ القصْدَ إلى الْهُدَى، والهدى مَنصوبٌ بقَصَدَتْ، ويَهماءُ هو الفاعلُ، وقد تَجَوَّزَ بأنْ جعَلَ اليَهماءَ قاصدةً للهُدى، لكن حيث كانَتِ اليَهماءُ غالبةً على اهتدائِه عَبَّرَ عنه بقَصْدِها إياه، وهو مِثلُ قولِهم: نامَ ليلُ الْهَوْجَلِ، أيْ: نامَ الهوجَلُ في ليلِه، وقد رُوِيَ انْتَحَتْ فالمرادُ به أنَّ اليَهماءَ حالَتْ بينَه وبينَ الْهُدَى، ويَهماءُ لا يَنْصَرِفُ، وعِلَّةُ ذلك ألِفُ التأنيثِ التي فيها، وهي مُسْتَثْقَلَةٌ تَمْنَعُ الصرْفَ؛ لأنَّ مُطْلَقَ التأنيثِ فَرْعٌ، ولُزومُه كتأنيثٍ آخَرَ، والألِفُ مُستقِلَّةٌ بذلك؛ لأنها صِيغَتْ مع الكلمةِ مِن أوَّلِ أَمْرِها، وتَلْزَمُها في جَمْعِها، وفارَقَتِ التاءَ في أنها فارِقَةٌ بينَ مذَكَّرٍ ومؤَنَّثٍ ـ أَعْنِي التاءَ ـ وتَدْخُلُ على المذكَّرِ فتَنْقُلُه إلى المؤنَّثِ, نحوَ قائمٍ وقائمةٍ, وليستْ لازمةً. وهَوْجَلُ صفةٌ ليَهماءَ, وألِفُ التأنيثِ, هنا هي المقصورةُ، تقَدَّمَها ألِفُ الْمَدِّ، والألفانِ لا يُستطاعُ الجمْعُ بينَهما، فحُرِّكَتْ فانْقَلَبَتْ هَمزةً، ولم يَجُزْ حذْفُ واحدةٍ منهما؛ لأنك إذا حَذَفْتَ الأُولَى بَطَلَ الْمَدُّ ـ أيضاً ـ فتَعَيَّنَ تحريكُ الثانيةِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
لامية, شرح

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:14 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir