دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > دورات علم السلوك > أعمال القلوب

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 11 رمضان 1443هـ/12-04-2022م, 10:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

أيهما يغلّب الرجاء أم الخوف
الجمع بين الرجاء والخوف واجب، لأن عدم الرجاء يفضي إلى القنوط من رحمة الله، وعدم الخوف يفضي إلى الأمن من مكر الله، وكلاهما هلَكة.
- قال حماد بن سلمة: أخبرنا ثابت، أنّ مطرفا قال: «لو وزن رجاء المؤمن خوفه ما رجح أحدهما صاحبه». رواه أحمد في الزهد، وابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان.
- قال ابن هانئ: قال لي أبو عبد الله [أحمد بن حنبل]: (ينبغي للمؤمن أن يكون رجاؤه وخوفه واحداً).
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت أبا عثمان المغربي، يقول: (من حمل نفسه على الرجاء تعطل، ومن حمل نفسه على الخوف قنط، ولكن ساعة وساعة، ومرة ومرة). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

لكن اختلف العلماء أيهما يغلَّب الخوفُ أم الرجاء على مذاهب في السلوك أرجحها أنفعها لقلب السالك، وأحسنها أثراً في صلاح أعماله.
والأكمل اعتدال الرجاء والخوف، وظهور أثر كلّ واحد منهما في حينه؛ فإذا عرضت دواعي المعصية ظهر أثر الخوف من الله؛ فنهى النفس عن الهوى، وإذا حضر ما يُؤمر به أمر وجوب أو ندب وجد في قلبه عزيمة صادقة على العمل.
وإذا خشي العبد من غلبة الخوف عليه ما يؤدي إلى غلوّ أو قنوط فينبغي له أن يعالج قلبه بما يعظّم فيه الرجاء في الله تعالى من ملاحظة نصوص الوعد، والتفكّر في فضل الله ورحمته، وفضائل الأعمال.
وإذا خشي على نفسه من اتباع الهوى واقتراف المعاصي لغلبة الرجاء والانبساط فيه فينبغي أن يعالج قلبه بما يعظّم مخافة الله فيه؛ من مطالعة نصوص الوعيد، والتفكّر في صفات جلال الله تعالى وآثارها، وشدّة عذابه، وأليم عقابه.
فإذا وقع في ذنب وجب عليه الأمران: الخوف والرجاء
- أما الخوف فلأجل أن يزجر النفس عن الاسترسال في المعاصي، ويبادر بالندم والتوبة.
- وأما الرجاء فلأجل أن يبادر بالتوبة والاستغفار وعمل الأعمال الصالحة ليكفّر بها عن سيئاته؛ فإن للمعصية وحشة في القلب وسطوة على النفس؛ فإذا ضعف الرجاء بعدها خُشي على القلب أن يتسلل إليه القنوط من رحمة الله.
ولذلك كان من إرشاد النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (وأتبع السيئة الحسنة تمحها). كما في السنن والمسند من حديث أبي ذر ومعاذ رضي الله عنهما.
فالأمر بعمل الحسنة يستلزم الأمر برجاء ثوابها، ومن ثوابها أنها تمحو السيئة.
- قال أبو عبد الرحمن السلمي، عن عبد الله بن خبيق الأنطاكي صاحب يوسف بن أسباط أنه قال: (الرجال ثلاثة: رجل عمل حسنة فهو يرجو ثوابها، ورجل عمل سيئة ثم تاب فهو يرجو المغفرة،
والثالث: الرجل الكذاب يتمادى في الذنوب، ويقول: أرجو المغفرة، ومن عرف نفسه بالإساءة ينبغي أن يكون خوفه غالباً على رجائه). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

لكنْ من العبّاد من يكون في طبعهم وما ارتاضت عليه نفوسهم غَلبة الرجاء مع صحة الخوف في قلوبهم؛ فلذلك يغلب عليهم أداء العبادات رغبة في ثوابها.
ومنهم من يغلب عليه الخوف مع بقاء الرجاء صحيحاً في قلبه؛ لكن يكون الغالب عليه أداء العبادات خوفاً من الله واجتهاداً في النجاة من سخطه وعقابه.
فمن كانت غلبة الرجاء لا تخرجه إلى الأمن مكر الله، والتهاون في المعاصي؛ فهو على سبيل سنّة ، وصحّة منهج.
وكذلك من كانت غلبة الخوف لا تخرجه إلى القنوط من رحمة الله، واليأس من رَوحه.

واختار جماعة من أهل العلم أن يغلّب الخوف في فتن السراء حتى لا يغترّ بها، ويغلّب الرجاء في فتن الضراء حتى لا يقنط من رحمة ربه، ولتنشط النفس للعمل مع وطأة البلاء، ولا سيما إذا حضره الموت فإنّه يتأكد تغليب حسن الظنّ بالله ورجاء عفوه ورحمته.
ومعنى تغليب الخوف أن يذكّر نفسه بما يعظم به خوف الله في قلبه من التفكر في صفات جلال الله تعالى، ونصوص الوعيد، وقرب الرحيل، وأهوال الآخرة.
وكذلك تغليب الرجاء بما يقابلها.
- قال سوار بن عبد الله العنبري: حدثنا المعتمر بن سليمان، قال: قال لي أبي حين حضرته الوفاة: ((يا معتمر حدثني بالرخص لعلي ألقى الله وأنا حسن الظن به)). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال أبو زكريا النووي في رياض الصالحين: (اعلم أنَّ المختار للعبد في حال صحته أن يكون خائفاً راجياً، ويكون خوفه ورجاؤه سواء، وفي حال المرض يمحض الرجاء).
قلت: لعلّه أراد يغلّب الرجاء.

وللعلماء في هذه المسألة مذاهب:
المذهب الأول: اعتدال الخوف والرجاء، وأن لا يغلّب أحدهما على الآخر.
قالوا: لأنه إذا غلب أحدهما على الآخر دلّ ذلك على ضعف في الجانب الآخر، وللضعف أثره على السلوك.

وقد تقدّم ذكر بعض الآثار عن السلف في ذلك.

- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: سمعت منصور بن عبد الله، يقول: سمعت أبا علي الروذباري، يقول: (الخوف والرجاء هما كجناحي الطير إذا استويا استوى الطير وتم طيرانه، وإذا نقص واحد منهما وقع منه النقص، وإذا ذهبا جميعا صار الطائر في حد الموت). رواه البيهقي في شعب الإيمان.

والمذهب الثاني: تغليب الخوف حتى يكفّ عن المحرّمات ويحترز من المعاصي، وأما المأمورات فإنه إذا أدّى الفرائض كان ما يعمله من النوافل بعد ذلك نافعاً مباركاً وإن كان يسيراً.
وهؤلاء غلب على قلوبهم طلب السلامة.
- قال قبيصة بن عقبة: سمعت سفيان الثوري قال: قال رجل لمسلم بن يسار علمني كلمة تجمع لي موعظة نافعة قال: فأطرق طويلا ثم رفع رأسه؛ فقال: (لا ترد بعلمك غير من يملك ضرك ونفعك).
قال: زدني.
قال: (أهملْ رجاءك ولا تستعمله، واستشعر الخوف ولا تغفله).
قال: زدني.
فقال: (يوم العرض على ربك لا تنسه).
قال: (ثم سقط لوجهه مكباً). رواه ابن عساكر.
- وقال ابن هانئ في مسائله: سمعت أبا عبد اللَّه [ أحمد بن حنبل ] يقول: سمعت ابن السماك -وكان رجلًا صالحًا، وكان من أفاضل من أدركنا من المذكِّرين- يقول: كتب إليَّ رجل: (إن الرجاءَ حبلٌ في القلب، قيد في الرِّجل، فاحلل الحبل من قلبك ينحلّ القيد من رجلك).
قلت: يريد أن الانبساط في الرجاء يُقعد عن العمل؛ فكأنه قيد عن العمل.
- وقال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني، يقول: (إذا غلب الرجاء على الخوف فسد القلب). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو نعيم في الحلية.

والمذهب الثالث: تغليب الرجاء لأنه أنشط للعمل، والاستكثار من الطاعات، والحسنات يذهبن السيئات

والمذهب الرابع: في حال الصحة والعافية يغلّب الخوف، وفي حال المرض والابتلاء يغلّب الرجاء.
- قال الحسن بن محمد الإسفراييني: حدثنا سعيد بن عثمان، قال: سمعت السري بن المغلّس يقول: (الخوف أفضل من الرجاء مادام الرجل صحيحاً، فإذا نزل به الموت فالرجاء أفضل من الخوف).
فقال له رجل: كيف يا أبا الحسن؟
قال: (لأنه إذا كان في صحّته محسنا عظم رجاؤه عند الموت وحسن ظنه بربه، وإذا كان في صحته مسيئاً ساء ظنه عند الموت، ولم يعظم رجاؤه). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
والسري بن المغلّس هو السَّقَطيٍ(ت:253هـ) شيخ الجنيد، وصاحب معروف الكرخي، وأخذ عن الفضيل بن عياض، وقد روى أبو نعيم في الحلية نحو هذه المقولة عن الفضيل.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir