تناول الفقهاء أحكام الجوار وأحكام الطرقات؛ لما لهذا الموضوع من الأهمية البالغة:
فقد تعرض مشاكل بين الجيران يجب حلها وحسمها؛ لئلا تفضي إلى النزاع والعداوة، وحلها يكون بطرق:
منها: إجراء الصلح بينهم بما يحقق العدل والمصلحة.
ومن ذلك: لو احتاج الجار إلى إجراء الماء مع أرض جاره أو سطحه وتصالحا على ذلك بعوض؛ جاز هذا الصلح؛ لدعاء الحاجة إلى ذلك، ثم إن كان هذا العوض في مقبل الانتفاع مع بقاء ملك صاحب الأرض أو السطح عليه؛ فهذا العقد يعتبر إجارة، وإن كان مع زوال الملك؛ اعتبر بيعا.
وإذا احتاج الجار إلى ممر في ملك جاره، وبذله له عن طريق البيع أو عن طريق الصلح؛ جاز هذا؛ لدعاء الحاجة إليه،
ولا ينبغي للمالك أن يستغل حاجة جاره فيرهقه ببذل العوض أو يمتنع من استخدام هذا الممر فيحرج جاره ويحول بينه وبين مصلحته، وإذا امتد غصن من شجرته في هواء جاره أو في قرار ملكه؛ وجب على مالك الغصن إزالته: إما بقطعه أو ليه إلى ناحية أخرى؛ ليخلي ملك الغير، فإن أبي مالك الغصن أن يعمل شيئا من ذلك؛ فلصاحب الهواء أو القرار أن يزيل ضرره بأحد هذه الإجراءات؛ لأنه بمنزلة الصائل، فيدفعه بأسهل ما يمكن، وإن تصالحا على بقاء الغصن؛ جاز ذلك، سواء كان بعوض على الصحيح، أو على أن ثمرته بينهما.
وحكم العرق إذا حصل في أرض الجار حكم الغصن على ما مر بيانه.
ولا يجوز أن يحدث الإنسان في ملكه ما يضر بجاره؛ كحمام أو مخبز.
أو مطبخ أو مقهى يتعدى ضرره، أو مصنع يقلق جاره حركاته وأصواته، أو فتح نوافذ تطل على بيت جاره.
وإذا كان بينه وبين جاره جدار مشترك؛ حرم أن يتصرف فيه بفتح طاق أو غرز وتد إلا بإذنه، ولا يجوز له وضع الخشب على الجدار المشترك أو الخاص بالجار إلا عند الضرورة، وإذا لم يمكنه التسقيف إلا به، وكان الجدار يتحمل وضع الخشب؛ فحينئذ يمكن من وضع الخشب؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبه على جداره))، ثم يقول أبو هريرة: "ما لي أراكم عنها معرضين؟ والله لأرمين بها بين أكتافكم"، متفق عليه، فدل هذا الحديث على أنه لا يجوز للجار أن يمنع جاره من وضع الخشب في جداره، ويجبره الحاكم إذا امتنع؛ لأنه حق ثابت لجاره بحكم الجوار.
هذا بعض ما يتعلق بالجوار من أحكام.
[الملخص الفقهي: 2/111-113]