دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > أصول التفسير البياني

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف


الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

عناصر الدرس:
تمهيد.
التضمين والتعاقب.
- المثال الأول: معنى الباء في قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع}.
- المثال الثاني: معنى الباء في قول الله تعالى: {بأيّكم المفتون}.
- المثال الثالث: معنى "من" في قول الله تعالى: {لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً}.

أمثلة من أقوال المفسرين:
- المثال الأول: قال الله تعالى: { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (25)}.
- المثال الثاني: قال الله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى}.
- المثال الثالث: قال الله تعالى: { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120)}.

التطبيقات.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

تمهيد
مما يعين على فهم القرآن ومعرفة سعة معانيه وبركة دلالات ألفاظه دراسة معاني الحروف ودلالاتها في القرآن، وذلك أنّ الحرف الواحد قد يرد لمعانٍ متعددة، وقد يُعدَّى بما يحتمل معاني أخر، وتدبّر ذلك والتفكّر فيه يفتح للمتدبّر باباً عظيم النفع في فهم القرآن.
فمن ذلك: معنى الباء في البسملة فقد فُسّرت بالابتداء، والاستعانة، والمصاحبة، والتبرك، وكلها معانٍ صحيحة لا تعارض بينها، ودلالة الحرف تحتملها؛ فيصحّ أن يستحضر القارئ هذه المعاني كلها.
ونظير ذلك: معنى الباء في قول الله تعالى: {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} ؛ فقد فُسّرت بالسببية والمصاحبة والملابسة والاستعانة والتبرك، وكلها معانٍ صحيحة تتسّع لها دلالة هذا الحرف في هذا الموضع.
واختلاف معاني الباء في الآيتين دليل على أنّ معاني الحروف تتنوّع بحسب السياق والمقاصد وما يحتمله الكلام، وليست جامدة على معانٍ معيَّنة يكرِّرُ المفسّرُ القولَ بها في كلّ موضع.
فالأقوال المحكية في المثالين ليست هي جميع معاني الباء في اللغة؛ فقد ذكر أهل اللغة للباء معانيَ كثيرة منها: الإلصاق، والتعدية، والاستعانة، والسببية، والقسم، والبدل، والظرفية، والمجاوزة، والمصاحبة، والملابسة، والحال، والمقابلة، والاستعلاء، والتوكيد.
واختلف في دلالتها على التبعيض والغاية.
فيؤخذ من هذه المعاني في كل موضع ما يحتمله السياق، ولا يعارض دليلاً أقوى.

وما قيل في حرف الباء يُقال نظيره في الحروف الأخرى:
- فـ"ما" تأتي لمعانٍ منها: الموصولية، والمصدرية، والنفي، والاستفهام، والشرط، وتأتي زائدة، وللتعجب، وغير ذلك.
وفي قول الله تعالى: {إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء} اختلف في معنى "ما" على ثلاثة أقوال: فقيل هي موصولة، وقيل: نافية، وقيل: استفهامية.
ولا يخفى أثر هذا الاختلاف على المعنى، وقد قال بكل قول من هذه الأقوال طائفة من أهل العلم.

و"مِن" لها معانٍ كثيرة ذكر منها ابن أمّ قاسم المرادي في كتابه الجنى الداني اثني عشر معنى، ونظمها في قوله:

أتتنـــا من لتــــــــــــبيينٍ وبَــعْـــضٍ ... وتعـلـــــيل وبــــــــدء وانــــــــــتهــــــــاء
وإبدال وزائـــــــــــدة وفَصْـــــــــلٍ ... ومعــــنى عـــن وفي وعلى وبــــاء

وأوصلها ابن هشام في مغني اللبيب إلى خمسة عشر معنى، وفي بعض المعاني المذكورة نظر، والذي يترجّح لي منها عشرُ معانٍ:
1: ابتداء الغاية كما في قول الله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد إلى المسجد الأقصى}
2: والتبعيض؛ كما في قول الله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم} الأصل: [مِنْ ما] ثم أدغمت في الرسم كما أدغمت في القراءة.
3: بيان الجنس؛ كما في قول الله تعالى: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}
4: السببية، كما في قول الله تعالى: {مما خطيئاتهم أغرقوا}
5: البدل، كما في قول الله تعالى: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة} وقوله تعالى: {ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة في الأرض يخلفون}
6: التعدية، كما في قول الله تعالى: {وما هو بمزحزحه من العذاب}
7: معنى الباء، كما في قول الله تعالى: {وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق} على قول، والأظهر أنها جامعة للسببية والبيانية.
8: الظرفية، كما في قول الله تعالى: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}
9: الفصل، كما في قول الله تعالى: {حتى يميز الخبيث من الطيب}
10: الاستغراق، كما في قول الله تعالى: {وما له منهم من ظهير}

وفي قول الله تعالى: {يحفظونه من أمر الله} اختلف في معنى "من" على أقوال: فقيل: هي للتعدية، وقيل: سببية، وقيل: بمعنى الباء أي يحفظونه "بأمر الله" ، وقيل: للمجاوزة أي يحفظونه عن أمر الله.
وفي قول الله تعالى: {قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور} "من" الثانية قيل: بيانية، أي: كما يئس الكفار المقبورون من أسباب النجاة لموتهم على الكفر، وقيل: للتعدية، والمعنى: كما يئس الكفار الأحياء من رجوع إخوانهم من الكفار المقبورين.
والتحقيق أنّ هذه المعاني كلّها صحيحة، واختلافها كاختلاف الأقوال الصحيحة في المشترك اللفظي، وكاختلاف القراءات.

والمقصود من ذكر هذه الأمثلة التنبيه على نظائرها وبيان سعة دلائل معاني الحروف في القرآن.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

التضمين والتعاقب
من المسائل المتعلقة بمعاني الحروف مسألة التضمين والتعاقب وذلك فيما إذا عُدّي اللفظ بحرف على خلاف المعتاد في استعماله، وللعلماء مذهبان مشهوران في ذلك:
المذهب الأول: القول بالتعاقب، وهو أن تفسّر بعض الحروف ببعض.
والتعاقب مأخوذ من اعتقاب الراكبين على الدابة؛ فإذا سار رجلان على دابة لا تحتمل إلا راكباً واحداً؛ ركبها أحدهما عقبة؛ ثم عقبه الآخر عليها عقبة مثلها، يتداورون الركوب بينهما كذلك، وفي الحديث الصحيح : ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ))
فاستعير اللفظ لتعاقب الحروف؛ كأنّ الحرف يعقب نظيره على اللفظ فيُفسَّر به، كما قالوا في قول الله تعالى: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} "من" بمعنى "على".
- وقالوا في قوله تعالى: {عينا يشرب بها عباد الله} يشرب منها.
- وقالوا في قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي: مع أموالكم.
- وقالوا في قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} أي: الرفث بنسائكم.
- وقالوا في قوله تعالى: {للذين يولون من نسائهم} يولون على نسائهم؛ لأن الإيلاء يعدَّى بعلى كما تقول: آليت على فلان؛ أي حلفت عليه.
- وقالوا في قول الله تعالى: {ينظرون من طرف خفي} ينظرون بطرف خفي.
- وقالوا في قول الله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} أي: على جذوع النخل.
وهذا مذهب سار عليه جماعة من المفسرين، وهو المشهور عن الكوفيين.

والمذهب الثاني: القول بالتضمين، وهو أن يُشرب اللفظ معنى لفظ آخر فيعدّى بحرفه ليفيد المعنيين.
- فقالوا في قول الله تعالى: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} : النصر هنا عُدّي بـ"من" لتضمينه معنى المنع منهم والإنجاء والحفظ.
- وقالوا في قوله تعالى: {عينا يشرب بها} ضمّن الفعل معنى "يروى" فعُدّي بحرفه.
- وقالوا في قوله تعالى: {ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم} أي لا تأكلوها بضمها أو جمعها إلى أموالكم.
وهذا المعنى هو الصواب؛ لأنه لو قيل: المعنى لا تأكلوها مع أموالكم لكان النهي شاملاً لأكل أموال اليتامى وأموالهم جميعا أو مخصوصاً بحال اجتماع المالين.
- وقالوا في قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ضمّن الرفث معنى الإفضاء إليهنّ فأفاد المعنيين.
- وقالوا في قوله تعالى: {للذين يولون من نسائهم} ضمّن الإيلاء معنى الامتناع.
- وقالوا في قول الله تعالى: {ينظرون من طرف خفي} ضمّن النظر معنى الابتداء كما يقال: نظرت إليهم من الثقب، ونظرت إليهم من طَرَف عيني، وقال جماعة من المفسرين: المعنى أنهم يسارقون النظر إلى النار من طرف خفيّ ذليل.
- وقالوا في قول الله تعالى: {ولأصلبنكم في جذوع النخل} ضمّن الفعل معنى التثبيت، ولجذوع النخل زوائد كما هو معلوم وتثبيت المصلوب عليها فيه تعذيب شديد، إذا حُمل المعنى على صلبهم بعد التقطيع وقبل القتل.
قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي: (جذع النخلة هو أخشن جذع من جذوع الشجر، والتصليب عليه أشد من التصليب على غيره).

والقول بالتضمين أصوب وأحسن، وهو المشهور عن البصريين.

- قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(والعرب تضمن الفعل معنى الفعل وتعديه تعديته، ومن هنا غلط من جعل بعض الحروف تقوم مقام بعض كما يقولون في قوله: {لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه} أي مع نعاجه و {من أنصاري إلى الله} أي مع الله ونحو ذلك.
والتحقيق ما قاله نحاة البصرة من التضمين فسؤال النعجة يتضمن جمعها وضمها إلى نعاجه وكذلك قوله: {وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك} ضمن معنى يزيغونك ويصدونك، وكذلك قوله: {ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} ضمن معنى نجيناه وخلصناه، وكذلك قوله: {يشرب بها عباد الله} ضمن يروى بها، ونظائره كثيرة).

- وقال ابن القيم رحمه الله: (والقاعدة أن الحروف لا ينوب بعضها عن بعض خوفا من اللبس وذهاب المعنى الذي قصد بالحرف، وإنما يضمَّن ويُشرَب معنى فعل آخر يقتضي ذلك الحرف فيكون ذكر الفعل مع الحرف الذي يقتضيه غيره قائما مقام ذكر الفعلين، وهذا من بديع اللغة وكمالها.
ولو قدر تعاقب الحروف ونيابة بعضها عن بعض؛ فإنما يكون ذلك إذا كان المعنى مكشوفا واللبس مأموناً؛ فيكون من باب التفنّن في الخطاب والتوسع فيه؛ فأمّا أن يُدَّعَى ذلك من غير قرينة في اللفظ فلا يصحّ).

تنبيه:
وقد يتعدّى اللفظ بحرف هو المشهور في استعماله لكن يقع في تركيب الكلام ما يؤدّي غرضاً بلاغياً؛ فيتوهّم بعض الناظرين أنّ الحرف عُدّي بغير المشهور في استعماله فيتطلّب له معنى بالتعاقب أو التضمين، ولا يكون لذلك حاجة؛ كما قال بعضهم في قول الله تعالى: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها} قال: المعنى: وإن أسأتم فعليها، ولا حاجة إلى هذا التقدير؛ لأن المعنى: فلها تسيئون.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

المثال الأول: معنى الباء في قول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع}



السؤال يأتي في اللغة على معنيين:
أحدهما: سؤال استفسار واستفهام؛ والأصل فيه أن يُعدَّى بعن؛ كما في قول الله تعالى: {يسألونك عن الأهلّة} وقوله تعالى: {واسألهم عن القرية} وذلك إذا لم يُذكر السؤال؛ فإذا ذُكر السؤال نصَّا أو تقديراً عُدّي بنفسه؛ كما في قول الله تعالى: {فاسأله ما بال النسوة}.
والآخر: سؤال طلب أو دعاء، والأصل فيه أن يُعدَّى بنفسه، ومنه قول الله تعالى: {واسألوا الله من فضله}، وقوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجراً}.
وقد يُعدَّى بأن كما في قول الله تعالى: {يسألك أهل الكتاب أن تنزّل عليهم كتاباً من السماء}


وقد يُعدّى لفظ السؤال على المعنيين بحرف الباء:
فمن الأول قول الله تعالى: {الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيراً}
وقال ربيعة بن مقروم:

وأجزي القروض وفاءً بها ... ببؤسى بئيسا ونُعمى نعيما
وقومي فإن أنت كذّبتني ... بقولي فاسأل بقومي عليما


وقال علقمة الفحل:
فإن تسألوني بالنساء فإنني... بصير بأدواء النساء طبيب


وقال لبيد:
أولئك قومي إن سألت بخِيمِهم ... وقد يُخبَرُ الأنباءَ من كان جاهلا


وأظهر الأقوال أنه مضمّن معنى الاحتفاء والعناية والاهتمام.

ومن الثاني: قول عمر بن أبي ربيعة:
فقلت لها : يا سُكْنَ إني لسائلٌ .. سؤالَ كريمٍ ما سألتُ بخيلاً
سَأَلْتُ بِأَنْ تَعْصي بِنَا قَوْل كَاشِحٍ .. وإنْ كان ذا قربى لكم ودخيلا

وقول الله تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع} اختلف فيه على أقوال:
القول الأول: السؤال بمعنى الدعاء، وهو قول مجاهد وقتادة
- قال مجاهد: (دعا داعٍ بعذاب واقع). رواه ابن جرير.
- وقال قتادة: (سأل عذابَ الله أقوام فبيَّن الله على من يقع). رواه ابن جرير.
وممن قال بهذا القول من قال: الباء واقعة لتضمّن السؤال معنى الاستعجال.
- قال ابن كثير: ({سأل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ} فيه تضمينٌ دلّ عليه حرف "الباء"، كأنّه مقدر: يستعجل سائلٌ بعذابٍ واقعٍ، كقوله: {ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف اللّه وعده} أي: وعذابه واقعٌ لا محالة).
القول الثاني: السؤال بمعنى الاستفهام، والباء بمعنى عن، وهو قول حكاه غلام ثعلب، وابن عطية.
القول الثالث: سال غير مهموزة، من السَّيل، و"سائل" اسم وادٍ في جهنَّم، وهذا القول حكاه ابن جرير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
وذُكر عن ابن عباس أنه قرأ: [ سالَ سيلٌ بعذاب واقع ]
ولم أقف على إسناده، ولا يقال بمثله إلا أن تصحّ القراءة.
وقراءة [سال] من غير همز هي قراءة نافع وابن عامر من السبعة، وهي محتملة لأن تكون بمعنى "سأل" إلا أنّ الهمزة سُهّلت، ومحتملة لأن تكون من سال يَسِيل.
قال أبو منصور الأزهري: (من قرأ [سال] بغير همز فالمعنى: جرى وادٍ بعذاب من الله، من سال يسيل، كأنه قال: سال وادٍ بعذاب واقع ...
وجائز أن يكون (سال) غير مهموز ويكون بمعنى (سأل) فخفف همزه، وهو أحب إليّ من قول من ذهب به إلى سيل الوادي، لتتفق القراءتان).

والآية تحتمل الأقوال الثلاثة، وجائزٌ أن يكون فيمن نزلت فيهم هذه الآية من استعجل العذاب بدعائه، وأن يكون فيهم من سأل عنه سؤال استهزاء؛ أو سؤال حفاوة واستعجال لوقوعه؛ فشملت الآية هذه الطوائف كلها بلفظ وجيز.
وأما القول الثالث فالقول به موقوف على صحّة القراءة المذكورة عن ابن عباس أو صحة خبر يوافقها.

- قال ابن عاشور: (ومن بلاغة القرآن تعدية {سأل} بالباء ليصلح الفعل لمعنى الاستفهام والدعاء والاستعجال).


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

المثال الثاني: معنى الباء في قول الله تعالى: {بأيّكم المفتون}
وفي هذه الآية أقوال للمفسرين:
القول الأول: الباء بمعنى "في"، أي: ستعلمون في أيّ الفريقين المفتون: أفي فريق المسلمين أم في فريق الكافرين.
وهذا القول ذكره ابن جرير وأبو إسحاق الزجاج، ورجَّحه ابن عطية، وقال: (هذا قول حسن قليل التكلف، ولا نقول إن حرفا بمعنى حرف، بل نقول: إن هذا المعنى يتوصل إليه ب «في» وبالباء أيضا، وقرأ ابن عبلة «في أيكم المفتون»).
والقول الثاني: الباء زائدة، والتقدير: فستبصر ويبصرون أيّكم المفتون، وهذا قول أبي عبيدة والأخفش وابن قتيبة، وردّه أبو إسحاق الزجاج.
والقول الثالث: دخلت الباء للدلالة على تضمين الفعلِ معنى الإخبار أو العلم.
- قال ابن كثير: (إنما دخلت الباء في قوله: {بأيّيكم المفتون} لتدلّ على تضمين الفعل في قوله: {فستبصر ويبصرون} وتقديره: فستعلم ويعلمون، أو: فستخبر ويخبرون {بأيّكم المفتون}).
وهذا القول أراد به أصحابه أن الإبصار متضمّن لمعنى الإخبار أو العلم، والإخبار يعدّى بالباء؛ كما تقول: أخبرتك بكذا وكذا، وكذلك العلم يعدّى بالباء؛ كما تقول: علمت بكذا وكذا؛ فكأن المعنى على هذا القول: فستبصر وتخبر ويبصرون ويخبرون بأيّكم المفتون.
وأقرب منه أن يكون مضمّنا معنى اليقين لأن اليقين يتعدّى بالباء وهو ألصق بالتبصّر، فيكون تقدير المعنى بالتضمين على هذا الوجه: فستبصر وتتيقّن أنت في نفسك ويبصرون ويتيقنون بأيّكم المفتون.
والقول الرابع: أن الباء على أصلها والمفتون مصدر بمعنى الفُتُون، كالمعقول بمعنى العقل، ومنه قول كعب بن زهير:
نواحة رخوة الضبعين ليس لها .. لما نعى بكرها الناعون معقول
أي: ليس لها عقل.
وهذا القول قال بأصله الضحاك بن مزاحم، وروي عن ابن عباس، ثم قال به الفرّاء، ورجحه ابن جرير.

والله تعالى أعلم.


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

المثال الثالث: معنى "من" في قول الله تعالى: {لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً}
أصل السلوك هو الدخول في الشيء والمضيُّ فيه، كما تقول: سلكت الخيط في الإبرة إذا أدخلته فيها وأنفذته، ولذلك سمي الخيط سِلْكاً لأنه يسلك في الإبر.
قال الله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض}
أي أدخله في مسالك الماء في الأرض حتى ينبع منها.
وقال رجل من تميم فيما أورده المبرد وغيره:
ألبان إبل تَعِلَّةَ بنِ مســــــــــــــــافرٍ ... مــــــا دام يملكها عَليَّ حــــــــــــــــــــــــــرام
وطعـــــام عمران بن أوفى مثلهــــــا ... ما دام يَسْلُكُ في البطون طعـــــــام
إنَّ الذين يسوغ في أعنـــــــــــــاقهم ... زادٌ يمنُّ عليهمُ لَلِئـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــامُ
ولما كان السائر في الطريق داخلاً فيه سُمّي سالكاً، وسمي الطريق مَسْلَكاً لأنه يُسلك فيه.
والمشهور في فعل (سَلَك) أنه يتعدَّى بنفسه، ويتعدى بحرف (في)
فمن الأول قول أعشى باهلة في رثائه المنتشرَ الباهلي:
إمَّا سلكتَ سبيلاً أنت سالكُه .. فاذهبْ فلا يبعدنْك اللهُ منتشر
وقول لبيد بن أبي ربيعة العامري :
والشاعرون الناطقون أراهم .. سلكوا سبيل مرقِّش ومهلهل
ومن الثاني قول عمر بن أبي ربيعة:
ولو سلك الناس في جانب .. من الأرض واعتزَلَت جانبـــــــا
لأتبعتُ طِيَّتهـــــــــــــــــــــــــــــــــــا إنني .. أرى دونها العَجَب العاجبــــــــا
وقول جرير بن عطية الخَطَفَى:
إنَّ الطريقَ إذا تبيَّن رشده .. سَلَكَتْ طُهَيّةُ في الطريقِ الأخيبِ

وهذه الآية عُدّي الفعل فيها، بـ"من" {لتسلكوا منها}، ولذلك اختلف العلماء فيها على قولين مبنيين على مذهبيهما في التعاقب والتضمين:
فقالت طائفة: "من" بمعنى "في" والمعنى: لتسلكوا فيها سبلاً فجاجاً.
وعلى هذا تفسير ابن كثير لهذه الآية.

وقالت طائفة أخرى: الفعل متضمن لمعنى فعل آخر يناسب الحرف الذي عُدِّي به كما قال البيضاوي: ({لّتَسْلُكُواْ مِنْهَا سُبُلاً فِجَاجاً} واسعة جمع فج، و(مِن) لتضمن الفعل معنى الاتخاذ).
أي: أن تعدية الفعل (تسلكوا) بحرف (مِن) لتضمنه معنى الاتخاذ، فكأن المعنى: لتتخذوا منها سبلاً فجاجاً.
وقد تبعه على ذلك أبو السعود والألوسي.

والقول بالتضمين وتعيين الفعل المضمَّن مرجِعُه إلى موافقة المعنى المراد، وهذه مسألة قد تكون ظاهرة في بعض الأمثلة، وقد يدقُّ مأخذها في أمثلة أخرى.
فمن الظاهر فيها قول عمر بن أبي ربيعة:
خطَرَتْ لذاتِ الخالِ ذِكْرَى بعدَما ... سلكَ المطيُّ بنا عَلَى الأنصاب
فعدى الفعل بحرف (على) لتضمنه معنى (مَـرَّ)

وأما في هذه الآية فالأظهر أن (مِن) بيانية، وأنّ الفعل عُدّي بنفسه؛ أي: لتسلكوا سبلاً فجاجاً من الأرض، فلا حاجة إلى القول بالتضمين ولا التعاقب، والله تعالى أعلم.


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

أمثلة من أقوال المفسرين

المثال الأول: قال الله تعالى: { ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم (25)}
- قال ابن كثير رحمه الله: (وقوله: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم} قال بعض المفسرين من أهل العربية: الباء هاهنا زائدة، كقوله: {تنبت بالدهن} أي: تنبت الدهن، وكذا قوله: {ومن يرد فيه بإلحاد} تقديره إلحادا، وكما قال الأعشى:
ضمنت برزق عيالنا أرماحنا ... بين المراجل، والصريح الأجرد
وقال الآخر:
بواد يمان ينبت الشثَّ صدره ... وأسفله بالمرخ والشبهان

والأجود أنه ضمن الفعل هاهنا معنى "يهمّ"، ولهذا عداه بالباء، فقال: {ومن يرد فيه بإلحاد بظلم} أي: يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار).

المثال الثاني: قال الله تعالى: {يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى}
- قال ابن عاشور: (وتقدم الكلام على نظير هذه الآية في سورة لقمان، سوى أن هذه الآية جاء فيها كل يجري لأجل فعدي فعل يجري باللام وجيء في آية سورة لقمان تعدية فعل يجري بحرف (إلى) ، فقيل اللام تكون بمعنى (إلى) في الدلالة على الانتهاء، فالمخالفة بين الآيتين تفنن في النظم.
وهذا أباه الزمخشري في سورة لقمان ورده أغلظ رد فقال: "ليس ذلك من تعاقب الحرفين ولا يسلك هذه الطريقة إلا بليد الطبع ضيق العطن ولكن المعنيين أعني الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم لصحة الغرض لأن قولك: يجري إلى أجل مسمى معناه يبلغه، وقوله: يجري لأجل تريد لإدراك أجل" ا.هـ.

وجعل اللام للاختصاص أي ويجري لأجل أجل، أي لبلوغه واستيفائه، والانتهاء والاختصاص كل منهما ملائم للغرض، أي فمآل المعنيين واحد وإن كان طريقه مختلفا، يعني فلا يعد الانتهاء معنى للام كما فعل ابن مالك وابن هشام، وهو وإن كان يرمي إلى تحقيق الفرق بين معاني الحروف وهو مما نميل إليه إلا أننا لا نستطيع أن ننكر كثرة ورود اللام في مقام معنى الانتهاء كثرة جعلت استعارة حرف التخصيص لمعنى الانتهاء من الكثرة إلى مساويه للحقيقة، اللهم إلا أن يكون الزمخشري يريد أن الأجل هنا هو أجل كل إنسان، أي عمره وأن الأجل في سورة لقمان هو أجل بقاء هذا العالم.
وهو على الاعتبارين إدماج للتذكير في خلال الاستدلال ففي هذه الآية ذكرهم بأن لأعمارهم نهاية تذكيرا مرادا به الإنذار والوعيد على نحو قوله تعالى في سورة الأنعام:
{ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى}. واقتلاع الطغيان والكبرياء من نفوسهم.
ويريد ذلك أن معظم الخطاب في هذه الآية موجه إلى المشركين، ألا ترى إلى قوله بعدها: والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير وفي سورة لقمان الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم أو عام لكل مخاطب من مؤمن وكافر فكان إدماج التذكير فيه بأن لهذا العالم انتهاء أنسب بالجميع ليستعد له الذين آمنوا وليرغم الذين كفروا على العلم بوجود البعث لأن نهاية هذا العالم ابتداء لعالم آخر)
.

المثال الثالث: قال الله تعالى: { فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى (120)}
- قال محمد الأمين الشنقيطي: (في هذه الآية الكريمة سؤال معروف، وهو أن يقال: كيف عدى فعل الوسوسة في «طه» بإلى في قوله: {فوسوس إليه الشيطان} مع أنه عداه في «الأعراف» باللام في قوله: {فوسوس لهما الشيطان}
وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة:
أحدها: أن حروف الجر يخلف بعضها بعضا؛ فاللام تأتي بمعنى إلى كعكس ذلك.
قال الجوهري في صحاحه: وقوله تعالى: {فوسوس إليه الشيطان} يريد إليهما، ولكن العرب توصل بهذه الحروف كلها الفعل اهـ.
وتبعه ابن منظور في اللسان.
ومن الأجوبة عن ذلك: إرادة التضمين

قال الزمخشري في تفسير هذه الآية: "فإن قلت كيف عدى «وسوس» تارة باللام في قوله {فوسوس لهما الشيطان} وأخرى بإلى؟
قلت: وسوسة الشيطان كولولة الثكلى، ووعوعة الذئب، ووقوقة الدجاجة، في أنها حكايات للأصوات، وحكمها حكم صوت وأجرس.
ومنه وسوس المبرسم وهو موسوس بالكسر، والفتح لحن. وأنشد ابن الأعرابي:

وسوس يدعو مخلصاً رب الفلق ... . . . . . .
فإذا قلت: وسوس له؛ فمعناه لأجله، كقوله:
أجرس لها يا ابن أبي كباش ... فما لها الليلة من إنفاش
غير السرى وسائق نجاش

ومعنى {فوسوس إليه} أنهى إليه الوسوسة؛ كقوله: حدث إليه وأسر إليه"ا.هـ منه.
وهذا الذي أشرنا إليه هو معنى الخلاف المشهور بين البصريين والكوفيين في تعاقب حروف الجر، وإتيان بعضها مكان بعض هل هو بالنظر إلى التضمين أو لأن الحروف يأتي بعضها بمعنى بعض؟
وسنذكر مثالا واحدا من ذلك يتضح به المقصود؛ فقوله تعالى مثلا:
{ونصرناه من القوم الذين كذبوا بآياتنا} الآية
على القول بالتضمين؛ فالحرف الذي هو «من» وارد في معناه لكن «نصر» هنا مضمنة معنى الإنجاء، والتخليص، أي: أنجيناه وخلصناه من الذين كذبوا بآياتنا، والإنجاء مثلا يتعدى بمن. وعلى القول الثاني فـ «نصر» وارد في معناه، لكن «من» بمعنى على، أي: نصرناه على القوم الذين كذبوا الآية، وهكذا في كل ما يشاكله)
.


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي الدرس السادس: دلالة معاني الحروف

التطبيقات
بيّن دلالة معاني الحروف في الآيات التاليات:
1: معنى الباء في قول الله تعالى: {اقرأ باسم ربّك الذي خلق}
2: معنى "من" في قول الله تعالى: {ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم}
3: معنى "ألا" في قول الله تعالى: {فقربه إليهم قال ألا تأكلون}
4: معنى "ما" في قول الله تعالى: {وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت}
5: معنى "ما" في قول الله تعالى: {فما أصبرهم على النار}


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:24 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir