دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 رجب 1441هـ/1-03-2020م, 02:52 AM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس السادس عشر: مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة النساء

مجلس مذاكرة القسم السادس من تفسير سورة النساء من الآية 36 إلى الآية 43

-
لخص أحد الدروس التالية مطبقا ما درسته سابقا في دورة المهارات الأساسية والمهارات المتقدمة في التفسير .


- تفسير سورة النساء [ من الآية (36) إلى الآية (37) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (38) إلى الآية (42) ]
- تفسير سورة النساء [ الآية (43) ]


- ثم صحح أحد تلخيصات زملائك.


قواعد مجالس مذاكرة سورة النساء:

١. يفتح المجلس في بداية كل أسبوع بإذن الله.
٢. ‏يختار كل طالب أحد الموضوعات المقررة في مقرر الأسبوع، ويمنع التكرار حتى تستوعب كل الدروس.
٣. يعمل الطالب على تلخيص الدرس من خلال تطبيق المهارات التي تعلمها في المهارات الأساسية والمتقدمة في التفسير، وطلاب مستوى الامتياز يجدر بهم تقديم عمل جيد يناسب مستواهم وما مارسوه من تطبيقات سابقة.
٤. يحبذ تسليم التلخيص يوم الخميس من كل أسبوع كحد أقصى.
٥. يومي الجمعة والسبت:
يختار الطالب أحد تلخيصات زملائه ويعمل على تصحيحه، مبينا ما فاته من مسائل وما قصر فيه من أدوات التحرير العلمي و الصياغة والعرض ونحو هذا؛ وحتى يحقق هذا المطلوب سيحتاج الطالب قراءة جيدة للدرس ربما تفوق قراءته الشخصية لعمل واجبه، وهذا المطلوب سينمي لديكم عدة مهارات منها التصحيح، والتفطن لمواضع الخطأ ومن ثم تجنبها فيما يستقبل من أعمالكم، والتوسع في فهم بعض المسائل حتى تتمكنوا من شرحها للآخرين.
٦. تقوم هيئة التصحيح بتصحيح جميع أعمالكم في الأسبوع التالي بإذن الله، بما فيها إرشادات على تصحيحكم على نماذج زملائكم.
٧. في النهاية يفتح كل منكم ملفا في حاسوبه، يحتفظ فيه بتلخيص كامل دروس القسم ويفضل تعديل التلخيص وفق ملحوظات التصحيح، ليكتمل له في نهاية هذا المقرر بإذن الله أصلا علميا في تفسير سورة النساء.


وبهذا فإن المطلوب الأسبوعي منكم باختصار:
١. دراسة مقرر كل أسبوع.
٢. تلخيص أحد الدروس.
٣. تصحيح عمل واحد من أعمال زملائكم.
- يمنع التكرار في كل الأحوال حتى تستوعب جميع الأعمال.
زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 7 رجب 1441هـ/1-03-2020م, 06:07 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

أختار بإذن الله:

- تفسير سورة النساء [ من الآية (38) إلى الآية (42) ].

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 7 رجب 1441هـ/1-03-2020م, 09:21 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38)}
-فيمن نزلت الآية:
قيل: في اليهود. قاله مجاهد وأخرجه ابن أبي حاتم وضعفه الطبري معللا: أنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليسوا كذلك. ودافع عن قوله ابن عطية ذاكرا أن قوله متجه على المبالغة والإلزام، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان، من حيث لا ينفعهم.
وقال الجمهور: نزلت في المنافقين، وهذا هو الصحيح كما ذكر ابن عطية.
-موضع "الذين" الإعرابي:
في موضع خفض عطف على الكافرين، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفا على الّذين يبخلون على تأويل: من رآه مقطوعا ورأى الخبر محذوفا. ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر، وتقديره: بعد اليوم الآخر معذبون. قاله الطبري ونقله ابن عطية.
-متعلق الإنفاق في الآية:
هو ما كانوا يعطون من زكاة، وينفقون في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن عطية.
-معنى رياء:
أي: دفعا عن أنفسهم، الّذي يقصدون بإعطائهم السّمعة وأن يمدحوا بالكرم ، لا إيمانا بالله، ولا حبا في دينه.
وفي حديث الّذي فيه الثّلاثة الّذين هم أوّل من تسجّر بهم النّار، وهم: العالم والغازي والمنفق، والمراءون بأعمالهم، يقول صاحب المال: ما تركت من شيءٍ تحبّ أن ينفق فيه إلّا أنفقت في سبيلك. فيقول اللّه: كذبت؛ إنّما أردت أن يقال: جوادٌ فقد قيل. أي: فقد أخذت جزاءك في الدّنيا وهو الّذي أردت بفعلك.
وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعديّ: "إنّ أباك رام أمرًا فبلغه". مجموع ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
-فائدة الاحتراس في قوله: "ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر":
هذا الاحتراس فيه تأكيد على خلو قلوب المرائين من الإيمان وابتغاء وجه الله.
ويؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سئل فيه عن عبد اللّه بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه، وإعتاقه؟ فقال: "لا إنّه لم يقل يومًا من الدّهر: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين". ذكره ابن كثير وأشار إليه ابن عطية.
-موضع "رياء" الإعرابي:
نصب على الحال من الضمير في ينفقون والعامل ينفقون، ويكون قوله: ولا يؤمنون في الصلة، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة، وحكى المهدوي: أن الحال تصح أن تكون من الّذين فعلى هذا يكون ولا يؤمنون مقطوعا ليس من الصلة، والأول أصح، وما حكى المهدوي ضعيف، ويحتمل أن يكون ولا يؤمنون في موضع الحال، أي: غير مؤمنين، فتكون الواو واو الحال. ذكره ابن عطية.
-اشتقاق "قرين" وجذرها اللغوي:
القرين: فعيل بمعنى فاعل، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب. ذكره ابن عطية.
-المراد بالقرين في الآية:
مقارنة مع خلطة وتواد. ذكره ابن عطية.
-تفسير "ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا":
أي: من يكن عمله بما يسوّل له الشيطان فبئس العمل عمله. ومن يكن الشيطان له مصاحبا وملازما، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته.
فإنّما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطّاعة على وجهها الشيطان؛ فإنّه سوّل لهم وأملى لهم، وقارنهم فحسّن لهم القبائح، ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي. مجموع ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
-إعراب "ساء قرينا" وتقديرها:
"قرينا" نصب على التمييز، والفاعل ل «ساء» مضمر، تقديره ساء القرين قرينا.

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا (39)}
-معنى "ماذا" في الآية:
يصلح أن تكون: " ما " و " ذا " اسما واحدا، المعنى: وأي شيء عليهم. ذكره الزجاج وابن عطية واختاره ابن كثير.
ويجوز أن يكون: " ذا " في معنى الذي، أو تكون " ما " وحدها اسما. المعنى: وما الّذي عليهم. ذكره الزجاج وابن عطية.
وكأن هذا الكلام يقتضي أن الإيمان متعلق بقدرتهم ومن فعلهم، ولا يقال لأحد: ما عليك لو فعلت إلا فيما هو مقدور له. فالمطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان، وأما الاختراع فالله المنفرد به، وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم، واستدعاء جميل يقتضي حيطة وإشفاقا. ذكره ابن عطية.
-ما يتضمنه الإخبار بعلم الله في قوله "وكان الله بهم عليما":
يتضمن الإخبار وعيدا، وينبه على سوء تواطئهم، أي: لا ينفعهم كتم مع علم الله تعالى بهم. ذكره ابن عطية.
-متعلق العلم في الآية:
نيّاتهم الصّالحة والفاسدة، ومن يستحقّ التّوفيق منهم فيوفّقه ويلهمه رشده ويقيّضه لعملٍ صالحٍ يرضى به عنه، ومن يستحقّ الخذلان والطّرد عن جنابه الأعظم الإلهيّ. ذكره ابن كثير.


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
-القراءات في الآية وتقديرها:
قرأ جمهور السبعة «حسنة» بالنصب على نقصان «كان» واسمها مضمر تقديره وإن تك زنة الذرة حسنة.
وقرأ نافع وابن كثير «حسنة» بالرفع على تمام «كان» التقدير: وإن تقع حسنة أو توجد حسنة، ويضاعفها جواب الشرط.
وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعفها» مشددة العين بغير ألف، قال أبو علي: المعنى فيهما واحد، وهما لغتان.
وقرأ الحسن «يضعفها» بسكون الضاد وتخفيف العين. ذكره ابن عطية.
-معنى “مثقال”:
مثقال: مفعال من الثقل، أي: ما كان وزنه الذرة. ذكره الزجاج وابن عطية.
-معنى الذرة:
قيل: الصغيرة الحمراء من النمل، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول، لأنها تصغر وتجري كما تفعل الأفعى. ذكره ابن عطية.
وقيل: دودة حمراء. قاله يزيد بن هارون، ورواه ابن جرير عن إسحاق بن وهب عنه، وضعفه ابن عطية.
وقيل: رأس النملة. قاله ابن عباس وقرأ “إن الله لا يظلم مثقال نملة”. ذكره ابن عطية ورواه ابن جرير من طريق أبي عاصمٍ، عن شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عنه.
-سبب معاملة الأعمال بالوزن بالرغم من كونها غير موزونة:
قيل لكل ما يعمل " وزن مثقال " تمثيلا، خطابا للناس بما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك أبين لهم. ذكره الزجاج.
-الأصل في “تك”:
الأصل في " يكن ": " تكون " فسقطت الضمة للجزم وسقطت الواو لسكونها وسكون النون. ذكره الزجاج.
وعلل ابن عطية ذلك بكثرة الاستعمال.
-معنى المضاعفة:
مضاعفة الشيء في كلام العرب: زيادة مثله إليه، وإذا كانت صيغة الفعل دون التكثير تقتضي الطي مرتين، هذه أصول هذا الباب على مذهب الخليل وسيبويه، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب المجاز: أن «ضاعفت» يقتضي مرارا كثيرة، وقال مثله الطبري ومنه نقل، وذكره ابن عطية.
-هل في الآية تخصيص أم أنها عامة؟
قيل: هذه الآية خص بها المهاجرون، لأن الله أعلم في كتابه: أن الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار، وأعلم في هذه: أنها مضاعفة مرارا كثيرة جدا حسب ما روى أبو هريرة من أنها تضاعف ألفي ألف مرة، وروى غيره من أنها تضاعف ألف ألف مرة، ولا يستقيم أن يتضاد الخبران، فهذه مخصوصة للمهاجرين السابقين، حسبما رواه عبد الله بن عمر: أنها لما نزلت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] في الناس كافة، قال رجل: فما للمهاجرين؟ فقال ما هو أعظم من هذا إنّ اللّه لا يظلم .. الآية. رواه ابن أبي حاتم، وخرجه ابن كثير.
فخصوا بهذا كما خصت نفقة سبيل الله بتضعيف سبعمائة مرة، ولا يقع تضاد في الخبر.
وقال بعضهم: بل وعد بذلك جميع المؤمنين، وروي في ذلك أحاديث، وهي: أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فينادي هذا فلان بن فلان، فمن كان له عنده حق فليقم قال: فيحب الإنسان أن لو كان له يومئذ الحق على أبيه وابنه، فيأتي كل من له حق فيأخذ من حسناته حتى يقع الانتصاف، ولا يبقى له إلا وزن الذرة، فيقول الله تعالى: أضعفوها لعبدي واذهبوا به إلى الجنة، وهذا يجمع معاني ما روي مما لم نذكره، والآية تعم المؤمنين والكافرين، فأما المؤمنون فيجازون في الآخرة على مثاقيل الذر فما زاد، وأما الكافرون فما يفعلون من خير فتقع المكافأة عليه بنعم الدنيا. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-معنى “لدنه:
من قبله. ذكره الزجاج وابن عطية.
وذكر سيبويه أنها لابتداء الغاية.
-المراد بالأجر العظيم:
الجنة، قاله ابن مسعود وأبو هريرة وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد، وذكره ابن عطية وابن كثير.
قول ابن مسعود رواه ابن جرير عن المثنّى، عن مسلم بن إبراهيم، عن صدقة بن أبي سهلٍ، عن أبي عمرٍو، عن زاذان، عنه.
قول سعيد بن جبير رواه النهدي عن سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عبادة عنه.
قول ابن زيد رواه ابن جرير عن يونس، عن ابن وهبٍ عنه.

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41)}
-مناسبة الآية لما قبلها:
تقدم في الآية قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة، فحسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها، ويجاء فيها بالشهداء على الأمم. ذكره ابن عطية.
-معنى “كيف” في الآية:
جاءت بمعنى التوبيخ. ذكره الزجاج.
-تفسير الآية ومعناها:
أي: فكيف تكون حال هؤلاء يوم القيامة، وحذف " تكون حالهم" لأنّ في الكلام دليلا على ما حذف. ذكره الزجاج وابن عطية.
-المشار إليه في قوله “هؤلاء”:
كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وطأة الوعيد أشد عليهم منها على غيرهم. ذكره ابن عطية.
-معنى “وجئنا بك على هؤلاء شهيدا”:
أي: نأتي بكل نبي أمّة يشهد عليها ولها. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ما روي في هذه الآية:
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه، وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه عبد الله بن مسعود في الحديث المشهور.
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "اقرأ عليّ" قلت: يا رسول اللّه، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم، إنّي أحبّ أنّ أسمعه من غيري" فقرأت سورة النّساء، حتّى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: "حسبك الآن" فإذا عيناه تذرفان.
ورواه هو ومسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، به وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ عن ابن مسعودٍ، فهو مقطوعٌ به عنه. ورواه أحمد من طريق أبي حيّان، وأبي رزين، عنه. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-المراد بالشهادة:
ما روي من حديث ابن مسعود وهو شهادته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وأمّا ما ذكره القرطبي في "التّذكرة" حيث قال: باب ما جاء في شهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أمته: قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنارجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرٍو، حدّثه أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: ليس من يومٍ إلّا تعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته غدوة وعشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم، يقول اللّه تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فإنّه أثرٌ، وفيه انقطاعٌ، فإنّ فيه رجلًا مبهمًا لم يسمّ، وهو من كلام سعيد بن المسيّب لم يرفعه. وقد قبله القرطبيّ فقال بعد إيراده: [قد تقدّم] أنّ الأعمال تعرض على اللّه كلّ يوم اثنين وخميسٍ، وعلى الأنبياء والآباء والأمّهات يوم الجمعة. قال: ولا تعارض، فإنّه يحتمل أن يخصّ نبيّنا بما يعرض عليه كلّ يومٍ، ويوم الجمعة مع الأنبياء، عليهم السّلام. ذكره ابن كثير.
وما ذكره الطبري من شهادة أمة محمد بتبليغ الرسل، وما جرى في معنى ذلك من القصص الذي ذكر مكي، كسؤال اللوح المحفوظ، ثم إسرافيل ثم جبريل، ثم الأنبياء، فليست هذه آيته، وإنما آيته لتكونوا شهداء على النّاس. ذكره ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا (42)}
-القراءات في الآية:
قرأ نافع وابن عامر «تسّوّى» بتشديد السين والواو على إدغام التاء الثانية من تتسوى، وقرأ حمزة والكسائي «تسّوّى» بتخفيف السين وتشديد الواو، على حذف التاء الثانية المذكورة، وهما بمعنى واحد.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو «تسوى» على بناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله، فيكون الله تعالى يفعل ذلك على حسب المعنيين المتقدمين، قال أبو علي: إمالة الفتحة إلى الكسرة والألف إلى الياء في «تسوى» حسنة. ذكره ابن عطية.
وقرأ أبو السمال ويحيى بن يعمر: «وعصوا الرسول» بكسر الواو من عصوا. ذكره ابن عطية.
واختار الزجاج الضّم في الواو في {عصوا الرسول} لالتقاء السّاكنين مع تجويزه للكسر.
-(ال) في (الرسول):
للجنس. ذكره ابن عطية.
-معنى التسوية في الآية:
قيل: تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقالت فرقة: معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كآبائهم، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المستوية معهم، والمعنى إنما هو أنهم يستوون مع الأرض، ففي اللفظ قلب يخرج على نحو اللغة التي حكاها سيبويه. وقد جاء في التفسير: أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيودون أنهم يصيرون ترابا. ذكره الزجاج وابن عطية.
-معنى الواو في قوله “ولا يكتمون اللّه حديثا”:
1- أنها عاطفة. فيكون المعنى: ودوا أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأن قولهم: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قد كذبوا فيه. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
2- أنها استئنافية. لأن ما عملوه ظاهر عند اللّه لا يقدرون على كتمه). قال به ابن عباس وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
قول ابن عباس رواه ابن جريرٍ: عن ابن حميد، عن حكّام، عن عمرٌو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عنه.
3- وقالت طائفة: مثل القول السابق، إلا أنها قالت: إنما استأنف الكلام بقوله: ولا يكتمون اللّه حديثاً ليخبر عن أن الكتم لا ينفع، وإن كتموا، لأن الله تعالى يعلم جميع أسرارهم وأحاديثهم، فمعنى ذلك:وليس ذلك المقام الهائل مقاما ينفع فيه الكتم.
والفرق بين هذين القولين أن الأول يقتضي أن الكتم لا ينفع بوجه، والآخر يقتضي أن الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، ذكره ابن عطية.
4- وقالت طائفة: يود الذين كفروا أن تسوى بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثا، وهذا على جهة الندم على الكذب أيضا، كما تقول: وددت أن أعزم كذا، ولا يكون كذا على جهة الفداء، أي يفدون كتمانهم بأن تسوى بهم الأرض. ذكره ابن عطية.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 رجب 1441هـ/1-03-2020م, 09:49 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

اختار. بإذن الله. الآيات [ من الآية (36) إلى الآية (37) ]

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 13 رجب 1441هـ/7-03-2020م, 06:35 AM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى :" ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) [النساء : 36].

معنى الواو في" واعبدوا"
واو حرف عطف ؛عطف جملة على جملة .
-معنى العبادة
العبادة الذل والخضوع
يقال طريق : طريق معبد ، وبعير معبد ، إذا كانا معلمين
عبادة الله عزوجل الذل والخضوع له بالطاعة

أمر بإفراد الله بالعبادة
أمر الله عباده بعبادته ونهى عن الإشراك به فيها؛ ففيه بيان أن الواجب على العباد إفراد الله بالعبادة ؛ ولا يصح ولا يجوز عبادة الله وعبادة غيره معه ؛فضلا عن ترك عبادة الله وعبادة غيره .
الشرك يفسد عبادة الله
من عبد الله وعبد غيره معه لم تنفعه عبادة الله لأن الشرك مفسد ومحبط ومبطل للعمل " قال تعالى :" {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65]
إفراد العبادة حق لله تعالى
و إفراد الله عزوجل بالعبادة و الذل والخضوع حق له واجب على عباده لأنه سبحانه ولي النعمة عليهم والمتفضل عليهم في جميع الآنات والحالات
محل إعراب" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا عطف على ما سبق؛ عطف على "واعبدوا الله"
وقدر الزجاج فعل محذوف "أوصى" ؛ قال رحمه الله : والمعنى أوصاكم الله بعبادته، وأوصاكم بالوالدين إِحساناً،" اهـ
وحجته في ذلك؛ حمل الآية على نظيرتها في القران وهو قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). قال رحمه الله :" لأن معنى
قضى ههنا أمرَ ووَصَّى." اهـ
وهو ظاهر صنيع ابن كثير قال رحمه الله " ُثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين" اهـ
{ إحساناً } نصب على المصدر ، والعامل فعل مضمر تقديره : وأحسنوا بالوالدين إحساناً .

المراد بالإحسان إلى الوالدين
القيام بحقوق الوالدين اللازمة لهما من التوقير والصون والإنفاق إذا احتاجا واجب ، وسائر ذلك من وجوه البر والألطاف ، وحسن القول . لأن الله جعلهما سببا لخروج العبد من العدم إلى الوجود
حق الوالدين أعظم الحقوق بعد حق الله وحق الرسول
لورود عدة آيات في كتاب الله يقرن الله فيها بين عبادته والإحسان إلى الوالدين؛
كَقَوْلِهِ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} .
وَكَقَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} .
وكقوله :{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }.
وكقوله :" { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان. لهذا كان أعظم الحقوق بعد حق الله هو حق الوالدين .
قال ابن عطية :" ..التصنع لهما بالبر والإحسان مندوب إليه مؤكد فيه . .".
بر الأم مقدم على بر الأب
مسألة تفضيل الأم وتقديمها على الأب في البر ذكرها ابن عطية بقوله :"
وهو البر الذي تفضل فيه الأم على الأب "
واحتج لقوله بحديث رواه الإمام أحمد من طريق بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: " أُمَّكَ ". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أُمَّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمَّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ " و رواه أيضا البخاري في الأدب المفرد والترمذي أبو داوود وابن ماجة إلا أنه قال " قَالَ: «الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى»
وقد ورد الحديث في صحيح مسلم لكن في بيان من أحق الناس في الصحبة
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ»
وقد سوى الله تعالى في كتابه بالإحسان لهما وبشكرهما وبطاعتهما . وبمصاحبتهما بالمعروف إذا كانا مشركين ؛ قال الله تعالى :" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا "
معنى "وَبِذِي الْقُرْبَى "
الواو : عَطَفَ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ الْإِحْسَانَ ؛ أمر بالإحسان إلى ذوي القربى.. والمعنى وأحسنوا إلى القرابات من الرجال والنساء
المراد ب "ذي القربىّ"
هو قريب النسب سواء كان من جهة الأم أو من جهة الأب .
وهذا من الأمر بصلة الرحم وحفظها ؛وهذا مما يوافق ويناسب بدأ السورة بالأمر بتعظيم الأرحام وصلتها والتحذير من قطعها
الإحسان إلى ذوى القرابات في الكتاب والسنة
وقد ورد في آيات كثيرة الحث على الإحسان إلى ذوي القربى
كقوله تعالى :{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى } .
كقوله تعالى :" {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}. وكقوله تعالى :"{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى "}
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ِ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَةٌ وصِلَةٌ" .
معنى اليتامى .
اليتامى : جمع يتيم ، وهو فاقد الأب قبل البلوغ.
وقد تطلق العرب اليتيم على من فقد أمه مجازا واستعارة .
معنى الواو في "واليتامى"
الواو حرف عطف على ما سبق والمعنى:" وأحسنوا إلى اليتامى"
وجعل الزجاج "واليتامى " في محل جر والتقدير" وباليتامى أوصاكم" ثم قال "وكذلك جميع ما ذكر في الآية"
و خص اليتامى بالأمر بالإحسان إليهم والحنو عليهم لأنهم فَقَدُوا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ.

المراد ب "والمساكين
والمساكين أصحاب الحاجات الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ. ذكره ابن كثير
وخصهم ابن عطية بالمسلمين
ولعل حجته في ذلك أن "المساكين" من مستحقي الزكاة كما دلت عليه آية سورة براءة و الزكاة لا تحل لكافر
كما زاد تخصيصهم بالذين جاهروا بالسؤال ولم أجد له توجيها لقوله.
ولعل مبنى قوله معنى المسكين لغة : "مسكين هو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة فيتمسكن لذلك"
والتمسكن يكون بإظهاره للناس إما بالقول أو بالفعل ..- والله أعلم-
قال رحمه الله :" المقترون من المسلمين الذين تحل لهم الزكاة ، وجاهروا بالسؤال ."
معنى الجنب
الجنب : البعيد
قال ابن فارس :" (جَنَبَ)الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ."اهـ
، ومنه قيل : اجتنب فلان فلانا : إذا بعد منه . وتجنبه غيره : إذا منعه إياه
والاجتناب أن يترك الشيء جانبا
و الجنابة البعد أيضا وسميت كذلك لابتعاد ومجانبة صاحبها الصلاة حتى يغتسل
قال الأعشى:
أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍ ***فكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا
يعني بقوله : «عن جنابة » : عن بعد وغربة.
المراد ب {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}
في ذلك أقوال:
الأول: الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ.
وهو قول ابْنِ عَبَّاسٍ (68) ، ومُجَاهد(104)، وَالضَّحَّاكِ(105) و عِكْرِمةَ(105) وقتادة (117) وَمُقَاتِلِ بْنِ حيَّان (150)
وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ(182).
عن قتادة :" { والجارِ ذِي القُرْبَي } إذا كان له جار له رحم ، فله حقان اثنان : حقّ القرابة ، وحقّ الجار
التخريج
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عنه
وأخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي من طرق
قول ومُجَاهد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح
قول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر
قول عكرمة أخرجه ابن جرير من طريق جار
قول قتادة أخرجه ابن جرير من طريق سعيد
وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن قتادة
وَزَيْدِ بْنِ أَسْلم أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
التوجيه
- قوله "ذي القربى "صفة للجار فالمراد هو الجار الذي له قرابة ؛ فهو الذي يتصل بالإنسان بصلة الرحم والقرابة ، فاجتمع له حق الجوار حق الرحم ، فقد ثبت له الإحسان من ناحيتين فكان ما يقابله" الجار الجنب" الذي ليس له قرابة وصلة رحم
وأخرج ابن جرير من طريق ليث عن ميمون قال قال :"والجار ذي القربى الرجل" يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك"

وقد رد ابن جرير هذه القول –قول ميمون - مسندا إلى اللغة والعقل قال رحمه الله :"وهذا القول قولٌ مخالفٌ المعروفَ من كلام العرب. وذلك أن الموصوف بأنه"ذو القرابة" في قوله:"والجار ذي القربى"،"الجار" دون غيره. فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة. ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل:"وجار ذي القربى"، ولم يُقَل:"والجار ذي القربى". فكان يكون حينئذ = إذا أضيف"الجار" إلى"ذي القرابة" = الوصية ببرّ جار ذي القرابة، دون الجار ذي القربى. وأما و"الجار" بالألف واللام، فغير جائز أن يكوى"ذي القربى" إلا من صفة"الجار". وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصية من الله في قوله:"والجار ذي القربى" ببرّ الجار ذي القربى، دون جار ذي القرابة. وكان بينًا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.اهـ
* * *
الثاني: : {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي الْمُسْلِمَ {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} يَعْنِي الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ وهو قول نَوْف البِكَالِي الشامي
تخريجه أخرجه ابن جرير و وابنُ أَبِي حَاتم.من طريق أبي إسحاق عنه.
وفي تفسير الثعلبي هو الكافر
توجيه القول :
أن المراد به بالقرابة قرابة الإسلام و بالأجنبية أجنبية الكفر.
رد ابن جرير هذا القول بكونه مخالف لمعهود المعروف من كلام العرب ؛والقران لا يجوز تفسيره إلا على المعهود من كلامهم لأنه نزل بلغتهم
قال رحمه الله :" وهذا أيضا مما لا معنى له ، وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب ، الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه ، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة ، إنما يعني به : إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين ، كان صرفه إلى القرابة بالرحم أوّلَى من صرفه إلى القرب بالدين ."اهـ
وبنحوه قال ابن عطية
الثالث:"الجار ذي القربي "الجار القريب المسكن و "الجار الجنب" الجار البعيد المسكن رواه الضحاك ، عن ابن عباس .وهو اختياره الزجاج ذكره الثعلبي و ابن عطية ولم ينسباه إلى أحد
- إلا أن الثعلبي خصه بالملاصق لدارك ؛وسمى كذلك" بالجار الجنب "لأنه إلى جنبك .قال رحمه الله :" وقال بعضهم : الجار الجُنب هو الجار اللاصق داره بدارك ، فهو إلى جنبك"
توجيه هذا القول
ما رواه البخاري في صحيحه والإمام أحمد وغيرهما عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»
القول الرابع
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي الْمَرْأَةَ.وهو قول ابنِ مَسْعُودٍ.(32)و علي (40)
تخريج
قول ابن مسعود وعلي أخرجهما ابن أبي حاتم من طريق عامر قال : قال علي وابن مسعود : { والجار ذي القربى } : المرأة
قال ابن أبي حاتم :" وروي عن الحسن وسعيد بن جبير نحو ذلك ..
توجيه
أن العرب تطلق على المٍرأة جارة
قال الأعشى :...... أيا جارتي بيني...
وهى أقرب ما تكون للرجل لملازمتها ومصاحبتها ومخالطتها له.لذلك صح تسميتها ب "الجار ذي القربى"
القول الخامس
المراد "الجار الجنب" المرأة وهو قول هلال الوزان
أخرجه عبد الله بن وهب من طريق شعبة بن الحجاج عنه
التوجيه:
وهو كاسبقه العرب تطلق لفظ جارة على المرأة
وقيل للمرأة "الجار الجنب" لأنها تنام إلى جنب الرجل؛ وعليه
يكون المراد بالجنب على هذا القول الناحية لا البعد
قال الجوهري : والجنب: الناحية." اهـ
وقال ابن فارس :" (جَنَبَ)الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ."اهـ
القول السادس
الجار الجنب" هو الرفيق في السفر وهو قول مجاهد
التخريج
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج ، عن سليم هو أبو عبيد الله أنه سمع مجاهدا يقول في : { الجار الجنب } قال : هو رفيقك في السفر في بياتك ، ويده في يدك .
الترجيح
أفادت الآثارُ اختلاف السلف في المراد بالجار ذي القربى على
على أربعة أقوال
1- الذي بينك وبينه قرابة وصلة رحم
2- المسلم
3- القريب من بيتك
4- المرأة
و المراد بالجار الجنب على خمسة أقوال:
1-البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه
2- الكافر أو المشرك
3- الجار البعيد المسكن منك
4-الصاحب في السفر
5- المرأة
وقد رجح ابن جرير القول الأول أن الجار ذي القربى الجار ذي القرابة و الجار الجنب من لا قرابة بينك وبينه وذلك حتى يكون الأمر عام وشامل بالإحسان لكل أنواع الجيران
قال رحمه الله:" الجار ذي القربى :هو الجار ذو القرابة والرحم ، والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد ، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران ، قريبهم وبعيدهم"
واعتمد في ترجيحه هذا على اللغة لأن الجنب في الكلام العرب هو البعيد ؛ فالجار ذي القربى هو القريب والجار الجنب هو البعيد عن القرابة
قال رحمه الله :" فإن الجُنب في كلام العرب البعيد كما قال أعشى بني قيس :
أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍ ***فكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا
يعني بقوله : «عن جنابة » : عن بعد وغربة ،......إلى أن قال . . فمعنى ذلك : والجار المجانب للقرابة ." اهـ
حد الجيرة
أثار هذه المسألة ابن عطية وذكر اختلاف أهل العلم فيها
-قيل حده أربعون دارا من كل ناحية جيرة نسبه للأوزاعي
- وقيلمن سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد ، وبقدر ذلك في الدور لم ينسبه إلى أحد
- وقيل من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جاره ، لم ينسبه إلى أحد
ولم يرجح ابن عطية شيئا لكن الذي يظهر من كلامه كأنه قبلها كلها لأنه جعل المجاورة مراتب أدنها الزوج وبعد ذلك كل من يخالطك
وإن كان الجميع يطلق عليه لفظ المجاورة إلا أنها درجات
قال رحمه الله :" والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض ، أدناها الزوج كما قال الأعشى : [ الطويل ]
أَيَا جَارَتِي بِينِي .
وبعد ذلك الجيرة الخلط ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
سَائِلْ مُجَاوِرَ جرْمٍ هَلْ جَنَيت لَها حَرْباً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجِيرَةِ الخُلُطِ اه
جمع خليط خلطاء وخلط
والخليط الذي يخالطك ويعاشرك
الحث على الإحسان إلى الجار
من الأحكام التي جاءت بها الشريعة الحث على الإحسان إلى الجار وإعطاء حقوقه والتحذير من أذيته بل فيها الوعيد الشديد لمن تعدي عليه ولم يعطه حقوق
وجمع ابن كثير عددا منها؛ وسأسرد بعضها
- ما وراه البخارى في صحيحه والإمام أحمد في مسندهعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا زَالَ جِبرِيل يُوصِينِي بالْجَارِ حَتِّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِثُه".
-ما رواه الإمام أحمد عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
-ما رواه الإمام أحمد عن المقداد بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ " قَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ ورسُولُه، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لأنْ يَزني الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَة، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَن يزنيَ بامرَأَةِ جَارِهِ". قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَة؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يسرِقَ مِنْ جَارِهِ"." .


المراد بالصحاب بالجنب
ورد في ذلك أقوال
القول الأول:الزوجة..وهو قول : وابن مسعود(32) ، علي(40) ، وإبراهيم النخعي(96)؛ والحسن(110) ، وابن أبي ليلى(148)
تخريج
**قول ابن مسعود: رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عامر أو القاسم عنه و رواه سفيان الثوري في تفسيره من طريق القاسم بن عبد الرحمان عنه
**قول علي رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عامر أو القاسم عنه
ورواه عبد ابن حميد كما عند السيوطي
قول ابراهيم النخعي رواه الصنعاني و ابن جرير وابن المنذر وسعيد بن منصور في سننه من طريق أبي الهيثم عنه
قول ابن أبي ليلى رواه عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق هلال عنه .
توجيه:
وجه هذا القول أن المرأة تكون مع الرجل وتضجع إلى جنبه . فيلصق جنبها جنب الرجل ؛ كما أن جنب الرجل يلصق جنب المرأة
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} .
قال رشيد رضا رحمه الله تعالى :.."وَجْهَهُ أَنَّهُ الْمَرْأَةُ، أَيْ: لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَضَتِ الْفِطْرَةُ وَنِظَامُ الْمَعِيشَةِ أَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ بَعْلِهَا" اهـ
.
القول الثاني::الصاحب الملازم وهو قول ، عن ابن عباس(68) ، عكرمة (105)؛ ابن جريج(150) ؛ ابن زيد(182) وهو قول أبي عبيدة
- الصاحب الملازم لك ..يكون معاك سفرا وحضرا.
قال مقاتل : هو رفيقك حضرا وسفرا . .
و قيد بأنه بصاحب الْحَاجَةِ.. قال ابن زيد : هو الذي يلصق بك ؛ وهو إلى جبنك ويكون معك رجاء خيرك .ونفعك
ولا تنافي بين القولين إذ لا يتصور صحبة وملازمة دون نفع وهو من لوازم الملازمة.
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عنه
ورواه ابن جرير من طريق العوفي عنه
قول ابن جريج ذكره الثعلبي في تفسيره وكذا البغوي قال ابن جريرج قال :"هو الذي يصحبك رجاء نفعك "
قول ابن زيد ابن أسلم ٍرواه ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد قال الذي يلصق بك و وهو إلى جنبك؛ و يكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك .
توجيه
سمي الصاحب الملازم ب الصاحب بالجنب لأنه يمشي بجانب صاحبه
قال أبو عبيدة :" يصاحبك في سفرك ، ويلزَمُك ، فينزل إلى جنبك".
القول الثالث: أنه الرفيق في السفر
القائلون به، قاله ابن عباس(68) ؛ سعيد بن جبير(95). الضحاك(105)، قتادة(117) ، السدي(127) ؛ وهو اختيار ابن قتيبة( 276)
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق علي ابن أبي طلحة عنه
قول سعيد بن جبير
رواه الصنعاني والطبري في تفسيرهما من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {والصاحب بالجنب} قال: الرفيق في السفر، كما روى مثله النهدي عن مورق أو مرزوق مولى الشّعبيّ عن سعيد بن جبيرٍ.
قول الضحاك رواه ابن جرير من طريق جويبر عنه
قول عكرمة رواه ابن المنذر من طريق عطاء بن دينار عن الضحاك ؛ورواه ابن أبي حاتم من طريق جابر عن الضحاك .
قول قتادة رواه عبد الرزاق من طريق معمر عنه ؛ورواه ابن جرير من طريق سعيد عنه
قول السدي رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه
توجيه:
وجه هذا القول أن الرفيق في السفريَرْكَبُ بِجَانِبِ رَفِيقِهِ فِي الشُّقْدُفِ عَلَى الْبَعِيرِ.
ومنهم قول العرب .جَانَبَهُ بِمَعْنَى سَارَ إِلَى جَنْبِهِ.
النقاش :
أقوال المذكورة في الآية تنصب على معنى واحد..لا تنافر ولا تعارض بينهما
فلفظ " الصاحب الجنب" يشمل كل من يصاحب العبد ويكون إلى جنبه؛سواء في أمر ديني أو أمر دنيوي
فالمرأة تصاحب الرجل وتكون إلى جنبه وهو أيضا يصاحبها ويكون لجنبها
وكذا المسافر يصاحب صاحبه ولازمه في سفره ويكون إلى جنبه
وكذا الرفيق والملازم في أمور الدنيا أو أمور الدين ملازم لصاحبه يكون إلى جنبه لحصول النفع وتحقيق الانتفاع
قال ابن جرير : " يقال : فلان بجنب فلان وإلى جنبه ، وهو من قولهم : جَنَب فلان فلانا فهو يَجْنُبُهُ جَنْبا ، إذا كان لجنبه ، ومن ذلك : جَنَبَ الخَيْلَ ، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض . وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر ، والمرأة ، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه ، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه ، وقد أوصى الله تعال بجميعهم لوجوب حقّ الصاحب على المصحوب ."
قال ابن عاشور :" قَوْلُهُ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هُوَ الْمُصَاحِبُ الْمُلَازِمُ لِلْمَكَانِ، فَمِنْهُ الضَّيْفُ، وَمِنْهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مُلِمٌّ بِكَ لِطَلَبِ أَنْ تَنْفَعَهُ" اهـ
بل معنى الآية أوسع من ذلك فيدخل في معناه : كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب أي : بجنبك كمن يقف بجنبك في تحصيل علم ، أو تعلم صناعة ، أو مباشرة تجارة ، أو نحو ذلك .
قال الزمخشري :" هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك ، إما رفيقاً في سفر ، وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكاً في تعلم علم أو حرفة . وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك ، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه . فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه ، وتجعله ذريعة إلى الإحسان "
وقال أبو زهرة :"وإن من الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك ، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة ، وان تحافظ على الحياء في مجلسك ، فلا تجعل نعلك يحف بثيابه أو بحيث يؤذيه ، وأن تعاونه عن كان محتاجا إلى معاونتك ".
ولا يشترط في الصاحب الجنب طول الصحبة ؛أو موافق الدين
قال شيخ الإسلام بن تيمية : { معلومأَنَّ لَفْظَ " الصَّاحِبِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ...وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ ."
وقال رحمه الله :"..قد قيل: هو الرفيق في السفر وقيل: هو الزوجة ومعلوم أن صحبة الرفيق وصحبة الزوجة قد تكون ساعة فما فوقها وقد أوصى الله به إحسانا ما دام صاحبا.......وقد دخل في ذلك قليل الصحبة وكثيرها وقليل الجوار وكثيره " اهـ
. قال ابن القيم: "وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَقُّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا."
و مما يقوى هذا المعنى ما رواه ابن جرير من طريق ابن أبي أوفى عن فلان بن عبد الله عن الثقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن كل صاحب يصحب صاحبا مسؤول عن صحابته ؛ولو ساعة من نهار"
فالذي يظهر –والله أعلم- أن قوله الصاحب الجنب كناية عن القرب... فكأن هذا الشخص صار قريبا منك قرب جنبك منك..فمن كان هذه حاله فحقه الإحسان إليه؛ ولا يشترط طوال ملازمة ولا موافق الدين بالعبرة بالقرب والمخالطة
والله أعلم
المراد "وابن السبيل"
ورد فيه أقوال
الأول:المسافر المجتاز مَارّاً ، وهذا قول مجاهد( 104) ، وقتادة (117)، والربيع بن أنس البكري . (139)
وهو قول أبي عبيدة وعبر عنه " بالغريب" .
تخريج
قول مجاهد رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عنه ؛ ورواه عبد الرزاق أيضا من طريق قتادة عن مجاهد قال: " ابن السبيل الذي يمر عليك وهو مسافر"
قول قتادة رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عنه
قول الربيع رواه ابن جرير من طريق أبي جعفر عن الربيع قال ابن السبيل هو المار عليك وإن كان في الأصل غنيا
القول الثاني : الضيف ، وهو قول ابن عباس (68) ؛ سعيد ابن جبير (95) ؛ مجاهد (104) ؛ الضحاك .(105) ؛ قتادة (117) وهو قول مقاتل والزجاج
قال مقاتل: { وابن السبيل } ، يعني الضيف ينزل عليك أن تحسن إليه ."
قال الزجاج : هو الضيف يجب قراه؛ و أن يبلغ حيث يريد
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس قال:" ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين"
قول سعيد بن جبير علقه ابن أبي حاتم
قول مجاهد رواه ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد قال:" ابن السبيل الضيف له حق في السفر وفي الحضر"
قول الضحاك رواه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك قال:" ابن السبيل هو الضيف"
قول قتادة رواه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة قال:" ابن السبيل هو الضيف"
الترجيح:
والسبيل الطريق ، و قيل لصاحب الطريق ابن السبيل ، كما قيل لطير الماء ابن ماء .
قال الشاعر :
وردت اعتسافاً والثريا كأنها *** على قمة الرأس ابن ماءٍ مُلحقُ.
رجح ابن جرير أن المراد ابن السبيل المسافر المار بك واستظهره ابن كثير
واستند ابن جرير في ترجيحه إلى دلالة اللغة أن ابن السبيل هو صاحب الطريق قال رحمه الله :" والصواب من القول في ذلك : أن ابن السبيل : هو صاحب الطريق ، والسبيل : هو الطريق ، وابنه : صاحبه الضارب فيه ، فله الحقّ على من مرّ به محتاجا منقطعا به إذا كان سفره في غير معصية الله أن يعينه إن احتاج إلى معونة ، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة ، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان.
وحاول ابن كثير الجمع بين القولين فقال رحمه الله :" ، وإن كان مراد القائل بالضيف : المار في الطريق ، فهما سواء.
وقال ابن عطية بعدما ذكر القولين :" وهذا كله قول واحد"
وقوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
المراد : بملك اليمين"
العبيد الأرقاء...هذه وصية من الله بالإحسان إلى الأرقاء لأنهم ضعفاء لا حيلة لهم أسارى في أيدي الناس
ونسب الملك إلى اليمين
ونسب الملك إلى اليمين إذ هي في المعتاد جارحة البطش والتغلب والتملك ، فأضيفت هذه المعاني وإن لم تكن بها إليها تجوزاً . ذكره ابن عطية
وعبر عنه ابن جرير بقوله كما يقال :" تكلم فوك ؛ ومشت رجلك؛ وبطش يدك."
الأحاديث التي تحث على الإحسان إلى العبيد والأرقاء
ورد كثير من الأحاديث التي تحض وتحث على الإحسان إلى العبيد والأرقاء ؛حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من أواخر ما وصى به في مرض موته
روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يُوصِي أُمَّتَه في مرضِ الموت يقول : " الصلاةَ الصلاةَ وما ملكتْ أيمانُكُم " . فجعل يُرَدِّدُها حتى ما يَفِيضُ بها لسانه.رواه أبو داود في السنن برقم (5154) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
روى الإمام أحمد : عن الْمِقْدَامِ بن مَعْدِ يكَرِب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نَفْسَك فهو لك صدقةٌ ، وما أطعمتَ وَلَدَكَ فهو لك صدقة ، وما أطعمت زَوْجَتَكَ فهو لك صَدَقَةٌ ، ومَا أطعَمْتَ خَادِمَكَ فهو لَك صَدَقَهٌ "
ورواه النسائي من حديث بَقِيَّة ، قال ابن كثير وإسناده صحيح ولله الحمد .
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال لِقَهْرَمَانَ له : هل أعطيت الرقيق قُوتَهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم " .

وروى مسلم أيضا وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكِسْوتُه ، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يُطيق " . .
-قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }
معنى المختال
يقال خال الرجل يخول خلاً إذا تكبر وأعجب بنفسه .
قال الراغب:" والخُيَلَاء: التّكبّر.
قال الجوهري:" والخال والخيلاء والخيلاء: الكبر. تقول منه: اخْتالَ فهو ذو خُيَلاءَ، وذو خالٍ، وذو مَخْيَلَةٍ،، أي ذو كِبْرٍ. قال العجاج:
والخالُ ثَوْبٌ من ثياب الجهال *
وقد خال الرجلُ فهو خائِلٌ، أي مُخْتالٌ.
قال الشاعر: فَإنْ كَنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا *** وإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فاذهَبْ فَخَلْ
وجمع الخائل خالة، مثل بائع وباعة.اهـ
معنى الفخور
قال ابن سيده : الفَخَر، والفِخْر، والفُخْر، والفَخَار، والفَخارة، والفَخِّيري، والفِخِّيراءُ: التمدُّح بالخصال.اهـ..
الفخور على وزن فعول مبالغة في الفخر
فالفخر عنده التمدح بالخصال –الأخلاق- التي يتملكها العبد كالكرم والشجاعة.
قال الراغب:" الفَخْرُ: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه؛ ويقال: له الفَخَرُ، ورجل فَاخِرٌ، وفُخُورٌ، وفَخِيرٌ، على التّكثير." اهـ
الفخر عنده هو التمدح بما يملك مما ليس من خصاله وأخلاقه كالمال و الجاه والشرف و النسب
قال ابن عطية:" : والفخر عد المناقب تطاولاً بذلك.اهـ
ابن عطية أضاف قيدا آخر وهو "تطاولا" أي أن يعد العبد محاسنه على جهة التطاول لا على جهة " {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]
فتحصل مما سبق أن الفخر عد الخصال الحميدة والأخلاق النبيلة الجميلة والصفات الخلقية ؛ وكذا بما ينعم الله على عباده ويوسع عليهم من رزق ومال وشرف وجاه مما لا يدخل في صفات العبد وأخلاقه على جهة التطاول والمباهاة والتمدح.
أقوال السلف في المراد بالمختال الفخور
قول مجاهد:
الفخور المتكبر
الفخور يعد ما أعطى ؛ وهو لا يشكر الله
التخريج :
رواه ابن جرير من طريق أبي نجيح عن مجاهد
مناسبة ختم الآية بذكر المختال الفخور
جملة " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا" وردت كالتعليل للأمر السابق وهو الإحسان للأصناف التي سبق ذكرها؛ وهذان الوصفان متلازمان ، فحيث كان الكبر كان الفخر الكاذب.
-قال أبو رجاء الهروي : لا تجده سيء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً وتلا قوله تعالى :"{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36] ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً ، وتلا قوله :" {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [مريم: 32] اهـ رواه ابن جرير من طريق محمد بن كثير.عنه
وخص هاتين الصفتين إذ هما الحاملان بالإخلال بحقوق الأصناف التي تقدم ذكرها والإحسان إليهم.. فالمتكبر يأنف عن أقاربه وجيرانِه وأصحابِه ولا يلتفت إليهم والفخور يتفاخرُ عليهم . فالجملةُ تعليلٌ للأمر السابق .
قال ابن عطية: وخص هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو ، وذلك هو الحامل على الإخلال بالأصناف الذين تقدم أمر الله بالإحسان إليهم. اهـ
قال أبو زهرة.:" والله تعالى لا يحب هؤلاء ؛ لأنهم يستنكفون عن الاتصال بالناس ، ويغمطون حقوق الناس ، ولا يقومون بحق النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام :"الكبر بطر وغمط الناس" .
وكان ذكر ذلك النص الكريم بعد طلب الإحسان للإشارة إلى أن المتصف بهاتين الصفتين لا يمكن أن يكون محسنا لأحد – هو إيذاء بصفاته وبأفعاله ، وهو مصدر الشر والتفرق في الجماعات .اهـ
في الآية وعيد
ونفي محبة الله لمن هذه صفته فيه تنبيه وإماء أنه متوعد بالعذاب ؛فعدم المحبة دليل على عدم الرضى وعدم الرضى مقتض للعذاب.
قال القاضي أبو محمد : ونفي المحبة عمن هذه صفته ضرب من التوعد .
( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء : 37]
القراءات
البخل :فيه قراءتان :
قراءة الجمهور"البُخْل "ضم الباء وإسكان الخاء
وقرأ حمزة و الكسائي و خلف العاشر ب " البَخَل " فتح الباء و الخاء
و هما لغتان فصيحتان بمعنى واحد؛فبأيتهما قرئ صح
وفيه لغتان غير هاتين ، يقال : البُخُل والبَخْل ؛ وقرئ بهما في الشواذ
" البُخُل" بضم الباء والخاء قراءة عيسى بن عمر والحسن، و " البَخْل" بفتح الباء وسكون الخاء وهي قراءة الزبير وقتادة وهي لغة بكر بن وائل.
نزول الآية:
المراد "بالذين يبخلون ":
القول الأول: المراد بهم اليهود وهو قول ابن عباس(68) سعيد بن جبير (95) ومجاهد (104) الضحاك (105)وعكرمة (105) الحسن البصري (110) وقتادة (117)السدي (127) وحضرمي( ) ابن زيد ابن أسلم (182) وهو قول مقاتل (150)
الْيَهُودِ كَتَمُوا صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وَلَمْ يُبَيِّنُوهَا لِلنَّاسِ، وَهُمْ يَجِدُونَهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ.وأمروا الناس بكتمه .
معنى الآية على هذا القول
ما ورد في سبب نزولها
-عنابن عباس قال: كان كَرْدَم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار وكانوا يخالطونهم ينصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، أي: من النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد.
التخريج:
رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن عباس
و وراه ابن المنذر عن محمد ابن إسحاق ولم يخرجه عن ابن عباس

المراد "بالذين يبخلون "
هم اليهود وهو قول
ابن عباس(68) سعيد بن جبير (95) ومجاهد (104) الضحاك (105)وعكرمة (105) الحسن البصري (110) وقتادة (117)السدي (127) وحضرمي( ) عبد الرحمان بن زيد ابن أسلم (182) وهو قول مقاتل (150) والزجاج
تخريج الأقوال
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال "هي في أهل الكتاب يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان"
قول سعيد ابن جبير ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق جعفر عن سعيد بن جبير قال" هذا في العلم ؛ليس في الدنيا"
رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن أبي المغيرة عنه
قول مجاهد رواه ابن جرير و ابن المنذر من طريق جريج وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال" نزلت في اليهود"
ورواه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول الضحاك رواه ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك قال: هم أهل الكتاب كتموا محمدا و ما أنزل عليه
قول عكرمة رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمد مولى آل زيد بن ثابت عن عكرمة :" قال النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
قول الحسن البصري ذكره يحي بن سلام كما في تفسير بن أبي زمنين قال:" هم اليهود منعوا حقوق الله في أموالهم وكتموا محمدا وهو يعلمون أنه رسول الله "
قول قتادة رواه ابن جرير و أبي أبي حاتم من طريق سعيد عنه
قول السدي رواه ابن جرير و أبي أبي حاتم من طريق أسباط
قول حضرمي رواه ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عنه
قول عبد الرحمان بن زيد ابن أسلم رواه ابن جرير من طريق ابن مهب عن عبد الرحمان بن زيد قال في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هؤلاء يهود. وقرأ:"ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، قال: يبخلون بما آتاهم الله من الرزق، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب. إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه. وقرأ: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) من بخلهم.
محل إعراب "الذين يبخلون"
في محل رفع
إما على الابتداء واختلف في خبره قيل هو محذوف دل عليه ما بعده والتقدير " الذين يبخلون قرناء الشيطان" أو " الذين يبخلون معذبون أو مجازون"
وقيل الخبر هو ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ). قاله الزجاج .قال ابن عطية " وفي هذا تكلف ما "
-ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ؛أي: هم الذين يبخلون .
المراد بالبخل
البخل بالعلم ؛بما عندهم من العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته
معنى" وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ"
في ذلك قولان:
1-أن اليهود قالت لأتباعهم وعوامهم : اجحدوا أمر محمد ، وابخلوا به؛.. وعليه يكون المراد "بالبخل" كتمان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته.. ويكون المراد "بالناس" هم إخوانهم من اليهود
-قال ابن عباس :"هي في أهل الكتاب يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان " رواه ابن أبي حاتم من طريق العوفي
2- قالت اليهود للأنصار : لم تنفقون أموالكم على هؤلاء المهاجرين فتفتقرون ؟
وعليه يكون المراد بالبخل؛ البخل بالمال و عدم إنفاقه .
ويكون المراد "بالناس" النصارى
-"وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"
المراد بالذي أتاهم الله
هو ما أعطاهم الله بالعلم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم
أسباب كتمان العلم
بين ابن تيمية رحمه الله أن اليهود في كتمانها للعلم لها أحد ثلاثة أسباب
قال رحمه الله :" فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم: تارة بخلا به وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفا في أن يُحتج عليهم بما أظهروه منه.اهـ "الاقتضاء"
قوله { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً }
أي أعد الله لليهود عذابا مهينا ؛و اليهود كفار لأن من كتم الدين والنبوة وحجدهما فهو كافر
ووضع المظهر "الكافرين" موضع المضمر "لهم" إشعاراً بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى ، ومن كان كافراً لنعمه فله عذاب يهينه.
معنى " وأعتدنا"
في معجم الوسيط: أَعْتَدَ الشيءَ : هَيَّأَه وأعَدَّهُ . وفي التنزيل العزيز : " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا"
-وفي القاموس :" عَتيدُ : الحاضِرُ المُهَيَّأ ."
قال ابن عطية :" وأعتدنا معناه : يسرنا وأعددنا وأحضرنا ، والعتيد ، الحاضر اهـ
وهو .كقوله تعالى :" {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
ويجوز "وأعتدنا" مشتق من العتاد و العدة؛كأن العذاب جعله عتادا لهم.
قال الزجاج:" أي جعلنا ذلك عتادا لهم ؛ أو مثبتا لهم "
معنى المهين
العذاب المهين : الذي يقترن به خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب .(ذكره ابن عطية)
مناسب ذكر العذاب المهين
-وخص العذاب المهين لهؤلاء دون غيره من العذاب كالأليم والعظيم و غيرهما ؛ لأنه من باب الجزاء من جنس العمل ؛ كما أهان هؤلاء النعم بالبخل والإخفاء ، استحقوا العذاب المهين الذي يهينهم
القول الثاني :المراد بهم المؤمنين وهو قول طاووس (106)زيد ابن أسلم (136) وهو اختيار ابن كثير
الذين يبخلون بالإنفاق في طاعة الله عز وجل ويأمرون الناس بذلك .
التخريج
قول طاووس رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابنه عنه وعلقه ابن المنذر
قال ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.
قول زيد بن أسلم رواه ابن أبي حاتم من طريق حفص بن مسيرة عن زيد بن اسلم قال :" إن البخيل الذي لا يؤدى حق الله في ماله"
المراد :" بالذين يبخلون"
هم الذين سبق ذكرهم في الآية السابقة المختال الفخور
محل إعراب "الذين يبخلون"
- في موضع نصب بدل من { من } في قوله { من كان مختالاً فخوراً } ؛ أي إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا وهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل
-و يجوز أنه انتصب على الذم .أي أذم الذين يبخلون
-المراد بالبخل
يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس بالبخل؛ فلا تنفق في شيء من وجود الإحسان إلى من ذكر
المراد بالناس
- يعني إخوانهم ، ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالأموال .
- قوله { ويكتمون ما آتاهم من فضله }
المراد ب يكتمون
يسترون نعم الله ؛ لا يظهرونها ولا ينفقونها. لا على أنفسهم ولا على غيرهم ؛لأن البخيل جاحد لنعم الله
ولا يتحدثون بها والله عزوجل يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث"
قال ابن كثير:" فَالْبَخِيلُ جَحُود لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا تَظْهَرُ عَلَيْهِ وَلَا تَبِينُ، لَا فِي أَكْلِهِ وَلَا فِي مَلْبَسِهِ، وَلَا فِي إِعْطَائِهِ وَبَذْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الإنْسَاَن لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} أَيْ: بِحَالِهِ وَشَمَائِلِهِ، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وَقَالَ هَاهُنَا: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}اهـ.
المراد " ما آتاهم من فضله"
- من الرزق والمال
البخيل لا يحبه الله
على هذا المعنى تدل الآية أن الباخلين منفية عنهم محبة الله " ؛ لأن الله أخبر أنه لا يحب المختال الفخور ثم بين ر أن من صفاتهم البخل ..فلزم من ذلك أن البخيل لا يحبه الله
قوله { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً }
هذا الجزء من الآية ذهب ابن عطية أنه خاص بالكفار ؛ فبعدما أمر المؤمنين بالإحسان إلى من سمى و عاتب المتكبر الفخور البخيل ذكر الكفار و ما أعد لهم من العذاب المهين
قال رحمه الله :" ..والآية إذاً في المؤمنين ، فالمعنى : أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمي ، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم من المؤمنين ، وأما الكافرون فإنه أعد لهم { عذاباً مهيناً } ، ففصل توعد المؤمنين من توعد الكافرين ، بأن جعل الأول عدم المحبة ، والثاني { عذاباً مهيناً }"اهـ
أما ابن كثير فقد كان له نظر آخر؛ حيث جعل الآية كلها في المؤمنين؛ ففيها توعد للبخيل ؛
وحمل قوله تعالى " الكافرين " على المعنى اللغوي ؛ فالكفر لغة : الستر والتغطية ؛ فالبخيل ساتر لنعم الله وآلائه وعظيم فضله فلم يظهرها ولم ينفقها في مراضى الله وطاعته.
قال رحمه الله :" وَالْكَفْرُ هُوَ السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ، فَالْبَخِيلُ يَسْتُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيَكْتُمُهَا وَيَجْحَدُهَا، فَهُوَ كَافِرٌ لِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. " اهـ
الترجيح
الزجاج :اكتفي بذكر قول واحد وهو أن المراد بالبخل هو بخل العلم وأن المراد بالذين يبخلون هو اليهود
وابن عطية لم يرجح شيئا؛ لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يميل أن الآية في المؤمنين والمراد بالبخل في الآية بخل المال إلا قوله "وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" فهي في الكفار ؛ وذلك لتصديره هذا القول.
و رجح ابن جرير أن المراد بالبخل بخل العلم وأن المراد ب الذين يبخلون اليهود
أما ابن كثير فذهب أن البخل في الآية يحتمل أن يكون بخل العلم كما أنه يحتمل أن يكون بخل المال؛ ثم رجح رحمه الله مستندا إلى سياق الآية وسباقها أن المراد بالبخل في الآية بخل المال و المراد بالذين يخلون المؤمنون
--فإن سياق الآية في الكلام على الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالضُّعَفَاءِ ؛ ومما قوى به ترجيحه الآية التي بعدها وهو قوله تعالى:{والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} ؛ ففيه جمع بين الممسكين المانعين لنعم الله وبين المنفقين المرائين
قال رحمه الله :" وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّيَاقَ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْبُخْلُ بِالْعِلْمِ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالضُّعَفَاءِ، وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: {والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} فَذَكر الْمُمْسِكِينَ الْمَذْمُومِينَ وَهُمُ الْبُخَلَاءُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاذِلِينَ الْمُرَائِينَ الَّذِي يَقْصِدُونَ بِإِعْطَائِهِمُ السُّمْعَةَ وَأَنْ يُمدَحوا بِالْكَرَمِ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ" اهـ
وابن تيمية جعل الآية مشتملة على معاني البخل
قال رحمه الله :" قَدْ تُؤُوِّلَتْ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَالْمَنْعِ وَالْبُخْلِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ وَهِيَ تَعُمُّ الْبُخْلَ بِكُلِّ مَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ عِلْمٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ." المجموع..
ثم قال مرجحا :" وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو المقصود الأكبر" الاقتضاء.


معنى البخل والفرق بينه وبين الشح
فرق بينهما طاووس رحمه الله بأن البخل منع ما في اليد ؛ والشح: هو البخل تقترن به الرغبة فيما في أيدي الناس قال ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.اهـ
وبه قال ابن عطية
في الآية ذم البخل
وقد دلت الآية على ذم البخل ؛ وقد ورد هذا المعنى في عدد من نصوص الكتاب والسنة
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأ مِنَ الْبُخْلِ؟ ". وَقَالَ: "إِيَّاكُمْ والشّحَ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بالقطيعةِ فقطعوا، وأمرهم بالفجور فَفَجَرُوا".
استحباب إظهار نعم الله
لما ذم الله الذين يكتمون نعم الله عليهم ؛ ولا يظهرونها فُهم منه أنه يُستحب إظهار نعم الله . وقد دل على هذا المفهوم عدد من نصوص الكتاب و السنة
كقوله تعالى :" وأما بنعمة ربك فحدث"
وفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ نِعْمَةً عَلَى عبدٍ أحبَّ أَنْ يَظْهَرَ أثرُها عَلَيْهِ" .
وَفِي الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ: "وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثِنِينَ بِهَا عَلَيْكَ قَابِلِيهَا -وَيُرْوَى: قَائِلِيهَا-وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا" .
في الآية أداب طالب العلم وتعليمه
دلت الآية على صفات مذمومة يجب على العالم وطالب العلم تركها والابتعاد عنها وهي:
-البخل..فلا يبخل العالم وطالب العلم بالعلم الذي تفضل الله به عليهما
- المختال : والمختال في العلم له صورتان إما أَنْ يَخْتَالَ فَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَالَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَبْذُلُهُ.
-الفخور...الفخر بالعلم أن يتباهى به أمام الناس
فدل مفهوم الآية أن على طالب العلم أن يتصف بضد تلك الصفات وهو التواضع وبذله للناس
قال ابن تيمة :" ... وَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْمُخْتَالَ الْفَخُورَ الْبَخِيلَ بِهِ-يقصد العلم- فَالْبَخِيلُ بِهِ الَّذِي مَنَعَهُ وَالْمُخْتَالُ إمَّا أَنْ يَخْتَالَ فَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَالَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَبْذُلُهُ وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَبْخَلُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَيَخْتَالُ بِهِ وَأَنَّهُ يَخْتَالُ عَنْ أَنْ يَتَعَدَّى مِنْ غَيْرِهِ وَضِدُّ ذَلِكَ التَّوَاضُعُ فِي طَلَبِهِ وَبَذْلِهِ وَالتَّكَرُّمُ بِذَلِكَ."اهـ
( وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) [النساء : 38]
نزول الآية
قيل نزلت في اليهودوهو قول مجاهد ( 104) ؛ وهو قول مقاتل (150)
التخريج رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه
قال مقاتل:" { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } ، يعني اليهود ، { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ، يقول : لا يصدقون بالله أنه واحد لا شريك له ، ولا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، { ومن يكن الشيطان له قرينا } ، يعني صاحبا ، { فساء قرينا } ، يعني فبئس الصاحب .اهـ
وقيل نزلت في المنافقينوهو قول السدي ( 127)كما في تفسير الثعلبي وتفسير البغوي وهو اختيار الزجاج و صححه ابن عطية ونسبه إلى الجمهور
والحجة في ذلك قوله تعالى :" وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ" فإن المنافقين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر
قال الزجاج:وهُؤلاء يُعْنَى بهم المنافِقُون، كانوا يُظهرونَ الِإيمانَ ولا يؤمنون باللَّه
واليوم الآخر.اهـ
ترجيح
وقد رد الطبري قول مجاهد بحجة أن اليهود يؤمنون بالله واليوم الآخر؛والآية نفت الإيمان بالله واليوم الآخر عن هؤلاء
قال رحمه الله :"....لأن اليهود كانت توحِّد الله وتصدّق بالبعث والمعاد. وإنما كان كفرُها، تكذيبَها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم."
واستدرك ابن عطية عليه موجها قول مجاهد فقال :"وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام ، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم اهـ
أما ابن كثير الذي يظهر .-والعلم عند الله - أنه حمل الآية على السياق السابق فأدخل فيها المؤمنين والمنافقين
لأن الله أمر بالإحسان إلى الأصناف إلى سماها ثم ذكر أنواعا و أصنافا من الناس من شأنهم أنهم لا يمتثلون أمره وهم من يمتنع ويبخل عن الإحسان وهو المختال الفخور و الذين ينفقون ويحسنون لكن رياء وسمعة ويدخل فيهم المؤمنون و المنافقون
فالجميع لم يؤد ما أمر الله به من الإحسان إلى أولئك الأصناف
قال رحمه الله :"فإن سياق الكلام في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ، وكذا الآية التي بعدها ، وهي قوله : { والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } فَذَكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء ، ثم ذكر الباذلين المرائين الذي يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يُمدَحوا بالكرم ، ولا يريدون بذلك وجه الله ،"اهـ
محل إعراب " وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ"
الواو :واو عطف
-فيجوز أن يكون عطفا على " الكافرين " فيكون في موضع خفض ؛ وهو اختيار ابن جرير
والمعنى أن الله أعد للكافرين عذابا مهينا وكذا للذين ينفقون أموالهم رئاء الناس أعد لهم عذابا مهينا
-ويجوز أن يكون عطفا على "الذين يبخلون " في النصب والرفع
قال ابن عطية:" ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر ، وتقديره : بعد اليوم الآخر معذبون" اهـ
المراد بالإنفاق
وهو ما كان ينفقه المنافقون من زكاة أموالهم ، و ما كانوا ينفقونه في السفر مع رسول الله صلى الله عليه
إعراب رياء
نصبا على الحال من الضمير ينفقون
معنى رياء
ينفقون أموالهم من أجل السمعة وأن يحمدوا بالكرم ولا يريدون بذلك وجه الله
قال ابن عطية :" "رياء" ودفاعا عن أنفسهم لا إيمانا بالله" اهـ
معنى القرين"
قرين فعيل بمعنى فاعل؛بمعنى المقارن، كالجليس والخليط، أي: المجالس، والمخالط. والجمع: قرناء. وهو من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب ، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان ، وقيل للحبل الذي يشدان به : قرن
محل إعراب "قرينا"
{ قريناً } نصب على التمييز
معنى كون الشيطان قرين الإنسان
وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد .
والإنسان كله يقارنه الشيطان ، وهي مقارنه مع خلطة و تواد ؛ لكن الموفق عاص له ، .
معنى قوله وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا
فالمعنى : ومن يكن الشيطان له مصاحباً وملازماً ، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته ،
لأن الشيطان هو يحمل على صنع القبيح وترك الطاعة و العدول عنها ؛بما يوسوس لقرينه ويملى له ويسول له ؛حتى يحسن لهم القبائح ..فن مقارنة السيء لا تأتي إلا بالسوء
قال الشاعر :" عَن المَرْء لَا تَسْأل وسَلْ عَنْ قَرينه ... فكلُّ قَرِينٍ بِالْمَقَارَنِ يَقْتَدي
فاعل ساء
-الفاعل ل «ساء » مضمر ، تقديره ساء القرين قريناً ، على حد بئس
ذم الرياء
الرياء مناف للاخلاص ومناقض له؛ بل هو معارض لأصل رسالة الأنبياء وهو إخلاص الله بالعبادة وإفراده بها كما قال تعالى :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" وقال تعالى " ألا لله الدين الخالص"
وقد ورد جملة من الأحاديث في ذم الرياء
-منها حديث الذي فيه الثلاثة الذين هم أول من تُسَجَّرُ بهم النار ، وهم : العالم والغازي والمنفق ، والمراءون بأعمالهم ، يقول صاحب المال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك . فيقول الله : كذبت ؛ إنما أردت أن يقال : جواد فقد قيل . أي : فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك .

- ومنها حديث : أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لِعَدِيّ : " إن أباك رامَ أمرًا فبلغه " .

-ومنها حديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جُدعان : هل ينفعه إنفاقُه ، وإعتاقُه ؟ فقال : " لا إنه لم يقل يوما من الدهر : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 14 رجب 1441هـ/8-03-2020م, 09:04 AM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

تصحيحي لتطبيق عقيلة:
-ربما تحتاج القليل من ترتيب الأفكار وتسلسل العرض، وذلك بترتيب المسائل النحوية يليها التفسيرية .. إلخ.
-لا أعلم معنى الأرقام المجاورة لكل قول، إن كانت سنة الوفاة فيرجى ذكر (ت) قبلها.
- كان من الأولى تفسير "والجار ذي القربى" منفردة و"الجار الجنب" منفردة، وعدم جمعهمها في مسألة واحدة.
جزاك الله خيرا جهد واضح لاسيما في آيات مليئة بالمسائل ومتشابكة.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 22 رجب 1441هـ/16-03-2020م, 03:21 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
=سبب نزول هذه الآية:
-قيل إنها نزلت لأن جماعة من الصحابة اجتمعوا فشربوا الخمر ثم جاءت صلاة فتقدم أحدهم -قيل هو علي وقيل عبد الرحمن بن عوف- وصلى فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} وممن ذكره الزجاج في تفسيره، وابن عطية وابن كثير
وفيه عدة أحاديث عند أصحاب السنن وفيه أيضا ما رواه مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد عن أبيه.

-قال ابن عطية: وروى بعضهم: أن سبب الآية: أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد، فنزلت الآية في ذلك،
ثم نزلت وإن كنتم مرضى إلى آخر الآية، بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع حين أقام على التماس العقد، هكذا قال الجمهور، والحديث في ذلك مروي في الصحيحين، وقال النخعي: نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، وقيل بل في الأسلع بن شريكٍ بسبب الجنابة وكان الماء باردا.

=المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصّلاة في حال السّكر، الّذي لا يدري معه المصلّي ما يقول،
كما ينهاهم عن قربان محلّها -وهي المساجد-للجنب، إلّا أنّ يكون مجتازًا من بابٍ إلى بابٍ من غير مكثٍ
وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، كما دلّ الحديث الذي فيه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلا قوله تعالى "يسألونك عن الخمر والميسر" على عمر، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فلمّا نزلت هذه الآية، تلاها عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصّلوات فلمّا نزل قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90، 91] فقال عمر: انتهينا، انتهينا.

=القراءات الواردة في الآية
--وردت أربع قراءات في "سكارى"
-فقرأت فرقة سكارى جمع سكران،
-وقرأت فرقة «سكرى» بفتح السين على مثال فعلى
-وقرأ الأعمش: «سكرى» بضم السين وسكون الكاف على مثال فعلى، وهي صفة لواحدة كحبلى.
-وقرأ النخعي «سكرى» بفتح السين.
قال أبو الفتح: هو تكسير سكران على سكارى، كما قالوا: روبى نياما وكقولهم: هلكى وميدى في جمع هالك ومائد، ويحتمل أن يكون صفة لمؤنثة واحدة، كأن المعنى وأنتم جماعة سكرى، وأما «سكرى» بضم السين فصفة لواحدة، كحبلى.

--ووردت قراءة أخرى في "جنبا"
فقد قرأت فرقة «جنبا» بإسكان النون،

--ووردت قراءة أخرى في "لامستم"
فقد قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم لامستم
وقرأ حمزة والكسائي «لمستم»

=مراتب تحريم الخمر:
وقع تحريم الخمر على مراتب:
-فالمرتبة الأولى:
أن الله بين أن فيها منافع وفيها مضار والضرر فيها أكبر من النفع وكان هذا محركا للنفوس للتخلي عنه لعظم ضررها كما في قوله تعالى "ويسألونك عن الخمر والميسر" الآية.
-المرتبة الثانية:
هذه الآية وفيها النهي عن الاقتراب من الصلاة حال السكر فكان هذا بمثابة تحريم للخمر في أوقات الصلوات.
ولذلك روي: أن الصحابة بعد هذه الآية كانوا يشربون ويقللون أثر الصبح وأثر العتمة، ولا تدخل عليهم صلاة إلا وهم صاحون
قال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ عن قتادة: كانوا يجتنبون السّكر عند حضور الصّلوات ثمّ نسخ بتحريم الخمر.
-المرتبة الثالثة:
التحريم الكامل لقوله تعالى " في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} وسيأتي تفصيله قريباً.

=دعاء عمر أن يحرم الله الخمر
روى أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إن الخمر تضرّ بالعقول وتذهب بالمال، فأنزل فيها أمرك، فنزل في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}
وممن ذكره الزجاج في تفسيره،

=من أدلة تحريم الخمر:
-أولا: أن الله نص على تحريم الإثم بقوله - عزّ وجلّ - {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}
والخمر من الإثم بل هي من أكبره كما قال تعالى : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
-ثانيها: إجماع الأمّة أن السّكر حرام.

=المراد بقوله تعالى "لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ"
المراد عدم الصلاة حال السكر والعلة في ذلك لأن السكران لا يعلم ولا يتحكم فيما يقوله.
ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره: إن السكران لا يلزمه طلاقه، فأسقط عنه أحكام القول، لهذا، ولقول النبي عليه السلام للذي أقر بالزنى أسكران أنت؟ فمعناه: أنه لو كان سكران لم يلزمه الإقرار. وعلق عليه ابن عطية أنه يفرق بين ما كان حقا للمخلوقين فلا يسقط عنه التهمة، وأما ما كان حقا للخالق فإنه لا يلزمه الإقرار به.

=سبب السكر المذكور في الآية
-قيل إن سبب السكر النوم ذكره النحاس عن الضحاك وقد ذكره ابن عطية وضعفه وذكره ابن كثير.
وقوله الضحاك أخرجه بن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم.
-وقيل إن السبب هو الخمر وهذا هو الصحيح ويدل عليه أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران. وهو اختيار الطبري، وذكر ابن عطية أن هذا هو قول الجمهور.
ويقوي هذا القول ما تقدم ذكره من أن السكران الذي لا يفهم الخطاب لا يتوجه له الخطاب؛ لأنه في حكم المجنون، وإنّما خوطب بالنّهي الثمل الذي يفهم التّكليف.

=المراد بالصلاة في الآية:
-قيل المراد بها الصلاة نفسها، وهذا هو الموافق لسبب النزول.
-وقيل إن المراد لا تقربوا موضع الصلاة [ذكر هذا الوجه الزجاج]
-وقالت طائفة: الصّلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين .[ذكر هذا القول ابن عطية]

=قوله تعالى : { ولا جنبا }
قيل في المراد بالنهي هنا قولان:
-القول الأول:
أي ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب حتى تغتسلوا، إلا المسافر الذي لا يجد الماء
والدليل ما جاء عن عن عليٍّ: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ} قال: لا يقرب الصّلاة، إلّا أن يكون مسافرًا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء فيصلّي حتّى يجد الماء.
وهذا القول رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن المنهال عن زر بن حبيش عنه من طريقين، وذكر أنه مروي عن ابن عباس في إحدى الروايات وسعيد بن جبير والضحاك.
ورواه ابن جرير الطبري عن المنهال عن عباد بن عبد الله أو عن زر عن علي بنحوه
ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز، عن ابن عبّاسٍ، فذكره. ورواه عن سعيد بن جبيرٍ وغيره.
ويستشهد لهذا القول بما جاء عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم تجد الماء عشر حججٍ، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك فإنّ ذلك خير". رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عنه.
-القول الثاني:
-قيل المعنى لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل كما جاء عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنبٌ إلّا عابري سبيلٍ، قال: تمرّ به مرًّا ولا تجلس وروي عن جماعة
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عطاء بن يسار عنه.
وفي معنى الجنب الحائض والنفساء إن أمنت كل واحدة منهما التلويث حال المرور وإلا فلا، وقال بعضهم بالمنع، والقول الأول أحظى بالدليل لما ثبت في صحيح مسلمٍ عن عائشة، رضي اللّه عنها قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقلت: إنّي حائضٌ. فقال: "إنّ حيضتك ليست في يدك". وله عن أبي هريرة مثله ففيه دلالةٌ على جواز مرور الحائض في المسجد، والنّفساء في معناها واللّه أعلم.
-الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم أن القول الثاني هو الأولى بأن تفسر به الآية، لأن المسافر سيأتي ذكره في الآية بعد ذلك، وعليه المراد هنا عبور المسجد فالمعنى ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتّى تغتسلوا، إلّا عابري سبيلٍ
وأما حال المسافر فستأتي في قوله بعد ذلك "وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ".
وهذا هو الذي اختاره ابن جرير الطبري بعد ذكر القولين وقال أنه الأولى، وقال ابن كثير في تفسيره عن اختيار الطبري: "وهذا الّذي نصره هو قول الجمهور، وهو الظّاهر من الآية" انتهى كلامه.

=معنى الجنابة
الجنب لغة: قيل من البعد أي صار بعيدا عن الظهر مجانبا له.
وأما شرعا: فهو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان وهذا هو قول الجمهور.
وروي عن بعض الصحابة أنه من أنزل فقط.

=معنى عابر السبيل
لغة: من العبور وهو الجواز. ومنه: عبرت السفينة النهر.
اصطلاحاً: قيل في المراد به في الآية قولان:
أحدهما: أنه المسافر وهذا ذهب إليه جماعة منهم علي بن أبي طالب وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم.
والأخر: أن عابر السبيل هو الخاطر في المسجد وهو قول ابن عباس أيضا وابن مسعود وعكرمة والنخعي وغيرهم.
وتقدم تفصيلها قبل المسألة السابقة.

=قوله تعالى: "حتى تغتسلوا"
أي حتى تتطهروا من الجنابة بالاغتسال أو ما ينوب عنه كما سيأتي.
وقد ذهب الأئمة الثّلاثة: أبو حنيفة ومالك والشّافعي: أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمّم، إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله بطريقة.
وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد، لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار: أنّ الصّحابة كانوا يفعلون ذلك قال:
رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصّلاة، وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، فاللّه أعلم.

=من يعجز عن الاغتسال فإنه يتيمم
-التيمم هو البديل لمن عُدِم الماء أو تضرر بطلبه أو كان يتضرر باستعماله، وسيأتي تفصيل الأنواع المذكورة في الآية ممن له التيمم.
-والدليل من السنة ما في الصّحيحين، من حديث عمران بن حصينٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا معتزلًا لم يصلّ في القوم، فقال: "يا فلان، ما منعك أن تصلّي مع القوم؟ ألست برجلٍ مسلمٍ؟ " قال: بلى يا رسول اللّه، ولكن أصابتني جنابةٌ ولا ماء. قال: "عليك بالصّعيد، فإنّه يكفيك".
-وهو من خصائص أمة محمد دون سائر الأمم، كما ثبت في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحدٌ قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجلٍ من أمّتي أدركته الصلاة فليصل -وفي لفظ: فعنده طهوره مسجده-وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى النّاس عامّةً".
-وقد استنبط كثير من الفقهاء أنه لا يباح له التيمم إلا بعد طلب الماء لقوله تعالى "فلم تجدوا ماءَ" وذكروا كيفية طلبه في كتب الفقه.

=معنى التيمم
-التيمم لغة: هو القصد. تقول العرب: تيمّمك اللّه بحفظه، أي: قصدك [ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير]
ومنه قول أعشى بني ثعلبة: [المتقارب]
تيمّمت قيسا وكم دونه = من الأرض من مهمه ذي شزن
-التيمم شرعا: هو استعمال تراب طهور في الوجه واليدين على صفة معلومة.

=صفة التيمم شرعا:
-قد ورد فيها صفات
-فالصفة الأولى: ضربتان مع المسح للمرفقين:
أن يضرب بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه [ذكرها الزجاج، وهو مذهب مالك في المدونة، والشافعي في الجديد ولكن جعل اليد إلى المرفق]،
-والصفة الثانية: ضربتان مع المسح إلى الكفين:
وهو قول الشافعي في القديم.
-والصفة الثالثة: أنه يكفي ضربة واحدة
والذي يظهر أنها قول الامام أحمد لأنه روى فيها حديث عمار وفيه أن الضربة واحده

وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين وهو قول الجمهور ووقع في حديث عمار عند البخاري في بعض الطرق تقديم اليدين وبه قال بعض أهل العلم،
وقيل في حد اليد أن يمسحها للكوعين عملا بحديث عمار بن ياسر وقيل بل يمسح الذراع كله إلى المنكب وكل هذا راجع لتفسير اليد فالبعض عممها على الذراع والبعض توقف فيها إلى الكوعين قياسا على الوضوء وقطع يد السارق، وهو أولى لجامع الطهورية بينهم وهي حسية في الوضوء ومعنوية في السرقة وهو اختيار ابن كثير.

=معنى "صعيداً"
قيل في المراد به قولان:
أحدهما أنه التراب،
ومن قال به فسر الطيب بأنه المنبت من الأرض ولا يتجه هذا إلا بأن يكون التراب.
وثانيهما أنه وجه الأرض،
وهو قول الزجاج فلم يقيده بالتراب بل جعله عاما لكل ما كان على وجه الأرض سواء كان رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة أو غير ذلك وقال ابن كثير أن هذا هو قول مالك

ونشأ عن هذا الاختلاف أن المذاهب في الصعيد على أقوال ذكرها ابن عطية وخلاصة القول فيه أن يقال:
-إن الإجماع على أن يتيمم الرجل في تراب منبت طاهر غير منقول [وهذا القيد فيه خلاف في مذهب مالك] ولا مغصوب،
-وهو أيضا في المنع: من أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف، أو الفضة والياقوت والزمرد، أو الأطعمة، كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات-
-واختلف في غير هذا كالمعادن، فأجازه مالك ومنع منه الشافعي وكذلك الخلاف في غيره كالملح والثلج والزعفران والمسك وما طبخ كالخزف، والجدار، النبات، وغيرها.
وذكر ابن كثير أن قول مالك هو أن كل ما على وجه الأرض يباح التيمم به، وأما أبي حنيفة فذهب إلى أن يباح التيمم بالتراب وما كان من جنسه كالرمل والزرنيخ والنورة، وذهب أحمد والشافعي وأصحابهما إلى أنه التراب فقط.

=معنى "طيباً"
-قيل في معنى الطيب في الآية قولان:
-أحدهما أن الطيب: هو النظيف الطاهر، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أم لا، لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه. وهذا ما ذهب إليه مالك، وجعل الطيب بمعنى الطاهر [ذكره الزجاج ورجحه، وذكره ابن عطية في تفسيرهما]
ثم قال الزجاج معللا قوله : وإنما سمي صعيدا: لأنّها نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، لا أعلم بين أهل اللغة اختلافا في أن الصعيد وجه الأرض. انتهى كلامه رحمه الله.
-والآخر: أن الطيب هو المنبت واستدل القائلين بهذا القول بقوله تعالى "والبلد الطيب يخرج نباته" والذي ينبت هو التراب

=الأسباب المبيحة للتيمم
-الأول: المريض
الدليل قوله تعالى في الآية "وإن كنتم مرضى"
ويروى أن: قوما غسلوا مجدرا فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قتلوه قتلهم اللّه، كان يجزيه التيمم)).
ومثله من يخاف الموت لبرد الماء وعلى هذا إجماع الأمة،
وقد قيل في المرض المبيح للتيمم قولان:
أحدهما: أنه الّذي يخاف معه من استعمال الماء فوات عضوٍ أو شينه أو تطويل البرء.
وثانيهما: ما ذهب إليه بعض العلماء من أن التيمم يباح بمجرد المرض لعموم الآية.
-والثاني: المسافر الذي لا يجد الماء
الدليل قوله تعالى في الآية "أو على سفر" وسبق بيان العلة في السفر وهو عوزه للماء غالبا.
وفي السفر المبيح للتيمم قولان:
أحدهما: أنه السفر المبيح للقصر،
والآخر: أنه السفر مطلقا [وقد ذكرهما ابن عطية، وقال ابن كثير أنه لا فرق فيه بين الطويل والقصير]
وقيل أيضا أنه يشترط ألا يكون سفر معصية وهذا القول ضعفه ابن عطية.
-الثالث: المحدث حدثا أصغر ولا يجد الماء
الدليل قوله تعالى " أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ "
-الثالث: المحدث حدثا أكبر ولا يجد الماء
الدليل قوله تعالى "أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء" على قول أن لامستم هنا مراد بها الجماع.

=الأسباب التي تبيح للمسافر التيمم
-إما عدمه جملة،
-وإما خوف فوات الرفيق بسبب طلبه،
-وإما خوف على الرحل بسبب طلبه،
-وإما خوف سباع أو إذاية عليه
ويجمع هذه الأسباب الأربعة أصلان جامعان:
أحدهما: عدم الماء.
والثاني: التضرر بطلبه.

=متى يتيمم المسافر؟
اختلف في وقت إيقاع التيمم من المسافر على ثلاثة أقوال:
-فقال الشافعي: في أول الوقت،
-وقال أبو حنيفة وغيره: في آخر الوقت،
-وفرق مالك بين اليائس والعالم الطامع بإدراكه في الوقت، والجاهل بأمره جملة فإن الأول لا يتيمم في أول الوقت ويتيمم الثاني. [وقد ذكرها ابن عطية]

=هل يلزم المسافر طلب الماء؟
قال إسحق بن راهويه:
-1-لا يلزم المسافر طلب الماء إلا بين يديه وحوله،
-2-وقالت طائفة: يخرج من طلبه الغلوتين ونحوهما،
-3-وفي مذهب مالك يمشي في طلبه ثلاثة أميال، وقال الشافعي: يمشي في طلبه ما لم يخف فوات رفيق أو فوات الوقت.
وقد ذكره عنه ابن عطية في تفسيره واستحسن قول الشافعي.

=من يأخذ حكم المسافر؟
-يأخذ حكمه المريض الذي يضره استعمال الماء أو يؤخر برأه.
-الحاضر الذي يعجز عنه لوجود ضرر يلحقه ومن صور الضرر:
الغلاء واختلف في قيمته فقيل إن زاد السعر عن الثلث فلا يلزمه شراءه، وقيل إن بلغ الدرهم درهمين وثلاثة ونحو ذلك وقيل إنه يلزمه ولو بماله كله وقد ضعف هذا القول ابن عطية وقال أنه يتعارض مع سماحة الدين ويسره، ثم قال أن الوجه عنده أنه "يشتري ما لم يؤذ غلاؤه"
ومنها: أن يسجن فيمنع من الماء

=ماذا يفعل الصحيح العاجز عن الماء والتيمم؟
فيه أربعة أقوال:
-1-فقال مالك وابن نافع: لا يصلي ولا يعيد،
-2-وقال ابن القاسم: يصلي ويعيد،
-3-وقال أشهب: يصلي ولا يعيد،
-4-وقال أصبغ: لا يصلي ويقضي،
وقد ذكر هذه الأقوال ابن عطية في تفسيره.

=ماذا يفعل من خاف فوات الوقت إن سعى لإحضار الماء
للإمام مالك فيها قولان كما في المدونة:
أحدهما: إنه يتيمم ولا يعيد،
والآخر:قال: إنه يعيد،[وهذا إذا كان الباقي من الوقت بقدر الوضوء وصلاة ركعة ]
وفي الواضحة وغيرها عنه: أنه يتناول الماء ويغتسل وإن طلعت الشمس.

=معنى "الغائط"
-لغة: أصل الغائط هو ما انخفض من الأرض.
-المراد به شرعا: قضاء الحاجة، فإنه في أصل الوضع كان للمكان المنخفض ثم استعملته العرب لقضاء الحاجة وكثر ذلك حتى صار عرفا.

= ما هي أسباب الحدث الأصغر؟
--اختلف في عد الأسباب ففي مذهب مالك أنها:
-الخارج المعتاد من السبيلين
-ما أذهب العقل.
-اللمس.
--وفي مذهب أبي حنيفة
-ما خرج من النجاسات من الجسد ولم يقصرها على السبيلين.
-وما أذهب العقل
ولم يعد اللمس فيها.
--وفي مذهب الشافعي
نفس مذهب مالك إلا أنه لم يشترط الاعتياد في الخارج من السبيلين.

قال ابن عطية:
والإجماع من الأحداث على تسعة، أربعة من الذكر، وهي البول والمني والودي والمذي، وواحد من فرج المرأة وهو دم الحيض، واثنان من الدبر، وهما الريح والغائط، وذهاب العقل كالجنون والإغماء والنوم الثقيل، فهذه تنقض الطهارة الصغرى إجماعا،
وغير ذلك كاللمس والدود يخرج من الدبر وما أشبهه مختلف فيه. انتهى كلامه.

=معنى قوله تعالى "أو لامستم النساء"
هي في اللغة تقع للمس الذي هو الجماع وتقع أيضا على لمس اليد والقبلة ونحوه لأنه في جميع ذلك يقع لمس
واختلف في المراد به في الآية هنا:
-فذهب مالك إلى أن اللفظة تعم الوجهين فمن جامع يتيمم ومن لامس باليد يتيمم، وهو يرى رحمه الله أن اللمس ينقض الوضوء إذا كان بلذة ولا ينقض لعدمها أو كان اللمس لأم أو لابنة، ويرى الشافعي عموم النقض باللمس لكل النساء.
-وقالت طائفة هي هنا مخصصة للمس باليد لا الجماع، والجنب لا ذكر له إلا مع الماء ولا سبيل له إلى التيمم فمتى وجد الماء اغتسل وإلا ترك الصلاة حتى يجده وقد روي هذا القول عن عمر وابن مسعود وغيرهما وذكره ابن عطية
-وقال أبو حنيفة هي مخصصة للمس الذي هو الجماع، وأن اللمس باليد لا ذكر له فليس بحدث، ولا هو ناقض للوضوء

والمروي في ذلك على وجهين
أحدهما: ما يكون تفسيره للمس هنا بأنه الجماع كالمروي عن ابن عباس ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والحسن، وعبيد بن عميرٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبي، وقتادة، ومقاتل بن حيّان وكلها عند ابن أبي حاتم وابن جرير
وثانيهما: ما يكون تفسيره للمس هنا بأنه ما دون الجماع كالمروي
عن ابن مسعود قال: اللّمس ما دون الجماع. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير كلاهما عن طارق عنه.
وعنه أيضا: القبلة من المسّ، وفيها الوضوء. رواه ابن جرير عن إبراهيم عن أبي عبيدة -يعني ابن عبد الله بن مسعود- عنه.
وعن ابن عمر: أنه كان يتوضّأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللّماس. رواه ابن جرير في تفسيره عن نافع عنه. وراه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره.

والراجح من القولين هنا:
ما ذهب إليه الطبري حيث قال: "وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى اللّه بقوله: {أو لامستم النّساء} الجماع دون غيره من معاني اللّمس، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ، ثمّ قال: حدّثني بذلك إسماعيل بن موسى السّدّيّ قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضّأ ثمّ يقبّل، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ." انتهى كلامه.

=قوله تعالى: {إنّ اللّه كان عفوّا غفورا}
أي: يقبل منكم العفو ويغفر لكم، لأن قبوله التيمم تسهيل عليكم ومن عفوه عنكم وغفره لكم أن شرع التّيمّم، وأباح لكم فعل الصّلاة به إذا فقدتم الماء توسعةً عليكم ورخصةً لكم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 29 ذو القعدة 1441هـ/19-07-2020م, 04:35 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عقيلة زيان مشاهدة المشاركة
قال الله تعالى :" ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا) [النساء : 36].

معنى الواو في" واعبدوا"
واو حرف عطف ؛عطف جملة على جملة .
-معنى العبادة
العبادة الذل والخضوع
يقال طريق : طريق معبد ، وبعير معبد ، إذا كانا معلمين
عبادة الله عزوجل الذل والخضوع له بالطاعة

أمر بإفراد الله بالعبادة
أمر الله عباده بعبادته ونهى عن الإشراك به فيها؛ ففيه بيان أن الواجب على العباد إفراد الله بالعبادة ؛ ولا يصح ولا يجوز عبادة الله وعبادة غيره معه ؛فضلا عن ترك عبادة الله وعبادة غيره .
الشرك يفسد عبادة الله
من عبد الله وعبد غيره معه لم تنفعه عبادة الله لأن الشرك مفسد ومحبط ومبطل للعمل " قال تعالى :" {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ } [الزمر: 65]
إفراد العبادة حق لله تعالى
و إفراد الله عزوجل بالعبادة و الذل والخضوع حق له واجب على عباده لأنه سبحانه ولي النعمة عليهم والمتفضل عليهم في جميع الآنات والحالات
محل إعراب" وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا "
[انطلقي في صياغة المسائل من ألفاظ الآية، مثلا دلالة الأمر في قوله {واعبدوا الله}، ودلالة عطف النهي {ولا تشركوا} على الأمر {واعبدوا الله} وهكذا ...]
وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا عطف على ما سبق؛ عطف على "واعبدوا الله"
وقدر الزجاج فعل محذوف "أوصى" ؛ قال رحمه الله : والمعنى أوصاكم الله بعبادته، وأوصاكم بالوالدين إِحساناً،" اهـ
وحجته في ذلك؛ حمل الآية على نظيرتها في القران وهو قوله تعالى : (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا). قال رحمه الله :" لأن معنى
قضى ههنا أمرَ ووَصَّى." اهـ
وهو ظاهر صنيع ابن كثير قال رحمه الله " ُثم أوصى بالإحسان إلى الوالدين" اهـ
{ إحساناً } نصب على المصدر ، والعامل فعل مضمر تقديره : وأحسنوا بالوالدين إحساناً .
[وهناك اختلاف في الإعراب بين هذه والتي قبلها]

المراد بالإحسان إلى الوالدين
القيام بحقوق الوالدين اللازمة لهما من التوقير والصون والإنفاق إذا احتاجا واجب ، وسائر ذلك من وجوه البر والألطاف ، وحسن القول . لأن الله جعلهما سببا لخروج العبد من العدم إلى الوجود
حق الوالدين أعظم الحقوق بعد حق الله وحق الرسول
لورود عدة آيات في كتاب الله يقرن الله فيها بين عبادته والإحسان إلى الوالدين؛
كَقَوْلِهِ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} .
وَكَقَوْلِهِ: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} .
وكقوله :{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا }.
وكقوله :" { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}
فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته، وشكره بشكره، وهما الوالدان. لهذا كان أعظم الحقوق بعد حق الله هو حق الوالدين .
قال ابن عطية :" ..التصنع لهما بالبر والإحسان مندوب إليه مؤكد فيه . .".
بر الأم مقدم على بر الأب
مسألة تفضيل الأم وتقديمها على الأب في البر ذكرها ابن عطية بقوله :"
وهو البر الذي تفضل فيه الأم على الأب "
واحتج لقوله بحديث رواه الإمام أحمد من طريق بَهْزُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: " أُمَّكَ ". قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أُمَّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " أُمَّكَ ". قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: " ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ " و رواه أيضا البخاري في الأدب المفرد والترمذي أبو داوود وابن ماجة إلا أنه قال " قَالَ: «الْأَدْنَى فَالْأَدْنَى»
وقد ورد الحديث في صحيح مسلم لكن في بيان من أحق الناس في الصحبة
روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ؟ قَالَ: «أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أَبُوكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ»
وقد سوى الله تعالى في كتابه بالإحسان لهما وبشكرهما وبطاعتهما . وبمصاحبتهما بالمعروف إذا كانا مشركين ؛ قال الله تعالى :" وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا "
معنى "وَبِذِي الْقُرْبَى "
الواو : عَطَفَ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْوَالِدَيْنِ الْإِحْسَانَ ؛ أمر بالإحسان إلى ذوي القربى.. والمعنى وأحسنوا إلى القرابات من الرجال والنساء
المراد ب "ذي القربىّ"
هو قريب النسب سواء كان من جهة الأم أو من جهة الأب .
وهذا من الأمر بصلة الرحم وحفظها ؛وهذا مما يوافق ويناسب بدأ السورة بالأمر بتعظيم الأرحام وصلتها والتحذير من قطعها
الإحسان إلى ذوى القرابات في الكتاب والسنة
وقد ورد في آيات كثيرة الحث على الإحسان إلى ذوي القربى
كقوله تعالى :{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى } .
كقوله تعالى :" {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}. وكقوله تعالى :"{ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى "}
وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد ِ: "الصَّدَقَةُ عَلَى المِسْكِينِ صَدَقَةٌ، وعَلَى ذِي الرَّحِم صَدَقَةٌ وصِلَةٌ" .
معنى اليتامى .
اليتامى : جمع يتيم ، وهو فاقد الأب قبل البلوغ.
وقد تطلق العرب اليتيم على من فقد أمه مجازا واستعارة .
معنى الواو في "واليتامى"
الواو حرف عطف على ما سبق والمعنى:" وأحسنوا إلى اليتامى"
وجعل الزجاج "واليتامى " في محل جر والتقدير" وباليتامى أوصاكم" ثم قال "وكذلك جميع ما ذكر في الآية"
و خص اليتامى بالأمر بالإحسان إليهم والحنو عليهم لأنهم فَقَدُوا مَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ، وَمَنْ يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ.

المراد ب "والمساكين
والمساكين أصحاب الحاجات الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يَقُومُ بِكِفَايَتِهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ بِمُسَاعَدَتِهِمْ بِمَا تَتِمُّ بِهِ كِفَايَتُهُمْ وَتَزُولُ بِهِ ضَرُورَتُهُمْ. ذكره ابن كثير
وخصهم ابن عطية بالمسلمين
ولعل حجته في ذلك أن "المساكين" من مستحقي الزكاة كما دلت عليه آية سورة براءة و الزكاة لا تحل لكافر
كما زاد تخصيصهم بالذين جاهروا بالسؤال ولم أجد له توجيها لقوله.
ولعل مبنى قوله معنى المسكين لغة : "مسكين هو الذي قد ركبه ذل الفاقة والحاجة فيتمسكن لذلك"
والتمسكن يكون بإظهاره للناس إما بالقول أو بالفعل ..- والله أعلم-
قال رحمه الله :" المقترون من المسلمين الذين تحل لهم الزكاة ، وجاهروا بالسؤال ."
معنى الجنب
الجنب : البعيد
قال ابن فارس :" (جَنَبَ)الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ."اهـ
، ومنه قيل : اجتنب فلان فلانا : إذا بعد منه . وتجنبه غيره : إذا منعه إياه
والاجتناب أن يترك الشيء جانبا
و الجنابة البعد أيضا وسميت كذلك لابتعاد ومجانبة صاحبها الصلاة حتى يغتسل
قال الأعشى:
أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍ ***فكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا
يعني بقوله : «عن جنابة » : عن بعد وغربة.
[لاحظي تفريق أهل اللغة بين معنى ( الجُنُبِ) بضم الجيم والنون، وقد ذُكِرت كوصف للجار، وبين (الجَنْبِ) بفتح الجيم وسكون النون وقد جاءت كوصف للصاحب]
المراد ب {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ}
في ذلك أقوال:
الأول: الْجَارِ ذِي الْقُرْبَى يَعْنِي الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قَرَابَةٌ، وَالْجَارِ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ قُرَابَةٌ.
وهو قول ابْنِ عَبَّاسٍ (68) ، ومُجَاهد(104)، وَالضَّحَّاكِ(105) و عِكْرِمةَ(105) وقتادة (117) وَمُقَاتِلِ بْنِ حيَّان (150)
وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ(182).
عن قتادة :" { والجارِ ذِي القُرْبَي } إذا كان له جار له رحم ، فله حقان اثنان : حقّ القرابة ، وحقّ الجار
التخريج
قول ابن عباس أخرجه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عنه
وأخرجه ابن أبي حاتم والبيهقي من طرق
قول ومُجَاهد أخرجه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح
قول الضحاك أخرجه ابن جرير من طريق جويبر
قول عكرمة أخرجه ابن جرير من طريق جار
قول قتادة أخرجه ابن جرير من طريق سعيد
وأخرجه عبد الرزاق وابن جرير من طريق معمر عن قتادة
وَزَيْدِ بْنِ أَسْلم أخرجه ابن جرير من طريق ابن وهب عنه
التوجيه
- قوله "ذي القربى "صفة للجار فالمراد هو الجار الذي له قرابة ؛ فهو الذي يتصل بالإنسان بصلة الرحم والقرابة ، فاجتمع له حق الجوار حق الرحم ، فقد ثبت له الإحسان من ناحيتين فكان ما يقابله" الجار الجنب" الذي ليس له قرابة وصلة رحم
وأخرج ابن جرير من طريق ليث عن ميمون قال قال :"والجار ذي القربى الرجل" يتوسل إليك بجوار ذي قرابتك"

وقد رد ابن جرير هذه القول –قول ميمون - مسندا إلى اللغة والعقل قال رحمه الله :"وهذا القول قولٌ مخالفٌ المعروفَ من كلام العرب. وذلك أن الموصوف بأنه"ذو القرابة" في قوله:"والجار ذي القربى"،"الجار" دون غيره. فجعله قائل هذه المقالة جار ذي القرابة. ولو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران لقيل:"وجار ذي القربى"، ولم يُقَل:"والجار ذي القربى". فكان يكون حينئذ = إذا أضيف"الجار" إلى"ذي القرابة" = الوصية ببرّ جار ذي القرابة، دون الجار ذي القربى. وأما و"الجار" بالألف واللام، فغير جائز أن يكوى"ذي القربى" إلا من صفة"الجار". وإذا كان ذلك كذلك، كانت الوصية من الله في قوله:"والجار ذي القربى" ببرّ الجار ذي القربى، دون جار ذي القرابة. وكان بينًا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.اهـ
* * *
الثاني: : {وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي الْمُسْلِمَ {وَالْجَارِ الْجُنُبِ} يَعْنِي الْيَهُودِيَّ وَالنَّصْرَانِيَّ وهو قول نَوْف البِكَالِي الشامي
تخريجه أخرجه ابن جرير و وابنُ أَبِي حَاتم.من طريق أبي إسحاق عنه.
وفي تفسير الثعلبي هو الكافر
توجيه القول :
أن المراد به بالقرابة قرابة الإسلام و بالأجنبية أجنبية الكفر.
رد ابن جرير هذا القول بكونه مخالف لمعهود المعروف من كلام العرب ؛والقران لا يجوز تفسيره إلا على المعهود من كلامهم لأنه نزل بلغتهم
قال رحمه الله :" وهذا أيضا مما لا معنى له ، وذلك أن تأويل كتاب الله تبارك وتعالى غير جائز صرفه إلا إلى الأغلب من كلام العرب ، الذين نزل بلسانهم القرآن المعروف فيهم دون الأنكر الذي لا تتعارفه ، إلا أن يقوم بخلاف ذلك حجة يجب التسليم لها . وإذا كان ذلك كذلك ، وكان معلوما أن المتعارف من كلام العرب إذا قيل فلان ذو قرابة ، إنما يعني به : إنه قريب الرحم منه دون القرب بالدين ، كان صرفه إلى القرابة بالرحم أوّلَى من صرفه إلى القرب بالدين ."اهـ
وبنحوه قال ابن عطية
الثالث:"الجار ذي القربي "الجار القريب المسكن و "الجار الجنب" الجار البعيد المسكن رواه الضحاك ، عن ابن عباس .وهو اختياره الزجاج ذكره الثعلبي و ابن عطية ولم ينسباه إلى أحد
- إلا أن الثعلبي خصه بالملاصق لدارك ؛وسمى كذلك" بالجار الجنب "لأنه إلى جنبك .قال رحمه الله :" وقال بعضهم : الجار الجُنب هو الجار اللاصق داره بدارك ، فهو إلى جنبك"
توجيه هذا القول
ما رواه البخاري في صحيحه والإمام أحمد وغيرهما عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: «إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»
القول الرابع
{وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى} يَعْنِي الْمَرْأَةَ.وهو قول ابنِ مَسْعُودٍ.(32)و علي (40)
تخريج
قول ابن مسعود وعلي أخرجهما ابن أبي حاتم من طريق عامر قال : قال علي وابن مسعود : { والجار ذي القربى } : المرأة
قال ابن أبي حاتم :" وروي عن الحسن وسعيد بن جبير نحو ذلك ..
توجيه
أن العرب تطلق على المٍرأة جارة
قال الأعشى :...... أيا جارتي بيني...
وهى أقرب ما تكون للرجل لملازمتها ومصاحبتها ومخالطتها له.لذلك صح تسميتها ب "الجار ذي القربى"
القول الخامس
المراد "الجار الجنب" المرأة وهو قول هلال الوزان
أخرجه عبد الله بن وهب من طريق شعبة بن الحجاج عنه
التوجيه:
وهو كاسبقه العرب تطلق لفظ جارة على المرأة
وقيل للمرأة "الجار الجنب" لأنها تنام إلى جنب الرجل؛ وعليه
يكون المراد بالجنب على هذا القول الناحية لا البعد
قال الجوهري : والجنب: الناحية." اهـ
وقال ابن فارس :" (جَنَبَ)الْجِيمُ وَالنُّونُ وَالْبَاءُ أَصْلَانِ مُتَقَارِبَانِ أَحَدُهُمَا: النَّاحِيَةُ، وَالَآخَرُ الْبُعْدُ."اهـ
القول السادس
الجار الجنب" هو الرفيق في السفر وهو قول مجاهد
التخريج
أخرجه ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج ، عن سليم هو أبو عبيد الله أنه سمع مجاهدا يقول في : { الجار الجنب } قال : هو رفيقك في السفر في بياتك ، ويده في يدك .
الترجيح
أفادت الآثارُ اختلاف السلف في المراد بالجار ذي القربى على
على أربعة أقوال
1- الذي بينك وبينه قرابة وصلة رحم
2- المسلم
3- القريب من بيتك
4- المرأة
و المراد بالجار الجنب على خمسة أقوال:
1-البعيد الذي لا قرابة بينك وبينه
2- الكافر أو المشرك
3- الجار البعيد المسكن منك
4-الصاحب في السفر
5- المرأة
وقد رجح ابن جرير القول الأول أن الجار ذي القربى الجار ذي القرابة و الجار الجنب من لا قرابة بينك وبينه وذلك حتى يكون الأمر عام وشامل بالإحسان لكل أنواع الجيران
قال رحمه الله:" الجار ذي القربى :هو الجار ذو القرابة والرحم ، والواجب أن يكون الجار ذو الجنابة الجار البعيد ، ليكون ذلك وصية بجميع أصناف الجيران ، قريبهم وبعيدهم"
واعتمد في ترجيحه هذا على اللغة لأن الجنب في الكلام العرب هو البعيد ؛ فالجار ذي القربى هو القريب والجار الجنب هو البعيد عن القرابة
قال رحمه الله :" فإن الجُنب في كلام العرب البعيد كما قال أعشى بني قيس :
أتَيْتُ حُرَيْثا زَائِرا عَنْ جَنابَةٍ ***فكانَ حُرَيْثٌ فِي عَطائيَ جامِدَا
يعني بقوله : «عن جنابة » : عن بعد وغربة ،......إلى أن قال . . فمعنى ذلك : والجار المجانب للقرابة ." اهـ
[وعند نظركِ وإعمالك لقواعد الجمع بين الأقوال والترجيح
ما الذي يمنع الجمع بين الأقوال الثلاثة الأولى، إن تحقق في كل منها وصف القربى من وجه في قوله (ذي القربى) ووصف البعد من وجه في قوله (الجُنُب)؟ ]


حد الجيرة
أثار هذه المسألة ابن عطية وذكر اختلاف أهل العلم فيها
-قيل حده أربعون دارا من كل ناحية جيرة نسبه للأوزاعي
- وقيلمن سمع إقامة الصلاة فهو جار ذلك المسجد ، وبقدر ذلك في الدور لم ينسبه إلى أحد
- وقيل من ساكن رجلاً في محلة أو مدينة فهو جاره ، لم ينسبه إلى أحد
ولم يرجح ابن عطية شيئا لكن الذي يظهر من كلامه كأنه قبلها كلها لأنه جعل المجاورة مراتب أدنها الزوج وبعد ذلك كل من يخالطك
وإن كان الجميع يطلق عليه لفظ المجاورة إلا أنها درجات
قال رحمه الله :" والمجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض ، أدناها الزوج كما قال الأعشى : [ الطويل ]
أَيَا جَارَتِي بِينِي .
وبعد ذلك الجيرة الخلط ، ومنه قول الشاعر : [ البسيط ]
سَائِلْ مُجَاوِرَ جرْمٍ هَلْ جَنَيت لَها حَرْباً تُفَرِّقُ بَيْنَ الْجِيرَةِ الخُلُطِ اه
جمع خليط خلطاء وخلط
والخليط الذي يخالطك ويعاشرك
الحث على الإحسان إلى الجار
من الأحكام التي جاءت بها الشريعة الحث على الإحسان إلى الجار وإعطاء حقوقه والتحذير من أذيته بل فيها الوعيد الشديد لمن تعدي عليه ولم يعطه حقوق
وجمع ابن كثير عددا منها؛ وسأسرد بعضها
- ما وراه البخارى في صحيحه والإمام أحمد في مسندهعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا زَالَ جِبرِيل يُوصِينِي بالْجَارِ حَتِّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِثُه".
-ما رواه الإمام أحمد عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ عُمَر قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَا يَشْبَعُ الرَّجُلُ دُونَ جَارِهِ". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ
-ما رواه الإمام أحمد عن المقداد بْنَ الْأَسْوَدِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَصْحَابِهِ: "مَا تَقُولُونَ فِي الزِّنَا؟ " قَالُوا: حَرَامٌ حَرَّمَهُ اللهُ ورسُولُه، فَهُوَ حَرَامٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. فَقَالَ: رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) لأنْ يَزني الرَّجُلُ بِعَشْرِ نِسْوَة، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَن يزنيَ بامرَأَةِ جَارِهِ". قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي السَّرِقَة؟ قَالُوا: حَرَّمَهَا اللهُ وَرَسُولُهُ فَهِيَ حَرَامٌ. قَالَ "لَأَنْ يَسْرِقَ الرَّجُلُ مِن عَشْرَةِ أَبْيَاتٍ، أَيْسَرُ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ يسرِقَ مِنْ جَارِهِ"." .


المراد بالصحاب بالجنب
ورد في ذلك أقوال
القول الأول:الزوجة..وهو قول : وابن مسعود(32) ، علي(40) ، وإبراهيم النخعي(96)؛ والحسن(110) ، وابن أبي ليلى(148)
تخريج
**قول ابن مسعود: رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عامر أو القاسم عنه و رواه سفيان الثوري في تفسيره من طريق القاسم بن عبد الرحمان عنه
**قول علي رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طريق عامر أو القاسم عنه
ورواه عبد ابن حميد كما عند السيوطي
قول ابراهيم النخعي رواه الصنعاني و ابن جرير وابن المنذر وسعيد بن منصور في سننه من طريق أبي الهيثم عنه
قول ابن أبي ليلى رواه عبد ابن حميد وابن جرير وابن المنذر من طريق هلال عنه .
توجيه:
وجه هذا القول أن المرأة تكون مع الرجل وتضجع إلى جنبه . فيلصق جنبها جنب الرجل ؛ كما أن جنب الرجل يلصق جنب المرأة
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} .
قال رشيد رضا رحمه الله تعالى :.."وَجْهَهُ أَنَّهُ الْمَرْأَةُ، أَيْ: لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَضَتِ الْفِطْرَةُ وَنِظَامُ الْمَعِيشَةِ أَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ بَعْلِهَا" اهـ
.
القول الثاني::الصاحب الملازم وهو قول ، عن ابن عباس(68) ، عكرمة (105)؛ ابن جريج(150) ؛ ابن زيد(182) وهو قول أبي عبيدة
- الصاحب الملازم لك ..يكون معاك سفرا وحضرا.
قال مقاتل : هو رفيقك حضرا وسفرا . .
و قيد بأنه بصاحب الْحَاجَةِ.. قال ابن زيد : هو الذي يلصق بك ؛ وهو إلى جبنك ويكون معك رجاء خيرك .ونفعك
ولا تنافي بين القولين إذ لا يتصور صحبة وملازمة دون نفع وهو من لوازم الملازمة.
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عنه
ورواه ابن جرير من طريق العوفي عنه
قول ابن جريج ذكره الثعلبي في تفسيره وكذا البغوي قال ابن جريرج قال :"هو الذي يصحبك رجاء نفعك "
قول ابن زيد ابن أسلم ٍرواه ابن جرير من طريق ابن وهب عن ابن زيد قال الذي يلصق بك و وهو إلى جنبك؛ و يكون معك إلى جنبك رجاء خيرك ونفعك .
توجيه
سمي الصاحب الملازم ب الصاحب بالجنب لأنه يمشي بجانب صاحبه
قال أبو عبيدة :" يصاحبك في سفرك ، ويلزَمُك ، فينزل إلى جنبك".
القول الثالث: أنه الرفيق في السفر
القائلون به، قاله ابن عباس(68) ؛ سعيد بن جبير(95). الضحاك(105)، قتادة(117) ، السدي(127) ؛ وهو اختيار ابن قتيبة( 276)
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طريق علي ابن أبي طلحة عنه
قول سعيد بن جبير
رواه الصنعاني والطبري في تفسيرهما من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {والصاحب بالجنب} قال: الرفيق في السفر، كما روى مثله النهدي عن مورق أو مرزوق مولى الشّعبيّ عن سعيد بن جبيرٍ.
قول الضحاك رواه ابن جرير من طريق جويبر عنه
قول عكرمة رواه ابن المنذر من طريق عطاء بن دينار عن الضحاك ؛ورواه ابن أبي حاتم من طريق جابر عن الضحاك .
قول قتادة رواه عبد الرزاق من طريق معمر عنه ؛ورواه ابن جرير من طريق سعيد عنه
قول السدي رواه ابن جرير من طريق أسباط عنه
توجيه:
وجه هذا القول أن الرفيق في السفريَرْكَبُ بِجَانِبِ رَفِيقِهِ فِي الشُّقْدُفِ عَلَى الْبَعِيرِ.
ومنهم قول العرب .جَانَبَهُ بِمَعْنَى سَارَ إِلَى جَنْبِهِ.
النقاش :
أقوال المذكورة في الآية تنصب على معنى واحد..لا تنافر ولا تعارض بينهما
فلفظ " الصاحب الجنب" يشمل كل من يصاحب العبد ويكون إلى جنبه؛سواء في أمر ديني أو أمر دنيوي
فالمرأة تصاحب الرجل وتكون إلى جنبه وهو أيضا يصاحبها ويكون لجنبها
وكذا المسافر يصاحب صاحبه ولازمه في سفره ويكون إلى جنبه
وكذا الرفيق والملازم في أمور الدنيا أو أمور الدين ملازم لصاحبه يكون إلى جنبه لحصول النفع وتحقيق الانتفاع
قال ابن جرير : " يقال : فلان بجنب فلان وإلى جنبه ، وهو من قولهم : جَنَب فلان فلانا فهو يَجْنُبُهُ جَنْبا ، إذا كان لجنبه ، ومن ذلك : جَنَبَ الخَيْلَ ، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض . وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر ، والمرأة ، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه ، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه ، وقد أوصى الله تعال بجميعهم لوجوب حقّ الصاحب على المصحوب ."
قال ابن عاشور :" قَوْلُهُ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هُوَ الْمُصَاحِبُ الْمُلَازِمُ لِلْمَكَانِ، فَمِنْهُ الضَّيْفُ، وَمِنْهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مُلِمٌّ بِكَ لِطَلَبِ أَنْ تَنْفَعَهُ" اهـ
بل معنى الآية أوسع من ذلك فيدخل في معناه : كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب أي : بجنبك كمن يقف بجنبك في تحصيل علم ، أو تعلم صناعة ، أو مباشرة تجارة ، أو نحو ذلك .
قال الزمخشري :" هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك ، إما رفيقاً في سفر ، وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكاً في تعلم علم أو حرفة . وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك ، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه . فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه ، وتجعله ذريعة إلى الإحسان "
وقال أبو زهرة :"وإن من الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك ، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة ، وان تحافظ على الحياء في مجلسك ، فلا تجعل نعلك يحف بثيابه أو بحيث يؤذيه ، وأن تعاونه عن كان محتاجا إلى معاونتك ".
ولا يشترط في الصاحب الجنب طول الصحبة ؛أو موافق الدين
قال شيخ الإسلام بن تيمية : { معلومأَنَّ لَفْظَ " الصَّاحِبِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ...وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ ."
وقال رحمه الله :"..قد قيل: هو الرفيق في السفر وقيل: هو الزوجة ومعلوم أن صحبة الرفيق وصحبة الزوجة قد تكون ساعة فما فوقها وقد أوصى الله به إحسانا ما دام صاحبا.......وقد دخل في ذلك قليل الصحبة وكثيرها وقليل الجوار وكثيره " اهـ
. قال ابن القيم: "وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَقُّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا."
و مما يقوى هذا المعنى ما رواه ابن جرير من طريق ابن أبي أوفى عن فلان بن عبد الله عن الثقة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إن كل صاحب يصحب صاحبا مسؤول عن صحابته ؛ولو ساعة من نهار"
فالذي يظهر –والله أعلم- أن قوله الصاحب الجنب كناية عن القرب... فكأن هذا الشخص صار قريبا منك قرب جنبك منك..فمن كان هذه حاله فحقه الإحسان إليه؛ ولا يشترط طوال ملازمة ولا موافق الدين بالعبرة بالقرب والمخالطة
والله أعلم
المراد "وابن السبيل"
ورد فيه أقوال
الأول:المسافر المجتاز مَارّاً ، وهذا قول مجاهد( 104) ، وقتادة (117)، والربيع بن أنس البكري . (139)
وهو قول أبي عبيدة وعبر عنه " بالغريب" .
تخريج
قول مجاهد رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر من طريق ابن أبي نجيح عنه ؛ ورواه عبد الرزاق أيضا من طريق قتادة عن مجاهد قال: " ابن السبيل الذي يمر عليك وهو مسافر"
قول قتادة رواه ابن جرير من طريق ابن أبي نجيح عنه
قول الربيع رواه ابن جرير من طريق أبي جعفر عن الربيع قال ابن السبيل هو المار عليك وإن كان في الأصل غنيا
القول الثاني : الضيف ، وهو قول ابن عباس (68) ؛ سعيد ابن جبير (95) ؛ مجاهد (104) ؛ الضحاك .(105) ؛ قتادة (117) وهو قول مقاتل والزجاج
قال مقاتل: { وابن السبيل } ، يعني الضيف ينزل عليك أن تحسن إليه ."
قال الزجاج : هو الضيف يجب قراه؛ و أن يبلغ حيث يريد
تخريج:
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحه عن ابن عباس قال:" ابن السبيل هو الضيف الفقير الذي ينزل بالمسلمين"
قول سعيد بن جبير علقه ابن أبي حاتم
قول مجاهد رواه ابن المنذر من طريق ابن جريج عن مجاهد قال:" ابن السبيل الضيف له حق في السفر وفي الحضر"
قول الضحاك رواه ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك قال:" ابن السبيل هو الضيف"
قول قتادة رواه ابن جرير من طريق سعيد عن قتادة قال:" ابن السبيل هو الضيف"
الترجيح:
والسبيل الطريق ، و قيل لصاحب الطريق ابن السبيل ، كما قيل لطير الماء ابن ماء .
قال الشاعر :
وردت اعتسافاً والثريا كأنها *** على قمة الرأس ابن ماءٍ مُلحقُ.
رجح ابن جرير أن المراد ابن السبيل المسافر المار بك واستظهره ابن كثير
واستند ابن جرير في ترجيحه إلى دلالة اللغة أن ابن السبيل هو صاحب الطريق قال رحمه الله :" والصواب من القول في ذلك : أن ابن السبيل : هو صاحب الطريق ، والسبيل : هو الطريق ، وابنه : صاحبه الضارب فيه ، فله الحقّ على من مرّ به محتاجا منقطعا به إذا كان سفره في غير معصية الله أن يعينه إن احتاج إلى معونة ، ويضيفه إن احتاج إلى ضيافة ، وأن يحمله إن احتاج إلى حُمْلان.
وحاول ابن كثير الجمع بين القولين فقال رحمه الله :" ، وإن كان مراد القائل بالضيف : المار في الطريق ، فهما سواء.
وقال ابن عطية بعدما ذكر القولين :" وهذا كله قول واحد"
وقوله : { وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ }
المراد : بملك اليمين"
العبيد الأرقاء...هذه وصية من الله بالإحسان إلى الأرقاء لأنهم ضعفاء لا حيلة لهم أسارى في أيدي الناس
ونسب الملك إلى اليمين
ونسب الملك إلى اليمين إذ هي في المعتاد جارحة البطش والتغلب والتملك ، فأضيفت هذه المعاني وإن لم تكن بها إليها تجوزاً . ذكره ابن عطية
وعبر عنه ابن جرير بقوله كما يقال :" تكلم فوك ؛ ومشت رجلك؛ وبطش يدك."
الأحاديث التي تحث على الإحسان إلى العبيد والأرقاء
ورد كثير من الأحاديث التي تحض وتحث على الإحسان إلى العبيد والأرقاء ؛حتى جعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من أواخر ما وصى به في مرض موته
روى أبو داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يُوصِي أُمَّتَه في مرضِ الموت يقول : " الصلاةَ الصلاةَ وما ملكتْ أيمانُكُم " . فجعل يُرَدِّدُها حتى ما يَفِيضُ بها لسانه.رواه أبو داود في السنن برقم (5154) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
روى الإمام أحمد : عن الْمِقْدَامِ بن مَعْدِ يكَرِب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما أطعمت نَفْسَك فهو لك صدقةٌ ، وما أطعمتَ وَلَدَكَ فهو لك صدقة ، وما أطعمت زَوْجَتَكَ فهو لك صَدَقَةٌ ، ومَا أطعَمْتَ خَادِمَكَ فهو لَك صَدَقَهٌ "
ورواه النسائي من حديث بَقِيَّة ، قال ابن كثير وإسناده صحيح ولله الحمد .
وروى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو أنه قال لِقَهْرَمَانَ له : هل أعطيت الرقيق قُوتَهم ؟ قال : لا . قال : فانطلق فأعطهم ؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوتهم " .

وروى مسلم أيضا وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " للمملوك طعامه وكِسْوتُه ، ولا يكلَّف من العمل إلا ما يُطيق " . .
-قوله : { إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا }
معنى المختال
يقال خال الرجل يخول خلاً إذا تكبر وأعجب بنفسه .
قال الراغب:" والخُيَلَاء: التّكبّر.
قال الجوهري:" والخال والخيلاء والخيلاء: الكبر. تقول منه: اخْتالَ فهو ذو خُيَلاءَ، وذو خالٍ، وذو مَخْيَلَةٍ،، أي ذو كِبْرٍ. قال العجاج:
والخالُ ثَوْبٌ من ثياب الجهال *
وقد خال الرجلُ فهو خائِلٌ، أي مُخْتالٌ.
قال الشاعر: فَإنْ كَنْتَ سَيِّدَنَا سُدْتَنَا *** وإنْ كُنْتَ لِلْخَالِ فاذهَبْ فَخَلْ
وجمع الخائل خالة، مثل بائع وباعة.اهـ
معنى الفخور
قال ابن سيده : الفَخَر، والفِخْر، والفُخْر، والفَخَار، والفَخارة، والفَخِّيري، والفِخِّيراءُ: التمدُّح بالخصال.اهـ..
الفخور على وزن فعول مبالغة في الفخر
فالفخر عنده التمدح بالخصال –الأخلاق- التي يتملكها العبد كالكرم والشجاعة.
قال الراغب:" الفَخْرُ: المباهاة في الأشياء الخارجة عن الإنسان كالمال والجاه؛ ويقال: له الفَخَرُ، ورجل فَاخِرٌ، وفُخُورٌ، وفَخِيرٌ، على التّكثير." اهـ
الفخر عنده هو التمدح بما يملك مما ليس من خصاله وأخلاقه كالمال و الجاه والشرف و النسب
قال ابن عطية:" : والفخر عد المناقب تطاولاً بذلك.اهـ
ابن عطية أضاف قيدا آخر وهو "تطاولا" أي أن يعد العبد محاسنه على جهة التطاول لا على جهة " {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11]
فتحصل مما سبق أن الفخر عد الخصال الحميدة والأخلاق النبيلة الجميلة والصفات الخلقية ؛ وكذا بما ينعم الله على عباده ويوسع عليهم من رزق ومال وشرف وجاه مما لا يدخل في صفات العبد وأخلاقه على جهة التطاول والمباهاة والتمدح.
أقوال السلف في المراد بالمختال الفخور
قول مجاهد:
الفخور المتكبر
الفخور يعد ما أعطى ؛ وهو لا يشكر الله
التخريج :
رواه ابن جرير من طريق أبي نجيح عن مجاهد
مناسبة ختم الآية بذكر المختال الفخور
جملة " إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالا فَخُورًا" وردت كالتعليل للأمر السابق وهو الإحسان للأصناف التي سبق ذكرها؛ وهذان الوصفان متلازمان ، فحيث كان الكبر كان الفخر الكاذب.
-قال أبو رجاء الهروي : لا تجده سيء الملكة إلا وجدته مختالاً فخوراً وتلا قوله تعالى :"{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا } [النساء: 36] ، ولا عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً ، وتلا قوله :" {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } [مريم: 32] اهـ رواه ابن جرير من طريق محمد بن كثير.عنه
وخص هاتين الصفتين إذ هما الحاملان بالإخلال بحقوق الأصناف التي تقدم ذكرها والإحسان إليهم.. فالمتكبر يأنف عن أقاربه وجيرانِه وأصحابِه ولا يلتفت إليهم والفخور يتفاخرُ عليهم . فالجملةُ تعليلٌ للأمر السابق .
قال ابن عطية: وخص هاتين الصفتين هنا إذ مقتضاهما العجب والزهو ، وذلك هو الحامل على الإخلال بالأصناف الذين تقدم أمر الله بالإحسان إليهم. اهـ
قال أبو زهرة.:" والله تعالى لا يحب هؤلاء ؛ لأنهم يستنكفون عن الاتصال بالناس ، ويغمطون حقوق الناس ، ولا يقومون بحق النعمة التي أنعم الله بها عليهم ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام :"الكبر بطر وغمط الناس" .
وكان ذكر ذلك النص الكريم بعد طلب الإحسان للإشارة إلى أن المتصف بهاتين الصفتين لا يمكن أن يكون محسنا لأحد – هو إيذاء بصفاته وبأفعاله ، وهو مصدر الشر والتفرق في الجماعات .اهـ
في الآية وعيد
ونفي محبة الله لمن هذه صفته فيه تنبيه وإماء أنه متوعد بالعذاب ؛فعدم المحبة دليل على عدم الرضى وعدم الرضى مقتض للعذاب.
قال القاضي أبو محمد : ونفي المحبة عمن هذه صفته ضرب من التوعد .
( الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) [النساء : 37]
القراءات
البخل :فيه قراءتان :
قراءة الجمهور"البُخْل "ضم الباء وإسكان الخاء
وقرأ حمزة و الكسائي و خلف العاشر ب " البَخَل " فتح الباء و الخاء
و هما لغتان فصيحتان بمعنى واحد؛فبأيتهما قرئ صح
وفيه لغتان غير هاتين ، يقال : البُخُل والبَخْل ؛ وقرئ بهما في الشواذ
" البُخُل" بضم الباء والخاء قراءة عيسى بن عمر والحسن، و " البَخْل" بفتح الباء وسكون الخاء وهي قراءة الزبير وقتادة وهي لغة بكر بن وائل.
نزول الآية:
المراد "بالذين يبخلون ":
[لم يتضح لي تفصيلكِ للقولين في هذه المسألة حتى ظننت أنكِ حملتِ معنى الآية على قول واحد، فلو ذكرتِ ملخصًا في سطر واحد قبل التفصيل
كأن تقولي اختلف المفسرون في المراد بالذين في هذه الآية على قولين، الأول: اليهود والثاني المؤمنين
القول الأول: ... قال به ..
لأن طول الفصل بتوضيح المسائل على كل قول قد لا يظهر هذا الخلاف بداية]

القول الأول: المراد بهم اليهود وهو قول ابن عباس(68) سعيد بن جبير (95) ومجاهد (104) الضحاك (105)وعكرمة (105) الحسن البصري (110) وقتادة (117)السدي (127) وحضرمي( ) ابن زيد ابن أسلم (182) وهو قول مقاتل (150)
الْيَهُودِ كَتَمُوا صفة محمد صلى اللَّه عليه وسلم، وَلَمْ يُبَيِّنُوهَا لِلنَّاسِ، وَهُمْ يَجِدُونَهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُمْ فِي كُتُبِهِمْ.وأمروا الناس بكتمه .
معنى الآية على هذا القول
ما ورد في سبب نزولها
-عنابن عباس قال: كان كَرْدَم بن زيد حليف كعب بن الأشرف وأسامة بن حبيب ونافع بن أبي نافع وبحري بن عمرو وحيي بن أخطب ورفاعة بن زيد بن التابوت يأتون رجالا من الأنصار وكانوا يخالطونهم ينصحون لهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون لهم: لا تنفقوا أموالكم فإنا نخشى عليكم في ذهابها ولا تسارعوا في النفقة فإنكم لا تدرون ما يكون فأنزل الله فيهم {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} ، أي: من النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد.
التخريج:
رواه ابن جرير وابن المنذر من طريق محمد ابن إسحاق عن ابن عباس
و وراه ابن المنذر عن محمد ابن إسحاق ولم يخرجه عن ابن عباس

المراد "بالذين يبخلون "
هم اليهود وهو قول
ابن عباس(68) سعيد بن جبير (95) ومجاهد (104) الضحاك (105)وعكرمة (105) الحسن البصري (110) وقتادة (117)السدي (127) وحضرمي( ) عبد الرحمان بن زيد ابن أسلم (182) وهو قول مقاتل (150) والزجاج
تخريج الأقوال
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس قال "هي في أهل الكتاب يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان"
قول سعيد ابن جبير ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق جعفر عن سعيد بن جبير قال" هذا في العلم ؛ليس في الدنيا"
رواه ابن أبي حاتم من طريق جعفر بن أبي المغيرة عنه
قول مجاهد رواه ابن جرير و ابن المنذر من طريق جريج وابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال" نزلت في اليهود"
ورواه عبد بن حميد كما عند السيوطي
قول الضحاك رواه ابن أبي حاتم من طريق جويبر عن الضحاك قال: هم أهل الكتاب كتموا محمدا و ما أنزل عليه
قول عكرمة رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن إسحاق عن محمد مولى آل زيد بن ثابت عن عكرمة :" قال النبوة التي فيها تصديق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
قول الحسن البصري ذكره يحي بن سلام كما في تفسير بن أبي زمنين قال:" هم اليهود منعوا حقوق الله في أموالهم وكتموا محمدا وهو يعلمون أنه رسول الله "
قول قتادة رواه ابن جرير و أبي أبي حاتم من طريق سعيد عنه
قول السدي رواه ابن جرير و أبي أبي حاتم من طريق أسباط
قول حضرمي رواه ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه عنه
قول عبد الرحمان بن زيد ابن أسلم رواه ابن جرير من طريق ابن مهب عن عبد الرحمان بن زيد قال في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: هؤلاء يهود. وقرأ:"ويكتمون ما آتاهم الله من فضله"، قال: يبخلون بما آتاهم الله من الرزق، ويكتمون ما آتاهم الله من الكتب. إذا سئلوا عن الشيء وما أنزل الله كتموه. وقرأ: (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) من بخلهم.
محل إعراب "الذين يبخلون"
في محل رفع
إما على الابتداء واختلف في خبره قيل هو محذوف دل عليه ما بعده والتقدير " الذين يبخلون قرناء الشيطان" أو " الذين يبخلون معذبون أو مجازون"
وقيل الخبر هو ( اِنَّ اللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ). قاله الزجاج .قال ابن عطية " وفي هذا تكلف ما "
-ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمار مبتدأ؛أي: هم الذين يبخلون .
المراد بالبخل
البخل بالعلم ؛بما عندهم من العلم بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وصفته
معنى" وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ"
في ذلك قولان:
1-أن اليهود قالت لأتباعهم وعوامهم : اجحدوا أمر محمد ، وابخلوا به؛.. وعليه يكون المراد "بالبخل" كتمان أمر محمد صلى الله عليه وسلم ونبوته.. ويكون المراد "بالناس" هم إخوانهم من اليهود
-قال ابن عباس :"هي في أهل الكتاب يكتمون ويأمرون الناس بالكتمان " رواه ابن أبي حاتم من طريق العوفي
2- قالت اليهود للأنصار : لم تنفقون أموالكم على هؤلاء المهاجرين فتفتقرون ؟
وعليه يكون المراد بالبخل؛ البخل بالمال و عدم إنفاقه .
ويكون المراد "بالناس" النصارى
-"وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ"
المراد بالذي أتاهم الله
هو ما أعطاهم الله بالعلم برسالة النبي صلى الله عليه وسلم
أسباب كتمان العلم
بين ابن تيمية رحمه الله أن اليهود في كتمانها للعلم لها أحد ثلاثة أسباب
قال رحمه الله :" فوصف المغضوب عليهم بأنهم يكتمون العلم: تارة بخلا به وتارة اعتياضا عن إظهاره بالدنيا، وتارة خوفا في أن يُحتج عليهم بما أظهروه منه.اهـ "الاقتضاء"
قوله { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً }
أي أعد الله لليهود عذابا مهينا ؛و اليهود كفار لأن من كتم الدين والنبوة وحجدهما فهو كافر
ووضع المظهر "الكافرين" موضع المضمر "لهم" إشعاراً بأن من هذا شأنه فهو كافر لنعم الله تعالى ، ومن كان كافراً لنعمه فله عذاب يهينه.
معنى " وأعتدنا"
في معجم الوسيط: أَعْتَدَ الشيءَ : هَيَّأَه وأعَدَّهُ . وفي التنزيل العزيز : " وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئًا"
-وفي القاموس :" عَتيدُ : الحاضِرُ المُهَيَّأ ."
قال ابن عطية :" وأعتدنا معناه : يسرنا وأعددنا وأحضرنا ، والعتيد ، الحاضر اهـ
وهو .كقوله تعالى :" {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ }
ويجوز "وأعتدنا" مشتق من العتاد و العدة؛كأن العذاب جعله عتادا لهم.
قال الزجاج:" أي جعلنا ذلك عتادا لهم ؛ أو مثبتا لهم "
معنى المهين
العذاب المهين : الذي يقترن به خزي وذل ، وهو أنكى وأشد على المعذب .(ذكره ابن عطية)
مناسب ذكر العذاب المهين
-وخص العذاب المهين لهؤلاء دون غيره من العذاب كالأليم والعظيم و غيرهما ؛ لأنه من باب الجزاء من جنس العمل ؛ كما أهان هؤلاء النعم بالبخل والإخفاء ، استحقوا العذاب المهين الذي يهينهم
القول الثاني :المراد بهم المؤمنين وهو قول طاووس (106)زيد ابن أسلم (136) وهو اختيار ابن كثير
الذين يبخلون بالإنفاق في طاعة الله عز وجل ويأمرون الناس بذلك .
التخريج
قول طاووس رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق ابنه عنه وعلقه ابن المنذر
قال ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.
قول زيد بن أسلم رواه ابن أبي حاتم من طريق حفص بن مسيرة عن زيد بن اسلم قال :" إن البخيل الذي لا يؤدى حق الله في ماله"
المراد :" بالذين يبخلون"
هم الذين سبق ذكرهم في الآية السابقة المختال الفخور
محل إعراب "الذين يبخلون"
- في موضع نصب بدل من { من } في قوله { من كان مختالاً فخوراً } ؛ أي إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا وهم الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل
-و يجوز أنه انتصب على الذم .أي أذم الذين يبخلون
-المراد بالبخل
يبخلون بأموالهم ويأمرون الناس بالبخل؛ فلا تنفق في شيء من وجود الإحسان إلى من ذكر
المراد بالناس
- يعني إخوانهم ، ومن هو مظنة طاعتهم بالبخل بالأموال .
- قوله { ويكتمون ما آتاهم من فضله }
المراد ب يكتمون
يسترون نعم الله ؛ لا يظهرونها ولا ينفقونها. لا على أنفسهم ولا على غيرهم ؛لأن البخيل جاحد لنعم الله
ولا يتحدثون بها والله عزوجل يقول: " وأما بنعمة ربك فحدث"
قال ابن كثير:" فَالْبَخِيلُ جَحُود لِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ لَا تَظْهَرُ عَلَيْهِ وَلَا تَبِينُ، لَا فِي أَكْلِهِ وَلَا فِي مَلْبَسِهِ، وَلَا فِي إِعْطَائِهِ وَبَذْلِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الإنْسَاَن لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} أَيْ: بِحَالِهِ وَشَمَائِلِهِ، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ} وَقَالَ هَاهُنَا: {وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}اهـ.
المراد " ما آتاهم من فضله"
- من الرزق والمال
البخيل لا يحبه الله
على هذا المعنى تدل الآية أن الباخلين منفية عنهم محبة الله " ؛ لأن الله أخبر أنه لا يحب المختال الفخور ثم بين ر أن من صفاتهم البخل ..فلزم من ذلك أن البخيل لا يحبه الله
قوله { وأعتدنا للكافرين عذاباً مهيناً }
هذا الجزء من الآية ذهب ابن عطية أنه خاص بالكفار ؛ فبعدما أمر المؤمنين بالإحسان إلى من سمى و عاتب المتكبر الفخور البخيل ذكر الكفار و ما أعد لهم من العذاب المهين
قال رحمه الله :" ..والآية إذاً في المؤمنين ، فالمعنى : أحسنوا أيها المؤمنون إلى من سمي ، فإن الله لا يحب من فيه الخلال المانعة من الإحسان إليهم من المؤمنين ، وأما الكافرون فإنه أعد لهم { عذاباً مهيناً } ، ففصل توعد المؤمنين من توعد الكافرين ، بأن جعل الأول عدم المحبة ، والثاني { عذاباً مهيناً }"اهـ
أما ابن كثير فقد كان له نظر آخر؛ حيث جعل الآية كلها في المؤمنين؛ ففيها توعد للبخيل ؛
وحمل قوله تعالى " الكافرين " على المعنى اللغوي ؛ فالكفر لغة : الستر والتغطية ؛ فالبخيل ساتر لنعم الله وآلائه وعظيم فضله فلم يظهرها ولم ينفقها في مراضى الله وطاعته.
قال رحمه الله :" وَالْكَفْرُ هُوَ السَّتْرُ وَالتَّغْطِيَةُ، فَالْبَخِيلُ يَسْتُرُ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَيَكْتُمُهَا وَيَجْحَدُهَا، فَهُوَ كَافِرٌ لِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ. " اهـ
الترجيح
الزجاج :اكتفي بذكر قول واحد وهو أن المراد بالبخل هو بخل العلم وأن المراد بالذين يبخلون هو اليهود
وابن عطية لم يرجح شيئا؛ لكن الذي يظهر من صنيعه أنه يميل أن الآية في المؤمنين والمراد بالبخل في الآية بخل المال إلا قوله "وأعتدنا للكافرين عذابا مهينا" فهي في الكفار ؛ وذلك لتصديره هذا القول.
و رجح ابن جرير أن المراد بالبخل بخل العلم وأن المراد ب الذين يبخلون اليهود
أما ابن كثير فذهب أن البخل في الآية يحتمل أن يكون بخل العلم كما أنه يحتمل أن يكون بخل المال؛ ثم رجح رحمه الله مستندا إلى سياق الآية وسباقها أن المراد بالبخل في الآية بخل المال و المراد بالذين يخلون المؤمنون
--فإن سياق الآية في الكلام على الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالضُّعَفَاءِ ؛ ومما قوى به ترجيحه الآية التي بعدها وهو قوله تعالى:{والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} ؛ ففيه جمع بين الممسكين المانعين لنعم الله وبين المنفقين المرائين
قال رحمه الله :" وَالظَّاهِرُ أَنَّ السِّيَاقَ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ، وَإِنْ كَانَ الْبُخْلُ بِالْعِلْمِ دَاخِلًا فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى؛ فَإِنَّ سِيَاقَ الْكَلَامِ فِي الْإِنْفَاقِ عَلَى الْأَقَارِبِ وَالضُّعَفَاءِ، وَكَذَا الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا، وَهِيَ قَوْلُهُ: {والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ} فَذَكر الْمُمْسِكِينَ الْمَذْمُومِينَ وَهُمُ الْبُخَلَاءُ، ثُمَّ ذَكَرَ الْبَاذِلِينَ الْمُرَائِينَ الَّذِي يَقْصِدُونَ بِإِعْطَائِهِمُ السُّمْعَةَ وَأَنْ يُمدَحوا بِالْكَرَمِ، وَلَا يُرِيدُونَ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ" اهـ
وابن تيمية جعل الآية مشتملة على معاني البخل
قال رحمه الله :" قَدْ تُؤُوِّلَتْ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَالْمَنْعِ وَالْبُخْلِ بِالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ وَهِيَ تَعُمُّ الْبُخْلَ بِكُلِّ مَا يَنْفَعُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مِنْ عِلْمٍ وَمَالٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ." المجموع..
ثم قال مرجحا :" وإن كان السياق يدل على أن البخل بالعلم هو المقصود الأكبر" الاقتضاء.


معنى البخل والفرق بينه وبين الشح
فرق بينهما طاووس رحمه الله بأن البخل منع ما في اليد ؛ والشح: هو البخل تقترن به الرغبة فيما في أيدي الناس قال ابن طاوس، عن أبيه في قوله:"الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل"، قال: البخل أن يبخل الإنسان بما في يديه ="والشح": أن يشٍح على ما في أيدي الناس. قال: يحبّ أن يكون له ما في أيدي الناس بالحِلِّ والحرام، لا يقنع.اهـ
وبه قال ابن عطية
في الآية ذم البخل
وقد دلت الآية على ذم البخل ؛ وقد ورد هذا المعنى في عدد من نصوص الكتاب والسنة
- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأ مِنَ الْبُخْلِ؟ ". وَقَالَ: "إِيَّاكُمْ والشّحَ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بالقطيعةِ فقطعوا، وأمرهم بالفجور فَفَجَرُوا".
استحباب إظهار نعم الله
لما ذم الله الذين يكتمون نعم الله عليهم ؛ ولا يظهرونها فُهم منه أنه يُستحب إظهار نعم الله . وقد دل على هذا المفهوم عدد من نصوص الكتاب و السنة
كقوله تعالى :" وأما بنعمة ربك فحدث"
وفِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَنْعَمَ نِعْمَةً عَلَى عبدٍ أحبَّ أَنْ يَظْهَرَ أثرُها عَلَيْهِ" .
وَفِي الدُّعَاءِ النَّبَوِيِّ: "وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثِنِينَ بِهَا عَلَيْكَ قَابِلِيهَا -وَيُرْوَى: قَائِلِيهَا-وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا" .
في الآية أداب طالب العلم وتعليمه
دلت الآية على صفات مذمومة يجب على العالم وطالب العلم تركها والابتعاد عنها وهي:
-البخل..فلا يبخل العالم وطالب العلم بالعلم الذي تفضل الله به عليهما
- المختال : والمختال في العلم له صورتان إما أَنْ يَخْتَالَ فَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَالَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَبْذُلُهُ.
-الفخور...الفخر بالعلم أن يتباهى به أمام الناس
فدل مفهوم الآية أن على طالب العلم أن يتصف بضد تلك الصفات وهو التواضع وبذله للناس
قال ابن تيمة :" ... وَالْغَرَضُ هُنَا أَنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ الْمُخْتَالَ الْفَخُورَ الْبَخِيلَ بِهِ-يقصد العلم- فَالْبَخِيلُ بِهِ الَّذِي مَنَعَهُ وَالْمُخْتَالُ إمَّا أَنْ يَخْتَالَ فَلَا يَطْلُبُهُ وَلَا يَقْبَلُهُ وَإِمَّا أَنْ يَخْتَالَ عَلَى بَعْضِ النَّاسِ فَلَا يَبْذُلُهُ وَهَذَا كَثِيرًا مَا يَقَعُ عِنْدَ بَعْضِ النَّاسِ أَنَّهُ يَبْخَلُ بِمَا عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَيَخْتَالُ بِهِ وَأَنَّهُ يَخْتَالُ عَنْ أَنْ يَتَعَدَّى مِنْ غَيْرِهِ وَضِدُّ ذَلِكَ التَّوَاضُعُ فِي طَلَبِهِ وَبَذْلِهِ وَالتَّكَرُّمُ بِذَلِكَ."اهـ
( وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا) [النساء : 38]
نزول الآية
قيل نزلت في اليهودوهو قول مجاهد ( 104) ؛ وهو قول مقاتل (150)
التخريج رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيح عنه
قال مقاتل:" { والذين ينفقون أموالهم رئاء الناس } ، يعني اليهود ، { ولا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر } ، يقول : لا يصدقون بالله أنه واحد لا شريك له ، ولا يصدقون بالبعث الذي فيه جزاء الأعمال بأنه كائن ، { ومن يكن الشيطان له قرينا } ، يعني صاحبا ، { فساء قرينا } ، يعني فبئس الصاحب .اهـ
وقيل نزلت في المنافقينوهو قول السدي ( 127)كما في تفسير الثعلبي وتفسير البغوي وهو اختيار الزجاج و صححه ابن عطية ونسبه إلى الجمهور
والحجة في ذلك قوله تعالى :" وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ" فإن المنافقين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر
قال الزجاج:وهُؤلاء يُعْنَى بهم المنافِقُون، كانوا يُظهرونَ الِإيمانَ ولا يؤمنون باللَّه
واليوم الآخر.اهـ
ترجيح
وقد رد الطبري قول مجاهد بحجة أن اليهود يؤمنون بالله واليوم الآخر؛والآية نفت الإيمان بالله واليوم الآخر عن هؤلاء
قال رحمه الله :"....لأن اليهود كانت توحِّد الله وتصدّق بالبعث والمعاد. وإنما كان كفرُها، تكذيبَها بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم."
واستدرك ابن عطية عليه موجها قول مجاهد فقال :"وقول مجاهد متجه على المبالغة والإلزام ، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان من حيث لا ينفعهم اهـ
أما ابن كثير الذي يظهر .-والعلم عند الله - أنه حمل الآية على السياق السابق فأدخل فيها المؤمنين والمنافقين
لأن الله أمر بالإحسان إلى الأصناف إلى سماها ثم ذكر أنواعا و أصنافا من الناس من شأنهم أنهم لا يمتثلون أمره وهم من يمتنع ويبخل عن الإحسان وهو المختال الفخور و الذين ينفقون ويحسنون لكن رياء وسمعة ويدخل فيهم المؤمنون و المنافقون
فالجميع لم يؤد ما أمر الله به من الإحسان إلى أولئك الأصناف
قال رحمه الله :"فإن سياق الكلام في الإنفاق على الأقارب والضعفاء ، وكذا الآية التي بعدها ، وهي قوله : { والَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ } فَذَكر الممسكين المذمومين وهم البخلاء ، ثم ذكر الباذلين المرائين الذي يقصدون بإعطائهم السمعة وأن يُمدَحوا بالكرم ، ولا يريدون بذلك وجه الله ،"اهـ
محل إعراب " وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ"
الواو :واو عطف
-فيجوز أن يكون عطفا على " الكافرين " فيكون في موضع خفض ؛ وهو اختيار ابن جرير
والمعنى أن الله أعد للكافرين عذابا مهينا وكذا للذين ينفقون أموالهم رئاء الناس أعد لهم عذابا مهينا
-ويجوز أن يكون عطفا على "الذين يبخلون " في النصب والرفع
قال ابن عطية:" ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر ، وتقديره : بعد اليوم الآخر معذبون" اهـ
المراد بالإنفاق
وهو ما كان ينفقه المنافقون من زكاة أموالهم ، و ما كانوا ينفقونه في السفر مع رسول الله صلى الله عليه
إعراب رياء
نصبا على الحال من الضمير ينفقون
معنى رياء
ينفقون أموالهم من أجل السمعة وأن يحمدوا بالكرم ولا يريدون بذلك وجه الله
قال ابن عطية :" "رياء" ودفاعا عن أنفسهم لا إيمانا بالله" اهـ
معنى القرين"
قرين فعيل بمعنى فاعل؛بمعنى المقارن، كالجليس والخليط، أي: المجالس، والمخالط. والجمع: قرناء. وهو من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب ، ومنه قيل لما يلزمان الإبل والبقر قرينان ، وقيل للحبل الذي يشدان به : قرن
محل إعراب "قرينا"
{ قريناً } نصب على التمييز
معنى كون الشيطان قرين الإنسان
وهي هاهنا مقارنة مع خلطة وتواد .
والإنسان كله يقارنه الشيطان ، وهي مقارنه مع خلطة و تواد ؛ لكن الموفق عاص له ، .
معنى قوله وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا
فالمعنى : ومن يكن الشيطان له مصاحباً وملازماً ، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته ،
لأن الشيطان هو يحمل على صنع القبيح وترك الطاعة و العدول عنها ؛بما يوسوس لقرينه ويملى له ويسول له ؛حتى يحسن لهم القبائح ..فن مقارنة السيء لا تأتي إلا بالسوء
قال الشاعر :" عَن المَرْء لَا تَسْأل وسَلْ عَنْ قَرينه ... فكلُّ قَرِينٍ بِالْمَقَارَنِ يَقْتَدي
فاعل ساء
-الفاعل ل «ساء » مضمر ، تقديره ساء القرين قريناً ، على حد بئس
ذم الرياء
الرياء مناف للاخلاص ومناقض له؛ بل هو معارض لأصل رسالة الأنبياء وهو إخلاص الله بالعبادة وإفراده بها كما قال تعالى :" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" وقال تعالى " ألا لله الدين الخالص"
وقد ورد جملة من الأحاديث في ذم الرياء
-منها حديث الذي فيه الثلاثة الذين هم أول من تُسَجَّرُ بهم النار ، وهم : العالم والغازي والمنفق ، والمراءون بأعمالهم ، يقول صاحب المال : ما تركت من شيء تحب أن ينفق فيه إلا أنفقت في سبيلك . فيقول الله : كذبت ؛ إنما أردت أن يقال : جواد فقد قيل . أي : فقد أخذت جزاءك في الدنيا وهو الذي أردت بفعلك .

- ومنها حديث : أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال لِعَدِيّ : " إن أباك رامَ أمرًا فبلغه " .

-ومنها حديث : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن عبد الله بن جُدعان : هل ينفعه إنفاقُه ، وإعتاقُه ؟ فقال : " لا إنه لم يقل يوما من الدهر : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .


بارك الله فيكِ أستاذة عقيلة ونفع بكِ
أؤكد على ملحوظات أستاذة نوره
وأضيف:
اجتهدي أن تلخصي كلام المفسرين بأسلوبك دون الحاجة إلى نقل نص كلامهم لئلا يطول تلخيصكِ، وينسب إليهم معنى ما قالوه خاصة إذا اتفقوا.
التقويم: أ+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 2 ذو الحجة 1441هـ/22-07-2020م, 09:56 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نورة الأمير مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا (38)}
-فيمن نزلت الآية:
قيل: في اليهود. قاله مجاهد وأخرجه ابن أبي حاتم وضعفه الطبري معللا: أنه نفى عن هذه الصفة الإيمان بالله واليوم الآخر، واليهود ليسوا كذلك. ودافع عن قوله ابن عطية ذاكرا أن قوله متجه على المبالغة والإلزام، إذ إيمانهم باليوم الآخر كلا إيمان، من حيث لا ينفعهم.
وقال الجمهور: نزلت في المنافقين، وهذا هو الصحيح كما ذكر ابن عطية.
-موضع "الذين" الإعرابي:
في موضع خفض عطف على الكافرين، ويصح أن يكون في موضع رفع عطفا على الّذين يبخلون على تأويل: من رآه مقطوعا ورأى الخبر محذوفا. ويصح أن يكون في موضع رفع على العطف وحذف الخبر، وتقديره: بعد اليوم الآخر معذبون. قاله الطبري ونقله ابن عطية.
-متعلق الإنفاق في الآية: [أو المراد بالأموال]
هو ما كانوا يعطون من زكاة، وينفقون في السفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ذكره ابن عطية.
-معنى رياء:
أي: دفعا عن أنفسهم، الّذي يقصدون بإعطائهم السّمعة وأن يمدحوا بالكرم ، لا إيمانا بالله، ولا حبا في دينه.
وفي حديث الّذي فيه الثّلاثة الّذين هم أوّل من تسجّر بهم النّار، وهم: العالم والغازي والمنفق، والمراءون بأعمالهم، يقول صاحب المال: ما تركت من شيءٍ تحبّ أن ينفق فيه إلّا أنفقت في سبيلك. فيقول اللّه: كذبت؛ إنّما أردت أن يقال: جوادٌ فقد قيل. أي: فقد أخذت جزاءك في الدّنيا وهو الّذي أردت بفعلك.
وفي الحديث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لعديّ: "إنّ أباك رام أمرًا فبلغه". مجموع ما ذكره ابن عطية وابن كثير.
[الأحاديث من جملة ما يطلب تخريجه في الواجب]
-فائدة الاحتراس في قوله: "ولا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر":
هذا الاحتراس فيه تأكيد على خلو قلوب المرائين من الإيمان وابتغاء وجه الله.
ويؤكده حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي سئل فيه عن عبد اللّه بن جدعان: هل ينفعه إنفاقه، وإعتاقه؟ فقال: "لا إنّه لم يقل يومًا من الدّهر: ربّ اغفر لي خطيئتي يوم الدّين". ذكره ابن كثير وأشار إليه ابن عطية.
-موضع "رياء" الإعرابي:
نصب على الحال من الضمير في ينفقون والعامل ينفقون، ويكون قوله: ولا يؤمنون في الصلة، لأن الحال لا تفرق إذا كانت مما هو في الصلة، وحكى المهدوي: أن الحال تصح أن تكون من الّذين فعلى هذا يكون ولا يؤمنون مقطوعا ليس من الصلة، والأول أصح، وما حكى المهدوي ضعيف، ويحتمل أن يكون ولا يؤمنون في موضع الحال، أي: غير مؤمنين، فتكون الواو واو الحال. ذكره ابن عطية.
-اشتقاق "قرين" وجذرها اللغوي:
القرين: فعيل بمعنى فاعل، من المقارنة وهي الملازمة والاصطحاب. ذكره ابن عطية.
-المراد بالقرين في الآية:
مقارنة مع خلطة وتواد. ذكره ابن عطية. [هذه تابعة لما قبلها، ولو قلتِ دلالة التعبير بصيغة فعيل في قوله " قرين"،والترتيب يكون معنى " قرين " ودلالة التعبير بصيغة فعيل، ومعنى كون الشيطان قرينًا]
-تفسير "ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا":
أي: من يكن عمله بما يسوّل له الشيطان فبئس العمل عمله. ومن يكن الشيطان له مصاحبا وملازما، أو شك أن يطيعه فتسوء عاقبته.
فإنّما حملهم على صنيعهم هذا القبيح وعدولهم عن فعل الطّاعة على وجهها الشيطان؛ فإنّه سوّل لهم وأملى لهم، وقارنهم فحسّن لهم القبائح، ولهذا قال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه = فكلّ قرينٍ بالمقارن يقتدي. مجموع ما ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
-إعراب "ساء قرينا" وتقديرها:
"قرينا" نصب على التمييز، والفاعل ل «ساء» مضمر، تقديره ساء القرين قرينا.
[وضح ابن عطية وابن كثير المناسبة بين جُمل هذه الآية وقد فصلتِ الأولى، وهي مناسبة عطف " ولا يؤمنون بالله واليوم الآخر " على ما قبلها
وخلال المسألة الأخيرة بينتِ مناسبة ختام الآية بقوله {ومن يكن الشيطان له قرينًا} لكن الأولى فصلها في مسألة مستقلة]

تفسير قوله تعالى: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ اللّهُ وَكَانَ اللّهُ بِهِم عَلِيمًا (39)}
-معنى "ماذا" في الآية:
يصلح أن تكون: " ما " و " ذا " اسما واحدا، المعنى: وأي شيء عليهم. ذكره الزجاج وابن عطية واختاره ابن كثير.
ويجوز أن يكون: " ذا " في معنى الذي، أو تكون " ما " وحدها اسما. المعنى: وما الّذي عليهم. ذكره الزجاج وابن عطية.
وكأن هذا الكلام يقتضي أن الإيمان متعلق بقدرتهم ومن فعلهم، ولا يقال لأحد: ما عليك لو فعلت إلا فيما هو مقدور له. فالمطلوب إنما هو تكسبهم واجتهادهم وإقبالهم على الإيمان، وأما الاختراع فالله المنفرد به، وفي هذا الكلام تفجع ما عليهم، واستدعاء جميل يقتضي حيطة وإشفاقا. ذكره ابن عطية.
-ما يتضمنه الإخبار بعلم الله في قوله "وكان الله بهم عليما":
يتضمن الإخبار وعيدا، وينبه على سوء تواطئهم، أي: لا ينفعهم كتم مع علم الله تعالى بهم. ذكره ابن عطية.
-متعلق العلم في الآية:
نيّاتهم الصّالحة والفاسدة، ومن يستحقّ التّوفيق منهم فيوفّقه ويلهمه رشده ويقيّضه لعملٍ صالحٍ يرضى به عنه، ومن يستحقّ الخذلان والطّرد عن جنابه الأعظم الإلهيّ. ذكره ابن كثير.
[ينقصكِ بيان مرجع الضمير في الآية {وماذا عليهم} ذكر الزجاج أنهم المذكورون في قوله {الذين يبخلون}
وأشار ابن كثير إلى أنهم المذكورون في الآية قبلها، وهو نفس قول الزجاج لأن الآية قبلها في الذين يبخلون.
وينقصكِ أيضًا بيان سبب تخصيص الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق بالذكر
وأشار إليها الزجاج فهي في مقابلة فعلهم المذكورر في الآيات السابقة]


تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (40)}
-القراءات في الآية وتقديرها:
قرأ جمهور السبعة «حسنة» بالنصب على نقصان «كان» واسمها مضمر تقديره وإن تك زنة الذرة حسنة.
وقرأ نافع وابن كثير «حسنة» بالرفع على تمام «كان» التقدير: وإن تقع حسنة أو توجد حسنة، ويضاعفها جواب الشرط.
وقرأ ابن كثير وابن عامر «يضعفها» مشددة العين بغير ألف، قال أبو علي: المعنى فيهما واحد، وهما لغتان.
وقرأ الحسن «يضعفها» بسكون الضاد وتخفيف العين. ذكره ابن عطية.
-معنى “مثقال”:
مثقال: مفعال من الثقل، أي: ما كان وزنه الذرة. ذكره الزجاج وابن عطية.
-معنى الذرة:
قيل: الصغيرة الحمراء من النمل، وهي أصغر ما يكون إذا مر عليها حول، لأنها تصغر وتجري كما تفعل الأفعى. ذكره ابن عطية.
وقيل: دودة حمراء. قاله يزيد بن هارون، ورواه ابن جرير عن إسحاق بن وهب عنه، وضعفه ابن عطية.
وقيل: رأس النملة. قاله ابن عباس وقرأ “إن الله لا يظلم مثقال نملة”. ذكره ابن عطية ورواه ابن جرير من طريق أبي عاصمٍ، عن شبيب بن بشرٍ، عن عكرمة، عنه.
-سبب معاملة الأعمال بالوزن بالرغم من كونها غير موزونة:
قيل لكل ما يعمل " وزن مثقال " تمثيلا، خطابا للناس بما في قلوبهم بتمثيل ما يدرك بأبصارهم، لأن ذلك أبين لهم. ذكره الزجاج.
-الأصل في “تك”:
الأصل في " يكن ": " تكون " فسقطت الضمة للجزم وسقطت الواو لسكونها وسكون النون. ذكره الزجاج.
وعلل ابن عطية ذلك بكثرة الاستعمال.
-معنى المضاعفة:
مضاعفة الشيء في كلام العرب: زيادة مثله إليه، وإذا كانت صيغة الفعل دون التكثير تقتضي الطي مرتين، هذه أصول هذا الباب على مذهب الخليل وسيبويه، وقد ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب المجاز: أن «ضاعفت» يقتضي مرارا كثيرة، وقال مثله الطبري ومنه نقل، وذكره ابن عطية.
-هل في الآية تخصيص أم أنها عامة؟
قيل: هذه الآية خص بها المهاجرون، لأن الله أعلم في كتابه: أن الحسنة لكل مؤمن مضاعفة عشر مرار، وأعلم في هذه: أنها مضاعفة مرارا كثيرة جدا حسب ما روى أبو هريرة من أنها تضاعف ألفي ألف مرة، وروى غيره من أنها تضاعف ألف ألف مرة، ولا يستقيم أن يتضاد الخبران، فهذه مخصوصة للمهاجرين السابقين، حسبما رواه عبد الله بن عمر: أنها لما نزلت من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها [الأنعام: 160] في الناس كافة، قال رجل: فما للمهاجرين؟ فقال ما هو أعظم من هذا إنّ اللّه لا يظلم .. الآية. رواه ابن أبي حاتم، وخرجه ابن كثير.
فخصوا بهذا كما خصت نفقة سبيل الله بتضعيف سبعمائة مرة، ولا يقع تضاد في الخبر.
وقال بعضهم: بل وعد بذلك جميع المؤمنين، وروي في ذلك أحاديث، وهي: أن الله عز وجل يجمع الأولين والآخرين في صعيد واحد، فينادي هذا فلان بن فلان، فمن كان له عنده حق فليقم قال: فيحب الإنسان أن لو كان له يومئذ الحق على أبيه وابنه، فيأتي كل من له حق فيأخذ من حسناته حتى يقع الانتصاف، ولا يبقى له إلا وزن الذرة، فيقول الله تعالى: أضعفوها لعبدي واذهبوا به إلى الجنة، وهذا يجمع معاني ما روي مما لم نذكره، والآية تعم المؤمنين والكافرين، فأما المؤمنون فيجازون في الآخرة على مثاقيل الذر فما زاد، وأما الكافرون فما يفعلون من خير فتقع المكافأة عليه بنعم الدنيا. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-معنى “لدنه:
من قبله. ذكره الزجاج وابن عطية.
وذكر سيبويه أنها لابتداء الغاية.
-المراد بالأجر العظيم:
الجنة، قاله ابن مسعود وأبو هريرة وسعيد بن جبير وعكرمة والحسن وقتادة والضحاك وابن زيد، وذكره ابن عطية وابن كثير.
قول ابن مسعود رواه ابن جرير عن المثنّى، عن مسلم بن إبراهيم، عن صدقة بن أبي سهلٍ، عن أبي عمرٍو، عن زاذان، عنه.
قول سعيد بن جبير رواه النهدي عن سفيان [الثوري] عن ابن جريجٍ عن عبادة عنه. [نقول رواه سفيان الثوري في تفسيره]
قول ابن زيد رواه ابن جرير عن يونس، عن ابن وهبٍ عنه.

تفسير قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيدًا (41)}
-مناسبة الآية لما قبلها:
تقدم في الآية قبلها الإعلام بتحقيق الأحكام يوم القيامة، فحسن بعد ذلك التنبيه على الحالة التي يحضر ذلك فيها، ويجاء فيها بالشهداء على الأمم. ذكره ابن عطية.
-معنى “كيف” في الآية:
جاءت بمعنى التوبيخ. ذكره الزجاج.
-تفسير الآية ومعناها:
أي: فكيف تكون حال هؤلاء يوم القيامة، وحذف " تكون حالهم" لأنّ في الكلام دليلا على ما حذف. ذكره الزجاج وابن عطية.
-المشار إليه في قوله “هؤلاء”:
كفار قريش وغيرهم من الكفار، وإنما خص كفار قريش بالذكر لأن وطأة الوعيد أشد عليهم منها على غيرهم. ذكره ابن عطية.
-معنى “وجئنا بك على هؤلاء شهيدا”: [المخاطب بقوله {وجئنا بكَ}]
أي: نأتي بكل نبي أمّة يشهد عليها ولها. ذكره الزجاج وابن عطية.
-ما روي في هذه الآية:
روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان إذا قرأ هذه الآية فاضت عيناه، وكذلك ذرفت عيناه عليه السلام حين قرأها عليه عبد الله بن مسعود في الحديث المشهور.
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن يوسف، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن عبيدة، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال لي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "اقرأ عليّ" قلت: يا رسول اللّه، آقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال: "نعم، إنّي أحبّ أنّ أسمعه من غيري" فقرأت سورة النّساء، حتّى أتيت إلى هذه الآية: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} قال: "حسبك الآن" فإذا عيناه تذرفان.
ورواه هو ومسلمٌ أيضًا من حديث الأعمش، به وقد روي من طرقٍ متعدّدةٍ عن ابن مسعودٍ، فهو مقطوعٌ به عنه. ورواه أحمد من طريق أبي حيّان، وأبي رزين، عنه. ذكره ابن عطية وابن كثير.
-المراد بالشهادة:
ما روي من حديث ابن مسعود وهو شهادته صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، وأمّا ما ذكره القرطبي في "التّذكرة" حيث قال: باب ما جاء في شهادة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم على أمته: قال: أخبرنا ابن المبارك، أخبرنارجل من الأنصار، عن المنهال بن عمرٍو، حدّثه أنّه سمع سعيد بن المسيّب يقول: ليس من يومٍ إلّا تعرض على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أمّته غدوة وعشيّة، فيعرفهم بأسمائهم وأعمالهم، فلذلك يشهد عليهم، يقول اللّه تعالى: {فكيف إذا جئنا من كلّ أمّةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاء شهيدًا} فإنّه أثرٌ، وفيه انقطاعٌ، فإنّ فيه رجلًا مبهمًا لم يسمّ، وهو من كلام سعيد بن المسيّب لم يرفعه. وقد قبله القرطبيّ فقال بعد إيراده: [قد تقدّم] أنّ الأعمال تعرض على اللّه كلّ يوم اثنين وخميسٍ، وعلى الأنبياء والآباء والأمّهات يوم الجمعة. قال: ولا تعارض، فإنّه يحتمل أن يخصّ نبيّنا بما يعرض عليه كلّ يومٍ، ويوم الجمعة مع الأنبياء، عليهم السّلام. ذكره ابن كثير.
وما ذكره الطبري من شهادة أمة محمد بتبليغ الرسل، وما جرى في معنى ذلك من القصص الذي ذكر مكي، كسؤال اللوح المحفوظ، ثم إسرافيل ثم جبريل، ثم الأنبياء، فليست هذه آيته، وإنما آيته لتكونوا شهداء على النّاس. ذكره ابن عطية.

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلاَ يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثًا (42)}
-القراءات في الآية:
قرأ نافع وابن عامر «تسّوّى» بتشديد السين والواو على إدغام التاء الثانية من تتسوى، وقرأ حمزة والكسائي «تسّوّى» بتخفيف السين وتشديد الواو، على حذف التاء الثانية المذكورة، وهما بمعنى واحد.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو «تسوى» على بناء الفعل للمفعول الذي لم يسم فاعله، فيكون الله تعالى يفعل ذلك على حسب المعنيين المتقدمين، قال أبو علي: إمالة الفتحة إلى الكسرة والألف إلى الياء في «تسوى» حسنة. ذكره ابن عطية.
وقرأ أبو السمال ويحيى بن يعمر: «وعصوا الرسول» بكسر الواو من عصوا. ذكره ابن عطية.
واختار الزجاج الضّم في الواو في {عصوا الرسول} لالتقاء السّاكنين مع تجويزه للكسر.
-(ال) في (الرسول):
للجنس. ذكره ابن عطية.
-معنى التسوية في الآية:
قيل: تنشق الأرض فيحصلون فيها ثم تتسوى هي في نفسها عليهم وبهم. ذكره ابن عطية وابن كثير.
وقالت فرقة: معناه لو تستوي هي معهم في أن يكونوا ترابا كآبائهم، فجاء اللفظ على أن الأرض هي المستوية معهم، والمعنى إنما هو أنهم يستوون مع الأرض، ففي اللفظ قلب يخرج على نحو اللغة التي حكاها سيبويه. وقد جاء في التفسير: أن البهائم يوم القيامة تصير ترابا، فيودون أنهم يصيرون ترابا. ذكره الزجاج وابن عطية.
-معنى الواو في قوله “ولا يكتمون اللّه حديثا”:
1- أنها عاطفة. فيكون المعنى: ودوا أن الأرض سويت بهم وأنهم لم يكتموا الله حديثا، لأن قولهم: {واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} قد كذبوا فيه. ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
2- أنها استئنافية. لأن ما عملوه ظاهر عند اللّه لا يقدرون على كتمه). قال به ابن عباس وذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير.
قول ابن عباس رواه ابن جريرٍ: عن ابن حميد، عن حكّام، عن عمرٌو، عن مطرّف، عن المنهال بن عمرٍو، عن سعيد بن جبير، عنه.
3- وقالت طائفة: مثل القول السابق، إلا أنها قالت: إنما استأنف الكلام بقوله: ولا يكتمون اللّه حديثاً ليخبر عن أن الكتم لا ينفع، وإن كتموا، لأن الله تعالى يعلم جميع أسرارهم وأحاديثهم، فمعنى ذلك:وليس ذلك المقام الهائل مقاما ينفع فيه الكتم.
والفرق بين هذين القولين أن الأول يقتضي أن الكتم لا ينفع بوجه، والآخر يقتضي أن الكتم لا ينفع وقع أو لم يقع، ذكره ابن عطية.
4- وقالت طائفة: يود الذين كفروا أن تسوى بهم الأرض، وأنهم لم يكتموا الله حديثا، وهذا على جهة الندم على الكذب أيضا، كما تقول: وددت أن أعزم كذا، ولا يكون كذا على جهة الفداء، أي يفدون كتمانهم بأن تسوى بهم الأرض. ذكره ابن عطية.
[هنا أكثر من مسألة، معنى الواو، والمراد بالحديث الذي كتموه، وعلة أمنيتهم {لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثًا}]

التقويم: ب
بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 2 ذو الحجة 1441هـ/22-07-2020م, 11:19 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة علاء عبد الفتاح محمد مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43)}
=سبب نزول هذه الآية:
-قيل إنها نزلت لأن جماعة من الصحابة اجتمعوا فشربوا الخمر ثم جاءت صلاة فتقدم أحدهم -قيل هو علي وقيل عبد الرحمن بن عوف- وصلى فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وأنتم عابدون ما أعبد، وأنا عابد ما عبدتم فنزلت {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} وممن ذكره الزجاج في تفسيره، وابن عطية وابن كثير
وفيه عدة أحاديث عند أصحاب السنن وفيه أيضا ما رواه مسلم في صحيحه عن مصعب بن سعد عن أبيه.

-قال ابن عطية: وروى بعضهم: أن سبب الآية: أن قوما من الأنصار كانت أبواب دورهم شارعة في المسجد، فإذا أصابت أحدهم الجنابة اضطر إلى المرور في المسجد، فنزلت الآية في ذلك،
ثم نزلت وإن كنتم مرضى إلى آخر الآية، بسبب عدم الصحابة الماء في غزوة المريسيع حين أقام على التماس العقد، هكذا قال الجمهور، والحديث في ذلك مروي في الصحيحين، وقال النخعي: نزلت في قوم أصابتهم جراح ثم أجنبوا، فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، وقيل بل في الأسلع بن شريكٍ بسبب الجنابة وكان الماء باردا.
[أسباب النزول مما يطلب تخريجه في هذا الواجب
وإذا تعددت أسباب النزول تُحرر المسألة بنفس طريقة تحرير المسائل الخلافية، ثم ينظر في طريقة الجمع بين الأقوال
وراجع مسألة تعدد أسباب النزول في مقدمة التفسير لابن تيمية رحمه الله.
وينبغي الفصل بين سبب نزول قوله تعالى: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} وقوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا}
]

=المعنى الإجمالي للآية:
ينهى الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين عن فعل الصّلاة في حال السّكر، الّذي لا يدري معه المصلّي ما يقول،
كما ينهاهم عن قربان محلّها -وهي المساجد-للجنب، إلّا أنّ يكون مجتازًا من بابٍ إلى بابٍ من غير مكثٍ
وقد كان هذا قبل تحريم الخمر، كما دلّ الحديث الذي فيه أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تلا قوله تعالى "يسألونك عن الخمر والميسر" على عمر، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فلمّا نزلت هذه الآية، تلاها عليه، فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا. فكانوا لا يشربون الخمر في أوقات الصّلوات فلمّا نزل قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 90، 91] فقال عمر: انتهينا، انتهينا.
[لو خصصت مسألة لبيان مقصد الآية باختصار فهو أولى]
=القراءات الواردة في الآية
--وردت أربع قراءات في "سكارى"
-فقرأت فرقة سكارى جمع سكران، [الضبط للتفريق، والأولى التركيز على الخلاف بين القراءات عند السبعة]
-وقرأت فرقة «سكرى» بفتح السين على مثال فعلى
-وقرأ الأعمش: «سكرى» بضم السين وسكون الكاف على مثال فعلى، وهي صفة لواحدة كحبلى.
-وقرأ النخعي «سكرى» بفتح السين.
قال أبو الفتح: هو تكسير سكران على سكارى، كما قالوا: روبى نياما وكقولهم: هلكى وميدى في جمع هالك ومائد، ويحتمل أن يكون صفة لمؤنثة واحدة، كأن المعنى وأنتم جماعة سكرى، وأما «سكرى» بضم السين فصفة لواحدة، كحبلى.

--ووردت قراءة أخرى في "جنبا"
فقد قرأت فرقة «جنبا» بإسكان النون،

--ووردت قراءة أخرى في "لامستم"
فقد قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم لامستم
وقرأ حمزة والكسائي «لمستم»

=مراتب تحريم الخمر:
وقع تحريم الخمر على مراتب:
-فالمرتبة الأولى:
أن الله بين أن فيها منافع وفيها مضار والضرر فيها أكبر من النفع وكان هذا محركا للنفوس للتخلي عنه لعظم ضررها كما في قوله تعالى "ويسألونك عن الخمر والميسر" الآية.
-المرتبة الثانية:
هذه الآية وفيها النهي عن الاقتراب من الصلاة حال السكر فكان هذا بمثابة تحريم للخمر في أوقات الصلوات.
ولذلك روي: أن الصحابة بعد هذه الآية كانوا يشربون ويقللون أثر الصبح وأثر العتمة، ولا تدخل عليهم صلاة إلا وهم صاحون
قال عبد الرّزّاق، عن معمرٍ عن قتادة: كانوا يجتنبون السّكر عند حضور الصّلوات ثمّ نسخ بتحريم الخمر.
-المرتبة الثالثة:
التحريم الكامل لقوله تعالى " في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} وسيأتي تفصيله قريباً.

=دعاء عمر أن يحرم الله الخمر
روى أن عمر بن الخطاب قال: اللهم إن الخمر تضرّ بالعقول وتذهب بالمال، فأنزل فيها أمرك، فنزل في سورة المائدة: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس}
وممن ذكره الزجاج في تفسيره،
[التخريج؟]
=من أدلة تحريم الخمر:
-أولا: أن الله نص على تحريم الإثم بقوله - عزّ وجلّ - {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}
والخمر من الإثم بل هي من أكبره كما قال تعالى : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
-ثانيها: إجماع الأمّة أن السّكر حرام.
[أكثر المسائل التي ذكرتها في تحريم الخمر إجمالا، الأولى جعلها في نهاية التلخيص لأنها لا تدخل في تفسير الآية بشكل مباشر، فقط تذكر أن هذه الآية جاءت في المرتبة الثانية من تحريم الخمر]
=المراد بقوله تعالى "لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ"
المراد عدم الصلاة حال السكر والعلة في ذلك لأن السكران لا يعلم ولا يتحكم فيما يقوله.
ولذلك قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وغيره: إن السكران لا يلزمه طلاقه، فأسقط عنه أحكام القول، لهذا، ولقول النبي عليه السلام للذي أقر بالزنى أسكران أنت؟ فمعناه: أنه لو كان سكران لم يلزمه الإقرار. وعلق عليه ابن عطية أنه يفرق بين ما كان حقا للمخلوقين فلا يسقط عنه التهمة، وأما ما كان حقا للخالق فإنه لا يلزمه الإقرار به.
[تفصيل المسألة
معنى النهي في قوله تعالى {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى}
علة النهي ]

=سبب السكر المذكور في الآية
-قيل إن سبب السكر النوم ذكره النحاس عن الضحاك وقد ذكره ابن عطية وضعفه وذكره ابن كثير.
وقوله الضحاك أخرجه بن جرير في تفسيره وابن أبي حاتم.
-وقيل إن السبب هو الخمر وهذا هو الصحيح ويدل عليه أن عمر بن الخطاب رحمه الله قال: أقيمت الصلاة فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقربن الصلاة سكران. وهو اختيار الطبري، وذكر ابن عطية أن هذا هو قول الجمهور.[أثر عمر رضي الله عنه مما يلزم تخريجه]
ويقوي هذا القول ما تقدم ذكره من أن السكران الذي لا يفهم الخطاب لا يتوجه له الخطاب؛ لأنه في حكم المجنون، وإنّما خوطب بالنّهي الثمل الذي يفهم التّكليف.

=المراد بالصلاة في الآية:
-قيل المراد بها الصلاة نفسها، وهذا هو الموافق لسبب النزول.
-وقيل إن المراد لا تقربوا موضع الصلاة [ذكر هذا الوجه الزجاج]
-وقالت طائفة: الصّلاة هنا المراد بها موضع الصلاة والصلاة معا، لأنهم كانوا حينئذ لا يأتون المسجد إلا للصلاة، ولا يصلون إلا مجتمعين، فكانا متلازمين .[ذكر هذا القول ابن عطية]

=قوله تعالى : { ولا جنبا }
قيل في المراد بالنهي هنا قولان:
-القول الأول:
أي ولا تقربوا الصلاة وأنتم جنب حتى تغتسلوا، إلا المسافر الذي لا يجد الماء
والدليل ما جاء عن عن عليٍّ: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ} قال: لا يقرب الصّلاة، إلّا أن يكون مسافرًا تصيبه الجنابة، فلا يجد الماء فيصلّي حتّى يجد الماء.
وهذا القول رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن المنهال عن زر بن حبيش عنه من طريقين، وذكر أنه مروي عن ابن عباس في إحدى الروايات وسعيد بن جبير والضحاك.
ورواه ابن جرير الطبري عن المنهال عن عباد بن عبد الله أو عن زر عن علي بنحوه
ورواه من طريق العوفي وأبي مجلز، عن ابن عبّاسٍ، فذكره. ورواه عن سعيد بن جبيرٍ وغيره.
ويستشهد لهذا القول بما جاء عن أبي ذرٍّ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "الصعيد الطّيّب طهور المسلم، وإن لم تجد الماء عشر حججٍ، فإذا وجدت الماء فأمسسه بشرتك فإنّ ذلك خير". رواه أحمد وأصحاب السنن من حديث أبي قلابة عن عمرو بن بجدان عنه.
-القول الثاني:
-قيل المعنى لا تدخلوا المسجد وأنتم جنب إلا عابري سبيل كما جاء عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ولا جنبًا إلا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} قال: لا تدخلوا المسجد وأنتم جنبٌ إلّا عابري سبيلٍ، قال: تمرّ به مرًّا ولا تجلس وروي عن جماعة
قول ابن عباس رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن عطاء بن يسار عنه.
وفي معنى الجنب الحائض والنفساء إن أمنت كل واحدة منهما التلويث حال المرور وإلا فلا، وقال بعضهم بالمنع، والقول الأول أحظى بالدليل لما ثبت في صحيح مسلمٍ عن عائشة، رضي اللّه عنها قالت: قال لي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ناوليني الخمرة من المسجد" فقلت: إنّي حائضٌ. فقال: "إنّ حيضتك ليست في يدك". وله عن أبي هريرة مثله ففيه دلالةٌ على جواز مرور الحائض في المسجد، والنّفساء في معناها واللّه أعلم. [تفصل هذه المسألة في مسألة منفصلة تحت عنوان المسائل الفقهية]
-الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم أن القول الثاني هو الأولى بأن تفسر به الآية، لأن المسافر سيأتي ذكره في الآية بعد ذلك، وعليه المراد هنا عبور المسجد فالمعنى ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، ولا تقربوها أيضًا جنبًا حتّى تغتسلوا، إلّا عابري سبيلٍ
وأما حال المسافر فستأتي في قوله بعد ذلك "وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ".
وهذا هو الذي اختاره ابن جرير الطبري بعد ذكر القولين وقال أنه الأولى، وقال ابن كثير في تفسيره عن اختيار الطبري: "وهذا الّذي نصره هو قول الجمهور، وهو الظّاهر من الآية" انتهى كلامه.

=معنى الجنابة
الجنب لغة: قيل من البعد أي صار بعيدا عن الظهر مجانبا له.
وأما شرعا: فهو غير الطاهر من إنزال أو مجاوزة ختان وهذا هو قول الجمهور.
وروي عن بعض الصحابة أنه من أنزل فقط.
[تقدم هذه المسألة على المسألة السابقة]
=معنى عابر السبيل
لغة: من العبور وهو الجواز. ومنه: عبرت السفينة النهر.
اصطلاحاً: قيل في المراد به في الآية قولان: [لا حاجة لقول اصطلاحًا هنا بل يكتفى بقول: (المراد بعابر السبيل في الآية)، لأن معناه عمومًا لا يدخل فيه المار بالمسجد]
أحدهما: أنه المسافر وهذا ذهب إليه جماعة منهم علي بن أبي طالب وابن عباس وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم.
والأخر: أن عابر السبيل هو الخاطر في المسجد وهو قول ابن عباس أيضا وابن مسعود وعكرمة والنخعي وغيرهم.
وتقدم تفصيلها قبل المسألة السابقة.

=قوله تعالى: "حتى تغتسلوا"
أي حتى تتطهروا من الجنابة بالاغتسال أو ما ينوب عنه كما سيأتي.
وقد ذهب الأئمة الثّلاثة: أبو حنيفة ومالك والشّافعي: أنه يحرم على الجنب المكث في المسجد حتى يغتسل أو يتيمّم، إن عدم الماء، أو لم يقدر على استعماله بطريقة.
وذهب الإمام أحمد إلى أنه متى توضأ الجنب جاز له المكث في المسجد، لما روى هو وسعيد بن منصور في سننه بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار: أنّ الصّحابة كانوا يفعلون ذلك قال:
رأيت رجالًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصّلاة، وهذا إسنادٌ صحيحٌ على شرط مسلمٍ، فاللّه أعلم.

=من يعجز عن الاغتسال فإنه يتيمم
-التيمم هو البديل لمن عُدِم الماء أو تضرر بطلبه أو كان يتضرر باستعماله، وسيأتي تفصيل الأنواع المذكورة في الآية ممن له التيمم.
-والدليل من السنة ما في الصّحيحين، من حديث عمران بن حصينٍ: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رأى رجلًا معتزلًا لم يصلّ في القوم، فقال: "يا فلان، ما منعك أن تصلّي مع القوم؟ ألست برجلٍ مسلمٍ؟ " قال: بلى يا رسول اللّه، ولكن أصابتني جنابةٌ ولا ماء. قال: "عليك بالصّعيد، فإنّه يكفيك".
-وهو من خصائص أمة محمد دون سائر الأمم، كما ثبت في الصّحيحين، عن جابر بن عبد اللّه، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أعطيت خمسًا لم يعطهنّ أحدٌ قبلي: نصرت بالرّعب مسيرة شهرٍ وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجلٍ من أمّتي أدركته الصلاة فليصل -وفي لفظ: فعنده طهوره مسجده-وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحدٍ قبلي، وأعطيت الشّفاعة، وكان النّبيّ يبعث إلى قومه وبعثت إلى النّاس عامّةً".
-وقد استنبط كثير من الفقهاء أنه لا يباح له التيمم إلا بعد طلب الماء لقوله تعالى "فلم تجدوا ماءَ" وذكروا كيفية طلبه في كتب الفقه.
[هنا أكثر من مسألة]
=معنى التيمم
-التيمم لغة: هو القصد. تقول العرب: تيمّمك اللّه بحفظه، أي: قصدك [ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير]
ومنه قول أعشى بني ثعلبة: [المتقارب]
تيمّمت قيسا وكم دونه = من الأرض من مهمه ذي شزن
-التيمم شرعا: هو استعمال تراب طهور في الوجه واليدين على صفة معلومة.
[تقدم هذه المسألة، وسبب النزول يقدم

=صفة التيمم شرعا:
-قد ورد فيها صفات
-فالصفة الأولى: ضربتان مع المسح للمرفقين:
أن يضرب بيديه ضربة واحدة فيمسح بهما جميعا وجهه، وكذلك يضرب ضربة واحدة، فيمسح بهما يديه [ذكرها الزجاج، وهو مذهب مالك في المدونة، والشافعي في الجديد ولكن جعل اليد إلى المرفق]،
-والصفة الثانية: ضربتان مع المسح إلى الكفين:
وهو قول الشافعي في القديم.
-والصفة الثالثة: أنه يكفي ضربة واحدة
والذي يظهر أنها قول الامام أحمد لأنه روى فيها حديث عمار وفيه أن الضربة واحده

وترتيب القرآن الوجه قبل اليدين وهو قول الجمهور ووقع في حديث عمار عند البخاري في بعض الطرق تقديم اليدين وبه قال بعض أهل العلم،
وقيل في حد اليد أن يمسحها للكوعين عملا بحديث عمار بن ياسر وقيل بل يمسح الذراع كله إلى المنكب وكل هذا راجع لتفسير اليد فالبعض عممها على الذراع والبعض توقف فيها إلى الكوعين قياسا على الوضوء وقطع يد السارق، وهو أولى لجامع الطهورية بينهم وهي حسية في الوضوء ومعنوية في السرقة وهو اختيار ابن كثير.

=معنى "صعيداً"
قيل في المراد به قولان:
أحدهما أنه التراب،
ومن قال به فسر الطيب بأنه المنبت من الأرض ولا يتجه هذا إلا بأن يكون التراب.
وثانيهما أنه وجه الأرض،
وهو قول الزجاج فلم يقيده بالتراب بل جعله عاما لكل ما كان على وجه الأرض سواء كان رملا أو حجارة أو معدنا أو سبخة أو غير ذلك وقال ابن كثير أن هذا هو قول مالك

ونشأ عن هذا الاختلاف أن المذاهب في الصعيد على أقوال ذكرها ابن عطية وخلاصة القول فيه أن يقال:
-إن الإجماع على أن يتيمم الرجل في تراب منبت طاهر غير منقول [وهذا القيد فيه خلاف في مذهب مالك] ولا مغصوب،
-وهو أيضا في المنع: من أن يتيمم الرجل على الذهب الصرف، أو الفضة والياقوت والزمرد، أو الأطعمة، كالخبز واللحم وغيرهما، أو على النجاسات-
-واختلف في غير هذا كالمعادن، فأجازه مالك ومنع منه الشافعي وكذلك الخلاف في غيره كالملح والثلج والزعفران والمسك وما طبخ كالخزف، والجدار، النبات، وغيرها.
وذكر ابن كثير أن قول مالك هو أن كل ما على وجه الأرض يباح التيمم به، وأما أبي حنيفة فذهب إلى أن يباح التيمم بالتراب وما كان من جنسه كالرمل والزرنيخ والنورة، وذهب أحمد والشافعي وأصحابهما إلى أنه التراب فقط.

=معنى "طيباً"
-قيل في معنى الطيب في الآية قولان:
-أحدهما أن الطيب: هو النظيف الطاهر، ولا يبالي أكان في الموضع تراب أم لا، لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره، ولو أن أرضا كانت كلها صخرا لا تراب عليها ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورا إذا مسح به وجهه. وهذا ما ذهب إليه مالك، وجعل الطيب بمعنى الطاهر [ذكره الزجاج ورجحه، وذكره ابن عطية في تفسيرهما]
ثم قال الزجاج معللا قوله : وإنما سمي صعيدا: لأنّها نهاية ما يصعد إليه من باطن الأرض، لا أعلم بين أهل اللغة اختلافا في أن الصعيد وجه الأرض. انتهى كلامه رحمه الله.
-والآخر: أن الطيب هو المنبت واستدل القائلين بهذا القول بقوله تعالى "والبلد الطيب يخرج نباته" والذي ينبت هو التراب

=الأسباب المبيحة للتيمم
-الأول: المريض
الدليل قوله تعالى في الآية "وإن كنتم مرضى"
ويروى أن: قوما غسلوا مجدرا فمات، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((قتلوه قتلهم اللّه، كان يجزيه التيمم)).
ومثله من يخاف الموت لبرد الماء وعلى هذا إجماع الأمة،
وقد قيل في المرض المبيح للتيمم قولان:
أحدهما: أنه الّذي يخاف معه من استعمال الماء فوات عضوٍ أو شينه أو تطويل البرء.
وثانيهما: ما ذهب إليه بعض العلماء من أن التيمم يباح بمجرد المرض لعموم الآية.
-والثاني: المسافر الذي لا يجد الماء
الدليل قوله تعالى في الآية "أو على سفر" وسبق بيان العلة في السفر وهو عوزه للماء غالبا.
وفي السفر المبيح للتيمم قولان:
أحدهما: أنه السفر المبيح للقصر،
والآخر: أنه السفر مطلقا [وقد ذكرهما ابن عطية، وقال ابن كثير أنه لا فرق فيه بين الطويل والقصير]
وقيل أيضا أنه يشترط ألا يكون سفر معصية وهذا القول ضعفه ابن عطية.
-الثالث: المحدث حدثا أصغر ولا يجد الماء
الدليل قوله تعالى " أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ "
-الثالث: المحدث حدثا أكبر ولا يجد الماء
الدليل قوله تعالى "أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء" على قول أن لامستم هنا مراد بها الجماع.

=الأسباب التي تبيح للمسافر التيمم
-إما عدمه جملة،
-وإما خوف فوات الرفيق بسبب طلبه،
-وإما خوف على الرحل بسبب طلبه،
-وإما خوف سباع أو إذاية عليه
ويجمع هذه الأسباب الأربعة أصلان جامعان:
أحدهما: عدم الماء.
والثاني: التضرر بطلبه.

=متى يتيمم المسافر؟
اختلف في وقت إيقاع التيمم من المسافر على ثلاثة أقوال:
-فقال الشافعي: في أول الوقت،
-وقال أبو حنيفة وغيره: في آخر الوقت،
-وفرق مالك بين اليائس والعالم الطامع بإدراكه في الوقت، والجاهل بأمره جملة فإن الأول لا يتيمم في أول الوقت ويتيمم الثاني. [وقد ذكرها ابن عطية]

=هل يلزم المسافر طلب الماء؟
قال إسحق بن راهويه:
-1-لا يلزم المسافر طلب الماء إلا بين يديه وحوله،
-2-وقالت طائفة: يخرج من طلبه الغلوتين ونحوهما،
-3-وفي مذهب مالك يمشي في طلبه ثلاثة أميال، وقال الشافعي: يمشي في طلبه ما لم يخف فوات رفيق أو فوات الوقت.
وقد ذكره عنه ابن عطية في تفسيره واستحسن قول الشافعي.

=من يأخذ حكم المسافر؟
-يأخذ حكمه المريض الذي يضره استعمال الماء أو يؤخر برأه.
-الحاضر الذي يعجز عنه لوجود ضرر يلحقه ومن صور الضرر:
الغلاء واختلف في قيمته فقيل إن زاد السعر عن الثلث فلا يلزمه شراءه، وقيل إن بلغ الدرهم درهمين وثلاثة ونحو ذلك وقيل إنه يلزمه ولو بماله كله وقد ضعف هذا القول ابن عطية وقال أنه يتعارض مع سماحة الدين ويسره، ثم قال أن الوجه عنده أنه "يشتري ما لم يؤذ غلاؤه"
ومنها: أن يسجن فيمنع من الماء

=ماذا يفعل الصحيح العاجز عن الماء والتيمم؟
فيه أربعة أقوال:
-1-فقال مالك وابن نافع: لا يصلي ولا يعيد،
-2-وقال ابن القاسم: يصلي ويعيد،
-3-وقال أشهب: يصلي ولا يعيد،
-4-وقال أصبغ: لا يصلي ويقضي،
وقد ذكر هذه الأقوال ابن عطية في تفسيره.

=ماذا يفعل من خاف فوات الوقت إن سعى لإحضار الماء
للإمام مالك فيها قولان كما في المدونة:
أحدهما: إنه يتيمم ولا يعيد،
والآخر:قال: إنه يعيد،[وهذا إذا كان الباقي من الوقت بقدر الوضوء وصلاة ركعة ]
وفي الواضحة وغيرها عنه: أنه يتناول الماء ويغتسل وإن طلعت الشمس.

=معنى "الغائط"
-لغة: أصل الغائط هو ما انخفض من الأرض.
-المراد به شرعا: قضاء الحاجة، فإنه في أصل الوضع كان للمكان المنخفض ثم استعملته العرب لقضاء الحاجة وكثر ذلك حتى صار عرفا.

= ما هي أسباب الحدث الأصغر؟
--اختلف في عد الأسباب ففي مذهب مالك أنها:
-الخارج المعتاد من السبيلين
-ما أذهب العقل.
-اللمس.
--وفي مذهب أبي حنيفة
-ما خرج من النجاسات من الجسد ولم يقصرها على السبيلين.
-وما أذهب العقل
ولم يعد اللمس فيها.
--وفي مذهب الشافعي
نفس مذهب مالك إلا أنه لم يشترط الاعتياد في الخارج من السبيلين.

قال ابن عطية:
والإجماع من الأحداث على تسعة، أربعة من الذكر، وهي البول والمني والودي والمذي، وواحد من فرج المرأة وهو دم الحيض، واثنان من الدبر، وهما الريح والغائط، وذهاب العقل كالجنون والإغماء والنوم الثقيل، فهذه تنقض الطهارة الصغرى إجماعا،
وغير ذلك كاللمس والدود يخرج من الدبر وما أشبهه مختلف فيه. انتهى كلامه.

=معنى قوله تعالى "أو لامستم النساء"
هي في اللغة تقع للمس الذي هو الجماع وتقع أيضا على لمس اليد والقبلة ونحوه لأنه في جميع ذلك يقع لمس
واختلف في المراد به في الآية هنا:
-فذهب مالك إلى أن اللفظة تعم الوجهين فمن جامع يتيمم ومن لامس باليد يتيمم، وهو يرى رحمه الله أن اللمس ينقض الوضوء إذا كان بلذة ولا ينقض لعدمها أو كان اللمس لأم أو لابنة، ويرى الشافعي عموم النقض باللمس لكل النساء.
-وقالت طائفة هي هنا مخصصة للمس باليد لا الجماع، والجنب لا ذكر له إلا مع الماء ولا سبيل له إلى التيمم فمتى وجد الماء اغتسل وإلا ترك الصلاة حتى يجده وقد روي هذا القول عن عمر وابن مسعود وغيرهما وذكره ابن عطية
-وقال أبو حنيفة هي مخصصة للمس الذي هو الجماع، وأن اللمس باليد لا ذكر له فليس بحدث، ولا هو ناقض للوضوء

والمروي في ذلك على وجهين
أحدهما: ما يكون تفسيره للمس هنا بأنه الجماع كالمروي عن ابن عباس ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والحسن، وعبيد بن عميرٍ، وسعيد بن جبيرٍ، والشّعبي، وقتادة، ومقاتل بن حيّان وكلها عند ابن أبي حاتم وابن جرير
وثانيهما: ما يكون تفسيره للمس هنا بأنه ما دون الجماع كالمروي
عن ابن مسعود قال: اللّمس ما دون الجماع. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير كلاهما عن طارق عنه.
وعنه أيضا: القبلة من المسّ، وفيها الوضوء. رواه ابن جرير عن إبراهيم عن أبي عبيدة -يعني ابن عبد الله بن مسعود- عنه.
وعن ابن عمر: أنه كان يتوضّأ من قبلة المرأة، ويرى فيها الوضوء، ويقول: هي من اللّماس. رواه ابن جرير في تفسيره عن نافع عنه. وراه عنه ابن أبي حاتم في تفسيره.

والراجح من القولين هنا:
ما ذهب إليه الطبري حيث قال: "وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى اللّه بقوله: {أو لامستم النّساء} الجماع دون غيره من معاني اللّمس، لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ، ثمّ قال: حدّثني بذلك إسماعيل بن موسى السّدّيّ قال: أخبرنا أبو بكر بن عيّاشٍ، عن الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابتٍ، عن عروة عن عائشة قالت: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتوضّأ ثمّ يقبّل، ثمّ يصلّي ولا يتوضّأ." انتهى كلامه.

=قوله تعالى: {إنّ اللّه كان عفوّا غفورا}
أي: يقبل منكم العفو ويغفر لكم، لأن قبوله التيمم تسهيل عليكم ومن عفوه عنكم وغفره لكم أن شرع التّيمّم، وأباح لكم فعل الصّلاة به إذا فقدتم الماء توسعةً عليكم ورخصةً لكم.

والله أعلم وصلى الله وسلم على عبده ونبيه محمد.
بارك الله فيكم وشكر لكم جهدكم
يُرجى التركيز على عدة أمور رئيسة وهي صياغة المسائل، وترتيبها، ثم عدم إجمال عدد من المسائل في مسألة واحدة فهذا يضيع عليك كثيرًا من مواطن التدبر وفهم الآية
- أما الصياغة فينبغي أن تنطلق من تفسير الآية، وكل ما دخل في بيان معاني الآية فهو من المسائل التفسيرية، وقد يكون تفسيري فقهي، تفسيري عقدي وغير ذلك، كما درست في المهارات المتقدمة
مثلا:
معنى " حتى " في قوله: {حتى تعلموا ما تقولون} ودلالتها، وفيها بيان حد السكران وذكره ابن كثير
مثال آخر.
قوله تعالى:{وإن كنتم مرضى أو على سفرٍ أو جاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النّساء فلم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيدًا طيّبًا}
مفهوم الشرط في الآية
فتبين من خلال الآية شروط إباحة التيمم
وفيها بيان سبب الحدث، وعدم الماء
ثم تذكر المراد بالمرض في الآية
المراد بالسفر
معنى الغائط والمراد به
معنى الملامسة والمرد بها
وهكذا ... وما أمكن أن يدخل من تفاصيل فقهية تحت هذه المسائل فليدخل وإلا فهو من المسائل الاستطرادية.
مثلا: حد عدم إيجاد الماء في قوله {فلم تجدوا ماء} فتذكر الخلاف في ذلك...


- أما الترتيب
فينبغي أن يكون ترتيب مسائلك ترتيبًا موضوعيًا مناسبًا لترتيب الألفاظ في الآية
وألا تكثر من المسائل الاستطرادية بين المسائل التفسيرية، حتى يتشتت القارئ فلا يميز مدى ارتباط المسائل بألفاظ الآية

التقويم: ب
بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, السادس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir