دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > عد الآي > ناظمة الزهر للشاطبي

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 1 شعبان 1432هـ/2-07-2011م, 10:24 PM
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 3,529
افتراضي باب في علم الفواصل والاصطلاحات وغيرها

باب في علم الفواصل والاصطلاحات وغيرها



وليست رؤوس الآي خافية على = ذكي بها يهتم في غالب الأمر
وما هن إلا في الطوال طوالها = وفى السور القصرى القصار على قدر
[معالم اليسر: 31]
وكل توال في الجميع قياسه = بآخر حرف أو بما قبله فادر
[معالم اليسر: 32]
وجاء بحرف المد الأكثر منهما = ولا فرق بين الياء والواو في السبر
[معالم اليسر: 34]
وها أنا بالتمثيل أرخى زمامه = لعلك تمطوها ذلولا بلا وعر
كما العالمين الدين بعد الرحيم نسـ = ـتعين عظيم يؤمنون بلا كدر
سجى والضحى ترضى فآوى وما ولد = كبد والبلد يولد مع الصمد البر
[معالم اليسر: 35]
وما بعد حرف المد فيه نظيره = على كلمة فهو الأخير بلا عسر
كما واتقى في الليل أقنى بنجمه = تدلى وذو المفعول يفصل بالجزر
[معالم اليسر: 36]
كأعطى بها والآي في كلمة فلا = ترى غير أقسام سوى التين في الحصر
وأول ما قبل المعارج والتكا = ثر اعلم وفى الرحمن مع آية الخضر
[معالم اليسر: 39]
فهذا به حل الفواصل حاصل = وفيما سواه النص يأتيك بالفسر
[معالم اليسر: 40]
وإشكالها تجلوه أشكالها فكن = بتمييزها طباً لعلك أن تبري
[معالم اليسر: 41]
وما بين أشكال التناسب فاصل = سوى نادر يلفى تماما كما البدر
[معالم اليسر: 42]
والآية من معنى الجماعة أو من الـ = ـعلامة مبناها على خير ما جدر
[معالم اليسر: 43]
فإما حروف في جماعتها غنى = وإما حروف في دلالة من يقري
[معالم اليسر: 44]
وقد يجمع الأمرين في سلك أمرها = على سنة السلاك في صحة الفكر
[معالم اليسر: 45]
وقد ينبت الأصلان من كلماتها = فروع هدايات قوارع للبدر
[معالم اليسر: 46]
كما آية الكرسي إلى ذات دينها = إلى أخرييها مع صواحبها القمر
ومنها ولما جاء موسى ورأسها = هو المؤمنين انظر الاعراف واستمر
[معالم اليسر: 47]
فإن قيل كيف الخلف في عدها جرى = لدى خلف التعديد بين أولى الحجر
فقيل إلى الأصلين رد اجتهادهم = لإدلالهم بالطبع في الورد والصدر
[معالم اليسر: 51]
ومن بعدهم كل عليهم وإنما = يحاذ لهم بالفهم عنهم صدى الفجر
أولئك أرباب البلاغة والنهى = ومن حضر التنزيل يتلوه بالنجر
[معالم اليسر: 52]
وفى خائفين اعتل الاعمش بالتي = قرا خيفا وهو اجتهاد بلانكر
[معالم اليسر: 54]
وما يمنع التوقيف فيه اختلافه = إذا قيل بالأصلين تأويل مستبري
[معالم اليسر: 55]
وقد ينظم الشكلان في العد بينها = وقد تركا فاتل القتال لكي تدري
[معالم اليسر: 57]
وخذ بعلامات في الأسماء علمهم = لمك بحجر والمديني بالقطر
وقل فيهما صدر ونحر سواهما = وخذ فيهما مع صحبة الشام بالكثر
ومك مع الكوفي مثر وكيفما = جرين فهن القصد عن عرف او نكر
[معالم اليسر: 58]
وعد أبي جاد به بعد الاسم من = أولئك خذ والواو تفصل في الإثر
[معالم اليسر: 60]
وما قبل أخرى الذكر أو بعده لمن = تركت اسمه في البضع فابضع بما يبري
[معالم اليسر: 61]
وفي الرعد للشامي زهر مداده = ثلاث عن الكوفي والاربع للصدر
[معالم اليسر: 62]
وسميت أهل العد فى آي خلفهم = بسنتها الأولى ورتبت ما أجري
جعلت المدينى أولا ثم آ خرا = ومك إلى شام وكوف إلى بصري
[معالم اليسر: 63]

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 9 ربيع الثاني 1433هـ/2-03-2012م, 11:49 AM
نهال بنت القاضي نهال بنت القاضي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 878
افتراضي شرح ناظمة الزهر في علم الفواصل للشيخ عبد الفتاح القاضي

باب في علم الفواصل والاصطلاحات وغيرها
وليست رءوس الآي خافية علي
ذكى بها يهتم في غالب الأمر

اللغة: الباب لغة ما يتوصل به من داخل إلى خارج وعكسه. واصطلاحًا جملة من العلم مشتملة على مسائل وفصول غالبًا. والعلم هنا المعرفة. والفواصل جمع فاصلة. وهي آخر كلمة في الآية. وسيأتي بيان معنى الآية {كالعالمين} {الدين} {بصيرا} ... وهي مرادفة لرأس الآية وهي بمثابة القافية التي هي آخر كلمة في البيت ومقطع الفقرة المقرون بمثلها في السجع. والاصطلاحات جمع اصطلاح والمقصود به ما وضعه الناظم من الرموز والكلمات لبيان أسماء العادين وعدد السور، وقوله وغيرها دخل فيه بيان ما اصطلح عليه علماء هذا الفن من بيان معنى الآية إلى غير ذلك. والذكي من الذكاء وهو حدة الذهن وسرعة الإدراك. والأمر الشأن.
الإعراب: «وليست رءوس الآي خافية». ليس واسمها وخبرها «على ذكي» متعلق الخبر، «بها» متعلق بالفعل بعدها. وجملة «يهتم» صفة لذكي. «في غالب الأمر» متعلق بـ «يهتم».
المعنى: بني المصنف في هذا البيت أن رءوس الآي يعني مقاطع الآيات وأواخرها وهي الفواصل ليست معرفتها خفية على ذي ذهن حاد يهتم بمعرفتها في غالب أحواله، إن الاهتمام بمعرفة أواخر الآيات ومزاولة ذلك يعينه على سرعة تمييزها وتبينها. وهذا البيت تمهيد لمعرفة الطرق التي بها تعرف الفواصل وهي أربعة:
الأول: مساواة الآية لما قبلها وما بعدها طولا وقصرًا.
الثاني: مشاكلة الفاصلة لغيرها مما هو معها في السورة في الحرف الأخير منها أو فيما قبله.
الثالث: الاتفاق على عد نظائرها.
الرابع: انقطاع الكلام عندها وسيتكفل المصنف بشرح هذه الطرق كلها في الأبيات الآتية:
وما هن إلا في الطوال طوالها
وفي السور القصرى القصار على قدر

اللغة: الطوال بكسر الطاء جمع طويلة. القصار بكسر القاف جمع قصيرة، القصرى بضم القاف مؤنث أقصر أفعل تفضيل في القصر. القدر المقدار المتساوي.
[معالم اليسر: 31]
الإعراب: «وما هن ... الخ» ما: نافية. «هن» مبتدأ وهو ارجع إلى الآي في البيت قبله. «الطوال» خبر مقدم «وفي السور القصرى القصار» جملة اسمية مقدمة الخبر، والجملتان المتعاطفتان خبر للمبتدأ الأول. «الطوال» صفة لمحذوف أي السور الطوال. والضمير في طوالها يعود على الآي و«ال» في «القصار» عوض عن المضاف إليه أي قصارها «على قدر» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور في قوله «في الطوال وفي القصرى».
المعنى: أخبر بأنه ما تجيء الآيات الطوال إلا في السور الطوال حال كونهن على مقدار متساو مع السور التي هي فيها، فتكون الآية في طولها مناسبة لطول السورة التي هي فيها، وكذا يقال في القصيرة، ولذا لم يعدوا {أفغير دين الله يبغون} {إنما يستجيب الذين يسمعون} {فدلاهما بغرور} وهكذا لعدم مساواة هذه الكلمات للسور التي فيها، وعدوا «ثم نظر» في سورة المدثر لمساواتها لسورتها قصرًا. ولا تجيء الآيات القصار إلا في أقصر السور حال كونهن على مقدار متساو كذلك، وبهذا يعلم أن المساواة أي مساواة الآية لما قبلها وما بعدها في الطول والقصر طريق من طرق معرفة الفواصل، وذلك لأنه لما تتبع العلماء الآيات لم تجيء إلا في السور الطوال على مقدار متساو وكذلك لم تجيء القصار إلا في أقصر السور – استنبطوا من ذلك أصلاً لمعرفة الفاصلة وهي مساواتها لما قبلها وما بعدها في الطول والقصر. فدل الناظم بهذا البيت على طريق هذا الأصل. بقي أن هذا الحكم الثابت الاستقراء أغلبي لا كلي فلا منافاة بين هذا البيت وبين ما سبق في قوله «وما تأت آيات الطوال ... الخ» فالذي دل عليه ما هنا أن الغالب أن آيات الطول طويلة وآيات القصار قصيرة وقد يكون الأمر على خلاف ذلك تبعًا للتوقيف كما في البيت السابق.
وكل توال في الجميع قياسه
بآخر حرف أو بما قبله فادر

[معالم اليسر: 32]
اللغة: التوالي مصدر بمعنى التتابع.
الإعراب: «وكل» مبتدأ. توال مضاف إليه «في الجميع» متعلق بمحذوف صفة لتوال «قياسه مبتدأ ثاني. بآخر حرف» خبره، والجملة خبر الأول، أو بما قبله متعلق بما تعلق به الخبر والفاء في «فادر» فصيحة «وادر» أمر من الدراية بمعنى العلم والمعرفة.
المعنى: وكل فاصلة ذات توال وتتابع لغيرها فقياسها يكون بآخر حرف فيها إن لم يكن ما قبل الآخر حرف مد أما إذا كان ما قبل الأخير فيها حرف مد فقياسها يكون بما قبل الآخر وهذا إشارة إلى طريق ثان من طرق معرفة الفواصل وحاصله أن كل آية جاءت في القرآن فإنما تعتبر فاصلتها بآخر حرف فيها بحيث تكون مشاكلة لما قبلها وما بعدها في ذلك الحرف الأخير وهذا إذا لم يكن قبل هذا الحرف الأخير منها حرف مد نحو {الله أحد. الله الصمد} ونحو {بصيرا} {سبيلا} فإذا كان ما قبل الحرف الأخير منها حرف مد نحو «يؤمنون. عظيم. مآب. الأنهار» فإن العبرة تكون بالمشاكلة فيه مع اعتبار المساواة في الزنة أيضًا. فإن كانت الفاصلة مبنية في السورة على الحرف الأخير بأن لم يكن ما قبل الحرف الأخير حرف مد ثم وقع في أثناء السورة كلمة قبل الحرف الأخير فيها حرف مد لا تعتبر تلك الكلمة. ولهذا لم يعتبر قوله تعالى في سورة النساء {ولا الملائكة المقربون} فاصلة وكذا {لتبشر به المتقين} في سورة مريم وأيضًا:
{وعنت الوجوه للحي القيوم} بطه لعدم مشاكلة تلك الكلمات للفواصل التي قبلها والتي بعدها ولا بدمع ذلك من اعتبار المساواة في الوزن ولهذا لم يعدوا ضمن الفواصل قوله تعالى في سورة إبراهيم {دائبين} مع مشاكلتها لما قبلها وما بعدها في البنية إذ كل منها مبني على حرف لين وهو «خلال» «كفار» لمخالفتها لهما في الوزن فإن دائبين على وزن فاعلين، وخلال على وزن «فعال» وكفار على وزن «فعال»، وكذا لم يعدوا في سورة الإسراء ...{وصما} وفي الكهف {مراء ظاهرا} وفي مريم {واشتعل الرأس شيبا} {ويزيد الله الذين اهتدوا
[معالم اليسر: 33]
هدى} لمخالفتهن لأخوانهن في الزنة وهذا كله حيث لم يرد نص فإن ورد النص اتبع ولو لم توجد تلك المشاكلة في البنية أو الوزن كما في {أنعمت عليهم} عند من قال إنه فاصلة، ومثل {ذلك أدنى ألا تعولوا} في سورة النساء ومثل {فغشيهم من اليم ما غشيهم} في سورة طه.
وجاء بحرف المد الأكثر منهما
ولا فرق بين الواو والياء في السبر

اللغة: السبر بتفح السين المشددة وسكون الباء الموحدة معناه هنا الأصل والمقصود بهذا الأصل التناسب الذي الكلام فيه، والنسخ التي بين أيدينا بالياء وهو تصحيف.
الإعراب: الأكثر فاعل جاء بحرف المد متعلق بالفعل قبله. منهما حال من الفاعل ولا فرق لا نافية للجنس وفرق اسمها وبين الواو والياء متعلق بمحذوف خر لا وفي السبر متعلق بما تعلق به الخبر.
المعنى: أنه وقع في القرآن الكريم اعتبار الفاصلة بحرف المد الواقع قبل الحرف الأخير ووقع اعتبارها بحرف المد الواقع آخرًا كذلك كما في سورة النساء والإسراء وطه وهكذا وأن هذين أكثر ما وقع من القسمين السابقين، ومن غير الأكثر بالنسبة إلى الآخر ما ليس حرف مد كما في سورة القمر والبلد وبالنسبة إلى ما قبل الآخر وليس ما قبله حرف مد كما في سورة القتال مثل {أعمالهم} أخباكم، وهكذا وعليه تكون الأقسام أربعة وأكثرها وقوعا ما كان بحرف المد سواء كان في الآخر أو فيما قبله وهذا معنى قوله وجاء بحرف المد الخ. وحكمة كثرة وقوع هذا القسم في القرآن الكريم أن حرف المد أدعى إلى التطريب ومد الصوت، وقوله ولا فرق الخ معناه أنه إذا وقعت فاصلة وكان قبل الحرف الأخير منها ياء فإنها تناسب الفاصلة التي قبل الحرف الأخير منها واو لأن كلا منهما حرف لين وذلك نحو المتقين. المفلحون. وإذا لم يكن ثم فرق بين الياء والواو لأن كلاً منهما حرف لين فلا فرق بينهما وبين الألف لأنها مثلهما بل هي أولى لأنها لا تخرج عن ذلك، ولعل المصنف ترك التنبيه عليها لأصالتها في ذلك كما في آل عمران. {وهم لا يظلمون. إنك على كل شيء قدير. وترزق من تشاء بغير حساب}
[معالم اليسر: 34]
وها أنا بالتمثيل أوخى زمامه
لعلك تمطوها ذلولا بلا وعر

كما العالمين الدين بعد الرحيم نستعين
عظيم يؤمنون بلا كدر

سجى والضحى ترضى فآوى وما واد
كبد والبلد يولد مع الصمد البر

اللغة: أرخى الستر أو غيره أرسله وزمام الدابة الحبل الذي تقاد به ومطى الدابة وامتطاها ركبها وعلاها والذلول السهلة الانقياد والوعر الصعب ضد السهل بلا كدر مصدر كدر الماء مثلث الدال كدارة وكدرًا ضد صفا وسكن هنا لضرورة النظم.
الإعراب: ما للتنبيه. أنا أرخى جملة اسمية وبالتمثيل متعلق الخبر وزمامه مفعول أرخى والضمير في زمامه يعود على الأصل السابق وهو اعتبار الفاصلة بآخر حرف منها إن لم يكن قبلها حرف مد أو بما قبل الآخر إن كان حرف مد ولعلك تمطوها لعل واسمها وخبرها والضمير في تمطوها يعود على الأصل السابق وأنثه باعتبار كونه قاعدة وذلولا حال م الضمير المفعول وبلا وعر حال منه أيضًا والكاف في كما العالمين حرف جر وما زائدة والعالمين مجرور بالكاف والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي وأمثلة ذلك كالعالمين والدين وما بعده عطف على العالمين بإسقاط العاطف وبعد الرحيم حال من الدين قوله بلا كدر حال من الخبر والقدير وأمثلة ذلك كالعالمين وما عطف عليه حال كون هذه الأمثلة صافية لا كدورة فيها وعنى بهذا الصفاء وضوحها فهي كالمرآة تجلي القاعدة أتم جلاء وقوله سجى الخ عطف على العالمين بإسقاط العاطف والبر صفة الصمد.
المعنى: لما بين المصنف أن تناسب الفاصلة يعبر بآخر حرف منها أو بما قبل الآخر وكان هذا يحتاج إلى توضيح بضرب أمثلة للقسمين تكشف عن هذه القاعدة لتتمكن في الذهن ويمكن تطبيقها على سائر الجزئيات قال: وها أنا أكشف لك بذكر أمثلة من القرآن للقسمين للتمكن من هذه القاعدة ويسهل عليك تطبيقها على سائر جزئياتها في جميع القرآن من غير صعوبة وعسر فهذا مراده بقوله وها أنا بالتمثيل الخ ففي الكلام استعارة تمثيلية مركبة بتشبيه الصورة الحاصلة من ذكر القاعدة ممثلة وإيضاحها للسامع بذكر أمثلتها وفهمه لها
[معالم اليسر: 35]
وسهولة تطبيقها بحال رجل يقدم دابة لغيره ويعطيه زمامها في يده ليركبها ويسهل عليه قيادها إلى مقصده واستعار المركب الدال على المشبه به للمشبه على طريق التمثيل ثم شرع في الوفاء بما وعد من بيان أمثلة القسمين وبدأ بالقسم الأكثر وقوعًا في القرآن وهو التناسب فيما قبل الآخر فقال كما العالمين الخ فكل ما في البيت يعتبر فيه التناسب بحرف المد الذي قبل آخره واعتبرت الواو في يؤمنون مشاكلة لقوله عظيم لكونهما حرفي لين ثم ثنى بأمثلة القسم الثاني وهو الذي يعتبر تناسبه بالحرف الأخير سواء كان ألفًا أو غيرها فقال سجى الخ يعني قوله تعالى والضحى والليل إذا سجى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى وأشار بقوله وما ولد أخل إلى قوله تعالى لا أقسم بهذا البلد إلى لقد خلقنا الإنسان في كبد وقوله تعالى في سورة الإخلاص الله الصمد لم يلد ولم يولد فهذه كلها فواصل يعتبر فيها التناسب بالحرف الأخير وهو غير ألف وأعلم أن فواصل السور قد تكون على ضرب واحد من التشاكل بأن يكون الاعتبار فيها بما قبل الآخر ويكون حرف المد فيها ياء فقط كفواصل سورة الفاتحة أو ألفًا فقط كسورة الرحمن. ولم يأت على الواو فقط. وأشار المصنف إلى هذا النوع بقوله «كما العالمين» «إلى قوله نستعين» وقد يكون على ضربين كياء وواو أو على ثلاثة كهذين والألف. كفواصل سورة البقرة. وإلى ذلك أشار بقوله عظيم يؤمنون.
وكذلك الذي يعتبر فيه التناسب بالحرف الأخير منها قد يجيء على حرف واحد في جميع السورة كسورة الإخلاص. وقد يكون على عدة أحرف كفواصل الضحى، وقد يكون على أضرب مختلفة في التشاكل بأن يكون بعضه معتبرًا بالحرف الأخير منه. وبعضه بما قبل الآخر كما في فواصل البلد ففيها كبد والنجدين والمرحمة. ولبدأ. وإلى ذلك كله أشار المصنف في البيت الثالث.
وما بعد حرف المد فيه نظيره
على كلمة فهو الأخير بلا عسر

كما وأتقى في الليل أقنى بنجمه
تدلى وذو المفعول يفصل بالجزر

[معالم اليسر: 36]
اللغة: العسر ضد اليسر. يفصل من الفصل بمعنى القضاء والحكم والجزر بالجيم والزاي القطع.
الإعراب: ما مبتدأ واقعة على اللفظ. وبعد حرف المد متعلق بمحذوف صلة ما وبعد مضاف إلى حرف المد بتقدير مضاف أي واللفظ الذي وقع بعد اللفظ ذي حرف المد. وجملة فيه نظيره اسمية مقدمة الخبر وهي حال من ضمير الصلة وضمير فيه يعود على ما وضميره نظيريه بعود على حرف المد. وقوله على كلمة متعلق بمحذوف حال من ضمير الصلة. وقوله فهو الأخير الفاء فيه زائدة في جملة الخبر لشبه المبتدأ بالشرط في العموم. والضمير – فهو – عائد على ما والأخير بمعنى الآخر وأل عوض عن المضاف إليه أي آخر الآية أي رأسها وفاصلتها. وقوله بلا عسر جار ومجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك الحكم ثابت بلا عسر ولا صعوبة والكاف جارة وما زائدة واتقى مجرور بما والجار والمجرور متعلق بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف أي وذلك كائن كواتقي. وقوله في الليل حال من اتقى. وأقنى معطوف على أتقى بحذف العاطف. ينجمه حال من أقنى. وضمير بنجمه عائد على الليل. والإضافة لأدنى ملابسة. والتذكير باعتبار لفظ الليل ويحتمل عوده على القرآن. وقوله تدلي عطف على اتقى كذلك وذو المفعول يفصل جملة اسمية. وبالجزر متعلق بيفصل.
المعنى: هذا بيان لقاعدة تعرف بها الفاصلة وحاصلها أن كل كلمة مشتملة على حرف المد وقعت بعد كلمة أخرى مشتعلة على حرف مد كذلك وصلح كل منهما لأن يكون فاصلة فالفاصلة هي الثانية سواء اعتبرت الفاصلة بما قبل الآخر نحو عليم حكيم. أم بالآخر نحو أعطى واتقى. دنا فتدلى. وسواء كان هناك مفعول يفصل بين الكلمتين المتشاكلتين أم لا. ومثال ما يفصل بينهما المفعول – لا يعقلون شيئا ولا يهتدون وهذا بالنسبة لما اعتبرت فيه الفاصلة بما قبل الآخر. ومثال ما اعتبرت فيه بالآخر {وأعطى قليلا وأكدى} وهذا معنى قوله في أول البيت الآتي «كأعطى بها» أي بالنجم. وإنما اعتبرت الثانية دون
[معالم اليسر: 37]
الأولى لأنه يلزم من اعتبار الأولى معها عدم المساواة وانقطاع الكلام قبل تمامه وكلاهما محظور لا يصار إليه في القياس.
وإنما اعتبر في تلك القاعدة اشتمال الكلمة على حرف مد مع جريانها فيما لم تشتمل على حرف المد نحو {والله يعلم متقلبكم ومثواكم} لاطرادها في المشتملة على حرف المد دون غيرها فقد اختلف في قوله تعالى {لم يلد} أهو فاصلة أم لا. وقيد القاعدة بكون الكلمة الثانية على كلمة احترازًا مما زاد عن كلمة فإنها قد تعتبر الأولى فاصلة مع اعتبار الثانية كذلك نحو {أم لم ينبأ بما في صحف موسى. وإبراهيم الذلاي وفى} وهذا البيت من تتمة شرح الطريق السابق. وهو اعتبار الفاصلة بآخر حرف منها أو بما قبل الآخر فقد بين في هذا الأصل أننا نعتبر في التشاكل والتناسب بآخر حرف أو بما قبل الآخر فهذه القاعدة المذكورة في هذا البيت تقييد لهذا الأصل واستثناء منه كأنه قال كل كلمتين متناسبتين في الآخر أو فيما قبله فكل منها فاصلة إلا إذا وقعت كلمة مشتملة على حرف مد ووقع بعدها نظيرها من غير فاصل ما أو فصل بينهما المفعول فالفاصلة هي الثانية لا الأولى وقوله «كما واتقى» أمثلة لما اعتبرت فيه الفاصلة بالآخر وقد عرفت أمثلة ما اعتبرت فيه الفاصلة بما قبل الآخر يعني مثال الكلمتين المشتملتين على حرف مد وصلح كل منهما بأن يكون فاصلة وقيست فاصلته بآخر حرف منها قوله تعالى: {فأما من أعطى واتقى} في الليل فالفاصلة هي واتقى لا أعطى. وقوله تعالى في النجم {وأنه هو أغنى وأقنى} فالفاصلة هي أقنى وكذلك، {ثم دنا فتدلى} فالفاصلة تدلى وهي أمثلة لما لم يقع بين الكلمتين فاصل. وقوله «وذو المفعول يفصل بالجزر» معناه أن أول اللفظين المشتملين على حرف المد إذا كان له. مفعول في الكلام فهو أولى أن لا يعد فاصلة بل الفاصلة اللفظ الثاني لظهور شدة تعلقه بالمفعول وطلبه له فقول يفصل بالجزر يحتمل أ، يكون مبنيًا للفاعل ومعناه وصاحب المفعول يقضي وحيكم بقطعه عن الفواصل لشدة طلبه لمفعوله، ويحتمل أن يكون مبنيًا للمفعول ومعناه وصاحب المفعول يقضي فيه بقطعه عن الفواصل لشدة طلبه لمفعوله.
[معالم اليسر: 38]
كأعطى بها – والآي في كلمة فلا
ترى غير أقسام سوى التين في الحصر

وأول ما قبل المعارج والنكا
ثر اعلم وفي الرحمن مع آية الخضر

اللغة: أقسام جمع قسم. والحصر مصدر من حصر الشيء إذا استوعبه. فيكون المعنى سوى التين في الاستيعاب أي في استقراء وتتبع جميع الأقسام التي في القرآن.
الإعراب:كأعطى بها. خبر لمحذوف وهو من تتمة البيت السابق وقد عرفت معناه وبها حال من أعطى والضمير لسورة النجم. والآي مبتدأ وجملة فلا ترى خبره بزيادة الفاء وترى مضارع مبني للمجهول وهو من الرؤية بمعنى العلم. ونائب الفاعل هو المفعول الأول وفي كلمة هو المفعول الثاني وفي بمعنى على. وقوله غير أقسام «حال من كلمة» وسوغ مجيء الحال منها مع كونها نكرة وقوعها في سياق النفي – وسوى استثناء من أقسام والتين مضاف إليه، وفي الحصر متعلق بترى والتقدير لا ترى الآية في حال استيعاب أي القرآن وجمعها مبنية على كلمة حال كونها غير مقسم بها سوى التين، وأول بالجر عطف على أقسام وما قبل المعارج موصول وصلته والتكاثر عطف على المعارج وجملة أعلم معترضة، وفي الرحمن معطوف على قبل الواقع صلة لما أي وأول ما في سورة الرحمن أي أول كلمة فيها وهي قوله تعالى {الرحمن} ومع آية الخضر حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور في الرحمن.
المعنى: بين المصنف في هذا البيت قاعدة أخرى وهي أن الآية القرآنية لا تجيء على كلمة واحدة في أوائل سورها بشرط أن تكون مشاكلة لفواصل تلك السورة فإنها حينئذ تكون على كلمة نحو. والطور. والضحى. والفجر. والعصر. وخرج بشرط المشاكلة ما لو كانت مقسما بها في أوائل السور مع انتفاء المشاكلة فلا تكون الآية على كلمة نحو. والمرسلات. والشمس. والليل. والنازعات. والذاريات. وقوله سوى التين استثناء من هذا المستثنى يعني أن قوله تعالى والتين كلمة مقسم
[معالم اليسر: 39]
بها وقعت في أول سورتها ولم تعد آية مستقلة مع وجود المشاكلة بل اعتبرت الفاصلة هي الثانية وهي {والزيتون} لدخولها في قاعدة قوله، وما بعد حرف المد الخ واستثنى أيضًا من عموم قولنا أن الآية لا تكون على كلمة واحدة أيضًا قوله تعالى {الحاقة} وقوله تعالى {القارعة} وهذا هو المراد بقوله وأول ما قبل المعارج والتكاثر – أي وأول ما قبل التكاثر وهو القارعة وأول كلمة في سورة الرحمن وهي قوله تعالى {الرحمن} وكذلك قوله تعالى {مدهامتان} في تلك السورة وهي المرادة بقوله «آية الخضر» وإنما أطلق عليها آية الخضر لأن معنى مدهامتان مخضرتان فجميع ما تقدم آيات مستقلات وهي على كلمة واحدة فالحاصل أن الآية لا تكون على كلمة واحدة في أوائل السور إلا إذا كان مقسما بها وفي أول الحاقة وأول القارعة. وأول الرحمن. ولا تكون على كلمة واحدة في أثناء السورة إلا في قوله تعالى: {مدهامتان} واستثنى من المقسم به في الأوائل كلمة والتين فإنها لم تعد آية بالاتفاق. وكأن هذه القاعدة ثابتة بالاستقراء والتتبع لآي القرآن وإلى ذلك الإشارة بقوله في الحصر وتصلح هذه القاعدة لتعليل القاعدة السابقة في البيت السابق، يعني أننا نعتبر قوله تعالى «وأقنى هو الفاصلة» ولا نعتبر معها أغنى لما يلزم على ذلك من وقوع الآية على كلمة واحدة وهي لا تقع كذلك إلا فيما تقدم. بقى أنه قد جاءت الآية على كلمة في الفواتح عند الكوفي. ولعل المصنف رحمه الله تعالى تركه إما لعدم الاتفاق عليه وإما لأنه سبق التنبيه عليه في قوله: «وما بدوه حرف التهجي الخ وقوله وما تأتي آيات الطوال وغيرها الخ».
فهذا به حل الفواصل حاصل
وفيما سواه النص يأتيك بالفسر

اللغة: الفسر بفتح الفاء وسكون السين الكشف والبيان وهو مصدر فسر من باب ضرب.
الإعراب: الفاء للتفريع أو الفصيحة. وهذا مبتدأ أول وهو عائد على ما سبق من القواعد وذكر وأفرد باعتبار المذكور «حل الفواصل حاصل» جملة اسمية خبر المبتدأ الأول وبه متعلق بحاصل وباؤه السببية أو الاستعانة، وفيما سواه
[معالم اليسر: 40]
الجار والمجرور فيه متعلق بيأتيك وما موصول وسواه صلته، والضمير فيه يعود على ما تقدم من القواعد وذكر باعتبار المذكور والنص مبتدأ وجملة يأتيك خبره، وبالفسر متعلق بالفعل قبله أو متعلق بمحذوف حال من فاعل يأتيك والباء للملابسة.
المعنى: فهذا أي ما ذكرت لك من القواعد حل مشكلات الفواصل حاصل به. فإن وافقت الفاصلة القواعد السابقة وأمكن تطبيق تلك القواعد عليها فذاك وإن خالفتها بورود النص بها فسيأتيك في سورها ومحالها التنصيص عليها بالكشف والبيان. نحو {أنعمت عليهم} في الفاتحة {ذلك أدنى ألا تعولوا} في النساء فإنهما مخالفتان لغيرهما من فواصل سورهما ولكن ورد بهما النص. فالتزم المصنف بيان هذا النوع في سوره ومحاله، وقد سبق لنا التنبيه على بيان ما التزم الناظم بيانه من الفواصل المعدودة وأشباهها فارجع إليه إن شئت.
وإشكالها تجلوه أشكالها فكن
بتمييزها طبا لعلك أن تبرى

اللغة: الإشكال بكسر الهمزة مصدر أشكل الأمر إذا التبس، والأشكال بفتحها جمع شكل بمعنى المثل والشبه وجلا الشيء يجلوه إذا أوضحه وكشف معناه والطب بفتح الطاء هو الماهر الحاذق في عمله، وتبرى مضارع أبرأه، يقال أبرأه الله من المرض إذا أ.اله عنه وهو مخفف بإبدال الهمزة ياء وسكن للروى.
الإعراب: وإشكالها مبتدأ وجملة تجلوه أشكالها خبره والضمير المضاف إليه في إشكال وأشكال يعود على الفاصلة، والضمير المنصوب في تجلو يعود على المبتدأ والفاء في فكن فصيحة وطبا خبر كن وبتمييزها متعلق به. «لعلك أن تبرى» جملة رجائية.
المعنى: هذا تقرير لما سبق من أن القواعد السابقة يترتب عليها حل مشكلات الفواصل فقرر هذا المعنى بأن الالتباس الذي قد يعرض للكلمة أهي فاصلة أم لا يزيله ويرفعه ويجليه أتم جلاء أمثال تلك الكلمة فإذا كانت مشاكلة لما هي فاصلة عرف أنها فاصلة ما لم يرد نص يخالف ذلك، وفي هذا التقرير تنبيه على
[معالم اليسر: 41]
الاهتمام بهذه القاعدة، والتمرين عليها، ولهذا قال فكن طبا بتمييزها أي ماهرًا حاذقًا بتطبيق تلك القاعدة قاعدة المشاكلة ليظهر لك ما هو فاصلة وما لم يكن كذلك مما لم يرد فيه نص، لعلك أن تبرىء نفسك وغيرك من الشبه التي تتعلق بالفاصلة، ومن الجهل بالآي ورءوسها والله أعلم.
وما بين أشكال التناسب فاصل
سوى نادر يلفي تمامًا كما البدر

اللغة: الأشكال جمع شكل وهو المثل والنظير «فاصل» حاجز من الفصل وهو الحجز بين الشيئين «يلفى» يوجد «تمامًا» تامًا والبدر القمر ليلة تمامه.
الإعراب: ما نافية. وبين أشكال التناسب خبر مقدم للمبتدأ المؤخر وهو فاصل. وإضافة أشكال إلى التناسب من إضافة الموصوف إلى صفته وهو وصف بالمصدر إما بتقدير مضاف أو بتأويله بالمشتق أي بين الأشكال ذوات التناسب أو الأشكال المتناسبة، وسوى بدل من فصال ونادر مضاف إليه وجملة يلفي صفة لنادر. وتماما بمعنى تام مفعول ثان ليلفي كما البدر. ما زائدة، والجار والمجرور متعلق بمحذوف حال من نائب الفاعل.
المعنى: ليس من الفواصل المتشاكلة في الحرف الأخير أو فيما قبلما المتساوية في الطول والقصر فاصل أي لفظ حاجز يخالفها في تلك المشاكلة والمساواة وهو معدود في الفواصل إلا ما هو نادر ثبت بالنص. وهو واضح وضوح البدر ليلة تمامه، وهذا بمنزلة العلة لما أفاده البيت السابق من أن الالتباس في الفاصلة يكشفه ويجلوه قاعدة المشاكلة فكأنه قال إشكال الفواصل ترفعه قاعدة المشاكلة لأنه لا يوجد بين الفواصل المتشاكلة والآيات المتساوية ما هو مخالف لها في ذلك إلا نادرًا وهذا النادر واضح كالبدر لا خفاء فيه. إذًا فقاعدة المشاكلة والمساواة ترفع الإشكال، ومثال ما ورد بين الفواصل المتشاكلة وهو مخالف لها {أنعمت عليهم} في الفاتحة عند بعضهم {فغشيهم من اليم ما غشيهم} بطه {ذلك أدنى ألا تعولوا} في النساء {ليروا أعمالهم} في الزلزلة إلى غير ذلك وسيأتي بيان ذلك كله في مواضعه إن شاء الله تعالى.
[معالم اليسر: 42]
والآية من معنى الجماعة أو من ال
علامة مبناها على خير ما جدر

اللغة: مبناها مأخذها. «جدر» بضم الجيم وسكون الدال جمع جدار كجدر بضمتين.
الإعراب: والآية مبتدأ «من معنى الجماعة» خبر «أو من العلامة عطف عليه وقوله مبناها مبتدأ» على خير بفتح الخاء وبعدها ياء مثناة ساكنة جار ومجرور خبر وما زائدة بين المضاف والمضاف إليه والجملة مبنية لحسن هذا الأخذ لابتنائه على أسس ثابتة.
المعنى: لما فرغ المصنف من بيان الفاصلة. والقواعد التي تعرف بها أخذ في بيان معنى الآية لغة واصطلاحًا فبين في هذا البيت معنى الآية لغة. وأشار إلى أن للآية في اللغة معنيين أحدهما معنى الجماعة. يقال جاء القوم بآيتهم أي جماعتهم، والثاني العلامة. ومنه قوله تعالى {إن آية ملكه} أي علامة ملكه. فنقل هذا اللفظ واستعماله اسما للكلمات القرآنية إما أ، يكون من الأول لاشتمالها على جماعة من الحروف. أو من الثاني لكونها أمارة على انقطاع الكلام. أو على صدق المخبر. فهذا معنى قوله والآية من معنى الجماعة الخ.
وكلا المعنيين ثابت وكثير في الاستعمال مناسب للآية القرآنية.
ولهذا قال «مبناها على خير ما جدر» أي على أحسن أسس. وذلك لأنها مناسبة لما نقلت عنه في اللغة أتم المناسبة.
هذا معناها من حيث اللغة: وأما معناها في الاصطلاح فسيأتي في البيت الآتي:
وقد اختلف النحاة في ألفها التي بعد الهمزة. فقيل أصلية منقلبة عن ياء وقيل زائدة. فمن قال إنها منقلبة عن ياء اختلفوا. فذهب الخليل إلى أن أصلها أيية بوزن أمنة فقلبت ألفا لتحركها بعد فتح. وذهب سيبويه إلى أن أصلها آيّه بياء مشددة بعد الهمزة خفف التشديد بقلب الأولى ألفًا. ومن قال إنها زائدة
[معالم اليسر: 43]
قال أصلها آيية على وزن فاعلة فدار الأمر بين حذف إحدى الياءين أو الإدغام فرجح الحذف على الإدغام لخفته فوزنها على هذا فالة. وعلى الأول فعلة وعلى الثاني فعلة. هذا. وينبني على هذا المعنى السابق الاختلاف في معناها الاصطلاحي كما أشار إلى ذلك المصنف بالإتيان بالفاء الدالة على التفريع في قوله.
فإما حروف في جماعتها غنى
وإما حروف في دلالة من يقرى

الإعراب: الفاء للتفريع. إما حرف تفصيل. وحروف خبر لمحذوف أي هي حروف - «في جماعتها غنى» جملة اسمية مقدمة الخبر صفة لحروف. والواو في وإما عاطفة وحروف خبر لمحذوف كذلك. وقوله في دلالة من يقرى – الجار والمجرور متعلق بمحذوف صفة لحروف. ومن اسم موصول وجملة يقرى صلته وإضافة دلالة إلى من من إضافة المصدر لمفعوله.
المعنى: لما بين المصنف أن للآية معنيين بحسب اللغة. وأن نقلها إلى الآية القرآنية يحتمل أن يكون من كل واحد من المعنيين فرع على ذلك الاختلاف في تعريفها على سبيل اللف والنشر المرتب فبين أنها – على تقدير كونها منقولة من معنى الجماعة – حروف من القرآن في جماعتها استغناء عما قبلها وما بعدها. ويعبر عن ذلك بأنها طائفة من القرآن ذات مبدأ ومقطع مستغنية عما قبلها وما بعدها تحقيقًا أو تقديرًا غير مشتملة على مثلها. فقولنا طائفة من القرآن دخل فيه كل جماعة من حروف القرآن وبقولنا ذات مبدأ ومقطع خرجت كلمات من القرآن ليس لها مبدأ ولا مقطع إذ المراد أن تكون ذات مبدأ ومقطع علم بالتوقيف مبدؤها ومقطعها. وبقولنا مستغنية عما قبلها وما بعدها تحقيقًا أو تقديرًا دخل في التعريف الآية التي في الأثناء فإنها مستغنية عما قبلها وما بعدها تحقيقًا. وأول آية من القرآن وآخر آية منه لاستغناء الأولى عما قبلها تقديرًا. والثانية عما بعدها كذلك – وبقولنا غير مشتملة على مثلها خرجت السورة فإنها يصدق عليها أنها طائفة من القرآن ذات مبدأ ومقطع مستغنية عما قبلها وما بعدها ولكنها لما كانت مشتملة على آيات خرجت من التعريف – وعلى تقدير أنها مأخوذة من العلامة تعرف بأنها حروف من القرآن ذات مبدأ ومقطع علم بالتوقيف من الشارع جعلت دلالة وعلامة على انقطاع الكلام
[معالم اليسر: 44]
أو على صدق المخبر بها. أو على عجز المتحدي بها بناء على أن التحدي يقع بالآية الواحدة. وهذا معنى قوله «وإما حروف في دلالة من يقرى» ومعنى يقرى يعلم القرآن وإنما خص الناظم دلالة الآية بمن يقرى مع أنها دالة له ولغيره لأنه أحوج إلى هذه الدلالة من غيره. فإنه بمعرفة انقطاع الكلام يستطيع أن ينتهي إليه في تعليمه ويحتمل أن يكون يقرى بفتح الياء من قرى الماء في الحوض قريا جمعا أي في دلالة من يعني بجمع الآي ومعرفة عددها. والحاصل أن المصنف بين أن الاختلاف في تعريف الآية القرآنية اصطلاحًا يرجع إلى الاختلاف فيها لغة وأن اختلاف عبارات العلماء في تعريفها يرجع إلى ما قلناه وقد اخترنا أنسب العبارات وأشملها لنجنبك مواضع الخلاف والخوض فيما لا طائل تحته والخلاصة أن من نظر إلى أن الآية لغة تطلع على الجماعة ومنه نقلت الآية القرآنية اقتصر على التعريف الأول ولاحظ في معناها معنى الجماعة لتناسب المعنى المنقول منه ومن نظر إلى أن الآية لغة تطلق على الأمارة وأنها نقلت إلى الآية القرآنية من هذا المعنى لم يلاحظ معنى الجماعة ولاحظ معنى العلامة والدلالة، ويجوز لك أن تلاحظ المعنيين معًا إذ لا تنافي بينهما وكل آية من القرآن هي جماعة حروف مستغنية عما قبلها وعما بعدها وقد جعلت علامة ودلالة على انقطاع الكلام أو على صدق المخبر الخ ما قلناه فإذا أدت تعريف الآية بما يشمل المعنيين قلت في تعريفها «هي طائفة من القرآن أو من الحروف القرآنية مستغنية عما قبلها وما بعدها تحقيقًا أو تقديرًا ذات مبدأ ومقطع دالة على انقطاع الكلام غير مشتملة على مثلها وقد سبق شرح هذا التعريف».
وقد يجمع الأمر إن في سلك أمرها
على سنة السلاك في صحة الفكر

اللغة: السلك الخيط الذي تنظم فيه الأشياء، والأمر الشأن، والسنة الطريقة، والسلاك جمع سالك وهو السائر والمراد به هنا العالم المجتهد.
الإعراب: قد للتكثير ويجمع الأمران جملة فعلية مبنية للفاعل ومفعولها محذوف تقديره الآية. وفي سلك أمرها متعلق بيجمع، وضمير أمرها يعود على الآي «على سنة السلاك» جار ومجرور صفة لمصدر محذوف تقديره جمعا جاريا
[معالم اليسر: 45]
على سنة السلاك «في صحة الفكر» متعلق بسنة لأنها مصدر وإضافة صحة للفكر من إضافة الصفة للموصوف.
المعنى: لما قدم المصنف من الطرق التي تعرف بها الفاصلة طريقين وهما المشاكلة، والتناسب. وكان محتملاً أن يجتمع الطريقان في آية أو ينفرد أحدهما. ولم يبين لنا هل من الضروري اجتماعهما بل قد يجتمعان في آية وقد لا يوجد إلا أحدهما فقال «وقد يجمع الخ يعني قد يجعل الأمران معا الآية معدودة في سلك الآي المعدودة المنصوص عليها جمعا جاريا على طريقة السالكين في الفكر الصحيح وهي طريقة إلحاق ما لم ينص عليه بما نص عليه لوجود الشبه بينهما. وهو وجود المشاكلة والتناسب وعلى هذا تكون الآية آية بمحض القياس لكنه صحيح لاستناده إلى العلة المستنبطة من المنصوص وسيأتي للناظم التمثيل لهذا القسم إن شاء الله تعالى وإسناد يجمع إلى الأمران من إسناد الفعل إلى سببه. وحقيقة الكلام أن يقال وقد يلحق العلماء الآية التي لم ينص عليها بغيرها من المنصوص عليه بسبب جود الأمرين معا وهما المشاكلة والتناسب فإذا وجد أحدهما كان موضعا لاختلاف أنظار العلماء فمنهم من يعتبره ومنهم من لا يعتبره».
وقد ينبت الأصلين من كلماتها
فروع هدايات قوارع للبدر

اللغة: «ينبت» يخرج ويظهر «قوارع» جمع قارع وقارعة، بمعنى دوافع.
الإعراب: قد للتكثير وينبت مضارع والأصلين مفعول مقدم «من كلماتها» من بمعنى في متعلق بمحذوف حال من الأصلين «فروع» فاعل مؤخر ومضال إلى هدايات «قوارع» صفة فروع وللبدر متعلق بقوارع.
المعنى: بين الناظم في البيت السابق أن المشاكلة والتناسب قد يكونان سببًا في إلحاق غير المنصوص بالمنصوص، وإنما يصح هذا إذا ثبت أن كلا من هذين الأمرين علة مستنبطة من المنصوص، فبين في هذا البيت أن اعتبار هذين الأمرين قد استنبطه الأئمة من استقرائهم لجزئيات المنصوص عليه، ولما كان النص على
[معالم اليسر: 46]
الجزئيات قسمين قسما نص فيه على العدد قصدًا. وقسمًا آخر نص فيه على العدد في سياق الهداية إلى الخير والإرشاد إلى بر وكان القسم الأول قليلاً بالنسبة إلى القسم الثاني – بين في هذا البيت أن العلماء استنبطوا هذين الأصلين يعني القاعدتين السابقتين من استقراء جزئيات القسمين جميعًا ولم يقتصروا على جزئيات ما نص على عده أصالة وقصدا بل تتبعوا أيضًا الجزئيات الواردة في الآثار والأحاديث الدالة على أنواع من الخير وكان فيها إيماء إلى العدد، وهذا النوع كثير فقال «وقد ينبت الأصلين الخ» أي وقد يدل على وجود الأصلين في كلمات الآيات أحاديث وآثار لم تسق قصدا إلى بيان العدد. وإنما سيقت لبيان الهداية إلى أنواع من عمل الخير أو حث على ما فيه أجر خاص وجاء بيان العدد فيها تبعًا. كالأحاديث الواردة في آية الكرسي وغيرها. وهذا النوع كثير تتبعه العلماء من الأحاديث والآثار فجمعوه واستخرجوا منه هاتين القاعدتين فقوله «وقد ينبت» معناه يدل ويظهر. والمراد بالأصلين القاعدتان السابقتان وهما المشاكلة والتناسب والتعبير عنهما في البيت السابق بالأمرين وفي ها البيت بالأصلين للتفنن. وفيه لطيفة. وذلك أن المشاكلة والتناسب ذكرا فيما تقدم على أنهما أمارتان لمعرفة الفاصلة من غيرها. فكان العهد بهما أنهما أمران ولما بين في البيت السابق أنهما يدخلان الآية التي لم ينص عليها في حكم المنصوص عليها صارتا بمنزلة أصلين أي قاعدتين يعتمد عليهما في تعرف الجزئيات التي لم ينص عليها فعبر عنهما في هذا البيت بالأصلين، وفي الجمع بين الأصلين والفروع لطيفة أخرى لا تخفى على ي فطنة، وسمي الأحاديث والآثار فروعًا لأنها متفرعة عن قصد الهداية والإرشاد لا عن قصد بيان العدد، وقوله قوارع للبدر معناه أن هذه الأحاديث والآثار في ظهورها واشتهارها وكثرتها قد فاقت نور البدر حتى كأنها تزجره عن أن يطلع ويظهر والله تعالى أعلم.
كما آية الكرسي إلى ذات دينها
إلى أخريها مع صوابحها القمر

ومنها ولما جاء موسى ورأسها
هو المؤمنين انظر في الأعراف واستقر

[معالم اليسر: 47]
اللغة: القمر بضم القاف وسكون الميم جمع قمراء وهو وصف للآية بمعنى أنها في هدايتها كالليلة المقمرة التي لا يضل من سار فيها. فكذلك لا يضل من تمسك بالآية وعمل بها واستقر أمر من الاستقراء وهو التتبع.
الإعراب: كما آية الكرسي جار ومجرور بزيادة ما خبر لمحذوف أي وذلك كائن كآية الكرسي «إلى ذات دينها» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من آية الكرسي وضمير دينها. وضمير أخرييها يعود على السورة التي ذكر فيها آية الدين «مع صواحبها» حال من آية الكرسي. وضمير صواحبها عائد على آية الكرسي وصواحب جمع صاحبة أي مع الآيات المصاحبة لها في الأحاديث والقمر صفة صواحبها ومنها جار ومجرور خبر مقدم، «ولما جاء موسى» مبتدأ مؤخر على قصد اللفظ ورأسها مبتدأ هو ضمير فصل «المؤمنين» خبر المبتدأ على قصد الحكاية. وانظر في الأعراف أمرية ومتعلقها واستقر عطف على أنظر.
المعنى: مثل المصنف في هذين البيتين للقسمين السابقين في البيتين السابقين أعني ما ألحق من الآيات غير المنصوص عليها بالمنصوص عليها بسبب وجود المشاكلة والتناسب فيها. والثاني بما ورد فيه الأحاديث والآثار دالة على أنواع من الهداية قصدا واستنبط منه هذان الأصلان وبدأ بالتمثيل للقسم الأول على سبيل اللف والنشر المشوش لأن إثباته أصل للقسم الأول ومصحح له فقال «كما آية الكرسي» الخ أي مثال ما ورد فيه النص للإرشاد إلى نوع من العمل ودل على اعتبار هذين الأصلين آية الكرسي، وآية الدين {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين} الخ وأخريا سورة البقرة {آمن الرسول – إلى آخر السورة}. فأما آية الكرسي فقد ورد في شأنها أحاديث كثيرة تبين فضل قراءتها عقب الصلوات وعند النوم منها ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة مرفوعا «إن لكل شيء سنامًا. وإن سنام القرآن سورة البقرة». وفيها آية هي سيدة آي القرآن. آية الكرسي. وما أخرجه النسائي وغيره من حديث أبي أمامة مرفوعًا «من قرأ آية الكرسي
[معالم اليسر: 48]
دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت». وأما ما ورد في آية الدين فما أخرجه أبو عبيدة عن ابن شهاب قال آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين. وأما ما ورد في أخريي سورة البقرة فمنها ما أخرجه الستة عن ابن مسعود مرفوعًا من قرأ الآيتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه. وقوله «مع صواحبها القمر» يعني ما صاحب آية الكرسي في بعض الأحاديث من الآيات وهو ما رواه الدرامي موقوفًا على ابن مسعود «من قرأ أربع آيات من أول سورة البقرة وآية الكرسي وآيتين بعدها وثلاثا من آخر سورة البقرة لم يقربه يومئذ ولا أهله شيطان». وظاهر أن هذه الأحاديث لم ترد لبيان العدد قصدا بل وردت قصدا لأنواع من الهداية. ففي آية الكرسي تنبيه على فضلها وفضل قراءتها عقب الصلوات وعند النوم، وكذلك الكلام في أواخر البقرة وما معها فهو في الترغيب في قراءتها وما فيها من فضل. وما ورد في آيتي الربا والدين إنما ورد بصدد التنبيه على بيان حكمها وأنه لم ينسخ وجاء بيان العدد تبعًا لذلك كله.
فأنت ترى أن العلماء تتبعوا هذه النصوص فوجدوا فيها كلها المشاكلة والتناسب. فأما آية الكرسي فرأسها وهو العلي العظيم، ففيه المشاكلة لفواصل السورة والمساواة نظرًا إلى أنها طويلة في سورة طويلة. وإن كان فيها ما يصلح للفاصلة وهو القيوم ففيه المشاكلة ولكنه فقد المساواة فكان موضع نظر واجتهاد للعلماء؛ فمنهم من تركه تمسكًا بظاهر النص ولفقده المساواة، ومنهم من اعتبره لأن هذا النص معارض بانعقاد الإجماع على عد نظيره في أول سورة «آل عمران» وأما آية الدين فآخرها {والله بكل شيء عليم} وقد دل الأثر على أنها آية فاستنبط منها المشاكلة لفواصل السورة ولوجود التساوي فيها لأنها وإن كانت أطول آية في القرآن ولكن لما كانت في أطول سورة لم تفقد التساوي، وفي أثنائها {ولا يبخس منه شيئا} يصلح أن يكون فاصلة ولكن لما فقد المشاكلة والمساواة وخالف ظاهر النصوص انعقد الإجماع على تركه. وفيها أيضًا {ولا شهيد} يصلح أن يكون فاصلة لما فيه من المشاكلة وتمام الكلام عنده ولكنه لما فقد المساواة لما بعده كان موضع نظر فاعتبره البعض ولم يعتبره
[معالم اليسر: 49]
الجمهور تمسكا بظاهر النص وهو الصحيح. وكذلك {آمن الرسول}، ورأسها {وإليه المصير} وقد دل النص على وجود المساواة وهالمشاكلة فيها، وكذلك {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} إلى آخر السورة، فيها المشاكلة والمساواة وفي أثنائهما ما يصلح فاصلة. ففي الأولى {والمؤمنون} وفي أثناء الثانية {وعليها ما اكتسبت} ولكن لما فقدت الأولى المساواة، وفقدت الثانية الأمرين جميعا أجمعوا على تركهما. وكذلك {لا إكراه في الدين} {الله ولي الذين آمنوا} الآية، ورأس الأولى {والله سميع عليم} ورأس الثانية {هم فيها خالدون}.
ففي كل منهما ما يصلح فاصلة ففي الأولى {في الدين} فيه المشاكلة ولكن فقد المساواة لما قبله وما بعده ولسورته ولذلك ألغى بالإجماع، وفيها {قد تبين الرشد من الغي} يتهم كونه فاصلة ولكن لم يعد لفقده التناسب والمشاكلة جميعًا وفي الثانية {إلى النور} فيها المشاكلة ويمكن فيها المساواة لما بعدها ولكن خالفت النص وفقدت المساواة لسورتها فكانت موضع نظر، فعدها البعض وتركها الجمهور تمسكًا بظاهر النص.
وهكذا كلما تأملت هذه الآيات وأمثالها مما وردت فيه النصوص تهدي إلى عمل من أعمال الخير، وجدت فيها المشاكلة والتناسب فكانت هذه النصوص مصدر استنباط العلماء لهذين الأصلين.
وقوله «ولما جاء موسى الخ» شروع في التمثيل للقسم الأول أي ومن الآيات التي أدخلها هذان الأصلان في عداد الآيات المنصوص عليها أي ومن أمثلتها قوله تعالى {ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه} الآية «وقوله ورأسها هو المؤمنين» معناه أن رأس هذه الآية {وأنا أول المؤمنين} فهذه آية ألحقها العلماء بالآيات المنصوص عليها لاشتمالها على المشاكلة والتناسب أي مساواتها لسورتها في الطول ولم يعتبروا ما في أثنائها مما يصلح فاصلة وذلك نحو {فسوف تراني} {وخر موسى صعقا} لفقدهما الأمرين جميعا فهذا مثل ما جمع فيه الأمران الآية وأدخلاها في عداد المنصوص عليه، وإنما فصل هذا النوع بمن للتنبيه على أنه
[معالم اليسر: 50]
ليس هو النوع الأول ولكنه بمنزلته وجعل منه بطريق الحمل والقياس. وقوله «أنظر في الأعراف واستقر» أمر بالنظر في هذه السورة، وتتبع فواصلها وآياتها لتعرف وجود هذين الأمرين في تلك الآية، وللتمرين على معرفة الحكم في نظائرها.
فإن قيل كيف الحكم في عدها جرى
لديخلف التعديد بين أولى الحجر

فقيل إلى الأصلين رد اجتهادهم
لإدلالهم بالطبع في الورد والصدر

اللغة: «جرى» وقع وحصل. «خلف» هو بفتح الخاء واللام من جاءوا بعد السلف. ويطلق على من جاء بعدُ للخير، فيقال هو خلف صالح لأبيه. وإذا أريد من جاء بعدُ للشر قيل خلف بسكون اللام، ومنه {فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة} والتعديد مصدر عدد الشيء جعله ذا عدد. والحجر بسكون الحاء العقل لأنه يحجر صاحبه عن القبائح. والإدلال التقدم والارتفاع من قولهم أدل على قرنائه إذا ارتفع عليهم ومنه فلان مدل بفضله وشجاعته. والورد بكسر الواو الإشراف على الماء والصدر بسكون الدال مصدر عن الماء من باب نصر ودخل إذا رجع عنه والاسم الصدر بفتحتين.
الإعراب: الفاء للفصيحة أفصحت عن شرط مقدر تقديره إذا كان مرجع هذا العلم إلى أصلين مستنبطين من جزئيات منصوص عليها فإن قيل الخ وإن شرطية وقيل فعل الشرط وكيف حال من فاعل جرى. والخلف مبتدأ وجملة جرى خبره وفي عدها متعلق بجرى أو بالخلف لأنه بمعنى الاختلاف، ولدي ظرف متعلق بجرى ومضاف إلى خلف التعديد وإضافة خلف إلى التعديد على معنى اللام. وبين ظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل جرى وفاء فقيل زائدة في جواب الشرط لأن الكلام بتقدير قد فتكون واجبة الزيادة، أو بغير تقدير فتكون جائزة الزيادة. وإلى الأصلين متعلق برد. و«رد اجتهادهم» جملة ماضية مجهولة. والضمير في اجتهادهم يعود على أولي الحجر «لإدلالهم» متعلق برد. وبالطبع متعلق بإدلالهم، وفي الورد متعلق بإدلالهم كذلك، والصدر معطوف على الورد.
[معالم اليسر: 51]
المعنى: علم من الكلام السابق أن لمعرفة فواصل الآي طريقين هما التشاكل والتناسب وأن هذين الطريقين يرجعان إلى جزئيات منصوص عليها بعضها في سياق العدد، وبعضها في سياق الهداية والإرشاد. فانبني على هذا أن يكون هذا العلم توقيفيًا لنقل بعض جزئياته نصا، واستنباط قاعدتين من المنصوص عليه ردت إليهما سائر الجزئيات، فإذا كان الأمر كذلك فكيف وقع الخلف بين أئمة العدد الراوين له مع اتفاقهم على هذين الأصلين، ونقل الخلف العدد عنهم مختلفًا؟ وهذا حاصل السؤال الذي ذكره في البيت الأول.
وخلاصة ما أشار إليه من الجواب في البيت الثاني هو أن أئمة العدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين رد اجتهادهم إلى وجود الأصلين السابقين. يعني أنهم لما اجتهدوا في استنباط هذين الأصلين، وجعلوهما أساسًا للحكم على الجزئيات التي لم يرد فيها نص عن الرسول صلى الله عليه وسلم واتفق وجود أحد هذين الأصلين دون الآخر في بعض الجزئيات كما وجد أحدهما دون الآخر فيما هو منصوص عليه كان ذلك محل اجتهادهم واختلاف أنظارهم. فمنهم من اعتبر وجود أحدهما كافيًا في عد الآي فعد ما وجد فيه أحدهما، ومنهم من لم يعتبر وجوده وحده، فلم يعد. وكل منهم ذو طبع سليم وهو متقدم على من بعده في الفهم لسلامة طبعهم وصفاء فطرتهم. وقد انضم إلى هذا صحبتهم للرسول ومشاهدتهم مجالس النزول وتلقيهم القرآن عنه أخماسا وأعشارا. فلا غرو أنه تلقى الخلف عنهم ما رووه لهم، ونقلوه إليهم، وأثبت كل من الخلف ما اتفق له من روايته عن هؤلاء الأئمة لثقتهم بتقدمهم عليهم في الفضل، وتعلم القرآن وتعليمه. وهذا معنى قوله فقيل إلى الأصلين رد اجتهادهم الخ البيت، وقوله «في الورد والصدر» مجاز عن أخذ العلم من مناهله، وتلقينه لمن بعدهم كما حفظوه من وعائه صلى الله عليه وسلم.
ومن بعدهم كل عليهم وإثما
يحاذ لهم بالفهم عنهم صدى الفجر

أولئك أرباب البلاغة والنهى
ومن حضر التنزيل يتلوه بالنجر

[معالم اليسر: 52]
اللغة: الكل فتح الكاف العيال يقال فلان كل على فلان أي عالة عليه. يحاذ، بالذال أو الزاي بمعنى واحد وهو السوق يقال: حاذ – بالذال أو الزاي – الإبل إلى الماء إذا ساقها إليه. والصدى ما يردده الجبل ونحوه من الصوت. والفجر العطاء. وهو بفتح الجيم وسكن لضرورة النظم. وأرباب جمع رب بمعنى المالك. والنهي جمع نهية بضم النون وإسكان الهاء وهي العقل، والمراد من التنزيل تنزيل القرآن النجر – بإسكان الجيم – الأصل.
الإعراب: ومن اسم موصول مبتدأ والظرف بعده متعلق بمحذوف صلة الموصول، وكل خبر الموصول وعليهم متعلق بالخبر. والضمير في عليهم يعود على الصاحبة والتابعين، وإنما أداة حصر، «يحاذ» مضارع مبني للمجهول، وصدى الفجر نائب فاعل ولهم متعلق بيحاذ، وضمير لهم يعود على المبتدأ السابق، وبالفهم متعلق بيحاذ والباء سببية وعنهم متعلق بالفهم وضميره يعود على السلف. أولئك أرباب: جملة اسمية وأرباب مضاف إلى البلاغة، والنهي عطف على البلاغة. ومن حضر اسم موصول وصلته معطوف على الخبر، والتنزيل مفعول حضر «يتلوه» الجملة حال من فاعل حضر. وضمير يتلوه عائد على التنزيل بمعنى المنزل فيكون مصدرًا أريد به اسم المفعول، وبالنجر متعلق بيتلوه. والباء فيه بمعنى المصاحبة أو بمعنى على، ويراد بالأصل من أنزل عليه وهو الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم.
المعنى: لما قدم في البيت السابق ما يفيد اجتهاد الصحابة والتابعين فيما سمعوا. وأن الخلف تلقوا ذلك عنهم. وبين أن الصحابة أحق بالاجتهاد لما امتازوا به من صفاء القريحة والتقدم في الورد والصدر أتبعه بما يؤكد أحقيتهم بهذا الاجتهاد، وأولويتهم بالإمامة والقدوة، فأفاد أن من أتى بعدهم ناقل عنهم، ومقتد بهم، وأن الخلف عالة على السلف فيما نقلوا من العلم، وأن ما يساق للخلف من علم إنما أخذوه بالفهم عنهم، وأنه بمنزلة ما يتبقى من العطاء الكثير. فشبه العلم الذي أخذه الصحابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم بنفائس العطايا، وما يأخذه
[معالم اليسر: 53]
الخلف عنهم بمثابة بقايا هذه العطايا، بل بمنزلة الصدى الذي يردده الجبل ونحوه من الصوت. وهي استعارة حسنة؛ إذ كان الصحابة رضي الله عنهم قد حظوا بسماع صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما وصل إلى الخلف من السلف ليس هو صوت الرسول وإنما هو صدى صوته يحكيه ويماثله. فالصحابة قد حظوا بالفجر والعطايا من الرسول لسماعهم القرآن من فيه الشريف، وما سيق إلى الخلف من ذلك إنما هو صدى ذلك الصوت أي صدى تلك العطايا النفيسة. ثم علل هذا المعنى السابق بصفة أخرى تؤهلهم لذلك وهي أنهم مالكوا أزمة البيان وذو العقول الراجحة، ومن حضروا مجالس التنزيل وتلقموه غضا طريا من فيه صلى الله عليه وسلم يتلونه عليه ويتلوه عليهم، ومن أحق منهم بمعرفة مقاصده ومبادئه ومقاطعه؟ فلذا تلقى الخلف عنهما ما نقله السلف إليهم، وفهموا إشاراتهم واستنبطوا من عباراتهم، فلم يكن من الخلف إلا الاتباع وحسن الاقتداء.
وفي خائفين اعتل الأعمشى بالتي
قرا خيفا وهو اجتهاد بلا نكر

اللغة: أعتل – يقال اعتل فلان بكذا أي جعل كذا علة له في عمله، والمراد هنا الاحتجاج، والنكر الإنكار.
الإعراب: وفي خائفين متعلق باعتل، واعتل الأعمش جملة فعلية، وبالتي متعلق باعتل والموصول صفة لمحذوف أي بالقراءة التي. وجملة قرأ صلته والعائد محذوف أي قرأها، وأبدلت همزة قرأ ألفًا بعد تسكينها تخفيفًا، وخيفا مفعول لفعل محذوف أي قرأ خيفا و«هو اجتهاد» جملة اسمية «بلا نكر» صفة للاجتهاد.
المعنى: لما بين أن السلف اجتهدوا وبين أولويتهم بالاجتهاد ذكر في هذا البيت أن الأعمش وهو من التابعين لما سئل عن عدم قوله تعالى {ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين} احتج لذلك بأنها في قراءته خيفا. وهذا يثبت اجتهاد السلف ورعايتهم للمشاكلة بين الفواصل من غير إنكار. فإنه أراد الإشارة إلى أنها في قراءته صارت لا تشاكل فواصل السورة، إذ فواصل السورة مبنية.
[معالم اليسر: 54]
على ما قبل الآخر، وهذه مخالفة لجميع فواصل السورة حيث فقدت المشاكلة، وهذا القول يعتبر أصلاً وأساسًا لاعتبار هذا الأصل، ودليلاً على وقوع الاجتهاد في الفواصل.
وما يمنع التوقيف فيه اختلافه
إذا قيل بالأصلين تأويل مستبري

اللغة: مستبري: أصلها مستبرئ سكنت الهمزة للوزن وأبدلت للتخفيف، ومعناه طالب البراءة من الشبه والشكوك لنفسه أو غيره.
الإعراب: ما نافية «يمنع» مضارع. والتوقيف مفعوله المقدم، وفيه متعلق بالتوقيف وضميره يعود على العدد واختلافه فاعل. وإذا ظرف لما يستقبل من الزمان، وقيل ماض مجهول، وبالأصلين الخ جملة اسمية مقدمة الخبر مقصود لفظها نائب فاعل قيل.
المعنى: هذا جواب عن سؤال ينساق إليه الذهن من الكلام السابق. وذلك أنه لما قدم أن الصحابة وقع منهم اجتهاد نقله الخلف عنهم، ورد عليه أن إثبات الاجتهاد في العدد من الصحابة الناقلين القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بآياته وعدده لا يعقل اختلافهم فيما نقلوا من العدد. فاختلاف العدد دليل على الاجتهاد، والاجتهاد ينافي التوقيف، إذ لا حاجة إلى الاجتهاد ما داموا قد علموا العدد من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وحاصل الجواب: أن التوقيف في هذا العلم وسماع الصحابة القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم لا ينافي اجتهادهم واختلافهم فيه. وذلك أن الرسول علمهم الآي بوقفه على رأس الآية، وهناك آيات وقف عليها الرسول دائمًا ولم يصلها. فهذه معدودة بالاتفاق لا يقع فيها خلاف، وهناك مواضع وصلها الرسول دائمًا ولم يقف عليها وهي متروكة من العدد بالاتفاق، وهناك مواضع وقف عليها مرة ووصلها أخرى وهذه محط اختلافهم، لأن وقفه عليها يحتمل أن يكون لكونها رأس آية، ويحتمل أن يكون للاستراحة، وأن يكون لتعريف الوقف؛ ووصله لها يحتمل أن يكون لعدم كونها رأس آية، ويحتمل أن تكون
[معالم اليسر: 55]
رأس آية وإنما وقف عليها في المرة الأولى لتعليم الآي فلما اطمأن إلى معرفتهم إياها وصلها. فمع هذه الاحتمالات لا يمكن القول بأنها رأس آية أو ليست برأس آية لا بالاجتهاد. وهذه هي المواضع التي كانت محل اختلاف أنظار الصحابة، وموطن اجتهادهم. وهذا معنى قوله «وما يمنع التوقيف الخ» أي لا يمنع التوقيف في هذا العلم وتعليم الرسول الصحابة إياه اختلاف أهل العدد، وقت أن يقول بالأصلين تأويل مستبرى، أي تأويل شخص طلب لنفسه أو غيره البراءة من الشبه وقطع الاحتمالات.
هذا والخلاصة: أن هذا العلم اشتهر عنه أنه ثابت بالتوقيف ثم اختلف هل دخله الاجتهاد أم لا. فذهب فريق إلى أنه كله ثابت بالتوقيف لا مجال للاجتهاد فيه. وحجتهم على ذلك ما قدمه المصنف من ورود أشباه للفواصل ولم تعد بالإجماع، وورد كلمات لا تشبه فواصل السورة التي هي فيها وعدت كذلك، واعتبار بعض فواتح السور آيات دون بعضها مع وجود المشابهة ووجود آيات قصار في السور الطوال وآيات طوال في السور القصار. فهذا دليل على أنه لا مجال للرأي والاجتهاد في هذا العلم. وورد على هذا اختلاف أهل العدد. فإن الاختلاف أمارة الاجتهاد. وأجيب عنه بأن الاختلاف في العدد كالاختلاف في أوجه القراءات.
وذهب فريق إلى أ، هذا العلم بعضه توقيفي وبعضه بالاجتهاد على معنى أ،ه نقل عن الرسول بعض الجزئيات واستنبط من هذه الجزئيات قواعد كلية ردت إليها الجزئيات الأخرى التي لم يرد فيها نص. واختار هذا الرأي الداني وتبعه الناظم. ورجح على الأول بوجوه. منها التعليل السابق للأعمش. ومنها عدم ثبوت نصوص في جميع الجزئيات من الآيات ومنها ورود الخلاف في العدد والقول بأن الخلاف في العدد كالخلاف في أوجه القراءات لا يظهر. لأن أوجه القراءات إنما أنزلت تيسيرًا للأمة ورحمة بها ولا كذلك العدد وثبوت بعضه بالاجتهاد لا محظور فيه إذ لا يترتب عليه زيادة في القرآن ولا نقص منه بل كل ما فيه تعيين محال الوصل والفصل.
[معالم اليسر: 56]
وقد ينظم الشكلان في العد بينها
وقد تركا فاتل القتال لكي تدري

اللغة: الشكلان تثنية شكل وهو المثل والظير.
الإعراب: ينظم الشكلان: جملة مضارعية مجهولة وفي العد متعلق بينظم وكذا بينها والضمير يعود على الآي. وقد تركا: جملة ماضية. فاتل القتال: أمرية ومفعولها. واللام للتعليل. وكي مصدرية، وتدري مضارع منصوب بها وسكنت ياؤه للوقف.
المعنى: أراد المصنف بهذا البيت أنه قد يوجد بين الفواصل تشاكل في آخرها أو فيما قبل الآخر. فأراد بالشكلين المشاكلة في الآخر أو فيما قبله. وقوله وقد تركا: أي قد يقع ترك التشاكل في الاعتبارين معًا بأن يوجد أحدهما دون الآخر على سبيل التناوب. وقوله «فاتل القتال لكي تدري» مثال لوجود الشكلين وتركهما أي على سبيل التناوب كما سبق، وأراد بالقتال سورة محمد صلى الله عليه وسلم فإنك تجد في فواصلها ما بني على الآخر وهو الميم الساكنة بعد الهاء مثل: بالهم. أعمالهم من ربهم، أمثالهم. فمثل هذه الفواصل قد تحقق فيها الشكلان معًا: الآخر وهو الميم الساكنة، وما قبله وهو الهاء، ومثل {أشرطها} {أمثالها} {أقفالها} قد أعتبر فيها المشاكلة فيما قبل الآخر فقط وهو الهاء، وترك فيها اعتبار الآخر وهو الميم الساكنة لأنها قد بنيت على الألف، ومثل {أخباركم، أعمالكم، أمؤالكم} قد اعتبر فيها الآخر وهو الميم الساكنة وترك اعتبار ما قبله بوجود الكاف قبل الميم.
والأنسب بهذا البيت أن يوضع عقب قوله وكل توال في الجميع قياسه الخ لتعلقه به أشد تعلق.
والحاصل: أن تشاكل الفواصل قد ينظر فيه إلى آخر حرف في الكلمة وتحته قسمان: تارة يكون هذا الآخر حرف مد مثل «هدى، نخشى» وأخرى يكون غير حرف مد مثل «البلد» ومثل فواصل سورة القمر. والأكثر في هذا النوع وهو الذي ينظر فيه إلى الآخر بناؤه على حرف مد، وقد ينظر في التشاكل إلى ما قبل الحرف الأخير من الكلمة. وتحته قسمان أيضًا: تارة يكون حرف مد مثل {العالمين، المفلحون
[معالم اليسر: 57]
مآب}. وتارة يكون غير حرف مد مثل {أمثالها أشراطها} في سورة القتال. والأكثر في هذا النوع ما كان حرف مد أيضًا. وهذا مراده بقوله في البيت السابق «وجاء بحرف المد الأكثر منهما» يعني أن الأكثر والأغلب من النوعين السابقين أن يجيء بحرف المد، ومن غير الغالب يجيء كل منهما بغير حرف المد، وقد سبق التمثيل لكل والله تعالى أعلم.
وخذ بعلامات في الأسماء علمهم
لملك بحجر والمديني بالقطر

وقل فيهما صدر، ونحر سواهما
وخذ فيهما مع صحبة الشام بالكثر

ومك مع الكوفي مثر، وكيفما
جرين فهن القصد عن عرف أو نكر

اللغة: الحجر بضم الحاء وسكون الجيم الشيء المحجور. ومنه سمي الحرام حجرا لمنع الشارع منه وناسب إطلاق هذا الاسم على المكي لكونه من مكة وفيها الحرم. وقد حجر صديه وشجره. والقطر الجانب والناحية. وناسب إطلاق اسمه على المديني لأنه منسوب إلى المدينة التي حظيت بجانب من الوحي وناحية منه. وصدر الشيء مقدمه وأوله. ولا تخفى مناسبة إطلاق هذا الاسم على المدني والمكي لأنهما صدر الإسلام، ومنهما انبثق نوره. والنحر موضع القلادة من الصدر. ومناسبة إطلاقه على البصري والشامي والكوفي اعتزاز الإسلام بهذه الأمصار. «والكثر» بضم الكاف وسكون الثاء ضد القل وهو الشيء الكثير. والمثرى من صار ذا ثراء. ومناسبة إطلاقه على المكي والكوفي أن بانضمام الكوفي المكي يقوي كل منهما فيصير ذا ثروة واسعة في العلم. والعرف: التعريف، والنكر التنكير.
الإعراب: خذ أمرية. بعلامات متعلقها. في الأسماء متعلق بمحذوف صفة لعلامات. وعلمهم مفعول خذ وضميره يعود على أئمة العدد. ولمك متعلق بخذ وبحجر بدل من بعلامات بدل بعض من كل. والمديني عطف على مك. وبالقطر عطف علي بحجر. وقل أمرية وفيهما صدر جملة اسمية مقدمة الخبر مقول القول. ونحر سواهما: اسمية مقدمة الخبر كذلك. وخذ أمرية معطوفة على الأولى. وفيهما
[معالم اليسر: 58]
متعلقها. ومع صحبة الشام حال من الضمير المجرور. وبالكثر متعلق بخذ. ومك مبتدأ ومثر خبره. ومع الكوفي حال من المبتدأ أو من ضمير الخبر. وكيفما اسم شرط وهو مبني على السكون في محل نصب على الحال من فاعل جرين. وجرين فعل الشرط وجملة فهن القصد جواب الشرط والفاء فيه زائدة وضمير من يعود على الكلمات الست السابقة، والقصد بمعنى المقصود. وعن عرف حال من ضمير القصد لأنه مصدر بمعنى اسم المفعول أي المقصودات حال كونهن معرفات أو منكرات.
المعنى: بعد أن بين المصنف الطرق التي تعرف بها الفاصلة من غيرها شرع في بيان ما اصطلح عليه من الرموز لأسماء أهل العدد التي سيتبعها في نظمه. وهي قسمان اسمية وحرفية، وبين في هذه الأبيات الرموز الاسمية، فقال «وخذ بعلامات الخ» أي وخذ أيها الطالب معرفة أسماء أئمة العدد بعلامات أذكرها لك في كلمات هي أسماء، ثم فصل فقال: لمك بحجر الخ، يعني أن كلمة حجر حيث ذكرت فالمراد بها المكي خاصة من علماء العدد، وأن كلمة قطر علامة على المديني حيث ذكرت. والمراد بالمديني المدني الأول والثاني. وعلم ذلك من ذلك الإطلاق. وقوله «وقل فيهما صدر»: معناه، أن المكي والمدني إذا اجتمعا على عد آية فالرمز لها كلمة الصدر.
ويراد هنا أيضًا بالمدني: الأول والأخير، وقوله «ونحر سواهما» معناه أن كلمة نحر رمز للبصري والشامي والكوفي، وهذا معنى قوله سواهما أي سوى المدني والمكي.
وقوله «وخذ فيهما مع صحبة الشام بالكثر» معناه إذا اتفق المكي والمدني والشامي يرمز لهم بكلمة كثر. فالضمير في قوله فيهما يعود على المدني والمكي. وقوله «ومك مع الكوفي مثر» معناه إذا اتفق المكي والكوفي فالرمز لهما كلمة مثر، فهذه ست كلمات جعلها الناظم رمزًا لأئمة العدد الستة وهي من لطائفه. وقوله وكيفما جرين الخ. معناه أ، هذه الكلمات
[معالم اليسر: 59]
الست كيفما وقعت في القصيدة فيهن المقصودات للدلالة على ما بينت لك سواء كانت معرفات أو منكرات.
وعد أبي جاد به بعد الاسم من
أواتل خذ والواو تفصل في الإثر

اللغة: الإثر العقب.
الإعراب: وعد مبتدأ مضاف إلى أبي جاد، وبه متعلق بخذ الذي هو خبر المبتدأ و«بعد الاسم» ظرف متعلق بخذ أيضًا، و«من أوائل» جار ومجرور متعلق بمحذوف حال من الضمير في به. ومفعول خذ محذوف تقديره العلم بجملة السورة على وجه الإجمال «والواو تفصل في الأثر» جملة اسمية وفي الإثر متعلق بالفعل قبله.
المعنى: بين المصنف في هذا البيت أنه يستعمل كلمة أبجد هوز، إلى آخرها ويتخذ ما تدل عليه من حساب الجمل وسيلة إلى بيان عدد السورة في أولها؛ فيجيء بكلمات يذكرها بعد ذكر اسم السورة تؤخذ أوائلها وينظر ما تدل عيه تلك الحروف من العدد عددًا لتلك السورة. وهذا معنى قوله «وعد أبي جاد الخ»: أي عد أبي جاد وحسابه خذ به بعد ذكر اسم السورة حال كون ذلك الحساب مدلولا عليه بأوائل كلمات تذكر بعد اسم السورة، خذ بهذا العدد معرفة عدد آيات السورة. مثلا قوله وفي البقرة في العد بصرية رضا زكا فيه – فقد ذكر اسم سورة البقرة ثم بين عددها عند البصري بثلاثة أحرف تؤخذ من أوائل الكلمات الثلاث وهي الراء المأخوذة من كلمة رضا وهي بمائتين في حساب الجمل، والزاي المأخوذة من كلمة زكا وهي بسبع من حساب الجمل، والفاء المأخوذة من كلمة فيه وهي بثمانين من الحساب المذكور، فيعلم من هذا أن عدد سورة البقرة عند البصري مائتان وسبع وثمانون آية. وقوله والواو تفصل في الأثر: معناه أن الواو يذكرها المصنف أحيانًا بعد تمام الكلمات التي تدل على العدد فتكون حينئذ
[معالم اليسر: 60]
فاصلة بين هذا العدد وبين غيره منعًا للالتباس، أو بينه وبين مسائل السورة دفعًا للبس أيضًا وهو المراد بقوله والواو تفصل في الإثر. وأحيانًا يذكرها مرادًا بها عدد معين وذلك إذا ذكرها في أول العدد نحو ذكرها في أول سورة الأعراف، أو ذكرها آخر العدد ولكنها حسبت منه بأن أتى بعدها بواو فاصلة نحو أول سورة «فاطر» واحترز عن هذين القسمين مع كونهما نادرين في القصيدة بقوله في الإثر، أي عقب ذكر تمام ما دل على العدد. ومثال الواو الفاصلة التي وقعت بعد تمام العدد قوله «وفي البقرة» في العد بصرية رضا زكا فيه وصفًا.
هذا وبقى أن المصنف لم يذكر في هذه القصيدة للدلالة على العدد من الحروف إلا عشرين حرفًا وهي «أبجد» والهمزة بواحد والباء باثنين والجيم بثلاثة والدال بأربعة. «هوز» الهاء بخمسة والواو بستة والزاي بسبعة. «حطى» الحاء بثمانية والطاء بتسعة والياء بعشرة. «كلمن» الكاف بعشرين واللام بثلاثين والميم بأربعين والنون بخمسين. «سعفص» السين بستين والعين بسبعين والفاء بثمانين والصاد بتسعين. «قر» القاف بمائة والراء بمائتين. ولم يزد على هذا لأنه لم يصل عدد سورة من سور القرآن إلى ثلاثمائة. والله أعلم.
وما قبل أخرى الذكر أو بعده لمن
تركت اسمه في البضع فابضع بما يبرى

اللغة: البضع بكسر الباء وفتحها يطلق على ما بين الثلاث إلى التسع فقط وبالفتح على البيان يقال بضع له الكلام ببضعه بضعا – من باب قطع – إذا بينه له فبضع هو بضوعا أي فهم. وقوله فابضع أي افهم وتبين. ويبرى مأخوذ من الإبراء أي النقاء من قوله أبرأه الله من دائه إذا شفاه منه.
الإعراب: وما اسم موصول مبتدأ واقع على العدد، وقبل ظرف متعلق بمحذوف صلة ما وهو مضاف إلى أخرى. وتأنيث أخرى باعتبار المرتبة، وأخرى مضاف إلى الذكر والإضافة على معي اللام أو في، أي والعدد الواقع قبل المرتبة المتأخرة في الذكر. وقوله أو بعده عطف على قبل والضمير فيه يعود على أخرى وذكر باعتبار معناه وهو العدد المتأخر أو لأنه اكتسب التذكير من المضاف إليه
[معالم اليسر: 61]
والجار والمجرور في قوله «لمن» متعلق بمحذوف خبر ما، ومن اسم موصول وجملة تركت اسمه صلته: وقوله في البضع متعلق بتركت. والفاء في قوله فابضع فصيحة أفصحت عن مقدر، أي إذا كان الأمر كذلك فابضع الخ. وابضع أمرية. وقوله بما يبرى متعلق بالفعل قبله.
المعنى: أخبر المصنف في هذا البيت أنه سيذكر عددًا أو أعدادًا لبعض أئمة العدد ويسكت عن تسمية الباقين، وأنه جعل المرتبة التي قبل أخرى الذكر من العدد وهي التي تكون أنقص من أخرى الذكر بواحد، أو المرتبة التي بعد أخرى الذكر وهي التي تكون أزيد من آخر عدد مذكور بواحد لمن سكت عنه ولم يبين اسمه ولكنه لا يريد ما بعد أخرى الذكر إلا حيث يكون هناك من القرائن ما يدلك على أنه المراد دو غيره، كأن تكون المرتبة التي قبل أخرى الذكر مشغولة بعدد إمام من أئمة العدد: ومثال هذه الصورة قوله في سورة الرعد.
وفي الرعد للشامي زهر مداده
ثلاث عن الكوفي والأربع للصدر

فأنت ترى أنه ذكر للشامي سبعا وأربعين كما دل على ذلك الزاي والميم، وللكوفي ثلاثا وأربعين، والمصدر أربعًا وأربعين وهي آخر مرتبة في الذكر، وما قبلها وهو ثلاثة قد ذكره للكوفي، فيتعين أن يكون لمن تركه خمس وأربعون وهو البصري.
ومن القرائن التي يقيمها الناظم لإرادة العدد الذي بعد أخرى الذكر أن يذكر عددًا ثم يذكر عددًا آخر ويترك بينهما واحدًا فقط، فيؤخذ حينئذ ما بعد أخرى الذكر لأنه العدد الذي تركه خاليًا بين العددين. ومثال هذه الصورة قوله في سورة البقرة:
وفي البقر ضفي العد بصرية رضا
زكا فيه وصفا وهي خمس عن الكثر

فذكر أنها في عدد البصري مائتان وسبع وثمانون كما دل على ذلك الراء والزاي والفاء، ثم بين أنها خمس وثمانون لمن رمز إليهم بالكثر وهم الحجازيون والشامي، وقد ترك بينهما ستا وثمانين خاليا فيتعين أخذه لمن ترك اسمه وهو الكوفي
[معالم اليسر: 62]
وهذا إذا ترك مرتبة واحدة خالية بين العددين كما في هذا المثال. أما إذا ترك أكثر من واحدة وكان ما قبل أخرى الذكر خاليًا فيتعين أخذ ما قبل أخرى الذكر لمن ترك اسمه كما في سورة الكهف.
والحاصل أن المصنف تارة يذكر عددًا واحدًا لبعض الأئمة ويسكت، وتارة يذكر أعدادًا؛ فإن ذكر عددً واحدًا يتعين ما قبل أخرى الذكر لأنه الغالب في نظمه وهو الذي بدأ به، وإن ذكر عددين فأكثر فإما أن يكون بتوال أو بدونه، فإن ذكر أعدادًا متوالية بطريق النزول من أعلى إلى أدنى يتعين ما قبل أخرى الذكر وكذا إن كانت غير متوالية وبينهما أكثر من عدد، وإن ذكرها متوالية بطريق الترقي من أدنى إلى أعلى فيتعين ما بعد أخر الذكر، وكذا إذا كان العددان بدون توال وبينهما مرتبة واحدة خالية. يعلم كل هذا من استقراء كلامه وتتبعه في قصيدته، ولأن استخراج تلك القرائن لمعرفة إن كان المقصود ما بعد أخرى الذكر أو قبله أمر الناظم الطالب بالبضع وهو التبين والفهم فقال «فابضع» أي فتبين ما أردت بيانه لك وما أقمت لك من القرائن على المقصود بما يزيل عن نفسك الشبه والارتياب والحيرة والتردد في العدد المسكوت عنه، والغالب في القصيدة أنه إنما يريد ما قبل أخرى الذكر فتنبه لذلك. والله الموفق.
وسميت أهل العد في آي خلفهم
بستتها الأولى ورتبت ما أجري

جعلت المدني أولاً ثم آخرًا
ومك إلى شام وكوف إلى بصرى

الإعراب: وسميت جملة فعلية ومفعولها أهل العد وفي آي خلفهم متعلق بالفعل قبله وكذا بستنها وضمير عائد على حروف أبي جاد، ورتبت جملة معطوفة على سميت وما مفعول رتبت، وأجرى مضارع مبني المعلوم والعائد محذوف أي ما أجريه. جعلت: جملة فعلية، المديني مفعول أول لجعلت بحذف مضاف أي جعلت أول المديني أولاً في الذكر، وقوله ثم آخرًا: ثم حرف عطف وآخرًا مفعول ثان والأول محذوف تقديره ثم آخر المديني آخرًا، وآخرًا الثاني بمعنى ثانيًا في الذكر. وقوله ومك
[معالم اليسر: 63]
معطوف على المفعول الأول لجعلت وحذفت ياؤه للضرورة. وقوله إلى شام متعلق بمحذوف معطوف على المفعول الثاني لجعلت. وكذا «وكوف إلى بصرى».
المعنى: يخبر الناظم في البيت الأول بأنه سمي أهل العدد في آيات الاختلاف بالستة الأولى من حروف أبي جاد، يعني أنه يرمز لأئمة العدد الستة بالأحرف الستة الأولى وهي الألف والباء والجيم والدال والهاء والواو، ورتب هذه الأحرف التي أطلقها على الأئمة الستة حسب ترتيبهم في الذكر في البيت الثاني. وهذا معنى قوله «ورتبت ما أجرى» وقوله «جعلت المديني الخ» يعني أنني بدأت بالمدني الأول فله الهمزة وجعلت المدني الأخير ثانيًا فله الحرف الثاني وهو الباء. وقوله ومك إلى شام يعني أنني ذكرت بعد المدني الأخير المكي مقرونًا إلى الشامي فللمكي الحرف الثالث وهو الجيم وللشامي الحرف الرابع وهو الدال. وقوله وكوف إلى بصرى: يعني أنه جعل الكوفي في المرتبة الخامسة فله الحرف الخامس وهو الهاء، وجعل البصري في المرتبة السادسة فله الواو وهو سادس الحروف.
فالحاصل أن المصنف جعل لأسماء الأئمة رمزين رمزًا اسميا كلميا وهو ما سبق في قوله وخذ بعلامات الخ، وآخر حرفيًا وهي هذه الأحرف الستة للأئمة الستة على الترتيب الذي بينه وشرحناه لك، وأخبر بأنه يرمز بتلك الأحرف أثناء آي الخلاف، وهذا إذا ضاق النظم، فإن اتسع له النظم فتارة يذكر الرمز الكلمي وأخرى يذكر الاسم الصريح كما فعل ذلك في حرز الأماني. والله أعلم.
[معالم اليسر: 64]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
باب, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:23 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir