دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:48 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي فصل في آية الربا

فصل في آية الربا

قال الله تعالى {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} إلى قوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ}.
قوله {فَلَهُ مَا سَلَفَ} أي مما كان قبضه من الربا جعله له {وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} قد قيل الضمير يعود إلى الشخص وقيل إلى {ما} وبكل حال
[تفسير آيات أشكلت: 2/574]
فالآية تقتضي أن أمره إلى الله لا إلى الغريم الذي عليه الدَّين بخلاف الباقي فإن للغريم أن يطلب إسقاطه.
كما قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} أي ذروا ما بقي من الزيادة في ذمم الغرماء وإن تبتم فلكم رأس المال من غير زيادة.
فقد أمرهم بترك الزيادة وهي الربا فيسقط عن ذمة الغريم ولا يطالب بها وهذه للغريم فيها حق الامتناع من أدائها والمخاصمة على ذلك وإبطال الحجة المكتتبة بها.
وأما ما كان قبضه فقد قال {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} فاقتضى أن السالف له للقابض وأن أمره إلى الله وحده لا شريك له ليس للغريم فيه أمر وذلك أنه لما {جاءه موعظة من ربه فانتهى} كان مغفرة ذلك الذنب والعقوبة
[تفسير آيات أشكلت: 2/575]
عليه إلى الله وهذا قد انتهى في الظاهر {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} إن علم من قلبه صحة التوبة غفر له وإلا عاقبه.
ثم قال {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} فأمر بترك الباقي ولم يأمر برد المقبوض.
وقال {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} لا يشترط منها ما قبض.
وهذا الحكم ثابت في حق الكافر إذا عامل كافرًا بالربا وأسلما بعد القبض وتحاكما إلينا فإن ما قبضه يحكم له به كسائر ما قبضه الكفار بالعقود التي يعتقدون حلها كما لو باع خمرًا وقبض ثمنها ثم أسلم فإن ذلك يحل له كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من أسلم على شيء فهو له.
[تفسير آيات أشكلت: 2/576]
وأما المسلم فله ثلاثة أحوال:
تارة يعتقد حل بعض الأنواع باجتهاد أو تقليد.
وتارة يعامل بجهل ولا يعلم أن ذلك ربًا مُحَرَّم.
وتارة يقبض مع علمه بأن ذلك محرم.
أما الأول والثاني ففيه قولان إذا تبين له فيما بعد أن ذلك ربًا محرم قيل
[تفسير آيات أشكلت: 2/577]
يرد ما قبض كالغاصب وقيل لا يرده وهو أصح لأنه كان يعتقد أن ذلك حلال والكلام فيما إذا كان مختَلفًا فيه مثل الحيل الربوية فإذا كان الكافر إذا تاب يغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه فالمسلم المتأوِّل إذا تاب يغفر له ما استحله ويباح له ما قبضه لأن المسلم إذا تاب أولى أن يغفر له إن كان قد أخذ بأحد قولي العلماء في حل ذلك فهو في تأويله أعذر من الكافر في تأويله.
وأما المسلم الجاهل فهو أبعد لكن ينبغي أن يكون كذلك فليس هو شرًّا من الكافر.
وقد ذكرنا فيما يتركه المسلم الجاهل من الواجبات التي لم يعرف وجوبها هل عليه قضاء قولان أظهرهما أنه لا قضاء عليه.
وأصل ذلك أن حكم الخطاب هل يثبت في حق المسلم قبل بلوغ الخطاب فيه قولان في مذهب أحمد وغيره.
[تفسير آيات أشكلت: 2/578]
ولأحمد روايتان فيما إذا صلى في معاطن الإبل أو صلى وقد أكل لحم الجزور ثم تبين له النص هل يعيد على روايتين.
[تفسير آيات أشكلت: 2/579]
وقد نصرت في موضع أنه لا يعيد وذكرت على ذلك أدلة متعددة منها قصة عمر وعمار لما كانا جُنبين ولم يصل عمر ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/580]
ومنها أبو ذر لم يأمره أيضًا بالإعادة.
ومنها المستحاضة التي قالت منعتني الصوم والصلاة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/581]
ومنها الأعرابي المسيء في صلاته الذي قال والله ما أحسن غير هذا
[تفسير آيات أشكلت: 2/582]
فأمره أن يعيد الصلاة الحاضرة لأن وقتها باق وهو مأمور بها ولم يأمره بإعادة ما صلى قبل ذلك.
ومنها الذين أكلوا حتى تبيَّن لهم الخيط الأبيض والأسود ولم يؤمروا بالإعادة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/583]
والشريعة أمْرٌ ونهْيٌ فإذا كان حكم الأمر لا يثبت إلا بعد بلوغ الخطاب وكذلك النهي فمن فعَلَ شيئًا لم يعلم أنه محرم ثم علم لم يعاقب وإذا عامل معاملات ربوية يعتقدها جائزة وقبض منها ما قبض ثم جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف ولا يكون شرًّا من الكافر ولو كان قد باع خمرًا أو حشيشة أو كلبًا لم يعلم أنها حرام وقبض ثمنها.
وسَمُرة لما باع وقبض ثمنها قال عمر قاتل الله سَمُرة ألم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله إذا حَرَّم على قوم أكل شيء حَرَّم عليهم ثمنه؟.
[تفسير آيات أشكلت: 2/584]
وكانوا يقبضون الخمر جزية عن أهل الذمة ثم يبيعونهم إياها فقال عمر ولوهم بيعها ثم خذوا ثمنها وما قبضه سَمُرة لم يذكر أن عمر أمر بردِّه وكيف يرده وقد أخذوا الخمر ولا نهاه عن الانتفاع به؟
وذلك أن هذا الذي قبضه قبل أن يعلم أنه محرم لا إثم عليه في قبضه فإنه لم يكن يعلم أنه محرم والكافر إذا غفر له قبضه لكونه قد تاب
[تفسير آيات أشكلت: 2/585]
فالمسلم أولى بطريق الأولى.
والقرآن يدل على هذا بقوله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} وهذا عام في كل ما جاءه موعظة من ربه فقد جعل الله له ما سلف ويدل على أن ذلك ثابت في حق المسلم ما بعد هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} فأمرهم بترك ما بقي ولم يأمرهم برَدِّ ما قبضوه فدل على أنه لهم مع قوله {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} والله يقبل التوبة عن عبادة.
فإذا قيل هذا مختص بالكافرين قيل ليس في القرآن ما يدل على ذلك إنما قال {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} وهذا يتناول المسلم بطريق الأولى.
وعائشة قد أدخلت فيه المسلم في قصة زيد بن أرقم لما قالت لأم ولده بئس ما شريتِ وبئس ما اشتريتِ أخبري زيدًا أنه قد حبط جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب فقالت يا أم المؤمنين أرأيت إن لم آخذ إلا رأس
[تفسير آيات أشكلت: 2/586]
مالي فقالت عائشة {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/587]
بل قد يقال إن هذا يتناول من كان يعلم التحريم إذا جاءته موعظة من ربه فانتهى فإن الله يغفر لمن تاب بتوبته فيكون ما مضى من الفعل وجوده كعدمه والآية تتناوله {فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} ويدل على ذلك قوله بعد هذا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} إلى قوله {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ}.
والتوبة تتناول المسلم العاصي كما تتناول الكافر ولا خلاف أنه لو عَامَله بربًا يحرم بالإجماع لم يقبض منه شيئًا ثم تاب أن له رأس ماله فالآية تناولته وقد قال فيها {اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا} ولم يأمر برد المقبوض بل قال قبل ذلك {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/588]
وهذا وإن كان ملعونًا على ما أكله وأوكله فإذا تاب غفر له ثم المقبوض قد يكون اتجر فيه وتقلب وقد يكون أكله ولم يبق منه شيء وقد يكون باقيًا فإن كان قد ذهب وجعل دينًا عليه كان في ذلك ضرر عظيم وكان هذا مُنفرًا عن التوبة وهذا الغريم يكفيه إحسانًا إليه إسقاطه ما بقي في ذمته وهو برضاه أعطاه وكلاهما ملعون.
ولو فرض أن رجلًا أمر رجلًا بإتلاف ماله وأتلفه لم يضمنه وإن كانا ظالمين وكذلك إذا قال اقتل عبدي هذا هو الصحيح وهو المنصوص عن أحمد وغيره.
فكذلك هذا هو سلط ذاك على أكل هذا المال برضاه فلا وجه لتضمينه وإن كانا آثمين كما لو أتلفه بفعله إذ لا فرق بين أن يتلفه بأكله أو بإحراقه بل أكله خير من إحراقه فإن لم يضمنه في هذا بطريق الأولى.
وأيضًا فكثير من العلماء يقولون إن السارق لا يغرم لئلا يجتمع عليه
[تفسير آيات أشكلت: 2/589]
عقوبتان من أن الحد حق لله والمال حق لآدمي.
وهذا أولى لئلا يجتمع على المُربي عقوبتان إسقاط ما بقي والمطالبة بما أكل وإن كان عين المال باقيًا فهو لم يقبضه بغير اختيار صاحبه كالسارق الغاصب بل قبضه باتفاقهما ورضاهما بعقد من العقود وهو لو كان كافرًا ثم أسلم لم يرده وقد قال تعالى {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ}.
وقد يقال لا يكون لواحدٍ منهما كما لو كان ثمن خمر أو مهر بغي
[تفسير آيات أشكلت: 2/590]
أو حلوان كاهن فإن هذا إذا تاب لا يعيده إلى صاحبه بل يتصدق به في أظهر قولي العلماء.
وكذلك لو استأجر رجلًا لحمل خمر نص عليه أحمد على أنه يُقضى له بالكراء ولا يأكله لأن الحمل عمل مباح فيستحق أجرته
[تفسير آيات أشكلت: 2/591]
ولكن لقصد المستأجر لا يأكله.
وكذلك لو باع عنبًا أو عصيرًا ممن يتخذه خمرًا فإنه يُقضى له بالثمن بلا ريب إذا تعذر رد العنب والعصير ولا يقول عاقل إن الذي أخذ العنب وعصره خمرًا يُعطى مع ذلك الثمن لكن غاية ما يقال إن هذا يتصدق بالثمن.
فإن قيل مثل هذا في الربا قياسًا على هذا فقد يقال هنا التحريم لحق الله لأن نفس عوض الخمر محرم وهناك التحريم لما فيه من ظلم الآدمي وإن كان لو رضي به لم يجز لأنه سفيه في ذلك.
وأيضًا ففي رده عليه تسليط لمن يحتال على الناس بأن يأخذها بعقود ربوية فينتفع بها ثم يطالبهم بما قبضوه وقد انتفع برأس ماله مدة بغير رضاهم فإنهم لم يعطوه قرضًا.
وهذه المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق وأما الذي لا ريب فيه عندنا فهو ما قبضه بتأويل أو جهل فهنا له ما سلف بلا ريب كما دل عليه الكتاب والسنة
[تفسير آيات أشكلت: 2/592]
والاعتبار وأما مع العلم بالتحريم فيحتاج إلى نظر فإنه قد يقال طرد هذا أن من اكتسب مالًا من ثمن خمر مع علمه بالتحريم فله ما سلف.
وكذلك كل من كسب مالًا محرمًا ثم تاب إذا كان برضا الدافع ويلزم مثل ذلك في مهر البغي وحلوان الكاهن.
وهذا ليس ببعيد عن أصول الشريعة فإنها تفرق بين التائب وغير التائب كما في قوله {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} وقال تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ}.
وهذا في الكفار ظاهر متواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم متفق عليه بين المسلمين فإن الكافر إذا أسلم لم يجب عليه قضاء ما تركه من صيام وصلاة وزكاة ولا يحرم ما اكتسبه من الأموال التي كان يعتقدها حلالًا ولا ضمان عليه فيما أتلفه لأنه كان يعتقد حل ذلك.
[تفسير آيات أشكلت: 2/593]
وأما المسلم إذا تاب ففي قضاء الصلاة والصيام نزاع ومما يقوي هذا أن هذا المال لا يتلف بلا نزاع بل إما أن يتصدق به وإما أن يدفع إلى الزاني والشارب الذي أخذ منه مع كونه مُصِرًّا وإما أن يجعل لهذا القابض التائب.
[تفسير آيات أشكلت: 2/594]
فإذا دفعه إلى الزاني والشارب فلا يقوله من يتصور ما يقول وإن كان من الفقهاء من يقوله فإن في هذا فسادًا مضاعفًا فإن ذلك كان ممنوعًا من الشرب والزنا ولو بذل العوض فإذا كان قد فعله بعوض وأعيد إليه العوض كان ذلك زيادة إعانة له وإغراء له بالسيئات.
وأما الصدقة فهي أوجه لكن يقال هذا الباب أحق به من غيره ولا ريب إن كان صاحب هذا الباب فقيرًا فهو أحق به من غيره من الفقراء وبهذا أفتيت غير مرة وإن كان التائب فقيرًا يأخذ منه قدر حاجته فإنه أحق به من غيره وهو إعانة له على التوبة وإن كلف إخراجه تضرر غاية الضرر ولم يتب ومن تدبر أصول الشرع علم أنه يتلطف بالناس في التوبة بكل طريق.
وأيضًا فلا مفسدة في أخذه فإن المال قد أخذه وخرج عن حكم صاحبه وعينه ليست محرمة وإنما حرم لكونه استعين به على محرم وهذا قد غفر
[تفسير آيات أشكلت: 2/595]
بالتوبة فيحل له مع الفقر بلا ريب وأخذ ذلك له مع الغنى وجه وفيه تيسير التوبة على من كسب مثل هذه الأموال.
وأما الربا فإنه قبض برضا صاحبه والله سبحانه يقول {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ} ولم يقل فمن أسلم ولا من تبين له التحريم بل قال {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى} والموعظة تكون لمن علم التحريم أعظم مما تكون لمن لم يعلمه قال الله تعالى {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} وقال {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا}.
وأيضًا فهذا وسط بين الغريمين فإن الغريم المدين ينهى أن يسقط عنه الزيادة وهذا عنده غاية السعادة وذاك لا ينهى أن يبقى له ما قبض وقد عفا الله عما مضى وأما تكليف هذا إعادة القرض فذلك مثل مطالبة الغريم بما بقي وكلاهما فيه شطط وتسلط وشدة عظيمة فهذا هذا والله أعلم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/596]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
في, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir