دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو القعدة 1442هـ/29-06-2021م, 11:22 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي

تناسق الدرر في تناسب السور للسيوطي

الفهرس:
1: مقدمة المؤلف.

2: مدخل (مقدمة في ترتيب السور).
3: سورة الفاتحة.
4: سورة البقرة.
5: سورة آل عمران.

6:سورة النساء.

7: سورة المائدة.

8: سورة الأنعام.

9: سورة الأعراف.

10:سورة الأنفال.

11: سورة براءة.

12: سورة يونس.
13: سورة هود.
14:سورة يوسف.

15:سورة الرعد.
16:سورة إبراهيم.

17: سورة الحجر.
18:سورة النحل.
19:سورة بني إسرائيل.

20:سورة الكهف.

21: سورة مريم.

22: سورة طه.

23: سورة الأنبياء.

24: سورة الحج.

25: سورة المؤمنون.

26: سورة النور.

27: سورة الفرقان.

28: سورة الشعراء.

29: سورة النمل.

30:سورة القصص.

31: سورة العنكبوت.

32: سورة الروم.

33: سورة لقمان.

34: سورة السجدة.

35: سورة الأحزاب.

36: سورة سبأ.

37: سورة فاطر.

38: سورة يس.

39: سورة الصافات.

40: سورة ص.

41: سورة الزمر.

42:سورة غافر.

43: سورة القتال.

44: سورة الفتح.

45:سورة الحجرات.

46:سورة الذاريات.

47:سورة الطور.

48: سورة النجم.

49: سورة القمر.

50: سورة الرحمن.

51: سورة الواقعة.

52:سورة الحديد.

53: سورة المجادلة.
54: سورة الحشر.
55: سورة الممتحنة والصف.
56: سورة الجمعة.

57: سورة المنافقون.
58: سورة التغابن.

59: سورة الطلاق والتحريم.

60: سورة تبارك.
61:سورة ن والحاقة.
62:سورة سأل ونوح.
63: سورة الجن والمزمل.
64: سورة المدثر والقيامة.
65: سورة الإنسان.
66: سورة المرسلات.

67: سورة عمّ.
68: سورة النازعات وعبس والتكوير.
69: سورة الانفطار والمطففين.
70: سورة الانشقاق والبروج والطارق.
71: سورة الأعلى والغاشية.
72: سورة الفجروالبلد.
73: سورة الشمس والليل والضحى.
74: سورة ألم نشرح.
75: سورة التين.
76: سورة العلق والقدر.
77: سورة لم يكن.
78: سورة الزلزلة.
79: سورة العاديات والقارعة.
80: سورة التكاثر والفيل.
81: سورة قريش والماعون.
82: سورة الكوثر والكافرون.
83: سورة النصر.
84: سورة تبت.
85: سورة الإخلاص.
86: سورة الفلق والناس.
87: الخاتمة.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

خطبة الكتاب
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (الحمد لله الذي أنزل كتابه المجيد على أحسن أسلوب، وبهر بحسن أساليبه وبلاغة تركيبه القلوب، نزله آيات بينات، وفصله سورًا وآيات، ورتبه بحكمته البالغة أحسن ترتيب، ونظمه أعظم نظام بأفصح لفظ وأبلغ تركيب، صلى الله على من أنزل إليه لينذر به وذكرى، ونزله على قلبه الشريف، فنفى عنه الحرج، وشرح له صدرًا، وعلى آله وصحبه مهاجرة ونصرًا.. وبعد:
فإن الله سبحانه منّ عليّ بالنظر في مواقع نجومه، وفتح لي أبواب التطرق إلى استخراج ما أودع فيه من علومه، فلا أزال أسرّح النظر في بساتينه من نوع إلى نوع، وأستسنح الخاطر في ميادينه فيبلغ الغرض ويرجع وهو يقول: لا روع، فتقت عن أنواع علومه ولقبتها، وأودعت ما أوعيت منها في دواوين وأعيتها، ونقبت عن معادن معانيه وأبرزتها، وأوقدت عليها نار القريحة وميزتها، وألفت في ذلك جامعًا ومفردًا، ومطنبًا ومقصدًا، ومن خلق لشيء فإلى تيسره، ومن أحب شيئًا أكثر من ذكره.
وإن مما ألفت في تعلقات القرآن كتاب "أسرار التنزيل" الباحث عن أساليبه، المبرز أعاجيبه، المبين لفصاحة ألفاظه وبلاغة تراكيبه، الكاشف عن وجه إعجازه، الداخل إلى حقيقته من مجازه، المطلع على أفانينه، المبدع في تقرير حججه وبراهينه، فإنه اشتمل على بضعة عشر نوعًا:
الأول: بيان مناسبات ترتيب سوره، وحكمة وضع كل سورة منها.
الثاني: بيان أن كل سورة شارحة لما أجمل في السورة التي قبلها.
الثالث: وجه اعتلاق فاتحة الكتاب بخاتمة التي قبلها.
الرابع: مناسبة مطلع السورة للمقصد الذى سيقت له، وذلك براعة الاستهلال.
الخامس: مناسبة أوائل السور لأواخرها.
السادس: مناسبات ترتيب آياته، واعتلاق بعضها ببعض، وارتباطها وتلاحمها وتناسقها.
السابع: بيان أساليبه في البلاغة، وتنويع خطاباته وسياقاته.
الثامن: بيان ما اشتمل عليه من المحسنات البديعية على كثرتها، كالاستعارة، والكناية، والتعريض، والالتفات، والتورية، والاستخدام واللف والنشر، والطباق، والمقابلة، وغير ذلك، والمجاز بأنواعه، وأنواع الإيجاز والإطناب.
التاسع: بيان فواصل الآي، ومناسبتها للآي التي ختمت بها.
العاشر: مناسبة أسماء السور لها.
[الحادي عشر: الألفاظ التي ظاهرها الترادف وبينهما فرق دقيق].
الثاني عشر: بيان وجه اختيار مرادفاته ولم عبّر به دون سائر المرادفات.
الثالث عشر: بيان القراءات المختلفة، مشهورها، وشاذها، وما تضمنته من المعاني والعلوم، فإن ذلك من جملة وجوه إعجازه.
الرابع عشر: بيان وجه تفاوت الآيات المتشابهات في القصص وغيرها؛ بالزيادة والنقص، والتقديم والتأخير، وإبدال لفظة مكان أخرى، ونحو ذلك.
وقد أردت أن أفرد جزءًا لطيفًا في نوع خاص من هذه الأنواع؛ هو مناسبات ترتيب السور؛ ليكون عجالة لمريده، وبغية لمستفيده، وأكثره من نتاج فكري، وولاد نظري؛ لقلة من تكلم في ذلك، أو خاض في هذه المسالك، وما كان فيه لغيري صرحت بعزوه إليه، ولا أذكر منه إلا ما استحسن، ولا انتقاد عليه، وقد كنت أولًا سميته "نتائج الفكر في تناسب السور" لكونه من مستنتجات فكري كما أشرت إليه، ثم عدلت وسميته "تناسق الدرر في تناسب السور"؛ لأنه أنسب بالمسمّى، وأزيد بالجناس.
وبالله تعالى التوفيق، وإياه أسأل حلاوة التحقيق، بمنّه ويمنه). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:05 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

مقدمة في ترتيب السور
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (مقدمة في ترتيب السور:
اختلف العلماء في ترتيب السور، هل هو بتوقيف من النبي -صلى الله عليه وسلم- أو باجتهاد من الصحابة؟ بعد الإجماع على أن ترتيب الآيات توقيفي، والقطع بذلك.
فذهب جماعة إلى الثاني؛ منهم: مالك، والقاضي أبو بكر في أحد قوليه، وجزم به ابن فارس.
ومما استدل به لذلك: اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور، فمنهم من رتبها على النزول، وهو مصحف علي، كان أوله: "اقرأ" ثم البواقي على ترتيب نزول المكي، ثم المدني، ثم كان أول مصحف ابن مسعود "البقرة" ثم "النساء" ثم "آل عمران" على اختلاف شديد، وكذا مصحف أبي بن كعب وغيره، على ما بينته في الإتقان.
وفي المصاحف لابن أشتة بسنده عن عثمان أنه أمرهم أن يتابعوا الطّول.
وذهب جماعة إلى الأول؛ منهم: القاضي أبو بكر في أحد قوليه وخلائق، قال أبو بكر بن الأنباري: أنزل الله القرآن كلّه إلى سماء الدنيا، ثم فرقه في بضع وعشرين سنة، فكانت السورة تنزل لأمر ينزل، والآية جوابًا لمستخبر، ويوقف جبريل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على موضع الآية والسورة، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وكان يعرض النبي -صلى الله عليه وسلم- على جبريل ما اجتمع لديه منه، وعرضه -صلى الله عليه وسلم- في السنة التي توفي فيها مرتين، وكذلك قال الطيبي.
وقال ابن الحصار: [ترتيب السور] ووضع الآيات موضعها إنما كان بالوحي.
وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم -مرتبًا سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة للحديث الآتي فيها.
ومال ابن عطية إلى أن كثيرًا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته -صلى الله عليه وسلم- كالسبع الطوال، والحواميم، والمفصل، وأن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوّض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية، ويبقى منها القليل يمكن أن يجرى فيه الخلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"، "رواه مسلم"، وكحديث سعيد بن خالد أنه -صلى الله عليه وسلم- "صلّى بالسبع الطوال في ركعة، وأنه كان يجمع المفصل في ركعة" "أخرجه ابن أبي شيبة". وأنه -صلى الله عليه وسلم- "كان إذا أوى إلى فراشه قرأ قل هو الله أحد، والمعوذتين" "أخرجه البخاري". وفيه عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء: "إنهن من العتاق الأول، وهنّ من تلادي".
وقال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من سول الله -صلى الله عليه وسلم- لحديث: "أعطيت مكان التوراة السبع الطوال، وأعطيت مكان الإنجيل المثاني، وفضّلت بالمفصّل"، "أخرجه أحمد وغيره". قال: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه من هذا الوقت هكذا.
وقال الحافظ ابن حجر: ترتيب معظم السور توقيفي؛ لحديث أحمد وأبي داود عن أوس الثقفي قال: كنت في وفد ثقيف، فقال [لنا] رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طرأ عليّ حزبي من القرآن، فأردت ألا أخرج حتى أقضيه". قال أوس: فسألنا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور، وخمس سور، وسبع سور، وتسع سور، وإحدى عشرة سورة، وثلاث عشرة سورة، وحزب المفصل، من "ق" حتى نختم.
قال: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو عليه في المصحف الآن كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعضهم: لترتيب وضع السور في المصحف أسباب تطلع على أنه توقيفي صادر من حكيم:
الأول: بحسب الحروف؛ كما في الحواميم، وذوات {الر} .
الثاني: لموافقة آخر السورة لأول ما بعدها؛ كآخر الحمد في المعنى وأول البقرة.
الثالث: الوزن في اللفظة كآخر {تبّت} وأول "الإخلاص".
الرابع: لمشابهة جملة السورة لجملة الأخرى؛ كـ"الضحى" و {ألم نشرح}.
وقال بعضهم: إذا اعتبرت افتتاح كل سورة وجدت في غاية المناسبة لما ختمت به السورة التي قبلها، ثم [هو] يخفى تارة، ويظهر أخرى.
وأخرج ابن أشتة عن ربيعة أنه سئل: لم قدمت البقرة وآل عمران وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة، وإنما نزلتا بالمدينة؟ فقال: قدمتا، وألّف القرآن على علم ممن ألفه [به ومن كان معه فيه واجتماعهم] على علمهم بذلك، فهذا مما ينتهى إليه، ولا يسأل عنه.
فإن قلت: فما عندك في ذلك؟
قلت: الذي عندي أولًا: تحديد محل الخلاف، وأنه خاص بترتيب سور الأقسام الأربعة، وأما نفس الأقسام الأربعة؛ من تقديم الطوال، ثم المئين، ثم المثاني، ثم المفصل، فهذا ينبغي أن يقطع بأنه توقيفي، وأن يدّعى فيه الإجماع، وإن لم أر من سبقني إلى ذلك؛ وإنما دعاني إلى هذا أمران:
أحدهما: ما تقدم من الأحاديث قريبًا، وحديث ابن عباس -رضي الله عنهما- الآتي في الأنفال.
والثاني: أن المصاحف التي وقع فيها الاختلاف في الترتيب اتفقت على ذلك؛ فإن مصحف أبي بن كعب وابن مسعود كلاهما قدم فيه الطوال، ثم المثاني، ثم المفصل؛ كمصحف عثمان؛ وإنما اختلفا في ترتيب سور كل قسم كما بينت [ذلك] في الإتقان.
[وهذا دليل قوي في دعوى القطع بأن ذلك توقيفي].
فإذا تحرر ذلك، ونظرنا إلى محل الخلاف، فالمختار عندي في ذلك: ما قاله البيهقي؛ وهو: أن ترتيب كل السور توقيفي، سوى الأنفال وبراءة.
ومما يدل على ذلك ويؤيده: توالي الحواميم، وذوات {الر} والفصل بين المسبحات، وتقديم {طس} على القصص، مفصولًا بها بين النظيرتين [طسم الشعراء، وطسم القصص] في المطلع والطول، وكذلك الفصل بين الانفطار والانشقاق بالمطففين، وهما نظيرتان في المطلع والمقصد، وهما أطول منها، فلولا أنه توقيفي لحكمة لتوالت المسبحات، وأخرت "طس" عن القصص، وأخرت "المطففين" أو قدمت، ولم يفصل بين {الر} و {الر}.
وليس هنا شيء أعارض به سوى اختلاف مصحف أبي وبن مسعود -رضي الله عنهما- ولو كان توقيفيًّا لم يقع فيهما اختلاف، كما لم يقع في [ترتيب] الآيات.
وقد منّ الله عليّ بجواب لذلك نفيس؛ وهو: أن القرآن وقع فيه النسخ كثيرًا للرسم، حتى لسور كاملة، وآيات كثيرة، فلا بدع أن يكون الترتيب العثماني هو الذي استقر في العرضة الأخيرة؛ كالقراءات التي في مصحفه، ولم يبلغ ذلك أبيًّا وابن مسعود -رضي الله عنهما- كما لم يبلغهما نسخ ما وضعاه في مصاحفهما من القراءات التي تخالف المصحف العثماني؛ ولذلك كتب أبي في مصحفه سورة الحفد، والخلع، وهما منسوختان.
فالحاصل أني أقول: ترتيب كل [من] المصاحف بتوقيف، واستقر التوقيف في العرضة الأخيرة على [الترتيب العثماني، كما أن جميع القراءات والمنسوخات] المثبتة في مصاحفهم بتوقيف، واستقر التوقيف في العرضة الأخيرة على القراءات [العثمانية، ورتب أولئك ما كان عندهم] ولم يبلغهم النسخ). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:06 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الفاتحة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الفاتحة:
افتتح سبحانه كتابه بهذه السورة؛ لأنها جمعت مقاصد القرآن؛ ولذلك كان من أسمائها: أم القرآن، وأم الكتاب، والأساس، فصارت كالعنوان وبراعة الاستهلال.
قال الحسن البصري: إن الله أودع علوم الكتاب السابقة في القرآن، ثم أودع علوم القرآن في المفصل، ثم أودع علوم المفصل في الفاتحة، فمن علم تفسيرها كان كمن علم تفسير جميع الكتب المنزلة "أخرجه البيهقي في شعب الإيمان".
وبيان اشتمالها على علوم القرآن قرره الزمخشري باشتمالها على الثناء على الله بما هو أهله، وعلى التعبد، والأمر والنهي، وعلى الوعد والوعيد، وآيات القرآن لا تخلو عن هذه الأمور.
[و] قال الإمام فخر الدين: المقصود من القرآن كله تقرير أمور أربعة: الإلهيات، والمعاد، والنبوات، وإثبات القضاء والقدر، فقوله: {الحمد للّه ربّ العالمين} يدل على الإلهيات، وقوله: {مالك يوم الدّين} يدل على نفي الجبر، وعلى إثبات أن الكل بقضاء الله وقدره، وقوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخر السورة يدل على إثبات قضاء الله، وعلى النبوات، فقد اشتملت هذه السورة على المطالب الأربعة، التي هي المقصد الأعظم من القرآن.
وقال البيضاوي: هي مشتملة على الحكم النظرية، والأحكام العملية، التي هي سلوك الصراط المستقيم، والاطلاع على مراتب السعداء، ومنازل الأشقياء.
وقال الطيبي: هي مشتملة على أربعة أنواع من العلوم التي هي مناط الدين:
أحدها: علم الأصول، ومعاقده معرفة الله عز وجل وصفاته، وإليها الإشارة بقوله: {ربّ العالمين، الرّحمن الرّحيم} ومعرفة المعاد، وهو المومأ إليه بقوله: [ {مالك يوم الدّين} .
وثانيها: علم الفروع، وأسّه العبادات، وهو المراد بقوله: {إيّاك نعبد} ].
وثالثها: علم ما يحصل به الكمال، وهو علم الأخلاق، وأجله الوصول إلى الحضرة الصمدانية، والالتجاء إلى جناب الفردانية، والسلوك لطريقة الاستقامة فيها، وإليه الإشارة بقوله: [ {وإيّاك نستعين، اهدنا الصّراط المستقيم} .
ورابعها: علم القصص والإخبار عن الأمم السالفة والقرون الخالية، السعداء منهم والأشقياء، وما يتصل بها من وعد محسنهم ووعيد مسيئهم، وهو المراد بقوله:] {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} .
قال: وجميع القرآن تفصيل لما أجملته الفاتحة؛ فإنها بنيت على إجمال ما يحويه القرآن مفصلًا؛ فإنها واقعة في مطلع التنزيل، والبلاغة فيه: أن تتضمن ما سيق الكلام لأجله؛ ولهذا لا ينبغي أن يقيد شيء من كلماتها ما أمكن الحمل على الإطلاق.
وقال الغزالي في "خواص القرآن": مقاصد القرآن ستة: ثلاثة مهمة، وثلاثة تتمة:
الأول: تعريف المدعو إليه، كما أشير إليه بصدرها.
وتعريف الصراط المستقيم، وقد صرح به فيها.
وتعريف الحال عند الرجوع إليه تعالى، وهو الآخرة، كما أشير إليه بقوله: {مالك يوم الدّين} .
والأخرى: تعريف أحوال المطيعين، كما أشار إليه بقوله: {الّذين أنعمت عليهم} .
[حكاية أقوال الجاحدين، وقد أشير إليها بـ: {المغضوب عليهم} و {الضّالّين} ].
وتعريف منازل الطريق، كما أشير إليه بقوله: {إيّاك نعبد وإيّاك نستعين} ).[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة البقرة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة البقرة:
قال بعض الأئمة: تضمنت سورة الفاتحة: الإقرار بالربوبية، والالتجاء إليها في دين الإسلام، والصيانة عن دين اليهود والنصارى.
وسورة البقرة تضمنت قواعد الدين، وآل عمران مكملة لمقصودها.
فالبقرة بمنزلة إقامة الدليل على الحكم، وآل عمران بمنزلة الجواب عن شبهات الخصوم؛ ولهذا ورد فيها كثير من المتشابه لما تمسك به النصارى.
فأوجب الحج في آل عمران، وأما في البقرة فذكر أنه مشروع وأمر بإتمامه بعد الشروع فيه، وكان خطاب النصارى في آل عمران، كما أن خطاب اليهود في البقرة أكثر؛ لأن التوراة أصل، والإنجيل فرع لها، والنبي -صلى الله عليه وسلم- لما هاجر إلى المدينة دعا اليهود وجاهدهم، وكان جهاده للنصارى في آخر الأمر، كما كان دعاؤه لأهل الشرك قبل أهل الكتاب؛ ولهذا كانت السور المكية فيها الدين الذي اتفق عليه الأنبياء، فخوطب به جميع الناس، والسور المدنية فيها خطاب من أقرّ بالأنبياء من أهل الكتاب والمؤمنين، فخوطبوا بـ: يأهل، الكتاب، يا بني إسرائيل، يأيها الذين آمنوا.
وأما سورة النساء فتضمنت أحكام الأسباب التي بين الناس، وهي نوعان: مخلوقة لله، ومقدورة لهم، كالنسب والصهر؛ ولهذا افتتحت بقوله: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها} [ثم] قال: {واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام}.
فانظر إلى هذه المناسبة العجيبة، والافتتاح، وبراعة الاستهلال؛ حيث تضمنت الآية المفتتح بها ما في أكثر السورة من أحكام؛ من نكاح النساء ومحرماته، والمواريث المتعلقة بالأرحام، وأن ابتداء هذا الأمر بخلق آدم، ثم خلق زوجته منه، ثم بث منهما رجالًا كثيرًا ونساء في غاية الكثرة.
[و] أما المائدة فسورة العقود، [و] تضمنت بيان تمام الشرائع، ومكملات الدين، والوفاء بعهود الرسل، وما أخذ على الأمة، وبها تمّ الدين، فهي سورة التكميل؛ لأن فيها تحريم الصيد على المحرم، الذي هو من تمام الإحرام، وتحريم الخمر الذي هو من تمام حفظ العقل والدين، وعقوبة المعتدين من السّرّاق والمحاربين، الذي هو من تمام حفظ الدماء والأموال، وإحلال الطيبات، الذي هو من تمام عبادة الله؛ ولهذا ذكر فيها ما يختص بشريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- كالوضوء] والتيمم، والحكم بالقرآن على كل ذي دين.
ولهذا كثر فيها لفظ الإكمال والإتمام، وذكر فيها: أن من ارتد عوض الله بخير منه، ولا يزال هذا الدين كاملًا؛ ولهذا ورد أنها آخر ما نزل لما فيها من إرشادات الختم والتمام. وهذا الترتيب بين هذه السور الأربع المدنيات من أحسن الترتيب. انتهى.
وقال بعضهم: افتتحت البقرة بقوله: {الم، ذلك الكتاب لا ريب فيه} فإنه إشارة إلى الصراط المستقيم في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} كأنهم لما سألوا الهداية إلى الصراط المستقيم، قيل لهم: ذلك الصراط الذي سألتم الهداية إليه، كما أخرج بن جرير وغيره من حديث علي -رضي الله عنه- مرفوعًا: "الصراط المستقيم كتاب الله" "وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود موقوفًا".
وهذا معنى حسن يظهر فيه سر ارتباط البقرة بالفاتحة.
وقال الخويي: أوائل هذه السورة مناسبة لأواخر سورة الفاتحة؛ لأن الله تعالى لما ذكر أن الحامدين طلبوا الهدى، قال: قد أعطيتكم ما طلبتم: هذا الكتاب هدى لكم فاتبعوه، وقد اهتديتم إلى الصراط المستقيم المطلوب المسئول.
ثم إنه ذكر في أوائل هذه السورة الطوائف الثلاث الذين ذكرهم في الفاتحة، فذكر الذين على هدى من ربهم، وهم المنعم عليهم، والذين اشتروا الضلالة بالهدى، وهم الضالون، والذين باءوا بغضب من الله، وهم المغضوب عليهم. انتهى.
[و] أقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوهًا من هذه المناسبات:
أحدها: أن القاعدة التي استقرأتها القرآن: أن كل سورة تفصيل لإجمال ما قبلها، وشرح له، وإطناب لإيجازه، وقد استمر معي ذلك في غالب سور القرآن، طويلها وقصيرها، وسورة البقرة قد اشتملت على تفصيل جميع مجملات الفاتحة.
فقوله: {الحمد للّه} تفصيله: ما وقع فيها من الأمر بالذكر في عدة آيات، ومن الدعاء في قوله: {أجيب دعوة الدّاع إذا دعان} "186" الآية، وفي قوله: {ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربّنا ولا تحمل علينا إصرًا كما حملته على الّذين من قبلنا ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين} "286"، وبالشكر في قوله: {فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون} "152".
وقوله: {ربّ العالمين} تفصيله قوله: {اعبدوا ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون، الّذي جعل لكم الأرض فراشًا والسّماء بناءً وأنزل من السّماء ماءً فأخرج به من الثّمرات رزقًا لكم فلا تجعلوا للّه أندادًا وأنتم تعلمون} "21، 22"، وقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ سبع سماواتٍ وهو بكلّ شيءٍ عليمٌ} "29"؛ ولذلك افتتحها بقصة خلق آدم الذي هو مبدأ البشر، وهو أشرف الأنواع من العالمين، وذلك شرح إجمال {ربّ العالمين} .
وقوله: {الرّحمن الرّحيم} قد أومأ إليه بقوله في قصة [توبة] آدم: {فتاب عليكم إنّه هو التّوّاب الرّحيم} "54"، وفي قصة إبراهيم لما سأل الرزق للمؤمنين خاصة [بقوله: {وارزق أهله من الثّمرات من آمن} "126"]، فقال: {ومن كفر فأمتّعه قليلًا} "126"؛ وذلك لكونه رحمانًا.
وما وقع في قصة بني إسرائيل: {ثمّ عفونا عنكم} "52" إلى أن أعاد الآية بجملتها في قوله: {لا إله إلّا هو الرّحمن الرّحيم} "163".
وذكر آية الدّين إرشادًا للطالبين من العباد، ورحمة بهم، ووضع عنهم الخطأ والنسيان والإصر، وما لا طاقة لهم به، وختم بقوله: {واعف عنّا واغفر لنا وارحمنا} "286" وذلك شرح قوله: {الرّحمن الرّحيم}.
وقوله: {مالك يوم الدّين} "الفاتحة: " تفصيله: ما وقع من ذكر يوم القيامة في عدة مواضع؛ ومنها قوله: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه} "284". والدين [في الفاتحة] : الحساب [في البقرة] .
وقوله: {إيّاك نعبد} مجمل شامل لجميع أنواع الشريعة الفروعية، وقد فصلت في البقرة أبلغ تفصيل، فذكر فيها: الطهارة، والحيض، والصلاة، والاستقبال، وطهارة المكان، والجماعة، وصلاة الخوف، وصلاة الجمع، والعيد، والزكاة بأنواعها؛ كالنبات، والمعادن، والاعتكاف، والصوم، وأنواع الصدقات، والبر، والحج، والعمرة، والبيع، والإجارة، والميراث، والوصية، والوديعة، والنكاح، والصداق، والطلاق، والخلع، والرجعة، والإيلاء، والعدّة، والرضاع، والنفقات، والقصاص، والديات، وقتال البغاة، والردة، والأشربة، والجهاد، والأطعمة، والذبائح، والأيمان، والنذور، والقضاء، والشهادات، والعتق.
فهذه أبواب الشريعة كلها مذكورة في هذه السورة.
وقوله: {وإيّاك نستعين} شامل لعلم الأخلاق. وقد ذكر منها في هذه السورة الجم الغفير؛ من التوبة، والصبر، والشكر، والرضا، والتفويض، والذكر، والمراقبة، والخوف، وإلانة القول.
وقوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخره. تفصيله: ما وقع في السورة من ذكر طريق الأنبياء، ومن حاد عنهم من النصارى؛ ولهذا ذكر في الكعبة أنها قبلة إبراهيم، فهي من صراط الذين أنعم عليهم، وقد حاد عنها اليهود والنصارى معًا؛ ولذلك قال في قصتها: {يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} "142"، تنبيهًا على أنها الصراط الذي سألوا الهداية إليه.
ثم ذكر: {ولئن أتيت الّذين أوتوا الكتاب بكلّ آيةٍ ما تبعوا قبلتك} "145"، وهم المغضوب عليهم والضالون الذين حادوا عن طريقهم. ثم أخبر بهداية الذين آمنوا إلى طريقهم. ثم قال: {واللّه يهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيمٍ} "213". فكانت هاتان الآيتان تفصيل إجمال: {اهدنا الصّراط المستقيم} إلى آخر السورة.
وأيضًا قوله أول السورة: {هدىً للمتّقين} "2" إلى آخره في وصف الكتاب، إخبار بأن الصراط الذي سألوا الهداية إليه هو: ما تضمنه الكتاب؛ وإنما يكون هداية لمن اتصف بما ذكر [من صفات المتقين] . ثم ذكر أحوال الكفرة، ثم أحوال المنافقين، وهم من اليهود، وذلك [أيضًا] تفصيل لمن حاد عن الصراط المستقيم، ولم يهتد بالكتاب.
وكذلك قوله هنا: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط} "136" الآية، فيه تفصيل النبيين المنعم عليهم. وقال في آخرها: {لا نفرّق بين أحدٍ منهم} "136" تعريفًا بالمغضوب عليهم والضالين الذين فرقوا بين الأنبياء؛ ولذلك عقبها بقوله: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا} "137" أي: إلى الصراط المستقيم، صراط المنعم عليهم كما اهتديتم.
فهذا ما ظهر لي، والله أعلم بأسرار كتابه.
الوجه الثاني: أن الحديث والإجماع على تفسير {المغضوب عليهم} باليهود، والضالين بالنصارى، وقد ذكروا في سورة الفاتحة على حسب ترتيبهم في الزمان، فعقب بسورة البقرة، وجميع ما فيها [من] خطاب أهل الكتاب لليهود خاصة، وما وقع فيها من ذكر النصارى لم يقع بذكر الخطاب.
ثم بسورة آل عمران، وأكثر ما فيها من خطاب أهل الكتاب للنصارى؛ فإن ثمانين آية من أولها نازلة في وفد نصارى نجران، كما ورد في سبب نزولها، وختمت بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه} "آل عمران: 199"، وهي في النجاشي وأصحابه من مؤمني النصارى، كما ورد به الحديث. وهذا وجه بديع في ترتيب السورتين؛ كأنه لما ذكر في الفاتحة الفريقين، قص في كل سورة مما بعدها حال كل فريق على الترتيب الواقع فيها؛ ولهذا كان صدر سورة النساء في ذكر اليهود، وآخرها في ذكر النصارى.
والوجه الثالث: أن سورة البقرة أجمع سور القرآن للأحكام والأمثال؛ ولهذا سميت في أثر: "فسطاط القرآن"، الذي هو: المدينة الجامعة، فناسب تقديمها على جميع سوره.
الوجه الرابع: أنها أطول سورة في القرآن، وقد افتتح بالسبع الطوال، فناسب البداءة بأطولها.
الوجه الخامس: أنها أول سورة نزلت بالمدينة، فناسب الابتداء بها؛ فإن للأولية نوعًا من الأولوية.
الوجه السادس: أن سورة الفاتحة لما ختمت بالدعاء للمؤمنين بألا يسلك بهم طريق المغضوب عليهم ولا الضالين إجمالًا، وختمت سورة البقرة بالدعاء بألا يسلك بهم طريقهم في المؤاخذة بالخطأ والنسيان، وحمل الإصر، وما لا طاقة لهم به تفصيلًا، وتضمن آخرها أيضًا الإشارة إلى طريق المغضوب عليهم والضالين بقوله: {لا نفرّق بين أحدٍ من رسله} "285" فتآخت السورتان وتشابهتا في المقطع، وذلك من وجوه المناسبة في التتالي والتناسق. وقد ورد في الحديث التأمين في آخر سورة البقرة كما هو مشروع في آخر الفاتحة، فهذه ستة وجوه ظهرت لي، ولله الحمد والمنة). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #6  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:08 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة آل عمران
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة آل عمران:
قد تقدم ما يؤخذ منه مناسبة وضعها.
وقال الإمام: لما كانت هذه السورة قرينة سورة البقرة، وكالمكملة لها، افتتحت بتقرير ما افتتحت به تلك، وصرح في منطوق مطلعها بما طوي في مفهوم [مطلع] تلك.
وأقول: قد ظهر لي بحمد الله وجوه من المناسبات:
أحدها: مراعاة القاعدة التي قررتها، من شرح كل سورة لإجمال ما في السورة قبلها، وذلك هنا في عدة مواضع:
منها: ما أشار إليه الإمام، فإن أول البقرة افتتح بوصف الكتاب بأنه لا ريب فيه. وقال في آل عمران: {نزّل عليك الكتاب بالحقّ مصدّقًا لما بين يديه} "13"، وذلك بسط وإطناب؛ لنفي الريب عنه.
ومنها: أنه ذكر في البقرة إنزال الكتاب مجملًا، وقسّمه هنا إلى آيات محكمات، ومتشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وما أنزل من قبلك} "البقرة: " [مجملًا]، وقال هنا: {وأنزل التّوراة والإنجيل، من قبل هدًى للنّاس} "3، 4" مفصلًا. وصرح بذكر الإنجيل هنا؛ لأن السورة خطاب للنصارى، ولم يقع التصريح به في سورة البقرة بطولها؛ وإنما صرح فيها بذكر التوراة خاصة؛ لأنها خطاب لليهود.
ومنها: أن ذكر القتال وقع في سورة البقرة مجملًا بقوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه} "190، 244" [وقوله] : {كتب عليكم القتال} "البقرة: 216"، وفصلت هنا قصة أحد بكمالها.
ومنها: أنه أوجز في البقرة ذكر المقتولين في سبيل الله بقوله: {أحياءٌ ولكن لا تشعرون} "البقرة: 154" وزاد هنا: {عند ربّهم يرزقون، فرحين بما آتاهم اللّه من فضله ويستبشرون بالّذين لم يلحقوا بهم من خلفهم} "169، 170" الآيتين، وذلك إطناب عظيم.
ومنها: أنه قال في البقرة: {واللّه يؤتي ملكه من يشاء} "البقرة: 247". وقال هنا: {قل اللّهمّ مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء بيدك الخير إنّك على كلّ شيءٍ قديرٌ} "26"، فزاد إطنابًا وتفصيلًا.
ومنها: أنه حذر من الرباء في البقرة، ولم يزد على لفظ الربا إيجازًا وزاد هنا قوله: {أضعافًا مضاعفة} "130"، وذلك بيان وبسط.
ومنها: أنه قال في البقرة: {وأتمّوا الحجّ} "البقرة: 196"، وذلك إنما يدل على الوجوب إجمالًا، وفصله هنا بقوله: {وللّه على النّاس حجّ البيت} "97". وزاد: بيان شرط الوجوب بقوله: {من استطاع إليه سبيلًا} "97". ثم زاد: تكفير من جحد وجوبه بقوله: {ومن كفر فإنّ اللّه غنيٌّ عن العالمين} "97".
ومنها: أنه قال في البقرة في أهل الكتاب: {ثمّ تولّيتم إلّا قليلًا منكم} "البقرة: 83". فأجمل القليل، وفصله هنا بقوله: {ليسوا سواءً من أهل الكتاب أمّةٌ قائمةٌ يتلون آيات اللّه آناء اللّيل وهم يسجدون} "113، 114" الآيتين.
ومنها: أنه قال في البقرة: {قل أتحاجّوننا في اللّه وهو ربّنا وربّكم ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم ونحن له مخلصون} "البقرة: 139". فدل بها على تفضيل هذه الأمة على اليهود تعريضًا لا تصريحًا، وكذلك قوله: {وكذلك جعلناكم أمّةً وسطًا} "البقرة: 143" في تفضيل هذه الأمة على سائر الأمم بلفظ فيه يسير إبهام، وأتى في هذه [السورة] بصريح البيان فقال: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس}"110". فقوله: {كنتم} أصرح في قدم ذلك من {جعلناكم} ثم زاد [بيان] وجه الخيرية بقوله: {تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه} "110".
ومنها: أنه قال في البقرة: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكّام} "البقرة: 188" الآية. وبسط الوعيد هنا بقوله: {إنّ الّذين يشترون بعهد اللّه وأيمانهم ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة} "77" الآية، وصدره بقوله: {ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطارٍ يؤدّه إليك ومنهم من إن تأمنه بدينارٍ لا يؤدّه إليك إلّا ما دمت عليه قائمًا ذلك بأنّهم قالوا ليس علينا في الأمّيّين سبيلٌ} "75".
فهذه عدة مواضع وقعت في البقرة مجملة، وفي آل عمران تفصيلها.
الوجه الثاني: أن بين هذه السورة وسورة البقرة اتحادًا وتلاحمًا متأكدًا؛ لما تقدم من أن البقرة بمنزلة إزالة الشبهة؛ ولهذا تكرر هنا ما يتعلق بالمقصود الذي هو بيان حقيقة الكتاب: من إنزال الكتاب، وتصديقه للكتب قبله، والهدى إلى الصراط المستقيم. وتكررت هنا آية: {قولوا آمنّا باللّه وما أنزل} "البقرة: 136" بكمالها؛ ولذلك أيضًا ذكر في هذه ما هو تال لما ذكر في تلك، أو لازم في تلك، أو لازم له.
فذكر هناك خلق الناس، وذكر هنا تصويرهم في الأرحام، وذكر هناك مبدأ خلق آدم، وذكر هنا مبدأ خلق أولاده، وألطف من ذلك: أنه افتتح البقرة بقصة آدم؛ حيث خلقه من غير أب ولا أم، وذكر في هذه نظيره في الخلق من غير أب؛ وهو عيسى عليه السلام؛ ولذلك ضرب له المثل بآدم، واختصت البقرة بآدم لأنها أول السور، وآدم أول في الوجود وسابق، ولأنها الأصل، وهذه كالفرع والتتمة لها، فمختصة بالإعراب [والبيان] .
ولأنها خطاب لليهود الذين قالوا في مريم ما قالوا، وأنكروا وجود ولد بلا أب، ففوتحوا بقصة آدم؛ لتثبت في أذهانهم، فلا تأتي قصة عيسى إلا وقد ذكر عندهم ما يشهد لها من جنسها.
ولأن قصة عيسى قيست على قصة آدم في قوله: {كمثل آدم} "59" الآية، والمقيس عليه لا بدّ وأن يكون معلومًا؛ لتتم الحجة بالقياس، فكانت قصة آدم والسورة التي هي فيها جديرة بالتقدم.
ومن وجوه تلازم السورتين: أنه قال في البقرة في صفة النار: {أعدّت للكافرين} "البقرة: 24"، ولم يقل في الجنة: أعدت للمتقين، مع افتتاحها بذكر المتقين والكافرين معًا، وقال ذلك في آل عمران في قوله: {وجنّةٍ عرضها السّماوات والأرض أعدّت للمتّقين} "133"، فكأن السورتين بمنزلة سورة واحدة.
وبذلك يعرف أن تقديم آل عمران على النساء أنسب من تقديم النساء عليها.
وأمر آخر استقرأته؛ وهو: أنه إذا وردت سورتان بينهما تلازم واتحاد، فإن السورة الثانية تكون خاتمتها مناسبة لفاتحة الأولى للدلالة على الاتحاد. وفي السورة المستقلة عما بعدها يكون آخر السورة نفسها مناسب لأولها، وآخر آل عمران مناسب لأول البقرة؛ فإنها افتتحت بذكر المتقين، وأنهم المفلحون، وختمت آل عمران بقوله: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون} "200".
وافتتحت البقرة بقوله: {والّذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك} "البقرة: 4"، وختمت آل عمران بقوله: {وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن باللّه وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم} "199"، فلله الحمد على ما ألهم.
وقد ورد أنه لما نزلت: {من ذا الّذي يقرض اللّه قرضًا حسنًا} "البقرة: 245"، قالت اليهود: يا محمد، افتقر ربك، فسأل عباده القرض، فنزل قوله: {لقد سمع اللّه قول الّذين قالوا إنّ اللّه فقيرٌ ونحن أغنياء} "181"، فذلك أيضًا من تلازم السورتين.
ووقع في البقرة حكاية عن إبراهيم: {ربّنا وابعث فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتك} "البقرة: 129" الآية، ونزل في هذه: {لقد منّ اللّه على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم يتلو عليهم} "164"، وذلك أيضًا من تلازم السورتين). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #7  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة النساء
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النساء:
قد تقدم وجه مناسبتها.
وأقول: هذه السورة أيضًا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة.
فمنها: أنه أجمل في البقرة قوله: {اعبدوا ربّكم الّذي خلقكم والّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} "البقرة: 21"، وزاد هنا: {خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالًا كثيرًا ونساءً} "1".
وانظر لما كانت آية التقوى في سورة البقرة غاية، جعلها في أول هذه السورة التالية لها مبدأ.
ومنها: أنه أجمل في سورة البقرة: {اسكن أنت وزوجك الجنّة} "البقرة: 35"، وبين هنا أن زوجته خلقت منه في قوله: {وخلق منها زوجها} "1".
ومنها: أنه أجمل في البقرة آية اليتامى، وآية الوصية، والميراث، والوارث، في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} "البقرة: 233"، وفصل ذلك في هذه السورة أبلغ تفصيل.
و [منها أنه] فصل هنا من الأنكحة ما أجمله هناك.
ومنها: أنه قال في البقرة: {ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ} "البقرة: 221" فذكر نكاح الأمة إجمالًا، وفصل هنا شروطه.
ومنها: أنه ذكر الصداق في البقرة مجملًا بقوله: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا} "البقرة: 299"، وشرحه هنا مفصلًا.
ومنها: أنه ذكر هناك الخلع، وذكر هنا أسبابه ودواعيه؛ من النشوز وما يترتب عليه، وبعث الحكمين.
ومنها: أنه فصل هنا من أحكام المجاهدين، وتفصيلهم درجات، والهجرة، ما وقع هناك مجملًا، أو مرموزًا.
وفيها من الاعتلاق بسورة الفاتحة: تفسير: {الّذين أنعمت عليهم} في قوله: {من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين}"69".
وأما وجه اعتلاقها بآل عمران فمن وجوه:
منها: أن آل عمران ختمت بالأمر بالتقوى، وافتتحت هذه السورة به، وذلك من آكد وجوه المناسبات في ترتيب السور، وهو نوع من [أنواع] البديع يسمى: تشابه الأطراف.
ومنها: أن سورة آل عمران ذكر فيها قصة أحد مستوفاة، وذكر في هذه السورة ذيلها، وهو قوله: {فما لكم في المنافقين فئتين} "88"؛ فإنها نزلت لما اختلف الصحابة فيمن رجع من المنافقين من غزوة أحد، كما في الحديث.
ومنها: أن في آل عمران ذكرت الغزوة التي بعد أحد بقوله: {الّذين استجابوا للّه والرّسول من بعد ما أصابهم القرح} "آل عمران: 172"، وأشير إليها هنا بقوله: {ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون} "104" الآية.
وبهذين الوجهين عرف أن تأخير النساء عن آل عمران أنسب من تقديمها عليها في مصحف ابن مسعود؛ لأن المذكور هنا ذيل ما في آل عمران وتابعه ولاحقه، فكانت بالتأخير أنسب.
ومنها: أنه [لما] ذكر في آل عمران قصة خلق عيسى بلا أب، وأقيمت له الحجة بآدم، وفي ذلك تبرئة لأمه، خلافًا لما زعم اليهود، وتقريرًا لعبوديته، خلافًا لما ادعته النصارى، وذكر في هذه السورة الرد على الفريقين معًا؛ فرد على اليهود بقوله: {وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا} "156"، وعلى النصارى بقوله: {لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على اللّه إلّا الحقّ إنّما المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه} إلى قوله: {لن يستنكف المسيح أن يكون عبدًا للّه} "171، 172".
ومنها: أنه لما ذكر في آل عمران: {إنّي متوفّيك ورافعك إليّ} "آل عمران: 55"، ورد هنا على من زعم قتله بقوله: {وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول اللّه وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكٍّ منه ما لهم به من علمٍ إلّا اتّباع الظّنّ وما قتلوه يقينًا، بل رفعه اللّه} "157، 158".
ومنها: أنه لما قال في آل عمران في المتشابه: {والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا} "آل عمران: 7"، قال هنا: {لكن الرّاسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك} "162" الآية.
ومنها: أنه لما قال في آل عمران: {زيّن للنّاس حبّ الشّهوات من النّساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذّهب والفضّة والخيل المسوّمة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدّنيا} "آل عمران: 14" الآية.
فصل هذه الأشياء في السورة التي بعدها على نسق ما وقعت في الآية؛ ليعلم ما أحل الله من ذلك فيقتصر عليه، وما حرم فلا يتعدى إليه؛ لميل النفس إليه.
ففصل في هذه السورة أحكام النساء ومباحاتها للابتداء بها في الآية السابقة في آل عمران، ولم يحتج إلى تفصيل البنين؛ لأن الأولاد أمر لازم [للإنسان] لا يترك منه شيء كما يترك من النساء، فليس فيهم مباح فيحتاج إلى بيانه، ومع ذلك أشير إليهم في قوله: {وليخش الّذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّةً ضعافًا خافوا عليهم فليتّقوا اللّه وليقولوا قولًا سديدًا}"9".
ثم فصل في سورة المائدة أحكام السراق، وقطاع الطريق، لتعلقهم بالذهب والفضة الواقعين في الآية بعد النساء والبنين. ووقع في سورة النساء إشارة إلى ذلك في قسمة المواريث.
ثم فصل في سورة الأنعام أمر الحيوان والحرث، وهو بقية المذكور في آية آل عمران. فالنظر إلى هذه اللطيفة التي منّ الله بإلهامها!
ثم ظهر لي أن سورة النساء فصل فيها ذكر البنين أيضًا؛ لأنه لما أخبر بحب الناس لهم، وكان من ذلك: إيثارهم على البنات في الميراث، وتخصيصهم به دونهن، تولى قسمة المواريث بنفسه، فقال: {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين}"11"، وقال: {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ} "7". فرد على ما كانوا يصنعون من تخصيص البنين بالميراث؛ لحبهم إياهم، فكان ذلك تفصيلًا لما يحل ويحرم من إيثار البنين، اللازم عن الحب، وفي ضمن ذلك تفصيل لما يحل للذكر أخذه من الذهب والفضة وما يحرم.
ومن الوجوه المناسبة لتقدم آل عمران على النساء: اشتراكها مع البقرة في الافتتاح بإنزال الكتاب، وفي الافتتاح بـ {الم} وسائر السور المفتتحة بالحروف المقطعة كلها مقترنة؛ كيونس وتواليها، ومريم وطه، والطواسين، و {الم} العنكبوت وتواليها، والحواميم، وفي ذلك أول دليل على اعتبار المناسبة في الترتيب بأوائل السور.
ولم يفرق بين السورتين من ذلك بما ليس مبدوءًا به سوى بين الأعراف ويونس اجتهادًا لا توقيفًا [كما سيأتي]، والفصل بالزمر بين {حم} غافر و {ص} وسيأتي.
ومن الوجوه في ذلك أيضًا: اشتراكهما في التسمية بالزهراوين في حديث: "اقرءوا الزهراوين: البقرة وآل عمران"، فكان افتتاح القرآن بهما نظير اختتامه بسورتي الفلق والناس، المشتركتين في التسمية بالمعوذتين). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #8  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة المائدة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة المائدة:
وقد تقدّم وجه في مناسبتها.
وأقول: هذه السورة أيضًا شارحة لبقية مجملات سورة البقرة؛ فإن آية الأطعمة والذبائح فيها أبسط منها في البقرة، وكذا ما حرمه الكفار تبعًا لآبائهم في البقرة موجز، وفي هذه السورة مطنب أبلغ إطناب في قوله: {ما جعل اللّه من بحيرةٍ ولا سائبةٍ ... } "103، 104".
وفي البقرة ذكر القصاص في القتلى، وهنا ذكر أول من سن القتل، والسبب الذي لأجله وقع، وقال: {من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنّه من قتل نفسًا بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنّما قتل النّاس جميعًا ومن أحياها فكأنّما أحيا النّاس جميعًا} "32"، وذلك أبسط من قوله [في البقرة] : {ولكم في القصاص حياة} "البقرة: 179".
وفي البقرة: {وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية} "البقرة: 58"، وذكرت قصتها [هنا مطولة. وذكر في البقرة من ارتد مقتصرًا عليه، وقال] هنا: {فسوف يأتي اللّه بقومٍ يحبّهم ويحبّونه} "54".
وفي البقرة قصة الأيمان موجزة، وزاد هنا بسطًا بذكر الكفارة.
وفي البقرة قال في الخمر والميسر: {فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} "البقرة: 219". وزاد في هذه السورة ذمها، وصرح بتحريمها.
وفيها من الاعتلاق بسورة الفاتحة: بيان المغضوب عليهم والضالين في قوله: {قل هل أنبّئكم بشرٍّ من ذلك مثوبةً عند اللّه من لعنه اللّه وغضب عليه} "60" الآية. وقوله: {قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل} "77".
وأما اعتلاقها بسورة النساء، فقد ظهر لي فيه وجه بديع جدًّا؛ وذلك أن سورة النساء اشتملت على عدة عقود صريحًا وضمنًا، فالصريح: عقود الأنكحة، وعقد الصداق، وعقد الحلف، في قوله: {والّذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم} "النساء: 33". وعقد الأيمان في هذه الآية، وبعد ذلك عقد المعاهدة والأمان في قوله: {إلّا الّذين يصلون إلى قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ} "النساء: 90"، وقوله: {وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاقٌ فديةٌ} "النساء: 92".
والضمني: عقد الوصية، والوديعة، والوكالة، والعارية، والإجارة، وغير ذلك من الداخل في عموم قوله: {إنّ اللّه يأمركم أن تؤدّوا الأمانات إلى أهلها} "النساء: 58"، فناسب أن يعقب بسورة مفتتحة بالأمر بالوفاء بالعقود، فكأنه قيل: {يا أيّها الّذين آمنوا أوفوا بالعقود} "1" التي فرغ من ذكرها في السورة التي تمت، فكان ذلك غاية في التلاحم والتناسب والارتباط.
ووجه آخر في تقديم سورة النساء، وتأخير سورة المائدة؛ وهو: أن تلك أولها: {يا أيّها النّاس} "النساء: 1"، وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهو أشبه بخطاب [الكفار وتنزيل] المكي، [وهذه أولها: {يا أيّها الّذين آمنوا} "1" وفيها الخطاب بذلك في مواضع، وهو أشبه بخطاب المدني] وتقديم العام وشبه المكي أنسب.
ثم إن هاتين السورتين في التلازم والاتحاد نظير البقرة وآل عمران، فتلكما في تقرير الأصول؛ من الوحدانية، والكتاب، والنبوة، وهاتان في تقرير الفروع الحكمية.
وقد ختمت المائدة بصفة القدرة، كما افتتحت النساء بذلك.
وافتتحت النساء ببدء الخلق، وختمت المائدة بالمنتهى من البعث والجزاء، فكأنهما سورة واحدة، اشتملت على الأحكام من المبتدأ إلى المنتهى.
ولما وقع في سورة النساء: {إنّا أنزلنا إليك الكتاب بالحقّ لتحكم بين النّاس} "النساء: 105" الآيات، وكانت نازلة في قصة سارق سرق درعًا، فصل في سورة المائدة أحكام السراق والخائنين.
ولما ذكر في سورة النساء أنه أنزل إليك الكتاب لتحكم بين الناس، ذكر في سورة المائدة آيات في الحكم بما أنزل الله حتى بين الكفار، وكرر قوله: {ومن لم يحكم بما أنزل اللّه} "44، 45، 46".
فانظر إلى هذه السور الأربع المدنيات، وحسن ترتيبها، وتلاحمها، وتناسقها، وتلازمها.
وقد افتتحت البقرة التي هي أول ما نزل في المدينة، وختمت بالمائدة التي هي آخر ما نزل بها، كما في حديث الترمذي). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #9  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:09 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الأنعام
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنعام:
قال بعضهم: مناسبة هذه السورة لآخر المائدة: أنها افتتحت بالحمد، وتلك ختمت بفصل القضاء، وهما متلازمتان كما قال: {وقضي بينهم بالحقّ وقيل الحمد للّه ربّ العالمين} "الزمر: 75".
و [أقول] قد ظهر لي بفضل الله مع ما قدمت الإشارة إليه في آية {زيّن للنّاس}: أنه لما ذكر في آخر المائدة: {للّه ملك السّماوات والأرض وما فيهنّ} "المائدة: 120" على سبيل الإجمال، افتتح هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله.
فبدأ بذكر: أنه خلق السماوات والأرض، وضم إليه أنه جعل الظلمات والنور، وهو بعض ما تضمنه قوله: {وما فيهنّ} في آخر المائدة، وضمّن قوله: {الحمد للّه} [أول الأنعام] أن له ملك جميع المحامد، وهو من بسط [جميع]: {للّه ملك السّماوات والأرض وما فيهنّ} [في آخر المائدة] .
ثم ذكر: أنه خلق النوع الإنساني، وقضى له أجلًا مسمى، وجعل له أجلًا آخر للبعث، وأنه منشئ القرون قرنًا بعد قرن، ثم قال: {قل لمن ما في السّماوات والأرض قل للّه} "12"، فأثبت له ملك جميع المنظورات، ثم قال: {وله ما سكن في اللّيل والنّهار} "13"، فأثبت له ملك جميع المظروفات في الزمان، ثم ذكر أنه خلق سائر الحيوان، من الدواب والطير، ثم خلق النوم واليقظة، والموت والحياة، ثم أكثر في أثناء السورة من ذكر الخلق والإنشاء لما فيهن من النيرين، والنجوم، وفلق الإصباح، وخلق الحب والنوى، وإنزال الماء، وإخراج النبات والثمار بأنواعها، وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات، والأنعام، ومنها حمولة وفرش، وكل ذلك تفصيل لملكه ما فيهن، وهذه مناسبة جليلة.
ولما كان المقصود من هذه السورة بيان الخلق والملك، أكثر فيها من ذكر الرب الذي هو بمعنى المالك والخالق والمنشئ، واقتصر فيها على ما يتعلق بذلك من بدء الخلق الإنساني والملكوتي، والملكي والشيطاني، والحيواني والنباتي، وما تضمنته من الوصايا، فكلها متعلقة بالمعاش والقوام الدنيوي، ثم أشار إلى أشراط الساعة [والبعث].
فقد جمعت هذه السورة جميع المخلوقات بأسرها، وما يتعلق بها، وما يرجع إليها، فظهر بذلك مناسبة افتتاح السور المكية بها، وتقديمها على ما تقدم نزوله منها.
وهي في جمعها الأصول والعلوم والمصالح الدنيوية نظير سورة البقرة في جمعها [الأصول و] العلوم والمصالح الدينية، وما ذكر فيها من العبادات المحضة، فعلى وجه الاختصار والإيماء؛ كنظير ما وقع في البقرة من علوم بدء الخلق ونحوه، فإنه على وجه الإيجاز والإشارة.
فإن قلت: فلم لا أفتتح القرآن بهذه السورة مقدّمة على سورة البقرة؛ لأن بدء الخلق سابق على الأحكام والتعبدات؟!
قلت: للإشارة إلى أن مصالح الدين والآخرة مقدّمة على مصالح المعاش والدنيا، ولأن المقصود [من الخلق] إنما هو العبادة، فقدم ما هو الأهم في نظر الشرع، ولأن علم بدء الخلق كالفضلة، وعلم الأحكام والتكاليف متعين على كل واحد؛ فلذلك لا ينبغي النظر في علم بدء الخلق وما جرى مجراه من التواريخ إلا بعد النظر في علم الأحكام وإتقانه.
ثم ظهر لي بحمد الله وجه آخر -أتقن مما تقدم- وهو: أنه لما ذكر في سورة المائدة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لكم ولا تعتدوا} "المائدة: 87" إلى آخره [ثم ذكر بعده: {ما جعل اللّه من بحيرة} "المائدة: 103" إلى آخره] فأخبر عن الكفار أنهم حرموا أشياء مما رزقهم الله افتراء عليه، وكان القصد بذلك تحذير المؤمنين أن يحرّموا شيئًا مما أحل الله، فيشابهوا بذلك الكفار في صنيعهم، وكان ذكر ذلك على سبيل الإيجاز، ساق هذه السورة لبيان ما حرمه الكفار في صنيعهم، فأتى به على الوجه الأبين والنمط الأكمل، ثم جادلهم فيه، وأقام الدلائل على بطلانه، وعارضهم وناقضهم، إلى غير ذلك مما اشتملت عليه القصة، فكانت هذه السورة شرحًا لما تضمنته المائدة من ذلك على سبيل الإجمال، وتفصيلًا وبسطًا، وإتمامًا وإطنابًا.
وافتتحت بذكر الخلق والملك؛ لأن الخالق والمالك هو الذي له التصرف في ملكه ومخلوقاته إباحة ومنعًا، وتحريمًا وتحليلًا، فيجب ألا يتعدى عليه بالتصرف في ملكه.
وكانت هذه السورة بأسرها متعلقة بالفاتحة من وجه كونها شارحة لإجمال قوله: {ربّ العالمين} وبالبقرة من حيث شرحها لإجمال قوله: {الّذي خلقكم والّذين من قبلكم} "البقرة: 21"، وقوله: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا} "البقرة: 29"، وبآل عمران من جهة تفصيلها لقوله: {والأنعام والحرث} "آل عمران: 14"، وقوله: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} "آل عمران: 185" الآية.
وبالنساء من جهة ما فيها من بدء الخلق، والتقبيح لما حرموه على أزواجهم، وقتل البنات بالوأد.
وبالمائدة من حيث اشتمالها على الأطعمة بأنواعها.
وفي افتتاح السور المكية بها وجهان آخران من المناسبة.
الأول: افتتاحها بالحمد.
والثاني: مشابهتها للبقرة، المفتتح بها السور المدنية، من حيث أن كلًّا منهما نزل مشيعًا. ففي حديث أحمد: "البقرة سنام القرآن وذروته، نزل مع كل آية منها ثمانون ملكًا"، وروى الطبراني وغيره من طرق: "أن الأنعام شيعها سبعون ألف ملك"، وفي رواية: "خمسمائة ملك".
ووجه آخر؛ وهو: أن كل ربع من القرآن افتتح بسورة أولها الحمد. [فأول القرآن سورة {الحمد} ]، وهذه للربع الثاني، والكهف للربع الثالث، وسبأ وفاطر للربع الرابع.
وجميع هذه الوجوه التي استنبطتها من المناسبات بالنسبة إلى أسرار القرآن كنقطة من بحر.
ولما كانت هذه السورة لبيان بدء الخلق، ذكر فيها ما وقع عند بدء الخلق؛ وهو قوله: {كتب على نفسه الرّحمة} "12"، ففي الصحيح: "لما فرغ الله من الخلق، وقضى القضية، كتب كتابًا عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي"). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #10  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الأعراف
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأعراف:
أقول: مناسبة وضع هذه السورة عقب سورة الأنعام فيما ألهمني الله سبحانه: أن سورة الأنعام لما كانت لبيان الخلق، وقال فيها: {هو الّذي خلقكم من طينٍ} "الأنعام: 2"، وقال في بيان القرون: {كم أهلكنا من قبلهم من قرنٍ} "الأنعام: 6"، وأشير فيها إلى ذكر المرسلين، وتعداد كثير منهم، وكانت الأمور الثلاثة على وجه الإجمال لا التفصيل، ذكرت هذه السورة عقبها؛ لأنها مشتملة على شرح الأمور الثلاثة وتفصيلها.
فبسط فيها قصة خلق آدم أبلغ بسط؛ بحيث لم تبسط في سورة كما بسطت فيها، وذلك تفصيل إجمال قوله: {خلقكم من طينٍ} "الأنعام: 2"، ثم فصلت قصص المرسلين وأممهم، وكيفية إهلاكهم تفصيلًا تامًّا شافيًا مستوعبًا، لم يقع نظيره في سورة غيرها، وذلك بسط حال القرون المهلكة ورسلهم، فكانت هذه السورة شرحًا لتلك الآيات الثلاث.
وأيضًا فذلك تفصيل قوله: {وهو الّذي جعلكم خلائف الأرض} "الأنعام: 6"؛ ولهذا صدّر هذه السورة بخلق آدم الذي جعله الله في الأرض خليفة. وقال في قصة عاد: {جعلكم خلفاء من بعد قوم نوحٍ} "69".
وفي قصة ثمود: {جعلكم خلفاء من بعد عادٍ} "74".
وأيضًا فقد قال في الأنعام: {كتب ربّكم على نفسه الرّحمة} "الأنعام: 54" وهو موجز، وبسطه هنا بقوله: {ورحمتي وسعت كلّ شيءٍ فسأكتبها للّذين يتّقون} "156" إلى آخره، فبيّن من كتبها لهم.
وأما وجه ارتباط أول هذه السورة بآخر الأنعام فهو: أنه قد تقدم هناك: {وأنّ هذا صراطي مستقيمًا فاتّبعوه} "الأنعام: 153"، وقوله: {وهذا كتابٌ أنزلناه مباركٌ فاتّبعوه} "الأنعام: 155"، فافتتح هذه السورة أيضًا [بالأمر] باتباع الكتاب في قوله: {كتابٌ أنزل إليك} إلى [قوله] {اتّبعوا ما أنزل إليكم من ربّكم} "2، 3".
وأيضًا لما تقدم في الأنعام: {ثمّ ينبّئهم بما كانوا يفعلون} "الأنعام: 159"، {ثمّ إلى ربّكم مرجعكم فينبّئكم بما كنتم فيه تختلفون} "الأنعام: 164"، قال في مفتتح هذه السورة: {فلنسألنّ الّذين أرسل إليهم ولنسألنّ المرسلين، فلنقصّنّ عليهم بعلمٍ} "6، 7"، وذلك شرح التنبئة المذكورة.
وأيضًا فلما قال في الأنعام: {من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها} "الأنعام: 160" الآية، وذلك لا يظهر إلا في الميزان، افتتح هذة السورة بذكر الوزن، فقال: {والوزن يومئذٍ الحق} "8". ثم ذكر من ثقلت موازينه، وهو من زادت حسناته على سيئاته، ثم من خفت موازينه، وهو من زادت سيئاته على حسناته، ثم ذكر بعد ذلك أصحاب الأعراف، وهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #11  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:10 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الأنفال
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنفال:
اعلم أن وضع هذه السورة وبراءة ليس بتوقيف من الرسول -صلى الله عليه وسلم- والصحابة، كما هو الراجح في سائر السور؛ بل اجتهاد من عثمان رضي الله عنه.
وقد كان يظهر في بادئ الرأي: أن المناسب إيلاء الأعراف بيونس وهود؛ لاشتراك كل [منهما] في اشتمالها على قصص الأنبياء، وأنها مكية النزول، خصوصًا أن الحديث ورد في فضل السبع الطوال، وعدوا السابعة يونس، وكانت تسمى بذلك كما أخرجه البيهقي في الدلائل. ففي فصلها من الأعراف بسورتين هما الأنفال وبراءة فصل للنظير من سائر نظائره، هذا مع قصر سورة الأنفال بالنسبة إلى الأعراف وبراءة.
وقد استشكل ذلك قديمًا حبر الأمة ابن عباس، فأخرج أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي وابن حبان والحاكم عن ابن عباس قال: قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال؟ فقال عثمان: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينزل عليه السور ذوات العدد، فكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من كان يكتب، فيقول: ضعوا هؤلاء الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا، وكانت الأنفال من أوائل ما نزل [بالمدينة]، وكانت براءة من آخر القرآن نزولًا، وكانت قصتها شبيهة بقصتها، فظننت أنها منها، فقبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يبين لنا أنها منها، فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال.
فانظر إلى بن عباس -رضي الله عنهما- كيف استشكل على عثمان -رضي الله عنه- أمرين: وضع الأنفال وهي قصيرة مع السور الطويلة، ووضعها هي وبراءة في أثناء السبع الطوال، مفصولًا بهما بين السادسة والسابعة، وانظر كيف أجاب عثمان -رضي الله عنه- أولًا بأنه لم يكن عنده في ذلك توقيف، فإنه استند إلى اجتهاد، وأنه قرن بين الأنفال وبراءة لكونها شبيهة بقصتها في اشتمال كل منهما على [الأمر] القتال، ونبذ العهود، وهذا وجه بيّن المناسبة جلي، فرضي الله عن الصحابة، ما أدق أفهامهم! وأجزل آراءهم! وأعظم أحلامهم!
وأقول: يتم بيان مقصد عثمان -رضي الله عنه- في ذلك بأمور فتح الله بها:
الأول: أنه جعل الأنفال قبل براءة مع قصرها؛ لكونها مشتملة على البسملة، فقدمها لتكون كقطعة منها، وتكون براءة بخلوها منها كتتمتها وبقيتها؛ ولهذا قال جماعة من السلف: إن الأنفال وبراءة سورة واحدة، لا سورتان.
الثاني: أنه وضع براءة هنا لمناسبة الطوال؛ فإنه ليس في القرآن بعد الأعراف أنسب ليونس طولًا منها، وذلك كافٍ في المناسبة.
الثالث: أنه خلّل بالسورتين [الأنفال وبراءة] أثناء السبع الطوال المعلوم ترتيبها في العصر الأول؛ للإشارة إلى أن ذلك أمر صادر لا عن توقيف، وإلى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبض قبل أن يبين محلهما، فوضعا [هنا] كالموضع المستعار بين السبع الطوال، بخلاف ما لو وضعتا بعد السبع الطوال، فإنه كان يوهم أن ذلك محلهما بتوقيف، وترتيب السبع الطوال يرشد إلى دفع هذا الوهم.
فانظر إلى هذه الدقيقة التي فتح الله بها، ولا يغوص عليها إلا غواص.
الرابع: أنه لو أخرهما وقدم يونس، وأتى بعد براءة بهود -كما في مصحف أبي بن كعب- لمراعاة مناسبة السبع الطوال، وإيلاء بعضها بعضًا، لفات مع ما أشرنا إليه أمر آخر آكد في المناسبة، فإن الأولى بسورة يونس أن تولى بالسور الخمس التي بعدها، لما اشتركت فيه من الاشتمال على القصص، ومن الافتتاح بـ {الر}، وبذكر الكتاب، ومن كونها مكيات، ومن تناسب، ما عدا الحجر في المقدار، وبالتسمية باسم نبي، والرعد اسم ملك، وهو مناسب لأسماء الأنبياء.
فهذه ستة وجوه في مناسبة الاتصال بين يونس وما بعدها، وهي آكد من ذلك الوجه الواحد في تقديم يونس بعد الأعراف.
ولبعض هذه الأمور قدمت سورة الحجر على النحل، مع كونها أقصر منها، ولو أخرت براءة عن هذه السور الست [لبعدت] المناسبة جدًّا لطولها بعد عدة سور أقصر منها بخلاف وضع سورة النحل بعد الحجر؛ فإنها ليست كبراءة في الطول.
ويشهد لمراعاة الفواتح في مناسبة الوضع ما ذكرنا من تقديم الحجر على النحل لمناسبة ذوات {الر} قبلها، وما تقدم من تقديم آل عمران على النساء وإن كانت أقصر منها لمناسبة البقرة في الافتتاح بـ {الم} وتوالي الطواسين والحواميم، وتوالي العنكبوت والروم ولقمان والسجدة، لافتتاح كل بـ {الم} ولهذا قدمت السجدة على الأحزاب التي هي أطول منها.
هذا ما فتح الله به.
وأما ابن مسعود فقدم في مصحفه البقرة على: النساء، وآل عمران، والأعراف، والأنعام، والمائدة، ويونس، فراعى [السبع] الطوال، وقدم الأطول فالأطول، ثم ثنى بالمئين، فقدم براءة، ثم النحل، ثم هود، ثم يوسف، ثم الكهف، وهكذا الأطول فالأطول، وذكر الأنفال بعد النور.
ووجه مناسبتها لها: أن كلا منهما مدنية، ومشتملة على أحكام، وأن في النور {وعد اللّه الّذين آمنوا منكم وعملوا الصّالحات ليستخلفنّهم في الأرض كما استخلف الّذين من قبلهم} "النور: 55" الآية. وفي الأنفال: {واذكروا إذ أنتم قليلٌ مستضعفون في الأرض تخافون} "26" الآية. ولا يخفى ما بين الآيتين من المناسبة؛ فإن الأولى مشتملة على الوعد بما حصل، وذكّر به في الثانية، فتأمل).[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #12  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة براءة
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة براءة:
أقول: قد عرف وجه مناسبتها، ونزيد هنا أن صدرها تفصيل لإجمال قوله في الأنفال: {وإمّا تخافنّ من قومٍ خيانةً فانبذ إليهم على سواءٍ} "الأنفال: 58" الآية، وآيات الأمر بالقتال متصلة بقوله هناك: {وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ} "الأنفال: 60"؛ ولذا قال هنا في قصة المنافقين: {ولو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّةً} "46".
ثم بين السورتين تناسب من وجه آخر؛ وهو: أنه سبحانه في الأنفال تولى قسمة الغنائم، وجعل خمسها خمسة أخماس، وفي براءة تولى قسمة الصدقات، وجعلها لثمانية أصناف). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:11 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة يونس
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة يونس:
أقول: قد عرف وجه مناسبتها فيما تقدم في الأنفال، ونزيد هنا: أن مطلعها شبيه بمطلع سورة الأعراف؛ فإنه سبحانه قال فيها: {أنذر النّاس وبشّر الّذين آمنوا} "2" فقدم الإنذار وعممه، وآخّر البشارة وخصصها، وقال تعالى في مطلع الأعراف: {لتنذر به وذكرى للمؤمنين} "الأعراف: 2" فخص الذكر وأخّرها، وقدم الإنذار، وحذف مفعوله ليعم.
وقال هنا: {إنّ ربّكم اللّه الّذي خلق السّماوات والأرض في ستّة أيّامٍ ثمّ استوى على العرش} "3"، وقال في أوائل الأعراف مثل ذلك.
وقال هنا: {يدبّر الأمر} "3". وقال هناك: {مسخّراتٍ بأمره ألا له الخلق والأمر} "الأعراف: 54".
وأيضًا فقد ذكرت قصة فرعون وقومه في الأعراف، واختصر ذكر إغراقهم، وبسط في هذه السورة أبلغ بسط.
فهي شارحة لما أجمل في سورة الأعراف منه). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #14  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة هود
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة هود:
أقول: وجه وضعها بعد سورة يونس زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن سورة يونس ذكر فيها قصة نوح مختصرة جدًّا مجملة، فشرحت في هذه السورة وبسطت ما لم يبسطه في غيرها من السور، ولا في سورة الأعراف على طولها، ولا في سورة {إنّا أرسلنا نوحًا} [نوح: 1] التي أفردت لقصته.
فكانت هذه السورة شارحة لما أجمل في سورة يونس [توفية بالقاعدة، ثم إن مطلعها شديد الارتباط بمقطع سورة يونس]، فإن قوله هناك: {واتّبع ما يوحى إليك} "يونس: 109" هو عين قوله هنا: {كتابٌ أحكمت آياته ثمّ فصّلت من لدن حكيمٍ خبيرٍ} "2").[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:12 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة يوسف
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة يوسف:
أقول: وجه وضعها بعد سورة هود زيادة على الأوجه الستة السابقة: أن قوله في مطلعها: {نحن نقصّ عليك أحسن القصص} "3" مناسب لقوله في مقطع تلك: {وكلًّا نقصّ عليك من أنباء الرّسل ما نثبّت به فؤادك} "هود: 120".
وأيضًا فلما وقع في سورة هود: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} "هود: 71"، وقوله: {رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} "هود: 73". وذكر هنا حال يعقوب مع أولاده، وحال ولده الذي هو من أهل البيت مع إخوته، فكان كالشرح لإجمال ذلك.
وكذلك قال هنا: {ويتمّ نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمّها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق} "6" فكان ذلك كالمقترن بقوله في هود: {رحمت اللّه وبركاته عليكم أهل البيت} "هود: 73".
وقد روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول: أن يونس نزلت، ثم هود، ثم يوسف. وهذا وجه آخر من وجوه المناسبة في ترتيب هذه السور الثلاث؛ لترتيبها في النزول هكذا). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #16  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الرعد
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الرعد:
أقول: وجه وضعها بعد سورة يوسف زيادة ما تقدم بعدما فكرت فيه طائفة من الزمان: أنه سبحانه قال في آخر تلك: {وكأيّن من آيةٍ في السّماوات والأرض يمرّون عليها وهم عنها معرضون} "يوسف: 105" فذكر الآيات السمائية والأرضية مجملة، ثم فصل في مطلع هذه السورة بقوله: {اللّه الّذي رفع السّماوات بغير عمدٍ ترونها ثمّ استوى على العرش وسخّر الشّمس والقمر كلٌّ يجري لأجلٍ مسمّىً يدبّر الأمر يفصّل الآيات لعلّكم بلقاء ربّكم توقنون} تفصيل للآيات السمائية. وقوله: {وهو الّذي مدّ الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارًا ومن كلّ الثّمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي اللّيل النّهار إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكّرون، وفي الأرض قطعٌ متجاوراتٌ وجنّاتٌ من أعنابٍ وزرعٌ ونخيلٌ صنوانٌ وغير صنوانٍ يسقى بماءٍ واحدٍ ونفضّل بعضها على بعضٍ في الأكل إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يعقلون}"2-4" تفصيل للآيات الأرضية.
هذا مع اختتام سورة يوسف بوصف الكتاب، ووصفه بالحق، وافتتاح هذه بمثل ذلك، وهو من تشابه الأطراف). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #17  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة إبراهيم
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة إبراهيم:
أقول: وجه وضعها بعد سورة الرعد زيادة على ما تقدم بعد إفكاري فيه برهة: أن قوله في مطلعها: {كتابٌ أنزلناه إليك}"1" مناسب لقوله في مقطع تلك: {ومن عنده علم الكتاب} "الرعد: 43" على أن المراد بـ"من" هو: الله تعالى جل جلاله.
وأيضًا ففي الرعد: {ولقد استهزئ برسلٍ من قبلك فأمليت للّذين كفروا ثمّ أخذتهم} "الرعد: 32"، وذلك مجمل في أربعة مواضع: الرسل، والمستهزئين، وصفة الاستهزاء، والأخذ، وقد فصلت الأربعة في قوله: {ألم يأتكم نبأ الّذين من قبلكم قوم نوحٍ وعادٍ وثمود ... } "9-16" الآيات).[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #18  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:13 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الحجر
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحجر:
أقول: تقدمت الأوجه في اقترانها بالسورة السابقة؛ وإنما أخرت عنها لقصرها بالنسبة إليها، وهذا القسم من سور القرآن للمئين، فناسب تقديم الأطول، مع مناسبة ما ختمت به لبراعة الختام وهو قوله: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين} "99"، فإنه مفسر بالموت، وذلك مقطع في غاية البراعة.
وقد وقع ذلك في أواخر السور المقترنة، ففي آخر آل عمران: {واتّقوا اللّه لعلّكم تفلحون}"آل عمران: 200"، وفي آخر الطواسين: {كلّ شيءٍ هالكٌ إلّا وجهه له الحكم وإليه ترجعون} "القصص: 88"، وفي آخر ذوات {الر} : {وانتظر إنّهم منتظرون} "السجدة: 30"، وفي آخر الحواميم: {كأنّهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلّا ساعةً من نهارٍ بلاغٌ} "الأحقاف: 35".
ثم ظهر لي وجه اتصال أول هذه السورة بآخر سورة إبراهيم؛ فإنه تعالى لما قال هناك في وصف يوم القيامة: {وبرزوا للّه الواحد القهّار، وترى المجرمين يومئذٍ مقرّنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطرانٍ وتغشى وجوههم النّار} "إبراهيم: 48-50"، قال هنا: {ربما يودّ الّذين كفروا لو كانوا مسلمين} "2" فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار، ورأوا عصاة المؤمنين الموحدين قد أخرجوا منها تمنوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين، وذلك وجه حسن في الربط، مع اختتام آخر تلك بوصف الكتاب، وافتتاح هذه به، وذلك من تشابه الأطراف). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة النحل
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة النحل:
أقول: وجه وضعها بعد سورة الحجر: أن آخرها شديد الالتئام بأول هذه؛ فإن قوله في آخر تلك: {واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين}"الحجر: 99" الذي هو مفسر بالموت، ظاهر المناسبة لقوله هنا: {أتى أمر اللّه}"1"، وانظر كيف جاء في المقدّمة بـ {يأتيك اليقين} [بلفظ المضارع]، وفي المتأخرة بلفظ الماضي؛ لأن المستقبل سابق على الماضي، كما تقرر في المعقول والعربية.
ثم ظهر لي أن هذه السورة شديدة الاعتلاق بسورة إبراهيم؛ وإنما تأخرت عنها لمناسبة الحجر، في كونها من ذوات {الر} .
وذلك: أن سورة إبراهيم وقع فيها ذكر فتنة الميت، ومن هو مثبت وغيره، وذلك أيضًا في هذه بقوله: {الّذين تتوفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} "28" الآيات، فذكر الفتنة، وما يحصل عندها من الثبات والإضلال، وذكر هنا ما يحصل عقب ذلك من النعيم والعذاب.
ووقع في سورة إبراهيم: {وقد مكروا مكرهم وعند اللّه مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}"إبراهيم: 46"، و [قد] قيل: إنها في الجبار الذي أراد أن يصعد السماء بالنسور، ووقع هنا أيضًا في قوله: {قد مكر الّذين من قبلهم} "26".
ووقع في سورة إبراهيم ذكر النعم، وقال عقبها: {وإن تعدّوا نعمت اللّه لا تحصوها} "إبراهيم: 34"، ووقع هنا ذكر ذلك معقّبًا بمثل ذلك). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #20  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة بني إسرائيل
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة بني إسرائيل:
اعلم أن هذه السورة والأربع بعدها من قديم ما أنزل.
أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال في بني إسرائيل، والكهف، ومريم، وطه، والأنبياء: " [هن] من العتاق الأول، وهن من تلادي"، وهذا وجه في ترتيبها، وهو اشتراكها في قدم النزول، وكونها مكيات، وكلها مشتملة على القصص.
وقد ظهر لي في وجه اتصالها بسورة النحل: أنه سبحانه لما قال في آخر النحل: {إنّما جعل السّبت على الّذين اختلفوا فيه} "النحل: 124" فسر في هذه [السورة] شريعة أهل السبت وشأنهم، فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة، كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: " [إن] التوراة كلها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل"، وذكر عصيانهم وإفسادهم، وتخريب مسجدهم، ثم ذكر استفزازهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- وإرادتهم إخراجه من المدينة، ثم ذكر سؤالهم إياه عن الروح، ثم ختم السورة بآيات موسى التسع، وخطابه مع فرعون، وأخبر أن [فرعون أراد أن يستفزهم من الأرض، فأهلك، وورث بنو إسرائيل من بعده، وفي ذلك تعريض بهم، أنهم كما استفزوا النبي] -صلى الله عليه وسلم- ليخرجوه من المدينة هو وأصحابه كنظير ما وقع لهم مع فرعون لما استفزهم، و [قد] وقع ذلك أيضًا.
ولما كانت هذه السورة مصدّرة بقصة تخريب المسجد الأقصى أسري بالمصطفى إليه، تشريفًا له بحلول ركابه الشريف، فلله الحمد على ما ألهم).[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #21  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الكهف
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الكهف:
قال بعضهم: مناسبة وضعها بعد سورة الإسراء: افتتاح تلك بالتسبيح، وهذه بالتحميد، وهما مقترنان في القرآن وسائر الكلام؛ بحيث يسبق التسبيح التحميد؛ نحو: {فسبّح بحمد ربّك} "الحجر: 98"، وسبحان الله وبحمده.
قلت: مع اختتام ما قبلها بالتحميد أيضًا، وذلك من وجوه المناسبة بتشابه الأطراف.
ثم ظهر لي وجه آخر أحسن في الاتصال؛ وذلك: أن اليهود أمروا المشركين أن يسألوا النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ثلاثة أشياء: عن الروح، وعن قصة أصحاب الكهف، وعن قصة ذي القرنين، وقد ذكر جواب السؤال الأول في آخر سورة بني إسرائيل، فناسب اتصالها بالسورة التي اشتملت على جواب السؤالين الآخرين.
فإن قلت: هلّا جمعت الثلاثة في سورة واحدة؟
قلت: لما لم يقع الجواب عن الأول بالبيان، ناسب فصله في سورة.
ثم ظهر لي وجه آخر: وهو أنه لما قال فيها: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} "الإسراء: 85"، والخطاب لليهود، واستظهر على ذلك بقصة موسى في بني إسرائيل مع الخضر، التي كان سببها ذكر العلم والأعلم، وما دلت عليه من إحاطة معلومات الله عز وجل التي لا تحصى، فكانت هذه السورة كإقامة الدليل لما ذكر من الحكم.
وقد ورد في الحديث أنه لما نزل: {وما أوتيتم من العلم إلّا قليلًا} قال اليهود: قد أوتينا التوراة، فيها علم كل شيء؛ فنزل: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربّي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربّي ولو جئنا بمثله مددًا} "109" في هذه السورة5، فهذا وجه آخر في المناسبة، وتكون السورة من هذه الجهة جوابًا عن شبهة الخصوم فيما قدر بتلك.
وأيضًا فلما قال هناك: {فإذا جاء وعد الآخرة جئنا بكم لفيفًا} "الإسراء: 104" شرح ذلك هنا وبسطه بقوله: {فإذا جاء وعد ربّي جعله دكّاء} إلى {ونفخ في الصّور فجمعناهم جمعًا، وعرضنا جهنّم يومئذٍ للكافرين عرضًا} "98-100"، فهذه وجوه عديدة في الاتصال). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #22  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة مريم
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة مريم:
أقول: ظهر لي في وجه مناسبتها لما قبلها: أن سورة الكهف اشتملت على عدة أعاجيب: قصة أصحاب الكهف، وطول لبثهم هذه المدة الطويلة بلا أكل ولا شرب، وقصة موسى مع الخضر، وما فيها من الخارقات، وقصة ذي القرنين، وهذه السورة فيها أعجوبتان: قصة ولادة يحيى بن زكريا، وقصة ولادة عيسى، فناسب تتاليهما.
وأيضًا فقد قيل: إن أصحاب الكهف يبعثون قبل قيام الساعة، ويحجون مع عيسى ابن مريم حين ينزل، ففي ذكر سورة مريم بعد [ذكر] سورة أصحاب الكهف مع ذلك -إن ثبت- ما لا يخفى من المناسبة.
وقد قيل أيضًا: إنهم من قوم عيسى، وإن قصتهم كانت في الفترة، فناسب توالي [سورة] قصتهم و [سورة] قصة نبيهم). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #23  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:15 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة طه
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة طه:
أقول: روينا عن ابن عباس وجابر بن زيد في ترتيب النزول: أن طه نزلت بعد سورة مريم، بعد ذكر سورة أصحاب الكهف، وذلك وحده كافٍ في مناسبة الوضع، مع التآخي بالافتتاح بالحروف المقطعة.
وظهر لي وجه آخر؛ وهو: أنه لما ذكر في سورة مريم قصص عدة من الأنبياء؛ وهم: زكريا، ويحيى، وعيسى، الثلاثة مبسوطة وإبراهيم، وهي بين البسط والإيجاز، وموسى، وهي موجزة بجملة أشار إلى بقية النبيين في الآية الأخيرة إجمالًا.
وذكر في هذه السورة شرح قصة موسى التي أجملها هناك، فاستوعبها غاية الاستيعاب، وبسطها أبلغ بسط، ثم أشار إلى تفصيل قصة آدم، الذي وقع [في مريم] مجرد اسمه هناك، ثم أورد في سورة الأنبياء بقية قصص من لم يذكر في مريم؛ كنوح ولوط، وداود، وسليمان، وأيوب، وذي الكفل، وذي النون، وأشير إلى قصة من ذكرت قصته إشارة وجيزة؛ كموسى، وهارون، وإسماعيل، وزكريا، ومريم؛ لتكون السورتان كالمتقابلتين.
وبسطت فيها قصة إبراهيم البسط التام فيما يتعلق به مع قومه، ولم تذكر حاله مع أبيه إلا إشارة كما أنه في سورة مريم ذكر حاله مع قومه إشارة ومع أبيه مبسوطًا.
فانظر إلى عجيب هذا الأسلوب، وبديع هذا الترتيب).[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #24  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الأنبياء
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الأنبياء:
قدمت ما فيها مستوفًى، وظهر لي في اتصالها بآخر طه: أنه سبحانه لما قال: {قل كلٌّ متربّصٌ فتربّصوا} "طه: 135"، وقال قبله: {ولولا كلمةٌ سبقت من ربّك إلى أجلٍ مسمًّى}"طه: 129".
قال في مطلع هذه: {اقترب للنّاس حسابهم} "1" إشارة إلى قرب الأجل، ودنو الأمل المنتظر.
وفيه أيضًا مناسبة لقوله هناك: {ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجًا منهم} "طه: 131" الآية.
فإن قرب الساعة يقتضي الإعراض عن هذه الحياة الدنيا؛ لدنوها من الزوال والفناء؛ ولهذا ورد في الحديث: أنها لما نزلت قيل لبعض الصحابة: هلا سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها؟ فقال: "نزلت اليوم سورة أذهلتنا عن الدنيا").[تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
  #25  
قديم 21 ذو القعدة 1442هـ/30-06-2021م, 04:16 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي

سورة الحج
قال جلال الدّين عبد الرّحمن بن أبي بكرٍ السّيوطيّ (ت: 911 هـ): (سورة الحج:
أقول: وجه اتصالها بسورة الأنبياء: أنه ختمها بوصف الساعة في قوله: {واقترب الوعد الحقّ فإذا هي شاخصةٌ أبصار الّذين كفروا} "الأنبياء: 97"، وافتتح هذه بذلك، فقال: {إنّ زلزلة السّاعة شيءٌ عظيمٌ، يوم ترونها تذهل كلّ مرضعةٍ عمّا أرضعت وتضع كلّ ذات حملٍ حملها وترى النّاس سكارى وما هم بسكارى} "1، 2"). [تناسق الدرر: ؟؟]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الدرر, تناسق


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 11:15 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir