دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 24 جمادى الأولى 1441هـ/19-01-2020م, 05:50 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الثالث عشر: مجلس مذاكرة القسم الخامس من تفسير سورة النساء

مجلس مذاكرة القسم الخامس من تفسير سورة النساء من الآية 29 إلى الآية 35

-
لخص أحد الدروس التالية مطبقا ما درسته سابقا في دورة المهارات الأساسية والمهارات المتقدمة في التفسير .

-
تفسير سورة النساء [ من الآية (29) إلى الآية (30) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (31) إلى الآية (33) ]
- تفسير سورة النساء [ من الآية (34) إلى الآية (35) ]



- ثم صحح أحد تلخيصات زملائك.


قواعد مجالس مذاكرة سورة النساء:

١. يفتح المجلس في بداية كل أسبوع بإذن الله.
٢. ‏يختار كل طالب أحد الموضوعات المقررة في مقرر الأسبوع، ويمنع التكرار حتى تستوعب كل الدروس.
٣. يعمل الطالب على تلخيص الدرس من خلال تطبيق المهارات التي تعلمها في المهارات الأساسية والمتقدمة في التفسير، وطلاب مستوى الامتياز يجدر بهم تقديم عمل جيد يناسب مستواهم وما مارسوه من تطبيقات سابقة.
٤. يحبذ تسليم التلخيص يوم الخميس من كل أسبوع كحد أقصى.
٥. يومي الجمعة والسبت:
يختار الطالب أحد تلخيصات زملائه ويعمل على تصحيحه، مبينا ما فاته من مسائل وما قصر فيه من أدوات التحرير العلمي و الصياغة والعرض ونحو هذا؛ وحتى يحقق هذا المطلوب سيحتاج الطالب قراءة جيدة للدرس ربما تفوق قراءته الشخصية لعمل واجبه، وهذا المطلوب سينمي لديكم عدة مهارات منها التصحيح، والتفطن لمواضع الخطأ ومن ثم تجنبها فيما يستقبل من أعمالكم، والتوسع في فهم بعض المسائل حتى تتمكنوا من شرحها للآخرين.
٦. تقوم هيئة التصحيح بتصحيح جميع أعمالكم في الأسبوع التالي بإذن الله، بما فيها إرشادات على تصحيحكم على نماذج زملائكم.
٧. في النهاية يفتح كل منكم ملفا في حاسوبه، يحتفظ فيه بتلخيص كامل دروس القسم ويفضل تعديل التلخيص وفق ملحوظات التصحيح، ليكتمل له في نهاية هذا المقرر بإذن الله أصلا علميا في تفسير سورة النساء.


وبهذا فإن المطلوب الأسبوعي منكم باختصار:
١. دراسة مقرر كل أسبوع.
٢. تلخيص أحد الدروس.
٣. تصحيح عمل واحد من أعمال زملائكم.
- يمنع التكرار في كل الأحوال حتى تستوعب جميع الأعمال.
زادكم الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكم الإسلام والمسلمين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 28 جمادى الأولى 1441هـ/23-01-2020م, 01:09 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا )
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
الوقف في الآية :

-حكم الوقف في (عن تراض منكم) حسن ، وهو قول الأنباري ، والأشموني .
وقال الداني : كاف .

-القراءات :
القراءة في قوله : (إلّا أن تكون تجارةً )
القراءة الأولى : بالنصب ، قرأ بها حمزة وعاصم والكسائي وهو اختيار أبي عبيد.
القراءة الثانية : بالرفع ، قرأ بها المدنيون وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو .
قال أبو منصور في " معاني القراءات وعللها " من رفع جعل كان مكتفية، ومن نصب أضمر لـ (كان) اسما.
وقال أبو علي في الحجة : من رفع فالاستثناء منقطع، لأنّ التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل.
ومن نصب إلا أن تكون تجارة احتمل ضربين: أحدهما: إلّا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قوله:
إذا كان يوما ذا كواكب....
أي إذا كان اليوم يوما.
والآخر: إلّا أن تكون الأموال ذوات تجارة، فتحذف المضاف، وتقيم المضاف إليه مقامه، والاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع .

-الناسخ والمنسوخ :
القول الأول أنها منسوخة ،قال به ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ، قال :نسخت بقوله تعالى في سورة النور: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج (وكانوا يجتنبونهم في الأكل فقال تعالى: {ليس على من أكل مع الأعرج والمريض حرج} فصارت هذه الآية ناسخة لتلك الآية .
وكذا قال ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ .
القول الثاني: أنها محكمة ، قال به ابن الجوزي في نواسخ القرآن ، وروى حديثا عن الحسن ، وعن مسروق "إنّها لمحكمةٌ ما نسخت".
وقال :وقد زعم بعض منتحلي التّفسير، ومدّعي علم النّاسخ والمنسوخ: أنّ هذه الآية لمّا نزلت تحرّجوا من أن يواكلوا الأعمى والأعرج والمريض، وقالوا إنّ الأعمى لا يبصر أطايب الطّعام، والأعرج لا يتمكّن من المجلس، والمريض ،ولايستوفي الأكل، فأنزل الله عز وجل:( ليس على الأعمى حرجٌ ( الآية فنسخت هذه الآية.
وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تنافي بين الآيتين، ولا يجوز أكل المال بالباطل بحالٍ، (وعلى ما قد زعم) هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل ).
وقال السخاوي والجمهور على أنها محكمة والقول بأنها منسوخة يؤدي إلى إباحة أكلها بالباطل مع الأعمى والأعرج والمريض، وإنما فعلوا ذلك تورعا .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية لما قبلها:
لما كانت الآيات السابقة قد اشتملت على أوامر بإيتاء ذي الحق في المال حقه، انتقلت الآيات بعد ذلك إلى تشريع عام في الأموال والأنفس.
مقصد الآية :
قال ابن عاشور : وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال، وقد قال رسول الله ﷺ «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» . وفي خطبة حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام .
فنهى بهذه الآية عن جميع المكاسب الباطلة بالشرع.
مناسبة تصدير الآية بالنداء:
لأجل العناية بما جاء في الخطاب فتوجيه النداء بــ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يفيد الإغراء بالتزام هذا الخطاب أو بالتزام مدلول هذا الخطاب، ووجه ذلك أن وصف الإنسان بالإيمان يحمله على الامتثال، ويفيد أيضًا أن امتثال هذا الشيء من مقتضيات الإيمان، ويفيد أيضًا أن مخالفة ذلك نقص في الإيمان.
وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا قال الله: يا أيها الذين آمنوا فأرْعها سمعك؛ فإما خير تُؤمر به، وإما شر تنهى عنه .
وجه خص الأكل بالذكر :
خص الأكل بالذكر ونهى عنه تنبيهاً على غيره من جميع التصرفات الواقعة على وجه الباطل، لأن معظم المقصود من المال الأكل، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ فكما يحرم أكل مال اليتيم بالظلم يحرم إنفاقه في غير الأكل.
وقيل: لأنه لا يعود معه إلى الغير، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها لأربابها .
مناسبة الإيجاز والجمع في قوله: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾
فيه دلالة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد، حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.
فكأنّه يقول : إنَّ مال كلّ واحد منكم هو مال أمتكم، فإذا استباح أحدكم أن يأكل مال الآخر بالباطل، كان كأنّه أباح لغيره أكل ماله وهضْم حقوقه .
أوجه أخذ المال :
قال الزجاج :حرم اللّه جلّ وعز المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
المراد بالباطل :
الباطل في اللغة: الضائع سدى .
والمراد بالباطل في هذه الآية ما خالف الشرع؛ لأن الشرع حق وما خالفه باطل، والمعنى على هذا: لا تأكلوا أموالكم بينكم على وجه يخالف الشرع، مثل: الربا، والغش، والكذب، والتدليس، وما أشبه ذلك.
وقد ذكر المفسرون في المراد بالباطل ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه الزنى، والقمار، والبخس، والظلم، وهو قول السدي ،رواه ابن جرير ،وبن أبي حاتم من طريق أسباط .
الثاني: ان المراد به العقود الفاسدة، وهو قول ابن عباس، رواه ابن جرير، وبن أبي حاتم من طريق عكرمة .
الثالث: أنه نهى أن يأكل الرجل طعام قرى وأمر أن يأكله شرى ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور: ﴿ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم﴾ [النور: ٦١] إلى قوله: ﴿أو أشتاتا﴾ وهو قول الحسن، وعكرمة ،ورواه ابن جرير
قال ابن جرير: وأولى هذين القولين بالصّواب في ذلك قول السّدّيّ: وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ اللّه لم يحلّ قطّ أكل الأموال بالباطل.
وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرّجل طعام أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثمّ نسخ ذلك لنقل علماء الأمّة جميعًا وجهًا لها أنّ قرى الضّيف، وإطعام الطّعام كان من حميد أفعال أهل الشّرك والإسلام، الّتي حمد اللّه أهلها عليها وندبهم إليها ...)

قوله :( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)
التجارة في اللغة : عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذي يعطيه الله تعالى للعبد عوضاً من الأعمال الصالحة.
كما قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقال ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ وقال ﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ ، فسمَّى ذلك كلَّه بيعاً وشراءً على ، تشبيهاً بعقُود المبيعات الّتي تحصل بها الأغرار .
قوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) (إِلَّا) أداة استثناء، والمراد به الاستدراك؛ يعني لكن إن كانت تجارةٌ أو تجارةً بينكم عن تراضٍ منكم فهذا لا بأس به .
وقد ذكر ابن عادل في اللباب لصحة انقطاعه وجهين:
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها سواء فسر الباطل بغير عوض، أو بغير طريق شرعيّ.
والثاني: أن المستثنى كون، والكون ليس مالاً من الأموال .
الثالث: أنه متصل قيل: لأن المعنى لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة.
قال أبو البقاء: وهو ضعيف؛ لأنه قال: بالباطل، والتجارة ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذف مضاف تقديره؛ إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة ..انتهى.
قال ابن عطية عليه رحمة الله: "والاستثناء منقطع في كل تقدير وفي قراءة الرفع."
وقال بعد ذكره للقراءات الوارده :"وهما قولان قويان، إلا أن تمام «كان» يترجح عند بعض، لأنها صلة «لأن» فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها، وهذا ترجيح ليس بالقوي ولكنه حسن، وأن في موضع نصب، ومن نصب «تجارة» جعل اسم كان مضمرا، تقديره الأموال أموال تجارة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قول الشاعر:
[الطويل] إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أي: إذا كان اليوم يوما"
قال ابن جرير: وكلتا القراءتين عندنا صوابٌ جائزةٌ القراءةُ بهما، لاستفاضتهما في قرأة الأمصار، مع تقارب معانيهما.
وأورد ابن عثيمين رحمه الله تعالى اشكالاً قد يقع فقال:"وحينئذٍ يشكل أن يكون الاسم مستترًا وتقديره (هي) مع أن الأكل ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ مذكّر، فهل يصح أن نقول: إلا أن تكون الأكل تجارة؟ لا يصح، ولكن هاهنا فائدة وهو: إذا توسط الضمير أو الإشارة بين شيئين الثاني مذكر والأول مؤنث أو بالعكس فإنه يجوز مراعاة الأول أو الثاني ..
يذكر باعتبار مرجعه السابق، وأن يؤنث باعتبار مرجعه اللاحق، فهنا أُنّث باعتبار مرجعه الثاني اللاحق .
سبب خص التجارة بالذكر:
خصت التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها ولأنها أرفق بذوي المروآت بخلاف الإيهاب وطلب الصدقات،وقد أجمعت الأمة على جواز أكل الأموال بالتجارة، واتفق جمهور العلماء على جواز الغبن فيها، مثال ذلك: أن يبيع الرجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة، فذلك جائز، ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لا يبع حاضر لباد"
قال ابن جرير:" في هذه الآية إبانةٌ من اللّه تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتّجارات والصّناعات، واللّه تعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} اكتسابًا منا ذلك بها. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} قال: التّجارة رزقٌ من رزق اللّه، وحلالٌ من حلال اللّه لمن طلبها بصدقها وبرّها، وقد كنّا نحدّث أنّ التّاجر الأمين الصّدوق مع السّبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.

قوله: (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ )
قال ابن عاشور (وقوله: ﴿عن تراض﴾ منكم صفة لـ ”تجارة“، و(عن) فيه للمجاوزة، أي صادرة عن التراضي وهو الرضا من الجانبين بما يدل عليه من لفظ أو عرف.
وقال السعدي : تنعقد العقود بما دلَّ عليها من قول أو فعل؛ لأنَّ الله شرط الرّضا، فبأيّ طريق حصل الرّضا انعقد به العقد .
وقد أورد المفسرون له قولان:
أحدهما: أن التراضي هو أن يكون العقد ناجزا بغير خيار، وهو قول مالك، وأبي حنيفة.
قال ابن عاشور : وفي الآية ما يصلح أن يكون مستندا لقول مالك من نفي خيار المجلس؛ لأن الله جعل مناط الانعقاد هو التراضي، والتراضي يحصل عند التبايع بالإيجاب والقبول.
والثاني: هو أن يخير أحدهما صاحبه بعد العقد وقبل الافتراق، وهو قول شريح، وابن سيرين، والشعبي.
وقد روى ابن جرير عن سليمان الجعفيّ، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصّفقة، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يغشّ مسلمًا.
قال ابن جرير: وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندنا قول من قال: إنّ التّجارة الّتي هي عن تراضٍ بين المتبايعين: ما تفرّق المتبايعان على المجلس الّذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بالعقد الّذي جرى بينهما، وعن تخيير كلّ واحدٍ منهما صاحبه؛ لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، أو يكون بيع خيارٍ وربّما قال: أو يقول أحدهما للآخر: اختر .
قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ )
مناسبتها لما قبلها :
لمّا كان المال عديل الرّوح، ونهى عن إتلافه بالباطل، نهى كذلك عن إتلاف النّفس؛ لكونِ أكثر إتلافهم لهما بالغارات لنهْب الأموال .
وجه تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على قتل النفس وهي أشد .
تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على النهي عن قتل أالنفس، لأنه أكثر وقوعا، وأفشى في الناس من القتل .
وقد ذكر المفسرون في هذه الآية عدة أقوال:
ألأول: أنه على ظاهره، أن الله حرم على العبد قتل نفسه ،وقد ورد في الوعيد الشديد،كما في الصحيحين من رواية أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مترد(٣٠) في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
الثاني: أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن قتيبة.
قال ابن جرير:" ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا في قتله إياه منهم بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما."
وعبر عن البعض المنهي عن قتلهم بالأنفس للمبالغة في الزجر .
الثالث: أن المعنى: لا تكلفوا أنفسكم عملا ربما أدى إلى قتلها وإن كان فرضا، وعلى هذا تأولها "عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل حيث صلى بأصحابه جنبا في ليلة باردة، فلما ذكر ذلك للنبي ﷺ، قال له: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة، وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فضحك رسول الله ﷺ ".
الرابع: أن المعنى: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظها، فكأنما قتلها، هذا قول الفضيل بن عياض.
الخامس: لا تقتلوها بارتكاب المعاصي.
وقيل : لا تخاطروا بنفوسكم في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه .
وقيل: لا تتجروا في بلاد العدو فتفردوا بأنفسكم، وبه استدل مالك على كراهة التجارة إلى بلاد الحرب .
ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، ومما يدل على ذلك احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل فقرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجه فدل هذا على عموم ضمير ”تقتلوا“ دون خصوص السبب .
قوله :( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
تعليل للنهي، والمعنى أنه تعالى لم يزل مبالغا في الرحمة والرأفة ، ومن رحمته بكم نهيكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس، وعن كل شيء تستوجبون به مشقة أو محنة .
وقيل: معناه: إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما، إذ لم يكلفكم قتل الأنفس في التوبة، كما كلف بني إسرائيل بذلك.
قوله : (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
الوقف في الآية :
نصليه نارا (حسن)
يسيرا (تام) للابتداء بالشرط ، الأشموني .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية :
لما نهى اللهُ المؤمنين في الآية السابقة أن يأخذ بعضهم أموال بعض بغير حقّ، او يقتل بعضهم بعضا، توعد من يفعل ذلك منهم بالعذاب الشديد .
مقصد الآية :
تعظيم ما سبق ذكره والترهيب من فعله .
قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما)
اختلف المفسرون في المشار إليه على أقوال :
الأول : أنه عائد على القتل، لأنه أقرب مذكور، وهو قول عطاء، واختيار الزمخشري، روى ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيتَ قوله:"ومن يفعل ذلكُ عدْوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا"، في كل ذلك، أو في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم"؟ قال: بل في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم" .
الثاني : انه عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس، لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي.
وهو الذي رجحه ابن عثيمين بقوله:المشار إليه ما ذكر في الآية السابقة فقط خلافا لبعض العلماء الذين قالوا أنه كل ما نهي عنه من أول السورة، فإن هذا لا وجه له، بل الإشارة تعود إلى أقرب مذكور .
الثالث: أنه عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد، من قوله ):يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) وذلك لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها إلا قوله: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ( وهو الذي رجحه ابن جرير .
قال ابن حيان:" وما ذهب إليه الطبري بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة، ولا تعلق اضطرار المعنى.
الرابع : أنه عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول السورة إلى قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك ) .
قال ابن جرير راداً هذا القول :" فإن قال قائلٌ: فما منعك أن تجعل قوله: {ذلك}: معنيًّا به جميع ما أوعد اللّه عليه العقوبة من أوّل السّورة؟ قيل: منعنى ذلك أنّ كلّ فصلٍ من ذلك قد قرن بالوعيد، إلى قوله: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم اللّه في الآية الّتي بعده، إلى قوله: {فسوف نصليه نارًا} ..."
قال ابن حيان:" وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله: ﴿ومن يفعل ذلك﴾ .
قوله:( عُدْوَانًا وَظُلْمًا)
العدوان تجاوز الحد،وهو التسلط بشدة،ويكون بظلم غالبا، وقد يكون بحق،كما في قوله تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين) .
وعطف قوله ”وظلما“ على ”عدوانا“ من عطف الخاص على العام،والظلم وضع الشيء في غير موضعه .
مناسبة تقييد الوعيد بذكر العدوان .
قيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط، وذكر العدوان والظلم مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما، ولأن ذلك حسن في الكلام ، كقوله:
وألفى قولها كذبا ومينا .
(قوله: فسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
(سوف) حرف يدخل على المضارع فيمحضه للزمن المستقبل، وهو مرادف للسين على الأصح، وتفيدان في مقام الوعد تحقيق الوعد وكذلك التوعد .
(نصليه) نجعله صاليا أو محترقا .
(نَارًا) أتت نكرة لإفادة تعظيم أمرها وشدة خطرها .
قوله: (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)
هينا عليه، لا عسر فيه ولا صارف عنه؛ لأنه تعالى لا يعجزه شيء،واظهر اسم الجلالة لتربية المهابة في النفوس .
قال ابن كثير:وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.
وقال ابن عاشور:والآية دلت على كليتين من كليات الشريعة: وهما حفظ الأموال وحفظ الأنفس، من قسم المناسب الضروري.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 5 جمادى الآخرة 1441هـ/30-01-2020م, 05:51 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
مقصد الآية : الدعوة للإصلاح بين الزوجين والتوفيق بينهما والحفاظ على الأسرة .
دلالة الآية :هذه الآيَةُ أصْلٌ في جَوازِ التَّحْكِيمِ في سائِرِ الحُقُوقِ، ومَسْألَةُ التَّحْكِيمِ مَذْكُورَةٌ في الفِقْهِ.كما ذكر ابن عاشور .
وفيها تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ مَن أصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيما يَتَوَخّاهُ وفَّقَهُ اللَّهُ لِمُبْتَغاهُ.كما ذكر أبو السعود .
-مناسبة الآية لما قبلها :
هي عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: 34]ذكره ابن عاشور .
-المسائل التفسيرية :
-المخاطب في قوله (و إن خفتم ):
المخاطب هنا هم ولاة الأمور كما ذكر المفسرون .
-معنى الخوف في قوله تعالى ( وإن خفتم ):
ذكر أبو عبيدة أن ( خفتم ) هنا بمعنى أيقنتم، ورد الزجاج هذا القول وقال: لو أيقنا لم نحتج إلى الحكمين ، فيكون الخوف هنا بمعنى الظن .
- معنى الشقاق :
- الشقاق»: مصدر شاق يشاق،واشتق : من المتشاقين ، كل صنف منهن في شق، أي: في ناحية.
- المراد بالشقاق في الاية الكريمة :
- التشاجر ،قاله سعيد بن جبير
- رواه عنه ابن أبي حاتم من طريق عطاء.
- مرجع الضمير في قوله ( بينهما ):
- إلى الزوجين الذين يكون بينهما النزاع والخلاف
- المخاطب في قوله ( فابعثوا ):
- قيل : الحاكم،وهذا إذا أعضل عليه أمر الزوجين، وهذا قول ربيعة وغيره
- وقيل :المخاطب الزوجان وإليهما تقديم الحكمين، وهذا في مذهب مالك.
- كما ذكر ابن عطية .
- معنى الحكم :
- الحكم بِفَتْحَتَيْنِ الحاكِمُ الَّذِي يُرْضى لِلْحُكُومَةِ بِغَيْرِ ولايَةٍ سابِقَةٍ، وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِن قَوْلِهِمْ: حَكَّمُوهُ فَحَكَمَ، وهو اسْمٌ قَدِيمٌ في العَرَبِيَّةِ. ذكره ابن عاشور
- صفات الحكمين :
- أن يكونا رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق .ذكره السعدي .
- متى يبعث الحكمين ؟
- إذا أعضل على الحاكم أمر الزوجين، وتعاضدت عنده الحجج، واقترنت الشبه، واغتم وجه الإنفاذ على أحدهما، بعث حكمين من الأهل ليباشرا الأمر. كماذكر ابن عطية
- مرجع الضمير في قوله ( حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها )
- عائِدانِ عَلى الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ.
- مايجب على الحكمين القيام به :
- يجب عليهما أن يعظا الزوجين ويعرفاهما ما عليهما من الحقوق وما يجب عليهما من الواجبات ويبذلا الجهد في الإصلاح بين الزوجين قدر المستطاع وبذل الجهد في ذلك .
- حقيقة أمر الحكمين :
- حقيقة أمر الحكمين: أنهما يقصدان للإصلاح، وليس لهما طلاق وإنما عليهما أن يعرفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه، فإن رأى الإمام أن يفرق فرّق، أو أن يجمع جمع، وإن وكّلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة، وما فعل على " رضي الله عنه " فهو فعل للإمام أن يفعله، وحسبنا بعلي عليه السلام إماما، فلما قال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، كان قد ولّاهما ذلك ووكلهما فيه. ذكره الزجاج
- سبب تخصيص الأهل بالتحكيم بين الزوجين :
- خص الأهل بذلك لأنهم أعلم الناس بحال الزوجين ،وسيكونون أشفق عليهما وأحرص على مصلحتهما بسبب القرابة .
- المراد بقوله (إن يريدا إصلاحا)
- قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم : المراد الحكمان، أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما.
- وقالت فرقة: المراد الزوجان.
- فأما قول ابن عباس فرواه عنه ابن ابي حاتم من طريق سعيد بن جبير .
ورواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة
وقول مجاهد رواه ابن جرير من طريق أبي هاشم عنه
وقول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريف عطاء
- ورجح المفسرون بأن القول الأول هو الأظهر والله أعلم .
- الحكمة من ذكر الإصلاح هنا دون التفرقة :
- لأن الشارع يتشوف للتوفيق وليس للتفرقة وهذه هي الحكمة من بعث الحكمين . كما ذكر ابن كثير
- ثمرة الإصلاح :
- ثمرته التوفيق من الله عز وجل .
- مرجع الضمير في قوله ( يوفق الله بينهما ) :
- قيل : أنه للزوجين وهو الأظهر ،وقيل : للحكمين .
- معنى ( عليمًا )
- أي : عليمابما يصلح للعباد ويصلحهم .
- معنى ( خبيرًا )
- أي :خبيرا بمكانهما ،قاله أبو العالية
- ورواه عنه ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس
- مناسبة تذييل الآية بقوله ( عليمًا خبيرًا )
- عليمًا بِالظَّواهِرِ والبَواطِنِ فَيَعْلَمُ كَيْفَ يَرْفَعُ الشِّقاقَ ويُوقِعُ الوِفاقَ.ذكره أبو السعود
- أحكام فقهية :
- الحق الذي ينظر فيه الحكمان :
- يكون ذلك على حسب حالهما ،فإن كانا وكيلين من الزوجين فلهما حق الجمع والتفرقة على قول الجمهور ،وإن كانا موكلين من الحاكم فاختلفوا في ذلك على قولين :
- 1-لهما حق الجمع والتفرقة والأخذ والعطاء ،لأنه صار كالحاكم، وهذا مذهب مالك والجمهور من العلماء .
- واستدلوا بما رواه حَدَّثَنا عبد الرزاق ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ من طريق عَبِيدَةَ، قالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وجاءَتْهُ امْرَأةٌ وزَوْجُها مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما فِئامٌ مِنَ النّاسِ، فَأخْرَجَ هَؤُلاءِ حَكَمًا وهَؤُلاءِ حَكَمًا، فَقالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيانِ ما عَلَيْكُما؟ إنَّ عَلَيْكُما إنْ رَأيْتُما أنْ تَجْمَعا بَيْنَهُما جَمَعْتُما، وإنْ رَأيْتُما أنْ تُفَرِّقا فَرَّقْتُما، فَقالَتِ المَرْأةُ: رَضِيتُ بِكِتابِ اللَّهِ لِي وعَلَيَّ وقالَ الزَّوْجُ: أمّا الفُرْقَةُ فَلا، فَقالُ عَلِيُّ: كَذَبْتَ واللَّهِ لا تَبْرَحْ حَتّى تَرْضى بِكِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لَكَ وعَلَيْكَ.
- 2-لهما حق الجمع والأخذ والعطاء إلا التفرقة ،وهذا قول الحسن بن أبي الحسن وقتادة
- فأما قول قتادة فرواه عنه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة .
- ونسب ابن أبي حاتم هذا القول للحسن .
- حكم اختلاف قول الحكمين :
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ -إِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا-فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْآخَرِ.كما ذكر ابن كثير .

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 7 جمادى الآخرة 1441هـ/1-02-2020م, 06:04 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا )
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
الوقف في الآية :

-حكم الوقف في (عن تراض منكم) حسن ، وهو قول الأنباري ، والأشموني .
وقال الداني : كاف .

-القراءات :
القراءة في قوله : (إلّا أن تكون تجارةً )
القراءة الأولى : بالنصب ، قرأ بها حمزة وعاصم والكسائي وهو اختيار أبي عبيد.
القراءة الثانية : بالرفع ، قرأ بها المدنيون وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو .
قال أبو منصور في " معاني القراءات وعللها " من رفع جعل كان مكتفية، ومن نصب أضمر لـ (كان) اسما.
وقال أبو علي في الحجة : من رفع فالاستثناء منقطع، لأنّ التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل.
ومن نصب إلا أن تكون تجارة احتمل ضربين: أحدهما: إلّا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قوله:
إذا كان يوما ذا كواكب....
أي إذا كان اليوم يوما.
والآخر: إلّا أن تكون الأموال ذوات تجارة، فتحذف المضاف، وتقيم المضاف إليه مقامه، والاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع .

-الناسخ والمنسوخ :
القول الأول أنها منسوخة ،قال به ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ، قال :نسخت بقوله تعالى في سورة النور: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج (وكانوا يجتنبونهم في الأكل فقال تعالى: {ليس على من أكل مع الأعرج والمريض حرج} فصارت هذه الآية ناسخة لتلك الآية .
وكذا قال ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ .
القول الثاني: أنها محكمة ، قال به ابن الجوزي في نواسخ القرآن ، وروى حديثا عن الحسن ، وعن مسروق "إنّها لمحكمةٌ ما نسخت".
وقال :وقد زعم بعض منتحلي التّفسير، ومدّعي علم النّاسخ والمنسوخ: أنّ هذه الآية لمّا نزلت تحرّجوا من أن يواكلوا الأعمى والأعرج والمريض، وقالوا إنّ الأعمى لا يبصر أطايب الطّعام، والأعرج لا يتمكّن من المجلس، والمريض ،ولايستوفي الأكل، فأنزل الله عز وجل:( ليس على الأعمى حرجٌ ( الآية فنسخت هذه الآية.
وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تنافي بين الآيتين، ولا يجوز أكل المال بالباطل بحالٍ، (وعلى ما قد زعم) هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل ).
وقال السخاوي والجمهور على أنها محكمة والقول بأنها منسوخة يؤدي إلى إباحة أكلها بالباطل مع الأعمى والأعرج والمريض، وإنما فعلوا ذلك تورعا .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية لما قبلها:
لما كانت الآيات السابقة قد اشتملت على أوامر بإيتاء ذي الحق في المال حقه، انتقلت الآيات بعد ذلك إلى تشريع عام في الأموال والأنفس.
مقصد الآية :
قال ابن عاشور : وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال، وقد قال رسول الله ﷺ «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» . وفي خطبة حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام .
فنهى بهذه الآية عن جميع المكاسب الباطلة بالشرع.
مناسبة تصدير الآية بالنداء:
لأجل العناية بما جاء في الخطاب فتوجيه النداء بــ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يفيد الإغراء بالتزام هذا الخطاب أو بالتزام مدلول هذا الخطاب، ووجه ذلك أن وصف الإنسان بالإيمان يحمله على الامتثال، ويفيد أيضًا أن امتثال هذا الشيء من مقتضيات الإيمان، ويفيد أيضًا أن مخالفة ذلك نقص في الإيمان.
وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا قال الله: يا أيها الذين آمنوا فأرْعها سمعك؛ فإما خير تُؤمر به، وإما شر تنهى عنه .
وجه خص الأكل بالذكر :
خص الأكل بالذكر ونهى عنه تنبيهاً على غيره من جميع التصرفات الواقعة على وجه الباطل، لأن معظم المقصود من المال الأكل، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ فكما يحرم أكل مال اليتيم بالظلم يحرم إنفاقه في غير الأكل.
وقيل: لأنه لا يعود معه إلى الغير، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها لأربابها .
مناسبة الإيجاز والجمع في قوله: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾
فيه دلالة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد، حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.
فكأنّه يقول : إنَّ مال كلّ واحد منكم هو مال أمتكم، فإذا استباح أحدكم أن يأكل مال الآخر بالباطل، كان كأنّه أباح لغيره أكل ماله وهضْم حقوقه .
أوجه أخذ المال :
قال الزجاج :حرم اللّه جلّ وعز المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
المراد بالباطل :
الباطل في اللغة: الضائع سدى .
والمراد بالباطل في هذه الآية ما خالف الشرع؛ لأن الشرع حق وما خالفه باطل، والمعنى على هذا: لا تأكلوا أموالكم بينكم على وجه يخالف الشرع، مثل: الربا، والغش، والكذب، والتدليس، وما أشبه ذلك.
وقد ذكر المفسرون في المراد بالباطل ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه الزنى، والقمار، والبخس، والظلم، وهو قول السدي ،رواه ابن جرير ،وبن أبي حاتم من طريق أسباط .
الثاني: ان المراد به العقود الفاسدة، وهو قول ابن عباس، رواه ابن جرير، وبن أبي حاتم من طريق عكرمة .
الثالث: أنه نهى أن يأكل الرجل طعام قرى وأمر أن يأكله شرى ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور: ﴿ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم﴾ [النور: 61] إلى قوله: ﴿أو أشتاتا﴾ وهو قول الحسن، وعكرمة ،ورواه ابن جرير
قال ابن جرير: وأولى هذين القولين بالصّواب في ذلك قول السّدّيّ: وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ اللّه لم يحلّ قطّ أكل الأموال بالباطل.
وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرّجل طعام أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثمّ نسخ ذلك لنقل علماء الأمّة جميعًا وجهًا لها أنّ قرى الضّيف، وإطعام الطّعام كان من حميد أفعال أهل الشّرك والإسلام، الّتي حمد اللّه أهلها عليها وندبهم إليها ...)

قوله :( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)
التجارة في اللغة : عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذي يعطيه الله تعالى للعبد عوضاً من الأعمال الصالحة.
كما قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقال ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ وقال ﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ ، فسمَّى ذلك كلَّه بيعاً وشراءً على ، تشبيهاً بعقُود المبيعات الّتي تحصل بها الأغرار .
قوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) (إِلَّا) أداة استثناء، والمراد به الاستدراك؛ يعني لكن إن كانت تجارةٌ أو تجارةً بينكم عن تراضٍ منكم فهذا لا بأس به .
وقد ذكر ابن عادل في اللباب لصحة انقطاعه وجهين:
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها سواء فسر الباطل بغير عوض، أو بغير طريق شرعيّ.
والثاني: أن المستثنى كون، والكون ليس مالاً من الأموال .
الثالث: أنه متصل قيل: لأن المعنى لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة.
قال أبو البقاء: وهو ضعيف؛ لأنه قال: بالباطل، والتجارة ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذف مضاف تقديره؛ إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة ..انتهى.
قال ابن عطية عليه رحمة الله: "والاستثناء منقطع في كل تقدير وفي قراءة الرفع."
وقال بعد ذكره للقراءات الوارده :"وهما قولان قويان، إلا أن تمام «كان» يترجح عند بعض، لأنها صلة «لأن» فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها، وهذا ترجيح ليس بالقوي ولكنه حسن، وأن في موضع نصب، ومن نصب «تجارة» جعل اسم كان مضمرا، تقديره الأموال أموال تجارة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قول الشاعر:
[الطويل] إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أي: إذا كان اليوم يوما"
قال ابن جرير: وكلتا القراءتين عندنا صوابٌ جائزةٌ القراءةُ بهما، لاستفاضتهما في قرأة الأمصار، مع تقارب معانيهما.
وأورد ابن عثيمين رحمه الله تعالى اشكالاً قد يقع فقال:"وحينئذٍ يشكل أن يكون الاسم مستترًا وتقديره (هي) مع أن الأكل ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ مذكّر، فهل يصح أن نقول: إلا أن تكون الأكل تجارة؟ لا يصح، ولكن هاهنا فائدة وهو: إذا توسط الضمير أو الإشارة بين شيئين الثاني مذكر والأول مؤنث أو بالعكس فإنه يجوز مراعاة الأول أو الثاني ..
يذكر باعتبار مرجعه السابق، وأن يؤنث باعتبار مرجعه اللاحق، فهنا أُنّث باعتبار مرجعه الثاني اللاحق .
سبب خص التجارة بالذكر:
خصت التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها ولأنها أرفق بذوي المروآت بخلاف الإيهاب وطلب الصدقات،وقد أجمعت الأمة على جواز أكل الأموال بالتجارة، واتفق جمهور العلماء على جواز الغبن فيها، مثال ذلك: أن يبيع الرجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة، فذلك جائز، ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لا يبع حاضر لباد"
قال ابن جرير:" في هذه الآية إبانةٌ من اللّه تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتّجارات والصّناعات، واللّه تعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} اكتسابًا منا ذلك بها. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} قال: التّجارة رزقٌ من رزق اللّه، وحلالٌ من حلال اللّه لمن طلبها بصدقها وبرّها، وقد كنّا نحدّث أنّ التّاجر الأمين الصّدوق مع السّبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.

قوله: (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ )
قال ابن عاشور (وقوله: ﴿عن تراض﴾ منكم صفة لـ ”تجارة“، و(عن) فيه للمجاوزة، أي صادرة عن التراضي وهو الرضا من الجانبين بما يدل عليه من لفظ أو عرف.
وقال السعدي : تنعقد العقود بما دلَّ عليها من قول أو فعل؛ لأنَّ الله شرط الرّضا، فبأيّ طريق حصل الرّضا انعقد به العقد .
وقد أورد المفسرون له قولان:
أحدهما: أن التراضي هو أن يكون العقد ناجزا بغير خيار، وهو قول مالك، وأبي حنيفة.
قال ابن عاشور : وفي الآية ما يصلح أن يكون مستندا لقول مالك من نفي خيار المجلس؛ لأن الله جعل مناط الانعقاد هو التراضي، والتراضي يحصل عند التبايع بالإيجاب والقبول.
والثاني: هو أن يخير أحدهما صاحبه بعد العقد وقبل الافتراق، وهو قول شريح، وابن سيرين، والشعبي.
وقد روى ابن جرير عن سليمان الجعفيّ، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصّفقة، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يغشّ مسلمًا.
قال ابن جرير: وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندنا قول من قال: إنّ التّجارة الّتي هي عن تراضٍ بين المتبايعين: ما تفرّق المتبايعان على المجلس الّذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بالعقد الّذي جرى بينهما، وعن تخيير كلّ واحدٍ منهما صاحبه؛ لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، أو يكون بيع خيارٍ وربّما قال: أو يقول أحدهما للآخر: اختر .
قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ )
مناسبتها لما قبلها :
لمّا كان المال عديل الرّوح، ونهى عن إتلافه بالباطل، نهى كذلك عن إتلاف النّفس؛ لكونِ أكثر إتلافهم لهما بالغارات لنهْب الأموال .
وجه تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على قتل النفس وهي أشد .
تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على النهي عن قتل أالنفس، لأنه أكثر وقوعا، وأفشى في الناس من القتل .
وقد ذكر المفسرون في هذه الآية عدة أقوال:
ألأول: أنه على ظاهره، أن الله حرم على العبد قتل نفسه ،وقد ورد في الوعيد الشديد،كما في الصحيحين من رواية أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مترد(30) في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
الثاني: أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن قتيبة.
قال ابن جرير:" ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا في قتله إياه منهم بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما."
وعبر عن البعض المنهي عن قتلهم بالأنفس للمبالغة في الزجر .
الثالث: أن المعنى: لا تكلفوا أنفسكم عملا ربما أدى إلى قتلها وإن كان فرضا، وعلى هذا تأولها "عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل حيث صلى بأصحابه جنبا في ليلة باردة، فلما ذكر ذلك للنبي ﷺ، قال له: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة، وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فضحك رسول الله ﷺ ".
الرابع: أن المعنى: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظها، فكأنما قتلها، هذا قول الفضيل بن عياض.
الخامس: لا تقتلوها بارتكاب المعاصي.
وقيل : لا تخاطروا بنفوسكم في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه .
وقيل: لا تتجروا في بلاد العدو فتفردوا بأنفسكم، وبه استدل مالك على كراهة التجارة إلى بلاد الحرب .
ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، ومما يدل على ذلك احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل فقرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجه فدل هذا على عموم ضمير ”تقتلوا“ دون خصوص السبب .
قوله :( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
تعليل للنهي، والمعنى أنه تعالى لم يزل مبالغا في الرحمة والرأفة ، ومن رحمته بكم نهيكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس، وعن كل شيء تستوجبون به مشقة أو محنة .
وقيل: معناه: إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما، إذ لم يكلفكم قتل الأنفس في التوبة، كما كلف بني إسرائيل بذلك.
قوله : (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
الوقف في الآية :
نصليه نارا (حسن)
يسيرا (تام) للابتداء بالشرط ، الأشموني .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية :
لما نهى اللهُ المؤمنين في الآية السابقة أن يأخذ بعضهم أموال بعض بغير حقّ، او يقتل بعضهم بعضا، توعد من يفعل ذلك منهم بالعذاب الشديد .
مقصد الآية :
تعظيم ما سبق ذكره والترهيب من فعله .
قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما)
اختلف المفسرون في المشار إليه على أقوال :
الأول : أنه عائد على القتل، لأنه أقرب مذكور، وهو قول عطاء، واختيار الزمخشري، روى ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيتَ قوله:"ومن يفعل ذلكُ عدْوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا"، في كل ذلك، أو في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم"؟ قال: بل في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم" .
الثاني : انه عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس، لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي.
وهو الذي رجحه ابن عثيمين بقوله:المشار إليه ما ذكر في الآية السابقة فقط خلافا لبعض العلماء الذين قالوا أنه كل ما نهي عنه من أول السورة، فإن هذا لا وجه له، بل الإشارة تعود إلى أقرب مذكور .
الثالث: أنه عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد، من قوله ):يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) وذلك لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها إلا قوله: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ( وهو الذي رجحه ابن جرير .
قال ابن حيان:" وما ذهب إليه الطبري بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة، ولا تعلق اضطرار المعنى.
الرابع : أنه عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول السورة إلى قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك ) .
قال ابن جرير راداً هذا القول :" فإن قال قائلٌ: فما منعك أن تجعل قوله: {ذلك}: معنيًّا به جميع ما أوعد اللّه عليه العقوبة من أوّل السّورة؟ قيل: منعنى ذلك أنّ كلّ فصلٍ من ذلك قد قرن بالوعيد، إلى قوله: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم اللّه في الآية الّتي بعده، إلى قوله: {فسوف نصليه نارًا} ..."
قال ابن حيان:" وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله: ﴿ومن يفعل ذلك﴾ .
قوله:( عُدْوَانًا وَظُلْمًا)
العدوان تجاوز الحد،وهو التسلط بشدة،ويكون بظلم غالبا، وقد يكون بحق،كما في قوله تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين) .
وعطف قوله ”وظلما“ على ”عدوانا“ من عطف الخاص على العام،والظلم وضع الشيء في غير موضعه .
مناسبة تقييد الوعيد بذكر العدوان .
قيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط، وذكر العدوان والظلم مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما، ولأن ذلك حسن في الكلام ، كقوله:
وألفى قولها كذبا ومينا .
(قوله: فسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
(سوف) حرف يدخل على المضارع فيمحضه للزمن المستقبل، وهو مرادف للسين على الأصح، وتفيدان في مقام الوعد تحقيق الوعد وكذلك التوعد .
(نصليه) نجعله صاليا أو محترقا .
(نَارًا) أتت نكرة لإفادة تعظيم أمرها وشدة خطرها .
قوله: (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)
هينا عليه، لا عسر فيه ولا صارف عنه؛ لأنه تعالى لا يعجزه شيء،واظهر اسم الجلالة لتربية المهابة في النفوس .
قال ابن كثير:وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.
وقال ابن عاشور:والآية دلت على كليتين من كليات الشريعة: وهما حفظ الأموال وحفظ الأنفس، من قسم المناسب الضروري.
بارك الله فيك أختي الكريمة وأحسن إليك
فقط عندي ملاحظات على التخريج في بعض الأقوال فقد كنت تذكرين القول وتذكرين من خرجه ولكن لا تذكرين الطريق الذي روي منها ، كما فاتك بعض المسائل لأنك كنت تدرجين عدة مسائل تحت عنوان كبير وتذكرين تحته المعنى الإجمالي للآية ، كما أنك كنت تدرجين كثيرا من الأقوال والتفاسير دون نسبتها لقائليها ،فتح الله عليك وتقبل منك .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 7 جمادى الآخرة 1441هـ/1-02-2020م, 09:48 PM
بدرية صالح بدرية صالح غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 498
افتراضي

قال تعالى :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
مقصد الآية : تبين هذه الآية الأحكام فيما يخص المواريث ، وأن الإسلام وضع لكل من الرجال والنساء ورثة وبين نصيبهم.
مناسبة الآية لما قبلها :
قال أبو حيان : لَمّا نَهى عَنِ التَّمَنِّي المَذْكُورِ، وأمَرَ بِسُؤالِ اللَّهِ مِن فَضْلِهِ، أخْبَرَ تَعالى بِشَيْءٍ مِن أحْوالِ المِيراثِ، وأنَّ في شَرْعِهِ ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً مِن تَحْصِيلِ مالٍ لِلْوارِثِ لَمْ يَسْعَ فِيهِ، ولَمْ يَتَعَنَّ بِطَلَبِهِ، فَرُبَّ ساعٍ لِقاعِدٍ.
علوم الآية :
سبب النزول :
1/ كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يورثوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض..قول ابن عباس عكرمة والبصري وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .رواه ابن جرير وعبدالرزاق
2/ سبب آخر أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ولكل جعلنا موالي قال ورثة والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمة بالأخوة التي آخى النبي بينهم فنسختها هذه الآية (ولكل جعلنا موالي )، ثم قال والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي لهم ...
3/ وسبب آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن داود ابن الحصين قال كنت أقرأ على أم سعد بنت سعد بن الربيع أنا وابن ابنها موسى ابن سعد وكانت يتيمة في حجر أبي بكر الصديق فقرأت عليها والذين عاقدت أيمانكم فقالت لا ولكن والذين عقدت أيمانكم قالت إنها نزلت في أبي بكر الصديق وولده عبد الرحمن حين أبى أن يسلم فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف أمره الله أن يؤتيه نصيبه…
4/ وقيل نزلت هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيّةً. قول سعيد بن المسيب
القراءات :
قرأ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {عقدت} بِأَلف
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {عقدت} بِغَيْر ألف). ذكره الجوزي.
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي : قرأ الكوفيون (عقدت أيمانكم) بغير ألف، وقرأ الباقون (عاقدت) بالألف).
قال ابن جرير : والّذي نقول به في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنًى واحدٍ.
الغرض من استعمال (لكل ..
قال أبو حيان في المحيط : و(كُلٌّ) لا تُسْتَعْمَلُ إلّا مُضافَةً، إمّا لِظّاهِرٍ، وإمّا لْمُقَدَّرٍ، واخْتَلَفُوا في تَعْيِينِ المُقَدَّرِ هُنا، فَقِيلَ: المَحْذُوفُ إنْسانٌ، وقِيلَ: المَحْذُوفُ مالٌ.
المراد بالموالي :
-الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيره من العصبة . رواه عبد الرّزّاق في تفسيره عن معمر عن قتادة
-وقيل هم الأولياء والذين عقدت أيمانكم قال كان هذا حلفا في الجاهلية فلما كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم ..قول مجاهد. رواه عبدالرزاق
معنى المولى :
قال الزجاج : كلّ من يليك أو والاك فهو مولًى، والمولى: مولى نعمة نحو مولى العبد.
والمولى: العبد إذا عتق.
وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال كان الرّجل يعاقد الرّجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل اللّه عزّ وجلّ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ
قال أبو عبيدة والعيني :لفظ المولى يأتي لمعانٍ كثيرة وذكر منها خمسة معان الأول: يقال لابن العم مولى، قال الشّاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
الثّاني: المنعم. أي: الّذي ينعم على عبده بالعتق وهو الّذي يقال له المولى الأعلى.
الثّالث: المولى المعتق، بفتح التّاء، وهو الّذي يقال له المولى الأسفل.
الرّابع: يقال للمليك المولى لأنّه يلي أمور النّاس.
الخامس: المولى مولى في الدّين، وممّا لم يذكره النّاصر والمحب والتّابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والوليّ والموازي، وقال الزّجاج: كل من يليك أو والاك فهو مولى.
قوله تعالى :( والّذين عاقدت أيمانكم}
قال العيني : هو مولى اليمين وهو الحليف.
وقال النسائي في سننه : من النّصر والنّصيح والرّفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث.
قال ابن جرير :
والمولى اليوم موليان: مولًى يرث ويورّث فهؤلاء ذوو الأرحام، ومولًى يورّث ولا يرث فهؤلاء العتاقة.
معنى قوله: {عقدت أيمانكم}
قال ابن جرير : فإنّه وصلت وشدّت ووكّدت أيمانكم، يعني: مواثيقكم الّتي واثق بعضهم بعضًا.
قال الجزري : المعاقدة: المعاهدة والميثاق
و «الأيمان» جمع يمين: القسم أو اليد.
دلالة قوله: {أيمانكم} .
قال ابن جرير : على أنّها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف.
معنى الإيمان :
قال القاسمي :
والأيْمانُ: جَمْعُ يَمِينٍ، إمّا بِمَعْنى اليَدِ اليُمْنى لِوَضْعِهِمُ الأيْدِي في العُهُودِ، أوْ بِمَعْنى القَسَمِ وهو الأظْهَرُ؛ لِأنَّ العَقْدَ خِلافُ النَّقْضِ، وقَدْ جاءَ مَقْرُونًا بِالحَلِفِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَنْقُضُوا الأيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {والّذين عقدت أيمانكم} قول من قال: والّذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء، وذلك أنّه معلومٌ عند جميع أهل العلم بأيّام العرب وأخبارها أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرّواية في ذلك.
المراد بالحلف :
هو الإتفاق والمعاهدة على التساعد والتعاضد
قالَ ابْنُ الأثِيرِ: الحِلْفُ في الأصْلِ المُعاقَدَةُ والمُعاهَدَةُ عَلى التَّعاضُدِ والتَّساعُدِ والِاتِّفاقِ، فَما كانَ مِنهُ في الجاهِلِيَّةِ عَلى الفِتَنِ والقِتالِ والغاراتِ فَذَلِكَ الَّذِي ورَدَ النَّهْيُ عَنْهُ في الإسْلامِ بِقَوْلِهِ ﷺ: «لا حِلْفَ في الإسْلامِ» وما كانَ مِنهُ في الجاهِلِيَّةِ عَلى نَصْرِ المَظْلُومِ وصِلَةِ الأرْحامِ كَحِلْفِ المُطَيِّبِينَ - وما جَرى مَجْراهُ - فَذَلِكَ الَّذِي قالَ فِيهِ ﷺ: «وأيُّما حِلْفٍ كانَ في الجاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلّا شِدَّةً» .
معنى النّصيب :
اختلف أهل التأويل في تفسير ذلك :
-فقيل : نصيبه من الميراث لأنّهم في الجاهليّة كانوا يتوارثون، فأوجب اللّه في الإسلام من بعضهم لبعضٍ بذلك الحلف،وبمثله في الإسلام من الموارثة مثل الّذي كان لهم في الجاهليّة، ثمّ نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات. قول ابن عباس عكرمة والبصري وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .
-وقال آخرون: وقيل هم أهل العقد بالحلف، ولكنّهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النّصرة والنّصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث.قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد والسدي .
-وقيل هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيّةً. قول سعيد بن المسيب
دلالة التذييل في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾
قال القرطبي : أَيْ قَدْ شَهِدَ مُعَاقَدَتَكُمْ إياهم، وهو عز وجل يحب الوفاء.
وقال أبو حيان في (المحيط ) : لَمّا ذَكَرَ تَعالى تَشْرِيعَ التَّوْرِيثِ، وأمَرَ بِإيتاءِ النَّصِيبِ، أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ فَهو المُجازِي بِهِ، وفي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ لِلْعاصِي، ووَعْدٌ لِلْمُطِيعِ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ شَهِيدٌ عَلى المُعاقَدَةِ بَيْنَكم. والصِّلَةُ فَأوْفُوا بِالعَهْدِ.

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 26 ذو القعدة 1441هـ/16-07-2020م, 09:17 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا )
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)
الوقف في الآية :

-حكم الوقف في (عن تراض منكم) حسن ، وهو قول الأنباري ، والأشموني .
وقال الداني : كاف .

-القراءات :
القراءة في قوله : (إلّا أن تكون تجارةً )
القراءة الأولى : بالنصب ، قرأ بها حمزة وعاصم والكسائي وهو اختيار أبي عبيد.
القراءة الثانية : بالرفع ، قرأ بها المدنيون وابن كثير وابن عامر وأبو عمرو .
قال أبو منصور في " معاني القراءات وعللها " من رفع جعل كان مكتفية، ومن نصب أضمر لـ (كان) اسما.
وقال أبو علي في الحجة : من رفع فالاستثناء منقطع، لأنّ التجارة عن تراض ليس من أكل المال بالباطل.
ومن نصب إلا أن تكون تجارة احتمل ضربين: أحدهما: إلّا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قوله:
إذا كان يوما ذا كواكب....
أي إذا كان اليوم يوما.
والآخر: إلّا أن تكون الأموال ذوات تجارة، فتحذف المضاف، وتقيم المضاف إليه مقامه، والاستثناء على هذا الوجه أيضا منقطع .

-الناسخ والمنسوخ :
القول الأول أنها منسوخة ،قال به ابن حزم في الناسخ والمنسوخ ، قال :نسخت بقوله تعالى في سورة النور: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج (وكانوا يجتنبونهم في الأكل فقال تعالى: {ليس على من أكل مع الأعرج والمريض حرج} فصارت هذه الآية ناسخة لتلك الآية .
وكذا قال ابن سلامة في الناسخ والمنسوخ .
القول الثاني: أنها محكمة ، قال به ابن الجوزي في نواسخ القرآن ، وروى حديثا عن الحسن ، وعن مسروق "إنّها لمحكمةٌ ما نسخت".
وقال :وقد زعم بعض منتحلي التّفسير، ومدّعي علم النّاسخ والمنسوخ: أنّ هذه الآية لمّا نزلت تحرّجوا من أن يواكلوا الأعمى والأعرج والمريض، وقالوا إنّ الأعمى لا يبصر أطايب الطّعام، والأعرج لا يتمكّن من المجلس، والمريض ،ولايستوفي الأكل، فأنزل الله عز وجل:( ليس على الأعمى حرجٌ ( الآية فنسخت هذه الآية.
وهذا ليس بشيء، ولأنه لا تنافي بين الآيتين، ولا يجوز أكل المال بالباطل بحالٍ، (وعلى ما قد زعم) هذا القائل قد كان يجوز أكل المال بالباطل ).
وقال السخاوي والجمهور على أنها محكمة والقول بأنها منسوخة يؤدي إلى إباحة أكلها بالباطل مع الأعمى والأعرج والمريض، وإنما فعلوا ذلك تورعا .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية لما قبلها:
لما كانت الآيات السابقة قد اشتملت على أوامر بإيتاء ذي الحق في المال حقه، انتقلت الآيات بعد ذلك إلى تشريع عام في الأموال والأنفس.
مقصد الآية :
قال ابن عاشور : وهذه الآية أصل عظيم في حرمة الأموال، وقد قال رسول الله ﷺ «لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس» . وفي خطبة حجة الوداع «إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام .
فنهى بهذه الآية عن جميع المكاسب الباطلة بالشرع.
مناسبة تصدير الآية بالنداء:
لأجل العناية بما جاء في الخطاب فتوجيه النداء بــ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ يفيد الإغراء بالتزام هذا الخطاب أو بالتزام مدلول هذا الخطاب، ووجه ذلك أن وصف الإنسان بالإيمان يحمله على الامتثال، ويفيد أيضًا أن امتثال هذا الشيء من مقتضيات الإيمان، ويفيد أيضًا أن مخالفة ذلك نقص في الإيمان.
وقد جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: إذا قال الله: يا أيها الذين آمنوا فأرْعها سمعك؛ فإما خير تُؤمر به، وإما شر تنهى عنه .
وجه خص الأكل بالذكر :
خص الأكل بالذكر ونهى عنه تنبيهاً على غيره من جميع التصرفات الواقعة على وجه الباطل، لأن معظم المقصود من المال الأكل، وذلك نظير قوله تعالى: ﴿إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما﴾ فكما يحرم أكل مال اليتيم بالظلم يحرم إنفاقه في غير الأكل.
وقيل: لأنه لا يعود معه إلى الغير، فأكل الأموال هو الاستيلاء عليها بنية عدم إرجاعها لأربابها .
مناسبة الإيجاز والجمع في قوله: ﴿لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ﴾ [يمكنكِ صياغة المسألة بقول: دلالة إضافة الأموال لضمير المخاطب، حتى تكون صياغة المسألة مشتقة من ألفاظ الآية، وحتى لا تكون الإجابة في رأس المسألة، فإذا كان هناك أكثر من فائدة للمسألة، أو هناك خلاف فيها، يمكنكِ بسط ذلك عند التحرير ولا تقيدي نفسك بقول واحد في صياغة المسألة]
فيه دلالة على أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ومصالحهم كالجسد الواحد، حيث كان الإيمان يجمعهم على مصالحهم الدينية والدنيوية.
فكأنّه يقول : إنَّ مال كلّ واحد منكم هو مال أمتكم، فإذا استباح أحدكم أن يأكل مال الآخر بالباطل، كان كأنّه أباح لغيره أكل ماله وهضْم حقوقه .
أوجه أخذ المال : [قيدي رأس المسألة بقول " أخذ المال بالحق" ]
قال الزجاج :حرم اللّه جلّ وعز المال إلّا أن يوجد على السّبل التي ذكر من الفرائض في المواريث والمهور والتسري والبيع والصدقات التي ذكر وجوهها.
المراد بالباطل : [المراد بأكل المال بالباطل]
الباطل في اللغة: الضائع سدى .
والمراد بالباطل في هذه الآية ما خالف الشرع؛ لأن الشرع حق وما خالفه باطل، والمعنى على هذا: لا تأكلوا أموالكم بينكم على وجه يخالف الشرع، مثل: الربا، والغش، والكذب، والتدليس، وما أشبه ذلك.
وقد ذكر المفسرون في المراد بالباطل ثلاثة أقوال :
القول الأول : أنه الزنى، والقمار، والبخس، والظلم، وهو قول السدي ،رواه ابن جرير ،وبن أبي حاتم من طريق أسباط .
الثاني: ان المراد به العقود الفاسدة، وهو قول ابن عباس، رواه ابن جرير، وبن أبي حاتم من طريق عكرمة .
الثالث: أنه نهى أن يأكل الرجل طعام قرى وأمر أن يأكله شرى ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في سورة النور: ﴿ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم﴾ [النور: ٦١] إلى قوله: ﴿أو أشتاتا﴾ وهو قول الحسن، وعكرمة ،ورواه ابن جرير
قال ابن جرير: وأولى هذين القولين [في تحريركِ ثلاثةأقوال] بالصّواب في ذلك قول السّدّيّ: وذلك أنّ اللّه تعالى ذكره حرّم أكل أموالنا بيننا بالباطل، ولا خلاف بين المسلمين أنّ أكل ذلك حرامٌ علينا، فإنّ اللّه لم يحلّ قطّ أكل الأموال بالباطل.
وإذا كان ذلك كذلك فلا معنى لقول من قال: كان ذلك نهيًا عن أكل الرّجل طعام أخيه قرًى على وجه ما أذن له، ثمّ نسخ ذلك لنقل علماء الأمّة جميعًا وجهًا لها أنّ قرى الضّيف، وإطعام الطّعام كان من حميد أفعال أهل الشّرك والإسلام، الّتي حمد اللّه أهلها عليها وندبهم إليها ...)

قوله :( إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ)
[أؤكد على ملحوظة أستاذة فاطمة بخصوص إجمال عدد من المسائل تحت مسألة واحدة، فهنا معنى الاستثناء، ومعنى التجارة، ودلالة التعدية بحرف الجر عن، والتعبير بصيغة تفاعل في " تراض " ...، وأكثر هذه المسائل مذكورة في التفاسير الثلاثة المقررة]
التجارة في اللغة : عبارة عن المعاوضة ومنه الأجر الذي يعطيه الله تعالى للعبد عوضاً من الأعمال الصالحة.
كما قال تعالى: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ على تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ وقال ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ﴾ وقال ﴿إِنَّ الله اشترى مِنَ المؤمنين أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ﴾ ، فسمَّى ذلك كلَّه بيعاً وشراءً على ، تشبيهاً بعقُود المبيعات الّتي تحصل بها الأغرار .
قوله: (إِلَّا أَنْ تَكُونَ) (إِلَّا) أداة استثناء، والمراد به الاستدراك؛ يعني لكن إن كانت تجارةٌ أو تجارةً بينكم عن تراضٍ منكم فهذا لا بأس به .
وقد ذكر ابن عادل في اللباب لصحة انقطاعه وجهين:
أحدهما: أن التجارة لم تندرج في الأموال المأكولة بالباطل حتى يستثنى عنها سواء فسر الباطل بغير عوض، أو بغير طريق شرعيّ.
والثاني: أن المستثنى كون، والكون ليس مالاً من الأموال .
الثالث: أنه متصل قيل: لأن المعنى لا تأكلوها بسبب إلا أن تكون تجارة.
قال أبو البقاء: وهو ضعيف؛ لأنه قال: بالباطل، والتجارة ليست من جنس الباطل، وفي الكلام حذف مضاف تقديره؛ إلا في حال كونها تجارة، أو في وقت كونها تجارة ..انتهى.
قال ابن عطية عليه رحمة الله: "والاستثناء منقطع في كل تقدير وفي قراءة الرفع."
وقال بعد ذكره للقراءات الوارده :"وهما قولان قويان، إلا أن تمام «كان» يترجح عند بعض، لأنها صلة «لأن» فهي محطوطة عن درجتها إذا كانت سليمة من صلة وغيرها، وهذا ترجيح ليس بالقوي ولكنه حسن، وأن في موضع نصب، ومن نصب «تجارة» جعل اسم كان مضمرا، تقديره الأموال أموال تجارة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه، أو يكون التقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، ومثل ذلك قول الشاعر:
[الطويل] إذا كان يوما ذا كواكب أشنعا أي: إذا كان اليوم يوما"
قال ابن جرير: وكلتا القراءتين عندنا صوابٌ جائزةٌ القراءةُ بهما، لاستفاضتهما في قرأة الأمصار، مع تقارب معانيهما.
وأورد ابن عثيمين رحمه الله تعالى اشكالاً قد يقع فقال:"وحينئذٍ يشكل أن يكون الاسم مستترًا وتقديره (هي) مع أن الأكل ﴿لَا تَأْكُلُوا﴾ مذكّر، فهل يصح أن نقول: إلا أن تكون الأكل تجارة؟ لا يصح، ولكن هاهنا فائدة وهو: إذا توسط الضمير أو الإشارة بين شيئين الثاني مذكر والأول مؤنث أو بالعكس فإنه يجوز مراعاة الأول أو الثاني ..
يذكر باعتبار مرجعه السابق، وأن يؤنث باعتبار مرجعه اللاحق، فهنا أُنّث باعتبار مرجعه الثاني اللاحق .
سبب خص التجارة بالذكر:
خصت التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها ولأنها أرفق بذوي المروآت بخلاف الإيهاب وطلب الصدقات،وقد أجمعت الأمة على جواز أكل الأموال بالتجارة، واتفق جمهور العلماء على جواز الغبن فيها، مثال ذلك: أن يبيع الرجل ياقوتة بدرهم وهي تساوي مائة، فذلك جائز، ويعضده حديث النبي صلى الله عليه وسلم "لا يبع حاضر لباد"
قال ابن جرير:" في هذه الآية إبانةٌ من اللّه تعالى ذكره عن تكذيب قول الجهلة من المتصوّفة المنكرين طلب الأقوات بالتّجارات والصّناعات، واللّه تعالى يقول: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} اكتسابًا منا ذلك بها. كما:.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: قوله {يا أيّها الّذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلاّ أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم} قال: التّجارة رزقٌ من رزق اللّه، وحلالٌ من حلال اللّه لمن طلبها بصدقها وبرّها، وقد كنّا نحدّث أنّ التّاجر الأمين الصّدوق مع السّبعة في ظلّ العرش يوم القيامة.

قوله: (عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ )
قال ابن عاشور (وقوله: ﴿عن تراض﴾ منكم صفة لـ ”تجارة“، و(عن) فيه للمجاوزة، أي صادرة عن التراضي وهو الرضا من الجانبين بما يدل عليه من لفظ أو عرف.
وقال السعدي : تنعقد العقود بما دلَّ عليها من قول أو فعل؛ لأنَّ الله شرط الرّضا، فبأيّ طريق حصل الرّضا انعقد به العقد .
وقد أورد المفسرون له قولان:
أحدهما: أن التراضي هو أن يكون العقد ناجزا بغير خيار، وهو قول مالك، وأبي حنيفة.
قال ابن عاشور : وفي الآية ما يصلح أن يكون مستندا لقول مالك من نفي خيار المجلس؛ لأن الله جعل مناط الانعقاد هو التراضي، والتراضي يحصل عند التبايع بالإيجاب والقبول.
والثاني: هو أن يخير أحدهما صاحبه بعد العقد وقبل الافتراق، وهو قول شريح، وابن سيرين، والشعبي.
وقد روى ابن جرير عن سليمان الجعفيّ، عن أبيه، عن ميمون بن مهران، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيع عن تراضٍ، والخيار بعد الصّفقة، ولا يحلّ لمسلمٍ أن يغشّ مسلمًا.
قال ابن جرير: وأولى القولين بالصّواب في ذلك عندنا قول من قال: إنّ التّجارة الّتي هي عن تراضٍ بين المتبايعين: ما تفرّق المتبايعان على المجلس الّذي تواجبا فيه بينهما عقدة البيع بأبدانهما، عن تراضٍ منهما بالعقد الّذي جرى بينهما، وعن تخيير كلّ واحدٍ منهما صاحبه؛ لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: البيّعان بالخيار ما لم يتفرّقا، أو يكون بيع خيارٍ وربّما قال: أو يقول أحدهما للآخر: اختر .
قوله: (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ )
مناسبتها لما قبلها :
لمّا كان المال عديل الرّوح، ونهى عن إتلافه بالباطل، نهى كذلك عن إتلاف النّفس؛ لكونِ أكثر إتلافهم لهما بالغارات لنهْب الأموال .
وجه تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على قتل النفس وهي أشد .
تقدم النهي عن أكل المال بالباطل على النهي عن قتل أالنفس، لأنه أكثر وقوعا، وأفشى في الناس من القتل .
وقد ذكر المفسرون في هذه الآية عدة أقوال:
ألأول: أنه على ظاهره، أن الله حرم على العبد قتل نفسه ،وقد ورد في الوعيد الشديد،كما في الصحيحين من رواية أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده، يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بسم، فسمه في يده، يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه، فهو مترد(٣٠) في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا".
الثاني: أن معناه: لا يقتل بعضكم بعضا، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وسعيد بن جبير، وعكرمة، وقتادة، والسدي، ومقاتل، وابن قتيبة.
قال ابن جرير:" ولا يقتل بعضكم بعضًا، وأنتم أهل ملة واحدة، ودعوة واحدة، ودين واحد. فجعل جل ثناؤه أهل الإسلام كلهم بعضَهم من بعض. وجعل القاتل منهم قتيلا في قتله إياه منهم بمنزلة قَتله نفسه، إذ كان القاتلُ والمقتول أهلَ يد واحدة على من خالف مِلَّتَهُما."
وعبر عن البعض المنهي عن قتلهم بالأنفس للمبالغة في الزجر .
الثالث: أن المعنى: لا تكلفوا أنفسكم عملا ربما أدى إلى قتلها وإن كان فرضا، وعلى هذا تأولها "عمرو بن العاص في غزاة ذات السلاسل حيث صلى بأصحابه جنبا في ليلة باردة، فلما ذكر ذلك للنبي ﷺ، قال له: يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقال: يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة، وأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قوله تعالى: ﴿ولا تقتلوا أنفسكم﴾ فضحك رسول الله ﷺ ".
الرابع: أن المعنى: لا تغفلوا عن حظ أنفسكم، فمن غفل عن حظها، فكأنما قتلها، هذا قول الفضيل بن عياض.
الخامس: لا تقتلوها بارتكاب المعاصي.
وقيل : لا تخاطروا بنفوسكم في القتال، فتقاتلوا من لا تطيقونه .
وقيل: لا تتجروا في بلاد العدو فتفردوا بأنفسكم، وبه استدل مالك على كراهة التجارة إلى بلاد الحرب .
ولا مانع من حمل الآية على جميع هذه المعاني، ومما يدل على ذلك احتجاج عمرو بن العاص بها حين لم يغتسل بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل فقرر النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجاجه فدل هذا على عموم ضمير ”تقتلوا“ دون خصوص السبب .
قوله :( إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا)
تعليل للنهي، والمعنى أنه تعالى لم يزل مبالغا في الرحمة والرأفة ، ومن رحمته بكم نهيكم عن أكل الحرام وإهلاك الأنفس، وعن كل شيء تستوجبون به مشقة أو محنة .
وقيل: معناه: إنه كان بكم يا أمة محمد رحيما، إذ لم يكلفكم قتل الأنفس في التوبة، كما كلف بني إسرائيل بذلك.
قوله : (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
الوقف في الآية :
نصليه نارا (حسن)
يسيرا (تام) للابتداء بالشرط ، الأشموني .

_ المسائل التفسيرية :
مناسبة الآية :
لما نهى اللهُ المؤمنين في الآية السابقة أن يأخذ بعضهم أموال بعض بغير حقّ، او يقتل بعضهم بعضا، توعد من يفعل ذلك منهم بالعذاب الشديد .
مقصد الآية :
تعظيم ما سبق ذكره والترهيب من فعله .
قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما)
اختلف المفسرون في المشار إليه على أقوال :
الأول : أنه عائد على القتل، لأنه أقرب مذكور، وهو قول عطاء، واختيار الزمخشري، روى ابن جرير عن ابن جريج قال: قلت لعطاء: أرأيتَ قوله:"ومن يفعل ذلكُ عدْوانًا وظلمًا فسوف نُصليه نارًا"، في كل ذلك، أو في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم"؟ قال: بل في قوله:"ولا تقتلوا أنفسكم" .
الثاني : انه عائد على أكل المال بالباطل وقتل النفس، لأن النهي عنهما جاء متسقا مسرودا، ثم ورد الوعيد حسب النهي.
وهو الذي رجحه ابن عثيمين بقوله:المشار إليه ما ذكر في الآية السابقة فقط خلافا لبعض العلماء الذين قالوا أنه كل ما نهي عنه من أول السورة، فإن هذا لا وجه له، بل الإشارة تعود إلى أقرب مذكور .
الثالث: أنه عائد على ما نهى عنه من آخر وعيد، من قوله ):يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) وذلك لأن كل ما نهي عنه من أول السورة قرن به وعيد إلا من قوله: (يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها) فإنه والنواهي بعده لا وعيد معها إلا قوله: (ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما ( وهو الذي رجحه ابن جرير .
قال ابن حيان:" وما ذهب إليه الطبري بعيد جدا لأن كل جملة قد استقلت بنفسها، ولا يظهر لها تعلق بما بعدها إلا تعلق المناسبة، ولا تعلق اضطرار المعنى.
الرابع : أنه عائد على كل ما نهى عنه من القضايا من أول السورة إلى قوله تعالى: (ومن يفعل ذلك ) .
قال ابن جرير راداً هذا القول :" فإن قال قائلٌ: فما منعك أن تجعل قوله: {ذلك}: معنيًّا به جميع ما أوعد اللّه عليه العقوبة من أوّل السّورة؟ قيل: منعنى ذلك أنّ كلّ فصلٍ من ذلك قد قرن بالوعيد، إلى قوله: {أولئك أعتدنا لهم عذابًا أليمًا} ولا ذكر للعقوبة من بعد ذلك على ما حرّم اللّه في الآية الّتي بعده، إلى قوله: {فسوف نصليه نارًا} ..."
قال ابن حيان:" وأبعد من قول الطبري ما ذهب إليه جماعة من أن ذلك إشارة إلى كل ما نهى عنه من القضايا، من أول السورة إلى النهي الذي أعقبه قوله: ﴿ومن يفعل ذلك﴾ .
قوله:( عُدْوَانًا وَظُلْمًا) [معنى العدوان ومعنى الظلم ودلالة عطف الظلم على العدوان]
العدوان تجاوز الحد،وهو التسلط بشدة،ويكون بظلم غالبا، وقد يكون بحق،كما في قوله تعالى: (فلا عدوان إلا على الظالمين) .
وعطف قوله ”وظلما“ على ”عدوانا“ من عطف الخاص على العام،والظلم وضع الشيء في غير موضعه .
مناسبة تقييد الوعيد بذكر العدوان .
قيد الوعيد بذكر العدوان والظلم ليخرج منه فعل السهو والغلط، وذكر العدوان والظلم مع تقارب معانيهما لاختلاف ألفاظهما، ولأن ذلك حسن في الكلام ، كقوله:
وألفى قولها كذبا ومينا .
(قوله: فسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا (30)
(سوف) حرف يدخل على المضارع فيمحضه للزمن المستقبل، وهو مرادف للسين على الأصح، وتفيدان في مقام الوعد تحقيق الوعد وكذلك التوعد .
(نصليه) نجعله صاليا أو محترقا .
(نَارًا) أتت نكرة لإفادة تعظيم أمرها وشدة خطرها .
قوله: (وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرًا)
هينا عليه، لا عسر فيه ولا صارف عنه؛ لأنه تعالى لا يعجزه شيء،واظهر اسم الجلالة لتربية المهابة في النفوس .
قال ابن كثير:وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد.
وقال ابن عاشور:والآية دلت على كليتين من كليات الشريعة: وهما حفظ الأموال وحفظ الأنفس، من قسم المناسب الضروري.

التقويم: ب+
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، وأثني على تنوع مصادركِ، ولو أضفتِ إليها عند إرادة التفصيل كتب أحكام القرآن لبحث المسائل الفقهية في المسألة الأولى
وأؤكد على ملحوظات الأستاذة فاطمة - جزاها الله خيرًا- وأرجو أن تفيدكِ الملحوظات أعلاه
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 26 ذو القعدة 1441هـ/16-07-2020م, 10:53 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة بدرية صالح مشاهدة المشاركة
قال تعالى :( وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (33)}
مقصد الآية : تبين هذه الآية الأحكام فيما يخص المواريث ، وأن الإسلام وضع لكل من الرجال والنساء ورثة وبين نصيبهم. [لا يتناسب هذا اللفظ مع مقصد الآية]
مناسبة الآية لما قبلها :
قال أبو حيان : لَمّا نَهى عَنِ التَّمَنِّي المَذْكُورِ، وأمَرَ بِسُؤالِ اللَّهِ مِن فَضْلِهِ، أخْبَرَ تَعالى بِشَيْءٍ مِن أحْوالِ المِيراثِ، وأنَّ في شَرْعِهِ ذَلِكَ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً مِن تَحْصِيلِ مالٍ لِلْوارِثِ لَمْ يَسْعَ فِيهِ، ولَمْ يَتَعَنَّ بِطَلَبِهِ، فَرُبَّ ساعٍ لِقاعِدٍ.
علوم الآية :
سبب النزول :
1/ كان الرجل في الجاهلية يعاقد الرجل فيقول دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك وتطلب بي وأطلب بك فلما جاء الإسلام بقي منهم ناس فأمروا أن يورثوهم نصيبهم من الميراث وهو السدس ثم نسخها وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض..قول ابن عباس عكرمة والبصري وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .رواه ابن جرير وعبدالرزاق
2/ سبب آخر أخرج البخاري وأبو داود والنسائي وابن أبي حاتم من طريق طلحة بن مصرف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى ولكل جعلنا موالي قال ورثة والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث المهاجر الأنصاري دون ذوي رحمة بالأخوة التي آخى النبي بينهم فنسختها هذه الآية (ولكل جعلنا موالي )، ثم قال والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم من النصرة والنصيحة والرفادة ويوصي لهم ...
3/ وسبب آخر أخرج ابن أبي حاتم من طريق محمد بن إسحاق عن داود ابن الحصين قال كنت أقرأ على أم سعد بنت سعد بن الربيع أنا وابن ابنها موسى ابن سعد وكانت يتيمة في حجر أبي بكر الصديق فقرأت عليها والذين عاقدت أيمانكم فقالت لا ولكن والذين عقدت أيمانكم قالت إنها نزلت في أبي بكر الصديق وولده عبد الرحمن حين أبى أن يسلم فحلف أبو بكر أن لا يورثه فلما أسلم حين حمل على الإسلام بالسيف أمره الله أن يؤتيه نصيبه…
4/ وقيل نزلت هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيّةً. قول سعيد بن المسيب
[بارك الله فيكِ
فرقي بين ما يدخل في تفسير الآية، وسبب النزول وهو أن تحصل حادثة فينزل بسببها الآية ...
أما حكاية المفسرين عن معنى الآية أو ما يدخل في تفسيرها من أحوال فهذا من باب التفسير]

القراءات :
قرأ ابْن كثير وَنَافِع وَأَبُو عَمْرو وَابْن عَامر {عقدت} بِأَلف
وَقَرَأَ عَاصِم وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {عقدت} بِغَيْر ألف). ذكره الجوزي. [ابن الجوزي؟]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي : قرأ الكوفيون (عقدت أيمانكم) بغير ألف، وقرأ الباقون (عاقدت) بالألف).
قال ابن جرير : والّذي نقول به في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في قراءة أمصار المسلمين بمعنًى واحدٍ.
الغرض من استعمال (لكل .. [لعلكِ تقصدين تعيين المضاف إلى " كل " ]
قال أبو حيان في المحيط : و(كُلٌّ) لا تُسْتَعْمَلُ إلّا مُضافَةً، إمّا لِظّاهِرٍ، وإمّا لْمُقَدَّرٍ، واخْتَلَفُوا في تَعْيِينِ المُقَدَّرِ هُنا، فَقِيلَ: المَحْذُوفُ إنْسانٌ، وقِيلَ: المَحْذُوفُ مالٌ.
المراد بالموالي :
-الأب أو الأخ أو ابن الأخ أو غيره من العصبة . رواه عبد الرّزّاق في تفسيره عن معمر عن قتادة
-وقيل هم الأولياء والذين عقدت أيمانكم قال كان هذا حلفا في الجاهلية فلما كان الإسلام أمروا أن يؤتوهم نصيبهم ..قول مجاهد. رواه عبدالرزاق [هنا خلط، ما تحته خط تابع لمسألة أخرى، وأين تخريج قول مجاهد.
وفي قول آخر الموالي هم الورثة]

معنى المولى :
قال الزجاج : كلّ من يليك أو والاك فهو مولًى، والمولى: مولى نعمة نحو مولى العبد.
والمولى: العبد إذا عتق.
وروى الطّبريّ من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ قال كان الرّجل يعاقد الرّجل فإذا مات ورثه الآخر فأنزل اللّه عزّ وجلّ وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعضٍ
قال أبو عبيدة والعيني :لفظ المولى يأتي لمعانٍ كثيرة وذكر منها خمسة معان الأول: يقال لابن العم مولى، قال الشّاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا
الثّاني: المنعم. أي: الّذي ينعم على عبده بالعتق وهو الّذي يقال له المولى الأعلى.
الثّالث: المولى المعتق، بفتح التّاء، وهو الّذي يقال له المولى الأسفل.
الرّابع: يقال للمليك المولى لأنّه يلي أمور النّاس.
الخامس: المولى مولى في الدّين، وممّا لم يذكره النّاصر والمحب والتّابع والجار والحليف والعقيد والصهر والمنعم عليه والوليّ والموازي، وقال الزّجاج: كل من يليك أو والاك فهو مولى. [قدمي المعنى اللغوي على المراد بالكلمة]
قوله تعالى :( والّذين عاقدت أيمانكم} [هنا مسائل وأهمها: معنى عقد اليمين، والمراد بالذين، وتوجيه معنى الآية على الجمع بين القراءتين " عقدت " و "عاقدت"]
قال العيني : هو مولى اليمين وهو الحليف.
وقال النسائي في سننه : من النّصر والنّصيح والرّفادة، ويوصي له، وقد ذهب الميراث.
قال ابن جرير :
والمولى اليوم موليان: مولًى يرث ويورّث فهؤلاء ذوو الأرحام، ومولًى يورّث ولا يرث فهؤلاء العتاقة. [؟؟]
معنى قوله: {عقدت أيمانكم}
قال ابن جرير : فإنّه وصلت وشدّت ووكّدت أيمانكم، يعني: مواثيقكم الّتي واثق بعضهم بعضًا.
قال الجزري : المعاقدة: المعاهدة والميثاق
و «الأيمان» جمع يمين: القسم أو اليد.
دلالة قوله: {أيمانكم} .
قال ابن جرير : على أنّها أيمان العاقدين والمعقود عليهم الحلف.
معنى الإيمان :
قال القاسمي :
والأيْمانُ: جَمْعُ يَمِينٍ، إمّا بِمَعْنى اليَدِ اليُمْنى لِوَضْعِهِمُ الأيْدِي في العُهُودِ، أوْ بِمَعْنى القَسَمِ وهو الأظْهَرُ؛ لِأنَّ العَقْدَ خِلافُ النَّقْضِ، وقَدْ جاءَ مَقْرُونًا بِالحَلِفِ في قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ولا تَنْقُضُوا الأيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها﴾
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب في تأويل قوله: {والّذين عقدت أيمانكم} قول من قال: والّذين عقدت أيمانكم على المحالفة، وهم الحلفاء، وذلك أنّه معلومٌ عند جميع أهل العلم بأيّام العرب وأخبارها أنّ عقد الحلف بينها كان يكون بالأيمان والعهود والمواثيق، على نحو ما قد ذكرنا من الرّواية في ذلك.
المراد بالحلف : [لفظ الآية " أيمانكم"]
هو الإتفاق والمعاهدة على التساعد والتعاضد
قالَ ابْنُ الأثِيرِ: الحِلْفُ في الأصْلِ المُعاقَدَةُ والمُعاهَدَةُ عَلى التَّعاضُدِ والتَّساعُدِ والِاتِّفاقِ، فَما كانَ مِنهُ في الجاهِلِيَّةِ عَلى الفِتَنِ والقِتالِ والغاراتِ فَذَلِكَ الَّذِي ورَدَ النَّهْيُ عَنْهُ في الإسْلامِ بِقَوْلِهِ ﷺ: «لا حِلْفَ في الإسْلامِ» وما كانَ مِنهُ في الجاهِلِيَّةِ عَلى نَصْرِ المَظْلُومِ وصِلَةِ الأرْحامِ كَحِلْفِ المُطَيِّبِينَ - وما جَرى مَجْراهُ - فَذَلِكَ الَّذِي قالَ فِيهِ ﷺ: «وأيُّما حِلْفٍ كانَ في الجاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلامُ إلّا شِدَّةً» .
معنى النّصيب :
اختلف أهل التأويل في تفسير ذلك :
-فقيل : نصيبه من الميراث لأنّهم في الجاهليّة كانوا يتوارثون، فأوجب اللّه في الإسلام من بعضهم لبعضٍ بذلك الحلف،وبمثله في الإسلام من الموارثة مثل الّذي كان لهم في الجاهليّة، ثمّ نسخ ذلك بما فرض من الفرائض لذوي الأرحام والقرابات. قول ابن عباس عكرمة والبصري وسعيد بن جبير وقتادة والضحاك .
-وقال آخرون: وقيل هم أهل العقد بالحلف، ولكنّهم أمروا أن يؤتي بعضهم بعضًا أنصباءهم من النّصرة والنّصيحة وما أشبه ذلك دون الميراث.قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة وسعيد والسدي .
-وقيل هذه الآية في الّذين كانوا يتبنّون أبناء غيرهم في الجاهليّة، فأمروا في الإسلام أن يوصوا لهم عند الموت وصيّةً. قول سعيد بن المسيب
دلالة التذييل في قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً﴾
قال القرطبي : أَيْ قَدْ شَهِدَ مُعَاقَدَتَكُمْ إياهم، وهو عز وجل يحب الوفاء.
وقال أبو حيان في (المحيط ) : لَمّا ذَكَرَ تَعالى تَشْرِيعَ التَّوْرِيثِ، وأمَرَ بِإيتاءِ النَّصِيبِ، أخْبَرَ تَعالى أنَّهُ مُطَّلِعٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ فَهو المُجازِي بِهِ، وفي ذَلِكَ تَهْدِيدٌ لِلْعاصِي، ووَعْدٌ لِلْمُطِيعِ، وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّهُ شَهِيدٌ عَلى المُعاقَدَةِ بَيْنَكم. والصِّلَةُ فَأوْفُوا بِالعَهْدِ.
التقويم: د+
بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ونفع بكِ.

اجتهدي في التعبير بأسلوبك عند تحرير المسائل.
وهذه الآية ينبغي الفصل أولا في مسألة هل هي منسوخة أو محكمة
ثم تعيين المضاف إليه المحذوف بعد " ولكلٍ " وهو على قولين " أحد أو إنسان " و " مال أو تركة "
وعلى كلا القولين يمكن بيان معنى الآية
وكذلك تعيين سبب الرفع في قوله {الوالدان والأقربون} هل هو فاعل " ترك "، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره وهم
على الأول يكون الوارث الموالي، والموروث الوالدان والأقربون
وعلى الثاني يكون الوارث الموالي وهم الوالدان والأقربون.
مسألة المراد بالذين عقدت أيمانكم متعلقة كذلك بنسخ الآية
ويتفرع عنها مسألة المراد بالنصيب في قوله {وآتوهم نصيبهم}
هل هو من الميراث، أو النصيحة والنصرة والمعاونة فقط.

تعيين مفاصل الكلام عند المفسرين وفهم سبب الخلاف يعينكِ على تحرير المسائل وتعيين ما إذا كان الخلاف خلاف تنوع أو تضاد ومن ثم الجمع بين الأقوال أو الترجيح - على الترتيب -
وأسأل الله أن يوفقني وإياكِ لما يحب ويرضى ويفتح علينا فتوح العارفين.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 27 ذو القعدة 1441هـ/17-07-2020م, 01:00 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة الزهراء احمد مشاهدة المشاركة
تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا (35)}
مقصد الآية : الدعوة للإصلاح بين الزوجين والتوفيق بينهما والحفاظ على الأسرة .
دلالة الآية :هذه الآيَةُ أصْلٌ في جَوازِ التَّحْكِيمِ في سائِرِ الحُقُوقِ، ومَسْألَةُ التَّحْكِيمِ مَذْكُورَةٌ في الفِقْهِ.كما ذكر ابن عاشور .
وفيها تَنْبِيهٌ عَلى أنَّ مَن أصْلَحَ نِيَّتَهُ فِيما يَتَوَخّاهُ وفَّقَهُ اللَّهُ لِمُبْتَغاهُ.كما ذكر أبو السعود .
-مناسبة الآية لما قبلها :
هي عَطْفٌ عَلى جُمْلَةِ ﴿واللّاتِي تَخافُونَ نُشُوزَهُنَّ﴾ [النساء: 34]ذكره ابن عاشور . [حبذا لو ذكرتِ هنا التقسيم الذي ذكره ابن عطية في بداية تفسيره لهذه الآية]
-المسائل التفسيرية :
-المخاطب في قوله (و إن خفتم ):
المخاطب هنا هم ولاة الأمور كما ذكر المفسرون .
-معنى الخوف في قوله تعالى ( وإن خفتم ):
ذكر أبو عبيدة أن ( خفتم ) هنا بمعنى أيقنتم، ورد الزجاج هذا القول وقال: لو أيقنا لم نحتج إلى الحكمين ، فيكون الخوف هنا بمعنى الظن .
[هنا متعلق الخوف]
- معنى الشقاق :
- الشقاق»: مصدر شاق يشاق،واشتق : من المتشاقين ، كل صنف منهن في شق، أي: في ناحية.
- المراد بالشقاق في الاية الكريمة :
- التشاجر ،قاله سعيد بن جبير
- رواه عنه ابن أبي حاتم من طريق عطاء.
- مرجع الضمير في قوله ( بينهما ):
- إلى الزوجين الذين يكون بينهما النزاع والخلاف
[هنا: إعراب بين، وبينَ في الأصل تُبنى على الفتح، لكن لو لاحظتِ هنا في الآية فهي مجرورة لأنها أزيلت عنها الظرفية وعوملت معاملة الأسماء المعربة، وفي هذا إيجاز يدل على أن المراد حالهما وعشرتهما وصحبتهما، وليس المقصود كونها ظرف مكان، كما ذكر ابن عطية]
- المخاطب في قوله ( فابعثوا ):
- قيل : الحاكم،وهذا إذا أعضل عليه أمر الزوجين، وهذا قول ربيعة وغيره
- وقيل :المخاطب الزوجان وإليهما تقديم الحكمين، وهذا في مذهب مالك.
- كما ذكر ابن عطية .
- معنى الحكم :
- الحكم بِفَتْحَتَيْنِ الحاكِمُ الَّذِي يُرْضى لِلْحُكُومَةِ بِغَيْرِ ولايَةٍ سابِقَةٍ، وهو صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ مُشْتَقَّةٌ مِن قَوْلِهِمْ: حَكَّمُوهُ فَحَكَمَ، وهو اسْمٌ قَدِيمٌ في العَرَبِيَّةِ. ذكره ابن عاشور
- صفات الحكمين :
- أن يكونا رجلين مكلفين مسلمين عدلين عاقلين يعرفان ما بين الزوجين، ويعرفان الجمع والتفريق .ذكره السعدي .
- متى يبعث الحكمين ؟
- إذا أعضل على الحاكم أمر الزوجين، وتعاضدت عنده الحجج، واقترنت الشبه، واغتم وجه الإنفاذ على أحدهما، بعث حكمين من الأهل ليباشرا الأمر. كماذكر ابن عطية [الدلالة من الآية أن قوله " فابعثوا " واقع في جواب شرط " وإن خفتم شقاق بينهما "]
- مرجع الضمير في قوله ( حكمًا من أهله وحكمًا من أهلها )
- عائِدانِ عَلى الزَّوْجُ والزَّوْجَةُ.
- مايجب على الحكمين القيام به :
- يجب عليهما أن يعظا الزوجين ويعرفاهما ما عليهما من الحقوق وما يجب عليهما من الواجبات ويبذلا الجهد في الإصلاح بين الزوجين قدر المستطاع وبذل الجهد في ذلك .
- حقيقة أمر الحكمين :
- حقيقة أمر الحكمين: أنهما يقصدان للإصلاح، وليس لهما طلاق وإنما عليهما أن يعرفا الإمام حقيقة ما وقفا عليه، فإن رأى الإمام أن يفرق فرّق، أو أن يجمع جمع، وإن وكّلهما بتفريق أو بجمع فهما بمنزلة، وما فعل على " رضي الله عنه " فهو فعل للإمام أن يفعله، وحسبنا بعلي عليه السلام إماما، فلما قال لهما: إن رأيتما أن تجمعا جمعتما، وإن رأيتما أن تفرقا فرقتما، كان قد ولّاهما ذلك ووكلهما فيه. ذكره الزجاج [تخريج قول علي رضي الله عنه؟]
- سبب تخصيص الأهل بالتحكيم بين الزوجين :
- خص الأهل بذلك لأنهم أعلم الناس بحال الزوجين ،وسيكونون أشفق عليهما وأحرص على مصلحتهما بسبب القرابة .
- المراد بقوله (إن يريدا إصلاحا) [مرجع الضمير في قوله " يريدا " ]
- قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وغيرهم : المراد الحكمان، أي إذا نصحا وقصدا الخير بورك في وساطتهما.
- وقالت فرقة: المراد الزوجان.
- فأما قول ابن عباس فرواه عنه ابن ابي حاتم من طريق سعيد بن جبير .
ورواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة
وقول مجاهد رواه ابن جرير من طريق أبي هاشم عنه
وقول سعيد بن جبير رواه ابن جرير من طريف عطاء
- ورجح المفسرون بأن القول الأول هو الأظهر والله أعلم .
- الحكمة من ذكر الإصلاح هنا دون التفرقة :
- لأن الشارع يتشوف للتوفيق وليس للتفرقة وهذه هي الحكمة من بعث الحكمين . كما ذكر ابن كثير
- ثمرة الإصلاح :
- ثمرته التوفيق من الله عز وجل .
- مرجع الضمير في قوله ( يوفق الله بينهما ) :
- قيل : أنه للزوجين وهو الأظهر ،وقيل : للحكمين .
- معنى ( عليمًا )
- أي : عليمابما يصلح للعباد ويصلحهم .
- معنى ( خبيرًا )
- أي :خبيرا بمكانهما ،قاله أبو العالية
- ورواه عنه ابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس
- مناسبة تذييل الآية بقوله ( عليمًا خبيرًا )
- عليمًا بِالظَّواهِرِ والبَواطِنِ فَيَعْلَمُ كَيْفَ يَرْفَعُ الشِّقاقَ ويُوقِعُ الوِفاقَ.ذكره أبو السعود
- أحكام فقهية :
- الحق الذي ينظر فيه الحكمان :
- يكون ذلك على حسب حالهما ،فإن كانا وكيلين من الزوجين فلهما حق الجمع والتفرقة على قول الجمهور ،وإن كانا موكلين من الحاكم فاختلفوا في ذلك على قولين :
- 1-لهما حق الجمع والتفرقة والأخذ والعطاء ،لأنه صار كالحاكم، وهذا مذهب مالك والجمهور من العلماء .
- واستدلوا بما رواه حَدَّثَنا عبد الرزاق ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ من طريق عَبِيدَةَ، قالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا وجاءَتْهُ امْرَأةٌ وزَوْجُها مَعَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما فِئامٌ مِنَ النّاسِ، فَأخْرَجَ هَؤُلاءِ حَكَمًا وهَؤُلاءِ حَكَمًا، فَقالَ عَلِيٌّ لِلْحَكَمَيْنِ: تَدْرِيانِ ما عَلَيْكُما؟ إنَّ عَلَيْكُما إنْ رَأيْتُما أنْ تَجْمَعا بَيْنَهُما جَمَعْتُما، وإنْ رَأيْتُما أنْ تُفَرِّقا فَرَّقْتُما، فَقالَتِ المَرْأةُ: رَضِيتُ بِكِتابِ اللَّهِ لِي وعَلَيَّ وقالَ الزَّوْجُ: أمّا الفُرْقَةُ فَلا، فَقالُ عَلِيُّ: كَذَبْتَ واللَّهِ لا تَبْرَحْ حَتّى تَرْضى بِكِتابِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ لَكَ وعَلَيْكَ.
- 2-لهما حق الجمع والأخذ والعطاء إلا التفرقة ،وهذا قول الحسن بن أبي الحسن وقتادة
- فأما قول قتادة فرواه عنه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن أبي عروبة .
- ونسب ابن أبي حاتم هذا القول للحسن .
- حكم اختلاف قول الحكمين :
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَكَمَيْنِ -إِذَا اخْتَلَفَ قَوْلُهُمَا-فَلَا عِبْرَةَ بِقَوْلِ الْآخَرِ.كما ذكر ابن كثير .

بارك الله فيكِ
استفيدي من المسائل اللغوية التي يذكرها المفسرون خاصة الزجاج وابن عطية، ووظفيها في فهم معنى الآية.
ولم أفهم لماذا اقتصرتِ أنت والأخت بدرية على آية احدة؟
التقويم: ب+
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:30 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir