وَأَمَّا المُنْحَرِفُونَ عَنْ طَرِيقِهِمْ فَهُمْ ثَلاثُ طَوَائِفَ: أَهْلُ التَّخْيِيلِ، وَأَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَأَهْلُ التَّجْهِيلِ.
فَأَهْلُ التَّخْيِيلِ: هُم المُتَفَلْسِفَةُ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِنْ مُتَكَلِّمٍ وَمُتَفّقِّهٍ. فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ مَا ذَكَرَهُ الرَّسُولُ صلَّى الله عليه وسلَّم مِنْ أَمْرِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.
إِنَّمَا هُوَ تَخْيِيلٌ لِلْحَقَائِقِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ الجُمْهُورُ، لاَ أَنَّهُ بَيَّنَ بِهِ الحَقَّ، وَلا هَدَى بِهِ الخَلْقَ، وَلا أَوْضَحَ بهِ الحَقَائِقَ.
ثُمَّ هُمْ عَلَى قِسْمَيْنِ:
- مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ الرَّسُولَ صلَّى الله عليه وسلَّم لَمْ يَعْلَمِ الحَقَائِقَ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ.
وَيَقُولُونَ: إِنَّ مِنَ الفَّلاَسِفةِ الإِلَهِيَّةِ مَنْ عَلِمَهَا، وَكَذَلِكَ مِنَ الأَشْخَاصِ الَّذِينَ يُسَمُّونَهُمْ الأَوْلِيَاءَ مَنْ عَلِمَهَا، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ مِنَ الفَّلاسفةِ أَو الأَوْلِيَاءِ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ وَالْآخِرِ مِنَ المُرْسَلِينَ، وَهَذِهِ مَقَالَةُ غُلاةِ المُلْحِدِينَ مِنَ الفَّلاسِفَةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ: بَاطِنِيَّةِ الشِّيعَةِ، وَبَاطِنِيَّةِ الصُّوفِيَّةِ.
- وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: بَل الرَّسُولُ عَلِمَهَا لَكِنْ لَمْ يُبَيِّنْهَا، وَإِنَّمَا تَكَلَّمَ بِمَا يُنَاقِضُهَا، وَأَرَادَ مِنَ الخَلْقِ فَهْمَ مَا يُنَاقِضُهَا؛ لأَنَّ مَصْلَحَةَ الخَلْقِ فِي هَذِهِ الاعْتِقَادَاتِ الَّتِي لاَ تُطَابِقُ الحَقَّ.
وَيَقُولُ هَؤُلاءِ: يَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إِلَى اعْتِقَادِ التَّجْسِيمِ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِلَى اعْتِقَادِ مَعَادِ الأَبْدَانِ مَعَ أَنَّهُ بَاطِلٌ، وَيُخْبِرُهُمْ بِأَنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ مَعَ أَنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ دَعْوَةُ الخَلْقِ إِلاَّ بِهَذِهِ الطَّرِيقِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ الكَذِبَ لِمَصْلَحَةِ العِبَادِ. فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلاءِ فِي نُصُوصِ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ(1).
وَأَمَّا الأَعْمَالُ فَمِنْهُمْ مَنْ يُقِرُّهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُجْرِيهَا هَذَا المَجْرَى، وَيَقُولُ: إِنَّمَا يُؤْمَرُ بِهَا بَعْضُ النَّاسِ دُونَ بَعْضٍ، وَيُؤْمَرُ بِهَا العَامَّةُ دُونَ الخَاصَّةِ، فهَذِهِ طَرِيقَةُ البَاطِنِيَّةِ المَلاحِدَةِ وَالإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ.