دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1442هـ/6-09-2020م, 04:37 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

درس الاستفهام
(1) قال تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}
اقترن الاستفهام بالفاء ليفيد التفريع على ما قبله من ذكر النعم، الدالة على وجود الله عز وجل واستحقاقه للربوبية والألوهية، وهذه النعم لا يمكن لأحد أن ينكرها.
وجاء الاستفهام بأي لأنها تدل على الاستفهام عن تعيين واحد من الجنس الذي تضاف إليه، فيكون معنى الاستفهام (أي نعمة من نعم الله عز وجل تنكرون)، فهو سؤال عن كل نعمة.
وهذا الاستفهام ليس حقيقيًا فهو من الله عز وجل، وإنما غرضه التقرير المصحوب بالتوبيخ والإنكار عليهم؛ فهم إذا أقروا بأنه لا يمكنهم التكذيب بأي نعمة من نعم الله عز وجل فيكون حقهم التوبيخ على كفرهم بالله عز وجل، والإنكار عليهم أن يكون مقابلتهم لإنعام الله عليهم بالكفر.
وكُرر هذا الاستفهام في السورة من باب التوكيد وزيادة في الإنكار عليهم وتوبيخهم مع تعداد النعم عليهم والآيات الدالة على عظمة الله وكمال ملكه وقدرته
والدليل على أن هذا الاستفهام للتقرير حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي رواه البزار وابن جرير والخطيب في تاريخ بغداد من طريق يَحْيَى بن سُلَيْم، قال: حَدَّثنا إِسْمَاعِيل بْنِ أُمَيَّة، عَن نافعٍ، عَن ابْنِ عُمَر؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لقد كان الجن أحسن ردًا منكم، كلما قرأتُ عليهم: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ، قَالُوا: لا بِشَيْءٍ مِنْ آلائِكَ رَبَّنَا نكذبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ.
قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
ولكنه روي من طريق آخر، روى الترمذي في سننه وأبو الشيخ في العظمة وطبقات المحدثين بأصبهان والحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة من طريق الوَلِيدِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: " لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ "
قال الترمذي: (( «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ»، قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: " كَأَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ بِالعِرَاقِ، كَأَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ قَلَبُوا اسْمَهُ، يَعْنِي: لِمَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِنَ المَنَاكِيرِ ". وسمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ، يَقُولُ: «أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَنَاكِيرَ، وَأَهْلُ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً»))
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي.
والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي.

(2) قال تعالى: {أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون}
جاء هذا الاستفهام في سورة الطور في سياق الحديث عن تكذيب المشركين بالبعث، وبالعذاب يوم القيامة
حيث بدأت السورة بقسم الله عز وجل على أن عذابه واقع وأن المشركين سيدفعون إلى جهنم
ثم يقال لهم {هذه النار التي كنتم بها تُكذبون}، وقد كانوا في الدنيا يكذبون بالوحي، وبقول الرسول بأن النار حق ، ويقولون على الوحي سحر، ويقولون {ومن بيننا وبينك حجاب}
فقيل لهم يوم القيامة {هذه النار التي كنتم بها تكذبون. أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون}.
واختُلف في القائل على قولين:
القول الأول: الله عز وجل، وهو قول الطبري.
وعليه قال الطبري: (قيل هذا لهم توبيخًا لا استفهامًا)، وقد تبع أبو عبيدة معمر بن المثنى في هذا.
القول الثاني: الملائكة، وهو قول ابن كثير، وقاله ابن عاشور.
والألف هنا للاستفهام، ومعناه التقريع والتوبيخ، قاله الزجاج.
والألف يُسأل بها عن التصور بطلب تعيين أحد الأمرين إن كان سحرًا أو أنهم لا يُبصرون، أو عن التصديق بالإجابة بنعم أو لا.
فإذا سئل بها عن التصور جاءت (أم) معادلة لما قبلها، وإذا سئل بها عن التصديق جاءت (أم) منقطعة عما قبلها
{أفسِحرٌ هذا}
الفاء للتفريع على ما قبلها {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}، فكأنهم لما رأووا النار وقفوا في موقف الشك بين أمرين هل ما يرونه سحرٌ أم أن هناك اختلال في نظرهم فجاء السؤال عن الأمرين على سبيل التهكم والتوبيخ والإنكار عليهم إذ لا يمكنهم في مثل هذا المقام أن ينكروا حقيقة عذاب الله عز وجل.
وقُدم الخبر على المبتدأ، لأنه المراد من السؤال، وجاء المسند إليه (اسم إشارة للقريب) دليل على معاينتهم للنار يوم القيامة وحتى يستحضر المخاطبون في الدنيا المشهد
{أم أنتم لا تبصرون}
قرر ابن عاشور أن (أم) هنا منقطعة عما قبلها، وأن المعنى (بل أأنتم لا تُبصرون)
وقُدِّم المسند إليه (أنتم) وجاء كضمير منفصل، وأخبر عنه بفعل منفي (لا تبصرون) ليفيد تأكيد الحكم وتقويته، قاله ابن عاشور، ولعله يقصد بذلك (حكم الخبر) أي نفي الإبصار، فإن كان فهمي صحيحًا فلعله أراد نفي الانتفاع بالبصر والله أعلم.

بيّن اللطائف البيانية للالتفات في الآيات التاليات:

(1) قول الله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}
في هذه الآيات التفاتٌ من المخاطب في قوله تعالى: {يعلم سركم وجهركم ويعلمُ ما تكسبون} إلى الغيبة في الآية التالية
وهذا الالتفات مع إفادته تنويع الأسلوب وتنشيط ذهن السامع فإنه يفيد أمرين:
الأول: لما كان الخطاب في قوله تعالى: {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} يحتمل دخول المؤمنين فيه، جاء الالتفات في الآية التالية لضمير الغائب ليفيد تمحيص المؤمنين من خبر الإعراض عن آيات الله عز وجل.
الثاني: لما كان فعل المشركين الإعراض عن آيات الله عز وجل، فجاء الالتفات في الآية للغائب ليفيد إعراض الله عنهم، وتوبيخهم.
وفي الآيات التفات لطيف أيضًا - والله أعلم -
وهو التفات من الفعل المضارع في قوله تعالى: {تأتيهم آية} إلى الجملة الاسمية المسبوقة بفعل ماض ناسخ {كانوا عنها معرضين}
والإتيان بالفعل المضارع في الجملة الأولى يفيد تجدد مجيء الآيات واستمرارها
والإتيان بالفعل الماضي الناسخ (كان) يفيد تحقق الإعراض منهم وهو حكم عليهم بأنه حتى مع تجدد الآيات مستقبلا فاستجابتهم لها تكون بالإعراض عنها.
وجاء بالخبر في صيغة اسم الفاعل ليفيد تجدد إعراضهم.
والله أعلم


(2) قول الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}
في هذه الآيات التفاتٌ من الغائب في قوله تعالى {وهو خير الناصرين} إلى المتكلم بـ( نون العظمة) في قوله تعالى :{سنلقي}
ويفيد تأنيس المؤمنين وتطمينهم، ففيها استشعارٌ بمعية الله عز وجل لهم، وفي الإتيان بنون العظمة استشعارٌ لقوة الله عز وجل وعزته وهذا فيه زيادة اطمئنان لهم
وفي قوله تعالى {بما أشركوا بالله}
التفات لطيف عن الإخبار بالضمير إلى الاسم الظاهر
فجاء بلفظ الجلالة {الله} دون الإتيان بضمير المتكلم كما هو بداية السياق {سنلقي}، فكان السياق أن يقول بما أشركوا بي أو بنا
ولعل الحكمة من ذلك - والله أعلم - هو إظهار عظيم جرم المشركين والذي استحقوا عليه عقاب الله عز وجل
إذ أن لفظ الجلالة {الله} يقتضي أنه وحده المستحق للعبادة، فكيف يُشركون مع الله غيره؟!، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 15 ربيع الأول 1442هـ/31-10-2020م, 05:21 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة صفية الشقيفي مشاهدة المشاركة
درس الاستفهام
(1) قال تعالى: {فبأي آلاء ربكما تكذبان}
اقترن الاستفهام بالفاء ليفيد التفريع على ما قبله من ذكر النعم، الدالة على وجود الله عز وجل واستحقاقه للربوبية والألوهية، وهذه النعم لا يمكن لأحد أن ينكرها.
وجاء الاستفهام بأي لأنها تدل على الاستفهام عن تعيين واحد من الجنس الذي تضاف إليه، فيكون معنى الاستفهام (أي نعمة من نعم الله عز وجل تنكرون)، فهو سؤال عن كل نعمة.
وهذا الاستفهام ليس حقيقيًا فهو من الله عز وجل، وإنما غرضه التقرير المصحوب بالتوبيخ والإنكار عليهم؛ فهم إذا أقروا بأنه لا يمكنهم التكذيب بأي نعمة من نعم الله عز وجل فيكون حقهم التوبيخ على كفرهم بالله عز وجل، والإنكار عليهم أن يكون مقابلتهم لإنعام الله عليهم بالكفر.
وكُرر هذا الاستفهام في السورة من باب التوكيد وزيادة في الإنكار عليهم وتوبيخهم مع تعداد النعم عليهم والآيات الدالة على عظمة الله وكمال ملكه وقدرته
والدليل على أن هذا الاستفهام للتقرير حديث النبي صلى الله عليه وسلم والذي رواه البزار وابن جرير والخطيب في تاريخ بغداد من طريق يَحْيَى بن سُلَيْم، قال: حَدَّثنا إِسْمَاعِيل بْنِ أُمَيَّة، عَن نافعٍ، عَن ابْنِ عُمَر؛ أَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم قَرَأَ سُورَةَ الرَّحْمَنِ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَسَكَتُوا، فَقَالَ: لقد كان الجن أحسن ردًا منكم، كلما قرأتُ عليهم: {فبأي آلاء ربكما تكذبان} ، قَالُوا: لا بِشَيْءٍ مِنْ آلائِكَ رَبَّنَا نكذبُ، فَلَكَ الْحَمْدُ.
قال البزار: وَهَذَا الْحَدِيثُ لاَ نعلمُهُ يُرْوَى عَن النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّم إلاَّ مِن هَذَا الْوَجْهِ بِهَذَا الإِسْنَادِ.
ولكنه روي من طريق آخر، روى الترمذي في سننه وأبو الشيخ في العظمة وطبقات المحدثين بأصبهان والحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة من طريق الوَلِيدِ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ المُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمْ سُورَةَ الرَّحْمَنِ مِنْ أَوَّلِهَا إِلَى آخِرِهَا فَسَكَتُوا، فَقَالَ: " لَقَدْ قَرَأْتُهَا عَلَى الجِنِّ لَيْلَةَ الجِنِّ فَكَانُوا أَحْسَنَ مَرْدُودًا مِنْكُمْ، كُنْتُ كُلَّمَا أَتَيْتُ عَلَى قَوْلِهِ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} [الرحمن: 13] قَالُوا: لَا بِشَيْءٍ مِنْ نِعَمِكَ رَبَّنَا نُكَذِّبُ فَلَكَ الحَمْدُ "
قال الترمذي: (( «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ»، قَالَ ابْنُ حَنْبَلٍ: " كَأَنَّ زُهَيْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الَّذِي وَقَعَ بِالشَّامِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي يُرْوَى عَنْهُ بِالعِرَاقِ، كَأَنَّهُ رَجُلٌ آخَرُ قَلَبُوا اسْمَهُ، يَعْنِي: لِمَا يَرْوُونَ عَنْهُ مِنَ المَنَاكِيرِ ". وسمعتُ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيَّ، يَقُولُ: «أَهْلُ الشَّامِ يَرْوُونَ عَنْ زُهَيْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَنَاكِيرَ، وَأَهْلُ العِرَاقِ يَرْوُونَ عَنْهُ أَحَادِيثَ مُقَارِبَةً»))
وقال الحاكم: صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي.
والحديث حسنه الألباني في تحقيقه لسنن الترمذي.

(2) قال تعالى: {أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون}
جاء هذا الاستفهام في سورة الطور في سياق الحديث عن تكذيب المشركين بالبعث، وبالعذاب يوم القيامة
حيث بدأت السورة بقسم الله عز وجل على أن عذابه واقع وأن المشركين سيدفعون إلى جهنم
ثم يقال لهم {هذه النار التي كنتم بها تُكذبون}، وقد كانوا في الدنيا يكذبون بالوحي، وبقول الرسول بأن النار حق ، ويقولون على الوحي سحر، ويقولون {ومن بيننا وبينك حجاب}
فقيل لهم يوم القيامة {هذه النار التي كنتم بها تكذبون. أفسحرٌ هذا أم أنتم لا تبصرون}.
واختُلف في القائل على قولين:
القول الأول: الله عز وجل، وهو قول الطبري.
وعليه قال الطبري: (قيل هذا لهم توبيخًا لا استفهامًا)، وقد تبع أبو عبيدة معمر بن المثنى في هذا.
القول الثاني: الملائكة، وهو قول ابن كثير، وقاله ابن عاشور.
والألف هنا للاستفهام، ومعناه التقريع والتوبيخ، قاله الزجاج.
والألف يُسأل بها عن التصور بطلب تعيين أحد الأمرين إن كان سحرًا أو أنهم لا يُبصرون، أو عن التصديق بالإجابة بنعم أو لا.
فإذا سئل بها عن التصور جاءت (أم) معادلة لما قبلها، وإذا سئل بها عن التصديق جاءت (أم) منقطعة عما قبلها
{أفسِحرٌ هذا}
الفاء للتفريع على ما قبلها {هذه النار التي كنتم بها تكذبون}، فكأنهم لما رأووا النار وقفوا في موقف الشك بين أمرين هل ما يرونه سحرٌ أم أن هناك اختلال في نظرهم فجاء السؤال عن الأمرين على سبيل التهكم والتوبيخ والإنكار عليهم إذ لا يمكنهم في مثل هذا المقام أن ينكروا حقيقة عذاب الله عز وجل.
وقُدم الخبر على المبتدأ، لأنه المراد من السؤال، وجاء المسند إليه (اسم إشارة للقريب) دليل على معاينتهم للنار يوم القيامة وحتى يستحضر المخاطبون في الدنيا المشهد
{أم أنتم لا تبصرون}
قرر ابن عاشور أن (أم) هنا منقطعة عما قبلها، وأن المعنى (بل أأنتم لا تُبصرون)
وقُدِّم المسند إليه (أنتم) وجاء كضمير منفصل، وأخبر عنه بفعل منفي (لا تبصرون) ليفيد تأكيد الحكم وتقويته، قاله ابن عاشور، ولعله يقصد بذلك (حكم الخبر) أي نفي الإبصار، فإن كان فهمي صحيحًا فلعله أراد نفي الانتفاع بالبصر والله أعلم.

بيّن اللطائف البيانية للالتفات في الآيات التاليات:

(1) قول الله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ (3) وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (4)}
في هذه الآيات التفاتٌ من المخاطب في قوله تعالى: {يعلم سركم وجهركم ويعلمُ ما تكسبون} إلى الغيبة في الآية التالية
وهذا الالتفات مع إفادته تنويع الأسلوب وتنشيط ذهن السامع فإنه يفيد أمرين:
الأول: لما كان الخطاب في قوله تعالى: {يعلم سركم وجهركم ويعلم ما تكسبون} يحتمل دخول المؤمنين فيه، جاء الالتفات في الآية التالية لضمير الغائب ليفيد تمحيص المؤمنين من خبر الإعراض عن آيات الله عز وجل.
الثاني: لما كان فعل المشركين الإعراض عن آيات الله عز وجل، فجاء الالتفات في الآية للغائب ليفيد إعراض الله عنهم، وتوبيخهم.
وفي الآيات التفات لطيف أيضًا - والله أعلم -
وهو التفات من الفعل المضارع في قوله تعالى: {تأتيهم آية} إلى الجملة الاسمية المسبوقة بفعل ماض ناسخ {كانوا عنها معرضين}
والإتيان بالفعل المضارع في الجملة الأولى يفيد تجدد مجيء الآيات واستمرارها
والإتيان بالفعل الماضي الناسخ (كان) يفيد تحقق الإعراض منهم وهو حكم عليهم بأنه حتى مع تجدد الآيات مستقبلا فاستجابتهم لها تكون بالإعراض عنها.
وجاء بالخبر في صيغة اسم الفاعل ليفيد تجدد إعراضهم.
والله أعلم


(2) قول الله تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا}
في هذه الآيات التفاتٌ من الغائب في قوله تعالى {وهو خير الناصرين} إلى المتكلم بـ( نون العظمة) في قوله تعالى :{سنلقي}
ويفيد تأنيس المؤمنين وتطمينهم، ففيها استشعارٌ بمعية الله عز وجل لهم، وفي الإتيان بنون العظمة استشعارٌ لقوة الله عز وجل وعزته وهذا فيه زيادة اطمئنان لهم
وفي قوله تعالى {بما أشركوا بالله}
التفات لطيف عن الإخبار بالضمير إلى الاسم الظاهر
فجاء بلفظ الجلالة {الله} دون الإتيان بضمير المتكلم كما هو بداية السياق {سنلقي}، فكان السياق أن يقول بما أشركوا بي أو بنا
ولعل الحكمة من ذلك - والله أعلم - هو إظهار عظيم جرم المشركين والذي استحقوا عليه عقاب الله عز وجل
إذ أن لفظ الجلالة {الله} يقتضي أنه وحده المستحق للعبادة، فكيف يُشركون مع الله غيره؟!، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا.


أ+

أحسنت بارك الله فيك.

ولعلك تراجعين تعليقي على تطبيق الأخت نورة.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثاني

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:54 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir