دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #9  
قديم 25 شوال 1443هـ/26-05-2022م, 12:59 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج قول مجاهد:
*رواه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن ، فقال : وأخبرني الحارث، عن غالب بن عبيد الله، عن مجاهد، في قول الله: {وأيدناه بروح القدس}، قال: «القدس هو الله.
*و رواه ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ):في تفسيره فقال: حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا أَبُو حُذَيْفَةَ، ثنا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ بروح الْقُدُسِ قَالَ: الْقُدُسُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
وغالب متروك الحديث منكر، كما ذكرابن أبي حاتم الرازي في كتابه الجرح و التعديل، و أبو حذيفة متكلم فيه كما في كتب الجرح و التعديل.
يعضد هذا القول ما روي من روايات بألفاظ متقاربة عن كلًا من : أبو جعفر، كعب، ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره، و ذكر ابن جرير أن ابن زيد استشهد بالآية:((هو اللّه الّذي لا إله إلاّ هو الملك القدّوس) و قال:«القدس والقدّوس واحدٌ .
و اختلف السلف في القدس على أربعة أقوال؛ قولان منهما يعودان للمعنى اللغوي لكلمة( القدس) و هما ؛ المطهر (رواه ابن أبي حاتم عن ابن عباس في تفسيره)، و البركة (روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن السدي)، و البركة من لازم التطهير.
و القول الثالث؛ الاسم الذي كان عيسى يحي به الموتى رواه ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس، و قد ضعف هذه الرواية ابن حجر في فتح الباري، و حكى ابن أبي حاتم أنه قد روي عن سعيد بن جبير مثله، و قال الزمخشري في الكشاف ( اسم الله الأعظم الذي كان يحي به الموتى).
و القول الرابع و الذي عليه أكثر المفسرين أنه ( الله) ، قاله مجاهد، روى ذلك عنه عبد الله بن وهب المصري و ابن أبي حاتم، و قاله أبو جعفر، و كعب، و ابن زيد، روى ذلك عنهم ابن جرير في تفسيره.
و لبيان ما يترجح في المسألة نعرج لبيان المعنى المراد من الروح، و قيل فيه أقوال؛ الأول : الإنجيل، قاله ابن زيد، روى ذلك عنه ابن جرير في تفسيره، و القول الاثني: اسم الله الأعظم الذي كان يحي به عيسى الموتى. رواه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عباس، و القول الثالث:أَرَادَ بِالرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ فِي عيسى، قَالَه الرَّبِيعُ وَغَيْرُهُ كما ذكر البغوي في تفسيره.
القول الرابع :جبريل عليه السلام، قاله كلًأ من: قتادة، الضحاك، السدي، الربيع بن أنس، روى ذلك عنهم ابن جرير، و رواه عن جابر مرفوعًا أبو الشيخ في العظمة.
و وجه إطلاق الروح على كل من هذه الأقوال كما ذكر ابن حيان في تفسيره، ما جمعها؛ أن كلًأ منها سبب للحياة من وجه، فأطلق على كلًا منها الروح مجازًا؛ فَجِبْرِيلُ هو سَبَبٌ لِحَياةِ القُلُوبِ بِالعُلُومِ، والإنْجِيلُ سَبَبٌ لِظُهُورِ الشَّرائِعِ وحَياتِها، والِاسْمُ الأعْظَمُ سَبَبٌ لِأنْ يُتَوَصَّلَ بِهِ إلى تَحْصِيلِ الأغْراضِ.
و مما قاله السمعاني في كتابه تفسير القرآن في وجه تسمية جبريل روحًا: للطافته، أو لمكانه من الوحي الذي هو سبب لحياة القلوب.
و ما يترجح أنه جبريل عليه السلام، و هو اختيار ابن جرير، و ابن عطية و كثير من المفسرين، و بين ابن جرير وجه ذلك؛ فاستشهد بمعنى الآية ( إذ قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيّدتك بروح القدس تكلّم النّاس في المهد وكهلاً وإذ علّمتك الكتاب والحكمة والتّوراة والإنجيل )، ففيها ذكر تأييد الله لعيسى بروح القدس، ثم ذكر تعليمه له بالكتاب الذي هو الإنجيل، فلو كان روح القدس و الكتاب واحد لكان تكرار لقول لا معنى له، تنزه الله أن يخاطب عباده بما لا فائدة منه.
و ذكر ابن كثير عددًا من أدلة ترجح القول بأن المراد هو جبريل عليه السلام ، منها: ما نص عليه ابن مسعود في تفسيره لهذه الآية ، و تابعه عليه ابن عباس و محمّد بن كعبٍ القرظيّ، وإسماعيل بن أبي خالدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وعطيّة العوفيّ، وقتادة
و منها قوله تعالى: (نزل به الرّوح الأمين* على قلبك لتكون من المنذرين* ) الشّعراء: 193-195]
و منه ما روته عائشة (رضي الله عنها): أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وضع لحسّان بن ثابتٍ منبرًا في المسجد، فكان ينافح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اللّهمّ أيّد حسّان بروح القدس كما نافح عن نبيّك».
و ما روي عن شهر بن حوشبٍ الأشعريّ: أنّ نفرًا من اليهود سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا: أخبرنا عن الرّوح. فقال:«أنشدكم باللّه وبأيّامه عند بني إسرائيل، هل تعلمون أنّه جبريل؟ وهو الذي يأتيني؟»، قالوا: نعم.
و قد أيد ابن حيان في تفسيره هذا القول، و ذلك لأن مشابهة جبريل للروح أتم، و التسمية فيه أظهر،كما أن المراد بأيدناه قويناه، و هذا لا يكون على الحقيقة إلا من جبريل عليه السلام، و من الإنجيل و الاسم الأعظم يكون مجازًا، بالإضافة إلى أن اختصاص عيسى عليه السلام بجبريل آكد من أي نبي ؛ و ذلك لأنه هو من بشر مريم و خلق عيسى بنفخه، و غيرها مما ذكر من جبريل عليه السلام مع عيسى عليه السلام.

و عودة للحديث عن المعنى المراد ب(القدس) في الآية، بناء على ما ترجح أنه جبريل عليه السلام؛ فأقوال المفسرين التي سبق ذكرها عن السلف و المفسرين هي من اختلاف التنوع، و لا تضاد، و فيها زيادة معنى، و الآية تحتمل جميع الأقوال.
من فسر القدس بالله؛ فهو تفسير بالاصطلاح، و القدس و القدوس واحد (كما قال ابن زيد)، اسم من أسماء الله الحسنى، و إضافة جبريل له إضافة الملك إلى المالك، المخلوق إلى الخالق؛ و ذلك لأن جبريل من عباد الله تعالى، و في ذلك تشريف و بيان لمكانة جبريل من الله عز و جل، كما أن فيها بيان أنه لا يخرج عن أمره في شيء.
و من فسر القدس بالطهر و البركة فسر بالمعنى اللغوي، و يتوجه المعنى بناء على ذلك: أن جبريل عليه السلام مطهر، فالله خلقه من روح عنده، مطهر من الولادة من الوالد، و الولد كعيسى عليه السلام، مفهوم كلام ابن جرير.
كما أنه لم يقترف ذنبًا قط و كان طاهرًا من الذنوب، ذكر ذلك السمعاني في تفسيره، و طاهر من كل عيب كما قال ابن القيم في شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل.
و التفسير بالبركة هو من لازم التفسير بالطهارة.
و عليه فجبريل عليه السلام عبد لله شرفه الله بإضافة ذكره لاسمه و نال من شرف هذا الاسم التطهير و البركة و هو في ذاته مطهر و مبارك.
[بارك الله فيكِ.
- من المهم التفرقة بين معنى (القدس) والمراد بروح القدس.
- بعد معرفة الراجح من معنى (القدس)، يأتي سؤال معنى (الإضافة) في (روح القدس
ولا يصح القول بأن القدس اسم من أسماء الله عز وجل لأن أسماء الله عز وجل توقيفية، وعليه فالقدس هنا بمعنى الطهر والبركة والإضافة من باب إضافة الموصوف للصفة]

( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
المسألة هي ما المعنى المراد بالسحت.
تخريج القول:
رواه بلفظه عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): في الجامع في علوم القرآن، فقال: أخبرني أشهل عن قرة بن خالد، عن الحسن في هذه الآية: {أكالون للسحت}، أكالون الرشى). [1/137)
و روى بن جرير في تفسيره و ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق أبو [أبي] عقيل عن الحسن، قولًا يشابهه بزيادة تبين من هم الأكالون هم ( الحكام و الملوك).
و روى مثل ذلك عبد ابن حميد كما في الدر المنثور.
و السحت على كلام العرب من سحته و أسحته إذا استأصله، و أهلكه، ذكر ذلك ابن قتيبة في كتابه غريب القرآن و النحاس في كتابه معاني القرآن.
و قال معمر بن المثني في كتابه مجاز القرآن - ما معناه العموم- :أنه كسب ما لا يحل.
و إطلاق السحت على المال الحرام وجوه، أنه على أصله؛ أي أن السحت هو اسم لكسب المال الحرام، و وجه إطلاق السحت عليه ما ذكره ابن عطية في تفسيره؛ أن المال الحرام يذهب و النوب تسأصله، و استشهد بقول الرسول صلى الله عليه سلم : (مَن أصابَ مالًا مِن مَهاوِشَ أذْهَبَهُ اللهُ في نَهابِرَ)،-و هو يقارب قول البقاعي في نظم الدرر: أنه يُسحت البركة،أي يستأصلها-، و ذكر ابن عطية وجهًا آخر عقب عليه بقوله أنه أشبه، نسبه للمهدوي: سُمِّيَ أجْرُ الحَجّامِ "سُحْتًا"؛ لِأنَّهُ يُسْحِتُ مُرُوءَةَ آخِذِهِ.
و من وجوه إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت كناية عن أكل المال الحرام؛ و هو ما نسبه السمين الحلبي و الرازي للفراء أن أصل السحت شدة الجوع( كلب الجوع)، و فصل ابن جرير في بيان وجه هذه التسمية فقال: كَلَبُ الجُوعِ؛ يُقالُ: "فُلانٌ مَسْحُوتُ المَعِدَةِ"؛ إذا كانَ لا يُلْفى أبَدًا إلّا جائِعًا؛ يَذْهَبُ ما في مَعِدَتِهِ؛ فَكانَ الَّذِي يَرْتَشِي بِهِ مِنَ الشَرَهِ ما بِالجائِعِ أبَدًا؛ لا يَشْبَعُ.
و هذا القول قد يعود للقول الأول أنه يستأصل كل ما يقع أمامه، كما قال السمين الحلبي في تفسيره أن يرجع للهلكة.
وقد ذكر ابن عطية هذا القول عن ابن جرير، و وصفه بالاضطراب حيث قال أن مسحوت المعدة مأخوذ من الاستئصال و الذهاب و ليس كلب الغرث، و ما وصف به اليهود هو أكلهم للمال الحرام بما يقولون من أباطيل و ما يخدعون به الناس.
و من الوجوه أيضًا التي قيلت في سبب إطلاق السحت على المال الحرام؛ أن السحت هو مجاز عن المال الحرام، ذكر الله عز و جل المآل ( العذاب و الهلكة ) و أراد السبب و هو أكل المال الحرام، و يظهر ذلك في كلام الزجاج في كتابه معاني القرآن: أن المقصود هو أنهم يأكلون ما يكون سببًا في هلاكهم و عذابهم_ و هو المال الحرام الذي لا يحل _ و استشهد بالأيات؛ كَما قالَ - جَلَّ وعَزَّ -: ﴿لا تَفْتَرُوا عَلى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكم بِعَذابٍ﴾ [طه: ٦١]، ومِثْلُ هَذا قَوْلُهُ: ﴿إنَّما يَأْكُلُونَ في بُطُونِهِمْ نارًا﴾ [النساء: ١٠]، أيْ: يَأْكُلُونَ ما عاقِبَتُهُ النّارُ.
و الأقوال التي ذكرها السلف و المفسرون في المعنى المراد بالسحت متنوعة و تقع جميعها تحت كسب المال الحرام الذي لا يحل و الذي يوجب الهلكة و العذاب و الذي يهلك بالنوب، و هذه الأقوال هي:
القول الأول: الرشوة، و أختلف السلف أي الرشاوي يُراد، فقالوا؛ أما رشوة الحاكم و السلطان: روى ذلك ابن أبي حاتم عن كلًا [كلٍ] من : بن عباس (مرفوعًا)، وعن طاووس، أو رشوة في الحكم، رواه ابن أبي حاتم عن مجاهد، و حكى أنه روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، والحَسَنِ، وإبْراهِيمَ، وعِكْرِمَةَ، أو الرشوة في الدين: روى ذلك ابن ابي حاتم عن عبد الله
أما القول الثاني في المراد بالسحت: قبول الهدية و قد أختلف السلف و المفسرين من الذي يقبل الهدية و ممن على أقوال: من قال القاضي على حكم حكمه: رواه ابن أبي حاتم عن مسروق
، و من قال من المعلم على عمل احتسبه: رواه ابن أبي حاتم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ
و من قال مَن شَفَعَ لِرَجُلٍ لِيَدْفَعَ عَنْهُ مَظْلَمَةً أوْ يَرُدَّ عَلَيْهِ حَقًّا، رواه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن مسعود
و القول الثالث في المراد بالسحت هو :مَهْرَ البَغِيِّ وثَمَنَ الكَلْبِ والسِّنَّوْرِ وكَسْبَ الحَجّامِ مِنَ السُّحْتِ، رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعًا، و رواه عن عطاء برن رباح بزيادة قال( لِلسُّحْتِ خِصالٌ سِتٌّ: الرِّشْوَةُ في الحُكْمِ، وثَمَنُ الكَلْبِ، وثَمَنُ المَيْتَةِ، وثَمَنُ الخَمْرِ، وكَسْبُ البَغِيِّ، وعَسْبُ الفَحْلِ).

و الذي يتبين مما سبق؛ أن السحت في الآية يقع تحته كل ما قيل من أقوال؛ و الأقوال التي ذكرنا للسلف كل منها هو قول بالمثال، و يدخل فيه دخولًا أوليًا؛ الرشى التي تكون في الحكم و ذلك للحديث المرفوع عن النبي صلى الله عليه و سلم و لمناسبته لسياق الكلام، فسياق الآيات في اليهود الذين كانوا يأخذون الرشى ليحكموا بالباطل بين الناس،و يحللوا ما حرم الله، كما ذكر أبو حيان في تفسيره: عَنِ الحَسَنِ: كانَ الحاكِمُ في بَنِي إسْرائِيلَ إذا أتاهُ أحَدُهم بِرِشْوَةٍ جَعَلَها في كُمِّهِ فَأراهُ إيّاها، وتَكَلَّمَ بِحاجَتِهِ، فَيَسْمَعُ مِنهُ ولا يَنْظُرُ إلى خَصْمِهِ، فَيَأْكُلُ الرِّشْوَةَ ويَسْمَعُ الكَذِبَ.
[بارك الله فيكِ، حبذا لو خرّجتِ الحديث الذي استشهدتِ به عن النبي صلى الله عليه وسلم وبينت حكمه من حيث الصحة والضعف]
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).
المسألة:
المعنى المراد من (و الأرحام)
تخريج قول عكرمة:
رواه سفيان الثوري في تفسيره و ابن جرير في تفسيره من طريق خصيف عن عكرمة.
ذكر السيوطي في الدر النثور أن عبد بن حميد أخرج عن عكرمة في قوله {الذي تساءلون به والأرحام} قال: قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: صلوا أرحامكم فإنه أبقى لكم في الحياة الدنيا وخير لكم في آخرتكم.
و هذا القول فيه بيان لفضل صلة الرحم التي يضيعها قاطع الرحم.
و قد اختلف المفسرون في المعنى المراد ب( و الأرحام) على أقوال، تعود لمعنين هما؛ القسم بالأرحام، و الحض على صلة الرحم و عدم قطعها.
و يكون تقدير الآية على القول أن المراد القسم بالأرحام ؛ واتقوا الله الذي إذا سألتم بينكم قال السائل للمسئول:"أسألك به وبالرّحِم" ، روى ذلك ابن جرير في تفسيره عن إبراهيم و مجاهد و الحسن.
و على القول أن المراد صلة الرحم ، يكون التقدير؛ الأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، ذكره ابن عطية ، أو و اتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها، روى ذلك ابن جرير في تفسيره، عن ابن عباس و قتادة و السدي، و الحسن و عكرمة .
و هذه الأقوال أصلها بُنيَ على القراءات في الآية، فقد ذكر لها ثلاث قراءات؛ قراءتان غير مشهورتين؛ بالضم و الخفض، و قراءة مشهورة بالنصب.
ذكر ابن عطية في تفسيره أن قراءة عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، و عليه يكون المعنى (والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ)، وقَدَّرَهُ الزمخشري:» والأرحام مِمَّا يتقي» أو «مما يتساءل به» .
و عقب ابن عادل في اللباب على هذا التقدير: وهذا أحسنُ للدلالة اللفظية، والمعنوية، وقَدَّرَهُ أبو البقاء: والأرحام محترمة، أي: واجبٌ حرمتها.
أما قراءة "والأرْحامِ" بِالخَفْضِ، فقد قَرَأ بها حَمْزَةُ وجَماعَةٌ مِنَ العُلَماءِ كما ذكر ابن عطية في تفسيره و قال ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أن هذا الإعراب بالخفض و قراءة الخفض يؤيدها قراءة عبد الله «وبالأرحام» .
و توجيه هذه القراءة على عدة أوجه:
الوجه الأول: أن الأرحام عطفت على الضمير (به)، فيكون تقدير الجملة، اتقوا الله الذي تساءلون به و تساءلون بالأرحام، و قد ذكر ابن عادل ان من قال بالعطف على الضمير المجرور استشهد بالآية: ﴿وَكُفْرٌ بِهِ والمسجد الحرام﴾ [البقرة: 217
الوجه الثاني: ذكره ابن عادل في اللباب في الكتاب؛ أنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم( قال الألوسي فيه:هو وجْهٌ حَسَنٌ)،
فالخفض هنا بحرف القسم مقسم به، وجوابُ القسمِ ﴿إِنَّ الله كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.
الوجه الثالث: ذكره الألوسي و نسبه إلى ابْنُ جِنِّي في الخَصائِصِ، أنه قال: بابٌ في أنَّ المَحْذُوفَ إذا دَلَّتِ الدَّلالَةُ عَلَيْهِ كانَ في حُكْمِ المَلْفُوظِ بِهِ، و قال : وعَلى نَحْوٍ مِن هَذا تَتَوَجَّهُ عِنْدَنا قِراءَةُ حَمْزَةَ، وفي شَرْحِ المُفَصَّلِ أنَّ الباءَ في هَذِهِ القِراءَةِ مَحْذُوفَةٌ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِها.
الوجه الرابع: جعل أبو البقاء تقدير الكلام: تُعَظِّمُونه والأرحام، لأنَّ الحَلْفَ به تَعْظِيم له، ذكر ذلك عنه أبو عادل في اللباب.
و قد ردت هذه القراءة من عدد من أهل اللغة و التفسير كالفراء و الزجاج و ابن جرير و ابن عطية و غيرهم؛ و الأسباب التي قرروها هي: أن هذه القراءة لا توافق القواعد العربية في القرآن، و لا توافق أحكام الشريعة.
و فيما يتعلق بعدم موافقتها القواعد العربية:
- فالعرب لا تعطف مخفوض على مخفوض مكنى عنه، و إنما يجوز هذا في الشعر لضيقه، و ذكر الزجاج إجماع أهل النحويين على ذلك، وذكر تفصيل ذلك ابن عادل: ان البصريين هم من لا يجيزوها، و الكوفيون على الكراهة، و لا يذكرون سببًا لذلك.
- القول بأنه ليس معطوفاً على الضمير المجرور، بل الواو للقسم، ذكره ابن عادل ز ضعفه، و السبب :أن قراءتي النصبِ وإظهار حرفِ الجر في ب» الأرحام «يمنعان من ذلكَ، والأصلُ توافق القراءات.
- أن القسم بالأرحام ليس فيه حض على التقوى، فلا يكون ذكر القسم إلا للإخبار، و هذا ليس بفصيح، فالفصاحة تقتضي أن يكون هناك فائدة مستقلة في ذكر القسم بالأرحام، ذكر ذلك ابن عطية.
و أسقط الألوسي هذا السبب؛ و ذلك لِأنَّ التَّقْوى إنْ أُرِيدَ بِها تَقْوى خاصَّةً، وهي الَّتِي في حُقُوقِ العِبادِ، الَّتِي مِن جُمْلَتِها صِلَةُ الرَّحِمِ، فالتَّساؤُلُ بِالأرْحامِ مِمّا يَقْتَضِيهِ بِلا رَيْبٍ، وإنْ أُرِيدَ الأعَمُّ فَلِدُخُولِهِ فِيها.
و ذلك كان رد هذه القراءة من حيث قبحها من جهة العربية ، أما من حيث أنها لا توافق الدين، فذلك بسبب: أنه لا يجوز الحلف بغير الله قال صلى الله عليه و سلم "مَن كانَ حالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللهِ أو لِيَصْمُتْ"،»
و قد عقب ابن عادل على هذا السبب بما يظهر منه أنه لا يوافقه، أن النهي ورد عن الحلف بالآباء فقط، -و يقصد هنا أبو عادل قول الرسول صلى الله عليه و سلم: «إِنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ»- وهاهنا ليس كذلك، بل هو حلف باللهِ أولاً، ثُمَّ قرن بِهِ بَعْدَ ذكر الرحم، وهذا لا ينافي مدلول الحديث.
و وافق الالوسي ابن عادل في عدم موافقته لهذا السبب في رد القراءة، بما يتوافق مع مذهبه الشافعي أن هذا مما أختلف فيه، و فصل القول فيه عنده بما خلاصته؛ أن الحلف يجوز إن كان على سبيل التأكيد، ممّا لا بَأْسَ بِهِ؛ فَفي الخَبَرِ: «“أفْلَحَ وأبِيهِ إنْ صَدَقَ» .، و أن قول : أسْألُكَ بِالرَّحِمِ ؛ يعني الاستعطاف و ليس قسمًا.
و مما رد ابن عطية به معنى القسم؛ لعدم مناسبته لنظم الكلام، و المعنى يخرجه؛ إذ كيف يكون القسم بالمخلوق على أمر يتعلق بالله ( إن الله كان عليكم رقيبًا)؟
و ذكر ابن عادل قولًا نسبه لآخرون؛ أن هذا حكاية عن فعل كانوا يفعلونه في الجاهلية؛ لأنهم كانوا يقولون: أسألك بالله وبالرحم، فمجيء هذا الفعل عنهم في الماضي لا ينافي ورود النهي عنه في المستقبل.
و للفرار من هذا السبب في رد القراءة، ذكر ابن عادل في اللباب أن بَعْضهم قدر مضافاً ،فقال: «ورَبِّ الأرحام» ، و أن بعضهم جعل التقدير قسم من الله بالأرحام، و الله يُقسمَ بما يشاء من مخلوقاته [كما أقسم] بالشمس والنجم والليل، و هذا التوجيه ليس مقصودًا من حيث المعنى كما ذكر ابن عادل، و قال : الأولى حمل هذه القراءات على العطف على الضمير، ولا التفات إلى طَعْنِ مَنْ طَعَنَ فيها.
اختلاف السلف في توجيه القراءة لا يعني أن ترد، فهذه القراءة صحيحة عن حمزة، [أحسنتِ] كما ذكر و بين كلأً من أبو عادل و الألوسي؛ لأن حمزة أحد القراء السبعة، و يبعد أن يكون جاء بها من عند نفسه، بل رواها عن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ، و ذكر الألوسي سندها ، قال: أخَذَ حمزة هذه القراءة، بَلْ جَمِيعَ القُرْآنِ عَنْ سُلَيْمانَ بْنِ مِهْرانَ الأعْمَشِ، والإمامِ ابْنِ أعْيَنَ، ومُحَمَّدِ بْنِ أبِي لَيْلى، وجَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصّادِقِ، - وكانَ صالِحًا ورِعًا ثِقَةً في الحَدِيثِ- مِنَ الطَّبَقَةِ الثّالِثَةِ.
لذا قال ابن عادل: أنه يوجب القطع بصحة اللغة، ولا التفات إلى أقيسة النحاة عند وجود السماع، وأيضاً فلهذه القراءة وجهان:
أحدهما: ما تقدم من تقدير تكرير الجر، وإن لم يجزه البصريون فقد أجازه غيرهم.
والثاني: فقد ورد في الشعر
و قال ابن عادل: وحمزة بالرتبة السَّنيَّة المانعةِ له من نقلِ قراءة ضعيفة.
و ذكر مقالة ابن الخطيبِ: «والعَجَبُ من هَؤلاء [النحاة] أنهم يستحسنون إثبات هذه اللغة بهذين البيتين المجهولين، ولا يستحسنوها بقراءة حمزة ومجاهد، مع أنهما كانا من أكابر علماء السلف في علم القرآن» .

و القراءة التي عليها الجمهور هي النصب و هي المشهورة، وهي قِراءَةُ السَبْعَةِ إلّا حَمْزَةَ، وعَلَيْها فَسَّرَ الآية ابْنُ عَبّاسٍ وغَيْرُهُ، كما ذكر ابن عطية، و رجح هذه القراءة الزجاج و الفراء و ابن جرير و غيرهم.
و توجيهها أن ( و الأرحام ) تقديرها؛ و اتقوا الأرحام أن تقطعوها، جملة معطوفة على جملة اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام و هو الظاهر كما ذكر ابن عطية.
قال ابن عادل في اللباب في الكتاب: ويقال: إنَّ هذا في الحقيقةِ من عطف الخاصِّ على العام، وذلك أن معنى اتقوا الله؛ اتقوا مخالَفَتَه، وقَطْعُ لأرحام مندرج فيه.
و قد يكون النُصِبَ عَلى العَطْفِ عَلى مَوْضِعِ "بِهِ" لِأنَّ مَوْضِعَهُ نُصِبَ، ذكر ذلك ابن عطية و إن لم يمل إليه.
و ذكر ابن عادل توجيه آخر للقراءة بالنصب نسبها إلى الواحدي، أنه يجوز أن يكون منصوباً بالإغراء، أي: والأرحام احفظوها وصلوها كقولك: الأسدَ الأسدَ، وهذا يَدُلُّ على تحريم قطعيةِ الرحم ووجوب صلته.
و أيد النحاس في كتابه إعراب القرآن هذه القراءة بالاستشهاد بالحديث: عن النذر بن جرير عن أبيه قال: كنت عند النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى جاء قوم من مصر حفاة عراة فرأيت وجه النبي صلّى الله عليه وسلّم يتغير لما رأى من فاقتهم ثم صلّى الظهر وخطب الناس فقال: «يا أيّها الناس اتّقوا ربّكم والأرحام، ثم قال تصدّق رجل بديناره تصدّق رجل بدرهمه تصدّق رجل بصاع تمره»(٦) وذكر الحديث فمعنى هذا على النصب لأنه حضّهم على صلة أرحامهم.
ختامًا: بعدما تبين صحة القراءات جميعًا، [القراءة بالرفع شاذة] و أن مقصود قوله تعالى ب(و الأرحام ) هو الحث على عدم قطع الأرحام، يترجح و الله أعلم أن الأقوال في المعنى المراد ب( و الأرحام) هو من اختلاف التنوع و فيه زيادة معنى، و يجمع بينهم.
فالحث على صلة الرحم يكون بالأمر باتقاء قطعها ؛ كما في قراءة النصب، و بيان أنها أهل أن توصل كما في قراءة الضم، و تعظيم شأن صلة الرحم و ذلك يظهر من توجيه القراءة بالخفض، و الله أعلم.
المراجع : تفسير ابن جرير، تفسير ابن عطية، كتاب اللباب في الكتاب لابن عادل، تفسير روح المعاني للألوسي، كتاب إعراب القرآن للنحاس، كتاب معاني القرآن للزجاج، كتاب معاني القرآن للفراء.
التقويم: أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:49 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir