قُلْت: وَلْيَعْلَمِ السَّائِلُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ هَذَا الْجَوَابِ ذِكْرُ أَلْفَاظِ بَعْضِ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ نَقَلُوا مَذْهَبَ السَّلَفِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا شَيْئًا مِنْ قَوْلِهِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ يَقُولُ بِجَمِيعِ مَا نَقُولُهُ فِي هَذَا الباب وَغَيْرِهِ، وَلَكِنَّ الْحَقَّ يُقْبَلُ مِنْ كُلِّ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ(1).
وكَانَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يَقُولُ فِي كَلامِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ، الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ: ( اقْبَلُوا الْحَقَّ مِنْ كُلِّ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ كَافِرًا - أَوْ قَالَ فَاجِرًا - وَاحْذَرُوا زَيْغَةَ الْحَكِيمِ، قَالُوا: كَيْفَ نَعْلَمُ أَنَّ الْكَافِرَ يَقُولُ كلمة الْحَقَّ؟ قَالَ: إِنَّ عَلَى الْحَقِّ نُورًا ) أَوْ قال كَلامًا هَذَا مَعْنَاهُ.
فَأَمَّا تَقْرِيرُ ذَلِكَ بِالدَّلِيلِ، وَإِمَاطَةُ مَا يَعْرِضُ مِنَ الشُّبَهِ، وَتَحْقِيقُ الأَمْرِ عَلَى وَجْهٍ يَخْلُصُ إِلَى الْقَلْبِ مَا يَبْرُدُ بِهِ مِنَ الْيَقِينِ وَيَقِفُ عَلَى مَوَاقِفِ آرَاءِ الْعِبَادِ فِي هَذِهِ المَهَامَةِ، فَمَا تَتَّسِعُ لَهُ هَذِهِ الْفَتْوَى، وَقَدْ كَتَبْتُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا وَخَاطَبْتُ بِبَعْضِ ذَلِكَ بَعْضَ مَنْ يُجَالِسُنَا، وَلرُبَّمَا أَكْتُبُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - فِي ذَلِكَ مَا يَحْصُلُ به الْمَقْصُودُ.