دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع ( المجموعة الأولى)

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #6  
قديم 27 ذو القعدة 1440هـ/29-07-2019م, 09:19 PM
إنشاد راجح إنشاد راجح غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Sep 2016
المشاركات: 732
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم التاسع من تفسير سورة البقرة

الآيات(111 -126)


السؤال الأول: (عامّ لجميع الطلاب).
استخرج خمس فوائد سلوكية واستدلّ لها من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ}.

1.الداعي إلى الله ما سلك طريق الدعوة إلا بفضل الله ورحمته، فالواجب عليه أن يديم شكر المنعم على نعمته العظيمة، ومنته الجليلة، ومن شكر هذه النعمة اتباع العلم بالعمل.
وجه الدلالة: قول الله تعالى : ( إنا أرسلناك بالحق..) ، فما نال شرف النبوة ولا شرف الدعوة إلى الله أحد إلا بفضل الله.

2. تجديد الإيمان بالرسل، فكلما قرأ المسلم الآيات التي يخبر الله فيها بأنه أرسل رسله لبيان الحق للناس وهدايتهم إلى صراطه المستقيم، ازداد إيمانه التفصيلي بالرسل، وهكذا يجب أن يتعاهد قلبه بزيادة الإيمانعند قراءة هذه الآيات ونظائرها.

وجه الدلالة: قول الله تعالى : ( إنا أرسلناك بالحق..).

3.الداعي إلى الله لا ينتظر أن يرى ثمرة عمله ودعوته، فما على الرسول إلا البلاغ، فيدعو الناس إلى الحق، ويبين لهم مآل اتباعه، ويبين لهم ما يناقضه ويحذرهم عاقبة سلوك طريق الغواية، ولا يضر الداعي من خالفه.

وجه الدلالة: قول الله تعالى : (ولا تُسأل عن أصحاب الجحيم) على القراءة بالضم.

4. صيغة النهي في الآية عن السؤال عن حال أهل النار، دال على تهويل ما يقع لهم في الآخرة، والعاقل من اتعظ بغيره، ولزم سؤال الله الثبات على الحق.
وجه الدلالة: قول الله تعالى : (ولا تَسأل عن أصحاب الجحيم) على القراءة بالفتح.

5. تميل النفس أن توصف بالممدوح من الوصوفات، وتأنف أن توصف بالمذموم، وقد وصف الله الكافرين بأنهم ( أصحاب الجحيم)، أي: أهلها الماكثين فيها الملازمين لها، وذلك يدفع المرء إلى تفقد أقواله وأفعاله أفيها ما يحتاج إلى تقويم،
أو فيها ما يحتاج إلى تحسين، سائلا بلسان الحال والمقال مولاه أن يكون من أصحاب الجنة.
وجه الدلالة: قول الله تعالى : (أصحاب الجحيم)

6. على الداعي أن ينظر في حال مدعويه، فيتعاهدهم تارة بالترغيب في الطاعات ويبشرهم بما لأهل الطاعات من ثواب وفضل، وتارة بالترهيب من الذنوب وآثارها وينذرهم بما لأهل لمعاصي من عقوبات.
وجه الدلالة: قول الله تعالى : (بشيرا ونذيرا)


المجموعة الثالثة:
1:فسّر قول الله تعالى:
{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ(120)}البقرة.

يقول الله عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم محذرا له ولأمته من مهادنة الكافرين طمعا في صلاحهم وإسلامهم، فقال تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ) يا محمد (الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى) تكون علىطريقتهم وسنتهم التي هم عليها من الكفر والضلال، فلا يغرنك ما يقولون، و(قُلْ) لهم، ولكل كافر (إِنَّ هُدَى اللَّهِ ) وهو صراطه المستقيم، (هُوَ الْهُدَى) الحقيقي وهو الدين الصحيح القويم، ثم حذر نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته وتوعد من ضل منهم فقال تعالى: ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ) المنحرفة البعيدة غاية البعد عن هدى الله (بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)، والهدى، وبعد الذي عرفت من الآيات البينات وأدلة الحق ومآل أصحابه، ف(مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ) من ولاية، فلن تجد لك من دونه من يتولى أمرك، وما لك من الله من نصرة، فل تجد لك من دونه نصيرا، يؤيدك ويحفظك ويعينك على عدوك ويُظهرك عليه.


2: حرّر القول في:
أ: المراد بالكلمات التي ابتلى الله بها إبرهيم.
قال ابن كثير: ( بكلمات): أي: بشرائع وأوامر ونواهٍ، فإنّ الكلمات تطلق، ويراد بها الكلمات القدريّة، ويراد بها الكلمات الشرعية، فأما الكلات القدرية فمثالها قول الله تعالى عن مريم، عليها السّلام،: {وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه وكانت من القانتين}
ومثال الكلمات الشرعية،قول الله تعالى: {وتمّت كلمة ربّك صدقًا وعدلا لا مبدّل لكلماته}
والكلمات الشرعية إما خبر صدق، وإما طلب عدل أمرا كان أم نهيا.

وقد اختلف العلماء في تفسير الكلمات التي اختبر اللّه بها إبراهيم عليه السلام فأتمها، وجملة ما ذُكر منه ما يندرج تحت الكلمات القدرية ومنه ما يندرج تحت الكلمات الشرعية والله تعالى أعلم.

وجاءت الأقوال في المسألة كالتالي:

1.القول الأول: ابتلاه الله بالطهارة:
والكلمات هى عشر خصال في الرأس والبدن: كما روي عن ابن عباس وقتادة:

-أما التي في الرأس فالمضمضة والاستنشاق وقص الشارب والسواك وفرق الرأس، وقيل بدل فرق الراس: إعفاء اللحية، وخمس في الجسد تقليم الظفر، وحلق العانة، ونتف الإبط، والاستنجاء بالماء، والاختتان.
- وهذا القول عليه كثير من أهل التفسير كما ذكر الزجاج، وقد ذكره ابن عطية.
- وروي عن سعيد بن المسيب، ومجاهد، والشعبي، والنخعين وأبي صالح، وأبي الجلد نحو ذلك، كما روى ابن أبي حاتم، وذكره ابن كثير.

وقريب من هذا القول ما ذكره ابن كثير:
- عن عائشة، رضي اللّه عنها، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "عشرٌ من الفطرة: قصّ الشّارب، وإعفاء اللّحية، والسّواك، واستنشاق الماء، وقصّ الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء - أي: الاستنجاء- " قال مصعبٌ ونسيت العاشرة إلّا أن تكون المضمضة. رواه مسلم
-وعن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: "الفطرة خمسٌ: الختان، والاستحداد، وقصّ الشّارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط".ولفظه لمسلمٍ.

- وقال ابن عباس أيضا: عشر، ستٌّ في الإنسان، وأربعٌ في المشاعر. فأمّا التي في الإنسان: حلق العانة، ونتف الإبط، والختان. وكان ابن هبيرة يقول: هؤلاء الثّلاثة واحدةٌ. وتقليم الأظفار، وقصّ الشّارب، والسّواك، وغسل يوم الجمعة. والأربعة التي في المشاعر: الطّواف، والسّعي بين الصّفا والمروة، ورمي الجمار، والإفاضة. رواه ابن أبي حاتم فيما ذكره ابن كثير، وكذا ذكره ابن عطية.

تعليق: وهذا القول شمل خصال هى من الفطرة، وشمل نسك تختص بالحج، وعلى هذا القول فالكلمات التي أتمها إبراهيم عليه السلام أوسع من أن تحد بتعريف، والله تعالى أعلم.

2.القول الثاني: الخلال التي امتحن بها :
- وذكر ابن عطية أنها ستا لقول مروي عن الحسن بن أبي الحسن، فالكلمات: هي الكوكب، والقمر، والشمس، والنار، والهجرة، والختان، وقيل بدل الهجرة: الذبح.
- وذكر منها الزجاج: الذبح والنار وأمر النجوم.
- وذكر ابن كثير قولا روي عن ابن عباس، فقال أن الله ابتلى إبراهيم عليه السلام بأمور فأتمها إبراهيم عليه السلام وهى: فراق قومه حين أمره لله بمفارقتهم، ومحاجة النمروذ في الله، وصبره عند إلقائه في النار، ثم أمره بالهجرة ،وأمره بالضيافة والصبر عليها بنفسه وماله، وابتلائه بذبح ابنه.
- وعن الحسن البصري أنه قال: ابتلاه بالكوكب فرضي عنه، وابتلاه بالقمر فرضي عنه، وابتلاه بالشّمس فرضي عنه، وابتلاه بالهجرة فرضي عنه، وابتلاه بالختان فرضي عنه، وابتلاه بابنه فرضي عنه
. رواه ابن أبي حاتم فيما ذكره ابن كثير، وبنحوه عن الحسن أيضا رواه ابن جرير وفي روايته زيادة ( ابتلاه بالنار)، وفي رواية: ابتلاه اللّه بذبح ولده، وبالنّار، والكوكب والشّمس، والقمر.

3. القول الثالث: الكلمات هى الأوامر التي وردت في الآيات التي خاطب الله بها نبيه إبراهيم في سورة البقرة:
وورد عن عدد من السلف كابن عباس ومجاهد والربيع ابن أنس وغيرهم أن الله ابتلى إبراهيم بأمور منها:

1. أن جعله الله إماما للناس يقتدون به.
2. أن جعل الله البيت مثابة للناس وأمنا.
3. أن جعل الله ذرية إبراهيم وإسماعيل على الإسلام.
4. أمر الله لإبراهيم برفع قواعد البيت.
5. ما جاء في الآيات في شأن المنسك والمقام الذي جعل لإبراهيم، وسؤال إبراهيم ربه التوبة.
6. والرزق الذي رزق ساكنو البيت.
7. ومحمد بعث في دينهما ( أي: في دين إبراهيم وإسماعيل).

- فهذا حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير من أقوال السلف.

- وعلق ابن عطية بأنه على هذا القول فإن الله هو الذي أتم هذه الكلمات على إبراهيم عليه السلام، أو أن إبراهيم هو الذي أتم الكلمات، فالله عز وجل قد كتب لإبراهيم بتمام هذه الكلمات براءة من النار، وهذا قول الله تعالى : ( وإبراهيم الذي وفى).

4.القول الرابع: هي ثلاثون سهما، هي الإسلام كله لم يتمه أحد كاملا إلا إبراهيم صلى الله عليه وسلم، وهو قول مروي عن ابن عباس:
أ. عشرة آيات في براءة { التائبون العابدون الحامدون} إلى آخر الآية.
ب.
وعشرة آيات في أول سورة {قد أفلح المؤمنون}، وفي {سأل سائل بعذاب واقع}.
ج. وعشر آيات في الأحزاب {إن المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية،
فأتمهن كلهن فكتبت له براءة...

وهذا لفظ ابن أبي حاتمٍ ، فيما ذكره ابن كثير، وكذا ذكره ابن عطية ألا أنه لم يذكر الآيات في سورة المؤمنون.
وهذا القول رواه الحاكم، وأبو جعفر بن جريرٍ، وأبو محمّد بن أبي حاتمٍ، بأسانيدهم إلى داود بن أبي هندٍ، به.


تعليق: وقد وقفت على تلك الآيات محاوِلةً استخراج تلك الأمور، وما هذا إلا اجتهاد، فوجدت أنها تندرج تحت الكلمات الشرعية التي هى عبادات كلف الله به عباده المؤمنين، إذ تتعلق بالصلاة والصيام والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتوبة وذكر الله، وحفظ حدود الله، والوفاء بالعهد، وحفظ الأمانة، إلى آخر ما ذكر في الآيات.والله تعالى أعلم.

5. القول الخامس: المناسك، وقيل هى مناسك الحج خاصة.
فروي أن الله عز وجل أوحى لإبراهيم أن تطهر، فتمضمض، ثم أن تطهر فاستنشق، ثم أن تطهر فاستاك، ثم أن تطهر فأخذ من شاربه، ثم أن تطهر ففرق شعره، ثم أن تطهر فاستنجى، ثم أن تطهر فحلق عانته، ثم أن تطهر فنتف إبطه، ثم أن تطهر فقلم أظفاره، ثم أن تطهر فأقبل على جسده ينظر ما يصنع فاختتن بعد عشرين ومائة سنة-وقيل أنه اختتن وهو ابن ثمانين سنة – وقال الرواي بأن الله أوحى إلى إبراهيم أنه جاعله إماما يأتم به الناس في هذه الخصال، وقدوة للصالحين.

-هذا القول ذكره ابن عطية ولم ينسبه، وعقب بأنه أقوى الأقوال في تفسير هذه الآية.
- وذكره ابن كثير منسوبا إلى ابن عباس إذ قال: ابتلاه الله بالمناسك.



وروي عن سعيد بن المسيب: أن إبراهيم عليه السلام هو من أوّل من اختتن وأوّل من ضاف الضّيف، وأوّل من استحدّ، وأوّل من قلّم أظفاره، وأوّل من قصّ الشّارب، وأوّل من شاب فلمّا رأى الشّيب، قال: ما هذا؟ قال: وقارٌ، قال: يا ربّ، زدني وقارًا.
-وهو في الموطأ وغيره كما قال القرطبي، وقد ذكر هذا القول ابن كثير.
- وقد علق القرطبي على ما يختص بهذه الأشياء من الأحكام الشرعية.

الخلاصة:
وقال ابن جرير الطبري:
- أنه يجوز أن يكون المراد بالكلمات جميع ما ذكر – وهذا يشمل الكلمات القدرية والكلمات الشرعية- وجائز أن يكون بعض ذلك، ولا يجوز الجزم بشيء منها أنه المراد على التعيين إلا بحديث أو إجماع.
- ثم قال بأنه لو اختار أحد القول بأن الكلمات هى التي اشتملتها قول الله تعالى : (إني جاعلك للناس إماما)الآيات، فهى كالبيان لتلك الكلمات فهو أولى بالصواب.

ثم علق ابن كثير على كلام ابن جرير قائلا: ( والذي قاله أوّلًا من أنّ الكلمات تشمل جميع ما ذكر، أقوى من هذا الذي جوّزه من قول مجاهدٍ ومن قال مثله؛ لأنّ السّياق يعطي غير ما قالوه واللّه أعلم) اهـ
.
فالحاصل أن الله تعالى ابتلى إبراهيم بكلمات هى أمور قدرية وشرعية وقد وفى إبراهيم عليه السلام في كل ما اختبره الله به وتشمل ما جاء في الآيات محل الدراسة والأمور الأخرى التي جاءت في أقوال السلف، والله تعالى أعلم.

ب: معنى الظلم في قوله تعالى: {لا ينال عهدي الظالمين}.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {قال ومن ذرّيّتي قال لا ينال عهدي الظّالمين}: (لمّا جعل اللّه إبراهيم إمامًا، سأل اللّه أن تكون الأئمة من بعده من ذرّيّته، فأجيب إلى ذلك وأخبر أنّه سيكون من ذرّيّته ظالمون، وأنّه لا ينالهم عهد اللّه، ولا يكونون أئمّةً فلا يقتدى بهم.) اهــ.
واستدل ابن كثير على إجابة دعوة إبراهيم بقوله تعالى:
{وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب}.
فالله عز وجل قد أعلم نبيه إبراهيم عليه السلام أنه سيكون من ذريته من هو ظالم، ونفى أن يكون للظالمين عهدا، فيكون العهد في ذرية إبراهيم لمن كان صالحا محسنا.

وقد روي عن السلف أقوالا في المراد بالعهد كما روى ابن أبي حاتم وابن جرير، وذكرها ابن عطية وابن كثير في تفسيريهما، وعلى ضوء بيان المراد بالعهد سيتبين لنا المراد بالظلم في الآية:

- فقيل: العهد: الإمامة.
- روي عن مجاهد: لا يكون إماما ظالما يقتدى به.
- وعن سعيد بن جبير: لا يكون إمام مشرك.
- وعن عطاء: أبى – الله- أن يجعل من ذريته- أي: ذرية إبراهيم- إماما ظالما.

- وإذا فسرنا العهد بالإمامة، وهو ما اختاره ابن جرير وذكره ابن كثير في تفسيره الإجمالي للآية،
فيكون الظلم هنا المراد به المعاصي، لأنه لا يولى على المسلمين إمام مشرك أو كافر.

-وقيل: العهد: النبوة.
قاله السدي، كما ذكره ابن عطية، وابن كثير.
وإن كان الظالم لا ينال الإمامة فمن باب أولى ألا ينال النبوة.
والظلم هنا أيضا يراد به ظلم المعاصي.
وقد ذكر ابن عطية أنه إذا أريد بالعهد الإمامة أو النبوة فإن الظلم هنا يراد به ظلم المعاصي.

-وقيل: العهد: الأمان من عذاب الله.
ونقل ابن كثير قول قتادة: لا ينال الظالم عهد الله في الآخرة فأما في الدنيا فقد ناله الظالم فأمن به وأكل وعاش، وذكر هذا القول ابن عطية بغير لفظ.
وبنحوه قال النخعي، وعطاء، والحسن، وعكرمة، فيما ذكره ابن كثير.
والمعنى أن الظالم يصيبه الأمن في الدنيا ويأخذ نصيبه منها، أما في الآخرة فلا أمان له من عذاب الله.

- وقيل: دين الله.
وذكر ابن كثير قول الربيع بن أنس فقال: لا ينال دين الله الظالمين، ليس كل ذرية إبراهيم على الحق.
وقال الضحاك: لا ينال طاعتي عدو لي يعصيني.
وبنحو قول الربيع والضحاك، قال أبو العالية، وعطاء ومقاتل بن حيان. فيما ذكره ابن كثير.

-ويمكن أن نقول العهد أن يتولى شيئا من أمور المسلمين ( لا الإمامة):
ورويت عن ابن عباس عدة روايات:
-فقال: يخبره أنه كائن في ذريته ظالم لا ينال عهده، ولا ينبغي له أن يوليه شيئا من أمره.
وفي رواية: لا عهد لظالم عليك في ظلمه، أن تطيعه فيه.
وفي رواية:
ليس للظّالمين عهدٌ، وإن عاهدته فانتقضه.
عن هارون بن عنترة، عن أبيه، قال: ليس لظالم عهدٌ.

وإذا فسرنا العهد بالأمان من عذاب الله، وبالدين، وأنه لا طاعة لظالم
فيكون الظلم هنا المراد به الكفر، لا ظلم الإنسان لنفسه بالمعاصي، لأن المؤمن الذي معه أصل الإيمان وأصل الدين هو في أمان من عذاب الله وإن وقع في الذنوب، فإن أصل الإيمان يمنعه من الخلود في النار، وتكفر ذنوبه إما في حياته بالابتلاءات أو في حياة البرزخ وما يعرض له من أهوال في القبر، أو ما يصيبه من فزع في عرصات القيامة، أو أن يعذب في النار حتى يطهر فيدخل الجنة، وهو مطهر بواحدة أو أكثر مما سبق.

حاصل الأقوال:
أن الظلم المراد به هنا هو إما ظلم المعاصي أو ظلم الكفر، بحسب المراد بالعهد كما سبق وبينتُ.


3: بيّن ما يلي:
أ: المراد بمقام إبراهيم، والحكمة من اتّخاذه مصلّى.

أولا المراد بمقام إبراهيم عليه السلام:
1.القول الأول: الحجر :
وهذا القول يشمل:
أ. أنه الحجر الذي ارتفع عليه إبراهيم
حين ضعف عن رفع الحجارة التي كان إسماعيل يناوله إياها في بناء البيت وغرقت قدماه فيه
.
قاله ابن عباس وقتادة و سعيد بن جبير وغيرهم، وخرجه البخاري، وهذا القول ذكره ابن عطية وابن كثير.
ب. هو حجر ناولته إياه امرأته فاغتسل عليه وهو راكب جاءته به من شق ثم من شق فغرقت رجلاه فيه حين اعتمد عليه.
قاله الربيع ابن أنس، والحسن البصري وقتادة وبنحوه قال السدي، فيما ذكره ابن عطية وابن كثير.
وهذا القول ضعفه القرطبي ورجحه غيره.

2. القول الثاني: المسجد الحرام.
وقال فريق من العلماء كما ذكر ابن عطية.

3. القول الثالث: الحج كله.(مواقف الحج كلها ).
وهذا قاله ابن عباس، وفسر عطاء قول ابن عباس فقال عطاء: التّعريف، وصلاتان بعرفة، والمشعر، ومنًى، ورمي الجمار، والطّواف بين الصّفا والمروة. فيما ذكره ابن كثير.

ويندرج تحت هذا القول قول آخر: هو أن المقام: عرفة والمزدلفة والجمار.
- وهو منسوب لعطاء ذكره ابن عطية، وهو بعض ما فسر به عطاء قول ابن عباس.
4. القول الرابع: مقام إبراهيم يشمل الحجر ويشمل مناسك الحج،وهذا مستخرج من قول ابن عباس:"أمّا مقام إبراهيم الذي ذكر هاهنا، فمقام إبراهيم هذا الذي في المسجد، ثمّ قال: و {مقام إبراهيم} يعدّ كثيرٌ، " مقام إبراهيم " الحجّ كلّه". ذكره ابن كثير.
تعليق: وهذا يعني أنه يدخل فيه الحجر، ويدخل فيه مناسك الحج مما فسر به عطاء قول ابن عباس، والله تعالى أعلم.

5. القول الخامس: الحرم كله.
قاله ابن عباس، فيما رواه ابن أبي حاتم، وروي عن مجاهد وعطاء نحوه، فيما ذكره ابن عطية وابن كثير.

والراجح أن مقام إبراهيم هو الحجر الذي وقف عليه ليعلي جدارات الكعبة، وقد استدل ابن كثير على ذلك بأدلة نذكر منها:
1. عن جابر رضي الله عنه قال: استلم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الرّكن، فرمل ثلاثًا، ومشى أربعًا، ثمّ تقدّم إلى مقام إبراهيم، فقرأ
: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}فجعل المقام بينه وبين البيت، فصلّى ركعتين. رواه ابن جرير.
وهذا قطعةٌ من الحديث الطّويل الذي رواه مسلمٌ في صحيحه، من حديث حاتم بن إسماعيل.
وروى البخاريّ بسنده، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن عمر يقول: قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام ركعتين.

2. ما حدّث به جابر عن حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: لمّا طاف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال له عمر: هذا مقام أبينا إبراهيم؟ قال: نعم، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فأنزل اللّه، عزّ وجلّ
: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}. رواه ابن أبي حاتم.

3. ما قاله عمر للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول اللّه، هذا مقام خليل ربّنا؟ قال: نعم، قال: أفلا نتّخذه مصلًّى؟ فنزلت: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى}. رواه عثمان ابن أبي شيبة.
وبنحوه روي عن عمر بن الخطاب، فيما رواه ابن مردوية
وكذا روي عن جابر رضي الله عنه فيما رواه ابن مردوية، وبنحوه روى النسائي من حديث الوليد بن مسلم.

أما الحكمة من اتخاذ مقام إبراهيم مصلى:
- عظيم مكانة إبراهيم عليه السلام، فهو إمام الموحدين، أتم الكلمات، ووفى بما أمره به ربه وبما قدره عليه، فكان اتخاذ مقام إبراهيم مصلى دالا على عظيم قدره.
- بيان فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على سائر الأمم في حسن اتباع أنبياء الله عز وجل، وخاصة نبي الله إبراهيم عليه السلام، بخلاف غيرهم من أهل الكتاب من اليهود والنصارى الذين يعتقدون فضيلة إبراهيم عليه السلام ولا يتبعونه.



ب: معنى قوله تعالى: {إذا قضى أمرا فإنما يقول له فكن فيكون}.
يخبر المولى عز وجل عن عظيم قدرته، فإنه سبحانه إذا قدر شيئا، فإنه يقول له :كن فيكون هذا الشيء كما أراده الله عز وجل، وسواء كان هذا الذي أراده الله موجودا فأحدث فيه تغييرا، أو لم يكن موجودا فأوجده من العدم، وسواء كان هذا الذي أوجده من العدم على مثل ما خلق من قبل أو أنه محدث على غير مثيل سابق، وهو سبحانه قادر على خلق ما أراد بأسباب وبدون أسباب، ونظير المعنى في هذه الآية كقوله تعالى: (إنّ مثل عيسى عند اللّه كمثل آدم خلقه من ترابٍ ثمّ قال له كن فيكون).
وهذا ما يعتقده أهل السنة والجماعة.
وللمعتزلة تفسيرا آخر بناءً على فاسد اعتقادهم في الأسماء والصفات.


الحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الخامس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:17 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir