دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #11  
قديم 6 ربيع الثاني 1441هـ/3-12-2019م, 01:42 PM
ماهر القسي ماهر القسي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 467
افتراضي الطالب ماهر غازي القسي

وخرّج الأقوال فيها وبيّن حالها ووجّهها ورجّح ما تراه راجحاً في معنى الآية.

المجموعة الثانية:
( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
( 2 ) قول الحسن البصري: (أكالون للسحت) : أكالون للرشى)
( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).


( 1 ) قول مجاهد: ( وأيّدناه بروح القدس) : القدس هو الله ).
تخريج الأقوال
روى القرطبي في كتابه : وَرَوَى غَالِبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ: الْقُدُسُ هُوَ اللَّهُ، وَرُوحُهُ جِبْرِيلُ.
وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ، وَهُوَ اسْمُ اللَّهِ الْأَعْظَمِ.
قال الحَسَنِ والرَّبِيعِ وابْنِ زَيْدٍ. هو اللَّهُ تَعالى،
الدر المنثور للسيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أنَسٍ قالَ: القُدْسُ هو الرَّبُّ تَعالى.
وأخْرَجَ ابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ قالَ: القُدْسُ الطُّهْرُ.
وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ عَنِ السُّدِّيِّ قالَ: القُدْسُ البَرَكَةُ.

توجيه الأقوال
- لأنه من عند الله :
وإنما سمى الله تعالى جبريل"روحا" وأضافه إلى"القدس"، لأنه كان بتكوين الله له روحا من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه بذلك"روحا"، وأضافه إلى"القدس"
- القدس والقدوس بمعنى واحد :
روح المعاني للآلوسي : وقالَ مُجاهِدٌ والرَّبِيعُ: القُدُسُ مِن أسْماءِ اللَّهِ تَعالى كالقُدُّوسِ،
قالَ ابْنُ زَيْدٍ: القُدُسُ والقُدُّوسُ واحِدٌ. النكت والعيون للماوردي

الترجيح
لا يوجد ترجيح للأقوال وإنما تصح المعاني المذكورة ( الطهارة ، الله ، البركة ) . وابن عاشور رجح أن يكون المراد هو الطهر
فمعنى الله تكون الروح منه والله خالق هذه الروح وواهبها بدون أسباب , ومعنى الطهارة تكون الروح مطهرة منزهة , ومعنى البركة أنها مبارك فيها ، وهذه الأقوال :

الأول : القدس ( الله )
- الطبري :حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد: ﴿وأيدناه بروح القدس﴾ ، قال: الله، القدس، وأيد عيسى بروحه، قال: نعت الله، القدس. وقرأ قول الله جل ثناؤه: ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣] ، قال: القدس والقدوس، واحد.
- الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، [عن هلال] بن أسامة، عن عطاء بن يسار قال، قال كعب: الله، القدس.(٨)
ابن عطية : وقالَ الرَبِيعُ، ومُجاهِدٌ: "القُدُسِ" اسْمٌ مِن أسْماءِ اللهِ تَعالى كالقُدُّوسِ، والإضافَةُ عَلى هَذا إضافَةُ المَلِكِ إلى المالِكِ، وتَوَجَّهَتْ لِما كانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَلامُ مِن عِبادِ اللهِ تَعالى، وقِيلَ: "القُدُسِ" الطَهارَةُ، وقِيلَ: القُدُسُ البَرَكَةُ.
- ابن عثيمين : * أولًا: أن روح القدس أي الروح المضافة إلى الله، وعلى هذا القول تكون من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، والله تبارك وتعالى قُدُس وقُدُّوس، ﴿الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ [الحشر: ٢٣].

الثاني : القدس ( الطهارة )
- ابن عاشور : والقُدُسُ بِضَمَّتَيْنِ وبِضَمٍّ فَسُكُونٍ مَصْدَرٌ أوِ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنى النَّزاهَةِ والطَّهارَةِ. والمُقَدَّسُ المُطَهَّرُ وتَقَدَّمَ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة: ٣٠] ورُوحُ القُدُسِ رُوحٌ مُضافٌ إلى النَّزاهَةِ فَيَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ الرُّوحُ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ في بَطْنِ مَرْيَمَ فَتَكُونُ مِنهُ عِيسى وإنَّما كانَ ذَلِكَ تَأْيِيدًا لَهُ لِأنَّ تَكْوِينَهُ في ذَلِكَ الرُّوحِ اللَّدُنِّيِّ المُطَهَّرِ هو الَّذِي هَيَّأهُ لِأنْ يَأْتِيَ بِالمُعْجِزاتِ العَظِيمَةِ، ويَجُوزُ أنْ يَكُونَ المُرادُ بِهِ جِبْرِيلَ والتَّأْيِيدُ بِهِ ظاهِرٌ لِأنَّهُ الَّذِي يَأْتِيهِ بِالوَحْيِ ويَنْطِقُ عَلى لِسانِهِ في المَهْدِ وحِينَ الدَّعْوَةِ إلى الدِّينِ وهَذا الإطْلاقُ أظْهَرُ هُنا، وفي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ «أنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثٌ في رُوعِي أنَّ نَفْسًا لَنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَوْفِيَ أجَلَها» .
وعَلى كِلا الوَجْهَيْنِ فَإضافَةُ رُوحٍ إلى القُدُسِ إمّا مِن إضافَةِ ما حَقُّهُ أنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا إلى ما حَقُّهُ أنْ تُشْتَقَّ مِنهُ الصِّفَةُ ولَكِنِ اعْتَبَرَ طَرِيقَ الإضافَةِ إلى ما مِنهُ اشْتِقاقُ الصِّفَةِ لِأنَّ الإضافَةَ أدَلُّ عَلى الِاخْتِصاصِ بِالجِنْسِ المُضافِ إلَيْهِ لِاقْتِضاءِ الإضافَةِ مُلابَسَةَ المُضافِ بِالمُضافِ إلَيْهِ وتِلْكَ المُلابَسَةُ هُنا تَئُولُ إلى التَّوْصِيفِ وإلى هَذا قالالتَّفْتَزانِيُّ في شَرْحِ الكَشّافِ وأنْكَرَ أنْ يَكُونَ المُضافُ إلَيْهِ في مِثْلِهِ صِفَةً حَقِيقَةً حَتّى يَكُونَ مِنَ الوَصْفِ بِالمَصْدَرِ.
- ابن عطية : القدس تعني الطهارة

الثالث : القدس تعني البركة
- ابن عطية : القدس : البركة


( 2) قول الحسن ( أكالون للسحت ) أكالون للرشى
تخريج القول
الطبري : حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا أبو عقيل قال، سمعت الحسن يقول في قوله:"سماعون للكذب أكَّالون للسحت"، قال: تلك الحكام، سمعوا كِذْبَةً وأكلوا رِشْوَةً.

شواهد لقول الحسن
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:"سماعون للكذب أكالون للسحت"، قال: كان هذا في حكّام اليهودِ بين أيديكم، كانوا يسمعون الكذب ويقبلون الرُّشَى.
حدثني سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن منصور، عن إبراهيم قال:"السحت"، الرشوة. حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة قوله:"أكالون للسحت"، قال: الرشى.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع= وحدثنا سفيان بن وكيع قال، حدثنا أبي وإسحاق الأزرق= وحدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عبد الرحمن= عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"أكالون للسحت"، قال:"السُّحت"، الرشوةُ.
حدثنا سفيان قال، حدثنا غندر ووهب بن جرير، عن شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال:"السحت"، الرشوة.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله قال: "السحت"، الرُّشَى؟ قال: نعم.

ترجيح
المراد بالسحت هنا هو الحرام والرشوة أحد أنواعها وأعظمها
ابن كثير : ﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ أَيِ: الْحَرَامِ، وَهُوَ الرِّشْوَةُ كَمَا قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُ وَاحِدٍ
الطبري : حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الموال، عن عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر: أنّ رسول الله ﷺ قال: كُلُّ لحم أنبَته السُّحت فالنار أولى به. قيل: يا رسول الله، وما السحت؟ قال: الرشوة في الحكم.
- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، أخبرني عبد الجبار بن عمر، عن الحكم بن عبد الله قال: قال لي أنس بن مالك: إذا انقلبت إلى أبيك فقل له: إياك والرشوة، فإنها سحت= وكان أبوه على شُرَط المدينة.
- حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن عمار الدُّهني، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق قال: سألت عبد الله عن"السحت"، فقال: الرجل يطلب الحاجةَ للرجل فيقضيها، فيهدي إليه فيقبلُها. - حدثنا سوّار قال، حدثنا بشر بن المفضل قال، حدثنا شعبة، عن منصور وسليمان الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن مسروق، عن عبد الله أنه قال:"السحت"، الرشى.
- حدثنا أبو كريب قال، حدثنا المحاربي، عن سفيان، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله:"السحت"، قال: الرشوة في الدِّين.
- حدثني أبو السائب قال، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن خيثمة قال، قال عمر: [ما كان] من"السحت"، الرشى ومهر الزانية.

والسُّحْتُ يَشْمَلُ جَمِيعَ المالِ الحَرامِ، كالرِّبا والرَّشْوَةِ وأكْلِ مالِ اليَتِيمِ والمَغْصُوبِ. وقَرَأ نافِعٌ، وابْنُ عامِرٍ، وعاصِمٌ، وحَمْزَةُ، وأبُو جَعْفَرٍ، وخَلَفٌ سُحْتٌ بِسُكُونِ الحاءِ وقَرَأهُ الباقُونَ بِضَمِّ الحاءِ إتْباعًا لِضَمِّ السِّينِ.

ابن عطية : قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللهُ -:
وكُلُّ ما ذُكِرَ في مَعْنى السُحْتِ فَهو أمْثِلَةٌ؛ ومِن أعْظَمِها الرِشْوَةُ في الحُكْمِ؛ والأُجْرَةُ عَلى قَتْلِ النَفْسِ؛ وهو لَفْظٌ يَعُمُّ كُلَّ كَسْبٍ لا يَحِلُّ.

من قال بأن الرشوة في الحكم فهو غلط وتخصيص بغير مخصص
الطبري : حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله:"أكالون للسحت"، قال: الرشوة في الحكم، وهم يهود.
الطبري حدثنا ابن حميد قال، حدثنا جرير، عن منصور، عن سالم، عن مسروق، عن عبد الله قال: الرشوة سُحت. قال مسروق: فقلنا لعبد الله: أفي الحكم؟ قال: لا ثم قرأ: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٤] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٥] ، ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة المائدة: ٤٧] .
الطبري : حدثنا سفيان بن وكيع وواصل بن عبد الأعلى قالا حدثنا ابن فضيل، عن الأعمش، عن سلمة بن كهيل، عن سالم بن أبي الجعد قال: قيل لعبد الله: ما السحت؟ قال: الرشوة. قالوا: في الحكم؟ قال: ذاك الكفر.

توجيه الأقوال

القول الأول : أصل"السحت": كَلَبُ الجوع، يقال منه:"فلان مسحُوت المَعِدَة"، إذا كان أكولا لا يُلْفَى أبدًا إلا جائعًا، وإنما قيل للرشوة:"السحت"، تشبيهًا بذلك، كأن بالمسترشي من الشَّره إلى أخذ ما يُعطاه من ذلك، مثل الذي بالمسحوت المعدة من الشَّرَه إلى الطعام. يقالُ منه:"سحته وأسحته"، لغتان محكيتان عن العرب، ومنه قول الفرزدق بن غالب:
وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَع ... مِنَ الْمَالِ إلا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفُ(١٤)
يعني بِ"المسحت"، الذي قد استأصله هلاكًا بأكله إياه وإفساده، ومنه قوله تعالى: ﴿فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ﴾ [سورة طه: ٦١] . وتقول العرب للحالق:"اسحت الشعر"، أي: استأصله. الطبري
وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ كَلَبُ الْجُوعِ، يُقَالُ رَجُلٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ أَيْ أَكُولٌ، فَكَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي وَآكِلِ الْحَرَامِ مِنَ الشَّرَهِ إِلَى مَا يُعْطَى مِثْلَ الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ مِنَ النَّهَمِ.

والرشوة أنواع :
- ومنه : قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: رِشْوَةُ الْحَاكِمِ مِنَ السُّحْتِ. وَعَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: (الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ).
- وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: السُّحْتُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ حَاجَةً فَيُهْدِيَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَيَقْبَلُهَا.
- وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مِنَ السُّحْتِ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِجَاهِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَسْأَلُهُ إِنْسَانٌ حَاجَةً فَلَا يَقْضِيهَا إِلَّا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا.

وليس من الرشوة من يطالب بحق
وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرِّشْوَةُ حَرَامٌ فِي كُلِّ شي؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنَ الرِّشْوَةِ أَنْ تَرْشِيَ لِتُعْطَى مَا لَيْسَ لَكَ، أَوْ تَدْفَعُ حقا فد لَزِمَكَ، فَأَمَّا أَنْ تَرْشِيَ لِتَدْفَعَ عَنْ دِينِكَ ودمك ومالك فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْفَقِيهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ

القول الثاني :
﴿أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ عَلَى التَّكْثِيرِ. وَالسُّحْتُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب"(٢). وقال الفرزدق: وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ ... مِنَ المال إلا مسحتا أو مجلف
كَذَا الرِّوَايَةُ. أَوْ مُجَلَّفٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى لَمْ يَدَعْ لَمْ يُبْقِ. وَيُقَالُ لِلْحَالِقِ: أَسْحَتَ أَيِ اسْتَأْصَلَ.
ابن عاشور : ومَعْنى ﴿أكّالُونَ لِلسُّحْتِ﴾ [المائدة: ٤٢] أخّاذُونَ لَهُ، لِأنَّ الأكْلَ اسْتِعارَةٌ لِتَمامِ الِانْتِفاعِ.
والسُّحْتُ بِضَمِّ السِّينِ وسُكُونِ الحاءِ الشَّيْءُ المَسْحُوتُ، أيِ المُسْتَأْصَلُ. يُقالُ: سَحَتَهُ: إذا اسْتَأْصَلَهُ وأتْلَفَهُ. سُمِّيَ بِهِ الحَرامُ لِأنَّهُ لا يُبارَكُ فِيهِ لِصاحِبِهِ، فَهو مَسْحُوتٌ ومَمْحُوقٌ، أيْ مُقَدَّرٌ لَهُ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا﴾

لماذا سمي الحرام سحتاً ؟
وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا وَيَسْتَأْصِلُهَا.
وَقِيلَ: سُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ الْإِنْسَانِ.
قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ بِذَهَابِ الدِّينِ تَذْهَبُ الْمُرُوءَةُ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ.


( 3 ) قول عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها).

تخريج
الطبري : حدثنا سفيان قال، حدثنا أبي، عن سفيان، عن خصيف، عن عكرمة في قول الله:"الذي تساءلون به والأرحام"، قال: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.
السيوطي : وأخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وابْنُ المُنْذِرِ، وابْنُ أبِي حاتِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ في قَوْلِهِ: ﴿والأرْحامَ﴾ قالَ: اتَّقُوا الأرْحامَ أنْ تَقْطَعُوها.

توجيه
- قال أبو جعفر: وعلى هذا التأويل قرأ ذلك من قرأه نصبًا بمعنى: واتقوا الله الذي تساءلون به، واتقوا الأرحام أن تقطعوها= عطفًا بـ"الأرحام"، في إعرابها بالنصب على اسم الله تعالى ذكره.
قال الفراء : والقراءة التي لا نستجيز لقارئٍ أن يقرأ غيرها في ذلك، النصب: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ﴾ ، بمعنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، لما قد بينا أن العرب لا تعطف بظاهرٍ من الأسماء على مكنيّ في حال الخفض، إلا في ضرورة شعر، على ما قد وصفت قبل.
- ابن كثير : الجُمْهُورِ يَكُونُ“ الأرْحامَ ”مَأْمُورًا بِتَقْواها عَلى المَعْنى المَصْدَرِيِّ أيِ اتِّقائِها، وهو عَلى حَذْفِ مُضافٍ، أيِ اتِّقاءِ حُقُوقِها، فَهو مِنَ اسْتِعْمالِ المُشْتَرِكِ فِي مَعْنَيَيْهِ، وعَلى هَذِهِ القِراءَةِ فالآيَةُ ابْتِداءُ تَشْرِيعٍ وهو مِمّا أشارَ إلَيْهِ قَوْلُهُ تَعالى: ﴿وخَلَقَ مِنها زَوْجَها﴾
اتَّقُوُا اللَّهَ والأرْحامَ وصِلُوها ولا تَقْطَعُوها فَإنَّ قَطِيعَتَها مِمّا يَجِبُ أنْ يُتَّقى وهو قَوْلُ مُجاهِدٍ وقَتادَةَ والسُّدِّيِّ والضَّحّاكِ والفَرّاءِ والزَّجّاجِ.
- وقَدْ جَوَّزَ الواحِدِيُّ نَصْبَهُ عَلى الإغْراءِ، أيْ: والزَمُوُا الأرْحامَ وصِلُوها.

ترجيح
- معاني النصب الثلاثة ( اتقوا الأرحام أن تقطعوها , اتقوا حقوق الأرحام , الزموا الأرحام وصلوها ) كلها معانٍ مرادة .
- القراءتين بالنصب وبالرفع من القراءات العشر المتواترة , وتصح كلاهما ولا ترجيح لواحدة على أخرى , وكلا المعنيين مرادين في الآية .
- قراءة الرفع من غير القراءات المتواترة ولا تجوز القراءة به .

أقوال أخرى
قراءة الخفض :

ابن كثير : وَقَرَأَ(١٥) بَعْضُهُمْ: ﴿وَالْأَرْحَامِ﴾ بِالْخَفْضِ عَلَى الْعَطْفِ عَلَى الضَّمِيرِ فِي بِهِ، أَيْ: تَسَاءَلُونَ بِاللَّهِ وَبِالْأَرْحَامِ، كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ.
وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الأرْحامِ أيِ الَّتِي يَسْألُ بَعْضُكم بَعْضًا بِها، وذَلِكَ قَوْلُ العَرَبِ (ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ) كَما رُوِيَ في الصَّحِيحِ: «أنَّ النَّبِيءَ ﷺ حِينَ قَرَأ عَلى عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ سُورَةَ فُصِّلَتْ حَتّى بَلَغَ ﴿فَإنْ أعْرَضُوا فَقُلْ أنْذَرْتُكم صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وثَمُودَ﴾ [فصلت: ١٣] فَأخَذَتْ عُتْبَةَ رَهْبَةٌ وقالَ: ناشَدْتُكَ اللَّهَ والرَّحِمَ» . وهو ظاهِرُ مَحْمَلِ هَذِهِ الرِّوايَةِ وإنْ أباهُ جُمْهُورُ النُّحاةِ اسْتِعْظامًا لِعَطْفِ الِاسْمِ عَلى الضَّمِيرِ المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، حَتّى قالَ المُبَرِّدُ“ لَوْ قَرَأ الإمامُ بِهاتِهِ القِراءَةِ لَأخَذْتُ نَعْلِي وخَرَجْتُ مِنَ الصَّلاةِ " وهَذا مِن ضِيقِ العَطَنِ وغُرُورٍ بِأنَّ العَرَبِيَّةَ مُنْحَصِرَةٌ فِيما يَعْلَمُهُ، ولَقَدْ أصابَ ابْنُ مالِكٌ في تَجْوِيزِهِ العَطْفَ عَلى المَجْرُورِ بِدُونِ إعادَةِ الجارِّ، فَتَكُونُ تَعْرِيضًا بِعَوائِدِ الجاهِلِيَّةِ، إذْ يَتَساءَلُونَ بَيْنَهم بِالرَّحِمِ وأواصِرِ القَرابَةِ ثُمَّ يُهْمِلُونَ حُقُوقَها ولا يَصِلُونَها، ويَعْتَدُونَ عَلى الأيْتامِ مِن إخْوَتِهِمْ وأبْناءِ أعْمامِهِمْ، فَناقَضَتْ أفْعالُهم أقْوالَهم، وأيْضًا هم آذَوُا النَّبِيءَ ﷺ وظَلَمُوهُ، وهو مِن ذَوِي رَحِمِهِمْ وأحَقُّ النّاسِ بِصِلَتِهِمْ كَما قالَ تَعالى ﴿لَقَدْ جاءَكم رَسُولٌ مِن أنْفُسِكُمْ﴾ [التوبة: ١٢٨] وقالَ ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] . وقالَ ﴿قُلْ لا أسْألُكم عَلَيْهِ أجْرًا إلّا المَوَدَّةَ في القُرْبى﴾ [الشورى: ٢٣] . وعَلى قِراءَةِ حَمْزَةَ يَكُونُ مَعْنى الآيَةِ تَتِمَّةً لِمَعْنى الَّتِي قَبْلَها.

قراءة الرفع
وقَرَأ عَبْدُ اللهِ بْنُ يَزِيدَ "والأرْحامُ" بِالرَفْعِ، وذَلِكَ عَلى الِابْتِداءِ والخَبَرُ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: والأرْحامُ أهْلٌ أنْ تُوصَلَ، أو كذلك

رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الثالث

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 08:13 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir