لمحات من التاريخ العلمي للبصرة
نشأة البصرة:
أول من اختطَّ البصرةَ عتبةُ بن غزوان المازني رضي الله عنه، وذلك في أواخر سنة 16هـ على الصحيح؛ فإنها بنيت بعد الكوفة، وكان أمير الكوفة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ فسيّر عتبةَ بجمعٍ من المسلمين وذلك بأمر عمر بن الخطاب.
وكان موضع البصرة يسمّى أرضَ الهند، وهو أقرب الثغور إلى بلاد فارس، فأراد عمر أن يغزو المسلمون عدوَّهم من قريب، وأن يكونوا على الثغر.
ذكر ابن سعد في الطبقات أن عمر بن الخطاب كتب إلى سعد بن أبي وقاص أن يضرب قيروانه بالكوفة، وأن ابعث عتبة بن غزوان إلى أرض الهند فإن له من الإسلام مكانا، وقد شهد بدراً، وقد رجوت جَزءه عن المسلمين.
فنزل عتبة الخريبة، وهي قرب موضع البصرة، وكانت الخريبة قد هجرها أهلها بعد ما فتحها خالد بن الوليد في أوّل فتوح العراق.
فخطط عتبة بن غزوان البصرةَ وبنى بها مسجداً من قصب، إذ كانت أكثر بيوتهم من الخصّ والقصب؛ فكانوا إذا غزوا طووها، وإذا رجعوا بنوها.
وأوّل ما نزل عتبة البصرة جال على فراتها فافتتحه وفتح الأبلّة ثم رجع إلى البصرة.
- قال ابن سعد: (وإنما سميت البصرة بصرة لأنها كانت فيها حجارة سود).
- وقال أحمد بن يحيى البَلاذري(279هـ): (وقيل إنهم إنما سموها بصرة لرخاوة أرضها).
وقد أفردت كتب في أخبار البصرة منها:
1: تاريخ البصرة لأبي عبيدة معمر بن المثنى(ت:211هـ)
2: أخبار البصرة لعمر بن شبة النميري(ت:262هـ)
3: وكتاب البصرة، لأبي بكر ابن أبي خيثمة(ت:279هـ).
وهذه الكتب غير مطبوعة، لكن ينقل عنها بعض أصحاب السير والتراجم.
أمراء البصرة في زمن الخلفاء الراشدين:
مصّرت البصرة في خلافة عمر بن الخطاب وكان أوّل أمير لها عتبة بن غزوان المازني رضي الله عنه؛ فمكث بها ستة أشهر ثمّ استخلف المغيرة بن شعبة واعتزل الإمارة، وقدم المدينة فاستعفى من عمر فأبى عمر أن يعفيه من الإمارة، وعزم عليه بالرجوع؛ فمات في الطريق في موضع يقال له معدن بني سليم بالحجاز.
ثم ولي إمارة البصرة بعده عبد الرحمن بن سهل الأوسي الأنصاري رضي الله عنه؛ لكن إمارته لم تطل؛ فقد مات بعد أربعين ليلة، ثم المغيرة بن شعبة إلى سنة سبع عشرة للهجرة؛ إذ أرسل عمر أبا موسى الأشعري أميراً على البصرة والكوفة.
وفي خلافة عثمان: أقرّ أبا موسى الأشعري أربع سنين عملاً بوصية عمر، ثمّ ولّى بعده
عبد الله بن عامر بن كريز الأموي فبقي أميراً عليها حتى قتل عثمان، ثم استخلف على البصرة عبد الله بن عامر بن الحضرمي وشخص إلى مكة ووافى بها طلحة والزبير وعائشة وحثّهم على القدوم إلى البصرة وقدم معهم حتى كانت وقعة الجمل وقتل ابنه عبد الرحمن في تلك الوقعة ثم خرج إلى الشام ونزل بها.
وفي خلافة عليّ: بعث إليها عثمان بن حنيف الأنصاري؛ فلم يزل أميراً عليها حتى قدم عليّ البصرة بعد وقعة الجمل فأقام بالبصرة خمسين ليلة ثمّ سار إلى الكوفة واستخلف على البصرة عبد الله بن عباس؛ فمكث أميراً بها حتى قتل عليّ، ثم استخلف عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب وانتقل إلى مكة.
وفي خلافة معاوية: ولّى بسر بن أرطأة مدة يسيرة ثم عزله، وأعاد عبد الله بن عامر بن كريز فبقي أميراً على البصرة ثلاث سنين، ثم عزله وولّى زياد بن أبيه البصرة فبقي أميراً حتى سنة خمسين وبها توفي المغيرة بن شعبة وكان على الكوفة؛ فجمع معاوية الكوفة والبصرة لزياد حتى توفي سنة 53هـ فولّى معاوية على الكوفة الضحاك بن قيس الفهري وعلى البصرة سمرة بن جندب إلى سنة 55هـ، ثم جمع الكوفة والبصرة لعبيد الله بن زياد بن أبيه فبقي أميراً عليهما حتى مات معاوية واستخلف يزيد، وهو الذي سيّر الجيش لصدّ حسين بن علي عن الكوفة وأمر بقتاله حتى ينزل الحسين على حكمه؛ وكان الحسين بن علي قد خيّر الجيش بين ثلاث خلال فأبوا إلا أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد؛ فأبى عليه فقاتلوه ومن معه فدافعوا عن أنفسهم حتى قتل أكثرهم.
قضاة البصرة:
وأما قضاة البصرة؛ فكان أوّل قاض لأهل البصرة أبو مريم الحنفي واسمه إياس بن صبيح استقضاه أبو موسى الأشعري، ثم كعب بن سُور الأزدي استقضاه عمر، ثم عمران بن حصين، ثم زرارة بن أوفى، ثم عمران بن حصين مرة أخرى.
وفي خلافة عليّ ولى ابن عباس على البصرة فكان يعلّم ويفتي ويحكم بينهم، واستقضى أبا الأسود الدؤلي، ثم لما خرج إلى علي بالكوفة اصطحب معه أبا الأسود وجعل على القضاء الحارث بن عبد عوف الهلالي ولما رجع أقرّ الحارث، وكان إذا شخص من البصرة استخلف أبا الأسود على الإمارة.
ثم في خلافة معاوية تولى القضاء جماعة منهم عميرة بن يثربي ولاه عبد الله بن عامر بن كريز، ثم لما تولى زياد بن أبيه ولى شريح القاضي القضاء بالبصرة سنة، وكان من أهل الكوفة، ثم عزله وأعاد زرارة بن أوفى الحرشي فبقي على القضاء حتى مات زياد، ثم أقرّه سمرة بن جندب حتى عُزل سمرة سنة 55هـ وولي إمارة البصرة عبيد الله بن زياد فعزل زرارةَ وولى عبدَ الله بن فضالة الليثي ثم عزله وولى أخاه عاصم بن فضالة فبقي على القضاء حتى مات يزيد سنة 64هـ وهرب ابن زياد، فاصطلح الناس على عبد الله بن الحارث بن نوفل، فأعاد زرارة على القضاء، ولما تغلّب عبد الله بن الزبير على العراق ولّى قضاء البصرة هشام بن هبيرة بن فضالة الليثي.
ثم في زمان بني مروان تولى القضاء بالبصرة جماعة منهم: مسروق بن الأجدع، وعبد الملك بن يعلى الليثي، وشيبان بن زهير السدوسي، وعبد الرحمن بن أذينة العبدي، وموسى بن أنس بن مالك الأنصاري، وابن أخيه ثمامة بن عبد الله بن أنس بن مالك، ثم الحسن البصري ولي القضاء مرتين، وبلال بن أبي بردة، ثم إياس بن معاوية المزني ولي القضاء سنة ثم اختفى وترك القضاء، ثم عبّاد بن منصور الناجي، وغيرهم كثير.