الأخير: أبو عبيدة: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر بن مالك ، يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك ، رضي الله عنه .
أمه : أم غنم بنت جابر بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن وديعة بن الحارث بن فهر بن مالك ، فهي تجتمع معه في الحارث بن فهر ، فهو قرشي وأمه قرشية ، قيل في اسم أمه : أميمة بنت غنم ؛ أي بدل الكنية : أم غنم ، أنها أميمة بنت غنم بن جابر بن عبد العزى .
يلتقي مع النبي صلى الله عليه وسلم في فهر بن مالك .
أسلم قديما ، رضي الله عنه ، قبل دخول رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، ودخل معه في دار الأرقم التي قرب الصفا ، كانوا يلتقون فيها قد اتخذوها ملجأ يلجئون فيها حتى لا يؤذيهم المشركون .
شهد بدرا والمشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو من أهل بدر ، شهد أيضا يوم أحد .
ويوم أحد حصل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على رأسه المغفر فضربه بعض المشركين ، ضرب المغفر وانهشم المغفر ، ويسمى الخوذة ، في البيضة ، انهشمت البيضة على رأسه ، ودخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته ، فهو الذي انتزعها ، انتزع الحلقتين اللتين دخلتا في وجه النبي صلى الله عليه وسلم من المغفر لما انتزعها رضي الله عنه سقطت ثنيتاه فحسنت فاه ، أي ما عابه ذلك، فقيل : ما رؤي هتم قط أحسن من هتم أبي عبيدة ، الهتم : كسر في الثنايا .
مناقبه رضي الله عنه شهيرة ، فهو أحد السابقين الأولين ، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم الأمين ، لما جاءه وفد نجران قالوا : أرسل معنا أمينا ، فقال : ((لأرسلن معكم أمينا حق أمين)) ، فأرسل معهم أبا عبيدة ، وقال : ((لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة)).
لم يبق له ولد ، ذكر أن له من الولد يزيد وعمر ، ولم يعقبا ، انقرض ولد أبي عبيدة فلم يبق منهم أحد .
مات بطاعون عمواس سنة ثمان عشرة ، قبره بغور بيسان في قرية عمشا ، عمره ثمان وخمسون ، صلى عليه معاذ رضي الله عنه ، وقيل : عمرو بن العاص ، وما ذاك إلا أنه لما تولى عمر رضي الله عنه بعد موت أبي بكر عزل خالدا عن الإمارة للجيش وولى عليه أبا عبيدة ، أبو عبيدة أفضل لأنه من المسلمين الأولين ، فهو أفضل من خالد الذي ما أسلم إلا زمن الفتح ، فلما ولاه أحسن القيادة وجاهد وفتح الحصون في سوريا ، فتح دمشق وفتح ما فيها من الدور أو من الأماكن كلها ، حتى أصبحت دار إسلام ، هكذا .
ثم ذكر أن عمر رضي الله عنه توجه إلى الشام ومعه مجموعة من المهاجرين ، فلما كان في أثناء الطريق قيل له : إن الوباء قد وقع بالشام ، يعني الطاعون ، استشار من حوله فكلهم ، أكثرهم قالوا : ارجع لا تذهب بهؤلاء إلى ذلك المرض الذي هو الطاعون ، ولما رجع قال له أبو عبيدة : أفرارا من قدر الله ؟ قال عمر : لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله . فرجع عمر ولم يذهب إلى الشام لما ذكر له أن فيه هذا الوباء الذي هو الطاعون ، أما أبو عبيدة فإنه رجع ومات في تلك السنة التي هي سنة ثمانية عشر في ذلك الطاعون ، ويسمى طاعون عمواس ، وهي موضع في فلسطين قريب من المسجد الأقصى .
ذكروا أن أبا عبيدة قتل أباه يوم بدر ، وكان أبوه خرج مع المشركين ، ولما خرج ووصل إلى بدر وابتدأ القتال قال : أروني ولدي ، سوف أقتله ، فجعل أبو عبيدة يهرب من والده ، ولكن رأى أنه مصر على قتله ، كيف تتبع محمدا وكيف تترك دين آبائك ؟ فلما أصر على محاولة قتله رجع إلى أبيه فقتله ليتخلص منه .
ذكروا أن هذه الآية في آخر سورة المجادلة نزلت فيه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ} أي: لا يمكن أنك تجد هؤلاء يوادون الكفار ، بل لا بد أنهم يعادون الكفار ، المودة هي المحبة ، الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر لا يوادون الكفار ولا يصادقونهم ولا يحبونهم ولا يأمنونهم ولا يتعاملون معهم ، بل يضمرون لهم الكراهية والعداوة ، يعلمون أنهم كفار ، فلا يمكن أن يكون هؤلاء أولياء للمؤمنين ، هكذا ، {وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ} أي: أنهم لا يوالونهم ، ولو كانوا بمنزلة رفيعة عندهم ، بل يقاطعونهم .
والآيات كثيرة في وجوب مقاطعة الكفار ولو كانوا أقارب .
هكذا قصة هؤلاء العشرة .
ونعرف أيضا أن جميع الصحابة يرجى لهم الخير ، وذلك لأنهم عملوا الصالحات وهاجروا في سبيل الله ، وصدقوا النبي صلى الله عليه وسلم ، وجاهدوا معه ، وآثروه بالنفع بالأنفس وبالمال ، بل آثروه على أنفسهم .
فنقول في الصحابة جميعا قولا حسنا ، ولا نتبرأ من أحدهم ، كما تتبرأ الرافضة من أكثرهم ، وكذلك أيضا كما تتبرأ الخوارج ، أي: من علي ومن كان معه ، بل نحبهم جميعا ونواليهم لنكون بذلك من أمة محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم أتباعه على دينه إن شاء الله. والله أعلم.
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول : فضيلة الشيخ ذكرتم أن عبد الرحمن بن عوف كان يتعاهد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ويعطيهن من الصدقة ، فهل تجوز لهن الصدقة؟
جواب: تحل لهن ؛ لأن الصدقة الزكاة حرمت على بني هاشم ، وأما زوجاته فليس فيهن هاشمية ، وأيضا يمكن أنه يعطيهن صدقة من غير الزكاة ، إذا كان قد تصدق بحمل أكثر من مائة بعير ، كلها تحمل طعاما ، تصدق بها كلها وقال : أرجو مضاعفتها ، يعني الحسنة بعشر أمثالها.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخ أبو عبد الرحمن عبر الشبكة يقول : شخص آلمه رأسه فذهب إلى طبيب فلبد رأسه بالحناء ، ثم وضع عليه قماش فأخذ يمسح عليه لمدة ثمانية أيام ، ولم يكن يومئذ على طهارة ، فما حكم صلاته؟
جواب: يظهر أنه معذور لأنه معروف أن الأصل في الرأس هو المسح ومباشرة الشعر ، ولكن إذا كان هذا قد وضع على رأسه هذا الحناء من الألم ، فذلك عذر ، فله أن يمسح فوق الحناء ولو كان على غير طهارة.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخت خديجة من فرنسا تقول : نرجو منكم ذكر أفضل أسماء الإناث إن كان ورد نص شرعي بذلك.
جواب: الإناث تسمين بما حصل ، الصحابيات فيهن أسام كأسامي الرجال ، زينت على وزن جعفر ، فيظهر أنه اسم مذكر ، ومع ذلك ينطبق على النساء ، وكذلك أيضا في الرجال ، الحاصل أن الأسماء على حسب ما يتناسب.
سؤال: أحسن الله إليكم ، الأخ أبو إسحاق من فرنسا يقول: يدرسنا من مدرسي الدين من لديهم خلل في العقيدة ، من أشاعرة أو متصوفة ، وفي الاختبار نجيب على حسب ما درسنا به ، وفيه بعض الأخطاء ، وإن لم نجب على حسب ما يرى نرسب في الاختبار ، فماذا نفعل أحسن الله إليكم.
جواب: أنتم على عقيدتكم ، تمسكوا بالعقيدة التي هي عقيدة أهل السنة والتي تعرفونها من مؤلفات السلف الصالح ، والتي أخذت من الكتاب والسنة ، فتمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وهذا الذي يدرسكم ، إذا كان هذا الدرس بعده الاختبار اختبارا نظاميا عليه مؤهلات وشهادات ، فأجيبوا بما درسكم ولكن أنتم على معتقدكم ، على عقيدتكم ، أنكم صادقون وأنكم مصدقون بهذه العقيدة ، ولكن لعلكم فيما بعد أن ترشدوه وأن تناقشوه رجاء أن يتأثر .
سؤال: أحسن الله إليكم ، يقول : كثر الخوض فيما شجر بين الصحابة في بعض الأشرطة ، فماذا تنصح حيال ذلك؟.
جواب: طريقة السلف أنهم يكفون عما شجر بين الصحابة ، يتوقفون ، ويكلون أمرهم إلى الله ، وهم كلهم مجتهدون ، فالذين مع عائشة مجتهدون ، منهم طلحة والزبير ، وعبد الله بن الزبير ، ما قصدوا بذلك إلا أن يأخذوا الثأر لعثمان الذي قتل مظلوما ، وعلي رضي الله عنه أيضا مجتهد ، ما قصد إلا جمع الكلمة عندما قاتلهم ، أو عندما بدأهم الذين في جيشه والذين هم من قتلة عثمان .
كذلك أيضا في وقعة صفين ، قد حضرها أيضا جمع من الصحابة ، فهم مجتهدون ، معاوية يقول : سلموا لنا قتلة عثمان ، وعلي رضي الله عنه يقول : بايعنا حتى تجتمع الكلمة ، فإذا اجتمعت الكلمة كان لنا قدرة ، لأني وحدي لا أقدر لأنهم ذوو شأن ولهم أشاعر كبيرة ، وإذا سلمتهم جارت علي قبائلهم ، فلهم اجتهادهم ، فنقول : نكف عما شجر بينهم ونعذرهم ، ونقول : إنهم إن شاء الله لا يرجى أن يكون ذلك ذنبا كبيرا .
مع أن بعض الصحابة امتنع من القتال كما سمعنا عن سعد بن أبي وقاص ، أنه اعتزل البلاد ، المدن كلها ، وصار بدويا ، يتنقل في البوادي ، ولم يشترك في القتال ، وكذلك أيضا ما ذكر عن بعض الصحابة كابن عمر ، جاءه رجل وقال : ألا تقاتل ، ألا تخرج تقاتل ، الله تعالى يقول : {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} فقال عبد الله : قاتلناهم حتى لم تكن فتنة وأنتم تقاتلون حتى تكون فتنة .
أحسن الله إليكم وبارك فيكم ونفع بعلمكم وصلى الله على نبينا محمد.
والله أعلم وصلى الله على محمد.