دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السابع (المجموعة الثانية)

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 محرم 1442هـ/16-09-2020م, 11:50 AM
خليل عبد الرحمن خليل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 238
افتراضي

حبر الأمة وترجمان القرآن

لقب تشرئب له النفوس لأنها تزكية سببها دعوة من لا ترد دعوته ، دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن طريق سليمان الأحول، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنبي صَلَّى الله عليه وسلم وضوءًا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟" فَقَالَتْ: ابن عباس. فقال: "اللهُمّ فَقِّهه فِي الدِّينِ وعَلِّمه التأويِلَ" رواه البخاري دون لفظ ( وعلمه التأويل ) كما رواه أحمد والحاكم .
ودعا له بأن يعلمه الكتاب كما رواه البخاري قال حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ .
ويقول ابن عباس عن نفسه فيما رواه عكرمة في صحيح الترمذي: (دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيني الحكمة مرتين) .
هذا اللقب فاز به عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم .
كما أنه فاز ببركة النبي منذ ولادته ، فأول ما دخل جوفه عند ولادته ريق النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الشعب بمكة فحنّكه بريقه المبارك صلى الله عليه وسلم .
فبارك الله في علم ابن عباس وحكمته ، بعد أن ألهمه حب العلم والتواضع له فقد أقبل على العلم منذ صغره فجمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم بملازمته له ، ومن الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد أخبر يزيد بن هارون قال: أخبرنا جرير بن حازم عن يَعْلَى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: لمّا قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قلتُ لرجل من الأنصار هَلُمّ فَلْنَسْأل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنّهم اليومَ كثيرٌ، قال فقال: واعجبا لك يا بن عبّاس! أتَرَى النّاس يفتقرون إليك وفي النّاس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مَنْ فيهم؟ قال: فتركتُ ذلك وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عن الحديث فإنْ كان لَيَبْلغني الحديثُ عن الرجل فآتِي بابَه وهو قائل فأتوسّد رِدائى على بابه تَسفي الريحُ عليّ الترابَ فيخرج فيراني فيقول لي: يابن عمّ رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلتَ إليّ فَآتيكَ؟ فأقول:لا، أنا أحقّ أن آتيك! فأسأله عن الحديث، فعاش ذلك الرجل الأنصاريّ حتى رأني وقد اجتمع الناسُ حولي ليسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني! .
وبسبب هذه الهمة العالية وهذا التواضع للعلم بعد توفيق الله ثم بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم نال ابن عباس مرتبة عالية في العلم ، فقد تواردت الأخبار عن سعة علمه وإقبال الناس عليه للنيل من علمه الغزير . روى أبو أسامة حمّاد بن أسامة قال الأعمش حُدّثنا عن مجاهد قال: كان ابن عبّاس يسمّى البَحْر من كثرة عِلْمِه. وروى ابن جُريج عن عطاء قال: كان ابن عبّاس يقال له البحر: قال: وكان عطاء يقول قال البحرُ وفعل البحرُ! ، وروى محمد بن عبد الله الأسديّ، أخبرنا سفيان عن ليث عن طاوس وأخبرنا قَبيصة بن عُقبة عن سفيان عن ابن جُريج عن طاوس قال: ما رأيتُ رجلًا أعلم من ابن عبّاس. وروى إسماعيل بن أبي مسعود عن عبد الله بن إدريس عن ليث بن أبي سُليم قال: قلتُ لطاوس لزمتَ هذا الغلامَ، يعني ابن عبّاس، وتركتَ الأكابرَ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيتُ سبعين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إذا تدارءُوا في شئٍ صاروا إلى قول ابن عبّاس. أخبرنا عفّان بن مسلم، أخبرنا حمّاد بن زيد، أخبرنا عليّ بن زيد، حدّثني سعيد بن جُبير ويوسف بن مِهْران: أنّ ابن عبّاس كان يُسأل عن القرآن كثيرًا فيقول هو كذا وكذا، أمَا سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا؟ أخبرناعارم بن الفضل، أخبرنا حمّاد بن زيد عن الزبير عن عِكْرِمة قال: كان ابن عبّاس أعلمهما بالقرآن وكان عليّ أعلمهما بالمُبْهَمَات. وروى رَوْح بن عبادة أو ثَبْتٌ عنه عن ابن جُريج قال: قال عطاء: كان ناسٌ يأتون ابنَ عبّاس للشعر وناسٌ للأنساب وناسٌ لأيام العرب ووقائِعها، فما منهم مِنْ صِنْفٍ إلاّ يُقْبِلُ عليه بما شاء. وروى عبد الله بن جعفر الرقّيّ، أخبرنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال: أوّل من عرّف بالبصرة عبدُ الله بن عبّاس، قال وكان مِثَجّةً كثير العلم، قال فقرأ سورة البقرة ففسّرها آيةً آية، وروى يزيد بن هارون قال: أخبرنا جُوَيْبر عن الضّحّاك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} : قال: أنا من أولئك القليلِ وهم سبعةٌ.
وقال محمّد بن عمر، حدّثني عبد الرّحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبْة قال: كان ابن عبّاس قد فات الناسَ بخصال: بعِلْم ماسبقَه وفقهٍ فيما احتيجَ إليه من رأيه، وحِلْم وَنَسَب، ونائلٍ، ومارأيتُ أحدًا كان أعلمَ بما سَبقه من حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، منه ولا أعلمَ بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان مِنْه، ولا أَفْقَه في رأيٍ منه، ولا أعلَمَ بِشِعْرٍ ولا عربيّة ولا بتفسير القرآن ولا بحسابٍ ولا بفريضةٍ مِنْه، ولا أعلمَ بما مضَى وََلا أَثْقَب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقَدْ كانَ يجلسُ يومًا ما يذكر فيه إلّا الفقهَ ويومًا التأويلَ ويومًا المغازي ويومًا الشعر ويومًا أيّام العرب، ومارأيتُ عالمًا قطّ جَلَسَ إليه إلّا خَضَعَ له وما رأيت سائلًا قطّ سأله إلّا وجد عنده عِلْمًا. أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني داود بن جُبير قال: سمعتُ ابنَ المسيّب يقول: ابنُ عبّاس أعلمُ النّاسِ!
ومع هذا العلم الغزير إلا أنه كان لا يعارض قول كبار الصحابة إجلالا وتواضعا، روى سفيان بن عُيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عبّاس إذا سُئلَ عن الأمر فإن كان في القرآن أخبر به وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن في شئٍ من ذلك اجتهدَ رَأيَه.
وقد بقي هذا البحر ينهل الطالبون من علمه حتى توفاه الله سنة ثمان وستين في الطائف وقد بلغ إحدى وسبعين سنة رضي الله عنه ، وقد أخرج يعقوب بن سفيان، من طريق عبد الله بن يامين: أخبرني أني أنه لما مرّ بجنازة عبد الله بن عباس جاء طائر أبيض يقال له الغرْنُوق، فدخل في النعش فلم يُرَ بعد. وَأخْرَجُ ابْنُ سَعْدٍ من طريق يَعْلَى بن عطاء عن بجير بن عبد الله، قال: لما خرج نَعْشُ ابن عباس جاء طائر أبيض عظيم من قبل وَجّ حتى خالط أكفانَه فلم يَدْر أين ذهب؛ فكانوا يرون أنه علمه. وروينا في جزء الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبَير، قال: مات ابْنُ عباس بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر أبيض لم يُرَ على خلقته، فدخل في نعشه ولم يُرَ خارجًا منه؛ فلما دفن تليت هذه الآية: {يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ...} إلى آخر السورة .
وهذه الرسالة إطلالة موجزة على جانب من جوانب سيرة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس جانب الإشادة بعلمه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل من فوائد ما ذكر من سيرة ابن عباس رضي الله عنه :
1- بركة النبي تنال من عاش معه صلى الله عليه وسلم ، كما أنها تنال من عاش مع سنته وداوم النظر فيها .
2- أن العلم لا يُنال إلا بالمصابرة كما صابر ابن عباس رضي الله عنه .
3- أن العلم لا يُنال إلى بالتواضع ، كما تواضع ابن عباس رضي الله عنه مع مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال الصحابة له .
4- أن العلم لا يُبارك فيه إلا إذا اعترف صاحبه بفضل من سبقه ، كما كان ابن عباس رضي الله عنه يقف عند أقوال أبي بكر وعمر .
5- الحرص على طلب العلم في الصغر يمكّن المرء من التبحر فيه ، كما طلبه ابن عباس رضي الله عنه في صغره .

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 5 صفر 1442هـ/22-09-2020م, 03:08 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
حبر الأمة وترجمان القرآن

لقب تشرئب له النفوس لأنها تزكية سببها دعوة من لا ترد دعوته ، دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن طريق سليمان الأحول، عن سعيد بن جُبير، عن ابن عباس، أنه سكب للنبي صَلَّى الله عليه وسلم وضوءًا عند خالته ميمونة، فلما فرغ قال: "مَنْ وَضَعَ هَذَا؟" فَقَالَتْ: ابن عباس. فقال: "اللهُمّ فَقِّهه فِي الدِّينِ وعَلِّمه التأويِلَ" رواه البخاري دون لفظ ( وعلمه التأويل ) كما رواه أحمد والحاكم .
ودعا له بأن يعلمه الكتاب كما رواه البخاري قال حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ الوَارِثِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا خَالِدٌ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ : اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الكِتَابَ .
ويقول ابن عباس عن نفسه فيما رواه عكرمة في صحيح الترمذي: (دعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يؤتيني الحكمة مرتين) .
هذا اللقب فاز به عبدالله بن عباس بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم .
كما أنه فاز ببركة النبي منذ ولادته ، فأول ما دخل جوفه عند ولادته ريق النبي صلى الله عليه وسلم عندما أتي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الشعب بمكة فحنّكه بريقه المبارك صلى الله عليه وسلم .
فبارك الله في علم ابن عباس وحكمته ، بعد أن ألهمه حب العلم والتواضع له فقد أقبل على العلم منذ صغره فجمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم بملازمته له ، ومن الصحابة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ، فقد أخبر يزيد بن هارون قال: أخبرنا جرير بن حازم عن يَعْلَى بن حكيم عن عكرمة عن ابن عبّاس قال: لمّا قُبض رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، قلتُ لرجل من الأنصار هَلُمّ فَلْنَسْأل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فإنّهم اليومَ كثيرٌ، قال فقال: واعجبا لك يا بن عبّاس! أتَرَى النّاس يفتقرون إليك وفي النّاس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، مَنْ فيهم؟ قال: فتركتُ ذلك وأقبلتُ أسأل أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، عن الحديث فإنْ كان لَيَبْلغني الحديثُ عن الرجل فآتِي بابَه وهو قائل فأتوسّد رِدائى على بابه تَسفي الريحُ عليّ الترابَ فيخرج فيراني فيقول لي: يابن عمّ رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلتَ إليّ فَآتيكَ؟ فأقول:لا، أنا أحقّ أن آتيك! فأسأله عن الحديث، فعاش ذلك الرجل الأنصاريّ حتى رأني وقد اجتمع الناسُ حولي ليسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني! .
وبسبب هذه الهمة العالية وهذا التواضع للعلم بعد توفيق الله ثم بركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم نال ابن عباس مرتبة عالية في العلم ، فقد تواردت الأخبار عن سعة علمه وإقبال الناس عليه للنيل من علمه الغزير . روى أبو أسامة حمّاد بن أسامة قال الأعمش حُدّثنا عن مجاهد قال: كان ابن عبّاس يسمّى البَحْر من كثرة عِلْمِه. وروى ابن جُريج عن عطاء قال: كان ابن عبّاس يقال له البحر: قال: وكان عطاء يقول قال البحرُ وفعل البحرُ! ، وروى محمد بن عبد الله الأسديّ، أخبرنا سفيان عن ليث عن طاوس وأخبرنا قَبيصة بن عُقبة عن سفيان عن ابن جُريج عن طاوس قال: ما رأيتُ رجلًا أعلم من ابن عبّاس. وروى إسماعيل بن أبي مسعود عن عبد الله بن إدريس عن ليث بن أبي سُليم قال: قلتُ لطاوس لزمتَ هذا الغلامَ، يعني ابن عبّاس، وتركتَ الأكابرَ من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال: إني رأيتُ سبعين من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، إذا تدارءُوا في شئٍ صاروا إلى قول ابن عبّاس. أخبرنا عفّان بن مسلم، أخبرنا حمّاد بن زيد، أخبرنا عليّ بن زيد، حدّثني سعيد بن جُبير ويوسف بن مِهْران: أنّ ابن عبّاس كان يُسأل عن القرآن كثيرًا فيقول هو كذا وكذا، أمَا سمعتم الشاعر يقول كذا وكذا؟ أخبرناعارم بن الفضل، أخبرنا حمّاد بن زيد عن الزبير عن عِكْرِمة قال: كان ابن عبّاس أعلمهما بالقرآن وكان عليّ أعلمهما بالمُبْهَمَات. وروى رَوْح بن عبادة أو ثَبْتٌ عنه عن ابن جُريج قال: قال عطاء: كان ناسٌ يأتون ابنَ عبّاس للشعر وناسٌ للأنساب وناسٌ لأيام العرب ووقائِعها، فما منهم مِنْ صِنْفٍ إلاّ يُقْبِلُ عليه بما شاء. وروى عبد الله بن جعفر الرقّيّ، أخبرنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن الحسن قال: أوّل من عرّف بالبصرة عبدُ الله بن عبّاس، قال وكان مِثَجّةً كثير العلم، قال فقرأ سورة البقرة ففسّرها آيةً آية، وروى يزيد بن هارون قال: أخبرنا جُوَيْبر عن الضّحّاك عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ} : قال: أنا من أولئك القليلِ وهم سبعةٌ.
وقال محمّد بن عمر، حدّثني عبد الرّحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عُبيد الله بن عبد الله بن عُتبْة قال: كان ابن عبّاس قد فات الناسَ بخصال: بعِلْم ماسبقَه وفقهٍ فيما احتيجَ إليه من رأيه، وحِلْم وَنَسَب، ونائلٍ، ومارأيتُ أحدًا كان أعلمَ بما سَبقه من حديث رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، منه ولا أعلمَ بقضاء أبي بكر وعمر وعثمان مِنْه، ولا أَفْقَه في رأيٍ منه، ولا أعلَمَ بِشِعْرٍ ولا عربيّة ولا بتفسير القرآن ولا بحسابٍ ولا بفريضةٍ مِنْه، ولا أعلمَ بما مضَى وََلا أَثْقَب رأيًا فيما احتيج إليه منه، ولقَدْ كانَ يجلسُ يومًا ما يذكر فيه إلّا الفقهَ ويومًا التأويلَ ويومًا المغازي ويومًا الشعر ويومًا أيّام العرب، ومارأيتُ عالمًا قطّ جَلَسَ إليه إلّا خَضَعَ له وما رأيت سائلًا قطّ سأله إلّا وجد عنده عِلْمًا. أخبرنا محمّد بن عمر، حدّثني داود بن جُبير قال: سمعتُ ابنَ المسيّب يقول: ابنُ عبّاس أعلمُ النّاسِ!
ومع هذا العلم الغزير إلا أنه كان لا يعارض قول كبار الصحابة إجلالا وتواضعا، روى سفيان بن عُيينة عن عُبيد الله بن أبي يزيد قال: كان ابن عبّاس إذا سُئلَ عن الأمر فإن كان في القرآن أخبر به وإن لم يكن في القرآن وكان عن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، أخبر به، فإن لم يكن في القرآن ولا عن رسول الله وكان عن أبي بكر وعمر أخبر به، فإن لم يكن في شئٍ من ذلك اجتهدَ رَأيَه.
وقد بقي هذا البحر ينهل الطالبون من علمه حتى توفاه الله سنة ثمان وستين في الطائف وقد بلغ إحدى وسبعين سنة رضي الله عنه ، وقد أخرج يعقوب بن سفيان، من طريق عبد الله بن يامين: أخبرني أني أنه لما مرّ بجنازة عبد الله بن عباس جاء طائر أبيض يقال له الغرْنُوق، فدخل في النعش فلم يُرَ بعد. وَأخْرَجُ ابْنُ سَعْدٍ من طريق يَعْلَى بن عطاء عن بجير بن عبد الله، قال: لما خرج نَعْشُ ابن عباس جاء طائر أبيض عظيم من قبل وَجّ حتى خالط أكفانَه فلم يَدْر أين ذهب؛ فكانوا يرون أنه علمه. وروينا في جزء الحسن بن عرفة: حدثنا مروان بن شجاع، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جُبَير، قال: مات ابْنُ عباس بالطائف، فشهدت جنازته، فجاء طائر أبيض لم يُرَ على خلقته، فدخل في نعشه ولم يُرَ خارجًا منه؛ فلما دفن تليت هذه الآية: {يَا أيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلَى رَبِّكِ...} إلى آخر السورة .
وهذه الرسالة إطلالة موجزة على جانب من جوانب سيرة الصحابي الجليل عبد الله بن عباس جانب الإشادة بعلمه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولعل من فوائد ما ذكر من سيرة ابن عباس رضي الله عنه :
1- بركة النبي تنال من عاش معه صلى الله عليه وسلم ، كما أنها تنال من عاش مع سنته وداوم النظر فيها .
2- أن العلم لا يُنال إلا بالمصابرة كما صابر ابن عباس رضي الله عنه .
3- أن العلم لا يُنال إلى بالتواضع ، كما تواضع ابن عباس رضي الله عنه مع مكانته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجلال الصحابة له .
4- أن العلم لا يُبارك فيه إلا إذا اعترف صاحبه بفضل من سبقه ، كما كان ابن عباس رضي الله عنه يقف عند أقوال أبي بكر وعمر .
5- الحرص على طلب العلم في الصغر يمكّن المرء من التبحر فيه ، كما طلبه ابن عباس رضي الله عنه في صغره .

بارك الله فيك ونفع بك
لا يلزم هنا ذكر الإسناد وإنما يكفي عزو الآثار، فالمقام وعظي أكثر منه تحرير علمي
فيكفي أن تقول - مثلا - رواه البخاري، دون أن تذكر إسناد البخاري وذلك حتى لا تطيل على القارئ والغالب أنه من العامة، ويحتاج التعرف على سيرة الصحابي ولا يفهم معنى الإسناد، فيكتفى بالعزو لنعلم القارئ أيضًا ضرورة معرفة عزو الأقوال والا يقبل أي مقولة منسوبة لصحابي منتشرة على صفحات الانترنت دون تثبت.
التقويم: أ
وفقك الله وسددك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الحادي

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:36 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir