دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > البرامج الخاصة > البرامج الخاصة > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 7 جمادى الآخرة 1435هـ/7-04-2014م, 04:01 PM
ميساء باشا ميساء باشا غير متواجد حالياً
المسار المفتوح- مجموعة التفسير
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
الدولة: المملكة العربية السعودية
المشاركات: 49
افتراضي صفحة مذاكرة الطالبة ميساء باشا

تلخيص تفسير سورة النبأ

اسم هذه السورة: سورة النبأ وسميت كذالك في أكثر المصاحف وفي كثير من كتب التفسير، وسميت في بعضها بسورة عم يتساءلون وقد أورد السيوطي في الإتقان أنها تسمى أيضاً سورة المعصرات لقوله تعالى:
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا)، وتسمى أيضاً سورة التساؤل وهي مكية باتفاق أهل العلماء.
عددها: عند أهل المدينة والشام والبصرة 40 آية، وعند أهل الكوفة ومكة 41 آية.
موضوعها: عن اليوم الآخر ومشاهده التي تكون فيه، فمحور هذه السورة وموضوعها الرئيس يدور حول البعث من حيث ذكر أدلته وبراهين وموقف الناس منه وعرض مشاهد من ما يقع في ذلك اليوم.
هذه السورة الكريمة استفتحت بحديث عن موقف الكفار من يوم البعث وتساؤلهم عنه وحيرتهم في شأنه، وضمنت صيغة الاستفهام في (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) معنى التعظيم والتشويق لهذا النبأ الذي تساءل عنه المشركون و الاستفتاح جاء بصيغة الإجمال والإبهام لذلك الشيء ودون تعيينه للتعظيم والتشويق، ثم بينه فقال عن النبأ العظيم، وهو عز وجل وان بيّن أنهم يتساءلون عن النبأ العظيم فلم يذكر ولم يعين ذلك النبأ العظيم الذي يتساءلون عنه، وهذا ادعى لانتباه السامع لما يرد.
والنبأ العظيم الأصل أن يستخدم في الخبر الذي له شأن ووصفه بالعظيم تأكيد للمعنى المستفاد من لفظ النبأ.
وهذا الذي وقع عنه التساؤل اختلف أهل العلم فيه فمنهم: من قال أن المراد به القرآن ومنهم من قال أن المراد به البعث ولا تعارض بين الأمرين وإن سياق الآيات الكريمة وموضوع السورة يقوي أن يكون التساؤل وقع عن البعث ذلك أن الله عز وجل ذكر بعده البراهين الدالة على قدرته والبراهين تتعلق بقدرته على البعث ثم أعقب ذلك بقول : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) فذكر يوم الفصل ومشاهده التي تقع فيه وأحوال الناس فيه وهذا كله مرتبط بقضية البعث، واما الذين وقع منهم التساؤل فإن الله لم يذكرهم في الآيات الكريمة وأصح ما قيل فيهم أنهم المشركون لأن سياق الآيات الكريمة فيه تهديد وزجر وتقرير في مثل قوله تعالى :
(كَلَّا سَيَعْلَمُونَ (4) ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُون) وهذا يدل على أن من وقع منهم التساؤل هم المشركون، وبعد إن ذكر تعالى ما كان عليه حال المكذبين من الشك في قدرته و اختلافهم في البعث ذكر عددا من البراهين الدالة على قدرته فقال عز وجل:
(أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا): ولفظ مهادا صيغة مبالغة، وتمهيد الأرض جعلها متذللة يسهل الانتفاع بها ولفظ نجعل لفظ جعل له دلالة دقيقة على معنى خاص وهو أن الأرض خلقت ابتداء وليست مذللة وإنما جاء التذليل لها بعد خلقها، لأن لفظ الخلق يتعلق بذات الإيجاد، وأما الجعل فيتعلق بصفات الموجود بمعنى أن الله خلقها غير ممهدة ثم جعلها ممهدة.
(وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) أي كالأوتاد التي تثبت فيها الأشياء وتنصب عليها الخيام والتعبير بلفظ الوتد له دلالة خاصة فالوتد يكون جزء منه على ظاهر الأرض وجزء منه في باطنها ويقدر بثلثي أرباعه يكون في باطن الأرض وهذا المعنى موجود في الجبال ، وهذا يحفظ الأرض من الاضطراب والميل، وذكر تمهيد الأرض مع جعل الجبال أوتادا لها له فائدة وهو: دفع توهم أن تكون الأرض لما كانت ممهدة مذللة أنها ليست ثابتة فذكر الجبال وأنها أوتاد يدفع هذا التوهم.
(وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا): أي خلقناكم أصنافا ذكورا وإناثا.
(وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا ): السبات من السبت وهو القطع، وسمى الله عز وجل النوم سباتا لأنه يقطع البدن عن العمل فيحصل له بذلك الراحة.
(وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا): يعني ساترا بسواده وظلمته، لأن الليل سبب معين على النوم فكون الليل ساتراً مظلماً يعين الإنسان على النوم.
(وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا): أي وقت للعيش والاكتساب والسعي في طلب الرزق.
(وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا): لما ذكر الله بعض مظاهر قدرته المتعلقة بالأرض، عقب ذلك ببعض مظاهر قدرته في السماء وهي تقابل الأرض، المراد بالسبع السماوات فإن لفظ السبع جاء وصفا في القرآن الكريم للسموات، ووصفها بالشداد لعظم خلقها وشدته وهي كذلك، فانظر الى أفلاكها ونجومها وكواكبها تعلم يقينا أنها كما اخبر عز وجل سبعا شدادا.
(وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا ): السراج هو المصباح، والمراد هنا الشمس وتشبيه الشمس بالمصباح تقريب للصورة للمخاطبين .
(وَهَّاجًا ) أي شديد الإضاءة والتوهج.
(وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا): المعصرات هي السحاب التي تحمل المطر، والثجاج أي المنصب بقوة وغزارة، وأشار تعالى الى حكمة إنزال المطر فقال:
(لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا): الجنات أي البساتين كثيرة الشجر وتسمى جنات لأنها تجن من بداخلها يعني تستره، ولهذا وصف الله عز وجل أشجار الجنة بالتفاف بعضها على بعض وذلك من كثرتها فقال: (جَنَّاتٍ أَلْفَافًا): يعني بساتين يلتف شجره على بعضه من كثرتها وذكر المطر يتعلق بموضوع السورة لأنه يحصل به حياة الأرض وما عليها من النبات.
(إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) بيان للإجمال وشروع في بيان المقصود من السورة الكريمة الذي من أجله سيقت وذكر الكلام عنها.
إن: حرف توكيد ويوم الفصل هو يوم القيامة سمي بذلك لأن فيه فصل بين الحق والباطل والهدى والضلال وأهل الجنة وأهل النار (كَانَ مِيقَاتًا ) إقحام فعل كان لإفادة أن توقيته في علم الله عز وجل ثابت على ميعاده لا يقدمه استعجالهم أو إنكارهم له، والميقات مشتق من الوقت وهو الزمن المحدد والمراد ميعادا محددا.
(يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا): هذا بيان للوقت الذي يتحقق فيه ذلك الميعاد، والمراد بالصور البوق الذي ينفخ فيه إسرافيل وجاء في بعض الآثار أنه سمي القرن، وبناء فعل ينفخ للمجهول هذا من باب تهويل ذلك الفعل فعل النفخ في الصور، وهذه النفخة الواردة في الآية هي النفخة الثانية التي يقوم الناس بعدها إلى المحشر والنفخة الأولى التي تسبقها هي التي يصعق فيها الناس ويموتون، وإلى هاتين النفختين يشير الله عز وجل في قوله: (ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض) هذه هي النفخة الأولى ثم نفخ فيه أخرى وهذه الثانية فإذا هم قيام ينظرون قول الله.
(فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا): الأفواج جمع فوج وهم الجماعة المتصاحبة والمعنى فتأتون جماعات وأمم متفرقة.
(وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا): فتح السماء هنا انشقاقها لنزول الملائكة، والتعبير بصيغة الماضي بتحقيق وقوع هذا الانشقاق، وقوله تعالى (كانت) بمعنى صارت أي صارت ذات أبواب هذا من شدة تفتح السماء وانشقاقها حتى كأنها أصبحت كلها أبواب.
(وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا): تسيير الجبال نقلها من مكانها، والتسيير أحد المراحل التي تقع للجبال عند قرب قيام الساعة فهناك دكها وزلزلتها وتسييرها وجعلها هباء منبثا ونسفها ونحو ذلك، والمعنى بتسيير الجبال هنا دكها وزلزلتها إلى أن تكون كالسراب والسراب ما يلوح في الصحارى، مما يشبه الماء، وتشبيه الجبال في حال دكها بالسراب مبالغة في بيان شدة دكها حتى مع هذا الدك لها والنسف لا يبقى شيء منها.
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا .... ) الآيات استئناف لبيان قوله تعالى: (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا) لأن تلك الآيات تثير في النفس تساؤلا ماذا سيكون بعد تلك الأهوال المتعلقة بنسف الجبال ودكها نحو ذلك مما يسبق يوم القيامة يرد في النفس تساؤل يقول ماذا سيكون بعد هذه الأحوال العظيمة، جاءت هذه الآيات لبيان هذا الأمر فقال عز وجل:
(إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا ): مرصادا من الرصد وهو مكان الترقب والانتظار والمعنى إن جهنم كانت ذات ارتقاب وترقب لمن يجتازها.
(لِلطَّاغِينَ مَآَبًا): الطاغين من الطغيان وهو مجاوزة الحد، والمراد به الذين طغوا وجاوزوا الحد بكفرهم والمآب المرجع والمستقر.
(لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا): اللبث طول الإقامة والأحقاب جمع حقب وهو الزمن الطويل.
(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلَا شَرَابًا): أي لا يغاثون بنسيم يبرد حرهم، ولا يسقون ما يروي عطشهم، فنفى الله التخفيف عنهم من الخارج بالهواء البارد ومن الداخل بالماء الذي يزيل حرارة أجوافهم، فنفي الخفيف من الخارج والتخفيف من الداخل، ويلحظ أن نفى مجرد التذوق فقال: (لَا يَذُوقُونَ) ونحن نعلم ان الذوق هو اول مراتب الإحساس فنفى عنهم حتى مجرد الذوق والعياذ بالله.
(إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا): استثناء منقطع، لأن الحميم و الغساق ليس من جنس البرد وكذلك الغساق ليس من جنس الشراب، والحميم الماء الشديد الحرارة، والغساق قد اختلف فيه اهل العلم فقبل هو صديد أهل النار وقيل الزمهرير وهو شدة البرد ولفظ الغساق في الحقيقة يحمل الامرين، ولذلك فسره بعض المفسرين بذلك فقال: صديد أهل النار شديد البرودة، والأقرب والله اعلم ان المراد بالغساق هنا الزمهرير وهو شدة البرودة وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعلى هذا فأهل النار لا يذوقون برداً ولكن يذوقون الحميم ولا يذوقون الشراب ولكن يذوقون الزمهرير الشديد البرودة فجمع الله لهم بهذا أشد درجات الحرارة واشد درجات البرودة وهذا أعظم في العذاب والعياذ بالله.
(جَزَاءً وِفَاقًا ): أي ثوابا موافقا لأعمالهم.
(إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَابًا): الجملة واقعة موقع التعليل لما قبلها إن جهنم كانت مرصادا يعني لماذا كانت مرصادا لأنهم كانوا لا يرجون حسابا ومعنى لا يرجون حسابا يعني لا يخافون الحساب، والتعبير بصيغة المضارع (لا يرجون ) للدلالة على استمرارهم على هذه الحال من عدم خوفهم من الحساب.
(وَكَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا كِذَّابًا ): أي كذبوا تكذيباً شديداً.
(وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا): هذه الآية معترضة بين الآيات المتعلقة بعذاب أهل النار وفائدة هذا الاعتراض التأكيد على أن الله تعالى مطلع على كل أعمالهم وأنهم سيجازون بها جميعا وهذا نوع من العذاب أيضا عليهم لا يوجد شيء من عملكم وان كان صغيرا إلا قد أحصاه الله في كتاب وستجازون عليه والمعنى كل شيء من عملهم قد عددناه وضبطناه في كتاب.
وقوله : (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) الأمر في قوله ذوقوا على سبيل التوبيخ والتحصيل لهم، والمعنى لن تزادوا إلا عذاباً فوق العذاب الذي انتم عليه.
وَلَا كِذَّابًا (35) جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا (36) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا)
هذه الآيات الكريمة انتقال للحديث عن المتقين وما أعده الله سبحانه وتعالى لهم، وذلك على عادة القرآن الكريم في ذكر الشئ وما يقابله.
(إن للمتقين مفازاً): وقد استفتحت الآيات الكريمة بحرف التأكيد إن وذلك اهتماماً بمضمون الخبر.
(مفازاً): المفاز هو مكان الفوز وحقيقة الفوز الظفر بالخير، ومكان الفوز هو الجنة التى وصفها الله عز وجل بالحدائق بما فيها من الحدائق والأعناب وفيها أيضاً الكواعب الأتراب يقول الله عز وجل
(وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا) والكواعب: جمع كاعب وهي الجارية التي بلغت، ووصفت بكاعب لأنها تكعب نهدها فصار كالكعب أي استدار، والأتراب جمع ترب وهو المساوي غيره في السن والمعنى لهم في الجنة الجواري الصغيرات السن المتقاربات الأعمار.
(وَكَأْسًا دِهَاقًا): الكأس إناء معد لشرب الخمر، والدهاق من الدهق والإدهاق وهو ملء الإناء من كثر ما يصب فيه والمعنى لهم في الجنة كأس خمر ممتلئة متتابعة.
(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا): اللغو هو الباطل والساقط من الكلام، ولا كذباً، فنفى عز وجل بهذا عن أهل الجنة أقل الأذى وحتى أذى سماع ما يكره الناس سماعه.
(جزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا): الجزاء ما يعطى عوضاً عن العمل يسمى ذلك جزاءً والإضافة في قول ربك فيه تشريف للنبي ، (عطاء) يعنى تفضلاً وإحساناً أى أن هذا الجزاء تفضلاً منه سبحانه وبحمده لا يستحقونه بمجرد عملهم بل هو عطاء من الله عز وجل، (حسابا) أي كافياً عطاء يكفيهم ويغنيهم ويحصل لهم به الرضا.
وقوله عز وجل: (رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا (37) يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا (38) ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا (39) إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا ).
(لا يملكون منه خطاباً): أي لا يملك الخلق مخاطبة الله عز وجل يوم القيامة إلا بإذنه كما يرد ذلك قريبا.
(يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا): القيام الوقوف وهو حالة الاستعداد للعمل وهو من أحوال، وأما الروح فقد اختلف السلف رحمهم الله في المراد به على أقوال متعددة منهم من قال انه جبريل عليه السلام لما جاء في قوله تعالى ( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) ومنهم من قال المراد به القرآن الكريم لقوله عز وجل (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) ومنهم من قال انه ملك من أعظم الملائكة ومنهم من قال إنهم بنو آدم وغير ذلك من الأقوال التي رويت عن السلف، وقد اختار الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله أن الروح خلق خلقه الله عز وجل، وجائز أن يكون بعض هذه الأشياء التي ذكرت، والله أعلم، والصحيح من كلام أهل العلم أن الروح هذا خلق خلقه الله عز وجل ولا يدرى ما المراد به على التعيين، لكن لا يوجد دليل عن النبي يصار إليه، والمعنى يوم يصفُّ الروح والملائكة قياماً لله تعالى وتعظيماً له عز وجل واستعدادا لامتثال أمره كما أنهم أيضاً لا يستطيعون التكلم إلا من أذن له الله عز وجل وتكلم بحق.
(ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ): هذه الآية استئناف ابتدائي للوصول إلى مقصد السورة الذي سيق الكلام كله في السورة من أجله، هذه الآية فيها وصول إلى هذا المقصد وهو الإنذار والتبشير والإشارة في ذلك الكلام إلى يوم القيام وهو يوم القيامة ووصفه بالحق بمعنى الكائن الثابت الذي لا محالة في وقوعه، ويجوز أن يكون وصف بالحق لأن الحق يكون فيه من الفصل بين الخلق والقضاء بينهم ولا تعارض بين المعنيين فهو يوم حق ثابت لا محالة وهو أيضاً يوم يبين فيه الحق ويفصل فيه بين الخلق.
(فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآَبًا): الاتخاذ مبالغة في الأخذ والاتخاذ الاكتساب والجعل، والمآب مكان الأوبة وهي الرجوع، ومعنى الآية ليكتسب من الأعمال الصالحة ما يكون سبيلاً لأن يكون له به مكان عند ربه يوم القيامة.
(إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ): الإنذار أصله في اللغة تخويف من مكروه والمعنى خوفناكم عذاباً قريباً وقوعه، وجعل العذاب قريباً مما يكون على ظاهره يعني أن العذاب قريب وأن يوم القيامة قريب يكون على الظاهر وهذا القرب قرب نسبي بمعنى قصر أجل الإنسان وعمره لأن من مات فقد قامت قيامته، ويمكن أن يكون القرب هنا مستعار لمعنى تحقق وقوعه فكأنه لتحقق وقوعه أنه قريب وإن كان بعيدا، ولهذا قيل في المثل كل آت قريب حتى ولو كان بعيداً، إذاً فالقرب هنا إما أن يكون قرباً على ظاهره وذلك باعتبار قصر أجل الإنسان، أو يكون مستعار لمعنى تحقق وقوعه وتأكده.
(وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا): أي يتمنى أن يكون في ذلك اليوم تراباً لا يحس ولا يدرك وهذا من شدة التلهف والتندم على ما سيكون وعلى ما سيقع عليه في ذلك اليوم.
الفوائد والأحكام المستنبطة من هذه الآيات الكريمة:
1- قوله عز وجل (عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) من الحيرة والاضطراب الذي وقع فيه المشركون، ووجه ذلك أن الله تعالى أخبر عن سؤال المشركين عن النبأ العظيم بصيغة يتساءلون، وهذه الصيغة من صيغ التفاعل وصيغة التفاعل تقتضي مشاركة بين أشخاص فكل واحد منهم يسأل الآخر، وهذا دلالة على كثرة حديثهم عن هذا النبأ وأن هذا الموضوع قد شغلهم.
2. ورد في السورة الكريمة ذكر عدد من مظاهر قدرة الله عز وجل في الأنفس والآفاق التي تدل على إحكام الخلق وإتقانه، وهذه الآيات التي ذكرها الله تتضمن أيضاً نعمه عز وجل على البشر، وأول هذه الآيات والنعم خلق الأرض وجعلها ممهدة ومهيأة للإنسان، وهذا التمهيد يشمل أمرين: الأول أنه عز وجل جعلها صالحة لمعاش الناس، فهيأها بظروفها وأحوالها ومناخاتها أن تكون صالحة لمعاشهم ولم يزل البشر إلى اليوم لم يكتشفوا كوكباً يستطيعون العيش فيه، ومن التمهيد أنه ذللها ووطأها وسخر ما فيها لينتفع الناس به، كل ما في هذه الأرض مذلل ومسخر لانتفاع البشر وإلى هذا المعنى يشير قوله عز وجل (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا).
3. أيضاً من الأدلة ومظاهر النعم التي ذُكرت في السورة الكريمة خلق الجبال أوتاداً لتثبت الأرض ولا تضطرب ولا تميد، ومن ذلك أيضاً جعل البشر من زوجين اثنين يحصل بهما التكاثر والامتداد.
4. نعمة النوم التي ينقطع فيها البدن عن العمل، ولولا ذلك لم يستطع الإنسان القاء حياً وذلك أن فترة النوم تعيد للجسد نشاطه وتجدد خلاياه وطاقته، ولهذا جعل الله عز وجل النوم أحد الآيات الدالة على إلوهيته.
5. أيضاً من مظاهر قدرته عز وجل خلق السموات السبع الشداد، وهذه الشمس التي تضئ لنا الحياة، وتأملوا كيف تكون حياة البشر لو لم توجد هذه الشمس المضيئة، هذا فضلاً عن منافعها الأخرى المتعلقة بحياة الإنسان والحيوان والنبات، أيضاً إنزال المطر من السماء الذي تحيا به الأرض وبه يحيا بنو آدم.
3- من فوائد الآيات ما فيها من ذكر عذاب أهل النار ونعيم أهل الجنة وقد بدأت السورة بذكر عذاب أهل النار، وهذا هو المناسب للسياق لأن السياق سياق تهديد ووعيد لأولئك الكفار وقد يرد على الإنسان حينما يسمع عن هذا العذاب أن يسأل لماذا كان عذابهم على هذا النحو العظيم المفظع؟.
أشار عز وجل إلى سببين، أولاً أنهم كانوا لا يخافون الله تعالى ولا يخشون لقاءه ولا الحساب على أعمالهم(إنهم كانوا لايرجون حساباً)، والسبب الثاني تكذيبهم لآيات الله مع وضوح تلك الأدلة وقوتها، ولهذا أشار تعالى إلى أن هذا العذاب جزاء موافق لعملهم في الدنيا، فالله تعالى وهو غفور رحيم واسع المغفرة لكنه أيضاً الملك الذي يغضب من عبيده إن هم عصوه وخالفوا أمره وهذا من تمام الملك والعزة والسلطان ولهذا أبانت الآيات عن جزائه لأعدائه وثوابه لأوليائه.
4- لما أخبر سبحانه وتعالى عن النار وأنها ترصد الطاغين أخبر أنهم يمكثون فيها أحقابا أي زمناً طويلاً، قال بعضهم أن الحقب ثمانين سنة، ولهذا ذهب بعض من يقول بفناء النار خلافاً لقول عامة أهل السنة والجماعة ذهبوا للاستدلال بهذه الآية على قولين على أن النار وأهلها يفنون قال إنهم يلبثون هذه الأحقاب ثم بعد ذلك تفنى النار ويفنى أهلها، وهذا الاستدلال ضعيف وذلك أن الله عز وجل قال (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا) فذكر أحقاباً ولم يقل حقباً واحداً، يشهد لهذا قوله تعالى في الآية التي قبلها (إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآَبًا) فجعل جهنم مآباً يرجعون إليه، ومما يشهد لهذا أيضاً قوله في الآية (فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا) فهم لا يزادون في هذه النار إلا عذاباً وإذا جاز أن تفنى النار ومن فيها فإنهم بهذا لا يزادون عذاباً.
5. وفي قوله تعالى (وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَابًا) دلالة بالغه على شدة الإحصاء على العبد في عمله، فكل عمل يعمله الإنسان محصى عليه ثم مدون في كتاب يحفظ.
6- دل قوله عز وجل: (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا لَا يَتَكَلَّمُونَ) على عظم ذلك اليوم الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين، ذلك اليوم الذي ترى فيه المقربين من الملائكة لا يستطيع أحدهم النطق إلا بشرطين: أن يأذن الله وإذا أذن له لا يتكلم بما شاء بل لا بد أن يتكلم بالحق.
7. تلفت الآيات الكريمة في قوله تعالى (إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا) إلى أن عذاب الآخرة قريب وقوعه وحصوله، ذلك أن الناس سيغفلون عن الآخرة حتى وإن صدقوا بها ولكن تعرض لهم الصوارف والشواغل، ومما يعين الإنسان على ذلك تذكر شدة العذاب الذي ينتظر الكافر في ذلك اليوم، وزيارة القبور.

---------------------------------------------------------

و العذر منكم على الأطالة فإنه من المهم استيفاء التلخيص و شموليته للحد الأدنى من الغة و المعاني و الفوائد

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir