دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > القراءة المنظمة في التفسير وعلوم القرآن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:18 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الفرقان

سورة الفرقان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الفرقان
قوله تعالى: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا} [الفرقان: 24].
هذه الآية الكريمة تدلّ على انقضاء الحساب في نصف نهارٍ؛ لأنّ المقيل: القيلولة أو مكانها، وهي الاستراحة نصف النّهار في الحرّ.
وممّن قال بانقضاء الحساب في نصف نهارٍ: ابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ وعكرمة وابن جبيرٍ؛ لدلالة هذه الآية على ذلك، كما نقله عنهم ابن كثيرٍ وغيره.
وفي تفسير الجلالين ما نصّه: (وأخذ من ذلك انقضاء الحساب في نصف نهارٍ، كما ورد في حديثٍ)، انتهى منه.

مع أنّه تعالى ذكر أنّ مقدار يوم القيامة خمسون ألف سنةٍ في قوله تعالى: {في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنةٍ} [المعارج: 4].
والظّاهر في الجواب: أن يوم القيامة يطول على الكفّار ويقصر على المؤمنين.

ويشير لهذا قوله تعالى بعد هذا بقليلٍ: {الملك يومئذٍ الحقّ للرّحمن وكان يومًا على الكافرين عسيرًا} [الفرقان: 26]، فتخصيصه عسر ذلك اليوم بالكافرين يدلّ على أنّ المؤمنين ليسوا كذلك.

وقوله تعالى: {فذلك يومئذٍ يومٌ عسيرٌ على الكافرين غير يسيرٍ} [المدثر: 9 - 10]، يدلّ بمفهومه أيضًا على أنّه يسيرٌ على المؤمنين غير عسيرٍ، كما دلّ عليه قوله تعالى: {مهطعين إلى الدّاع يقول الكافرون هذا يومٌ عسرٌ} [القمر: 8].

وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أنبأنا ابن وهبٍ، أنبأنا عمرو بن الحارث، أنّ سعيدًا الصّوّاف حدّثه أنّه بلغه أنّ يوم القيامة يقصر على المؤمنين حتّى يكون كما بين العصر إلى غروب الشّمس، وأنّهم يتقلّبون في رياض الجنّة حتّى يفرغ من النّاس، وذلك قوله: {أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًّا وأحسن مقيلًا}. ونقله عنه ابن كثيرٍ في تفسيره.

ومن المعلوم أنّ السّرور يقصر به الزّمن، والكروب والهموم سببٌ لطوله، كما قال أبو سفيان بن الحارث يرثي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم:

أرقت فبات ليلي لا يزول ... وليل أخي المصيبة فيه طول
وقال الآخر:
فقصارهنّ مع الهموم طويلةٌ ... وطوالهنّ مع السّرور قصار
ولقد أجاد من قال:
ليلي وليلى نفى نومي اختلافهما ... في الطّول والطّول، طوبى لي لو اعتدلا

يجود بالطّول ليلي كلّما بخلت ... بالطّول ليلى وإن جادت به بخلا
ومثل هذا كثيرٌ في كلام العرب جدًّا.

وأمّا على قول من فسّر المقيل بأنّه المأوى والمنزل -كقتادة رحمه الله- فلا تعارض بين الآيتين أصلًا؛ لأنّ المعنى على هذا القول: أصحاب الجنّة يومئذٍ خيرٌ مستقرًا وأحسن مأوًى ومنزلًا. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {أولئك يجزون الغرفة بما صبروا} الآية [الفرقان: 75].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّهم يجزون غرفةً واحدةً. وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على خلاف ذلك، كقوله تعالى: {لهم غرفٌ من فوقها غرفٌ مبنيّةٌ} [الزمر: 20]، وكقوله تعالى: {وهم في الغرفات آمنون} [سبأ: 37].
والجواب: أنّ الغرفة هنا بمعنى الغرف، كما تقدّم مستوفًى بشواهده في الكلام على قوله تعالى: {ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ} الآية [البقرة: 29].
وقيل: إنّ المراد بالغرفة: الدّرجة العليا في الجنّة. وعليه فلا إشكال.

وقيل: الغرفة الجنّة، سمّيت غرفةً لارتفاعها). [دفع إيهام الاضطراب: 239-241]


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الشّعراء

سورة الشّعراء
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الشّعراء
قوله تعالى:{ كذّبت قوم نوحٍ المرسلين} [الشعراء: 105].
هذه الآية تدلّ على أنّ قوم نوحٍ كذّبوا جماعةً من المرسلين، بدليل صيغة الجمع في قوله: {المرسلين}، ثمّ بيّن ذلك بما يدلّ على خلاف ذلك، وأنّهم إنّما كذّبوا رسولًا واحدًا وهو نوحٌ عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام، بقوله: {إذ قال لهم أخوهم نوحٌ ألا تتّقون} إلى قوله: {قال ربّ إنّ قومي كذّبون} [الشعراء: 105 - 117].
والجواب عن هذا: أنّ الرّسل عليهم صلوات الله وسلامه، لمّا كانت دعوتهم واحدةً وهي: لا إله إلّا الله، صار مكذّب واحدٍ منهم مكذّبًا لجميعهم، كما يدلّ لذلك قوله تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلّا نوحي إليه أنّه لا إله إلّا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقوله: {ولقد بعثنا في كلّ أمّةٍ رسولًا} الآية [النحل: 36]. وقد بيّن تعالى أنّ مكذّب بعضهم مكذّبٌ للجميع بقوله: {ويقولون نؤمن ببعضٍ ونكفر ببعضٍ ويريدون أن يتّخذوا بين ذلك سبيلًا أولئك هم الكافرون حقًّا} [النساء: 150 - 151].
ويأتي مثل هذا الإشكال، والجواب في قوله: {كذّبت عادٌ المرسلين إذ قال لهم أخوهم هودٌ} إلى آخره [الشعراء: 123 - 124]، وقوله: {كذّبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالحٌ} [الشعراء: 141 - 142].
وكذلك في قصّة لوطٍ وشعيبٍ، على الجميع وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام). [دفع إيهام الاضطراب: 242]


رد مع اقتباس
  #28  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة النّمل

سورة النّمل
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة النّمل
قوله تعالى إخبارًا عن بلقيس: {وإنّي مرسلةٌ إليهم بهديّةٍ فناظرةٌ بم يرجع المرسلون} [النمل: 35].
يدلّ على تعدّد رسلها إلى سليمان.

وقوله: {فلمّا جاء سليمان} [النمل: 36] بإفراد فاعل «جاء»، وقوله تعالى إخبارًا عن سليمان أنّه قال: {ارجع إليهم فلنأتينّهم بجنودٍ} الآية [النمل: 37] يدلّ على أنّ الرّسول واحدٌ.
والظّاهر في الجواب هو ما ذكره غير واحدٍ من أنّ الرّسل جماعةٌ، وعليهم رئيسٌ منهم، فالجمع نظرًا إلى الكلّ، والإفراد نظرًا إلى الرّئيسح لأنّ من معه تبعٌ له. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا ممّن يكذّب بآياتنا} الآية [النمل: 83].
هذه الآية يدلّ ظاهرها على أنّ الحشر خاصٌّ بهؤلاء الأفواج المكذّبة.

وقوله بعد هذا بقليلٍ: {وكلٌّ أتوه داخرين} [النمل: 87]، يدلّ على أنّ الحشر عامٌّ، كما صرّحت به الآيات القرآنيّة عن كثرةٍ.
والجواب عن هذا: هو ما بيّنه الألوسيّ في تفسيره من أنّ قوله: {وكلٌّ أتوه داخرين} يراد به الحشر العامّ، وقوله: {ويوم نحشر من كلّ أمّةٍ فوجًا} أي: بعد الحشر العامّ يجمع الله المكذّبين للرّسل من كلّ أمّةٍ لأجل التّوبيخ المنصوص عليه بقوله: {أكذّبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علمًا أم ماذا كنتم تعملون} [النمل: 84]، فالمراد بالفوج من كلّ أمّةٍ: الفوج المكذّب للرّسل يحشر للتّوبيخ حشرًا خاصًّا. فلا ينافي حشر الكلّ لفصل القضاء.

وهذا الوجه أحسن من تخصيص الفوج بالرّؤساء، كما ذهب إليه بعضهم.


قوله تعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدةً وهي تمرّ مرّ السّحاب} [النمل: 88].
هذه الآية تدلّ بظاهرها على أنّ الجبال يظنّها الرّائي ساكنةً، وهي تسير.

وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على أنّ الجبال راسيةٌ، والرّاسي هو الثّابت في محلٍّ، كقوله تعالى: {والجبال أرساها} [النازعات: 32]، وقوله: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} [النحل: 15]، وقوله: {والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي} [الحجر: 19]، وقوله: {وجعلنا فيها رواسي شامخاتٍ} [المرسلات: 27].

ووجه الجمع ظاهرٌ، وهو أنّ قوله: {أرساها} ونحوه، يعني: في الدّنيا، وقوله: {وهي تمرّ مرّ السّحاب} يعني: في الآخرة، بدليل قوله: {ويوم ينفخ في الصّور ففزع من في السّماوات} [النمل: 87] ثمّ عطف على ذلك قوله: {وترى الجبال} الآية.
وممّا يدلّ على ذلك: النّصوص القرآنيّة على أنّ سير الجبال في يوم القيامة، كقوله تعالى: {ويوم نسيّر الجبال وترى الأرض بارزةً} [الكهف: 47]، وقوله: {وسيّرت الجبال فكانت سرابًا} [النبأ: 20] ). [دفع إيهام الاضطراب: 243-245]


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة القصص

سورة القصص
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القصص
قوله تعالى: {وقالت امرأة فرعون قرّة عينٍ لي ولك لا تقتلوه} الآية [القصص: 9].
الخطاب في قوله: {ولك} يدلّ على أنّ المخاطب واحدٌ. وفي قوله: {لا تقتلوه} يدلّ على أنّه جماعةٌ.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ صيغة الجمع للتّعظيم.
الثّاني: أنّها تعني فرعون وأعوانه الّذين همّوا معه بقتل موسى. فأفردت الضّمير في قولها: {ولك} لأنّ كونه: «قرّة عينٍ» في زعمها يختصّ بفرعون دونهم، وجمعته في قولها: {لا تقتلوه}، لأنّهم شركاء معه في الهمّ بقتله.
الثّالث: أنّها لمّا استعطفت فرعون على موسى التفتت إلى المأمورين بقتل الصّبيان قائلةً لهم: {لا تقتلوه}، معلّلةً ذلك بقولها: {عسى أن ينفعنا أو نتّخذه ولدًا}.


قوله تعالى: {قال لأهله امكثوا} الآية [القصص: 29].
أهله زوجته؛ بدليل قوله: {وسار بأهله}؛ لأنّ المعروف أنّه سار من عند شعيبٍ بزوجته ابنة شعيبٍ أو غير شعيبٍ على القول بذلك.

وقوله: {امكثوا} خطاب جماعة الذّكور، فما وجه خطاب المرأة بخطاب الذّكور.
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ الإنسان يخاطب المرأة بخطاب الجماعة، تعظيمًا لها، ونظيره قول الشّاعر:
فإن شئت حرّمت النّساء سواكم.. وإن شئت لم أطعم نقاخًا ولا بردًا
الثّاني: أنّ معها خادمًا، والعرب ربّما خاطبت الاثنين خطاب الجماعة.
الثّالث: أنّه كان له مع زوجته ولدان له، اسم الأكبر منهما: جيرشوم، واسم الأصغر: اليعازر.
والجواب الأوّل ظاهرٌ، والثّاني والثّالث محتملان؛ لأنّهما من الإسرائيليّات. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {إنّك لا تهدي من أحببت} [القصص: 56].
قد قدّمنا أنّ وجه الجمع بينه وبين قوله تعالى: {وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ} [الشورى: 52] أنّ الهدى المنفيّ عنه صلّى الله عليه وسلّم هو منح التّوفيق، والهدى المثبت له هو إبانة الطّريق). [دفع إيهام الاضطراب: 246-247]


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:20 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة العنكبوت

سورة العنكبوت
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة العنكبوت
قوله تعالى: {وما هم بحاملين من خطاياهم من شيءٍ} الآية [العنكبوت: 12].
لا يعارضه قوله تعالى: {وليحملنّ أثقالهم وأثقالًا مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]، كما تقدّم بيانه مستوفًى في سورة «النّحل».

فأثقالهم: أوزار ضلالهم، والأثقال الّتي معها: أوزار إضلالهم، ولا ينقص ذلك شيئًا من أوزار أتباعهم الضّالّين.


قوله تعالى: {وجعلنا في ذرّيّته النّبوّة والكتاب} [العنكبوت: 27].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ النّبوّة والكتاب في خصوص ذرّيّة إبراهيم، وقد ذكر في سورة «الحديد» ما يدلّ على اشتراك نوحٍ معه في ذلك في قوله: {ولقد أرسلنا نوحًا وإبراهيم وجعلنا في ذرّيّتهما النّبوّة والكتاب} [الحديد: 26].
والجواب: أنّ وجه الاقتصار على إبراهيم أنّ جميع الرّسل بعده من ذرّيّته، وذكر نوحٌ معه لأمرين:
أحدهما: أنّ كلّ من كان من ذرّيّة إبراهيم فهو من ذرّيّة نوحٍ.
والثّاني: أنّ بعض الأنبياء من ذرّيّة نوحٍ، ولم يكن من ذرّيّة إبراهيم، كهودٍ وصالحٍ ولوطٍ ويونس -على خلافٍ فيه- ولا ينافي ذلك الاقتصار على إبراهيم؛ لأنّ المراد من كان بعد إبراهيم لا من كان قبله أو في عصره، كلوطٍ، عليهما وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام). [دفع إيهام الاضطراب: 248-249]


رد مع اقتباس
  #31  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الرّوم

سورة الرّوم
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الرّوم
قوله تعالى: {فأقم وجهك للدّين حنيفًا} الآية [الروم: 30].
هذا خطابٌ خاصٌّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وقد قال تعالى بعده: {منيبين إليه واتّقوه} [الروم: 31]، فقوله: {منيبين إليه} حالٌ من ضمير الفاعل المستتر في قوله: {فأقم وجهك} الواقع على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فتقرير المعنى: فأقم وجهك يا نبيّ الله صلّى الله عليه وسلّم في حال كونكم منيبين إليه، وقد تقرّر عند علماء العربيّة: أنّ الحال إن لم تكن سببيّةً لا بدّ أن تكون مطابقةً لصاحبها إفرادًا وتثنيةً وجمعًا وتذكيرًا وتأنيثًا، فما وجه الجمع بين هذه الحال وصاحبها؟ فالحال جمعٌ وصاحبها مفردٌ.

والجواب: أنّ الخطاب الخاصّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يعمّ حكمه جميع الأمّة، فالأمّة تدخل تحت خطابه صلّى الله عليه وسلّم، فتكون الحال من الجميع الدّاخل تحت خطابه صلّى الله عليه وسلّم.
ونظير هذه الآية -في دخول الأمّة تحت الخطاب الخاصّ به صلّى الله عليه وسلّم- قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء} الآية [الطلاق: 1]. فقوله: {طلّقتم النّساء} بعد {يا أيّها النّبيّ} دليلٌ على دخول الأمّة تحت لفظ «النّبيّ».

وقوله: {يا أيّها النّبيّ لم تحرّم} [التحريم: 1]، ثمّ قال: {قد فرض الله لكم تحلّة أيمانكم} وقوله: {يا أيّها النّبيّ اتّق الله} [الأحزاب: 1] ثمّ قال: {إنّ الله كان بما تعملون خبيرًا}الآية.
وقوله: {فلمّا قضى زيدٌ منها وطرًا زوّجناكها} [الأحزاب: 37]، ثمّ قال: {لكي لا يكون على المؤمنين حرجٌ} الآية.
وقوله: {وما تكون في شأنٍ} [يونس: 61]، ثمّ قال: {ولا تعملون من عملٍ}.
ودخول الأمّة في الخطاب الخاصّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم هو مذهب الجمهور، وعليه مالكٌ وأبو حنيفة وأحمد رحمهم الله تعالى، خلافًا للشّافعيّ رحمه الله). [دفع إيهام الاضطراب: 250-251]


رد مع اقتباس
  #32  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة لقمان

سورة لقمان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة لقمان
قوله تعالى: {وصاحبهما في الدّنيا معروفًا} [لقمان: 15].
هذه الآية الكريمة تدلّ على الأمر ببرّ الوالدين الكافرين، وقد جاءت آيةٌ أخرى يفهم منها خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {لا تجد قومًا يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله} [المجادلة: 22]، ثمّ نصّ على دخول الآباء في هذا بقوله: {ولو كانوا آباءهم}، والّذي يظهر لي -والله تعالى أعلم- أنّه لا معارضة بين الآيتين.
ووجه الجمع بينهما: أنّ المصاحبة بالمعروف أعمّ من الموادّة؛ لأنّ الإنسان يمكنه إسداء المعروف لمن يودّه ومن لا يودّه، والنّهي عن الأخصّ لا يستلزم النّهي عن الأعمّ، فكأنّ الله حذّر من المودّة المشعرة بالمحبّة، والموالاة بالباطن لجميع الكفّار، يدخل في ذلك الآباء وغيرهم، وأمر الإنسان بأن لا يفعل لوالديه إلّا المعروف، وفعل المعروف لا يستلزم المودّة؛ لأنّ المودّة من أفعال القلوب لا من أفعال الجوارح.
وممّا يدلّ لذلك: إذنه صلّى الله عليه وسلّم لأسماء بنت أبي بكرٍ الصّدّيق أن تصل أمّها وهي كافرةٌ، وقال بعض العلماء: إنّ قصّتها سببٌ لنزول قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الّذين لم يقاتلوكم في الدّين} الآية [الممتحنة: 8].


قوله تعالى: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم واخشوا يومًا لا يجزي والدٌ عن ولده} الآية [لقمان: 33].
هذه الآية تدلّ بظاهرها على أنّ يوم القيامة لا ينفع فيه والدٌ ولده، وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ على رفع درجات الأولاد بسبب صلاح آبائهم حتّى يكونوا في درجة الآباء، مع أنّ عملهم -أي: الأولاد- لم يبلّغهم تلك الدّرجة، إقرارًا لعيون الآباء بوجود الأبناء معهم في منازلهم من الجنّة وذلك نفعٌ لهم، وهي قوله تعالى: {والّذين آمنوا واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ ألحقنا بهم ذرّيّتهم وما ألتناهم من عملهم من شيءٍ} الآية [الطور: 21].
ووجه الجمع أشير إليه بالقيد الّذي في هذه الآية، وهو قوله تعالى: {واتّبعتهم ذرّيّتهم بإيمانٍ}، وعيّن فيها النّفع بأنّ إلحاقهم بهم في درجاتهم يقيّد الإيمان، فهي أخصّ من الآية الأخرى، والأخصّ لا يعارض الأعمّ.

وعلى قول من فسّر الآية بأنّ معنى قوله: {لا يجزي والدٌ عن ولده} لا يقضي عنه حقًّا لزمه، ولا يدفع عنه عذابًا حقّ عليه، فلا إشكال في الآية.
وسيأتي لهذا زيادة إيضاحٍ في سورة «النّجم» في الكلام على: {وأن ليس للإنسان إلّا ما سعى}، إن شاء الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 252-253]


رد مع اقتباس
  #33  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:21 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة السّجدة

سورة السّجدة
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة السّجدة
قوله تعالى: {قل يتوفّاكم ملك الموت الّذي وكّل بكم} الآية [السجدة: 11].
أسند في هذه الآية الكريمة التّوفّي إلى ملكٍ واحدٍ. وأسنده في آياتٍ أخر إلى جماعة الملائكة، كقوله: {إنّ الّذين توفّاهم الملائكة} [النساء: 97]، وقوله: {توفته رسلنا وهم لا يفرطون} [الأنعام: 61]، وقوله: {ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} الآية [الأنفال: 50]، وقوله: {ولو ترى إذ الظّالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم} الآية [الأنعام: 93].

وأسنده في آيةٍ أخرى إلى نفسه جلّ وعلا، وهي قوله تعالى: {الله يتوفّى الأنفس حين موتها} الآية [الزمر: 42].
والجواب عن هذا ظاهرٌ، وهو أنّ إسناده التّوفّي إلى نفسه لأنّ ملك الموت لا يقدر أن يقبض روح أحدٍ إلّا بإذنه ومشيئته تعالى: {وما كان لنفسٍ أن تموت إلّا بإذن الله كتابًا مؤجّلًا} [آل عمران: 145]. وأسنده لملك الموت لأنّه هو المأمور بقبض الأرواح. وأسنده للملائكة لأنّ ملك الموت له أعوانٌ من الملائكة تحت رئاسته، يفعلون بأمره وينزعون الرّوح إلى الحلقوم، فيأخذها ملك الموت. والعلم عند الله تعالى).[دفع إيهام الاضطراب: 254]


رد مع اقتباس
  #34  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:22 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الأحزاب

سورة الأحزاب
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الأحزاب
قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ} [الأحزاب: 1].
لا منافاة بينه وبين قوله في آخر الآية: {إنّ الله كان بما تعملون خبيرًا} بصيغة الجمع؛ لدخول الأمّة تحت الخطاب الخاصّ بالنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّه قدوتهم كما تقدّم بيانه مستوفًى في سورة «الرّوم».


قوله تعالى: {ما جعل الله لرجلٍ من قلبين في جوفه} [الأحزاب: 4].
هذه الآية الكريمة تدلّ بفحوى خطابها أنّه لم يجعل لامرأةٍ من قلبين في جوفها.
وقد جاءت آيةٌ أخرى يوهم ظاهرها خلاف ذلك، وهي قوله تعالى في حفصة وعائشة: {إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما} الآية [التحريم: 4]، فقد جمع القلوب لهاتين المرأتين.
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما: أنّ المثنّى إذا أضيف إليه شيئان هما جزآه، جاز في ذلك المضاف -الّذي هو شيئان- الجمع والتّثنية والإفراد، وأفصحها الجمع فالإفراد فالتّثنية على الأصحّ، سواءٌ كانت الإضافة لفظًا أو معنًى.
فاللّفظ مثاله: شويت رءوس الكبشين، أو رأسهما أو رأسيهما.
والمعنى: قطّعت الكبشين رءوسًا وقطّعت منهما الرّءوس، فإن فرّق المثنّى [المضاف إليه] فالمختار [في المضاف] الإفراد، نحو: {على لسان داود وعيسى ابن مريم} [المائدة: 78].

وإن كان الاثنان المضافان منفصلين عن المثنّى المضاف إليه -أي: كانا غير جزأيه- فالقياس الجمع وفاقًا للفرّاء، وفي الحديث: ((ما أخرجكما من بيوتكما)) ((إذ أويتما إلى مضاجعكما))، و: ((هذه فلانة وفلانة يسألانك عن إنفاقهما على أزواجهما ألهما فيه أجرٌ))، و: ((لقي عليًّا وحمزة فضرباه بأسيافهما)).
واعلم أنّ الضّمائر الرّاجعة إلى هذا المضاف يجوز فيها الجمع نظرًا إلى اللّفظ، والتّثنية نظرًا إلى المعنى.

فمن الأوّل قوله:

خليليّ لا تهلك نفوسكما أسًا ... فإنّ لها فيما دهيت به أسًا
ومن الثّاني قوله:
قلوبكما يغشاهما الأمن عادةً ... إذا منكما الأبطال يغشاهم الذّعر
الثّاني: هو ما ذهب إليه مالك بن أنسٍ رحمه الله تعالى من أنّ أقلّ الجمع اثنان. ونظيره قوله تعالى: {فإن كان له إخوةٌ} [النساء: 11] أي أخوان فصاعدًا.


قوله تعالى: {وأزواجه أمّهاتهم} [الأحزاب: 6].
هذه الآية الكريمة تدلّ بدلالة الالتزام على أنّه صلّى الله عليه وسلّم أبٌ لهم؛ لأنّ أمومة أزواجه لهم تستلزم أبوّته صلّى الله عليه وسلّم لهم.
وهذا المدلول عليه بدلالة الالتزام مصرّحٌ به في قراءة أبيّ بن كعبٍ رضي الله عنه لأنّه يقرؤها: (وأزواجه أمّهاتهم وهو أبٌ لهم). وهذه القراءة مرويّةٌ أيضًا عن ابن عبّاسٍ.
وقد جاءت آيةٌ أخرى تصرّح بخلاف هذا المدلول عليه بدلالة الالتزام والقراءة الشّاذّة، وهي قوله تعالى: {ما كان محمّدٌ أبا أحدٍ من رجالكم} الآية [الأحزاب: 7].
والجواب ظاهرٌ، وهو: أنّ الأبوّة المثبتة دينيّةٌ، والأبوّة المنفيّة طينيّةٌ.

وبهذا يرتفع الإشكال في قوله: {وأزواجه أمّهاتهم} مع قوله: {وإذا سألتموهنّ متاعًا فاسألوهنّ من وراء حجابٍ}، إذ يقال: كيف يلزم الإنسان أن يسأل أمّه من وراء حجابٍ؟
والجواب ما ذكرناه الآن، فهنّ أمّهاتٌ في الحرمة والاحترام، والتّوقير والإكرام، لا في الخلوة بهنّ ولا في حرمة بناتهنّ، ونحو ذلك. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {يا أيّها النّبيّ إنّا أحللنا لك أزواجك} الآية [الأحزاب: 50].
يظهر تعارضه مع قوله: {لا يحلّ لك النّساء من بعد} الآية [الأحزاب: 52].
والجواب: أنّ قوله: {لا يحلّ لك النّساء}، منسوخٌ بقوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك}، وقد قدّمنا في سورة «البقرة» أنّه أحد الموضعين اللّذين في المصحف ناسخهما قبل منسوخهما، لتقدّمه في ترتيب المصحف مع تأخّره في النّزول، على القول بذلك.
وقيل: الآية النّاسخة لها هي قوله تعالى: {ترجي من تشاء منهنّ} الآية [الأحزاب: 51].
وقال بعض العلماء: هي محكمةٌ. وعليه، فالمعنى: لا يحلّ لك النّساء من بعد، أي: من بعد النّساء الّتي أحلّهنّ الله لك في قوله: {إنّا أحللنا لك أزواجك} الآية، فتكون آية: {لا يحلّ لك النّساء} محرّمةٌ ما لم يدخل في آية: {إنّا أحللنا لك أزواجك}، كالكتابيّات، والمشركات، والبدويّات -على القول بذلك فيهنّ-، وبنات العمّ والعمّات، وبنات الخال والخالات، اللّاتي لم يهاجرن معه -على القول فيهنّ أيضًا-.
والقول بعدم النّسخ قال به: أبيّ بن كعبٍ، ومجاهدٌ في روايةٍ عنه، وعكرمة والضّحّاك في روايةٍ، وأبو رزينٍ في روايةٍ عنه، وأبو صالحٍ، والحسن، وقتادة في روايةٍ، والسّدّيّ، وغيرهم، كما نقله عنهم ابن كثيرٍ وغيره. واختار عدم النّسخ ابن جريرٍ وأبو حيّان.
والّذي يظهر لنا أنّ القول بالنّسخ أرجح، وليس المرجّح لذلك عندنا أنّه قول جماعةٍ من الصّحابة ومن بعدهم -منهم: عليٌّ وابن عبّاسٍ وأنسٌ وغيرهم-، ولكنّ المرجّح له عندنا أنّه قول أعلم النّاس بالمسألة، أعني أزواجه صلّى الله عليه وسلّم؛ لأنّ حلّيّة غيرهنّ من الضّرّات وعدمها لا يوجد من هو أشدّ اهتمامًا بها منهنّ، فهنّ صواحبات القصّة.
وقد تقرّر في علم الأصول أنّ صاحب القصّة يقدّم على غيره، ولذلك قدّم العلماء رواية ميمونة وأبي رافعٍ: أنّه صلّى الله عليه وسلّم تزوّجها وهو حلالٌ، على رواية ابن عبّاسٍ المتّفق عليها: أنّه تزوّجها محرمًا؛ لأنّ ميمونة صاحبة القصّة وأبا رافعٍ سفيرٌ فيها.
فإذا علمت ذلك، فاعلم أنّ ممّن قال بالنّسخ: أمّ المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: ما مات صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحلّ الله له النّساء، وأمّ المؤمنين أمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: لم يمت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حتّى أحلّ الله له أن يتزوّج من النّساء ما شاء إلّا ذات محرمٍ.
أمّا عائشة فقد روى عنها ذلك الإمام أحمد والتّرمذيّ وصحّحه والنّسائيّ في سننيهما، والحاكم وصحّحه، وأبو داود في ناسخه، وابن المنذر، وغيرهم.
وأمّا أمّ سلمة فقد رواه عنها ابن أبي حاتمٍ، كما نقله عنه ابن كثيرٍ وغيره.

ويشهد لذلك ما رواه جماعةٌ عن عبد الله بن شدّادٍ رضي الله عنه: أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم تزوّج أمّ حبيبة وجويرية رضي الله عنهما بعد نزول: {لا يحلّ لك النّساء}.
قال الألوسيّ في تفسيره: إنّ ذلك أخرجه عنه ابن أبي شيبة وعبد بن حميدٍ وابن أبي حاتمٍ. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 255-260]


رد مع اقتباس
  #35  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة سبأٍ

سورة سبأٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة سبأٍ
قوله تعالى: {وهل نجازي إلّا الكفور} [سبأ: 17].
هذه الآية الكريمة على كلتا القراءتين -قراءة ضمّ الياء مع فتح الزّاي مبنيًّا للمفعول، مع رفع «الكفور» على أنّه نائب الفاعل، وقراءة «نجازي» بضمّ النّون وكسر الزّاي مبنيًّا للفاعل مع نصب «الكفور» على أنّه مفعولٌ به- تدلّ على خصوص الجزاء بالمبالغين في الكفر.
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على عموم الجزاء، كقوله: {فمن يعمل مثقال ذرّةٍ} الآية [الزلزلة: 7].
والجواب عن هذا من ثلاثة أوجهٍ:
الأوّل: أنّ المعنى: ما نجازي هذا الجزاء الشّديد المستأصل إلّا المبالغ في الكفران.
الثّاني: أنّ ما يفعل بغير الكافر من الجزاء ليس عقابًا في الحقيقة؛ لأنّه تطهيرٌ وتمحيصٌ.
الثّالث: أنّه لا يجازى بجميع الأعمال مع المناقشة التّامّة إلّا الكافر. ويدلّ لهذا قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((من نوقش الحساب فقد هلك))، وأنّه لمّا سألته عائشة رضي الله عنها عن قوله تعالى: {فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا وينقلب إلى أهله مسرورًا} [الانشقاق: 8 - 9]، قال لها: ((ذلك العرض))، وبيّن لها أنّ من نوقش الحساب، لا بدّ أن يهلك.


قوله تعالى: {قل ما سألتكم من أجرٍ فهو لكم إن أجري إلّا على الله} الآية [سبأ: 47].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لا يسأل أمّته أجرًا على تبليغ ما جاءهم به من خير الدّنيا والآخرة.

ونظيرها قوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ وما أنا من المتكلّفين} [ص: 86]، وقوله تعالى: {أم تسألهم أجرًا فهم من مغرمٍ مثقلون} في سورة «الطّور» و«القلم»، وقوله تعالى: {قل ما أسألكم عليه من أجرٍ إلّا من شاء أن يتّخذ إلى ربّه سبيلًا} [الفرقان: 57]، وقوله: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إن هو إلّا ذكرى للعالمين} [الآنعام: 90].
وعدم طلب الأجرة على التّبليغ هو شأن الرّسل كلّهم عليهم صلوات الله وسلامه، كما قال تعالى: {اتّبعوا المرسلين اتّبعوا من لا يسألكم أجرًا} [يس: 20 - 21].

وقال تعالى في سورة «الشّعراء»: {وما أسألكم عليه من أجرٍ إن أجري إلّا على ربّ العالمين} في قصّة نوحٍ وهودٍ وصالحٍ ولوطٍ وشعيبٍ عليهم وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام.
وقال في سورة «هودٍ» عن نوحٍ: {ويا قوم لا أسألكم عليه مالًا إن أجري إلّا على الله وما أنا بطارد الّذين آمنوا} الآية [هود: 29].
وقال فيها أيضًا عن هودٍ: {يا قوم لا أسألكم عليه أجرًا إن أجري إلّا على الّذي فطرني} [هود: 51]الآية.

وقد جاء في آيةٍ أخرى ما يوهم خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى} [الشورى: 23].
اعلم أوّلًا: أنّ في قوله تعالى: {إلّا المودّة في القربى} أربعة أقوالٍ:
الأوّل: -ورواه الشّعبيّ وغيره عن ابن عبّاسٍ، وبه قال مجاهدٌ وقتادة وعكرمة وأبو مالكٍ والسّدّيّ والضّحّاك وابن زيدٍ وغيرهم، كما نقله عنهم ابن جريرٍ وغيره- أنّ معنى الآية: {قل لا أسألكم عليه أجرًا إلّا المودّة في القربى} أي: إلّا أن تودّوني في قرابتي الّتي بيني وبينكم، فتكفّوا عنّي أذاكم وتمنعوني من أذى النّاس، كما تمنعون كلّ من بينكم وبينه مثل قرابتي منكم.
وكان صلّى الله عليه وسلّم له في كلّ بطنٍ من قريشٍ رحمٌ، فهذا الّذي سألهم ليس بأجرٍ على التّبليغ؛ لأنّه مبذولٌ لكلّ أحدٍ؛ لأنّ كلّ أحدٍ يودّه أهل قرابته وينتصرون له من أذى النّاس، وقد فعل له ذلك أبو طالبٍ، ولم يكن أجرًا على التّبليغ؛ لأنّه لم يؤمن، وإذا كان لا يسأل أجرًا إلّا هذا الّذي ليس بأجرٍ، تحقّق أنّه لا يسأل أجرًا، كقول النّابغة:
ولا عيب فيهم غير أنّ سيوفهم ... بهنّ فلولٌ من قراع الكتائب
ومثل هذا يسمّيه البلاغيّون: تأكيد المدح بما يشبه الذّمّ.

وهذا القول هو الصّحيح في الآية، واختاره ابن جريرٍ. وعليه فلا إشكال.
الثّاني: أنّ معنى الآية: {إلّا المودّة في القربى} أي: لا تؤذوا قرابتي وعترتي واحفظوني فيهم.

ويروى هذا القول عن سعيد بن جبيرٍ وعمرو بن شعيبٍ وعليّ بن الحسين. وعليه فلا إشكال أيضًا؛ لأنّ الموادّة بين المسلمين واجبةٌ فيما بينهم، وأحرى قرابةٍ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعضٍ} [التوبة: 71].
وفي الحديث: ((مثل المؤمنين في تراحمهم وتوادّهم كالجسد الواحد، إذا أصيب منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسّهر والحمّى))، وقال صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يؤمن أحدكم حتّى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه))، والأحاديث في مثل هذا كثيرةٌ جدا. وإذا كان نفس الدّين يوجب هذا بين المسلمين تبيّن أنّه غير عوضٍ عن التّبليغ.
وقال بعض العلماء: الاستثناء منقطعٌ على كلا القولين. وعليه فلا إشكال.
فمعناه على القول الأوّل: لا أسألكم عليه أجرًا، لكن أذكّركم قرابتي فيكم.
وعلى الثّاني: لكن أذكّركم الله في قرابتي فاحفظوني فيهم.
القول الثّالث: وبه قال الحسن: {إلّا المودّة في القربى} أي: إلّا أن تتودّدوا إلى الله وتتقرّبوا إليه بالطّاعة والعمل الصّالح. وعليه فلا إشكال؛ لأنّ التّقرّب إلى الله ليس أجرًا على التّبليغ.
القول الرّابع: {إلّا المودّة في القربى} أي: إلّا أن تتودّدوا إلى قراباتكم وتصلوا أرحامكم. ذكر ابن جريرٍ هذا القول عن عبد الله بن قاسمٍ.
وعليه أيضًا فلا إشكال؛ لأنّ صلة الإنسان رحمه ليست أجرًا على التّبلي.

فقد علمت الصّحيح في تفسير الآية، وظهر لك رفع الإشكال على جميع الأقوال.
وأمّا القول بأنّ قوله تعالى: {إلّا المودّة في القربى}، منسوخٌ بقوله تعالى: {قل ما سألتكم من أجرٍ فهو لكم} فهو ضعيفٌ.

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 261-265]


رد مع اقتباس
  #36  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة فاطرٍ

سورة فاطرٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة فاطرٍ
قوله تعالى: {وما يعمّر من معمّرٍ ولا ينقص من عمره إلّا في كتابٍ} [فاطر: 11].
الضّمير في قوله: {عمره} يظهر رجوعه إلى المعمّر، فيشكل معنى الآية؛ لأنّ المعمّر والمنقوص من عمره ضدّان، فيظهر تنافي الضّمير ومفسّره.
والجواب: أنّ المراد بالمعمّر هنا: جنس المعمّر الّذي هو مطلق الشّخص، فيصدق بالّذي لم ينقص من عمره، وبالّذي نقص من عمره، فصار المعنى: لا يزاد في عمر شخصٍ ولا ينقص من عمر شخصٍ إلّا في كتابٍ.
وهذه المسألة هي المعروفة عند علماء العربيّة بمسألة: عندي درهمٌ ونصفه، أي نصف درهمٍ آخر.
قال ابن كثيرٍ في تفسيره: الضّمير عائدٌ على الجنس لا على العين؛ لأنّ طويل العمر في الكتاب وفي علم الله لا ينقص من عمره، وإنّما عاد الضّمير على الجنس. انتهى منه.


قوله تعالى: {ومكر السّيّئ} [فاطر: 43].
يدلّ على أنّ المكر هنا شيءٌ غير السّيّئ أضيف إلى السّيّئ؛ للزوم المغايرة بين المضاف والمضاف إليه.
وقوله تعالى: {ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله} [فاطر 43] يدلّ على أنّ المراد بالمكر هنا هو السّيّئ بعينه لا شيء آخر، فالتّنافي بين التّركيب الإضافيّ والتّركيب التّقييديّ ظاهرٌ.
والّذي يظهر -والله تعالى أعلم- أنّ التّحقيق جواز إضافة الشّيء إلى نفسه إذا اختلفت الألفاظ؛ لأنّ المغايرة بين الألفاظ ربّما كفت في المغايرة بين المضاف والمضاف إليه، كما جزم به ابن جريرٍ في تفسيره في غير هذا الموضع.
ويشير إليه ابن مالكٍ في الخلاصة بقوله:
وإن يكونا مفردين فأضف ... حتمًا وإلّا أتبع الّذي ردف
وأمّا قوله:
ولا يضاف اسمٌ لما به اتّحد ... معنًى وأوّل موهمًا إذا ورد
فالّذي يظهر فيه بعد البحث أنّه لا حاجة إلى تأويله مع كثرته في القرءان واللّغة العربيّة، فالظّاهر أنّه أسلوبٌ من أساليب العربيّة؛ بدليل كثرة وروده، كقوله هنا: {ومكر السّيّئ}، والمكر هو السّيّئ، بدليل قوله: {ولا يحيق المكر السّيّئ} الآية، وكقوله: {والدّار الآخرة} [الأعراف: 169]، والدّار هي الآخرة. وكقوله: {شهر رمضان} [البقرة: 185]، والشّهر هو رمضان، على التّحقيق. وكقوله: {من حبل الوريد} [ق: 16]، والحبل هو الوريد.
ونظيره من كلام العرب قول عنترة في معلّقته:
ومشكّ سابغةٍ هتكت فروجها ... بالسّيف عن حامي الحقيقة معلم
فأصل المشكّ -بالكسر- السّير الّذي تشدّ به الدّرع، ولكنّ عنترة هنا أراد به نفس الدّرع وأضافه إليها، كما هو واضحٌ من كلامه؛ لأنّ الحكم بهتك الفروج واقعٌ على الدّرع لا على السّير الّذي تشدّ به، كما جزم به بعض المحقّقين، وهو ظاهرٌ، خلافًا لظاهر كلام صاحب تاج العروس، فإنّه أورد بيّت عنترة شاهدًا لأنّ المشكّ السّير الّذي تشدّ به الدّرع. بل المشكّ في بيت عنترة هذا -على التّحقيق- هو الدرع السّابغة، وأضيف إليها على ما ذكرنا.

وقول امرئ القيس:

كبكر المقاناة البياض بصفرةٍ ... غذاها نمير الماء غير المحلّل
فالبكر هي المقاناة، على التّحقيق.

وأمّا على ما ذهب إليه ابن مالكٍ فالجواب تأويل المضاف بأنّ المراد به مسمّى المضاف إليه). [دفع إيهام الاضطراب: 266-268]


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:23 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة يس

سورة يس
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة يس
قوله تعالى: {إنّما تنذر من اتّبع الذّكر وخشي الرّحمن} الآية [يس: 11].
ظاهرها خصوص الإنذار بالمنتفعين به، ونظيرها قوله تعالى: {إنّما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45].
وقد جاءت آياتٌ أخر تدلّ على عموم الإنذار، كقوله: {وتنذر به قومًا لدًّا} [مريم: 97]، وقوله: {ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1]، وقوله: {فأنذرتكم نارًا تلظّى} [الليل: 14].
وقد قدّمنا وجه الجمع بأنّ الإنذار في الحقيقة عامٌّ، وإنّما خصّ في بعض الآيات بالمؤمنين لبيان أنّهم هم المنتفعون به دون غيرهم، كما قال تعالى: {وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين} [الذاريات: 55].
وبيّن أنّ الإنذار وعدمه سواءٌ بالنّسبة إلى إيمان الأشقياء، بقوله: {سواءٌ عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} [البقرة: 6] ). [دفع إيهام الاضطراب: 269]


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الصّافّات

سورة الصّافّات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الصّافّات
قوله تعالى: {فنبذناه بالعراء وهو سقيمٌ} [الصافات: 145].
هذه الآية الكريمة فيها التّصريح بنبذ يونس بالعراء، عليه وعلى نبيّنا الصّلاة والسّلام.

وقد جاءت آيةٌ أخرى يتوهّم منها خلاف ذلك، وهي قوله: {لولا أن تداركه نعمةٌ من ربّه لنبذ بالعراء} الآية [القلم: 49].
والجواب: أنّ الامتناع المدلول عليه بحرف الامتناع -الّذي هو: «لولا»- منصبٌّ على الجملة الحاليّة لا على جواب «لولا».
وتقرير المعنى: لولا أن تداركه نعمةٌ من ربّه لنبذ بالعراء في حال كونه مذمومًا، لكنّه تداركته نعمة ربّه، فنبذ بالعراء غير مذمومٍ. فهذه الحال عمدةٌ لا فضلةٌ. أو أنّ المراد بالفضلة: ما ليس ركنًا في الإسناد، وإن توقّفت صحّة المعنى عليه.

ونظيرها قوله تعالى: {وما خلقنا السّماوات والأرض وما بينهما لاعبين} [الدخان: 38]، وقوله: {وما خلقنا السّماء والأرض وما بينهما باطلًا} الآية [ص: 27]؛ لأنّ النّفي فيهما منصبٌّ على الحال لا على ما قبلهما). [دفع إيهام الاضطراب: 270]


رد مع اقتباس
  #39  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:24 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة ص

سورة ص
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة ص
قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم} الآية [ص: 21].
هذه الآية تدلّ بظاهرها على أنّ الخصم مفردٌ، ولكنّ الضّمائر بعده تدلّ على خلاف ذلك.
والجواب: أنّ الخصم في الأصل مصدر خصمه، والعرب إذا نعتت بالمصدر أفردته وذكّرته.
وعليه، فالخصم يراد به الجماعة والواحد والاثنان، ويجوز جمعه وتثنيته؛ لتناسي أصله الّذي هو المصدر، وتنزيله منزلة الوصف). [دفع إيهام الاضطراب: 271]


رد مع اقتباس
  #40  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الزّمر

سورة الزّمر
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الزّمر
قوله تعالى: {والّذي جاء بالصّدق} [الزمر: 33].
ظاهرٌ في الإفراد.
وقوله: {أولئك هم المتّقون} [الزمر: 33]، يدلّ على خلاف ذلك.

وقد قدّمنا وجه الجمع محرّرًا بشواهده في سورة «البقرة» في الكلام على قوله تعالى: {مثلهم كمثل الّذي استوقد نارًا} الآية [البقرة: 17].


قوله تعالى: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} الآية [الزمر: 53].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أمرين:
الأوّل: أنّ المسرفين ليس لهم أن يقنطوا من رحمة الله. مع أنّه جاءت آيةٌ تدلّ على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار} [غافر: 43].
والجواب: أنّ الإسراف يكون بالكفر، ويكون بارتكاب المعاصي دون الكفر، فآية: {وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار} [غافر: 43] في الإسراف الّذي هو كفرٌ، وآية: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا على أنفسهم} في الإسراف بالمعاصي دون الكفر.

ويجاب أيضًا بأنّ آية: {وأنّ المسرفين هم أصحاب النّار} فيما إذا لم يتوبوا، وأنّ قوله: {قل يا عبادي الّذين أسرفوا} فيما إذا تابوا.
والأمر الثّاني: أنّها دلّت على غفران جميع الذّنوب.

مع أنّه دلّت آياتٌ أخر على أنّ من الذّنوب ما لا يغفر، وهو الشّرك بالله تعالى.
والجواب: أنّ آية: {إنّ الله لا يغفر أن يشرك به} [النساء: 48]، مخصّصةٌ لهذه.

وقال بعض العلماء: هذه مقيّدةٌ بالتّوبة؛ بدليل قوله تعالى: {وأنيبوا إلى ربّكم}[الزمر: 54]، فإنّه عطف على قوله: {لا تقنطوا}، وعليه فلا إشكال. وهو اختيار ابن كثيرٍ). [دفع إيهام الاضطراب: 272-273]


رد مع اقتباس
  #41  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة غافرٍ

سورة غافرٍ
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة غافرٍ
قوله تعالى: {ويستغفرون للّذين آمنوا} [غافر: 7].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ استغفار الملائكة لأهل الأرض خاصٌّ بالمؤمنين منهم.

وقد جاءت آيةٌ أخرى يدلّ ظاهرها على خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {ويستغفرون لمن في الأرض} الآية [الشورى: 5].
والجواب: أنّ آية «غافرٍ» مخصّصةٌ لآية «الشّورى»، والمعنى: ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين؛ لوجوب تخصيص العامّ بالخاصّ.


قوله تعالى: {وإن يك صادقًا يصبكم بعض الّذي يعدكم} [غافر: 28].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن في هذه الآية من توهّم المنافاة بين الشّرط والجزاء في البعض؛ لأنّ المناسب لاشتراط الصّدق هو أن يصيبهم جميع الّذي يعدهم لا بعضه، مع أنّه تعالى لم يقل: وإن يك صادقًا يصبكم كلّ الّذي يعدكم.

وأجيب عن هذا بأجوبةٍ، من أقربها -عندي-: أنّ المراد بالبعض الّذي يصيبهم هو البعض العاجل الّذي هو عذاب الدّنيا؛ لأنّهم أشدّ خوفًا من العذاب العاجل، ولأنّهم أقرب إلى التّصديق بعذاب الدّنيا منهم بعذاب الآخرة.
ومنها: أنّ المعنى: إن يك صادقًا فلا أقلّ من أنّ يصيبكم بعض الّذي يعدكم.

وعلى هذا، فالنّكتة المبالغة في التّحذير؛ لأنّه إذا حذّرهم من إصابة البعض، أفاد أنّه مهلكٌ مخوّفٌ، فما بال الكلّ؟

وفيه إظهارٌ لكمال الإنصاف وعدم التّعصّب، ولذا قدّم احتمال كونه كاذبًا.
ومنها: أنّ لفظة «البعض» يراد بها الكلّ.

وعليه، فمعنى: {بعض الّذي يعدكم}: كلّ الّذي يعدكم.

ومن شواهد هذا في اللّغة العربيّة قول الشّاعر:

إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها ... دون الشّيوخ ترى في بعضها خللًا
يعني: ترى فيها خللًا.
وقول القطاميّ:
قد يدرك المتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجل الزّلل
يعني: قد يدرك المتأنّي حاجته.
وأمّا استدلال أبي عبيدة لهذا بقول لبيدٍ:
ترّاك أمكنةٍ إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النّفوس حمامها
فغلطٌ منه؛ لأنّ مراد لبيدٍ بـ«بعض النّفوس» نفسه، كما بيّنته في رحلتي في الكلام على قوله: {ولو أنّ قرآنًا سيّرت به الجبال} الآية [الرعد: 31] ). [دفع إيهام الاضطراب: 274-275]


رد مع اقتباس
  #42  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:25 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة فصّلت

سورة فصّلت
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة فصّلت
قوله تعالى: {قل أئنّكم لتكفرون بالّذي خلق الأرض} إلى قوله: {ثمّ استوى إلى السّماء} [فصلت: 9-11].
تقدّم وجه الجمع بينه وبين قوله: {والأرض بعد ذلك دحاها} [النازعات: 30] في الكلام على قوله تعالى: {هو الّذي خلق لكم ما في الأرض جميعًا ثمّ استوى إلى السّماء} الآية [البقرة: 29].


قوله تعالى: {فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين} [فصلت: 11].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من منافاة هذه الحال وصاحبها؛ لأنّها جمعٌ مذكّرٌ عاقلٌ، وصاحبها ضمير تثنيةٍ لغيرٍ عاقلٍ، ولو طابقت صاحبها في التّثنية حسب ما يسبق إلى الذّهن، لقال: أتينا طائعتين.
والجواب عن هذا من وجهين:
أحدهما -وهو الأظهر عندي-: أنّ جمعه للسّماوات والأرض، لأنّ السّماوات سبعٌ والأرضين كذلك، بدليل قوله: {ومن الأرض مثلهنّ} [الطلاق: 12]، فالتّثنية لفظيّةٌ تحتها أربعة عشر فردًا.
وأمّا إتيان الجمع على صيغة جمع العقلاء؛ فلأنّ العادة في اللّغة العربيّة أنّه إذا وصف غير العاقل بصفةٍ تختصّ بالعاقل أجري عليه حكمه. ومنه قوله تعالى: {إنّي رأيت أحد عشر كوكبًا والشّمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} [يوسف: 4]، لمّا كان السّجود في الظّاهر من خواصّ العقلاء أجري حكمهم على الشّمس والقمر والكواكب لوصفها به.

ونظيره قوله تعالى: {قالوا نعبد أصنامًا فنظلّ لها عاكفين قال هل يسمعونكم إذ تدعون أو ينفعونكم أو يضرّون} [الشعراء: 71 - 73]، فأجرى على الأصنام حكم العقلاء؛ لتنزيل الكفّار لها منزلتهم.

ومن هذا المعنى قول قيس بن الملوّح:

أسرب القطّا هل من يعير جناحه ... .. .. ... .....
فإنّه لمّا طلب الإعارة من القطّا، وهي من خواصّ العقلاء، أجرى على القطّا اللّفظ المختصّ بالعقلاء لذلك.

ووجه تذكير الجمع: أنّ السّماوات والأرض تأنيثها غير حقيقيٍّ.
الوجه الثّاني: أنّ المعنى: {قالتا أتينا طائعين} فيكون فيه تغليب العاقل على غيره. والأوّل أظهر عندي. والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 276-277]


رد مع اقتباس
  #43  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الشّورى

سورة الشّورى
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الشّورى
قوله تعالى: {وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذّلّ ينظرون من طرفٍ خفيٍّ} الآية [الشورى: 45].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ الكفّار يوم القيامة ينظرون بعيونٍ خفيّةٍ ضعيفة النّظر.

وقد جاءت آيةٌ أخرى يتوهّم منها خلاف ذلك، وهي قوله تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديدٌ} [ق: 22].
والجواب: هو ما ذكره صاحب الإتقان، من أنّ المراد بحدّة البصر: العلم وقوّة المعرفة.

قال قطربٌ: {فبصرك} أي: علمك ومعرفتك بها قويّةٌ، من قولهم: بصر بكذا، أي علم، وليس المراد رؤية العين.

قال الفارسيّ: ويدلّ على ذلك قوله: {فكشفنا عنك غطاءك} [ق: 22].
وقال بعض العلماء: {فبصرك اليوم حديدٌ} أي: تدرك به ما عميت عنه في دار الدّنيا. ويدلّ لهذا قوله تعالى: {ربّنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا} الآية [السجدة: 12]، وقوله: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها} الآية [الكهف: 53]، وقوله: {أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظّالمون اليوم في ضلالٍ مبينٍ} [مريم: 38].
ودلالة القرءان على هذا الوجه الأخير ظاهرةٌ، فلعلّه هو الأرجح، وإن اقتصر صاحب الإتقان على الأوّل). [دفع إيهام الاضطراب: 278-279]


رد مع اقتباس
  #44  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:26 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الزّخرف

سورة الزّخرف
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الزّخرف
قوله تعالى: {قالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم} [الزخرف: 20].
كلامهم هذا حقٌّ؛ لأنّ كفرهم بمشيئة الله الكونيّة.

وقد صرّح الله بأنّهم كاذبون، حيث قال: {ما لهم بذلك من علمٍ إن هم إلّا يخرصون} [الزخرف: 20].
وقد قدّمنا الجواب واضحًا في سورة الأنعام " في الكلام على قوله: {سيقول الّذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا} الآية [الأنعام: 148].


قوله تعالى: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ وفي الأرض إلهٌ} [الزخرف: 84].
هذا العطف مع التّنكير في هذه الآية يتوهّم الجاهل منه تعدّد الآلهة، مع أنّ الآيات القرآنيّة مصرّحةٌ بأنّه واحدٌ، كقوله: {فاعلم أنّه لا إله إلّا الله} [محمد: 19]، وقوله: {وما من إلهٍ إلّا إلهٌ واحدٌ} الآية [المائدة: 73].
والجواب: أنّ معنى الآية: أنّه تعالى هو معبود أهل السّماوات والأرض. فقوله: {وهو الّذي في السّماء إلهٌ} أي: معبودٌ وحده في السّماء، كما أنّه المعبود بالحقّ في الأرض، سبحانه وتعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 280]


رد مع اقتباس
  #45  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الدّخان

سورة الدّخان
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الدّخان
قوله تعالى: {ثمّ صبّوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنّك أنت العزيز الكريم} [الدخان: 48-49].
هذه الآية الكريمة يتوهّم من ظاهرها ثبوت العزّة والكرم لأهل النّار، مع أنّ الآيات القرآنيّة مصرّحةٌ بخلاف ذلك، كقوله: {سيدخلون جهنّم داخرين} [غافر: 60]، أي: صاغرين أذلّاء، وكقوله: {ولهم عذابٌ مهينٌ} [آل عمران: 178]، وكقوله هنا: {خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم}[الدخان: 47].
والجواب: أنّها نزلت في أبي جهلٍ لمّا قال: أيوعدني محمّدٌ صلّى الله عليه وسلّم وليس بين جبليها أعزّ ولا أكرم منّي؟! فلمّا عذّبه الله بكفره قال له: {ذق إنّك أنت العزيز الكريم} في زعمك الكاذب، بل أنت المهان الخسيس الحقير.

فهذا التّقريع نوعٌ من أنواع العذاب). [دفع إيهام الاضطراب: 281]


رد مع اقتباس
  #46  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الجاثية

سورة الجاثية
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الجاثية
قوله تعالى: {وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا} [الجاثية: 34].
لا يعارض قوله تعالى: {لا يضلّ ربّي ولا ينسى} [طه: 52]، ولا قوله: {وما كان ربّك نسيًّا} [مريم: 64].
وقد قدّمنا الجواب واضحًا في سورة «الأعراف» ). [دفع إيهام الاضطراب: 282]


رد مع اقتباس
  #47  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:27 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الأحقاف

سورة الأحقاف
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الأحقاف
قوله تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم} الآية [الأحقاف: 9].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّه صلّى الله عليه وسلّم لا يعلم مصير أمره، وقد جاءت آيةٌ أخرى تدلّ أنّه عالمٌ بأنّ مصيره إلى الخير، وهي قوله تعالى: {ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر} [الفتح: 2]، فأن قوله: {وما تأخر} تنصيصٌ على حسن العاقبة والخاتمة.
والجواب ظاهرٌ، وهو أنّ الله تعالى علّمه ذلك بعد أن كان لا يعلمه. ويستأنس له بقوله تعالى: {وعلّمك ما لم تكن تعلم} الآية [النساء: 113]، وقوله: {ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورًا} الآية [الشورى: 52]، وقوله: {ووجدك ضالًّا فهدى} [الضحى: 7]، وقوله: {وما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب إلّا رحمةً من ربّك} الآية [القصص: 86].
وهذا الجواب هو معنى قول ابن عبّاسٍ -وهو مراد عكرمة والحسن وقتادة- بأنّها منسوخةٌ بقوله: {ليغفر لك الله ما تقدّم} الآية [الفتح: 2].
ويدلّ له: أنّ «الأحقاف» مكّيّةٌ، وسورة «الفتح» نزلت عام ستٍّ في رجوعه صلّى الله عليه وسلّم من الحديبية.
وأجاب بعض العلماء بأنّ المراد: ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في الدّنيا من الحوادث والوقائع. وعليه فلا إشكال. والعلم عند الله تعالى.


قوله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ} [الأحقاف: 31].
هذه الآية يفهم من ظاهرها أنّ جزاء المطيع من الجنّ غفران ذنوبه، وإجارته من عذابٍ أليمٍ، لا دخوله الجنّة.
وقد تمسّك جماعةٌ من العلماء -منهم الإمام أبو حنيفة رحمه الله تعالى- بظاهر هذه الآية فقالوا: إنّ المؤمنين المطيعين من الجنّ لا يدخلون الجنّة، مع أنّه جاء في آيةٍ أخرى ما يدلّ على أنّ مؤمنيهم في الجنّة، وهي قوله تعالى: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان} [الرحمن: 46]؛ لأنّه تعالى بيّن شموله للجنّ والإنس بقوله: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} [الرحمن: 47].

ويستأنس لهذا بقوله تعالى: {لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ} [الرحمن: 56]؛ لأنّه يشير إلى أنّ في الجنّة جنًّا يطمثون النّساء كالإنس.
والجواب عن هذا: أنّ آية «الأحقاف» نصّ فيها على الغفران والإجارة من العذاب، ولم يتعرّض فيها لدخول الجنّة بنفيٍ ولا إثباتٍ، وآية «الرّحمن» نصّ فيها على دخولهم الجنّة؛ لأنّه تعالى قال فيها: {ولمن خاف مقام ربّه}.
وقد تقرّر في الأصول: أنّ الموصولات من صيغ العموم، فقوله: {لمن خاف} يعمّ كلّ خائفٍ مقام ربّه.

ثمّ صرّح بشمول ذلك للجنّ والإنس معًا بقوله: {فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان}، فبيّن أنّ الوعد بالجنّتين لمن خاف مقام ربّه من آلائه، أي: نعمه على الإنس والجنّ.

فلا تعارض بين الآيتين؛ لأنّ إحداهما بيّنت ما لم تتعرّض له الأخرى.

ولو سلّمنا أنّ قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذابٍ أليمٍ} يفهم منه عدم دخولهم الجنّة؛ فإنّه إنّما يدلّ عليه بالمفهوم.
وقوله: {ولمن خاف مقام ربّه جنّتان فبأيّ آلاء ربّكما تكذّبان} يدلّ على دخولهم الجنّة بعموم المنطوق، والمنطوق مقدّمٌ على المفهوم، كما تقرّر في الأصول.
ولا يخفى أنّا إذا أردنا تحقيق هذا المفهوم المدّعى، وجدناه معدومًا من أصله؛ للإجماع على أنّ قسمة المفهوم ثنائيّةٌ: إمّا أن يكون مفهوم موافقةٍ، أو مخالفةٍ، ولا ثالث.

ولا يدخل هذا المفهوم المدّعى في شيءٍ من أقسام المفهومين.

أمّا عدم دخوله في مفهوم الموافقة بقسميه، فواضحٌ.

وأمّا عدم دخوله في شيءٍ من أنواع مفهوم المخالفة؛ فلأن عدم دخوله في مفهوم الحصر أو العلّة أو الغاية أو العدد أو الصّفة أو الظّرف واضحٌ.
فلم يبق من أنواع مفهوم المخالفة يتوهّم دخوله فيه إلّا مفهوم الشّرط أو اللّقب، وليس داخلًا في واحدٍ منهما؛ فظهر عدم دخوله فيه أصلًا.
أمّا وجه توهّم دخوله في مفهوم الشّرط؛ فلأنّ قوله: {يغفر لكم من ذنوبكم} فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بكونه جزاء الطّلب، وجمهور علماء العربيّة على أنّ الفعل إذا كان كذلك فهو مجزومٌ بشرطٍ مقدّرٍ لا بالجملة قبله، كما قيل به.
وعلى الصّحيح -الّذي هو مذهب الجمهور- فتقرير المعنى: أجيبوا داعي الله وآمنوا به، إن تفعلوا ذلك يغفر لكم. فيتوهّم في الآية مفهوم هذا الشّرط المقدّر.
والجواب عن هذا: أنّ مفهوم الشّرط عند القائل به، إنّما هو في فعل الشّرط لا في جزائه، وهو معتبرٌ هنا في فعل الشّرط على عادته، فمفهوم: إن تجيبوا داعي الله وتؤمنوا به يغفر لكم، أنّهم إن لم يجيبوا داعي الله ولم يؤمنوا به لم يغفر لهم. وهو كذلك.

أمّا جزاء الشّرط فلا مفهوم له؛ لاحتمال أن تترتّب على الشّرط الواحد مشروطاتٌ كثيرةٌ، فيذكر بعضها جزاءً له، فلا يدلّ على نفي غيره. كما لو قلت لشخصٍ مثلًا: إن تسرق يجب عليك غرم ما سرقت، فهذا الكلام حقٌّ ولا يدلّ على نفي غير الغرم كالقطع؛ لأنّ قطع اليد مرتّبٌ أيضًا على السّرقة كالغرم.

فكذلك الغفران والإجارة من العذاب ودخول الجنّة كلّها مرتّبةٌ على إجابة داعي الله والإيمان به، فذكر في الآية بعضها وسكت فيها عن بعضٍ، ثمّ بيّن في موضعٍ آخر. وهذا لا إشكال فيه.
وأمّا وجه توهّم دخوله في مفهوم اللّقب؛ فلأنّ اللّقب في اصطلاح الأصوليّين هو: ما لم يمكن انتظام الكلام العربيّ دونه، أعني المسند إليه، سواءٌ كان لقبًا أو كنيةً أو اسمًا أو اسم جنسٍ أو غير ذلك. وقد أوضحنا اللّقب غايةً في «المائدة».
والجواب عن عدم دخوله في مفهوم اللّقب: أنّ الغفران والإجارة من العذاب، المدّعى بالفرض أنّهما لقبان لجنس مصدريهما، وأنّ تخصيصهما بالذّكر يدلّ على نفي غيرهما في الآية، مسندان لا مسند إليهما؛ بدليل أنّ المصدر فيهما كامنٌ في الفعل، ولا يسند إلى الفعل إجماعًا ما لم يرد مجرّد لفظه على سبيل الحكاية.
ومفهوم اللّقب عند القائل به إنّما هو فيما إذا كان اللّقب مسندًا إليه؛ لأنّ تخصيصه بالذّكر عند القائل به يدلّ على اختصاص الحكم به دون غيره، وإلّا لما كان للتّخصيص بالذّكر فائدةٌ، كما علّلوا به مفهوم الصّفة.
وأجيب من جهة الجمهور بأنّ اللّقب ذكر ليمكن الحكم لا لتخصيصه بالحكم، إذ لا يمكن الإسناد بدون مسندٍ إليه.

وممّا يوضّح ذلك: أنّ مفهوم الصّفة الّذي حمل عليه اللّقب عند القائل به، إنّما هو في المسند إليه لا في المسند؛ لأنّ المسند إليه هو الّذي تراعى أفراده وصفاتها، فيقصد بعضها بالذّكر دون بعضٍ، فيختصّ الحكم بالمذكور.
أمّا المسند فإنّه لا يراعى فيه شيءٌ من الأفراد ولا الأوصاف أصلًا، وإنّما يراعى فيه مجرّد الماهية الّتي هي الحقيقة الذّهنيّة.
فلو حكمت مثلًا على الإنسان بأنّه حيوانٌ، فإنّ المسند إليه -الّذي هو الإنسان في هذا المثال- يقصد به جميع أفراده؛ لأنّ كلّ فردٍ منها حيوانٌ، بخلاف المسند -الّذي هو الحيوان في هذا المثال- فلا يقصد به إلّا مطلق ماهيّته وحقيقته الذّهنيّة من غير مراعاة الأفراد؛ لأنّه لو روعيت أفراده لاستلزم الحكم على الإنسان بأنّه فردٌ آخر من أفراد الحيوان، كالفرس مثلًا.
والحكم بالمباين على المباين باطلٌ إذا كان إيجابيًّا باتّفاق العقلاء.

وعامّة النّظّار على أنّ موضوع القضيّة إذا كانت غير طبيعيّةٍ يراعى فيه ما يصدق عليه عنوانها من الأفراد، باعتبار الوجود الخارجيّ إن كانت خارجيّةً، أو الذّهنيّ أن كانت حقيقيّةً.
وأمّا المحمول من حيث هو، فلا تراعى فيه الأفراد البتّة، وإنّما يراعى فيه مطلق الماهيّة.
ولو سلّمنا تسليمًا جدليًّا أنّ مثل هذه الآية يدخل في مفهوم اللّقب، فجماهير العلماء على أنّ مفهوم اللّقب لا عبرة به، وربّما كان اعتباره كفرًا؛ كما لو اعتبر معتبرٌ مفهوم اللّقب في قوله تعالى: {محمّدٌ رسول الله} [الفتح: 29] فقال: يفهم من مفهوم لقبه أنّ غير محمّدٍ صلى الله عليه وسلم لم يكن رسول الله. فهذا كفرٌ بإجماع المسلمين.
فالتّحقيق: أنّ اعتبار مفهوم اللّقب لا دليل عليه شرعًا ولا لغةً ولا عقلًا، سواءٌ كان اسم جنسٍ أو اسم عينٍ أو اسم جمعٍ، أو غير ذلك.
فقولك: جاء زيدٌ لا يفهم منه عدم مجيء عمرٍو. وقولك: رأيت أسدًا، لا يفهم منه عدم رؤيتك غير الأسد.
والقول بالفرق بين اسم الجنس فيعتبر، واسم العين فلا يعتبر، لا يظهر.

فلا عبرة بقول الصّيرفيّ وأبي بكرٍ الدّقّاق وغيرهما من الشّافعيّة، ولا بقول ابن خويز منداد وابن القصّار من المالكيّة، ولا بقول بعض الحنابلة، باعتبار مفهوم اللّقب؛ لأنّه لا دليل على اعتباره عند القائل به، إلّا أنّه يقول: لو لم يكن اللّقب مختصًّا بالحكم لما كان لتخصيصه بالذّكر فائدةٌ، كما علّل به مفهوم الصّفة لأنّ الجمهور يقولون: ذكر اللّقب ليسند إليه. وهو واضحٌ لا إشكال فيه.

وأشار صاحب مراقي السّعود إلى تعريف اللّقب بالاصطلاح الأصوليّ، وأنّه أضعف المفاهيم بقوله:

أضعفها اللّقب وهو ما أبي ... من دونه نظم الكلام العربي
وحاصل فقه هذه المسألة:

أنّ الجنّ مكلّفون على لسان نبيّنا محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم بدلالة الكتاب والسّنّة وإجماع المسلمين.

وأنّ كافرهم في النّار بإجماع المسلمين، وهو صريح قوله تعالى: {لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} [السجدة: 13]، وقوله تعالى: {فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون} [الشعراء: 94 - 95]، وقوله تعالى: {قال ادخلوا في أممٍ قد خلت من قبلكم من الجنّ والإنس في النّار} [الأعراف: 38]، إلى غير ذلك من الآيات.

وأنّ مؤمنيهم اختلف في دخولهم الجنّة، ومنشأ الخلاف: الاختلاف في فهم الآيتين المذكورتين، والظّاهر دخولهم الجنّة كما بيّنّا.

والعلم عند الله تعالى). [دفع إيهام الاضطراب: 283-290]


رد مع اقتباس
  #48  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة القتال

سورة القتال
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة القتال
قوله تعالى: {فيها أنهارٌ من ماءٍ غير آسنٍ وأنهارٌ من لبنٍ لم يتغيّر طعمه وأنهارٌ من خمرٍ لذّةٍ للشّاربين وأنهارٌ من عسلٍ مصفًّى} [محمد: 15].

هذه الآية الكريمة تدلّ على تعدّد الأنهار مع تعدّد أنواعها.
وقد جاءت آيةٌ أخرى يوهم ظاهرها أنّه نهرٌ واحدٌ، وهي قوله تعالى: {إنّ المتّقين في جنّاتٍ ونهرٍ} [القمر: 54].

وقد تقدّم الجمع واضحًا في سورة «البقرة» في الكلام على قوله تعالى: {ثمّ استوى إلى السّماء فسوّاهنّ} الآية،وبيّنّا أنّ قوله: {ونهرٍ}: يعني: وأنهارٍ). [دفع إيهام الاضطراب: 291]


رد مع اقتباس
  #49  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الفتح

سورة الفتح
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الفتح
قوله تعالى: {إنّا فتحنا لك فتحًا مبينًا ليغفر لك الله} الآية [الفتح: 1-2].
لا يخفى ما يسبق إلى الذّهن من تنافي هذه العلّة ومعلولها؛ لأنّ فتح الله لنبيّه لا يظهر كونه علّةً لغفرانه له.
والجواب عن هذا من وجهين:
الأوّل -وهو اختيار ابن جريرٍ، لدلالة الكتاب والسّنّة عليه-: أنّ المعنى: إنّ فتح الله لنبيّه يدلّ بدلالة الالتزام على شكر النّبيّ لنعمة الفتح، فيغفر الله له ما تقدّم وما تأخّر بسبب شكره بأنواع العبادة على تلك النّعمة، فكأنّ شكر النّبيّ صلى الله عليه وسلم لازمٌ لنعمة الفتح، والغفران مرتّبٌ على ذلك اللّازم.
وأمّا دلالة الكتاب على هذا: ففي قوله تعالى: {إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت النّاس يدخلون في دين الله أفواجًا * فسبّح بحمد ربّك واستغفره إنّه كان توّابًا} [النصر: 1-3].
فصرّح في هذه السّورة الكريمة بأنّ تسبيحه بحمد ربّه واستغفاره لربّه -شكرًا على نعمة الفتح- سببٌ لغفران ذنوبه؛ لأنّه رتّب تسبيحه بحمده واستغفاره بالفاء على مجيء الفتح والنّصر ترتيب المعلول على علّته، ثمّ بيّن أنّ ذلك الشّكر سبب الغفران بقوله: {إنّه كان توّابًا}.
وأمّا دلالة السّنّة: ففي قوله صلّى الله عليه وسلّم -لمّا قال له بعض أصحابه: لا تجهد نفسك بالعمل، فإنّ الله غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر-: ((أفلا أكون عبدًا شكورًا؟!))، فبيّن صلّى الله عليه وسلّم أنّ اجتهاده في العمل لشكر تلك النّعمة.

وترتّب الغفران على الاجتهاد في العمل لا خفاء به.
الوجه الثّاني: أنّ قوله: {إنّا فتحنا} يفهم منه بدلالة الالتزام الجهاد في سبيل الله؛ لأنّه السّبب الأعظم في الفتح، والجهاد سببٌ لغفران الذّنوب. فيكون المعنى: ليغفر لك الله بسبب جهادك المفهوم من ذكر الفتح.

والعلم عند الله تعالى).[دفع إيهام الاضطراب: 292-293]


رد مع اقتباس
  #50  
قديم 19 شوال 1442هـ/30-05-2021م, 06:28 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سورة الحجرات

سورة الحجرات
قال محمد الأمين بن محمد المختار بن عبد القادر الجكني الشنقيطي (ت: 1393هـ): (سورة الحجرات
قوله تعالى: {يا أيّها النّاس إنّا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى} [الحجرات: 13].
هذه الآية الكريمة تدلّ على أنّ خلق النّاس ابتداؤه من ذكرٍ وأنثى.
وقد دلّت آياتٌ أخر على خلقهم من غير ذلك، كقوله تعالى: {هو الّذي خلقكم من ترابٍ} [غافر: 67]، وقوله تعالى: {يا أيّها النّاس إن كنتم في ريبٍ من البعث فإنّا خلقناكم من ترابٍ} [الحج: 5].
والجواب واضحٌ، وهو أنّ التّراب هو الطّور الأوّل، وقد قال تعالى: {وقد خلقكم أطوارًا} [نوح: 14].
وقد بيّن الله أطوار خلق الإنسان من مبدئه إلى منتهاه بقوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} [المؤمنون: 12 - 13] إلى آخره). [دفع إيهام الاضطراب: 294]


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
دفع, كتاب


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:35 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir