دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى السادس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 3 ذو القعدة 1440هـ/5-07-2019م, 06:57 AM
شادن كردي شادن كردي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 384
Post

بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب المقاصدي – سورة الشرح
قال الله تعالى :
(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )
سورة الشرح سورة مكية ، وتسمى أيضا سورة الانشراح و(ألم نشرح) . جاءت بعد سورة الضحى التي جاءت على فترة من الوحي وقوله تعالى في ختامها: ( وأما بنعمة ربك فحدث)
ويظهر فيهما التناسب جليا حتى قيل أنهما سورة واحدة ؛ فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصل له في هذه السورة بعضا من النعم مثبتا لها مقدما المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بمغفرته .وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت وتذكير بالماضي من النعم .
(ألم نشرح لك صدرك )
الاستفهام للتقريرمبالغة في إثبات هذه النعم أي فعلنا لك ذلك :أما شرحنا لك صدرك
شرحنا : الشرح لغة :فصل أجزاء اللحم عن بعضها يقال تشريح وللقطعة شريحة
فجعل إزالة مافي النفس من ألم مثل شرح اللحم.
والمراد : أما نورناه وجعناه فسيحا رحيبا لقبول النبوة وحمل أعبائها وتلقي الوحي وحفظه.
أو يكون المراد شرح صدره ليلة الإسراء فقد شقه وغسله وملأه إيمانا وحكمة.
ولا يتنافى المعنيان الشرح المعنوي والحسي وإن كان المعنوي هو الأرجح .
والصدر :الباطن الحاوي للقلب وقيل: هو القلب .

ولننظر إلى مظهر العظمة في (نشرح )أي شرحا يليق بعظمتنا ، بعظمة رب السموات والأرض ومابينهما -جل جلاله -.

(ووضعنا عنك وزرك )
وضعنا : حططنا وأبطلنا بما لنا من العظمة
(عنك) مزيد عناية بالنبي
وزرك: الوزرالحرج أو الذنب
وأصل الوزر ما حمله الانسان على ظهره ،
ومنه سمي الوزير لأنه يحمل العبء ،
والآية بمعنى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )أي تطهيره من الذنوب أو ماسلف في الجاهلية وكراهيته ماكان عليه حالهم
وقيل :حيرته قبل البعثة .
وقيل المراد : خففنا عليك أثقال النبوة .
(الذي أنقض ظهرك )
الإنقاض :الصوت كأنه حمل له صوت يسمع.
فالمعنى أثقلك حمله حتى سمع نقيض الظهر منه
وفيها تمثيل بديع
وقيل الانقضاض :الحل والتمزق والانتشار
دلالة على عظم هذا الثقل
(ورفعنا لك ذكرك )
والرفع : جعل الشيء عاليا
ذكرك : اسمك واستخدام لفظ (ذكرك ) هنا يضفي جلالا ورفعة
أي لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
كما في الدخول في الإسلام والأذان والخطب وهو قول الجمهور
وقيل: رفعنا ذكرك بالنبوة.
وقد رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ،
ورفع ذكره في الأولين والآخرين بما عرف عنه من مكارم الأخلاق ثم بالنبوة ثم الرسالة ثم الهجرة والكرامة والظفر،
وبأخذ الميثاق له على الأنبياء و إلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله
وجعل رضاه رضا الله وطاعتك طاعة الله .
قال تعالى :(ومن يطع الله ورسوله) و (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )
(والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
وما نزل من القرآن من ثناء عليه ومخاطبته بالألفاظ العلية : الرسول ، النبي
وبأمر الناس بالصلاة والسلام عليه رفعة لذكره
فالمراد من الآية : نوهنا باسمك وذهبنا به كل مذهب ورفعناك رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق إجلالا ورفعة وتعظيما فجزاه الله عن أمته خيرا
والمناسبة في هذه الآية : أن رفع الذكر نعمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهذا من تعداد النعم على النبي فلا تكترث لأذى قريش فمن فعل لك ذلك وأعلى ذكرك سينصرك ويجبرك .
وفي الإتيان ب( لك )و(عنك) وتقديمه على المفعول في الآيات الثلاث هذه زيادة تقرير وسرعة تبشير ومزيد اهتمام بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)
يخبر تعالى تقوية لرجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهي والله بشارة عظيمة له صلى الله عليه وسلم ولأمته بأن الفرج مع الكرب وأن مع العسرالعارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر .
الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر أي إذا علمت هذا تعلم أن اليسر مصاحب للعسر
وفيها إدراك العناية الإلهية ووعد باستمرارها في كل أحواله
إن : للتأكيد والاهتمام بالخبر
العسر: المشقة في تحصيل المرغوب والعمل بالمقصود
واليسر : ضده ، سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .
(مع) الدالة على المصاحبة دلالة على قرب حصول اليسر عقب حصول العسر أو ظهور بوادره .
وقد ورد: لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا :أنه خرج يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ).
فالعسر معرف في الحالتين فهو مفرد واليسر نكرة فتعدد ،رغم معارضة البعض لهذا القول .و(يسر) هكذا بلا قيد ولاحد بكل ماتعنيه من معاني الارتياح والسهولة والفرج
وكرر(إن مع العسر يسرا) مبالغة وتبيينا للخير، مؤكدة لتحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه ،فيارب لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
جبرت قلوبنا وشرحت صدورنا وطمأنت نفوسنا ووعدتنا فأكرمتنا .
(فإذا فرغت فانصب)
ثم يقول الله تعالى ندبا للشكر وإعلاما أنه لا ينفك عن تحمل أمر الله ،آمرا نبيه الكريم أن يجعل فراغه من كل ماكان مشتغلا به من أمر دنياه وآخرته إلى النصب في عبادته ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال لعموم الشرط في ذلك وعدم ذكر متعلق فرغت وهو أولى الأقوال بالصواب كما رجح الطبري
واختار الزمخشري : فإذا فرغت من عبادة فأتبعها أخرى .
وإذا أتممت عملا فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة
وأصل الفراغ : الخلو بعد الامتلاء
(انصب ): النصب التعب والدؤوب في العمل .
وقد ورد في الآية التخصيص بأقوال أخرى :
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل
وإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء
أو إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك
وإذا فرغت من جهالة عدوك فانصب في عبادة ربك
وإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في أمر آخرتك
وإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك
وإذا صح بدنك فاجعل صحتك في العبادة .
ومناسبة الآية لما قبلها التبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي عليه وقت بعد العسر يسر وفراغ بال من الحيرة والضيق والكرب بعد إذ من الله على عبده بأن شرح صدره .وأمر له بالشكر والاستكثار من العمل الصالح والنوافل والتسبيح والاستغفار
ومما يستفاد من الآية :مشروعية الدعاء والذكرعقب الصلوات المكتوبة
وتعليق العمل بوقت الفراغ لتتعاقب الأعمال الصالحة وهذا من جوامع الكلم
وتوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته وما أحوجنا لهذا التوجيه ونحن في موسم الإجازة أن لا نكون ممن إذا فرغ تمادى في اللعب واللهو والنوم والإعراض عن ذكر ربه بل ربما وقع فيما حرم الله عليه من سماع أو نظر محرم وإنما الواجب استثمار الفراغ في العبادة شكرا لله على نعمته
(و إلى ربك فارغب )
اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزوجل متضرعا راغبا في الجنة عائذا من النار
وقيل أمر بالتوكل على الله تعالى
الواو للعطف وفيها أمر بالشكر لله وطلب استمرار النعم منه قال تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم )
وفي تقديم الجار والمجرور إفادة الاختصاص والقصر أي إلى الله وحده لا إلى غيره تكون رغبتك وتوجهك ، والرغبة : الميل والإرادة
وفي التعدية بإلى تضمين معنى الإقبال والتوجه إلى من عنده حاجتك
(ربك )المحسن إليك الذي رباك بنعمه سبحانه وبما ذكر في هذه السورة والتي قبلها خاصة وبكل النعم عامة وفيها بديع المناسبة مع الآيات بلفظ الربوبية والدلالة على عظيم الرحمة فالذي أفرغ بالك مماكان يشغلك ويضيق صدرك ووضع عنك الوزر وبشرك باليسر القريب الذي لا شك فيه والذي ابتدأ نعمه عليك سبحانه لم يكن ليقطعها عنك سبحانه بطريقة التقرير

اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المراجع :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الكريم المنان السعدي
زبدة التفسير الأشقر
التحرير والتنوير ابن عاشور
المحرر الوجيزابن عطية
زاد المسيرابن الجوزي
نظم الدرر البقاعي
التفسير البياني للقرآن الكريم بنت الشاطيء

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 ذو القعدة 1440هـ/5-07-2019م, 06:44 PM
خليل عبد الرحمن خليل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Nov 2017
المشاركات: 238
افتراضي

تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 10:09 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خليل عبد الرحمن مشاهدة المشاركة
تفسير سورة الفلق ( الأسلوب المقاصدي )
قال تعالى : ( قُل أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ ( 1 ) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ( 2 ) وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ ( 3 ) وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي العُقَدِ ( 4 ) وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ( 5 )
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله الذي هدانا لكل خير ، وحفظنا من كل شر ؛ فدلّ رسوله على ما يُحصّننا ، وأنزل عليه المعوذتين ليحفظنا من الشرور الخارجيّة والداخليّة ، موافقة لإياك نعبد وإياك نستعين ، والصلاة والسلام على خير البريّة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم أما بعد :
نزلت هذه السورة لتعليم النبي صلى الله عليه وسلم وأمته كلمات ما يتعوّبه من شر ما يُتّقى شرّه من المخلوقات الشريرة ، ومن الأوقات التي يكثر فيها حدوث الشر ، والأحوال التي تستر أفعال الشر وجميع الشرور الخارجيّة . فإنه لا نجاة من الضرر إلا بعصمته سبحانه وتعالى ، ولا كاشف للضرر بعد الإصابة إلا هو سبحانه ؛ فيفزع إليه متوكلا حق التوكل عليه ، ولا يعتمد على جلادته وتدبيره وحوله وقوته .
فكان صلى الله عليه وسلم يتعوّذ بهذه السورة وسورة الناس وسورة الإخلاص ، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان إذا أوى إلى فراشه نفث في كفَّيْه بقل هو اللّه أحد والمعوذتين جميعا، ثم يمسح بهما وجهه. وما بلغت يداه من جسده. قالت عائشة: فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك به ، وكان صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالتعوّذ بهنّ كما ورد عند الترمذي والنسائي وسنن أبي داود عن عبد اللّه بن حبيب قال: «خرجنا في ليلة مطر وظلمة، نطلب النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ليصلّي لنا، فأدركناه، فقال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. فلم أقل شيئا. ثم قال: قل. قلت: يا رسول اللّه، ما أقول؟ قال: قل: قل هو اللّه أحد والمعوذتين، حين تمسي وحين تصبح، ثلاث مرات، تكفيك من كل شيء» قال الترمذي: حديث حسن صحيح ، وهي سنّة لجميع المسلمين للتعوّذ بهنّ .
وجاء الأمر بالقول ( قل أعوذ برب الفلق ) ليقتضي المحافظة على هذه الألفاظ بعينها ، والخطاب في القرآن وإن كان للنبي صلى الله عليه وسلم فهو يشمل الأمة وأفرادها إذا لم يدلّ دليل على تخصيصه به صلى الله عليه وسلم ، قال البخاري في صحيحه : عن زرّ بن حبيش قال: «سألت أبيّ بن كعب عن المعوذتين؟ فقال: سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ فقال. قيل لي، فقلت. فنحن نقول كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم» - وهذا الحديث يبيّن أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس له في القرآن إلا البلاغ فقط - ولذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه بالتعوذ بهذه السورة كما سبق، وعوّذ بها الحسن والحسين . واستعمال صيغة المتكلم في ( أعوذ ) مأمور به لكل من يريد التعوّذ بها ، ومن أراد تعويذ غيره بها فعلى نيّة النيابة عمن لا يحسن أن يعوّذ نفسه لأي مانع .
والعوذ : اللجأ إلى شيء يقي من يلجأ إليه ما يخافه ، و( أعوذ ) أي : أستجير وألتجئ وأعتصم وأحترز . ويقال : استعاذ ، إذا سأل غيره أن يُعيذَه منه قال تعالى : ( فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ) النحل 278 .
ورب الفلق : هو الله الواحد الأحد الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به ، ولا يُستعاذ بأحد من خلقه ، هو الذي يُعِيذُ المستعيذين ويعصمهم ويمنعهم من الشر ، وقد أخبر سبحانه أن من استعاذ بغيره من خلقه ، أن استعاذته تزيده رهقًا وخوفًا فقال في سورة الجن ( وأَنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجن فزادوهم رهقًا ) آية 6 .
أما الفلق : فقد أخرج الطستي عن ابن عباس أنه فسّره بالصبح وانشد رضي الله عنه قول زهير : الفارج الهم مسد ولا عساكره *** كما يفرج غم الظلمة الفلق .
فهي فَعَل بمعنى مفعول ، لأن الليل شُبِّه بشيء مغلق ينفلق عن الصبح ، وحقيقة الفلْق : الانشقاق عن باطن شيء ، واستعير لظهور الصبح بعد ظلمة الليل . ، وخصص الفلق لأن الليل مظنّة حدوث شرور كثيرة ، من لصوص وسباع وذوات سموم ، وتعذّر سير ونجدة واستغاثة ، واشتداد آلام المرضى ، حتى ظن بعض أهل الضلالة الليلَ إله الشر .
والمعنى : أعوذ بفالق الصبح منجاةً من شرور الليل ، أن ينجيني في الليل من الشر .
( من شر ما خَلَق ) وقرأ ابن يعمر ( خُلِق ) يشمل عموم الشرِّ فهو عام لكل شر في الدنيا والآخرة ، وشر الإنس والجنّ والشياطين وشر السباع والهوام وشر النار وشر الذنوب والهوى وشر النفس وشر العمل ، وهو الأظهر ، وقيل : إبليس وذُريته قاله الحسن ، وقيل : جهنم ، حكاه الماوردي .ّ
ثم عطف على التعوّذ من عموم الشر ، أشياء خاصة مع اندراجها في العموم لزيادة مساس الحاجة إلى الاستعاذة منها لكثرة وقوع الشر فيها ومنها ، ولأن تعيين المستعَاذ منه أدلّ على الاغتناء بالاستعاذة وأدعى إلى الإعاذة . وهي ثلاثة أنواع : الأول : وقت يغلب وقوع الشرّ فيه فقال سبحانه :( ومن شرّ غاسق إذا وقب ) والثاني : صنف من الناس امتهنوا صناعة الشرّ للغير وهم السحرة والمشعوذون فقال سبحانه : ( ومن شرّ النفاثات في العقد ) . والثالث : صنف من الناس تخلّق بخُلُقٍ يبعث على إلحاق الأذى بمن قرب منه وتعلّق به وهم الحسدة . وكرر ( من شرّ ) في كل آية مع كفاية حرف العطف لتأكيد الدعاء تعرّضا للإجابة ، والإطناب في الدعاء والابتهال أنسب .
والغاسق في قوله ( من شر غاسق إذا وقب ) وصف الليل إذا اشتدت ظلمته ، ونُكِّر الوصف للجنس ، وهو في مقام الدعاء فيراد به العموم لأنه أنسب للدعاء .
وأضاف الشرّ إلى غاسق من إضافة الاسم إلى زمانه على معنى ( في ) كقوله تعالى ( بل مكر الليل والنهار ) سبأ 432 . وقيّد ذلك بقوله ( إذا وقب ) أي إذا اشتدت ظلمته ؛ لأنه ظرف يتحيّنه أصحاب الشر ومريديه ؛ ِلتَحَقُّقِ غلبة الغفلة والنوم على الناس فيه . ولذا اشتهرت مقولة : أغْدَرَ الليلُ ؛ لأنه إذا اشتدّ ظلامه كثُر الغدْر فيه . ومعنى ( وقب ) أي : دخل وتغلغل في الشي ، ومنه الوقْبَة : اسم النقرة في الصخرة يجتمع فيها الماء .
وخُصّ بالتعوذ أشد أوقات الليل توقعًا لحصول المكروه .
أما النوع الثاني من الأنواع الخاصة المتعوَّذِ منها المعطوفة على العام قوله تعالى ( ومن شرّ النَّفَّاثَات في العُقَدِ ) وجاءت ثانية بعد التعوّذ من شر الليل ؛ لأن الليل وقت يتحيّن فيه السحرة صناعة أسحارهم في جنح الظلام لئلا يطلع عليهم أحد . والنفث : نفْخٌ مع تحريك اللسان بدون إخراج ريق ، ويفعله السحرة إذا وضعوا سحرهم في شيء وعقدوا عليه عُقدًا ، فينفثون عليها . وجاء بصفة المؤنث ( النفاثات في العقد ) لأن غالب من يمتهن هذه المهنة عند العرب النساء لتفرغهنّ وتفشّي الأوهام الباطلة بينهن . أما العقد : فجمع عقدة وهي ربط في خيط أو وتر ، ويزعم السّحرة أن سحر المسحور يستمر ما دامت تلك العُقَد معقودة . وإنما جعلت الاستعاذة من النفاثات وليس من النفث نفسه ، لأن النفث لا يجلب الضرر بذاته ، وإنما يجلبه النفاثات ، كما أن الضرر يُصَار إليه بالنفث في العقد وغيره من طُرُقِ السحر ، فربما بوضعه في الطعام أو الشراب ، وغير ذلك مما يجلب الضرر للمسحور ، ولاشتهار الساحرات بالنفث استُعمِل الوصف بدلا من الموصوف . وعُرِّف باللام إشارة إلى أنهن معهودات بين العرب .
أما النوع الثالث من الأنواع الخاصة المعطوفة على العام مما يتوقّع حصول الضرر من بابها فيُتعوّذ بالله منها قوله تعالى : ( ومن شرّ حاسد إذا حسد ) قال قتادة : من شرِّ عينه ونفْسه ، والحسد : استحسان نعمة في الغير مع تمنّي زوالها عنه غيرةً لاختصاصه بها ، أو مشاركته الحاسد فيها .
وقد تطلق مجازا على الغبطة – وهي تمنّي مثل ما للغير من حال مرغوبة أو نعمة ممنوحة - كقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المتفق عليه الذي رواه ابن مسعود رضي الله عنه ( لا حسد إلا في اثنتين ، رجل آتاه الله مالا فسلّطه على هلكته في الحق ، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعَلِّمُها ) . وتقييد الاستعاذة من شر الحسد بوقت ( إذا حسد ) لأنه حينئذ يجيش الحسد في نفسه فيندفع إلى عمل الشرّ بالمحسود وإرادة الأذيّة كيف قدر؛ لأنه عدو ، قال الشاعر : كل عداوة قد تُرجى إفاقتها *** إلا عداوة من عاداك من حسدِ .

فالمقصود هو المداومة على قراءة هذه السورة مع سورتي الناس والإخلاص ، للسلامة من الشرور ، فإن سورة الفلق من قرأها فقد استعاذ بالله من الشرور الخارجية جميعها وخصوصًا ما شاع شرّه وانتشر من السحر والعين ، والأوقات المخيفة لكثرة الشرور فيها وهي أوقات الليل الموحشة . فيأمن المؤمن ويطمئن .


المراجع :
1- تفسير التحرير والتنوير .
2- تفسير ابن القيم .
3- تفسير الألوسي .
4- تفسير البقاعي .
أحسنت بارك الله فيك وسددك.
الدرجة:أ

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1440هـ/19-07-2019م, 01:22 AM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة شادن كردي مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسلوب المقاصدي – سورة الشرح
قال الله تعالى :
(ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب )
سورة الشرح سورة مكية ، وتسمى أيضا سورة الانشراح و(ألم نشرح) . جاءت بعد سورة الضحى التي جاءت على فترة من الوحي وقوله تعالى في ختامها: ( وأما بنعمة ربك فحدث)
ويظهر فيهما التناسب جليا حتى قيل أنهما سورة واحدة ؛ فلما أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم آخر الضحى بالتحديث بنعمته التي أنعمها عليه فصل له في هذه السورة بعضا من النعم مثبتا لها مقدما المنة بالشرح في صورته قبل الإعلام بمغفرته .وفيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيت وتذكير بالماضي من النعم .
(ألم نشرح لك صدرك )
الاستفهام للتقريرمبالغة في إثبات هذه النعم أي فعلنا لك ذلك :أما شرحنا لك صدرك
شرحنا : الشرح لغة :فصل أجزاء اللحم عن بعضها يقال تشريح وللقطعة شريحة
فجعل إزالة مافي النفس من ألم مثل شرح اللحم.
والمراد : أما نورناه وجعناه فسيحا رحيبا لقبول النبوة وحمل أعبائها وتلقي الوحي وحفظه.
أو يكون المراد شرح صدره ليلة الإسراء فقد شقه وغسله وملأه إيمانا وحكمة.
ولا يتنافى المعنيان الشرح المعنوي والحسي وإن كان المعنوي هو الأرجح .
والصدر :الباطن الحاوي للقلب وقيل: هو القلب .

ولننظر إلى مظهر العظمة في (نشرح )أي شرحا يليق بعظمتنا ، بعظمة رب السموات والأرض ومابينهما -جل جلاله -.

(ووضعنا عنك وزرك )
وضعنا : حططنا وأبطلنا بما لنا من العظمة
(عنك) مزيد عناية بالنبي
وزرك: الوزرالحرج أو الذنب
وأصل الوزر ما حمله الانسان على ظهره ،
ومنه سمي الوزير لأنه يحمل العبء ،
والآية بمعنى (ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر )أي تطهيره من الذنوب أو ماسلف في الجاهلية وكراهيته ماكان عليه حالهم
وقيل :حيرته قبل البعثة .
وقيل المراد : خففنا عليك أثقال النبوة .
(الذي أنقض ظهرك )
الإنقاض :الصوت كأنه حمل له صوت يسمع.
فالمعنى أثقلك حمله حتى سمع نقيض الظهر منه
وفيها تمثيل بديع
وقيل الانقضاض :الحل والتمزق والانتشار
دلالة على عظم هذا الثقل
(ورفعنا لك ذكرك )
والرفع : جعل الشيء عاليا
ذكرك : اسمك واستخدام لفظ (ذكرك ) هنا يضفي جلالا ورفعة
أي لا أذكر إلا ذكرت معي : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله
كما في الدخول في الإسلام والأذان والخطب وهو قول الجمهور
وقيل: رفعنا ذكرك بالنبوة.
وقد رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة ،
ورفع ذكره في الأولين والآخرين بما عرف عنه من مكارم الأخلاق ثم بالنبوة ثم الرسالة ثم الهجرة والكرامة والظفر،
وبأخذ الميثاق له على الأنبياء و إلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله
وجعل رضاه رضا الله وطاعتك طاعة الله .
قال تعالى :(ومن يطع الله ورسوله) و (وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول )
(والله ورسوله أحق أن يرضوه ).
وما نزل من القرآن من ثناء عليه ومخاطبته بالألفاظ العلية : الرسول ، النبي
وبأمر الناس بالصلاة والسلام عليه رفعة لذكره
فالمراد من الآية : نوهنا باسمك وذهبنا به كل مذهب ورفعناك رفعة تتلاشى عندها رفعة غيرك من الخلق إجلالا ورفعة وتعظيما فجزاه الله عن أمته خيرا
والمناسبة في هذه الآية : أن رفع الذكر نعمة على الرسول صلى الله عليه وسلم ،فهذا من تعداد النعم على النبي فلا تكترث لأذى قريش فمن فعل لك ذلك وأعلى ذكرك سينصرك ويجبرك .
وفي الإتيان ب( لك )و(عنك) وتقديمه على المفعول في الآيات الثلاث هذه زيادة تقرير وسرعة تبشير ومزيد اهتمام بالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم .
(فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا)
يخبر تعالى تقوية لرجاء النبي صلى الله عليه وسلم وهي والله بشارة عظيمة له صلى الله عليه وسلم ولأمته بأن الفرج مع الكرب وأن مع العسرالعارض لك تيسيرا عظيما يغلب العسر .
الفاء فصيحة تفصح عن كلام مقدر أي إذا علمت هذا تعلم أن اليسر مصاحب للعسر
وفيها إدراك العناية الإلهية ووعد باستمرارها في كل أحواله
إن : للتأكيد والاهتمام بالخبر
العسر: المشقة في تحصيل المرغوب والعمل بالمقصود
واليسر : ضده ، سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه .
(مع) الدالة على المصاحبة دلالة على قرب حصول اليسر عقب حصول العسر أو ظهور بوادره .
وقد ورد: لو جاء العسر فدخل هذا الجحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه فيخرجه
وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا :أنه خرج يوما مسرورا فرحا وهو يضحك ويقول : لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين (فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ).
فالعسر معرف في الحالتين فهو مفرد واليسر نكرة فتعدد ،رغم معارضة البعض لهذا القول .و(يسر) هكذا بلا قيد ولاحد بكل ماتعنيه من معاني الارتياح والسهولة والفرج
وكرر(إن مع العسر يسرا) مبالغة وتبيينا للخير، مؤكدة لتحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه ،فيارب لك الحمد ولك الشكر كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك
جبرت قلوبنا وشرحت صدورنا وطمأنت نفوسنا ووعدتنا فأكرمتنا .
(فإذا فرغت فانصب)
ثم يقول الله تعالى ندبا للشكر وإعلاما أنه لا ينفك عن تحمل أمر الله ،آمرا نبيه الكريم أن يجعل فراغه من كل ماكان مشتغلا به من أمر دنياه وآخرته إلى النصب في عبادته ولم يخصص بذلك حالا من أحوال فراغه دون حال لعموم الشرط في ذلك وعدم ذكر متعلق فرغت وهو أولى الأقوال بالصواب كما رجح الطبري
واختار الزمخشري : فإذا فرغت من عبادة فأتبعها أخرى .
وإذا أتممت عملا فأقبل على عمل آخر بحيث يعمر أوقاته كلها بالأعمال العظيمة
وأصل الفراغ : الخلو بعد الامتلاء
(انصب ): النصب التعب والدؤوب في العمل .
وقد ورد في الآية التخصيص بأقوال أخرى :
فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل
وإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء
أو إذا قمت إلى الصلاة فانصب في حاجتك
وإذا فرغت من جهالة عدوك فانصب في عبادة ربك
وإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في أمر آخرتك
وإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك
وإذا صح بدنك فاجعل صحتك في العبادة .
ومناسبة الآية لما قبلها التبشير للنبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيأتي عليه وقت بعد العسر يسر وفراغ بال من الحيرة والضيق والكرب بعد إذ من الله على عبده بأن شرح صدره .وأمر له بالشكر والاستكثار من العمل الصالح والنوافل والتسبيح والاستغفار
ومما يستفاد من الآية :مشروعية الدعاء والذكرعقب الصلوات المكتوبة
وتعليق العمل بوقت الفراغ لتتعاقب الأعمال الصالحة وهذا من جوامع الكلم
وتوجيه للنبي صلى الله عليه وسلم وأمته وما أحوجنا لهذا التوجيه ونحن في موسم الإجازة أن لا نكون ممن إذا فرغ تمادى في اللعب واللهو والنوم والإعراض عن ذكر ربه بل ربما وقع فيما حرم الله عليه من سماع أو نظر محرم وإنما الواجب استثمار الفراغ في العبادة شكرا لله على نعمته
(و إلى ربك فارغب )
اجعل نيتك ورغبتك إلى الله عزوجل متضرعا راغبا في الجنة عائذا من النار
وقيل أمر بالتوكل على الله تعالى
الواو للعطف وفيها أمر بالشكر لله وطلب استمرار النعم منه قال تعالى (ولئن شكرتم لأزيدنكم )
وفي تقديم الجار والمجرور إفادة الاختصاص والقصر أي إلى الله وحده لا إلى غيره تكون رغبتك وتوجهك ، والرغبة : الميل والإرادة
وفي التعدية بإلى تضمين معنى الإقبال والتوجه إلى من عنده حاجتك
(ربك )المحسن إليك الذي رباك بنعمه سبحانه وبما ذكر في هذه السورة والتي قبلها خاصة وبكل النعم عامة وفيها بديع المناسبة مع الآيات بلفظ الربوبية والدلالة على عظيم الرحمة فالذي أفرغ بالك مماكان يشغلك ويضيق صدرك ووضع عنك الوزر وبشرك باليسر القريب الذي لا شك فيه والذي ابتدأ نعمه عليك سبحانه لم يكن ليقطعها عنك سبحانه بطريقة التقرير

اللهم اشرح صدورنا ويسر أمورنا وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

المراجع :
تفسير القرآن العظيم لابن كثير
تيسير الكريم المنان السعدي
زبدة التفسير الأشقر
التحرير والتنوير ابن عاشور
المحرر الوجيزابن عطية
زاد المسيرابن الجوزي
نظم الدرر البقاعي
التفسير البياني للقرآن الكريم بنت الشاطيء
أحسنتِ نفع الله بكِ وسددكِ.
لمزيد من وضوح هذا النوع من الأساليب ينبغي بيان آثار مقاصد الآيات وتعلّقها بالمكلفين، وكيف حال الناس اليوم مع نعم الله تعالى، وكيف السلامة من نكرانها، وينبغي ربط تفسير كل آية بالمقصد الرئيسي.
الدرجة: ب
تم خصم نصف درجة على التأخير.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:51 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir