دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > مكتبة التفسير وعلوم القرآن الكريم > بيان المُستشكل > تفسير آيات أشكلت لابن تيمية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 08:12 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي فصل (اتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله عدل قائم بالقسط لا يظلم شيئًا )

فصل
اتفق المسلمون وسائر أهل الملل على أن الله عدل قائم بالقسط لا يظلم شيئًا بل هو منزه عن الظلم واختلف الخائضون في القدَر في معنى كونه عدلًا وفي الظلم الذي هو منزه عنه.


فقالت طائفة الظلم ليس ممكن الوجود بل كل ممكن إذا قدِّر وجوده منه تعالى فهو عدل فالظلم ممتنع فإنه إما التصرف في ملك الغير فكل ما سوى الله ملكه وإما مخالفة الآمر الذي تجب طاعته وليس فوق الله آمر تجب عليه طاعته.
وهؤلاء يقولون مهما تصُوِّر وجوده منه أو قدِّر وجوده فهو عدل فيقولون كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل وهذا قول المجبرة منهم جهم ومن اتبعه وهو قول الأشعري ومن اتبعه وقول الفقهاء الذين
[تفسير آيات أشكلت: 1/444]
وافقوه على قوله من أتباع الأئمة ومن وافقهم من أهل الحديث والصوفية.
وقد روي عن بعض المتقدمين كلمات شبه هذا مثل ما روي عن إياس بن معاوية وأبي الأسود الدؤلي
[تفسير آيات أشكلت: 1/445]
لما سأله عمران بن حصين وهو قول كثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد.
والقول الثاني أن الله عدل لا يظلم لأنه لم يُرد وجود شيء من
[تفسير آيات أشكلت: 1/446]
الذنوب لا الكفر ولا النفاق ولا غير ذلك بل العباد فعلوا ذلك بغير مشيئة كما فعلوه عاصين لأمره وهو لم يخلق شيئًا من أفعال العباد لا خيرًا ولا شرًا بل هم أحدثوا أفعالهم فاستحقوا العقوبة عليها فإذا عاقبهم بأفعالهم لم يظلمهم.
وهذا قول القدرية من المعتزلة وغيرهم وهؤلاء عندهم لا يتم تنزيهه عن الظلم إن لم يجعل غير خالق لشيء من أفعال العباد بل ولا قادر على ذلك بل يشاء ما لا يكون ويكون ما لا يشاء إذ المشيئة عندهم بمعنى الأمر.
وهؤلاء والذين قبلهم تناقضوا تناقضًا عظيمًا وقد روي عن طائفة من التابعين موافقة هؤلاء.
والقول الثالث أن الظلم وضع الشيء في غير موضعه والعدل وضع كل شيء في موضعه فهو سبحانه حَكم عَدْل لا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها لا يضع شيئًا في غير موضعه بل إنما يضعه في موضع يناسبه وتقتضيه الحكمة والعدل فلا يفرق بين متماثلين ولا يسوي بين
[تفسير آيات أشكلت: 1/447]
مختلفين ولا يعاقب إلا من يستحق العقوبة فيضعها موضعها لما في ذلك من الحكمة والعدل وأما أهل البر والتقوى فلا يعاقبهم البَتة.
قال تعالى {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} وقال {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الآيات.
قال ابن الأنباري الظلم وضع الشيء في غير موضعه يقال ظلم الرجل سقاءه إذا شرب منه وسقى منه قبل أن يخرج زبْدَه.
قال الشاعر:
وَصَاحِب صِدْق لم يَنلنِي شِكايَة... ظلمْت وَفِي ظلمِي لهُ عَامِدًا أجْرُ
[تفسير آيات أشكلت: 1/448]
أراد بالصاحب وَطب اللبن وظلمه إياه أن يسقيه قبل أن يخرج زبده.
والعرب تقول هو أظلم من حَيَّة لأن الحية تأتي الجحر الذي لم تحفره فتسكنه ويقال ظلم الماء الوادي إذا وصل منه إلى مكان لم يكن يصل إليه فيما مضى ذكر ذلك أبو الفرج بن الجوزي.
وكذلك قال البغوي أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه وقاله غيره.
والعرب تقول من أشبه أباه فما ظلم أي ما وضع الشبه في غير
[تفسير آيات أشكلت: 1/449]
موضعه.
فعدل الرب أصل يتعلق به جميع أنواع العلم والدين فإن جميع أفعال الرب ومخلوقاته داخلة في ذلك وكذلك أقواله وشرائعه وكتبه المنزلة وما يدخل في ذلك من مسائل المبدأ والمعاد ومسائل النبوات وآيات الأنبياء والثواب والعقاب ومسائل التعديل والتجوير وغير ذلك وهذه الأمور مما خاص فيها جميع الأمم.
وما ذكرناه من هذه الأقوال الثلاثة يضبط أصول الناس فيه ويبين أن القول الثالث هو الصواب وبه يتبين أن كل ما يفعله الرب فهو عدل وأنه لا يضع الأشياء إلا في مواضعها فلا يظلم مثقال ذَرَّة ولا يجزي أحدًا إلا بذنبه.
[تفسير آيات أشكلت: 1/450]
قوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.
لا يملك الإنسان غير سعيه ولا يستحق غيره وإن كان قد يحصل له نفع بفضل الله وبرحمته وبدعاء غيره فإنه قد عرف أن الله يرحم كثيرًا من الناس من غير جهة عمله لكن ليس له إلا ما سعى.
وقوله {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (36) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (37) أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى (38) وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى}.
فقوله {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} يقتضي أن المنبأ بذلك يجب عليه تصديق ذلك والإيمان به لأنه مما أخبر به محمد صلى الله عليه وسلم مصدقًا لإبراهيم وموسى كما ذكر ذلك في آخر سورة سَبِّحْ {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} وهذا يقتضي ثلاثة أصول:
الأول ألا تزر وازرة وزر أخرى.
الثاني أن ليس للإنسان إلا ما سعى.
[تفسير آيات أشكلت: 1/451]
الثالث أن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى.
فالأصل الأول أن ذنب الإنسان لا يحمله غيره وهو قوله {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي لا يحمل أحد عن أحد من ذنبه شيئًا.
الثاني أنه ليس للإنسان إلا سعيه وهو قوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}.
الثالث أنه يُجزاه الجزاء الأوفى.
وهذه أصول الإيمان بالوعد والوعيد والثواب والعقاب وهي نتيجة الإيمان بالأمر والنهي والمعاد بل نتيجة الجزاء في الدنيا والآخرة.
وقد غلط في هذه الأصول من غلط فأخفهم غلطًا من غلط في الأصل الأول من السلف والخلف فأنكروا قول النبي صلى الله عليه وسلم إن الميت ليعذب ببكاء
[تفسير آيات أشكلت: 1/452]
الحي عليه.
[تفسير آيات أشكلت: 1/453]
وقد سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم عمر وابن عمر وأبو موسى والمغيرة بن شعبة وغيرهم وظنوا أنه مخالف للقرآن لتوهمهم أن الميت يحمل وزر النائحة وهو غلط فإن النائحة تعذب عن نياحتها ولا يحمل الميت شيئًا من وزرها ولكن هو يعذب بنياحتها فيصل إليه ألم بسبب نياحتها كما قد
[تفسير آيات أشكلت: 1/454]
يعذب الإنسان في الدنيا بأمور من غير عمله كالروائح المؤذية والأصوات المنكرة والأمور المفزعة وهذا مما يتعذب به الميت والحكم فيه كحكم سائر ما
[تفسير آيات أشكلت: 1/455]
يتعذب به بعد الموت مثل مساءلة منكر ونكير وتقريعهما وغير ذلك وليس يحمل الميت من وزر الحي شيئًا.
وأعظمهم غلطًا الذين غلطوا في الأصل الثالث وهو جزاء الإنسان بعمله فمنهم من أحبط حسناته بالكبيرة الواحدة وخلده في النار أبدًا ومنهم من قال إذا ترجحت سيئاته على حسناته خلد في النار أبدًا.
وأوسطهم غلطًا الذين غلطوا في الأصل الأوسط وهو قوله {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} فظنوا أن المراد أن الإنسان لا ينتفع إلا بسعيه فقط.
[تفسير آيات أشكلت: 1/456]
فإذا قيل ليس لزيد مال إلا كذا ولا يملك إلا كذا لم يكن ذلك نفيًا لانتفاعه فإن انتفاع الإنسان بإحسان غيره إليه وبإحسان الله ابتداءً إليه كثير في الدنيا والآخرة.
ومن المعلوم بالتواتر أن الميت ينتفع بصلاة المسلمين عليه وبدعائهم وبشفاعة الرسول.
[تفسير آيات أشكلت: 1/457]
والحي أيضًا ينتفع بالدعاء والصدقة وغير ذلك مما جاءت به الأحاديث الصحيحة وأجمع السلف على أكثرها.
وليس هذا مناقضًا للآية ولا مخصصًا لعمومها ولا هي مختصة بشرع من قبلنا بل حكمها شامل للأمة التي بعث إليها محمد صلى الله عليه وسلم كما شمل من قبلهم.
فهو ثابت في حق من أرسل إليه ولو لم يكن ثابتًا لم يكن في قوله {أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى} فائدة فإنه إنما قال ذلك إنباء لهذا المنبأ وغيره فهو شامل له ولغيره وأيضًا فإن هذا خبر من الرسولين الكريمين إبراهيم وموسى وهما خبران عامَّان والأخبار لا تنسخ ولا تختلف شرائع الأنبياء في الأخبار المجردة.
فالآية على ظاهرها الحق ومفهومها الصدق لا على المعنى الفاسد.
[تفسير آيات أشكلت: 1/458]
وقد ذكر أبو الفرج بن الجوزي فيها ثمانية أقوال:
أحدها أنها منسوخة بقوله {وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} فأدخل الأبناء الجنة بعمل الآباء وصلاحهم قاله ابن عباس ولا يصح لأن لفظ الآيتين لفظ خبر والأخبار لا تنسَخ.
قلت اللفظ المنقول عن ابن عباس رواه علي بن أبي طلحة الوالبي
[تفسير آيات أشكلت: 1/459]
عنه وقد قيل إنه لم يسمعه منه بل من أصحاب ابن عباس قال فأدخل الله الأبناء بصلاح الآباء الجنة ولم يذكر نسخًا ولو ذكره فمراد الصحابة بالنسخ المذكور في قوله {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ} وهو فهم معنى الآية على غير الصواب والمراد بها.
فقد بيَّن ابن عباس أنه لم يرد بهذه الآية أن الإنسان لا ينتفع بعمله غيره فإن الأبناء انتفعوا بعمل آبائهم فهذا نسخ لما فهم منها لا لما دلت عليه وهذا القول المنقول عن ابن عباس أحسن ما قيل فيها وقد ضعَّفهُ من لم يفهمه.
وسائر الأقوال فيها ضعيفة جدًا وقد نقل البغوي هذا عن ابن عباس وقال هذا منسوخ الحكم في هذه الشريعة لهذه الأمة ولم يقل ابن عباس هذا وما أكثر ما يحرف قول ابن عباس ويغلط عليه.
والقول الثاني قاله عكرمة أن المراد به قوم إبراهيم وموسى وأما هذه
[تفسير آيات أشكلت: 1/460]
الأمة فلهم ما سعوا وسُعِي لهم وهذا ضعيف لأن الله إنما ذكر هذا ليختبر به هذه الأمة كما تقدم وليعلموا أن هذا حكم شامل ولو كان هذا مخصوصًا بالأمتين لم تقم به حجة على أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وجميع المسلمين يحتجون بما في هذا فمن أين لهم أن تلك الأمم لم تكن تنفعهم الصدقة عنهم بعد الموت؟!
وقد بَيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنا إذا قلنا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أصابت كل عبد صالح لله في السماء والأرض
[تفسير آيات أشكلت: 1/461]
والأنبياء يُصَلى عليهم فتصيبهم الصلاة ونحن إذا ذكرنا الصالحين قبلنا ترَحَّمنا عليهم وذلك واصل إليهم وليس من سعيهم ومازال الدعاء والشفاعة نافعين لجميع الأمم فإبراهيم وموسى والأنبياء قد دعوا للصالحين من قومهم وهو نافع لهم وليس من سعيهم والملائكة يستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين ممن مضى ومن بقي.
[تفسير آيات أشكلت: 1/462]
قال:
والقول الثالث أن المراد بالإنسان هاهنا الكافر وأما المؤمن فله ما سعى وسعي له قاله الربيع بن أنس.
قلت وهذا أيضًا ضعيف جدًّا فإن الذي في صحف إبراهيم وموسى لا يختص به الكافر وقوله بعده {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} الآيات يتناول المؤمن قطعًا وهو ضمير الإنسان بل لو قيل إنه يتناول المؤمن دون الكافر لكان أرجح من العكس مع أن حكم العدل لا فرق فيه بين مؤمن وكافر وما استحقه المؤمن بخصوصه فهو بإيمانه ومن سعيه.
والقول الرابع ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل وأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله ما شاء قاله الحسين
[تفسير آيات أشكلت: 1/463]
ابن الفضل وهو أمثل من غيره من الأقوال ومعناه صحيح لكنه لم يفسر الآية فإن قوله {لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ} ننفي عام فليس له إلا ذلك وهذا هو العدل ثم إن الله قد ينفعه ويرحمه بغير سعيه من جهة فضله.
والقول الخامس أن {ما سعى} بمعنى ما نوى.
قلت هذا ليس قولا في محل الاشتباه وإنما هو تفسير للفظ
[تفسير آيات أشكلت: 1/464]
السعي والسعي هو العمل ونية الخير يثاب عليها وإن لم يعملها وأما إذا هَمَّ بالشر فلا يعاقب عليه إلا أن يعمله والإنسان قد ينتفع بما لم ينو كانتفاعه بالصدقة عنه بعد موته والحج وغير ذلك.
والقول السادس ذكره الثعلبي في الآخرة فإنها خير للمؤمن.
[تفسير آيات أشكلت: 1/465]
قلت وهذا لا يدل عليه قوله {لِلْإِنْسَانِ} فليس في هذا اللفظ تخصيص الكافر ولا تخصيص الجزاء بالدنيا ولو سكت من لا يدري قلَّ الخلاف.
قال والسابع {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} بمعنى وأن ليس عليه إلا ما سعى قاله ابن الزاغوني.
قلت وهذا القول من أرذل الأقوال فإنه قلب لمعنى الآية.
القول الثامن أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق يدعو له وتارة يسعى في خدمة أهل الدِّين والعبادة فيكسب محبة أهل الدِّين فيكون
[تفسير آيات أشكلت: 1/466]
ذلك سببًا حصل بسعيه حكاه والذي قبله أبو الحسن بن الزاغوني.
قلت وهذا أمثل من غيره وقد استحسنه وَرَجحَه جدِّي أبو البركات وهو أيضًا ضعيف فإنه قد ينتفع بعمل غيره من لم يحصل سببًا كأولاد المؤمنين.
وابن عباس كان أعلم من هؤلاء كلهم ذكر أن آية الأولاد تبين المراد وتنسخ ما ألقاه الشيطان إلى هؤلاء الذين فهموا من القرآن ما لم يدل عليه وإذا كانت الجنة يبقى فيها فضل يدخلها من لم يوحد في الدنيا ولا عمل في الآخرة فكيف يظن أن الله لا يرحم أحدًا إلا بسعيه بل الله يرحم العباد بغير سعيهم أعظم مما يرحمهم بسعيهم وسعي العبد الذي هو له أيضًا من فضل الله ورحمته فإنه سبحانه هو الذي مَنَّ عليه به.
[تفسير آيات أشكلت: 1/467]
وكل من احتج بهذه الآية على نفي الحج انتقض قوله بالصدَقة ولفظها يتناولهما معًا ومن احتج على نفي الصيام انتقض عليه بالحج والصدقة.
وحقيقة الأمر أن الآية لم تكن عمدتهم فيما قالوه لكن ذكروها احتجاجًا واعتضادًا لا اعتمادًا عليها.
وإذا قال قائل منهم هي عامة في موارد الاجتماع والنزاع فإذا خصت صورة بقيت دالة على غيرها.
قيل وحينئذ فتخص أيضًا موارد النزاع بدليله فإنه لا يقال بانتفاع الميت بعمل إلا بدليل وبسط هذا له موضع آخر والله سبحانه أعلم.
[تفسير آيات أشكلت: 1/468]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #2  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 08:17 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
ومما يبين عدل الرب وإحسانه وأن الخير بيديه والشر ليس إليه وهو مع غاية عدله أرحم بعباده من الوالدة بولدها وهو عادل في كل ما خلقه واضع للأشياء مواضعها وهو قادر على أن يظلم لكنه سبحانه منزه عن الظلم لا يفعله لأنه السلام القدُّوس المستحق للتبرئة عن السوء وهو سبحانه سُبُّوح قدُّوس يسبح له ما في السماوات والأرض.
[تفسير آيات أشكلت: 2/477]
وسبحان الله كلمة كما قال ميمون بن مهران سبحان الله كلمة يُعظم بها الرب وَيُحَاشى بها من السوء وكذلك قال ابن عباس وغيره إنها تنزيه الله عن السوء.
[تفسير آيات أشكلت: 2/478]
وقال قتادة في اسمه المتكبِّر إنه الذي تكبر عن السوء وعنه أيضًا إنه تكبر عن السيئات فهو سبحانه منزه عن فعل القبائح لا يفعل السوء ولا السيئات مع أنه سبحانه خالق كل شيء أفعال العباد وغيرها.
والعبد إذا فعل المنهي عنه كان قد فعل سوءًا وظلمًا قبيحًا وشرًّا والرب قد جعله فاعلًا لذلك وذلك منه سبحانه عدل وحكمة وصواب ووضع للأشياء مواضعها فخلقه سبحانه لما فيه نقص أو عيب كل ذلك للحكمة التي خلقه لها هو محمود عليه وهو منه عدل وحكمة وصواب وهو من المخلوق عيب وذنب وظلم.
ومثل هذا مفعول في الفاعلين المخلوقين فإن الصانع إذا أخذ الخشبة
[تفسير آيات أشكلت: 2/479]
المعوجة والحجر الرديء واللبنة الناقصة فوضعها في موضع يليق بها ويناسبها كان ذلك منه عدلًا واستقامة وصوابًا ومحمودًا وإن كان في تلك عوج وعيب هي به مذمومة ومن أخذ الخبائث فوضعها في المحل الذي يليق بها كان ذلك حكمة وعدلًا وإنما السَّفهُ والظلم أن يضع هذه الأشياء في غير موضعها.
ومن وضع العِمامة على الرأس والنعلين في الرجلين فقد وضع كل شيء موضعه ولم يظلم النعلين إذ هذا محلهما المناسب لهما فهو سبحانه لا يضع شيئًا إلا موضعه فلا يكون إلا عدلًا ولا يفعل إلا خيرًا فلا يكون إلا محسنًا جوادًا رحيمًا.
وهو سبحانه له الخلق والأمر فكما أنه في أمره لا يأمر إلا بخير
[تفسير آيات أشكلت: 2/480]
ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها وبتعطيل المفاسد وتقليلها وإذا تعارض أمران رجَّح أحسنهما وليس في الشريعة أمر بفعل إلا ووجوده للمأمور خير من عدمه ولا نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده وهو سبحانه فيما يأمر به قد أراده إرادة دينية شرعية وأحبه وَرَضِيه فكان وجوده خيرًا من عدمه ولهذا أمر عباده أن يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم من ربهم فإن الأحسن هو المأمور به.
وكل ما كان وجوده شرًّا من عدمه ليس إليه إذا كان هذا مستحقًّا للعدم لا يشاؤه ولا يخلقه والمعدوم لا يضاف إلى فاعل فليس إليه لكن الخير بيديه.
والخير والشر درجات والخلق عند الله درجات ولهذا لما ذكر الله أهل الجنة وأهل النار قال {وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا} وقال {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ}.
[تفسير آيات أشكلت: 2/481]
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم درجات الجنة تذهب عُلوًّا ودرجات النار تذهب سفولًا فدرجات الجنة كلها فيها النعيم وبعضها خير من بعض ودرجات النار كلها فيها العذاب وبعضها شر من بعض.
فهو سبحانه إنما فعل الخير فيما يفعله خير مما لم يفعله وهو أيضًا خير من غيره فلا يفعل إلا خيرًا وإذا قيل إن الله سبحانه هو خالق الخير والشر فالمراد ما هو شر من غيره وفيه أذى لبعض الناس لكن خلقه لحكمةٍ وما خلقه لحكمة مطلوبة محبوبة فوجوده خير من عدمه فلم يخلق الله شيئًا يكون شرًّا أي يكون وجوده شرًّا من عدمه لكن يخلق ما هو شر من غيره
[تفسير آيات أشكلت: 2/482]
وغيره خير منه للحكمة المطلوبة وهو سبحانه لا يُعَذب أحدًا إلا بذنبه وبمقتضى الحكمة والعدل وفي ذلك أنواع من الحكمة والرحمة.
وهذا ظاهر فيما يبتلي به المؤمنين في الدنيا من المصائب التي هي جزاء سيئاتهم فإن في ذلك من الحكمة والرحمة والعدل ما هو بَيِّن لمن تأمله فلا يسلب أحدًا نعمه إلا بما غيره في نفسه بالمعاصي والذنوب فلا يجزى بالسيئات إلا من فعل السيئات ولا يوقع النقم ويسلب النعم إلا السيئات المقتضية لذلك فكم من نعمة زالت وولت فلم ترجع وأعقبها بشقاء كما فعل تعالى بمن خالف رسله من جميع الأمم الخارجة عن طاعة الرسل كما قال تعالى {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ}.
فذكر الأول تمثيلًا لعذابهم بعد الموت كما قال تعالى {وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ
[تفسير آيات أشكلت: 2/483]
(50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} ثم قال {كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ} فقال هنا {فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ} فإن أخذه يتضمن أخذهم إليه ليصلوا بعد الموت إلى العذاب.
ولفظ الهلاك يقتضي هلاكهم في الدنيا وزوال النعمة عنهم فذكر هلاكهم بزوال النعم وذكر أخذه لهم بالنقم ولفظ المؤاخذة من الأخذ ومنه قوله تعالى {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} وقوله {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} كقوله {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} وقال تعالى {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} وقال تعالى {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}.
فهذا تعذيب لهم في الدنيا ليتضرعوا إليه وليتوبوا مما هم عليه ثم ذكر بعد
[تفسير آيات أشكلت: 2/484]
هذا قسوة القلوب وما يحدث عليها من الذنوب المانعة لها من التضرع والاستكانة وذكر في الموضعين أنه أخذهم بالعذاب ولم يقل بالذنوب كأنه والله أعلم ضمَّن ذلك معنى جذبناهم إلينا لِيُنيبوا ويتوبوا ويستكينوا ويتضرعوا وإذا قال فأخذهم الله بذنوبهم يكون قد أهلكهم فأخذهم إليه بالإهلاك.
وقال ابن أبي الدنيا في كتاب المطر ورواه أبو الشيخ الأصبهاني
[تفسير آيات أشكلت: 2/485]
في كتاب العظمة وذكره ابن الجوزي في تفسيره من كتاب ابن أبي الدنيا فقال ابن أبي الدنيا حدثنا هارون حدثني عفان عن مبارك بن فضالة قال سمعت الحسن يقول كانوا يقولون يعني أصحاب
[تفسير آيات أشكلت: 2/486]
رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمد لله الموفق المُرَبِّي الذي لو جعل هذا الخلق خلقًا دائمًا لا يتصرف لقال الشاك في الله لو كان لهذا الخلق رب لحادثه وإن الله قد حادثه بما ترون من الآيات.
إنه جاء بضوء طبَّق ما بين الخافقين وجعل فيها معاشًا وسراجًا وَهاجًا ثم إذا شاء ذهب بذلك الخلق وجاء بظلمة طبَّقت ما بين الخافقين وجعل فيها سكنًا ونجومًا وقمرًا منيرًا وإذا شاء ذهب بذلك كله.
وإذ شاء بنى بناءً جعل فيه من المطر والبرق والرعد والصواعق ما شاء وإذا شاء صرف ذلك وجاء ببرد يُقرقِف الناس وإذا شاء ذهب بذلك وجاء بحَرٍّ يأخذ بأنفاس الناس ثم إذا شاء ذهب بذلك وجاء بنبات وأزهار وخضرة وفواكه تدهش العقول والأفكار من بهجتها وحسنها وأرواح طيبها ثم إذا شاء
[تفسير آيات أشكلت: 2/487]
ذهب بذلك ليعلم الناس أن لهذا الخلق ربًّا يحادثه بما ترون من الآيات كذلك إذا شاء سبحانه ذهب بالدنيا وجاء بالآخرة.
فقد ذكر الحسن عن الصحابة الاستدلال بهذه الحوادث المشهودة على وجود الرب سبحانه المحدِث لها الفاعل بمشيئته وقدرته وأنه قادر على الذهاب بالدنيا والإتيان بالآخرة وهذا يقتضي أن هذه الحوادث آيات الله وأنه رب هذا الخلق وأن هذه الخلق محدث بعد أن لم يكن لكون غيره يحادثه أي يحدث فيه الحوادث وما صَرَّفه غيره وأحدث فيه الحوادث كان مقهورًا مدبَّرًا وإحداثه بنفسه ممتنعة لم يكن واجبًا بنفسه ممتنعًا عن غيره.
وقولهم لو كان له رب يحادثه قد يقال إن الصحابة أنكروا هذا القول لقولهم لقال الشاك في الله وقد يقال إنهم يصدقون بهذه القضية الشرطية ولكن لو لم تكن الحوادث لكان الله سبحانه يُعْرَف بدون هذه الحوادث فإن معرفته حاصلة بالفطرة والضرورة ونفس وجود الإنسان
[تفسير آيات أشكلت: 2/488]
مستلزم لوجود الرب فكان الصانع يُعلم من غير طريق وجود الحوادث ولهذا يعاب الشاك.
ويمكن أنهم لم يقصدوا عيبه على هذا التقدير بل على هذا التقدير كان الشك موجودًا في الناس إذ لا دليل على وجوده فكانت هذه الآيات مزيلة للشك وموجبة لليقين.
والأول أشبه بمرادهم وأولى بالحق فإنهم قالوا لقال الشاك في الله فدل على أن هناك من ليس بشاك في الله ولم يقولوا لشك الناس في الله.
والمقصود أن الله سبحانه يخلق بمشيئته واختياره ثم يختار الأحسن وأن إرادته ترجح الراجح الأحسن وهذا حقيقة الإرادة فإذا أراد أن يخلق كان الخلق عقب الإرادة والمخلوق عقب التكوين والخلق كما قال {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
وإذا كان المؤثر التام لا يقارنه الأثر في الزمان امتنع أن يكون مع الله شيء قديم بقدمه وثبت أن كل ما سواه حادث بعد أن لم يكن وهذا من أحسن ما
[تفسير آيات أشكلت: 2/489]
يستدل به على حدوث ما سوى الله وأنه فقير إلى الله ومعلول له أو موجب عنه أو مفعول أو مصنوع. انتهى.
[تفسير آيات أشكلت: 2/490]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #3  
قديم 14 ربيع الثاني 1432هـ/19-03-2011م, 08:22 PM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
والمقصود هنا أن النصوص شاملة لجميع الأحكام ونحن نبين ذلك فيما هو من أشكل الأشياء لننبه به على ما سواه والفرائض من أشكلها إذ نفاة القياس عدلوا في كثير منها عن دلالة النص إلى أن أثبتوا ما ظنوه مجمعًا عليه ونفوا ما ظنوه غير مجمع عليه وكلاهما غلط:

أما الأول فقد بيناه.
وأما الثاني فتقدير عدم الإجماع إنما ينتفي بدليل معين فلا بد من نفي سائر الأدلة الشرعية كما ذكروه في مسألة المُشرَّكة فإنه لو قدِّر ثبوت
[تفسير آيات أشكلت: 2/491]
ميراث أحدهما بالإجماع فعدم الإجماع عن الآخر لا ينفي ميراثه وإن لم تنتف سائر الأدلة.
فنقول النص والقياس وهما الكتاب والميزان دَلا على أن الثلث يختص به ولد الأم كما هو قول علي ومن وافقه وهو مذهب
[تفسير آيات أشكلت: 2/492]
أبي حنيفة وأحمد في المشهور عنه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/493]
وروى حرب التشريك وهو قول زيد ومن وافقه وقول
[تفسير آيات أشكلت: 2/494]
مالك والشافعي.
[تفسير آيات أشكلت: 2/495]
واختلف في ذلك عن عمر وعثمان وغيرهما من الصحابة حتى قيل إنه اختلف فيها عن جميع الصحابة إلا عليًّا وزيدًا فإن عليًّا لم يختلف عنه أنه لم يشرِّك وزيد لم يختلف عنه أنه شرَّك.
قال العنبري القياس ما قال علي والاستحسان ما قال زيد.
[تفسير آيات أشكلت: 2/496]
قال الخبْري وهذه وساطة مليحة وعبارة صحيحة.
فيقال النص والقياس دلا على ما قال علي.
أما النص فقوله تعالى {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} والمراد به ولد الأم فإذا أدخلنا فيهم ولد
[تفسير آيات أشكلت: 2/497]
الأبوين لم يشتركوا في الثلث بل زاحمهم غيرهم.
وإن قيل إن ولد الأبوين منهم لكونه من ولد الأم فهذا غلط لأن الله قال {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وفي قراءة سعد وابن مسعود {من أم}
[تفسير آيات أشكلت: 2/498]
والمراد بهم ولد الأم بالإجماع ودَل على ذلك قوله {فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} وولد الأبوين والأب في آية الصيف في قوله {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فجعل لها النصف وله جميع المال وهذا حكم ولد الأبوين ثم قال {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وهذا حكم ولد
[تفسير آيات أشكلت: 2/499]
الأبوين لا الأم باتفاق المسلمين.
فدل ذكره تعالى لهذا الحكم في هذه الآية وكذلك الحكم في تلك الآية على أن أحد الصنفين غير الآخر فلا يجوز أن يكون ذلك الصنف هو هذا الصنف وهذا الثاني هو ولد الأبوين والأب بالإجماع.
فالأول ولد الأم كما في القراءة الأخرى التي تصلح أن تكون مفسرة لقراءتنا ولهذا ذكر ولد الأم في آية الزوجين والزوجان أصحاب فرض مقدر لا يخرجون عنه وكلاهما لا حظ له في التعصيب بحال بخلاف ما ذكر في آية العمود وفي آية الصيف فإن لجنسهم حظًّا في
[تفسير آيات أشكلت: 2/500]
التعصيب ولهذا قال سبحانه في آية النساء {غَيْرَ مُضَارٍّ وَصِيَّةً مِنَ اللَّهِ} ولم يذكر ذلك في آية العمود لأن الإنسان كثيرًا ما يقصد ضرار الزوج وولد الأم لأنهم ليسوا من عصبته بخلاف أولاده وآبائه فإنه لا يضارهم في العادة.
وإذا كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث فمن نقصهم منه فقد ظلمهم وولد الأبوين جنس آخر هم عصبة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر.
وهذا يقتضي أنه إذا لم تبق الفرائض شيئًا لم يكن للعصبة شيء وهنا لم تبق الفرائض شيئًا.
وأما قول القائل هب أن أباهم كان حمارًا فقد اشتركوا في الأم فقول فاسد حسًّا وشرعًا.
[تفسير آيات أشكلت: 2/501]
أما الحس فلأن الأب لو كان حمارًا لكانت الأم أتانًا ولم يكونوا من بني آدم وإذا قيل مراده أن وجوده كعدمه فيقال هذا باطل فإن الموجود لا يكون معدومًا.
وأما الشرع فلأن الله حكم في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.
وإذا قيل فالأب إذا لم ينفعهم لم يضرهم.
قيل بلى قد يضرهم كما ينفعهم بدليل ما لو كان ولد الأم واحدًا وولد الأبوين كثيرين فإن ولد الأم وحده يأخذ السدس والباقي يكون لهم كلهم ولولا الأب لتشاركوا هم وذاك الواحد في الثلث وإذا جاز أن يكون وجود الأب ينفعهم جاز أن يحرمهم فعلم أنه قد يضرهم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/502]
وأيضًا فأصول الفرائض مبنية على أن القرابة المتصلة ذكر وأنثى لا تفرق أحكامها فالأخ من الأبوين لا يكون كأخ من أب ولا كأخ من أم ولا يعطى بقرابة الأم وحدها كما لا يعطى بقرابة الأب وحده بل بالقرابة المشتركة من الأبوين وإنما ينفرد بالحكم إذا كان قرابة الأم منفردة مثل ابني عم أحدهما أخ لأم فهنا ذهب الجمهور إلى أن للأخ لأم السدس ويشتركان في الباقي وهو مأثور عن علي.
وَرُوي عن شريح أنه جعل الجميع للأخ من الأم كما لو كان ابن عم
[تفسير آيات أشكلت: 2/503]
لأبوين.
والجمهور يقولون كلاهما في بنوة العم سواء هما ابن عم من أبوين أو من أب والأخوة للأم مستقلة ليست مقترنة بأبوة حتى يجعل كابن عم لأبوين.
ومما يبين الحكم في مسألة المُشرَّكة أنه لو كان فيها أخوات من أب لفرض لهن الثلثان وعالت الفريضة فلو كان معهن أخوهن سقطن
[تفسير آيات أشكلت: 2/504]
ويسمى الأخ المشئوم فلما كن بوجوده يصرن عصبة صار تارة ينفعهن وتارة يضرهن ولم يجعل وجوده كعدمه في حال الضرار.
وكذلك قرابة الأب لما صار الإخوة بها عصبة صار ينفعهم تارة ويضرهم أخرى فهذا يجري مجرى العصوبة فإن العصبة تارة يحوز المال كله وتارة يجوز أكثره وتارة يجوز أقله وتارة لا يبقى له شيء وهو إذا استغرقت الفرائض المال.
فمن جعل العصبة تأخذ مع استغراق الفرائض المال فقد خرج عن الأصول المنصوصة في الفرائض.
وقول القائل هو استحسان.
يقال له هذا استحسان يخالف الكتاب والميزان فإنه ظلم للإخوة من
[تفسير آيات أشكلت: 2/505]
الأم حيث يؤخذ حقهم فيعطاه غيرهم وإذا كانوا يعقلون عن الميت وينفقون عليه فعاقلة المرأة يعقلون عنها وميراثها لزوجها وولدها كما قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمنازعون في هذه المسألة ليس معهم حجة إلا أنها قول زيد.
وقد روي عن عمر أنه حكم بها فعمل بذلك من عمل من أهل المدينة وغيرهم كما عملوا بمثل ذلك في ميراث الجد والإخوة وعملوا بقول زيد
[تفسير آيات أشكلت: 2/506]
في غير ذلك من الفرائض لاتصال العمل به تقليدًا له وإن كان النص والقياس مع من خالفه.
وبعضهم يحتج لذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أفرضكم زيد
[تفسير آيات أشكلت: 2/507]
وهو حديث ضعيف لا أصل له ولم يكن زيد على عهد النبي صلى الله عليه وسلم معروفًا بالفرائض والحديث الذي روي فيه ذلك وقد رواه الترمذي عن أنس وهو ضعيف حتى أبو عبيدة لم يصح فيه إلا قوله لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيدة بن الجراح وروي بإسناد أضعف من هذا
[تفسير آيات أشكلت: 2/508]
وفيه أقضاكم علي وحبر هذه الأمة ابن عباس من حديث كوثر بن حكيم وكوثر هذا يأتي عن نافع بما يعلم أنه باطل وهو لا يحتج به باتفاق أهل العلم.
وكذلك اتباعهم في الجد لقول زيد مع أن جمهور الصحابة على خلافه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/509]
فجمهور الصحابة موافقون للصِّدِّيق في أن الجد كالأب يحجب الإخوة وهذا مروي عن بضعة عشر من الصحابة وهو مذهب أبي حنيفة وأحد الوجهين في مذهب الشافعي وأحمد واختاره
[تفسير آيات أشكلت: 2/510]
أبو حفص البرمكي من أصحابه وحكاه بعضهم رواية عن أحمد.
وأما المُوَرِّثون للإخوة مع الجد فهم علي وابن مسعود وزيد لكل واحدٍ قول انفرد به وعمر بن الخطاب كان متوقفًا في أمره.
والصواب بلا ريب قول الصِّدِّيق لأدلة متعددة ذكرناها في غير هذا الموضع.
[تفسير آيات أشكلت: 2/511]
منها أن الذين وَرَّثوا الإخوة عمدتهم أنهم يدلون ببنوة الأب والجد يدلي بأبوَّته والبنوة أقوى من الأبوة.
وهذه الحجة فاسدة مناقضة للكتاب والسنة والإجماع فإن الجد مقدم على بني الإخوة عند عامة المخالفين في هذا وابن الابن يقوم مقام الابن ويقدم على الجد فلو كان بنوة الأب مقدمة لقدمت بنوة بنوة الأب.
ومنها أن الجد الأعلى مقدم على العم والعم ابن الجد الأدنى والجد الأعلى أبوه فالعم يدلي ببنوته والجد الأعلى بأبوته والجد الأعلى مقدم بالإجماع ونسبة الجد الأعلى إلى العم كنبة الأدنى إلى الأخ.
ومنها أن ما ذكروه لو كان صحيحًا لوجب تقديم الإخوة وهو خلاف السنة والإجماع من الصحابة وقد طرد هذا القياس الفاسد من قال في الولاء إن إخوة المعتق أولى من جدِّه وهذا من أضعف الأقوال بل الصواب أن الولاء لهذا المعتق فقط دون إخوته كالميراث.
وأيضًا فالبنوة وبنوة البنوة مقدمة على الأبوة وأبوة الأبوة لأن هذا الجنس مقدم على هذا الجنس.
[تفسير آيات أشكلت: 2/512]
وأما بنوة الأبوة فليست من هذه البنوة بل الأبوة وأبوة الأبوة مقدم على بنوة الأبوة في جميع أحكام الشرع ولم يقدم الأخ على الجد في شيء من الأحكام الشرعية بل ولا عدل به فمن جعل مقتضى القياس تقديمه أو مساواته فقد خالف الأصول الشرعية كلها.
[تفسير آيات أشكلت: 2/513]
وأما العمريتان فليس في القرآن ما يدل على
[تفسير آيات أشكلت: 2/514]
أن للأم الثلث مع الأب والزوج بل إنما أعطاها الله الثلث إذا ورثت المال هي والأب فكان القرآن قد دل على أن ما ورثته هي والأب تأخذ ثلثه والأب ثلثيه واستدل بهذا أكابر الصحابة كعمر وعثمان وعلي وابن مسعود وزيد وجمهور العلماء على أن ما يبقى بعد فرض الزوجين يكونان فيه أثلاثًا قياسًا على جميع المال إذا اشتركا فيه وكما يشتركان فيما يبقى بعد الدين والوصية.
ومفهوم القرآن ينفي أن تأخذ الأم الثلث مطلقًا فمن أعطاها الثلث مطلقًا حتى مع الزوجين فقد خالف مفهوم القرآن.
وأما الجمهور فقد علموا بالمفهوم فلم يجعلوا ميراثها إذا ورثه أبوه كميراثها إذا لم يرثه بل إن وَرِثه أبوه فلأمه الثلث مطلقًا وأما إذا لم يرثه أبوه بل ورثته مع من دون الأب كالجد والعم والأخ فهي بالثلث
[تفسير آيات أشكلت: 2/515]
أولى فإنها إذا أخذت الثلث مع الأب فمع غيره من العصبة أولى.
فدل القرآن على أنه إذا لم يرثه إلا الأم والأب أو عصبته غير الأب سوى الابن فللأم الثلث وهذا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى وأما الابن فإنه أقوى من الأب فلها معه السدس.
بقي إذا كان مع العصبة ذو فرض فالبنات والأخوات قد أعطى الله الأم معهن السدس والأخت الواحدة إذا كانت هي والأم فالأم تأخذ الثلث مع الذكر من الإخوة فمع الأنثى أولى إنما تحجب عن الثلث إلى السدس بالإخوة والواحد ليس إخوة.
وإذا كانت مع الأخ الواحد تأخذ الثلث فمع العم وغيره بطريق الأولى وإذا كان مع أحد الزوجين العصبة غير الأب والابن والعم وابن العم فهؤلاء دون الأب وإنما جعل الباقي بعد نصيب الزوجة أثلاثًا لأنها والأب من طبقةٍ واحدة فجعل ذلك بينهما كأصل المثال وهؤلاء
[تفسير آيات أشكلت: 2/516]
ليسوا في طبقتها فلا يجعلون معها كالأب فإنه لا واسطة بينه وبين الميت بخلاف هؤلاء فلم يمكن أن يعطى ثلث الباقي هنا لما فيه من تسوية هؤلاء بالأب.
ولا نزاع في ذلك إلا في الجد نزاع يروى عن ابن مسعود والجمهور على أنها مع الجد تأخذ ثلث المال وهو الصواب لأن الجد أبعد منها وهو محجوب بالأب فلا يحجبها عن شيء من حقها.
وإذا لم يكن أن تعطى ثلث الباقي وامتنع أن تعطى السدس لأنه دون ذلك تعين أن تعطى الثلث وكان إعطاؤها الثلث مع عدم الأب سواء كان هناك أحد الزوجين أو لم يكن.
وإعطاؤها ثلث الباقي مع أحد الزوجين مما فهمه جماهير الصحابة والعلماء من الأئمة تارة بالاعتبار الذي هو في معنى الأصل وتارة بالاعتبار الذي هو أولى وأحرى وتارة بالاعتبار الذي فيه إلحاق الفرع بأشبه الأصلين به.
[تفسير آيات أشكلت: 2/517]
قلت فهذه دلالة نقص أو قياس.
قلت لك القياس المحض أن الأم مع الأب كالبنت مع الابن والأخت مع الأخ لأنهما ذكر وأنثى من جنس واحد هما عصبة.
وقد أعطيت الزوجة نصف ما يعطاه الزوج لأنهما ذكر وأنثى من جنس واحد وإنما عدل عن هذا في ولد الأم لأنهم يدلون بالأم فلا عصوبة لهم بحال بخلاف الزوجين والأبوين والأولاد فإنهم يدلون بأنفسهم وسائر العصبة يدلون بذكر كولد البنين والإخوة للأبوين أو الأب فإعطاء الذكر مثل حظ الأنثيين هو معتبر فيمن يدلي بنفسه أو بعصبته فإنه أهل للتعصيب فأما من يدلي بغير عصبة فإنه ليس من أهل التعصيب فالذكورة بل الأبوان لكل واحد منهما السدس مع الولد فتساويا كالأنوثة.
وليس الذكر كالأنثى لا في باب الزوجية ولا في الأبوين ولا في الأولاد والإخوة للأب فهذا اعتبار.
وأما دلالة الكتاب على ميراث الأم فإن الله يقول {لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}
[تفسير آيات أشكلت: 2/518]
فالله تعالى فرض لها بشرطين:
ألا يكون له ولد وأن يرثه أبواه.
فكان في هذا دلالة على أنها لا تعطى الثلث مطلقًا مع عدم الولد إذ لو كانت تعطاه مع عدم الولد مطلقًا لكان قوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} زيادة في اللفظ ونقصًا في المعنى وكان عديم الفائدة وجوده كعدمه فإنه حينئذ سواء ورثه أبواه أو لم يرثه أبواه لأمه الثلث وهذا خلاف دلالة القرآن وهذا مما يدل على صحة قول أكابر الصحابة والجمهور الذين يقولون لا تعطى في العمريتين زوج وأبوان وزوجة وأبوان ثلث جميع المال.
قال ابن عباس وموافقوه فإنها لو أعطيت الثلث هنا لكانت تعطاه مع
[تفسير آيات أشكلت: 2/519]
عدم الولد مطلقًا وهذا خلاف ما دل عليه القرآن وقد روي عنه أنه قال لزيد أفي كتاب الله ثلث ما بقي أي ليس في كتاب الله إلا سدس وثلث.
فيقال وليس في كتاب الله إعطاؤها الثلث مطلقًا فكيف يعطيها مع الزوجين الثلث بل في كتاب الله ما يمنع إعطاءها الثلث مع الأب وأحد الزوجين فإنه لو كان كذلك لكان يقول فإن لم يكن له ولد فلأمه الثلث فإنها على هذا التقدير تستحق الثلث مطلقًا فلما خص الثلث ببعض الحال علم أنها لا تستحقه مطلقًا.
فهذا مفهوم المخالفة الذي يسمى دليل الخطاب يدل على بطلان قول من أعطاها الثلث إلا العمريتين ولا وجه لإعطائها الثلث مع مخالفته
[تفسير آيات أشكلت: 2/520]
للإجماع لأن الله إنما أعطاها ذلك مع الولد والإخوة وقيده بذلك ودل ذلك على أنها لا تعطاه مع الأخ الواحد فعلم أن الثلث قد تستحقه مع الأخ الواحد ويدل على ذلك أنها إذا أعْطِيته مع الأب فمع غيره من العصبات أولى وأحرى.
وهذه دلائل تنبيه الخطاب ومفهومه إما مفهوم الموافقة وإما مفهوم المخالفة فلما دل القرآن على أنها لا تعطى الثلث ولا تعطى السدس وكان قسمة ما يبقى بعد فرض الزوجية أثلاثًا مثل قسمة أصل المال من الأبوين أثلاثًا ليس بينهما فرق أصلًا علم بدلالة التقسيم أن الله أراد أن تعطى في هذه الحال هذا وكانت هذه بالضرورة وقياسه من جهة أنها قياس في معنى الأصل دلالة لفظية كانت أو خطابية أيضًا كما في قوله من أعتق شركًا له في عبد وقوله أيما رجل وجد متاعه بعينه عند رجل قد أفلس فهو أحق به.
[تفسير آيات أشكلت: 2/521]
فإن لفظ عبد ورجل يتناول في مثل هذا الذكر والأنثى في عرف الخطاب من باب التعبير باللفظ الخاص عن المعنى العام وهذا باب غير باب القياس وذلك تارة لكون اللفظ الخاص صار في العرف عامًّا كقوله {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} وقوله {مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ} وقوله {وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} وقول القائل والله ما أخذت له حبَّة ولا شربت له قطرة ولا أكلت له لقمة ونحو ذلك مما صار في عرف الخطاب يدل على النفي العام لكونه صار في العرف الخاص عامًّا.
ومن هذا الباب خطاب المطاع للواحد في أهل طاعته الذين قد استقر
[تفسير آيات أشكلت: 2/522]
عندهم تماثلهم في الحكم فإن هذا الخطاب لجميعهم كخطاب السيِّد للواحد من عبيده بأمور يشترك فيها العبيد وكذلك الملك للواحد من رعيته ومن هذا خطاب النبي صلى الله عليه وسلم للواحد من أمته بحكم فإنه قد علم بعادته من خطابه أن هذا حكم لمن هو مثل ذلك الشخص إلى يوم القيامة وكذلك خطابه لمن حضره قد علم لعادته أن من غاب عنه إذا كانوا بمنزلتهم أنهم مخاطبون بمثل ذلك لمعرفة المستمع أن حكم الشيء حكم مثله وأن التعيين هنا لا يراد به التخصيص بل التمثيل.
وأما إذا كان أحد الزوجين مع سائر العصبة فهنا لو أعطيت ثلث الباقي لكان جَعْلًا لذلك العاصب معها بمنزلة الأب وليس الأمر كذلك فإن الأب في طبقتها فكان حكمها معه كحكم الذكر مع طبقته من الإناث وأما غير الأب فبعيد عنها.
والقرآن لما أعطاها الثلث مع الأب دل على أنه مع غيره من العصبة مثله وأولى من نقصانها والسدس لا سبيل إليه لما تقدم.
وقد دل القرآن على أنها مع الأخ الواحد من الإخوة لا تعطى السدس فلما
[تفسير آيات أشكلت: 2/523]
أبطل إعطاءها السدس مع العصبة غير الأب وغير أحد الزوجين أو ثلث الباقي تعين الثلث وكان إذا أعطيت الثلث مع سائر العصبة وأحد الزوجين بمنزلة أن تعطاه مع الأب وحده فإن الأب وحده يحجب سائر العصبة ويأخذ الثلثين.
ومع أحد الزوجين أعطاها ثلث الباقي ليأخذ الأب الثلثين الآخرين إذ ليس هناك عصبة غيره إذ هو يحجبهم ومع غيره لو أعطيناها ثلث الباقي لكان ذلك ليأخذ ذلك العصبة الثلثين وليس ذلك له بل قد يكون مع الأم محجوبًا لا يأخذ شيئًا بحال إذا كان معها أب أو ابن فإذا كان قد يكون معها محجوبًا حجب حرمان فحجب النقصان أولى بخلاف الأب فإنه لا يحجب معها لا حجب حرمان ولا حجب نقصان.
وكان إعطاؤها مع الأب الثلث إعطاءً لها مع غير الأب في سائر الأحوال بطريق الأولى إذ لا حال هناك يستحق أحد معها أن يأخذ مثلي ما تأخذ كما يستحق الأب بعد ذلك فإن قوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}
[تفسير آيات أشكلت: 2/524]
دل على أنها لها الثلث والباقي للأب بقوله {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} فإنه لما جعل الميراث ميراثًا بينهما ثم أخرج نصيبها دل على أن الباقي من نصيبه.
وإذا أعطي الأب الباقي معها لم يلزم أن يعطى غيره مثلما أعطي وإنما أعطينا سائر العصبة بقوله تعالى {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} وبقوله {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} وبقول النبي صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر.
[تفسير آيات أشكلت: 2/525]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #4  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:34 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
وأما ميراث الأخوات مع البنات وأنهن عصبة كما قال جمهور الصحابة والعلماء فقد دل عليه القرآن والسنة أيضًا فإن قوله تعالى
[تفسير آيات أشكلت: 2/526]
{يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فدل على أن الأخت ترث النصف مع عدم الولد وأنه هو يرث المال كله مع عدم ولدها وذلك يقتضي أن الأخت مع الولد لا يكون لها النصف مما ترك إذ لو كان كذلك لكان لها النصف سواءً كان له ولد أو لم يكن له فكان ذكر الولد تدليسًا وعبثًا مُضِرًّا وكلام الله منزه عن ذلك.
وليس هذا من المفهوم الذي هو تخصيص أحد النوعين بالذكر بل هو من باب تخصيص اللفظ العام وتقييده مع أن الحكم يتناول جميع الصور والتخصيص بعد التعميم ليس بمنزلة التخصيص المبتدأ فإن ذلك قد يقصد به ذكر ذلك النوع دون الآخر وأما ذكر الجنس الذي يعمهما مع أن الحكم يعمهما
[تفسير آيات أشكلت: 2/527]
والحاجة داعية إلى بيان التخصيص لا لاختصاصه بالحكم ومن هذا قوله تعالى {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} وقوله {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.
وإذا علم أنها مع الولد لا ترث النصف فالولد إما ذكر وإما أنثى أما الذكر فإنه يسقطها كما يسقط الأخ بطريق الأولى بدليل قوله {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فلم يثبت له الإرث المطلق إلا إذا لم يكن لها ولد والإرث المطلق هو حوز جميع المال فدل ذلك على أنه إذا كان لها ولد لم يحز المال بل إما أن يسقط وإما أن يأخذ بعضه فيبقى إذا كان لها ولد فإما ابن وإما بنت.
والقرآن قد بيَّن أن البنت إنما تأخذ النصف فدل على أن البنت لا تمنعه النصف الآخر إذا لم يكن إلا بنت وأخ ولما كان فتيا الله إنما هي في
[تفسير آيات أشكلت: 2/528]
الكلالة والكلالة من لا والد له ولا ولد علم أن من له ولد ووالد ليس هذا حكمه ولما كان قد بيَّن تعالى أن الأخ يحوز مال الأخت فيكون لها عصبة كان الأب يكون له عصبة بطريق الأولى وإذا كان الأب والأخ عصبة
[تفسير آيات أشكلت: 2/529]
فالابن بطريق الأولى.
وقد قال تعالى {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} فإذا كان قد جعل موالي واحدهم مولى وهو الذي يتولى المرء فيكون مولاه يرث ماله ويكون من أولي الأرحام الذين بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إذا كان لكل أحد قد جعل الله عصبة ترث ماله مما ترك هم الوالدان والأقربون.
قال طائفة من المفسرين أي من المال الذي ترك والموالي هم الوالدان والأقربون وموال بمعنى ورثة والمعنى لكل جعلنا ورثة يرثن مما ترك هم الوالدان والأقربون.
[تفسير آيات أشكلت: 2/530]
وإذا كان قد جعل الله الوالدين والأقربين موالي فالبنون أولى أن يكونوا موالي ولهذا لما كانوا في أول الأمر إنما يرث الرجل ولده فرض الله الوصية للوالدين والأقربين فقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ}.
فلما فرض الله الوصية لهما دل ذلك على أن الميراث للولد دونهما وكان ذلك هو الحكم قبل نزول آية الفرائض فعلم أن الولد أولى من الأبوين وإن كان الابن أولى أن يكون عصبة من الأب.
وأيضًا فإنه سبحانه قال {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ} فأوجب الوصية للوالدين والأقربين لما كان لا يرث أحدهم إلا ولده فكان ميراث الولد وأخذ الأب مال ابنه كله أمرًا معروفًا عندهم في الجاهلية ففرض الله فرائض لمن سَمَّاه وأما إرث الابن مال أبيه إذا لم يكن غيره فكان من الأحكام الظاهرة الواضحة التي كانوا عليها في الجاهلية وأقرهم عليها في الإسلام وَوَكد ميراث
[تفسير آيات أشكلت: 2/531]
الابن حتى وَرَّث الابن سوا كان صغيرًا أو كبيرًا.
وكذلك سائر الورثة سَوَّى بين الصغير والكبير وكانوا في الجاهلية ومن كان منهم لا يورثون إلا الكبير ودل أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولى رجل ذكر أن ما بقي بعد الفرائض فلا يرثه إلا العصبة وقد علم أن الابن أقرب ثم الأب ثم الجد ثم الإخوة.
وقضى النبي صلى الله عليه وسلم أن أولاد بني الأم يتوارثون دون بني العلات فالأخ للأبوين أولى من الأخ للأب وابن الابن يقوم مقام الابن وكذلك كل
[تفسير آيات أشكلت: 2/532]
بني أب أدنى هم أقرب من بني الأب الذي هو أعلى منه وأقربهم إلى الأب الأعلى فهو أقرب إلى الميت وإذا استووا في الدرجة فمن كان لأبوين أولى ممن كان لأب.
فلما دل القرآن على أن للأخت النصف مع عدم الولد وأنه مع ذكور ولد يكون الابن عاصبًا يحجب الأخت كما يحجب أخاها بقي حال الأخت مع إناث الولد ليس في القرآن ما ينفي ميراث الأخت في هذه الحال وإنما ينفي أن يكون لها النصف مع الولد كما يكون مع عدم الولد.
بقي مع البنت إما أن تسقط وإما أن يكون لها النصف وإما أن تكون عصبة ولا وجه لسقوطها فإنها لا تزاحم البنت وأخوها لا يسقط فلا تسقط هي ولو سقطت بمن هو أبعد منها من الأقارب والبعيد لا يسقط القريب.
ولا يكون لها النصف فرضًا كما يكون لها مع الزوج لأن الله إنما جعل
[تفسير آيات أشكلت: 2/533]
لها النصف معه إذا لم يكن لها ولد ولأنها كانت تساوي البنت مع اجتماعهما والبنت أولى منها فلا تساويها وأيضًا فإنه لو فرض لها النصف لنقصت البنت عن النصف إذا عالت الفريضة مثل زوجة وبنت وأخت فكان للزوجة الثمن ولكل منهما النصف فتعول فتنقص البنت عن النصف.
وكذلك لو كان زوج كان له الربع فلو فرض للأخت النصف مع البنت لعالت فنقصت البنت عن النصف والإخوة لا يزاحمون الأولاد بفرض ولا تعصيب فإن الأولاد أولى منهم والله إنما أعطاها النصف إذا كان الميت كلالة لا والد له ولا ولد فمن له ولد لا يفرض لها معه النصف فلما بطل سقوطها وفرضها لم يبق إلا أن تكون عصبة أولى من العصبة البعيدة كالعم وابن العم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/534]
وهذا قول الجمهور وقد دل عليه حديث البخاري عن ابن مسعود لما ذكر له أن أبا موسى وسلمان بن ربيعة قالا في بنت وبنت ابن وأخت للبنت النصف وللأخت النصف وائت ابن مسعود فإنه سيتابعنا فقال لقد ضللت إذًا وما أنا من المهتدين لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم للبنت النصف وابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي للأخت.
[تفسير آيات أشكلت: 2/535]
فأخبر ابن مسعود أن هذا قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدل ذلك على أن الأخوات مع البنات عصبة والأخت تكون عصبة بغيرها وهو أخوها فلا يمتنع أن تكون عصبة مع البنت فإن البنت أقوى من أخ الميت ولهذا لم يعصبها بخلاف البنت مع الابن فإنها ليست أقوى من أخيها فلهذا عصبها وفي السنن أن معاذًا أتِي في بنت وأخت فأعطى الأخت النصف والبنت
[تفسير آيات أشكلت: 2/536]
النصف.
وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر فهذا عام خص منه المعتقة والملاعنة والملتقطة لقوله صلى الله عليه وسلم تحوز المرأة ثلاث مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/537]
وإذا كان عَامًّا مخصوصًا خصت منه هذه الصورة بما ذكر من الأدلة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/538]
وإن قيل قوله فلأولى رجل ذكر إنما هو في الأقارب الوارثين بالنسب قيل فالمنازع يقدم المعتق على الأخت مع البنت وليس من الأقارب وهو صلى الله عليه وسلم قال فلأولى رجل ذكر فذكره بالذكر ليبين أن العاصب المذكور هو الذكر دون الأنثى وأنه لم يرد بلفظ الرجل ما يتناول الأنثى كما في قوله أيما رجل وجد متاعه ونحو ذلك مما يذكر فيه لفظ الرجل.
والحكم يعم النوعين الذكور والإناث وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم في فرائض صدقة الإبل فإن لم يكن فيها بنت مخاض فابن لبون ذكر فذكر لفظ الذكر ليبين أن مراده بابن اللبون الذكر دون الأنثى وأن الذكر
[تفسير آيات أشكلت: 2/539]
يجزئ في هذه الحال دون ما إذا كانت فيها بنت مخاض فإن الفرض بنت مخاض.
ومما يبين صحة قول الجمهور أن قوله {لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} إنما يدل منطوقه على أنها ترث النصف مع عدم الولد والمفهوم إنما يقتضي أن الحكم في المسكوت ليس مماثلًا للحكم في المنطوق فإذا كان فيه تفصيل حصل بذلك مقصود المخالفة فلا يجب أن تكون كل صورة من صور المسكوت مخالفة لكل صور المنطوق ومن توهم ذلك في دلالة المفهوم فإنه في غاية الجهل.
فإن المفهوم إنما يدل بطريق التعليل وبطريق التخصيص والحكم إذا ثبت بعلةٍ فانتفت جاز أن يخلفها في بعض الصور أو كلها علة أخرى وقصد التخصيص يحصل بالتفصيل وحينئذ فإذا نفي إرثها مع ذكور الولد حصل المقصود بدليل الخطاب ولم يكن في الآية نفي ميراثها مع الأنثى فيجب أن تكون من أهل الفرائض أو من العصبة وهي مع كونها من أهل الفرائض لكن لها التعصيب في بعض الأحوال كما
[تفسير آيات أشكلت: 2/540]
تكون عصبة مع إخوتها.
وعلى هذا التقدير فلا يكون الحديث مخصوصًا بل عمومه محفوظ وصار هذا كما لو كان معها أخوها أو كان البنين والبنات أو الأخوات والإخوة أحد الزوجين أو لأم فإما أن تلحق الفرائض بأهلها وما بقي لا يختص به ذكور الولد والإخوة بالنص والإجماع فإن الله تعالى قال {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بعد قوله {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} وقال تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}.
فقد جعل الله لكل واحدٍ من الأبوين السدس مع الولد والباقي للولد.
وإذا كانوا ذكورًا وإناثًا فللذكر مثل حظ الأنثيين وهذا متفق عليه بين المسلمين فدل ذلك على أن قوله فلأولى رجل ذكر إنما يراد به إذا لم يكن هناك من يكون عصبة بغيره وهو من أهل الفرض في بعض الأحوال.
[تفسير آيات أشكلت: 2/541]
ولو أخذ بما يظن أنه ظاهر الحديث لكان الباقي بعد الفرض لذكور الإخوة دون الأخوات والبنين دون البنات وهذا باطل بالنص وإجماع المسلمين فعلم أنها إذا كانت عصبة بغيرها لم يكن الباقي لأولى رجل ذكر وهي في هذه الحال عصبة بغيرها فليس الباقي لأولى رجل ذكر ومعلوم أن أخاها أقرب من العم وابن العم فإذا كان لا يسقطها بل تكون معه عصبة فلأن لا يسقطها العم وابنه بطريق الأولى والأحرى وإذا لم يسقطها ورثت دونه لأنه أبعد منها بخلاف أخيها.
وحينئذٍ فقوله ألحقوا الفرائض بأهلها إن أريد به من له فرض في تلك المسألة فقوله فما بقي فلأولى رجل ذكر خص منه من الأقارب من يكون عصبة بغيرها والبنت في هذه الصورة عصبة بغيرها فتخص منه.
ولو أريد بالفرائض من هو من أهل الفرائض في الجملة سواء كان لا يرث إلا بفرض كالزوجين والأم وولد الأم أو كان يرث بفرض تارة وبتعصيب أخرى كالأب والبنات والأخوات فيراد تقديم هذا الضرب وما بقي بعده فلأولى رجل ذكر فقد تناولها الحديث.
فإن الورثة أقسام:
[تفسير آيات أشكلت: 2/542]
ذو فرض محض كالزوجين وولد الأم والأم.
وذو تعصيب محض كالبنين والإخوة.
ومن يكون ذا فرض بنفسه وعصبة بنفسه كالابن والجد.
ومن يكون ذا فرض وعصبة بغيره كالبنات والأخوات.
ومعلوم أن قوله صلى الله عليه وسلم ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فلأولى رجل ذكر لم يرد به سقوط البنات والأخوات إذا كن عصبة بغيرهن بل يرثن في هذه الحال بالإجماع.
والأخوات مع البنات كالأخوات مع إخوتهن فإذا لم ينفرد الرجل الذكر وهو أخوهن ويسقطهن فأن لا ينفرد من هو أبعد منه ويسقطهن بطريق الأولى.
ولها لم يوجد قط أخت تسقط مع عم وابن عم ومن هو أبعد منها بل لا بد أن ترث إما بفرض وإما بتعصيب حصل بغيرها.
وحينئذٍ فإذا كن مع البنات وجب أن يرثن بأحد هذين وقد تعذر
[تفسير آيات أشكلت: 2/543]
الفرض فتعين التعصيب كما لو كان معها أخوها.
يبين ذلك أن جنس أهل الفرائض يقدمون على العصبات سواء كانوا أهل فرض محض أو كانوا مع ذلك لهم تعصيب بأنفسهم أو بغيرهم.
والأخوات من جنس أهل الفرائض فهن يرثن في حال بالفرض وفي حال يكن عصبة وهم مقدمون على من لا يرث إلا بالتعصيب المحض كالعم وابن العم فدل ذلك على أن الأخوات أولى من هؤلاء.
ولا يجوز أن يستدل بهذا الحديث على حرمانهن مع البنات كما لا يجوز أن يستدل به على حرمانهن مع إخوتهن بل ولا على حرمان بنات الابن مع أخيهن ومع ابن أخيهن إذا استكمل البنات الثلثين بل يعصب من في درجته ومن هو أعلى منه عند الجمهور ولكن ابن مسعود ومن وافقه
[تفسير آيات أشكلت: 2/544]
كأبي ثور يقولون إنه لا يعصب إلا من يرث دونه لا يعصب من يسقط بدونه ودلالة الحديث في هذه المواضع من جنس واحد.
فإما أن يقال هؤلاء كلهم من جنس أهل الفرائض فإنهن ممن يفرض لهن ليس بمنزلة العمة والخالة ونحوهما ممن ليس له فرض مقدر.
وإما أن يقال هو مخصوص وهذا الحديث قد روي بألفاظ فمن جملة ألفاظه اقسموا المال بين أهل الفرائض على كتاب الله فما بقي فلأولى رجل ذكر وهذا اللفظ يتناول كل من كان من أهل الفرائض في الجملة وإن عرض له حال
[تفسير آيات أشكلت: 2/545]
يكون فيها عصبة بغيره إذا لم يكن محجوبات بغيرهن كما يحجب بنات الابن فالابن وما بقي بعده فلأولى رجل ذكر ليس المراد أنه ما بقي بعد الفرائض المقدرة لا يعطاه إلا رجل ولو قدر أن اللفظ يتناول هذا فعد منه صور كثيرة بالنص والإجماع وهذه الصورة أدل.
[تفسير آيات أشكلت: 2/546]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #5  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:37 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
وأما ميراث البنتين فقد قال الله تعالى {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}.
فدل القرآن على أن البنت لها مع أخيها الذكر الثلث ولها وحدها النصف
[تفسير آيات أشكلت: 2/547]
ولما فوق اثنتين الثلثان بقيت البنتان فكان إذا كان لها مع الذكر الثلث لا الربع فأن يكون لها مع الأنثى الثلث لا الربع أولى وأحرى ولأنه قال {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ} فقيد النصف بكونها واحدة فدل بمفهومه على أنه لا يكون لها إلا مع هذا الوصف بخلاف قوله {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً} فإنه لما ذكر ضمير كن ونساء وذلك جمع لم يمكن أن يقال اثنتين لأن ضمير الجمع لا يختص باثنتين ولأن الحكم لا يختص باثنتين فلزم أن يقال فوق اثنتين لأنه قد عرف حكم الثنتين وعرف حكم
[تفسير آيات أشكلت: 2/548]
الواحدة وإذا كانت واحدة فلها النصف ولما فوق الثنتين الثلثان امتنع أن يكون للثنتين أكثر من الثلثين فلا يكون لهما جميع المال لكل واحدة النصف فإن الثلاث ليس لهن إلا الثلثان فكيف بما دون الثلاثة ولا يكفيهما النصف لأنه لها بشرط أن تكون واحدة فلا يكون لها إذا لم تكن واحدة.
وهذه الدلالة تظهر من قراءة النصب وإن كانت واحدة فإن هذا خبر كان تقديره فإن كانت بنتًا واحدة أي مفردة ليس معها غيرها فلها النصف فلا يكون لها ذلك إذا كان معها غيرها فانتفى النصف وانتفى الجميع فلم يبق إلا الثلثان وهذه دلالة من الآية.
[تفسير آيات أشكلت: 2/549]
وأيضًا فإن الله لما قال في الأخوات {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} كان دليلًا على أن البنتين أولى بالثلثين من الأختين.
وأيضًا فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أعطى ابنتي سعد بن الربيع الثلثين وأمهما الثمن والعم ما بقي وهذا إجماع لا يصح فيه خلاف عن ابن عباس
[تفسير آيات أشكلت: 2/550]
رضي الله عنهما.
وقال في الأخوات {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} لأنه لم يذكر قبل ذلك ما يدل على أن للواحدة مع أخيها الثلث وإنما ذكر بعد ذلك بقوله {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} بخلاف تلك الآية فإنه ذكر أولًا أن للذكر مثل حظ الأنثيين فتضمن حكمها مع أخيها ثم ذكر حكم العدد من النساء بعد ذلك.
ودلت آية الولد على أن حكم ما فوق الاثنتين حكم الاثنتين فكذلك قال في الأخوات {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ} ولم يذكر ما فوقهما فإنه إذا كانت الثنتان يستحقان الثلثين فما فوقهما بطريق الأولى والأحرى بخلاف آية البنات فإنه لم يدل قوله {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} إلا على أنه لها الثلث مع أخيها وإذا كن فوق اثنتين لم
[تفسير آيات أشكلت: 2/551]
تستحق الثلث فصار بيانه في كل من الآيتين من أحسن البيان.
هناك لما دل الكلام الأول على ميراث البنتين دون ما زاد على ذلك بين بعد ذلك ميراث ما زاد على البنتين.
وفي أية الصيف لما دل الكلام على ميراث الأختين وكان ذلك دالًّا بطريق الأولى على ميراث الثلاثة والأربعة وما زاد لم يحتج أن يذكر ما زاد على الأختين فهناك ذكر ما فوق البنتين دون البنتين وفي الآية الأخرى ذكر البنتين دون ما فوقهما لما يقتضيه حسن البيان في كل موضع حيث هناك قد بين ميراث البنتين دون ما فوقهما
[تفسير آيات أشكلت: 2/552]
وكان هنا حكم بيان حكمهما بيانًا لما فوقهما بطريق الأولى ولم يكن فيما تقدم بيان حكمهما ولم يجز أن يكون للأخوات أكثر من الثلثين لأن البنات إذا لم يكن لهن أكثر من الثلثين فالأخوات بطريق الأولى.
ثم قال {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وإن أراد بذلك إن كانوا عددًا من الإخوة من جنس الرجال وجنس النساء لم يرد أن يكونوا جمع رجال وجمع نساءٍ فإنه لو كان رجل وامرأتان أو امرأة ورجل أو رجلان وامرأتان لكان ذلك كما لو كانوا ثلاثة رجال وثلاثة نساء وهذا باتفاق الناس.
ولو قيل الإخوة ثلاثة فصاعدًا لقيل فكذلك الرجال والنساء فيلزم أن يكون المعنى ستة إخوة فصاعدًا ولأنه لما بين حكم البنت
[تفسير آيات أشكلت: 2/553]
الواحدة والأخ الواحد وحكم الأختين فصاعدًا بقي بيان الاثنتين فصاعدًا من الصنفين ليكون البيان مستوعبًا للأقسام.
ولفظ الإخوة وسائر ألفاظ الجمع قد يعني به الجنس من غير قصد لعدد لقوله تعالى {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} وقد يعني به العدد من غير قصدٍ لقدر منه فيتناول الاثنين فصاعدًا وقد يعني به الثلاثة فصاعدًا وفي هذه الآية إنما عنى به العدد مطلقًا لأنه بيَّن الواحدة قبل ذلك ولأن ما ذكره من الأحكام في الفرائض فرَّق فيه بين الواحد والعدد وَسَوَّى فيه بين مراتب العدد الاثنين والثلاثة والأربعة وهذا مما يبين أن قوله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} يتناول الاثنين والثلاثة.
[تفسير آيات أشكلت: 2/554]
وقد صرَّح بذلك في قوله {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} فقوله {كانوا} ضمير جمع وقوله {أكثر من ذلك} أي أكثر من أخ وأخت ثم قال {فهم شركاء في الثلث} فذكرهم بصيغة الجمع المضمر وهو قوله {فهم} والمظهر وهو قوله {شركاء} ولم يذكر قبل ذلك إلا قوله {وله أخ أو أخت} فذكر حال انفراد الواحد لا حال اجتماعهما.
فدل على أن قوله {أكثر من ذلك} أي أكثر من أخ وأخت وأعاد الضمير إليهم بصيغة الجمع فدل على أن صيغة الجمع في آيات الفرائض تناولت العدد مطلقًا الاثنين فصاعدًا كقوله {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ} وقوله {فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وقوله {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً} ثم هذه الصيغة تصلح لذلك وإن كان إنما يراد بها الثلاثة فصاعدًا في موضع آخر.
[تفسير آيات أشكلت: 2/555]
وإن قيل إن ذلك هو الأصل فصيغة الجمع قد تختص بالتثنية فيما كان مضافًا إلى شيء وليس فيه إلا واحد منه كقوله {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} ولا يحتمل إلا قلبين فهذا يختص بالاثنين وعدل فيه عن لفظ الاثنين إلى لفظ الجمع للخفة وعدم اللبس فإنه قد علم أن لكل واحدة قلبًا فصار استعمال لفظ الجمع في الاثنين مع البيان هو لغة القوم ومنه قوله {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} ولم يقل يديهما.
فإذا كانت الصيغة تختص بالاثنين في الموضع المبين لم يقل أحد إنها عند الإطلاق تختص بالاثنين فلذلك تستعمل في الاثنين فصاعدًا في الموضع المبين وإن كانت عند الإطلاق إنما تتناول الثلاثة فصاعدًا وليس شيء من ذلك مجازًا بل كله من الموضوع في لغتهم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/556]
وقد غلط من ظن أن لفظ الجمع في لغتهم إنما وضع لثلاثة فصاعدًا أو لاثنين فصاعدًا بل وضع الثلاثة فصاعدًا في موضع والاثنين فصاعدًا في موضع والاثنين فقط في موضع وكل من وضع العرب والقرينة هاهنا من وضع العرب.
وإذا كانت القرينة موضوعة كانت بمنزلة ما يقترن بالفعل المفعول به ومعه وله والظرفين والحال والتمييز وما يقترن باللفظ من الصفة وعطف البيان وعطف النسق والاستثناء والشرط والغاية وغير ذلك مما يقيد مطلقه ويكون مانعًا له من العموم موجبًا لاختصاصه ببعض ما يدخل فيه عند عدم تلك القيود فإن هذا كله مما وضعت العرب أجناسه كما وضعت رفع الفاعل ونصب المفعول به وخفض المضاف إليه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/557]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #6  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:39 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
وأما الجدة فكما قال الصِّدِّيق رضي الله عنه ليس لها في كتاب الله شيء فإن الأم المذكورة في كتاب الله مقيدة بقيود توجب اختصاص الحكم بالأم الدنيا فالجدة وإن سميت أمًّا لم تدخل في لفظ الأم المذكورة في الفرائض
[تفسير آيات أشكلت: 2/558]
فأدخلت في لفظ الأمهات في قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}.
ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس فثبت ميراثها بسنته ولم ينقل عن
[تفسير آيات أشكلت: 2/559]
النبي صلى الله عليه وسلم لفظ عام في الجدات بل وَرَّث الجدة التي سألته فلما جاءت الثانية رأى أبو بكر جعلها شريكة الأولى في السدس.
وقد تنازع الناس في الجدات فقيل لا يرث إلا ثنتان أم الأم وأم الأب كقول مالك وأبي ثور وقيل لا يرث إلا ثلاث هاتان وأم الجد لما روى إبراهيم النخعي أن النبي صلى الله عليه وسلم ورَّث ثلاث جدات جدتيك من قبل أبيك وجدَّتك من قبل أمك وهذا مرسل حسن فإن مراسيل إبراهيم
[تفسير آيات أشكلت: 2/560]
من أحسن المراسيل فأخذ به أحمد ولم يرد في النص إلا توريث هؤلاء.
وقيل بل يرث جنس الجدات المدليات بوارث وهو قول الأكثرين كأبي حنيفة والشافعي وغيرهما وهو وجه في مذهب أحمد وهذا القول أرجح لأن لفظ النص وإن لم يرد في كل جدة فالصِّدِّيق لما جاءته الثانية قال لها لم يكن السدس الذي أعطي إلا لغيرك ولكن هي لو خلت به فهو لها فورَّث الثانية والنص إنما كان في غيرها.
ولأنه لا نزاع أن من علت بالأمومة ورثت فترث أم أم الأب وأم أم الأم بالاتفاق فتبقى أم أبي الجد أيُّ فرق بينها وبين أم الجد وأيُّ فرق بين أم الأب وأم الجد؟
[تفسير آيات أشكلت: 2/561]
ومعلوم أن أبا الجد يقوم مقام الجد بل هو جَد أعلى وكذلك الجد كالأب فأي وصف يفرق بين أم أم الأب وأم أبي الجد يبين ذلك أن أم أم الميت وأم أبيه بالنسبة إليه سواء فكذلك أم أم أبيه وأم أبي أبيه بالنسبة إلى أبيه سواء وأم أبي جده وأم جد جده بالنسبة إلى جده سواء وإذا كانت هاتان مشتركتان في الميراث ونسبة تينك إليه كنسبة هاتين وجب اشتراكهما في الميراث.
وأيضًا فهؤلاء جعلوا أم أم الأم وإن زادت أمومتها ترث وأم أبي الأب لا ترث ورجحوا الجدة من جهة الأم على الجدة من جهة الأب وهذا ضعيف فإن جدته أم أبيه إن لم تكن مثل أم أمه لم تكن أدنى منها فإنها تدلي بعصبة وبنت الابن أولى به من بنت البنت فلم تكن أم الأم أولى به من أم الأب.
ونظير هذا في الحضانة فإنهم متنازعون هل أم الأم أولى من أم الأب على قولين هما روايتان عن أحمد.
[تفسير آيات أشكلت: 2/562]
وأصل الحضانة أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأم على الأب لكن هل قدمها لكونها أنثى فهي أحق بالتربية من الأجنبي الذكر أم لكون جهة الأمومة أحق من جهة الأبوة فإن كان الأول لم تقدم أم الأم بل أم الأب لأنهما يشتركان في الأنوثة وامتازت تلك لأنها من نساء العصبة والحضانة لرجال العصبة دون رجال الأم وإن كانت لجهة الأم فقدمت أم الأم وهذا مخالف لأصول الشرع فإن أقارب الأم لم يقدموا في شيءٍ من الأحكام بل أقارب الأب أولى من أقارب الأم في جميع الأحكام فكذلك في الحضانة.
وكذلك في الميراث الجدة أم الأب إن لم تكن أولى من أم الأم لم تكن
[تفسير آيات أشكلت: 2/563]
دونها والصحيح أنها لا تسقط بابنها أي الأب كما في أظهر الروايتين عن أحمد لحديث ابن مسعود ولأنها وإن أدلت به فهي لا ترث ميراثه بل هي معه كولد الأم مع الأم لما أدلوا بها ولم يرثوا ميراثها لم يسقطوا بها.
وقول من قال من أدلى بشخص سقط به باطل طردًا وعكسًا باطل
[تفسير آيات أشكلت: 2/564]
طردًا بولد الأم مع الأم وعكسًا بولد الابن مع عمهم وولد الأخ مع عمهم وأمثال ذلك مما فيه سقوط شخص بمن لم يدل به وإنما العلة أنه يرث ميراثه فكل من ورث ميراث شخص سقط به إذا كان أقرب منه والجدات يقمن مقام الأم فيسقطن بها وإن لم يدلين بها
[تفسير آيات أشكلت: 2/565]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #7  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:41 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
وأما كون بنات الابن مع البنت لهن السدس تكملة الثلثين وكذلك الأخوات من الأب مع أخت الأبوين فلأن الله قال {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}.
وقد علم أن الخطاب تناول ولد البنين دون ولد البنات وأن قوله {أَوْلَادِكُمْ} يتناول من ينسب إلى الميت وهم ولده وولد بنيه وأنه متناولهم على الترتيب يدخل فيه ولد البنين عند عدم ولد الصلب لما قد عرف من أن ما أبقت الفروض فلأولى رجل ذكر والابن أقرب من ابن الابن فإذا لم يكن إلا بنت فلها النصف وبقي من نصيب البنات السدس.
[تفسير آيات أشكلت: 2/566]
فإذا كان هنا بنات ابن فهن يستحقن الجميع لولا البنت فإذا أخذت النصف فالباقي لهن وكذلك في الأخت من الأبوين مع الأخت من الأب أخبر ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى للبنت بالنصف ولبنت الابن السدس تكملة الثلثين.
وأما إذا استكمل البنات الثلثين لم يبق فرض فإن كان هناك عصبة من ولد البنين فالمال له لأنه أولى رجل ذكر وإن كان معه أو فوقه بنت عصبها عند جمهور الصحابة والعلماء كالأربعة وغيرهم.
وأما ابن مسعود فإنه يسقطها لأنها لا ترث مفردة فلا ترث مع أخيها
[تفسير آيات أشكلت: 2/567]
كالمحجوبة بِرِقٍّ أو كفر والجمهور يقولون وارثة بالجملة وهي ممن تكون عصبة بأخيها وهنا إنما سقط ميراثها بالفرض لاستكمال الثلثين وإذا سقط الفرض لم يلزم سقوط التعصيب مع قيام موجبه وهو وجود أخيها وإذا كان وجود الأخ يجعلها عصبة فيحرمها وإن ورثت بالفرض كما في الأخ المشئوم فكذلك يجب أن يجعلها عصبة فيورثها إذا لم ترث بالفرض.
والنزاع في الأخت للأب مع أخيها إذا استكمل البنات الثلثين فالجمهور يجعلون البنات عصبة مع إخوتهن يقتسمون النصف الباقي للذكر مثل حظ الأنثيين سواء زاد ميراثهن بالتعصيب أو نقص وتوريثهن هنا أقوى وقول ابن مسعود معروف في نقصانهن.
[تفسير آيات أشكلت: 2/568]


التوقيع :
رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 ربيع الثاني 1432هـ/20-03-2011م, 11:43 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 7,079
افتراضي

فصل
فيمن عمي موتهم فلم يعرف أيهم مات أولًا
فالنزاع مشهور فيهم والأشبه بأصول الشريعة أنه لا يرث بعضهم من بعض بل يرث كل واحد ورثته الأحياء وهو قول الجمهور وهو قول في مذهب أحمد لكنه خلاف المشهور في مذهبه.
[تفسير آيات أشكلت: 2/569]
وذلك لأن المجهول كالمعدوم في الأصول بدليل الملتقط لما جهل حال المالك كان المجهول كالمعدوم فصار مالكًا لما التقطه لعدم العلم بالملك.
وكذلك المفقود قد أخذ أحمد بأقوال الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم فجعلوها زوجة الثاني ما دام الأول مجهولًا باطنًا وظاهرًا كما في اللقط فإذا علم صار النكاح موقوفًا لأنه فرِّق بينه وبين امرأته بغير إذنه لكن تفريقًا جائزًا فصار ذلك موقوفًا على إجازته وردِّه فيخير بين امرأته والمهر.
فإن اختار امرأته كانت زوجته وبطل نكاح الثاني بنفس ظهور هذا واختياره امرأته ولم يحتج إلى طلاقه فإن لم يخترها بقيت زوجة الثاني وكان للأول المطالبة بالمهر الذي هو عوض خروج بضعها من ملكه بغير أمره ولم يحتج ذلك إلى إنشاء نكاح الثاني.
[تفسير آيات أشكلت: 2/570]
فلها ثلاثة أحوال:
حال الجهل بالأول فهي زوجة الثاني باطنًا وظاهرًا.
وحال اختيار الأول لها فتعود زوجته باطنًا وظاهرًا.
وحال ظهوره قبل اختياره فالأمر موقوف كالنكاح الموقوف.
والمقصود هنا أن أحمد اتبع الصحابة الذين جعلوا المجهول كالمعدوم وهنا إذا كان أحدهما قد مات قبل الآخر فذاك مجهول والمجهول كالمعدوم فيكون تقدم أحدهما على صاحبه الآخر معدومًا فلا يرث أحدهما من صاحبه.
وأيضًا فالميراث جعل للحي ليكون خليفة للميت ينتفع بماله فإذا ماتا على هذه الحالة لم يكن انتفاع أحدهما بمال الآخر أولى من العكس وجعل
[تفسير آيات أشكلت: 2/571]
كل واحد منهما وارثًا موروثًا مناقض لمقصود الإرث فإن كونه وارثًا يوجب أن يكون حيًّا يخلف غيره وكونه موروثًا يوجب أن يكون ميتًا مخلوفًا فكيف يحكم بحكمين متناقضين في حال واحدة؟!
وكما أنهم لم يورثوه إلا من المال دون ما ورثه لئلا يلزم الدور فيجب أن لا يورثوه مطلقًا لئلا يلزم الدور في نفس الموت لا في عين الموروث.
وأما إذا عاش أحدهما بعد الآخر ولو لحظة فإنه بمنزلة الطفل إذا استهل ثم مات فيثبت له حكم الحياة المعلومة فاستحق الإرث بخلاف من لا يعلم حياته بعد الآخر فإن شرط الإرث وهو العلم بحياته بعده منتفٍ فلا يجوز توريثه منه.
وهذا يستفاد من جعل الله هذا وارثًا والوارث لا يكون إلا من عاش بعد الموروث وهذا غير معلوم فلا يثبت الإرث فإن الجهل بالشرط بمنزلة عدمه كما قلنا في الربويات الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل فالجهل بالتقدم كالعلم بعدم التقدم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/572]
والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
[تفسير آيات أشكلت: 2/573]


التوقيع :
رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اتفق, فصل

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 04:34 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir