17/469 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِهِم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ.
(وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُمْ أَصَابَهُمْ مَطَرٌ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَصَلَّى بِهِم النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ. رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ لَيِّنٍ)؛ لأَنَّ فِي إسْنَادِهِ رَجُلاً مَجْهُولاً، وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ.
وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ عَلَى قَوْلَيْنِ: هَل الأَفْضَلُ فِي صَلاةِ الْعِيدِ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ أَو الصَّلاةُ فِي مَسْجِدِ الْبَلَدِ إذَا كَانَ وَاسِعاً؟
الثَّانِي: قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، أَنَّهُ إذَا كَانَ مَسْجِدُ الْبَلَدِ وَاسِعاً صَلَّوْا فِيهِ وَلا يَخْرُجُونَ، فَكَلامُهُ يَقْضِي بِأَنَّ الْعِلَّةَ فِي الْخُرُوجِ طَلَبُ الاجْتِمَاعِ؛ وَلِذَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِ الْعَوَاتِقِ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ، فَإِذَا حَصَلَ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ أَفْضَلُ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لا يَخْرُجُونَ؛ لِسَعَةِ مَسْجِدِهَا وَضِيقِ أَطْرَافِهَا. وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الإِمَامُ يَحْيَى وَجَمَاعَةٌ، وقَالُوا: الصَّلاةُ فِي الْمَسْجِدِ أَفْضَلُ.
وَالْقَوْلُ الأَوَّلُ لِلْهَادَوِيَّةِ وَمَالِكٍ، أَنَّ الْخُرُوجَ إلَى الْجَبَّانَةِ أَفْضَلُ وَلَو اتَّسَعَ الْمَسْجِدُ لِلنَّاسِ، وَحُجَّتُهُمْ مُحَافَظَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ إلاَّ لِعُذْرِ الْمَطَرِ، وَلا يُحَافِظُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلاَّ عَلَى الأَفْضَلِ؛ وَلِقَوْلِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ؛ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ إلَى الْجَبَّانَةِ لِصَلاةِ الْعِيدِ وَقَالَ: لَوْلا أَنَّهُ السُّنَّةُ لَصَلَّيْتُ فِي الْمَسْجِدِ.
وَاسْتَخْلَفَ مَنْ يُصَلِّي بِضَعَفَةِ النَّاسِ فِي الْمَسْجِدِ. قَالُوا: فَإِنْ كَانَ فِي الْجَبَّانَةِ مَسْجِدٌ مَكْشُوفٌ فَالصَّلاةُ فِيهِ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ مَسْقُوفاً فَفِيهِ تَرَدُّدٌ.
(فَائِدَةٌ)
التَّكْبِيرُ فِي الْعِيدَيْنِ مَشْرُوعٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ، فَأَمَّا تَكْبِيرُ عِيدِ الإِفْطَارِ فَأَوْجَبَهُ النَّاصِرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، وَالأَكْثَرُ أَنَّهُ سُنَّةٌ، وَوَقْتُهُ مَجْهُولٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: فَعِنْدَ الأَكْثَرِ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ خُرُوجِ الإِمَامِ لِلصَّلاةِ إلَى ابْتِدَاءِ الْخُطْبَةِ، وَذَكَرَ فِيهِ الْبَيْهَقِيُّ حَدِيثَيْنِ وَضَعَّفَهُمَا.
لَكِنْ قَالَ الْحَاكِمُ: هَذِهِ سُنَّةٌ تَدَاوَلَهَا أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ، وَقَدْ صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَةُ عَن ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِن الصَّحَابَةِ. وَالثَّانِي لِلنَّاصِرِ، أَنَّهُ مِنْ مَغْرِبِ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ شَوَّالٍ إلَى عَصْرِ يَوْمِهَا خَلْفَ كُلِّ صَلاةٍ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إلَى خُرُوجِ الإِمَامِ، أَوْ حَتَّى يُصَلِّيَ، أَوْ حَتَّى يَفْرُغَ مِن الْخُطْبَةِ، أَقْوَالٌ عَنْهُ.
وَأَمَّا صِفَتُهُ، فَفِي فَضَائِلِ الأَوْقَاتِ لِلْبَيْهَقِيِّ بِإِسْنَادٍ إلَى سَلْمَانَ، أَنَّهُ كَانَ يُعَلِّمُهُم التَّكْبِيرَ وَيَقُولُ: كَبِّرُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً، أَوْ قَالَ: كَثِيراً، اللَّهُمَّ أَنْتَ أَعْلَى وَأَجَلُّ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ صَاحِبَةٌ، أَوْ يَكُونَ لَكَ وَلَدٌ، أَوْ يَكُونَ لَكَ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ، أَوْ يَكُونَ لَكَ وَلِيٌّ مِن الذُّلِّ، وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَنَا، اللَّهُمَّ ارْحَمْنَا.
وَأَمَّا تَكْبِيرُ عِيدِ النَّحْرِ، فَأَوْجَبَهُ أَيْضاً النَّاصِرُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.
وَلِقَوْلِهِ: {كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ}، وَوَافَقَهُ الْمَنْصُورُ بِاللَّهِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالرِّجَالِ. وَأَمَّا وَقْتُهُ، فَظَاهِرُ الآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَالآثَارُ عَن الصَّحَابَةِ أَنَّهُ لا يَخْتَصُّ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، إلاَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِعَقِيبِ الصَّلاةِ مُطْلَقاً، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِعَقِيبِ الْفَرَائِضِ دُونَ النَّوَافِلِ، وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِالْجَمَاعَةِ دُونَ الْفُرَادَى، وَبِالْمُؤَدَّاةِ دُونَ الْمَقْضِيَّةِ، وَبِالْمُقِيمِ دُونَ الْمُسَافِرِ، وَبِالأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى.
وَأَمَّا ابْتِدَاؤُهُ وَانْتِهَاؤُهُ، فَفِيهِ خِلافٌ أَيْضاً؛ فَقِيلَ فِي الأَوَّلِ: مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَقِيلَ: مِنْ ظُهْرِهِ، وَقِيلَ: مِنْ عَصْرِهِ. وَفِي الثَّانِي: إلَى ظُهْرِ ثَالِثِهِ، وَقِيلَ: إلَى آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَقِيلَ: إلَى ظُهْرِهِ، وَقِيلَ: إلَى عَصْرِهِ. وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ وَاضِحٌ.
وَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ عَن الصَّحَابَةِ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَّهُ مِنْ صُبْحِ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى آخِرِ أَيَّامِ مِنًى، أَخْرَجَهُمَا ابْنُ الْمُنْذِرِ.
وَأَمَّا صِفَتُهُ، فَأَصَحُّ مَا وَرَدَ فِيهِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سَلْمَانَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، قَالَ: كَبِّرُوا: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيراً.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَقَوْلٌ للشَّافِعِيِّ، وَزَادَ فِيهِ: وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَفِي الشَّرْحِ صِفَاتٌ كَثِيرَةٌ وَاسْتِحْسَانَاتٌ عَنْ عِدَّةٍ مِن الأَئِمَّةِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّوْسِعَةِ فِي الأَمْرِ، وَإِطْلاقُ الآيَةِ يَقْتَضِي ذَلِكَ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ لا فَرْقَ بَيْنَ تَكْبِيرِ عِيدِ الإِفْطَارِ وَعِيدِ النَّحْرِ فِي مَشْرُوعِيَّةِ التَّكْبِيرِ لاسْتِوَاءِ الأَدِلَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ النَّاسِ إنَّمَا هُوَ تَكْبِيرُ عِيدِ النَّحْرِ، وَقَدْ وَرَدَ الأَمْرُ فِي الآيَةِ بِالذِّكْرِ فِي الأَيَّامِ الْمَعْدُودَاتِ وَالأَيَّامِ الْمَعْلُومَاتِ.
وَلِلْعُلَمَاءِ قَوْلانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هُمَا مُخْتَلِفَانِ؛ فَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ، وَالْمَعْلُومَاتُ أَيَّامُ الْعَشْرِ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ تَعْلِيقاً، وَوَصَلَهُ غَيْرُهُ. وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ الَّتِي قَبْلَ أَيَّامِ التَّرْوِيَةِ وَيَوْمُ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَعْدُودَاتِ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ. وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ. وَظَاهِرُهُ إدْخَالُ يَوْمِ الْعِيدِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضاً، أَنَّ الْمَعْلُومَاتِ يَوْمُ النَّحْرِ وَثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَهُ. وَرَجَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ؛ لِقَوْلِهِ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ}؛ فَإِنَّهَا تُشْعِرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَيَّامُ النَّحْرِ، انْتَهَى.
وَهَذَا لا يَمْنَعُ تَسْمِيَةَ أَيَّامِ الْعَشْرِ مَعْلُومَاتٍ، وَلا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ، بَلْ تَسْمِيَةُ أيَّامِ التَّشْرِيقِ مَعْدُودَاتٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عُمَرَ تَعْلِيقاً، أَنَّهُمَا كَانَا يَخْرُجَانِ إلَى السُّوقِ أَيَّامَ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ، وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا. وَذَكَرَ الْبَغَوِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ذَلِكَ.
قَالَ الطَّحَاوِيُّ: كَانَ مَشَايِخُنَا يَقُولُونَ بِذَلِكَ؛ أي: التَّكْبِيرِ أَيَّامَ الْعَشْرِ جَمِيعاً.
(فَائِدَةٌ ثَانِيَةٌ)
يُنْدَبُ لُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ، وَالتَّطَيُّبُ بِأَجْوَدِ الأَطْيَابِ فِي يَوْمِ الْعِيدِ، وَيَزِيدُ فِي الأَضْحَى الضَّحِيَّةَ بِأَسْمَنِ مَا يَجِدُ؛ لِمَا أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ الَسِّبْطِ قَالَ: أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ نَلْبَسَ أَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نَتَطَيَّبَ بِأَجْوَدَ مَا نَجِدُ، وَأَنْ نُضَحِّيَ بِأَسْمَنَ مَا نَجِدُ: الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْجَزُورُ عَنْ عَشَرَةٍ، وَأَنْ نُظْهِرَ التَّكْبِيرَ، وَعَلَيْنَا السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ.
قَالَ الْحَاكِمُ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بَرْزَخٍ: لَوْلا جَهَالَةُ إِسْحَاقَ هَذَا لَحَكَمْتُ لِلْحَدِيثِ بِالصِّحَّةِ.
قُلْتُ: لَيْسَ بِمَجْهُولٍ؛ فَقَدْ ضَعَّفَهُ الأَزْدِيُّ، وَوَثَّقَهُ ابْنُ حِبَّانَ، ذَكَرَهُ فِي التَّلْخِيصِ.