الأحرف السبعة
عناصر الموضوع:
· معنى الحرف
· حديث نزول القرآن على سبعة أحرف حديث متواتر
· الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟
· النهي عن الاختلاف في القرآن وحكم من جحد بحرف منه
· هل المقصود حصر العدد في سبعة؟
· القول بأن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر ثم ارتفع حكمها
· أقوال العلماء في المراد بالأحرف السبعة
· ما قيل في أن من أسباب تكرر نزول بعض الآيات هو نزولها بالأحرف السبعة
· القول بأن اختلاف العلماء في إثبات أو نفي البسملة في أول كل سورة عائد إلى الاختلاف بين الأحرف السبعة
· علاقة الجمع العثماني بالأحرف السبعة
· هل اشتمل مصحف عثمان على جميع الأحرف السبعة؟
· هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة؟
· ما هي القراءات السبع؟
· حكم القراء ة بغير ما أثبت في مصحف عثمان؟
· هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بجميع الأحرف المنزلة عليه؟ وما صحة القول أن أكثر قراءته كانت بقراء ة نافع؟
تلخيص مسائل الأحرف السبعة
معنى الحرف
فيه أقوال:
قيل: المقطوع من الحروف المعجمة وتسمي العرب الكلمة المنظومة حرفا [قاله أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي]
قيل: الطرف والوجه، منه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} أي على وجه واحد وهو أن يعبده في السراء دون الضراء [ذكره الزركشي عن بعض المتأخرين]
قيل: المعنى والجهة والطريقة [قاله أبو جعفر النحوي، واختاره القاضي أبو بكر بن الطيب وغيره]
قيل: القراءة [اختاره الخليل بن أحمد]
قيل: اللغة [اختاره ابن الجوزي وغيره]
حديث نزول القرآن على سبعة أحرف حديث متواتر
- نص أبو عبيد على هذا.
- وذكر السيوطي أنه مروي عن جمع من الصحابة بلغ عددهم واحدًا وعشرين صحابيا، ذكرهم في كتابه الإتقان؛ منهم عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وأبو هريرة وأنس بن مالك وغيرهم رضي الله عنهم.
الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف؟
- للتسهيل والتخفيف وتوسعة من الله ورحمة على الأمة؛ لما كان يشق على قبائل العرب ترك لغاتهم وما نشئوا عليه من الإمالة والهمز والتليين والمد وغيره.
- قال الطحاوي: كان ذلك رخصة لما كان يتعسر على كثير منهم التلاوة على لغة قريش، لعدم علمهم بالكتابة والضبط وإتقان الحفظ ثم نسخ بزوال العذر، وكذا قال ابن عبد البر، والقاضي الباقلاني.
- واستدل العلماء بما يلي:
· قوله تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ} ذكره ابن حبان
· عن أبي أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "..هون على أمتي ..." رواه مسلم
· وعنه أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "يا جبريل إني بعثت إلى أمة أميين منهم العجوز والشيخ الكبير والغلام والجارية والرجل الذي لم يقرأ كتابا قط فقال يا محمد إن القرآن أنزل على سبعة أحرف" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.
[حاصل ما ذكره النووي والزركشي والسيوطي وابن عثيمين]
النهي عن الاختلاف في القرآن وحكم من جحد بحرف منه
- عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلي الله عليه وسلم - قال: ".. المراء في القرآن كفر" رواه أحمد والنسائي وغيرهما.
- ذهب أبو عبيد إلى أن المنهي عنه في الحديث هو الاختلاف في الألفاظ وليس في التأويل،
- وأنه إذا جحد أحد حرفا ثابتا أنزله الله فقال لمن قرأ به ليس هكذا ولكنه على خلافه، فإن ذلك شك يخرج به إلى الكفر، ويكون المراء من الامتراء. [ذكره ابن الجوزي في كتابه غريب الحديث - بتصرف -]
هل المقصود حصر العدد في سبعة؟
للعلماء قولان:
الأول: لم يقصد به الحصر، بل المراد التوسعة والتيسير، والعرب يطلقون لفظ السبعة والسبعين والسبعمائة ولا يريدون حقيقة العدد بل التكثير.
الثاني: حقيقة العدد وانحصاره مراد، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((فنظرت إلى ميكائيل فسكتّ – فعلمت أنه قد انتهت العدة))، وهو قول ابن الجزري والأكثرين.
[حاصل ما نقله النووي في المنهاج عن القاضي عياض، وذكره السيوطي في التحبير واستدل للقول الثاني بعدد من أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف]
القول بأن الأحرف السبعة كانت في أول الأمر ثم ارتفع حكمها
- ذكر الطّحاويّ أنّ القراءة بالأحرف السّبعة كانت في أوّل الأمر خاصّةً للضّرورة لاختلاف لغة العرب ومشقّة أخذ جميع الطّوائف بلغةٍ، فلمّا تيسرت الكتابة والحفظ وارتفعت الضّرورة كانت قراءةً واحدةً. وكذا قال ابن عبد البر والباقلاني وآخرون .[ذكره النووي والزركشي والسيوطي]
أقوال العلماء في المراد بالأحرف السبعة
- اختلف العلماء في المراد بها على خمسة وثلاثين قولا، حكاها ابن حبان وقال: هي أقاويل يشبه بعضها بعضا وكلها محتملة وتحتمل غيرها .
- وقال المرسي: هذه الوجوه أكثرها متداخلة ولا أدري مستندها ولا عمن نقلت، ولا أدري لم خص كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بما ذكر مع أن كلها موجودة في القرآن ... وأكثرها يعارضه حديث عمر مع هشام بن حكيم الذي في الصحيح ..
- قال ابن الجوزي: جمهور العلماء لا يختار.
[ينظر في كتاب الإتقان للسيوطي لمعرفة الأقوال الخمسة والثلاثين التي ذكرها ابن حبان]
أبرز هذه الأقوال:
القول الأول: أنه من المشكل الذي لا يدرى معناه
القائل به: أبو جعفر محمد بن سعدان النحوي
حجته: الحرف يصدق لغة على حرف الهجاء وعلى الكلمة وعلى المعنى وعلى الجهة. [ذكره الزركشي والسيوطي]
القول الثاني: وهو أضعفها: أن المراد سبع قراءات
القائل به: الخليل بن أحمد
[ذكره الزركشي]
[يأتي بيان الرد على هذا القول في مسألة لاحقة]
القول الثالث: سبعةٌ في المعاني كالوعد والوعيد والمحكم والمتشابه والحلال والحرام والقصص والأمثال والأمر والنّهي
- ذكر النووي أن القائلين بهذا القول اختلفوا في تعيين السبعة.
- ذكر ابن الجوزي في كتابه فنون الأفنان عددا من الأقوال هي من الاختلاف في تعيين هذه المعاني.
حجة القائلين به:
- ما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كان الكتاب الأول ينزل من باب واحد على حرف واحد ونزل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف زاجر وآمر وحلال وحرام ومحكم ومتشابه وأمثال ...)) الحديث .
رد هذا القول: ابن عبد البر وقال: هو حديث عند أهل العلم لا يثبت وهو مجمع على ضعفه.
وقال البيهقي : .. فإن صح هذا فمعنى قوله سبعة أحرف أي سبعة أوجه وليس المراد به ما ورد في الحديث الآخر من نزول القرآن على سبعة أحرف.
نقل ابن عبد البر عن العلماء القول بفساد هذا التفسير:
- قال القاضي أبو بكر بن الطيب: هذا التفسير منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأحرف السبعة ولكن ليست هذه التي أجاز لهم القراءة بها على اختلافها..
- قال أحمد بن أبي عمران: من أوله بهذا فهو فاسد لأنه محال أن يكون الحرف منها حراما لا ما سواه أو يكون حلالا لا ما سواه..
- قال ابن عطية: هذا القول ضعيف لأن هذه لا تسمى أحرفا، يضا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلال ولا تحليل حرام ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.
- قال الماوردي: "هذا القول خطأ"، لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أشار إلى جواز القراءة بكل واحد من الحروف وإبدال حرف بحرف وقد أجمع المسلمون على تحريم إبدال آية أمثال بآية أحكام.
- قال أبو علي الأهوازي وأبو العلاء الهمذاني قوله: زاجر وآمر إلى آخره استئناف كلام آخر أي هو زاجر أي القرآن ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة [ذكره الزركشي - ماعدا قول أبي علي -، وذكره السيوطي]
القول الرابع: أنها من طريق التلاوة وكيفية النطق بها من إظهار وإدغام وتفخيم وترقيق وإمالة ومد وقصر .[ذكره ابن الجوزي والنووي والزركشي والسيوطي]
القائلون به: القراء، حكاه عنهم أبو المعالي كما ذكر الزركشي.
حجتهم: أنّ العرب كانت مختلفة اللّغات في هذه الوجوه فيسّر اللّه تعالى عليهم ليقرأ كلّ إنسانٍ بما يوافق لغته ويسهل على لسانه [ذكره النووي]
القول الخامس: الألفاظ المختلفة بمعنى واحد، مثل قولهم: هلم، تعال، أقبل، ههنا، إلي، عندي، اعطف علي.
القائلون به: أكثر أهل العلم، وجمهور أهل الفقه والحديث، منهم سفيان بن عيينة وابن وهب والطبري والطحاوي كما قال ابن عبد البر، ونقله عنه الزركشي والسيوطي
قال الزّهريّ: بلغني أن تلك الأحرف إنّما هي في الأمر الّذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام.
[عد بعضهم - منهم أبو عبيد - هذا القول مثالا لاختلاف لغات العرب، وبعضهم جعله قولا مستقلا]
[ويدخل بعضهم ضمن هذا القول: قول من قال المراد خواتيم الآي، فيجعل مكان غفورٌ رحيمٌ سميعٌ بصيرٌ، مالم يتناقض المعنى - كما فعل السيوطي، ونقل قولا لابن عبد البر في هذا-، وبعضهم يجعله قولا مستقلا]
حجتهم:
- أسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ: {كلما أضاء لهم مشوا فيه} مروا فيه سعوا فيه، وكان ابن مسعود يقرأ {للذين آمنوا انظرونا} أمهلونا أخرونا .
- ما أخرجه أحمد والطبراني من حديث أبي بكرة " أن جبريل قال: يا محمد اقرأ القرآن على حرف قال ميكائيل: استزده حتى بلغ سبعة أحرف قال: كل شاف كاف ما لم تختم آية عذاب برحمة أو رحمة بعذاب نحو قولك: تعال وأقبل وهلم واذهب وأسرع وعجل" وروي عن ابن مسعود نحوه
- وعند أبي داود عن أبي "قلت سميعا عليما عزيزا حكيما ما لم تخلط آية عذاب برحمة أو آية رحمة بعذاب ".
- وعند أحمد من حديث أبي هريرة " أنزل القرآن على سبعة أحرف{عليما حكيما} {غفورا رحيما}". [ونحوها من الأدلة].
- قال ابن عبد البر: إنما أراد بهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها أنها معان متفق مفهومها مختلف مسموعها لا يكون في شيء منها معنى وضده ..
[ذكرها الزركشي والسيوطي، وقال: أسانيدها جياد] .
رد هذا القول: المازريّ، وقال: فاسدٌ للإجماع على منع تغيير القرآن للناس [نقله القاضي عياضٌ وذكره النووي]
القول السادس: سبعة أوجه من وجوه التغاير التي يقع فيها الاختلاف في أصناف الكلام
- ذكر ابن الجوزي والزركشي والسيوطي أقوالا متقاربة، اختلفت في بعض تفصيلاتها واتفقت في بعضها الآخر، تعود في أصلها إلى هذا القول. فمما ذكره السيوطي في كتابه الإتقان:
عن ابن قتيبة أن الأحرف السبعة:
1: ما يتغير حركته ولا يزول معناه وصورته مثل: {ولا يضار كاتب} بالرفع والفتح.
2: ما يتغير بالفعل مثل باعد و{باعد} بلفظ الماضي والطلب .
3: ما يتغير بالنقط مثل ننشرها و{ننشزها} .
4: ما يتغير بإبدال حرف قريب المخرج مثل: {طلح منضود} وطلع .
5: ما يتغير بالتقديم والتأخير مثل: {وجاءت سكرة الموت بالحق} وسكرة الحق بالموت .
6: ما يتغير بزيادة أو نقصان مثل {وما خلق الذكر والأنثى} والذكر والأنثى .
7: ما يتغير بإبدال كلمة بأخرى مثل {كالعهن المنفوش} وكالصوف المنفوش
وتعقب هذا قاسم بن ثابت بأن الرخصة وقعت وأكثرهم يومئذ لا يكتب ولا يعرف الرسم وإنما كانوا يعرفون الحروف ومخارجها، كما ذكر السيوطي وقال: لا يلزم من ذلك توهين ما قاله ابن قتيبة ..
عن أبى الفضل الرازي أنها:
1: اختلاف الأسماء من إفراد وتثنية وجمع وتذكير وتأنيث.
2: اختلاف تصريف الأفعال من ماض ومضارع وأمر.
3: وجوه الإعراب.
4: النقص والزيادة.
5: التقديم والتأخير.
6: الإبدال.
7: اختلاف اللغات كالفتح والإمالة والترقيق والتفخيم والإدغام والإظهار ونحو ذلك.
[قال الداني: فالإمالة لا شك من الأحرف السبع.
قال ابن الجزري: هذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ أوالمعنى لأن هذه الصفات المتنوعة في أدائه لا تُخرجه عن أن يكون لفظاً واحداً. ذكره السيوطي في التحبير]
وعن ابن الجزري أنها:
1: إما في الحركات بلا تغير في المعنى والصورة نحو: {بالبخل} بأربعة و{يحسب} بوجهين
2: أو متغير في المعنى فقط نحو: {فتلقى آدم من ربه كلمات}
3: وإما في الحروف بتغير المعنى لا الصورة نحو: {تبلو} و(تتلو)
4: أو عكس ذلك نحو: {الصراط} و(السراط)
5: أو بتغيرهما نحو: فامضوا {فاسعوا}
6: وإما في التقديم والتأخير نحو: {فيقتلون ويقتلون}
7: أو في الزيادة والنقصان نحو: أوصى {ووصى}.
[قال ابن عبد البر: وجه حسن من وجوه معنى الحديث ، وقال بعض المتأخرين هذا هو المختار. ذكره الزركشي]
القول السابع: سبعة لغات من لغات العرب
القائلون به: ثعلب وأبو عبيد، وابن جرير، والأزهري، وابن الجوزي، وابن عطية، وحكاه ابن دريد عن أبي حاتم السجستاني وحكاه بعضهم عن القاضي أبي بكر، وصححه البيهقي في الشعب.
قال ابن حبان: قيل أقرب الأقوال إلى الصحة.
قال النووي: فالمراد به -[الحديث]- على سبع لغات في قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ولهذا قال الشعبي: الحروف واحدة لكن المختلف لغات القوم.
حجتهم:
1: لما تمارى القرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم صوب الجميع، ولو كانت تلاوتهم تختلف في تحليل وتحريم لما صوب ذلك. فدل على أن الاختلاف في اللغات كان.
2: قول ابن مسعود: «إني قد سمعت القرأة فوجدتهم متقاربين، فاقرؤوا كما علمتم، وإياكم والتنطع» [ذكره أبو جعفر الطبري ونقله ابن الجوزي]
3: قول عثمان حين أمرهم بكتب المصاحف: «وما اختلفتم أنتم وزيد فاكتبوه بلغة قريش فإنه أكثر ما نزل بلسانهم» [ ذكره الزركشي]
أنكر هذا القول: ابن قتيبة وغيره، وقالوا لم ينزل القرآن إلا بلغة قريش لقوله تعالى {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}
قال ابن قتيبة: ولا نعرف في القرآن حرفا واحدا يقرأ على سبعة أوجه وغلطه ابن الأنباري بحروف منها: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} وقوله: {بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} وغير ذلك.
قال ابن عبد البر: قد أنكر أهل العلم أن يكون معنى سبعة أحرف سبع لغات:
- لأنه لو كان كذلك لم ينكر القوم بعضهم على بعض في أول الأمر لأن ذلك من لغته التي طبع عليها
وأيضا فإن عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم كلاهما قرشي وقد اختلفت قراءتهما ومحال أن ينكر عليه عمر لغته
قال: ولأن العرب لا تركب لغة بعضها بعضا، ومحال أن يقرئ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أحدا بغير لغته. [ذكره الزركشي]
قال السيوطي في الإتقان: وتُعقب بأن لغات العرب أكثر من سبعة وأجيب بأن المراد أفصحها.
اختلف القائلون بهذا القول في تحديد اللغات السبع:
قيل: هي سبع لغات متفرقة لجميع العرب في القرآن، وكل حرف منها لقبيلة مشهورة.
وقيل: أربع لغات لهوازن وثلاثة لقريش.
وقيل: لغة لقريش؛ ولغة لليمن؛ ولغة لتميم، ولغة لجرهم؛ ولغة لهوازن؛ ولغة لقضاعة؛ ولغة لطي.
وقيل: إنما هي لغة الكعبين، كعب بن عمرو وكعب بن لؤي. ولهما سبع لغات.
[ذكر هذا التفصيل أبو حاتم بن حبان الحافظ وغيره، ونقله ابن الجوزي في كتابه فنون الأفنان، وذكر الزركشي والسيوطي أقوالا أخرى مقاربة]
قال النووي: وقيل بل السّبعة كلّها لمضر، [قال الزركشي: واحتجوا بقول عثمان نزل القرآن بلسان مضر] وبين ابن عبد البر أن قول عثمان معارض بما جاء عنه - وهو أثبت عنه -أنه نزل بلغة قريش.
قال ابن عبد البر: وأنكر آخرون كون كل لغات مضر في القرآن؛ لأن فيها شواذ لا يقرأ بها مثل كشكشة قيس وعنعنة تميم.
قال ابن الجوزي: والذي نراه أن التعيين من اللغات على شيء بعينه لا يصح لنا سنده، ...
بل نقول: نزل القرآن على سبع لغات فصيحة من لغات العرب...فهي مفرقة في القرآن فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن ونحو هذا.
وقد كان بعض مشايخنا يقول: كله بلغة قريش، وهي تشتمل على أصول من القبائل هم أرباب الفصاحة،..
هل هذه اللغات متفرقة في القرآن أم مجتمعة في كلمة واحدة؟
فيه قولان:
الأول:متفرّقةٌ في القرآن غير مجتمعةٍ في كلمةٍ واحدةٍ.
اختاره أبو عبيد وابن الجوزي والنووي ، قال أبوعبيد: فبعضه بلغة قريش وبعضه بلغة هذيل وبعضه بلغة هوازن وبعضه بلغة اليمن وغيرهم.
الثاني: هي مجتمعةٌ في بعض الكلمات كقوله تعالى {وعبد الطّاغوت} و{نرتع ونلعب} و{باعد بين أسفارنا} و{بعذابٍ بئيسٍ} وغير ذلك. [حكاه النووي عن بعض العلماء]
إشكال والرد عليه
قال ابن الجوزي: قد يقال: هل كان جبريل يلفظ باللّفظ الواحد سبع مرّات؟
قال: إنّما يلزم هذا إذا قلنا إن السّبعة الأحرف تجتمع في حرف واحد،
ونحن قلنا: إن السّبعة الأحرف تفرّقت في القرآن، فبعضه بلغة قريش، وبعضه بلغة غيرهم.
ولو قلنا: إنّها اجتمعت في الحرف الواحد قلنا: كان جبريل يأتي في كل عرضة بحرف إلى أن تمت سبعة أحرف.
القول الثامن: أن ذلك راجع إلى بعض الآيات التي تقرأ بسبعة أوجه، مثل قوله تعالى: {أُفٍّ لَكُمْ}
أنكر هذا القول: ابن عبد البر، للإجماع على أن القرآن لا يجوز في حروفه وكلماته وآياته كلها أن تقرأ على سبعة أحرف. قال: بل لا يوجد في القرآن كلمة تحتمل أن تقرأ على سبعة أوجه إلا قليل مثل {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} و{تَشَابَهَ عَلَيْنَا} و{بِعَذَابٍ بَئِيسٍ} ونحوه وذلك ليس هذا. [ذكره الزركشي ]
قال السيوطي في الإتقان: المراد أن كل كلمة تقرأ بوجه أو وجهين أو ثلاثة أو أكثر إلى سبعة، ويشكل على هذا أن في الكلمات ما قرئ على أكثر ..
القول التاسع: أن المراد علم القرآن يشتمل على سبعة أشياء:
علم الإثبات والإيجاد كقوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
وعلم التوحيد، كقوله: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}
وعلم التنزيه كقوله {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}
وعلم صفات الذات كقوله: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ}
وعلم صفات الفعل كقوله: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ}{وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ}
وعلم العفو والعذاب كقوله: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ}
وعلم الحشر والحساب كقوله: {إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ
وعلم النبوات كقوله: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ
والإمامات كقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ
القول العاشر:المراد به سبعة أشياء المطلق والمقيد والعام والخاص والنص والمؤول والناسخ والمنسوخ والمجمل والمفسر والاستثناء وأقسامه
القائلون به: أئمة الفقهاء.
القول الحادي عشر: المراد الحذف والصلة والتقديم والتأخير والقلب والاستعارة والتكرار والكناية والحقيقة والمجاز والمجمل والمفسر والظاهر والغريب
القائلون به: أهل اللغة.
القول الثاني عشر: أنها التذكير والتأنيث والشرط والجزاء والتصريف والإعراب والأقسام وجوابها والجمع والتفريق والتصغير والتعظيم واختلاف الأدوات مما يختلف فيها بمعنى وما لا يختلف في الأداء واللفظ جميعا
القائلون به: النحاة
القول الثالث عشر: أنه يشتمل على سبعة أنواع من المبادلات والمعاملات وهي الزهد والقناعة مع اليقين والحزم والخدمة مع الحياء والكرم والفتوة مع الفقر والمجاهدة والمراقبة مع الخوف والرجاء والتضرع والاستغفار مع الرضا والشكر والصبر مع المحاسبة والمحبة والشوق مع المشاهدة
القائلون به: الصوفية
[ذكر هذه الخمسة الأخيرة الزركشي والسيوطي، وحكاها عن قائليها أبو المعالي (شيذلة)]
ما قيل في أن من أسباب تكرر نزول بعض الآيات هو نزولها بالأحرف السبعة
صرح جماعة من المتقدمين والمتأخرين بأن من القرآن ما تكرر نزوله:
- تذكيرا وموعظة؛ من ذلك خواتيم سورة النحل وأول سورة الروم.
- تعظيما لشأنه وتذكيرا عند حدوث سببه خوف نسيانه؛ ومنه آية الروح.
- وقد يجعل من ذلك الأحرف التي تقرأ على وجهين فأكثر.
قال السخاوي - في جمال القراء- في فائدة نزول الفاتحة مرتين: يجوز أن يكون نزلت أول مرة على حرف واحد ونزلت في الثانية ببقية وجوهها نحو: (ملك) و{مالك} و(السراط) و{الصراط} ونحو ذلك. [ذكره السيوطي في الإتقان]
القول بأن اختلاف العلماء في إثبات أو نفي البسملة في أول كل سورة عائد إلى الاختلاف بين الأحرف السبعة
- كما أن القرآن نزل على سبعة أحرف ونزل مرّات متكررة فنزل في بعضها بزيادة وبعضها بحذف كقراءة ملك ومالك، فكذلك يقال في البسملة أنها نزلت في بعض الأحرف ولم تنزل في بعضها فإثباتها قطعيّ وحذفها قطعيّ وكل متواتر، فإن نصف القرّاء السّبعة قرؤوا بإثباتها وبعضهم قرؤوا بحذفها.
- قال ابن الجزري في شأن إثبات البسملة ونفيها: " والّذي نعتقده أن كليهما صحيح وإن كل ذلك حق فيكون الاختلاف فيها كاختلاف القراءة" وقرره أيضا الحافظ بن حجر. [ذكره السيوطي في كتابه تنوير الحوالك - بتصرف -]
علاقة الجمع العثماني بالأحرف السبعة
كان النّاس يقرأون بهذه الأحرف؛ فحدث خلافٌ بين الأجناد؛ الذين يقاتلون في أطراف المملكة الإسلامية فخشي عثمان رضي الله عنه أن يختلف الناس في كلام الله وأن تؤدي هذه الأحرف السبعة إلى شقاق ونزاع، فأمر أن يوحد القرآن على حرف واحد ألا وهو حرف قريش أي لغة قريش. [حاصل ماذكره ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين والشرح الممتع]
هل اشتمل مصحف عثمان على جميع الأحرف السبعة؟فيه قولان:
الأول: جميع الأحرف السبعة مثبتة في مصحف عثمان، وحذف ما لم يثبت متواترا. قاله القاضي أبو بكر بن الباقلّانيّ
الثاني: اشتمل على حرف واحد هو حرف قريش؛ قاله مالك، والطبري، وابن عبد البر، والأكثرون. قال ابن عثيمين: اختار لغة قريش لأنها أشرف اللغات، حيث إنّها لغة النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، وهي أعرب اللّغات.
مال الشيخ الشاطبي إلى قول القاضي فيما جمعه أبو بكر وإلى قول الطبري فيما جمعه عثمان.
[حاصل ما ذكره النووي في المنهاج، والزركشي في البرهان]
ذهب الطيبي إلى أن الجمع بين قوله: "ما اختلفتم فيه أنتم وزيد بن ثابتٍ فاكتبوه بلسان قريشٍ فإنّما نزل بلسانهم". وبين قوله: " أنزل القرآن على سبعة أحرف" أي لغات، هو أن الكتابة والإثبات في المصحف بلغة قريش لا يقدح في القراءة بتلك اللغات.
ذكره السيوطي في كتابه قوت المغتذي وقال: قوله: إنما أنزل بلسانهم، يريد به أنّ أول ما أنزل بلغة قريش.
هل القراءات السبع هي الأحرف السبعة؟
- بين العلماء أن القول بأن القراءات السبع هي الأحرف السبعة قول خاطئ ينسب إلى العوام لم يقل به أحد من أهل العلم.
- قال أبو شامة: وأمّا من يهوّل في عبارته قائلًا: بأنّ القراءات السّبعة متواترةٌ، لأنّ القرآن أنزل على سبعة أحرفٍ فخطؤه ظاهرٌ، لأنّ الأحرف المراد بها غير القراءات السّبعة.
- قال المرسي: وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها القراءات السبعة وهو جهل قبيح.
- وقال مكي: من ظن أن قراءة هؤلاء القراء كنافع وعاصم هي الأحرف السبعة التي في الحديث فقد غلط غلطا عظيما. [مجموع ماذكره الزركشي، والسيوطي في الإتقان]
ذهب بعضهم إلى أن الأحرف السبعة مفرقة في القراءات السبع
- قال الدّاوديّ: وهذه القراءات السّبع الّتي يقرأ النّاس اليوم بها ليس كلّ حرفٍ منها هو أحد تلك السّبعة بل تكون مفرّقةً فيه. [ذكره النووي في المنهاج]
- قال ابن حبان: وهذه السبعة التي نتداولها اليوم غير تلك بل هذه حروف من تلك الأحرف السبعة ...ولم يثبت من وجه صحيح تعين كل حرف من هذه الأحرف ولم يكلفنا الله ذلك غير أن هذه القراءة الآن غير خارجة عن الأحرف السبعة. ذكره الزركشي
وذهب آخرون إلى أن القراءات السبع إنّما شرعت من حرفٍ واحدٍ من السّبعة وهو الّذي جمع عثمان عليه المصحف
- قاله أبو عبيد الله بن أبي صفرة وذكره النّحّاس والطبري وغيرهم. ونقله النووي
- قال مالك: السبعة الأحرف التي أشير إليها في الحديث ليس بأيدي الناس منها إلا حرف زيد بن ثابت. ذكره الزركشي
- قال ابن عثيمين: نُسيت الأحرف الأخرى.
وجه خطأ القول بأن القراءات السبع هي الأحرف السبعة:
- هذا القول يؤدّي إلى أن يكون خبر النبي صلّى اللّه عليه وسلّم بنزول القرآن على سبعة أحرفٍ متعرّيًا عن فائدةٍ إلى عصر القراء السبعة، وقد ولدوا بعد عصر الصحابة بسنين كثيرة.
- ويؤدّي إلى أنّه لا يجوز لأحدٍ من الصّحابة أن يقرءوا إلّا بما علموا أنّ السّبعة من القرّاء يختارونه.
- ويلزم من هذا أن ما خرج عن قراءة هؤلاء السبعة مما ثبت عن الأئمة وغيرهم ووافق خط المصحف ألا يكون قرآنا وهذا غلط عظيم. [حاصل قول الزركشي والسيوطي]
ما هي القراءات السبع؟
- هي ما روي عن الأئمّة السّبعة القرّاء المشهورين، فإن كل واحد اختار من القراءة ما هو الأحسن عنده والأولى ولزم طريقة منها ورواها وقرأ بها واشتهرت عنه ونسبت إليه.
- القراء ات السبع متواترة، وكل واحد من هؤلاء السبعة روي عنه اختياران وأكثر، وكل ثبت عن الأئمة ووافق لغة العرب وخط المصحف.
- اشتهر هؤلاء القراء بالثقة والأمانة وطول العمر في ملازمة القراءة والاتفاق على الأخذ عنهم.
- لم يمنع واحد منهم حرف الآخر ولا أنكره بل سوغه وحسنه. [حاصل ما ذكره الزركشي والسيوطي]
- كر ابن عثيمين أن هناك قراءات خارجة عن مصحف عثمان، وهي صحيحة ثابتة عمن قرأ بها عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكنها تعد عند القراء شاذة.
حكم القراء ة بغير ما أثبت في مصحف عثمان؟
في الصلاة:
قال مالك رحمه الله فيمن قرأ في صلاة بقراءة ابن مسعود وغيره من الصحابة مما يخالف المصحف لم يصل وراءه، قال: وعلماء مكيون مجمعون على ذلك إلا شذوذا لا يعرج عليه.
خارج الصلاة:
قال ابن وهب: أخبرني مالك قال: أقرأ عبد الله بن مسعود رجلا: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ طَعَامُ الأَثِيمِ} ، فجعل الرجل يقول طعام اليتيم فقال طعام الفاجر، فقلت لمالك أترى أن يقرأ بذلك قال نعم أرى أن ذلك واسعا.
قال أبو عمر : معناه عندي أن يقرأ به في غير الصلاة وإنما لم تجز القراءة به في الصلاة لأن ما عدا مصحف عثمان لا يقطع عليه وإنما يجري مجرى خبر الآحاد لكنه لا يقدم أحد على القطع في رده.
قال ابن سيرين: إنما تجوز قراءته على الحروف التي هي مثبتة في المصحف الذي هو الإمام بإجماع الصحابة وحملوها عنهم دون غيرها من الحروف وإن كانت جائزة في اللغة [الزركشي]
هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بجميع الأحرف المنزلة عليه؟ وما صحة القول أن أكثر قراءته كانت بقراء ة نافع؟
- قال السيوطي في كتابه الحاوي: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بجميع الأحرف المنزّلة عليه
- وبين أن القول بأن أكثر قراءة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في الصّلاة كانت بقراءة نافع، غير صحيح من وجوه:
· لم يروه عنه أحدٌ من الصّحابة ولا خرّجه أحدٌ من أئمّة الحديث.
· الّذي روي عنهم أنّهم قالوا قرأ بسورة كذا، ولم يقولوا في روايتهم قرأ السّورة الفلانيّة بلفظ كذا ولفظ كذا حتّى تطابق تلك الألفاظ فتوجد موافقةً لقراءة نافع.
· ولو ثبت هذا الكلام عند الإمام مالكٍ رضي اللّه عنه لكان أوّل قائلٍ بقراءة البسملة في الصّلاة؛ لأنّ البسملة ثابتةٌ في قراءة قالون عن نافع.