تحرير مسألة المراد بلهو الحديث في قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث }
اختلف العلماء في المراد بلهو الحديث على أقوال :
القول الأول : الغناء واستماعه . وهو قول عبدالله بن مسعود ، وابن عباس ، وجابر ، ومجاهد ، وعكرمة ، وعطاء الخرساني .
قال القرطبي: هَذَا أَعْلَى مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إِنَّهُ الْغِنَاءُ.
التخريج :
- أما قول عبدالله بن مسعود فرواه ابن وهب ، وابن جرير والطبري ، والنيسابوري ، وابن كثير، عن سعيد بن جبير عن أبي الصهباء عنه .
- أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير الطبري بطرق عن عطاء عن سعيد بن جبير عنه ، ورواه ابن جرير أيضا عن ابن أبي ليلى عن الحكم عن مقسم عنه ، ورواه ابن جرير أيضا قال : حدثنا ابن وكيع ، قال حدثنا حفص والمحاربي عن ليث عن الحكم عنه .
وروي عنه عند ابن جرير من طريق محمد بن سعد العوفي عن آبائه وهو إسناد ضعيف .
- أما قول جابر فرواه ابن جرير الطبري قال حدثنا الحسن بن عبدالرحيم ، قال : حدثنا عبيد الله بن موسى ، قال حدثنا سفيان عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عنه .
- أما قول مجاهد فرواه ابن وهب عن سفيان بن عيينة ومسلم بن خالد عن ابن أبي نجيح عنه . ورواه الفراء عن حبان عن ليث عنه ، ورواه عبدالرزاق عن الثوري عن عبدالكريم البصري عنه ، ورواه سفيان الثوري في تفسيره والطبري عن حبيب بن أبي ثابت عنه ، ورواه الطبري من طريق شعبة عن الحكم عنه ، وورقاء عن أبي نجيح عنه ، وابن علية عن ليث عنه .
- أم قول عكرمة فرواه ابن جرير الطبري من طريق عثام بن علي عن إسماعيل بن أبي خالد عن شعيب بن يسار عنه ، ورواه الطبري أيضا من طريق النخعي عن أبي أسامة وعبيد الله عن أسامة عنه ، كما رواه من طريق ابن وكيع قال : حدثنا أبي عن أسامة بن زيد عنه .
- أما قول عطاء فرواه ابن نصر الرملي عن رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد عنه .
القول الثاني : الطبل . وهو قول : مجاهد ، وابن جريج
التخريج :
- أما قول مجاهد فرواه ابن جرير الطبري من طريق عباس بن محمد عن حجاج الأعور عن ابن جريج عنه .
القول الثالث : الشرك . وهو قول الضحاك .
التخريج :
- أما قول الضحاك فرواه ابن جرير الطبري من طريق الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعته .
القول الرابع : حديث الباطل . وهو قول : مجاهد و قتادة وعطاء الخرساني وابن زيد .
واختار ابن جريرٍ أنّه كلّ كلامٍ يصدّ عن آيات اللّه واتّباع سبيله.
وبوّب الإمام محمد بن اسماعيل البخاري : بَابٌ: كُلُّ لَهْوٍ بَاطِلٌ إِذَا شَغَلَهُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: تَعَالَ أُقَامِرْكَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ.
التخريج:
- أما قول مجاهد فرواه آدم بن أبي إياس من طريق إبراهيم عن آدم عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عنه - أما قول قتادة فرواه عبدالرزاق عن معمر عنه ، ورواه ابن جرير الطبري من طريق يزيد قال حدثنا سعيد عنه .
- أما قول عطاء الخرساني فهو في تفسيره من طريق رشدين بن سعد عن يونس بن يزيد عنه .
- أم قول ابن زيد فرواه ابن جرير عن يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ.
الدراسة :
أما القول الأول فمبناه على أن الغناء واضح فيه معنى اللهو وهو ( ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ) وضوحاً جلياً فالاشتغال بالغناء فيه إفساد للقلب وإثارة للشهوات وإشغال عن الطاعات وقد صح عن عبدالله بن مسعود قوله: (إن الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل) وقال ابن القيم :
حُبّ الكِتاب وحُبّ ألْحَان الغناء *** في قلب عَبْد ليس يَجْتَمِعانِ .
أما القول الثاني فمبناه على أن الطبل آلة الغناء الأولى وأشهرها عند الأمم ، وهو من التعبير عن الشيء بآلته ، ويشمل كل آلات اللهو الأخرى ؛ والغناء كما سبق بيانه، أثره واضح في إشغال قلب المؤمن عن طاعة الله والقرآن .
أما القول الثالث فمبناه على أن الشرك أعظم ما يصد الإنسان عن الهدى ويلهيه عن طاعة ربه ويصرفه لعبادة غير الله .
أما القول الرابع فمبناه على عموم معنى اللهو وهو ( ما يشغل الإنسان عما يعنيه ويهمه ) .
والراجح القول الرابع ( حديث الباطل ) لعمومه فهو يشمل جميع الأقوال الأخرى فأعظمه الشرك بالله وأكثره انتشاراً بين المسلمين الغناء والطبل آلته .
قال ابن جرير : ( والصّواب من القول في ذلك أن يقال: عنى به كلّ ما كان من الحديث ملهيًا عن سبيل اللّه، ممّا نهى اللّه عن استماعه أو رسوله، لأنّ اللّه تعالى عمّ بقوله {لهو الحديث} ولم يخصّص بعضًا دون بعضٍ، فذلك على عمومه، حتّى يأتي ما يدلّ على خصوصه، والغناء والشّرك من ذلك. ) .