دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج الإعداد العلمي العام > خطة التأسيس العلمي > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #76  
قديم 2 شعبان 1436هـ/20-05-2015م, 10:04 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الحديث العاشر
عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ : (إِنَّ اللهَ تَعَالَى طَيِّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبَاً وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ المُؤْمِنِيْنَ بِمَا أَمَرَ بِهِ المُرْسَلِيْنَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً ) [المؤمنون: الآية51] ، وَقَالَ: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [البقرة: الآية172] ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيْلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاء،ِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ،وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لذلك)(1) رواه مسلم.
يوضح هذا الحديث أن الله طيب في ذاته وصفاته منزه عن النقائص ولا يقبل إلا الطيب من الأعمال.
كما يوضح أن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين وهو أن يأكلوا من الطيبات ويعملوا صالحًا.
كما وضح أن من يأكل الحرام لا تستجاب دعوته حتى وإن أطال السفر وأصبح لا يهتم إلا بشئون الآخرة
وأمر المرسلين دليل على أنه كلما كمل الإنسان كان أكثر امتثالاً لأمر الله
كما ذكر أن من أسباب إجابة الدعوة قول يا رب

رد مع اقتباس
  #77  
قديم 25 شعبان 1436هـ/12-06-2015م, 04:11 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الجزء الثالث من الأربعين النووية: من الحديث الحادي عشر إلى الحديث العشرين:
تكلم في الحديث الحادي عشر عن ترك الشك باليقين فإذا شك الإنسان في عمل ما فعليه أن يدع هذا الشك إلى ما لا شك فيه حتى يستريح
ومثال ذلك إذا انتقض الوضوء فشك هل توضأ أم لا فعليه أن يتوضأ لأن اليقين في الحدث
أما إذا توضأ وأثناء الصلاة شك هل انتقض وضوؤه أم لا فاليقين أنه توضأ
وهذا يدل على حرص الإسلام على راحة الناس
في الحديث الثاني عشر: تكلم عن ترك الإنسان لما لا يعنيه وأن ذلك من محاسن الإسلام ليعيش الناس في محبة وحتى لا يعيش الإنسان في تعب وإضاعة وقت.

رد مع اقتباس
  #78  
قديم 27 شعبان 1436هـ/14-06-2015م, 09:14 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الحديث الثالث عشر: تكلم هذا الحديث على وجوب أن يحب المرء لأخيه ما يحبه لنفسه فيتمنى له الخير كما يتمناه لنفسه وإذا لم يكن كذلك فهو ناقص الإيمان.
الحديث الرابع عشر: يتكلم هذا الحديث عن عصمة دم المسلم وعدم إحلال قتله إلا إذا كان ثيبًا زانيًا ويثبت الزنا بشاهدة أربعة رجال أو بإقرار الزاني ويرجم الزاني بالحجارة حتى الموت.
وكذلك يحل قتل المسلم في القصاص
وكذلك يحل قتل المرتد عن الإسلام أما غير هذه الثلاثة فلا يحل قتله.
أما غير المسلم فيحل قتله إلا الذمي والمعاهد والمستأمن فلا يحل قتلهم.

رد مع اقتباس
  #79  
قديم 27 شعبان 1436هـ/14-06-2015م, 09:21 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الحديث الخامس عشر:
هذا الحديث يتحدث عن الأخلاق الفاضلة التي يكمل بها الإيمان وهي قول الخير أو الصمت وإكرام الجار وإكرام الضيف
وقول الخير قد يكون لذاته بأن يكون الكلام في نفسه خير وقد يكون لغيره بأن يقول كلامًا يزيل به الوحشة ويحدث به الأنس.
وإكرام الجار يكون بمساعدته وزيارته والإحسان إليه.
وإكرام الضيف وذلك بأن تتلقاه ببشر وسرور وتكرمه بما تستطيع.

رد مع اقتباس
  #80  
قديم 29 شعبان 1436هـ/16-06-2015م, 04:30 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الحديث السادس عشر:
ينصح الرسول المسلمين في هذا الحديث بعدم الغضب وذلك لما يؤدي الغضب من عواقب وخيمة وذلك دليل على سماحة الإسلام ويخاطب الرسول في هذا الحديث الرجل بما يقتضيه حاله، وهذا يدل على أن النصيحة تكون بمقتضى حال المخاطب.
الحديث السابع عشر:
يتحدث هذا الحديث عن وجوب الإحسان في كل شيء وضرب مثلاً لذلك بالإحسان في القتل والذبح وأن يكون ذلك موافقًا للشريعة

رد مع اقتباس
  #81  
قديم 29 شعبان 1436هـ/16-06-2015م, 11:28 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الحديث الثامن عشر:
هذا الحديث يدعو إلى التقوى في أي مكان ووقت وأن يفعل الإنسان حسنات ليمحو السيئات وعلى الإنسان أن يتخلق بالأخلاق الحسنة وهذا يدل على أن الإسلام يدعو إلى محاسن الأخلاق.
الحديث التاسع عشر:
يوجه الرسول في هذا الحديث عدة نصائح وهي أن يحفظ الإنسان الله بأن يتقي حدوده يحفظه الله من كل سوء ويكلأه برحمته وألا يلجأ الإنسان إلى أحد غير الله وألا يستعين إلا بالله وعلى الإنسان أن يعلم أن كل شيء بقدره وأنه مهما سعا الناس إلى إيذاء أحد أو جلب خير له فلن يحدث شيء إلا بإذن الله.
الحديث العشرون:
يتحدث هذا الحديث عن معنيين هما:
1- إذا لم يكن هناك شيء يستحيي منه الإنسان يفعله.
2- إذا كان الإنسان ليس عنده حياء فسيفعل أي شيء لا يرضي الله.

رد مع اقتباس
  #82  
قديم 7 رمضان 1436هـ/23-06-2015م, 04:05 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة مجدي مشاهدة المشاركة
واجب فضل طلب العلم:
السؤال الأول: اذكر خمسة من أوجه بيان فضل العلم.
1- العلم أصل العبادة فلا بد من معرفة كيفيفة العبادة من الكتاب والسنة ولا يكون ذلك إلا بالعلم
2- العلم يورث الخصال الحسنة ويبينها ويبين الخصال السيئة
3- العلم يبين كيفية دفع الشيطان والقضاء على وسواسه وكيفية دفع العدو
4- العلم رفعة (يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتو العلم درجات
5- العلم أفضل القربات فبه يتقرب الإنسان إلى الله ويأخذ ثواب من يعلمه
لو ذكرت ما تيسر من الأدلة لهذه الأوجه ؛ لكانت الإجابة أكمل وأتم .

السؤال الثاني: اذكر دليلاً من الكتاب ودليلاً من السنّة على فضل طلب العلم.
الكتاب: ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات) أحسنتِ في ذكر الدليل ، ولو ذكرت وجه الاستدلال به لتم الجواب .
السنة: ( من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين) لو تعودنا على ربط الحديث براويه لعظمت الاستفادة سريعا .

السؤال الثالث: اذكر ثلاثة من أهمّ الكتب المؤلفة في فضل طلب العلم.
كتاب مفتاح دار السعادة لابن القيم
كما أفرد البخاري في صحيحه في كتاب العلم عن فضل طلب العلم
أفرد ابن عبد البر كتابًا في طلب العلم

السؤال الرابع: أهل العلم الذين يُسمّون في الشريعة علماء على صنفين اذكرهما مع التوضيح والاستدلال.
1- الفقهاء في الكتاب والسنةالذين يرشدون الناس إلى الطريق الصحيح
2- أصحاب الخشية الين يعرفون بخشيتهم ومحبتهم لله الطريق الصحيح وعندهم من اليقين ما قد يفوق غيرهم لأن يعملون العبادة خشية لله فلا يملونها ولخشيهم يتورعون عن فعل ما لا يرضي الله المطلوب في السؤال : مع التوضيح والاستدلال ؟! .
السؤال الخامس: اذكر بعض الأمثلة للعلوم التي لا تنفع وبيّن خطر الاشتغال بها وضرر تعلّمها بإيجاز.
الكهانة والسحر والشعوذة والفلسفة ولها ضرر كبير حيث قد تؤدي إلى الوقوع في الذلل وإلى الإثم والضلال وحتى لو لم تضل فإنها تضييع للوقت فيما لا يفيد
بارك الله فيك ، ونفع بك .
إجابتك جيدة ، بارك الله فيكِ ، وهناك ملاحظات تمت الإشارة إليها أثناء التصحيح فيرجى مراعاتها .
وبالنسبة للسؤال الخامس ، لو حررت العناصر هكذا :

العلم منه نافع وغير نافع :
والعلم الذي لا ينفع فسر بتفسيرين :
الأول : العلوم الضارة [السحر والتنجيم والكهانة وعلم الكلام والفلسفة وغيرها من العلوم التي تخالف هدى الشريعة ، وفيها انتهاك لحرمات الله ، وقول على الله بغير علم ، واعتداء على شرعه واعتداء على عباده] فكل ذلك من العلوم الضارة .
والثاني : عدم الانتفاع بالعلوم النافعة في أصلها : بسبب أفضى بالعبد إلى الحرمان من بركة العلم .
والعلوم التي لا تنفع كثيرة ، ومن أبرز علاماتها : مخالفة مؤداها لهدي الكتاب والسنة ، فكل علم تجده يصد عن طاعة الله ، أو يزين معصية الله ، أو يؤول إلى تحسين ما جاءت الشريعة بتقبيحه ، أو العكس فهو غير نافع وإن زخرفه أصحابه وادعوا فيه ما ادعوا .

خطر الانشغال بها وضرر تعلمها :
الفضول قد يدفع المتعلم إلى القراءة في ما لا ينفع ، فيعرض نفسه للافتتان وهو ضعيف الآلة في العلم ، وقد قال تعالى : {فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} .

لكانت أجود وأفضل تحريرا .
وفقكِ الله ، وسدد خطاكِ ، ونفع بكِ الإسلام والمسلمين .

رد مع اقتباس
  #83  
قديم 19 شوال 1436هـ/4-08-2015م, 11:10 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

واجب محاضرة معاجة الفتور:
س1: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
س2: ما يعتري طالب العلم من الفتور على نوعين؛ بيّنهما.
1- الفتور الطبيعي: وهو ما يعرض للإنسان بسبب ضعف في جسده وهذا لا يلام عليه وقد كان يستغله العلماء في بري الأقلام وتحضير الدفاتر ويعود بعد انتهائه إلى طلب العلم، وهذا الفتور لا يؤدي إلى فعل محرم
2- الفتور الذي يلام عليه الإنسان: وهو ما يؤدي إلى ترك العلم وقد يؤدي به إلى فعل الذنوب
س3: وجّه رسالة في سبعة أسطر لطالب علم افتتن بأمور تثبّطه عن طلب العلم وتصرفه إلى الدنيا وملذاتها.
1- عليك أن تدرك فضل العلم وما أعده الله من فضل عظيم ورفعة لطالب العلم حيث قال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
2- الدنيا فانية وما أعده الله للمؤمنين أفضل قال تعالى ( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا عظيما)
3- اختر رفقة تعينك على الطاعة
4- نظم وقتك في طلب العلم ولا تحمل نفسك ما لا تطيق.
5- لا تتزبزب في طلب العلم فتدرج في طلب العلم.
6- اقرأ سير العلماء وما أصابهم من بلاءات وكيف صبروا عليها.
7- تب إلى الله وابتعد عن الذنوب وتضرع إليه في أن يعينك على طلبك.
س4: اذكر سبعة أسباب للفتور مع التوضيح الموجز لكل سبب.
1- ضعف اليقين: فمن ضعف يقينه في ثواب الله في طلبه للعلم سيترك العلم.
2- ضعف الصبر: فمن ضعف صبره على ما يعترضه في طلبه للعلم سيحدث له الفتور.
3- العجب: فمن فخر بعلمه لن تكون نيته لله وسيؤدي عجبه إلى الفتور في أي وقت حيث إنه لن يصبر على البلاءات.
4- الرياء: فنيته تكون للناس ومن كاننت نيته لغير الله لن يبارك الله له في علمه.
5- الرفقة السوء: التي قد تصرفه عن العلم شيئًا فشيئًا إلى أن يحدث له فتور.
6- طلب المال والرياسة.
7- ذنوب النفس الخفية كالغيبة وغيرها.
س5: اذكر سبع وصايا لعلاج الفتور ، مع التوضيح الموجز لكل وصية.
1- تقوية اليقين والصبر: فاليقين يدرك ثواب طلب العلم وبالصبر يصبر على ما يعترضه.
2- الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة
3- الرفقة الصالحة التي تعينه على طلب العم
4- تنظيم الوقت: فينظم وقته في طلب العلم فيدرس كل يوم ولو جزءًا يسيرًا.
5- عدم تحمل ما لا يطيق فيتعلم ويريح نفسه ولا يسلك الطرق الصعبة في طلب العلم.
6- عدم التزبزب في طلب العلم فيتعلم تدريجيًا ولا يقرأ من كل كتاب جزءًا ثم يتركه.
7- فعل أسباب التوفيق من بر الوالدين والصدقة والتضرع إلى الله

رد مع اقتباس
  #84  
قديم 21 شوال 1436هـ/6-08-2015م, 12:16 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة مجدي مشاهدة المشاركة
واجب محاضرة معاجة الفتور:
س1: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
[ أين إجابة هذا السؤال أختي الفاضلة ؟ ]
س2: ما يعتري طالب العلم من الفتور على نوعين؛ بيّنهما.
1- الفتور الطبيعي: وهو ما يعرض للإنسان بسبب ضعف في جسده وهذا لا يلام عليه وقد كان يستغله العلماء في بري الأقلام وتحضير الدفاتر ويعود بعد انتهائه إلى طلب العلم، وهذا الفتور لا يؤدي إلى فعل محرم [ حبذا لو استشهدتِ هنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لكل عمل شرة .. "]
2- الفتور الذي يلام عليه الإنسان: وهو ما يؤدي إلى ترك العلم وقد يؤدي به إلى فعل الذنوب [ ويرجع لضعف الصبر واليقين ]
س3: وجّه رسالة في سبعة أسطر لطالب علم افتتن بأمور تثبّطه عن طلب العلم وتصرفه إلى الدنيا وملذاتها.
1- عليك أن تدرك فضل العلم وما أعده الله من فضل عظيم ورفعة لطالب العلم حيث قال تعالى ( يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
2- الدنيا فانية وما أعده الله للمؤمنين أفضل قال تعالى ( وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا عظيما)
3- اختر رفقة تعينك على الطاعة
4- نظم وقتك في طلب العلم ولا تحمل نفسك ما لا تطيق.
5- لا تتزبزب [ تتذبذب ] في طلب العلم فتدرج في طلب العلم.
6- اقرأ سير العلماء وما أصابهم من بلاءات وكيف صبروا عليها.
7- تب إلى الله وابتعد عن الذنوب وتضرع إليه في أن يعينك على طلبك. [ أحسنتِ وهنا نخبره بأن الذنوب أحد الأسباب التي تصرف عن العلم ، كما قيل :
شكوتُ إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نورٌ ونورُ اللهِ لا يُهدى لعاصي ]
[ أحسنتِ أختي الفاضلة ؛ بالنسبة للنقطة الرابعة والخامسة تصلح لمن كان سبب فتوره انشغاله بقراءة كتاب ، ثم الانصراف لآخر وهكذا ... ، أما صاحب الحالة فسبب فتوره هو ضعف صبره ويقينه فيحسن بنا أن نركز على الوسائل التي تقوي عنده اليقين بفضل العلم وترغبه فيه ، وتقوي صبره ]

س4: اذكر سبعة أسباب للفتور مع التوضيح الموجز لكل سبب.
1- ضعف اليقين: فمن ضعف يقينه في ثواب الله في طلبه للعلم سيترك العلم.
2- ضعف الصبر: فمن ضعف صبره على ما يعترضه في طلبه للعلم سيحدث له الفتور.
3- العجب: فمن فخر بعلمه لن تكون نيته لله وسيؤدي عجبه إلى الفتور في أي وقت حيث إنه لن يصبر على البلاءات.
4- الرياء: فنيته تكون للناس ومن كاننت نيته لغير الله لن يبارك الله له في علمه.
5- الرفقة السوء: التي قد تصرفه عن العلم شيئًا فشيئًا إلى أن يحدث له فتور.
6- طلب المال والرياسة.
7- ذنوب النفس الخفية كالغيبة وغيرها.
س5: اذكر سبع وصايا لعلاج الفتور ، مع التوضيح الموجز لكل وصية.
1- تقوية اليقين والصبر: فاليقين يدرك ثواب طلب العلم وبالصبر يصبر على ما يعترضه.
2- الزهد في الدنيا والحرص على الآخرة
3- الرفقة الصالحة التي تعينه على طلب العم
4- تنظيم الوقت: فينظم وقته في طلب العلم فيدرس كل يوم ولو جزءًا يسيرًا.
5- عدم تحمل ما لا يطيق فيتعلم ويريح نفسه ولا يسلك الطرق الصعبة في طلب العلم.
6- عدم التزبزب في طلب العلم فيتعلم تدريجيًا ولا يقرأ من كل كتاب جزءًا ثم يتركه.
7- فعل أسباب التوفيق من بر الوالدين والصدقة والتضرع إلى الله


[ بالنسبة للسؤال الرابع والخامس ؛ بعض النقاط اختصرتِها جدًا ، ولا مشكلة إن كان المطلوب مجرد سرد للوصايا أو الأسباب ، لكن طُلب في رأس السؤال توضيح موجز لكل وصية أو سبب ، والإيجاز أن تذكري وجه كون هذا السبب يؤدي للفتور ، أو وجه كون الوصية علاجًا للفتور ،- وإن وُجد - تذكرين الدليل عليه من الكتاب والسنة ]



بارك الله فيكِ أختي الفاضلة ، وهذه الأسئلة على المحاضرات لتدريبكم على طريقة تحقيق معايير الإجابة الوافية ، من دون حساب درجات ، فأرجو ألا تزعجكِ كثرة الملحوظات ، كما أرجو أن تجيبي السؤال الأول حتى يحسب لكِ إتمام واجب المحاضرة.
زادكِ الله علمًا وهدىً ونفع بكِ الإسلام والمسلمين.

رد مع اقتباس
  #85  
قديم 21 شوال 1436هـ/6-08-2015م, 12:18 AM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي

ملحوظة :
يمكنكِ الرجوع لتفريغ المحاضرة عند إجابة أسئلة المحاضرات ؛ فهي ليست كالاختبارات.
بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
  #86  
قديم 21 شوال 1436هـ/6-08-2015م, 05:26 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

جزاكم الله خيرًا
علاج الفتور السؤال الذي لم أجيب عليه:
س1: إقامة الدين لا تكون إلا بالعلم والإيمان. بيّن ذلك.
لأن بالعلم يعرف الإنسان هدي الله وبالإيمان يتبع ذلك الهدي لينال الثواب والدرجات العلى في الجنة.
وإذا قام المسلم بأمر الله على أكمل وجه لا يضره من يخذله لأنه سيتعرض لابتلاءات كما تعرض الأنبياء حيث قال تعالى ( وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًا من المجرمين وكفى بربك هاديًا ونصره).
فمن قام بأمر الله هداه الله للحق دائمًا ونصره على عدوه الشيطاني أو عدوه البشري.
وبهذا تكون إقامة الدين بالعلم والإيمان.

رد مع اقتباس
  #87  
قديم 22 ذو القعدة 1436هـ/5-09-2015م, 02:14 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

تلخيص الجزء الثالث من ثلاثة الأصول:
الدرس الحادي عشر:
أنواع المعرفة:
1- المعرفة التي يترتب عليها أثرها فيتبعها الانقياد والطاعة لله ورسوله وهي المعرفة المحمودة.
2- المعرفة التي يراد بها الفهم والإدراك المجرد، وهذه حجة على صاحبها إن لم يقم بحقها.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾
إذا أطلق لفظ المعرفة في النصوص في موضع مدح أو حثّ فالمراد به المعرفة المحمودة، وإذا أطلق في موضع ذم أو احتجاج على صاحبها؛ فالمراد بها معرفة الإدراك وفهم الخطاب.
بيان معنى الدِّين
لغة: العادة والحكم والانقياد والذل والجزاء.
اصطلاحًا:الدين هو ما ينقادُ العبد لِحُكْمِه بتذلل وخضوع واعتياد.
معنى الدخول في دين الإسلام: الانقياد لأحكام الششريعة الإسلامية والتزام أوامرها ونواهيها على وجه التعبد.
بيان معنى الإسلام
الإسلام في اللغة مصدر أسلمته إسلاماً.
شرعًا: الاسْتِسْلامُ لِلَّهِ بِالتَّوْحِيدِ، والانقيادُ لَهُ بِالطَّاعَةِ، وَالبَرَاءَةُ مِنَ الشِّرْكِ وَأَهْلِهِ.
لا يسمى إسلاماً حتى يتحقق فيه وصفان:
- أحدهما: الإخلاص والبراءة من المشاركة والعلّة وغيرها مما يقدح في الإسلام.
- والآخر: تمكين المسَلَّم للمسلَّم له وانقياده له في كل موضع بحسبه.
· مما يوضح هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[الزمر: 29].
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾
في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إذا أَحْسَنَ أحدكم إسلامه؛ فكل حسنة يعملها تكتب له بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وكل سيئة يعملها تكتب له بمثلها)).
بيان مراتب الدين
1- الإسلام:
الركن: هو الأصل الذي يُعتمد عليه في البنيان وغيره، ولا يكون ركناً حتى يكون فيه معنى القوة والدعامة ليحتمل ما يبنى عليه، وإذا انهدَّ الركن انهدَّ ما بني عليه.
والمرتبة والرتبة: هي المنزلة، ومراتب السُّـلَّم درجاته، واحدتها مرتبة.
مراتب الدين يترتب بعضها على بعض ترتباً
أركان الإسلام
الَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: (( بُنِي الإسْلاَمُ عَلى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ البَيْتِ))).
هذه الأصول على مراتب؛ فأصل هذه الأركان الشهادتان فلا يدخل العبد في الإسلام حتى يشهد الشهادتين، ولا تصح منه سائر الفرائض قبل أن يشهد الشهادتين.
· وعمود الإسلام الصلاة كما في حديث معاذ بن جبل مرفوعاً في المسند والسنن.
· فإذا استقر الأصل وقام عمود الإسلام ثبت وصف الإسلام للعبد، فإن لم يقم بهذا الأصل أو انتقض بارتكاب ما ينقض الشهادتين فليس من المسلمين.
وإذا سقط عمود إسلام المرء فلا إسلام له؛ كما في صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( بين العبد وبين الشرك ترك الصلاة)).
وأما الأركان الثلاثة الأخرى فقد أجمع أهل العلم على أن من تركها جاحداً لوجوبها فهو كافر لأنه مكذب لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا التكذيب ينقض الشهادتين.
· وكذلك من تركها إباء وامتناعاً عن الانقياد لشريعة الإسلام فهو كافر لأن هذا الإباء والامتناع ينقض الشهادتين.
· وأما من تركها تهاوناً وكسلاً من غير جحد لوجوبها ولا امتناع عن الانقياد لأحكام الشريعة فالصحيح من أقوال أهل العلم أنه مرتكب لكبيرة من الكبائر وأن إسلامه ناقص ولا يكفر بذلك لبقاء أصل الإسلام وعموده.
وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ﴾[آل عمران: 19] وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ﴾[آل عمران: 85]).
قال قتادة في قوله تعالى: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ﴾ [آل عمران: 19]: (الإسلام: شهادة أنّ لا إله إلا الله، والإقرار بما جاء به من عند الله، وهو دين الله الذي شرع لنفسه، وبعث به رسله، ودلّ عليه أولياءه، لا يقبل غيرَه ولا يجزى إلا به). رواه ابن جرير.
· وفيه دلالة على وجوب التوحيد وأنه الدين الذي يقبله الله تعالى، والإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم أصله التوحيد لله جل وعلا.
· قال ابن القيم رحمه الله: (وقد دلَّ قوله: ﴿إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإسْلامُ﴾[آل عمران: 19]على أنه دين جميع أنبيائه ورسله وأتباعهم من أولهم إلى آخرهم، وأنه لم يكن لله قط ولا يكون له دين سواه، قال أوَّل الرسل نوح: ﴿فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [يونس: 72]، وقال إبراهيم وإسماعيل: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾.
(وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ في الآخِرَةِ مِنَ الخَاسِرينَ﴾ [آل عمران: 85]).
· للسلف في المراد بالإسلام في هذه الآية قولان:
- القول الأول: هو دين الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم، وأصله الشهادتان، وعليهما مدار التوحيد، وأن هذه الآية نسخت جميع الأديان السابقة من اليهودية والنصرانية والصابئية وبقايا الحنيفية.
- القول الثاني:المراد به الإسلام العام الذي هو دين جميع الأنبياء،وهو توحيد الله تعالى
· قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسْلامِ دِيناً﴾ [آل عمران: 85] الآية عام في الأولين والآخرين بأن دين الإسلام هو دين الله الذي جاء به أنبياؤه وعليه عبادة المؤمنون كما ذكر الله ذلك في كتابه من أول رسول بعثه إلى أهل الأرض نوح وإبراهيم وإسرائيل وموسى وسليمان وغيرهم من الأنبياء والمؤمنين)ا.هـ.
· وأجمعوا على أن المراد بالإسلام في قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا﴾[المائدة: 3]، هو دين الإسلام الذي بعث به محمد صلى الله عليه وسلم.
دَلِيلُ الشَّهَادَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾[آل عمران: 18]،وَمَعْنَاهَا: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلاَّ اللهُ.
لفظ الشهادة وما تصرف منه يطلق على معنيين مشهورين:
- المعنى الأول: الحضور والمعَاينَة والإبصَار، كما في قوله تعالى: ﴿وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [النور: 2].
- المعنى الثاني: الإخبار البيّن الجازم عن أمرٍ ذي شأن، وهو المراد هنا كما في قوله تعالى: ﴿شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ﴾
وقد اجتمع المعنيان في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ (19) ﴾ [الزخرف: 19].
﴿أَشَهِدُوا﴾ استفهام إنكاري، أي: هل حضروا خلقهم وعاينوه؟
و﴿شَهَادَتُهُمْ﴾ أي إخبارهم الجازم في هذا الأمر العظيم.
· قوله تعالى: ﴿شَهدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلَّا هُوَ وَالمَلاَئِكَةُ وَأُولُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لاَ إلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ﴾[آل عمران: 18].
- أي أن الله تعالى وملائكته وأولوا العلم يشهدون أنه لا إله إلا الله.
- قال ابن القيم رحمه الله: (وقوله تعالى: ﴿قَائِماً بِالْقِسْطِ﴾ القسط هو العدل؛ فشهد الله سبحانه أنه قائم بالعدل في توحيده، وبالوحدانية في عدله.
بيان معنى لا إله إلا الله
مَعْنَاهَا: لاَ مَعْبُودَ بِحَقٍّ إِلَّا اللهُ؛ (لاَ إِلهَ) نَافِياً جَمِيعَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللهِ، (إِلا اللهُ) مُثْبِتاً العِبَادَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ فِي عِبَادَتِهِ، كَمَا أَنَّهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ فِي مُلْكِهِ).
نقل عن الأشاعرة نحو أربعة أقوال في تفسيرها:
- ففسر بعضهم الإله بأنه المعبود بحق وأن لا إله إلا الله معناها لا معبود بحق إلا الله، وهذا هو التفسير الصحيح الموافق لتفسير أهل السنة والجماعة.
- وفسر بعضهم الإله بأنه القادر على الاختراع، وأن معنى (لا إله إلا الله) أي لا قادر على الاختراع إلا الله، وهذا قصر لمعنى كلمة التوحيد على نوع من أنواع توحيد الربوبية.
- وفسر بعضهم الإله بأنه المستغني عن كل ما سواه المفتقر إليه كل ما عداه.
- وفسر بعضهم لا إله إلا الله بأن معناها: (أنه واحد في ذاته لا قسيم له، وواحد في صفاته لا شبيه له، وواحد في أفعاله لا شريك له)
والتفسيران الأخيران قاصران أيضاً مخالفان للأدلة الصحيحة، ولا تقتضيهما اللغة.
· وتفسير كلمة التوحيد ببعض معاني الربوبية خطأ كبير شاع لدى بعض الفرق وراج لدى جهلة العوامّ، وانتشر بسبب ذلك من البدع والشركيات ما الله به عليم.
وبعض المتصوفة يقولون: إن معنى (لا إله الا الله) للعوام لا معبود إلا الله، ومعناها للخواص لا محبوب إلا الله، ومعناها لأخص الخواص لا موجود إلا الله، وهذا التفسير كفر مبين شاهد على صاحبه بعقيدة الحلول والاتحاد التي هي من أكفر الكفر، والعياذ بالله.
تَفْسِيرُهَا الَّذِي يُوَضِّحُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَآءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي﴾.
قوله تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَينَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لاَ نَعْبُدَ إلَّا اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾.
دَلِيلُ شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَؤُوْفٌ رَحِيمٌ﴾ ، وَمَعْنَى شَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ: طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَ، وَتَصْدِيقُهُ فِيمَا أَخْبَرَ، وَاجْتِنَابُ مَا عَنْهُ نَهَى وَزَجَرَ، وَأنْ لاَ يُعْبَدَ اللَّهُ إِلَّا بِمَا شَرَعَ).
دَلِيلُ الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَتَفْسِيرُ التَّوْحِيدِ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لَيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ﴾[البينة: 5]).
وَدَلِيلُ الصِّيَامِ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾).
· فرض صيام شهر رمضان بنزول هذه الآية في السنة الثانية من الهجرة.
· لم يفرض شيء من الصيام على المسلمين قبل الهجرة.
(وَدَلِيلُ الحَجِّ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾).

رد مع اقتباس
  #88  
قديم 22 ذو القعدة 1436هـ/5-09-2015م, 02:48 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الدرس الثاني عشر:
مرتبة الإيمان:
· المرتبة الثانية من مراتب دين الإسلام هي مرتبة الإيمان.
· وهذه المرتبة أخص من سابقتها، فإيمان أصحابها أعظم من إيمان أصحاب المرتبة السابقة، فهم مسلمون مؤمنون، ولذلك يقال: كل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمن.
الإيمان عند أهل السنة والجماعة: اعتقاد بالجَنان وقول باللسان وعمل بالأركان.
· ومن أهل العلم من يختصر العبارة فيقول:الإيمان قول وعمل.
فيقصد بالقول: قول القلب أي تصديقه، وقول اللسان.
- ويقصد بالعمل: عمل القلب وهو العبادات القلبية من المحبة والخوف والرجاء والخشية والرغبة والرهبة والإنابة وغيرها، وعمل الجوارح يشمل البصر والسمع والمشي والتناول والنكاح وغيرها.
· المؤمنون يتفاضلون في الأقوال والأعمال، ولذلك يتفاضلون في الإيمان.
الإيمان يزيد وينقص، فيزيد بالطاعة، وينقص بفعل المعصية وبترك الطاعات، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا﴾ [المدثر: 31]، وقال: ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ .
يزيد الإيمان بالطاعة وهي امتثال الأمر واجتناب النهي؛ فكلما امتثل أمر وجوب أو استحباب زاد إيمانه، وكلما اجتنب محرماً أو مكروها احتساباً زاد إيمانه.
· والمسلم هو الذي أتى بأصل الإيمان، وقد يأتي بالقدر الواجب منه، وقد يأتي بالكمال المستحب، وقد يقع في الذنوب والمعاصي والكبائر فينقص إيمانه بسبب ذلك.
درجات الإيمان:
1- درجة أصل الإيمان، وهو ما يصح به إسلام العبد؛ فهذا يسمى به مسلماً، وإن كان معه أصل الإيمان، لكن لا يقال هو مؤمن.
ولا يكون مسلماً حتى يجتنب نواقض الإسلام، ومن هذه الطبقة أصحاب الكبائر من المسلمين، فإن معهم أصل الإيمان وهم قد حققوا الدرجة الأولى من درجات العبودية لله تعالى فاجتنبوا الشرك الأكبر واجتنبوا نواقض الإسلام.
2- الدرجة الثانية: درجة كمال الإيمان الواجب؛ فمن حقق الإيمان الواجب بأداء الواجبات واجتناب المحرمات إيماناً واحتساباً فهو مؤمن.
3- درجة كمال الإيمان المستحب، وتشمل الإيمان الواجب والمستحب، وأصحاب هذه الدرجة هم المحسنون؛ فإنهم تقربوا إلى الله تعالى بالفرائض والنوافل واجتنبوا المحرمات والمكروهات، وحققوا الإيمان بقلوبهم وألسنتهم وجوارحهم.
وهذا التفريق بين الإسلام والإيمان استُدِل له بآيات من القرآن الكريم:
· منها قوله تعالى: ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: 14]، وهذه الآية للسلف في تفسيرها قولان مشهوران:
القول الأول: أن الإسلام المثبَت لهم هو مرتبة الإسلام، وأنهم لم يبلغوا مرتبة الإيمان، وهو قول الزهري وإبراهيم النخعي وأحمد بن حنبل واختاره ابن جرير وابن تيمية وابن كثير وابن رجب.
· القول الثاني: أن الإسلام المثبَت لهم هو الإسلام الظاهر الذي لا يقتضي أن يكون صاحبه مسلماً حقاً في الباطن، وذلك كما يحكم لأهل النفاق بالإسلام الظاهر، وإن كانوا كفاراً في الباطن.
وَهُوَ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، أعْلاَهَا قَوْلُ لاَ إِلهَ إِلا اللَّهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإِيمَانِ).
(وَأَرْكَانُهُ سِتَّةٌ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلاَئِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الآخِرِ، وَبِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ؛ كُلُّهُ مِنَ اللَّهِ).
· أركان الإيمان هي أصوله التي ينبي عليها.
· وهذه الأركان هي أصول الإيمان، وشعب الإيمان ترجع إلى هذه الأصول، لأن الشعبة لا بد لها من أصل، فالشعبة تتشعَّب من أصل.
وشعب الإيمان هي أنواع الإيمان وخصاله، ومنها قلبي وقولي وعملي.
· وقد مثل النبي صلى الله عليه وسلم لكل نوع بمثال: فقول (لا إله إلا الله) قول باللسان، وإماطة الأذى عمل، والحياء عمل قلبي.
(وَالدَّلِيلُ عَلَى هَذِهِ الأَرْكَانِ السِّتَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾[البقرة: 177] الآية).
· في هذه الآية ذكر الله تعالى خمسة أصول من أصول الإيمان، وفي حديث جبريل ذكر مع هذه الأصول الخمسة الإيمان بالقدَر.
· والإيمان بالقَدَر من لازمِ الإيمانِ بالله تعالى، لأنَّ القَدَرَ هو من فعل الله جل وعلا.
وَدَلِيلُ الْقَدَرِ قَوْلُهُ تَعَالَى:﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾).
· هذه الآية فيها ذكر القَدَر، وأن الله تعالى قد خلق كلَّ شيء بقدر، فمن آمن بذلك فقد آمن بالقدر.
· والإيمان بالقدر من أصول الإيمان العظيمة المذكورة في حديث جبريل نصاً.
أركان الإيمان
الإيمان بالله تعالى:
لإيمان بالله تعالى يستلزم الإيمان بوجوده، والإيمان بربوبيته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته، والقيام بواجب هذا الإيمان اعتقاداً وقولاً وعملاً.
1- فأما الإيمان بوجود الله تعالى فلم يخالف فيه إلا قلَّة من الناس، وهم الملاحدة وهم طوائف؛ فمنهم الدهرية الطبائعية الذين ينسبون كل شيء للطبيعة.
وهؤلاء الذين ينكرون وجود الله تعالى من أعظم الناس اضطراباً وتناقضاً، فإن الإيمان بوجود الله تعالى أمر تقتضيه الفطرة فمن أنكره وقع في التناقض والاضطراب ولا بد.
وقد حكى الله تعالى عن فرعون وهو مِن أشهر من أظهر القول بإنكار وجود الله تعالى أنه وقع في هذا الاضطراب والتناقض؛ فأنكر وجود الله تكبّراً وإباء مع يقينه بوجوده في قرارة نفسه، ولمّا مسّه عذاب الرجز سأل مؤسى أن يدعو ربّه ليكشف عنه العذاب.
- قال الله تعالى: ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ (39) ﴾ [القصص: 38، 39].
· والملاحدة أضعف الناس حجة إذا ناظرهم من يحسن المناظرة كما ذكر الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام ونبأ محاجة الملك له قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[البقرة: 258].
2- وأما الإيمان بربوبية الله تعالى فهو الإقرار بأن الله تعالى هو الخالق الرازق المالك المدبر المحيي المميت.
· وهذا الإقرار لا يدخل العبد في الإسلام بل يلزمه للدخول في الإسلام توحيد الألوهية بأن يعبد الله وحده لا شريك له.
3- وأما الإيمان بألوهية الله تعالى؛ فهو الإقرار بأنه لا يستحق العبادة إلا الله جل وعلا؛ إقراراً جازماً يتبعه العمل؛ ولا يكون مؤمناً بألوهية الله تعالى إلا من كفر بما يُعبد من دون الله، وَعَبَدَ الله وحده لا شريك الله.
4- وأما الإيمان بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا فيكون بالإقرار الجازم بما أثبته الله تعالى لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم من الأسماء والصفات من غير تكييف ولا تمثيل، ولا تشبيه ولا تعطيل إقراراً جازماً يتبعه العمل بمقتضاه.
فنؤمن بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا وبما دلت عليه من المعاني الجليلة وأنه لا شبيه له فيها، وأن الله تعالى له الكمال المطلق فلا يلحقه نقص في أسمائه ولا صفاته ولا أفعاله، قد تنزَّه عن الشرور والنقائص والعيوب وسائر ما لا يليق بكماله المقدس.
- ونتعبَّد لله تعالى بمقتضى أسمائه وصفاته:
فإيماننا بأسماء السميع البصير واللطيف الخبير والعليم المحيط ونحوها من الأسماء الحسنى التي تدل على العلم والإحاطة تقتضي منا مراقبة الله تعالى في شؤننا كلها، فنعبده جل وعلا وكأننا نراه، فنأتي الطاعات ونجتنب المعاصي ونحن نعتقد أن الله تعالى يرانا ويعلم سرنا وعلانيتنا، ولا يخفى عليه شيء من أمرنا.
فأما المعطلة: فهو وصف جامع لفِرَقٍ نَفَتْ أسماء الله تعالى الحسنى وصفاته العليا أو نفت بعضها وهذا هو معنى التعطيل، ومن أشهر هذه الفرق: الجهمية والمعتزلة والكلابية والماتريدية والأشاعرة، وهي على درجات في التعطيل.
- وأما المشبّهة: فهم الذين شبهوا الله تعالى بخلقه، والتشبيه وقع فيه بعض الأشخاص الذين اشتهر عنهم القول به ومنهم من نص السلف على كفره كداود الجواربي والمغيرة بن سعيد العجلي.

رد مع اقتباس
  #89  
قديم 22 ذو القعدة 1436هـ/5-09-2015م, 03:47 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الإيمان بالملائكة:
· الملائكة، جمع مَلَك، وأصله: مَألَك،، والألوكة والمألك والمألكة: الرسالة.
· والإيمان بالملائكة أصل عظيم من أصول الإيمان، وله ثمرات عظيمة، وفوائد جليلة.
وهم خَلْق من خلق الله تعالى، خلقهم الله من نور كما في صحيح مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجانّ من مارجٍ من نار، وخلق آدم مما وصف لكم)).
وقد وصف الله تعالى الملائكة في كتابه الكريم بأنهم ﴿عِبَادٌ مُكْرَمُونَ﴾ [الأنبياء: 26] خَلْقاً وَخُلُقاً، قد أكرمهم الله تعالى بمحبته وشرَّفهم بطاعته، وعصمهم من معصيته، فهم ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ [التحريم: 6].
· ووصفهم بأنهم ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (19) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ﴾[الأنبياء: 19، 20]، لا يستحسرون أي لا ينقطعون عن عبادته من إعياء ولا ملل ولا ضعف.
· وهم متفاوتون في الخلق فمنهم من هو عظيم الخلقة جداً ومنهم من هو دون ذلك كما وصف الله تعالى تفاضلهم في الخلق في قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[فاطر: 1].
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل في صورته له ستمائة جناح.
· وفي سنن أبي داوود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( أذن لي أن أحدّث عن مَلَكٍ من ملائكة الله تعالى من حَمَلَةِ العَرْشِ، ما بين شَحْمَةِ أذنه إلى عاتِقِهِ مسيرة سبعمائة سنة)).
· وهم خلق كثير لا يحصيهم إلا من خلقهم سبحانه وتعالى.
وقد وكّلهم الله تعالى بأعمالٍ يعملونها، وهم حفيظون لأعمالهم قائمون بها على أتم وجه كما أمرهم الله؛ فمنهم الموكَّل بالوحي وهو جبريل عليه السلام، ومنهم الموكَّل بالقطر والنبات وهو ميكائيل، ومنهم الموكل بالنفخ في الصور وهو إسرافيل، ومنهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة الرحمة، ومنهم ملائكة العذاب، ومنهم الموكل بالأرحام.
· ومنهم الكتبة الحافظين الذين وصفهم الله تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12) ﴾ [الانفطار: 10-12]، وقد مكَّنهم الله تعالى من معرفة أعمال العبد كلها حتى ما يهمّ به قبل أن يتحدث به أو يعمل به كما دل عموم قوله تعالى: ﴿يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ﴾، وحديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( يقول الله: إذا هم عبدي بالحسنة فاكتبوها له حسنة فإن عملها فاكتبوها عشرة أمثالها فإن هم بالسيئة فعملها فاكتبوها واحدة وإن تركها فاكتبوها حسنة))
· ومنهم الملائكة السياحون الذين يتتبَّعون مجالس الذكر.
· ومنهم ملائكة سياحون موكلون بتبليغ النبي صلى الله عليه وسلم سلام من يسلّم عليه من أمته كما في مصنف ابن أبي شيبة وسنن النسائي وصحيح ابن حبان ومستدرك الحاكم من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام)).
· ومنهم الحفظة الذين يحفظون العبد من الآفات التي قد لا يراها ولا يعلم بها فيصرفونها عنه ما لم يقدّر الله له شيئا من ذلك.
· وللملائكة أعمال كثيرة لا يحصيها إلا من خلقهم، وهم يحبّون ويبغضون؛ يحبون من يحبه الله، ويبغضون من يبغضه الله، ويستغفرون للذين آمنوا ويدعون لهم بخير، وقد ورد في فضائل بعض الأعمال أن الملائكة تدعو لأصحابها، كما ورد أنهم يدعون على بعض العصاة من أهل الكبائر، ويلعنون بعضهم.
· والمؤمنون يؤمنون بالله وملائكته كما أثنى الله تعالى عليهم بقوله: ﴿آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾[البقرة: 285].
· والإيمان بالملائكة يكون بالتصديق بوجودهم وبأعمالهم وبما أخبر الله تعالى عنهم وأخبر به عنهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ومحبتهم لمحبة الله تعالى لهم بلا مجاوزة للحد؛ فلا يُرفعون فوق منزلتهم التي جعلها الله لهم ولا يُدعون من دون الله ولا يستشفع بهم ولا يصرف لهم أي نوع من أنواع العبادة.
وأما المخالفون في الإيمان بالملائكة فهم أصناف ومن أشهرهم:
- الصنف الأول: الذين أنكروا وجود الملائكة، وهؤلاء هم الملاحدة، وكذلك بعض الذين لديهم نزعات إلحادية مع إقرارهم بوجود الله، لكنهم لا ينسبون إليه شيئاً، ويفسرون كل ما يحدث بالظواهر الطبيعية، حتى خلق الإنسان والأفلاك ينسبونه للطبيعة، فمن هؤلاء من يفسر الملائكة بقوى الخير والصفات النفسانية الحسنة في الإنسان، ويفسر الشياطينَ بقوى الشر والخصال الشريرة.
- الصنف الثاني: الفلاسفة القدماء الذين يعتقدون أن الملائكة هي التي تتصرّف في الكون وتدبّره، وهم لا يسمونهم الملائكة وإنما يسمونهم الأرواح والعقول المدبرة والنفوس الخيرة، ولذلك يجوّزون دعاء الأجرام العلوية من الكواكب السبعة وغيرها، ويزعمون أن من توجَّه إليها بالدعاء؛ فإن تلك الأرواح تتنزل عليه وتقضي حوائجه.
وهذه العقيدة تلقفها بعض السحرة الذين تعاطوا التنجيم، ولذلك يتقربون إلى الكواكب ويزعمون أنهم يخاطبون الملائكة؛ وهم في الحقيقة إنما يدعون الشياطين، كما قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ (40) قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ (41) فَالْيَوْمَ لَا يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (42) ﴾ [سبأ: 40-42].
الصنف الثالث: الذين يبغضون بعض الملائكة ويعادونهم، ومن هؤلاء اليهود المغضوب عليهم الذين أعلنوا بغضهم لجبريل عليه والسلام وعداوتهم له، وفيهم نزل قول الله تعالى: ﴿قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) ﴾ [البقرة: 97، 98].
- الصنف الرابع: الذين يزعمون أن الملائكة بنات الله، ولديهم اعتقادات أخرى كفريّة باطلة في الملائكة، ومن هؤلاء مشركو العرب في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)
- الصنف الخامس: الذين يدعون الملائكة من دون الله تعالى ويطلبون منهم الشفاعة وقضاء الحوائج وهذا كله من العبادة التي من صرفها لغير الله عز وجل فهو مشرك كافر؛ قال الله تعالى: ﴿مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 79، 80].
وقال تعالى: ﴿وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى﴾.
الركن الثالث: الإيمان بالكتب
المراد بالكتب: الكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله عليهم السلام، ومنها صحف إبراهيم، والتوراة التي أنزلها الله على موسى، والزبور الذي أنزله على داوود والإنجيل الذي أنزله على عيسى، والقرآن الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وعلى أنبياء الله وسلم.
· فنؤمن بما أنزل على نبينا صلى الله عليه وسلم، ونؤمن بما أنزل على الأنبياء من قبله ما علمنا من ذلك وما لم نعلم، ونؤمن بأنها حق من عند الله جل وعلا.
· وقد أثنى الله تعالى على عباده المتقين بذلك في أول سورة البقرة فقال: ﴿الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (3) والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5) ﴾[البقرة: 1-5]
· وقد أمر الله تعالى نبيَّه بالإيمان بكتبه فقال: ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ [الشورى: 15] من كتاب عام في جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى.
وأمر الله تعالى المؤمنين بذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾[النساء: 136].
· فالإيمان بالكتب فرض واجب، وهو من أصول الإيمان العظيمة.
واليهود والنصارى وقعوا في التكذيب ببعض الكتب وإنكار بعض ما جاء فيها، كما ذمهم الله تعالى بقوله: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَىَ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ﴾
والكتب التي أنزلها الله تعالى على رسله عليهم السلام جاءت بالأمر بتوحيد الله جل وعلا، والنهي عن الشرك، وكلُّ ما أخبر الله تعالى به فيها فهو حق وصدق.
· وأما الشعائر التعبدية فقد جعل الله لكل أمة شريعة يتعبدون بها لا تلزم غيرهم، إلا الشريعة التي بعث الله بها محمداً صلى الله عليه وسلم وهي شريعة الإسلام فهي عامة لجميع المكلفين من الإنس والجنّ إلى قيام الساعة كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ﴾[سبأ: 28]
وقال: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾[الأعراف: 158].
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة))؛ فشريعة الإسلام ناسخة لما قبلها من الشرائع وهي عامة لجميع المكلفين.
وقال الله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾.
الركن الرابع: الإيمان بالرسل
· الإيمان بالرسل أصل عظيم من أصول الإيمان؛ فهم الواسطة في تبليغ رسالات الله تعالى؛ وهم الذين بينوا للناس الهدى ودين الحق، أرسلهم الله تعالى رحمة بعباده:
1- ليبلغوهم رسالات ربهم، ويرشدوهم إلى الصراط المستقيم المفضي إلى رضوان الله تعالى وجنات النعيم، ويبشروا بذلك من آمن بهم وأطاعهم واتبع سبيلهم.
2- ليحذروا من أسباب سخط الله وعذابه.
3- ليقيموا الحجة على الناس بالبلاغ، فمن بلغته الحجة وجب عليه الإيمان والاتباع، فإن كذَّب وتولى استحق العذاب الأليم، ولم تكن له حجة عند ربه.
· وقد جمع الله مقاصد إرسال الرسل الثلاثة في قوله تعالى: ﴿رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ﴾ [النساء: 165]؛ فإن الله تعالى لا يعذّب أحداً على مخالفة حتى تقوم عليه الحجة الرسالية كما قال الله تعالى: ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾ [الإسراء: 15].
· وقد أوجب الله تعالى على رسله البلاغ المبين وهو البيِّن الواضح الذي لا لبس فيه، فقال تعالى: ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ [النحل: 35].
وشهد الله تعالى لهم بأنهم أدوا ما أوجب الله عليهم فقال: ﴿مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا (38) الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا (39) مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [الأحزاب: 38-40].
ولذلك أرسل الله تعالى كل رسول بلسان قومه ليبين لهم وجعل رسولهم منهم فقال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾[إبراهيم: 4].
وأعظم الرسل بياناً وأفصحهم لساناً وأحسنهم هدياً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا أصل عظيم من أصول الدين، وهو اعتقاد أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بيَّن البيان الكامل الذي يحبه الله ويرضاه، والذي تقوم به الحجة، وتتضح به المحجة فلا يزيغ عنها إلا هالك.
· والبيان الكامل يقتضي ثلاثة أمور متلازمة:
- الأمر الأول: العلم التام بكل ما يلزم بيانه.
- الأمر الثاني: النصح والأمانة.
- الأمر الثالث: الفصاحة في المنطق وحسن تبليغ الرسالة لمن أرسله الله إليهم.
· ومن زعم أن الله تعالى لم يرسل رسولاً فهو كافر ظانّ بالله تعالى ظنَّ السوء زاعم أنَّ الله تعالى يترك عباده سدى، يخلقهم ويعبدون غيره، ويقرهم على ذلك!؛ قال الله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى﴾، وقال: ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾.
والذي أرسل الله به الرسل هو دين الإسلام بمعناه الشرعي العام، وهو التوحيد.
· فالأنبياء دينهم واحد وهو الإسلام وشرائعهم شتى، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الأنبياء إخوة لعَلاَّت أمهاتهم شتى ودينهم واحد))
والمقصود هنا بيان أن الإيمان بالرسل أصل من أصول الإيمان، وأنه يجب علينا أن نؤمن بهم جميعاً ولا نفرق بين الله ورسله ولا نفرق بين أحد من رسل الله فنؤمن ببعض ونكفر ببعض.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (151) وَالَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (152) ﴾
الركن الخامس: الإيمان باليوم الآخر
الإيمان باليوم الآخر أصل عظيم من أصول الإيمان، من كذَّب به كفر، وسمّي باليوم الآخر لأنه لا يوم بعده في الدنيا، وفيه تقوم الساعة، فالمكذب به مكذّب بالساعة ومكذب بالبَعْث ومكذب بالحساب والجزاء، وهذه كلها أصول عظيمة من أصول الإيمان.
ومن الإيمان باليوم الآخر:
1- الإيمان بما يكون في البرزخ بين الحياة الدنيا والآخرة من عذاب القبر ونعيمه وسؤال الملكين، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
2- قيام الناس لرب العالمين في يوم الفصل.
3- ان بالحوض والشفاعة ونصب الموازين ونشر الصحف ونصب الصراط ودخول الكفار والمنافقين وبعض أصحاب الكبائر من المسلمين في النار، ثم يخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة من إيمان ويبقى الكفار والمنافقون النفاق الأكبر خالدين في نار جهنم لا يخفف عنهم العذاب وما هم منها بمخرجين، والعياذ بالله.
4- ونؤمن بأن الجنة حق، وأن الله تعالى قد أعدَّها لعباده المؤمنين يدخلونها برحمته وفضله، وهم فيها خالدون، في النعيم المقيم الذي لا ينقطع ولا ينقص ولا يتكدَّر.
5- الجنة على درجات، والمؤمنون يتفاضلون فيها تفاضلاً عظيماً بحسب أعمالهم.
6- والمؤمنون يرون ربهم عز وجل في عرصات القيامة وبعد ما يدخلون الجنة، ورؤية الله تعالى هي أعلى مراتب النعيم.
7- وهم على مراتب ودرجات في الرؤية بحسب قربهم من الله عز وجل.
والمخالفون في هذا الأصل على درجتين:
- الدرجة الأولى: الكفار المكذبون بالبعث، وهم طوائف من المشركين الوثنيين والملاحدة، وبعض الفلاسفة القدماء الذين يزعمون أن الحشر للأرواح دون الأجساد.
- الدرجة الثانية: المبتدعة الذين أنكروا بعض تفاصيل ما يكون في اليوم الآخر من الحوض والشفاعة ورؤية المؤمنين لربهم عز وجل؛ فهؤلاء مَن بلغته منهم الأحاديث الصحيحة وهو عارف بمعناها عارف بصحتها ثم كذَّب بها فهو كافر لتكذيبه النبي صلى الله عليه وسلم.
- ومن عرضت له شبهة تأول بسببها معنى غير ما أجمع عليه السلف الصالح ودل عليه لفظ النبي صلى الله عليه وسلم بمقتضى لسان العرب فهو مبتدع ضال، ولا يكفَّر لأجل الشبهة التي عرضت له، ولأنه لم يقصد تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم، لكنه على خطر عظيم بسبب ما وقع فيه من البدعة.
الركن السادس: الإيمان بالقدر
· الإيمان بالقدر أصل عظيم من أصول الإيمان، والقدر هو تقدير الله تعالى لكل شيء وهو يتضمن علم الله تعالى به وكتابته له في اللوح المحفوظ ومشيئته بوقوعه وعموم خلقه لكل شيء.
كما قال تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾[القمر: 49].
وقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾[الفرقان: 2].
فالإيمان بالقدر يتضمن أربع مراتب من لم يؤمن بها لم يؤمن بالقدر:
- المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله تعالى الأزلي بكل شيء كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ [الأنفال: 75].
- المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ كل شيء، والكتابة من أدلة العلم، كما قال الله تعالى: ﴿وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾.
- المرتبة الثالثة:الإيمان بمشيئة الله تعالى، وأنه لا يكون إلا ما يشاؤه الله عز وجل، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ﴾ [الإنسان: 30]، وقال:﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ [الأنعام: 35]، وقال: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾.
والمشيئة هي الإرادة الكونية، فإن الإرادة تطلق في الكتاب والسنة ويراد بها الإرادة الكونية المرادفة للمشيئة، وتطلق ويراد بها الإرادة الشرعية التي هي الأمر والنهي.
فأما الإرادة الكونية فإنها نافذة ولا بدَّ؛ لأن ما شاء الله كان وما شاء لم يكن.
وأما الإرادة الشرعية وهي الأمر والنهي فقد يمتثله العباد وقد لا يمتثلون وهو مدار الابتلاء والاختبار.
- لو شاء الله تعالى أن يجعل عباده كلهم مؤمنين مطيعين لفعل، ولو شاء أن يجعلهم كلهم عصاة لفعل، لكنه تعالى ابتلاهم بالأمر والنهي وجعل لهم قدرة واختياراً فمن امتثل بقدرته واختياره أثابه الله، ومن عصى الله بقدرته واختياره استحق العقاب.
- المرتبة الرابعة:الإيمان بأن الله تعالى خالق كل شيء، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ [الزمر: 62]،وقال تعالى: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96].
المخالفين في باب الإيمان بالقدر أنواع:
- النوع الأول: المنكرون للقدر جملة، ومن هؤلاء طوائف من المشركين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وغلاة القدرية الذين أنكروا علم الله بأفعال العباد قبل صدورها منهم، وهم أتباع معبد الجهني، وهؤلاء كفار
- النوع الثاني: المخاصمون والمعترضون، وهؤلاء إمامهم إبليس لعنه الله، وقد وقع في مخاصمة الله تعالى في القَدَرِ طوائف من المشركين والزنادقة وبعض أهل البدع، وقد يقع في شيء من ذلك بعض عصاة المسلمين وهو على خطر في هذه المنازعة؛ والواجب الإيمان بالقدر والتسليم لله تعالى.
- النوع الثالث: الذين ضلوا في باب المشيئة وهم طائفتان من الفرق الضالة:
الطائفة الأولى: القدرية ومن أشهرهم المعتزلة ومتأخروا الشيعة.
الطائفة الثانية: الجبرية ومن أشهرهم الأشاعرة والماتريدية.

رد مع اقتباس
  #90  
قديم 22 ذو القعدة 1436هـ/5-09-2015م, 04:23 AM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الدرس الرابع عشر:
مرتبة الإحسان:
فسر النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله: (( أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك))
والإحسان ضد الإساءة ويطلق هذا اللفظ في لسان العرب على معنيين:
- المعنى الأول: الإتقان والإجادة.
- والمعنى الثاني: التفضل والزيادة.
قال الله تعالى: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾ [السجدة: 7] فالإحسان هنا يفسره قوله تعالى: ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ [النمل: 88]
ويقال: فلان أحسن صنعته إذا أتقنها وأجادها، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (قيمة كل امرئ ما يحسنه).
· والذي يحسن العمل هو الذي يأتي به على وجه حسن، وهذا الوصف يصدق على المعنيين فيكون العمل متقناً ليس فيه إساءة، ويكون فيه معنى التكميل والتتميم والزيادة على القدر الواجب.
فالذي يؤدي العبادة على القدر الواجب بحيث لا يكون مسيئاً فيها؛ فهو قد أحسنها، والذي يكمل آدابها ومستحباتها فهو محسن إحساناً أبلغ من الإحسان السابق.
· وهذا يدلك على أن الإحسان يتفاضل فيه الناس؛ فيكون عمل أحسن من عمل، وعبادة أحسن من عبادة.
ميزان الإحسان
مدار الإحسان في كل عبادة على أمرين:
- الأمر الأول: الإخلاص لله تعالى بأن يؤديها كأنه يرى الله تعالى فإن لم يكن يراه فإن الله يراه.
- الأمر الثاني: اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تلك العبادة بأدائها بلا غلو ولا تفريط.
· وهذا يكون في كل عبادة ومعاملة بحسبها.
ونواقض الإحسان في العبادة: الشرك، والبدعة، والغلو، والتفريط.
الشرك: قال الله تعالى في المشركين: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا﴾.
البدعة: قال النبي صلى الله عليه وسلم في المبتدعة: (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))
التفريط: قال النبي للمسيء صلاته: ارجع فصلّ فإنك لم تصل.
الغلو: قال النبي: (( هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون)) رواه مسلم.
فضل الإحسان:
1- من أعظم فضائل الإحسان أن الله يحبّ المحسنين، وقد تكرر ذكر أن الله ﴿يحبّ المحسنين﴾ في خمسة مواضع في القرآن الكريم.
2- وذكر الله تعالى في خمسة مواضع أيضاً أنه لا يضيع أجر المحسنين.
3- ومن فضائله قول الله تعالى: ﴿إن رحمة الله قريب من المحسنين﴾ [الأعراف: 56]، وقوله: ﴿هل جزاء الإحسان إلا الإحسان﴾ [الرحمن: 60] وقوله: ﴿ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى﴾ [النجم: 31] وقوله: ﴿للذين أحسنوا الحسنى وزيادة﴾ [يونس: 26] وقد فسّرت الزيادة برؤية الله جلّ وعلا، وهذه غاية الأماني وأحسن الثواب.
4- من عاجل ثواب المحسنين ما يثيبهم به في الدنيا كما قال الله تعالى في موضعين من كتابه الكريم ﴿للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة﴾ [النحل: 30].
درجات الإحسان
الدرجة الأولى: الإحسان الواجب، وهو أداء العبادة على القدر الواجب بإخلاص واتباع بلا غلوّ ولا تفريط؛ فمن أدى العبادة على هذا الوجه فهو محسن الإحسان الواجب فيها، والذي لا يؤدي هذا الإحسان ظالم لنفسه كما قسم الله تعالى الناس إلى فريقين لا ثالث لهما، محسن وظالم لنفسه مبين، كما قال تعالى في خليله إبراهيم: ﴿وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾
· الدرجة الثانية: الإحسان المستحب، وهو أداء العبادة بتكميل واجباتها ومستحباتها وتعظيم النية فيها لله جل وعلا، فيكون في العبادة قوة إخلاص ومتابعة فيؤديها كأنه يرى الله عز وجل، فمن أدى العبادة على هذا الوجه فهو محسن، وهذا هو الإحسان المراد هنا.
خصال الإحسان في العبادات
إحسان الوضوء
إحسان الوضوء يكون بإسباغه وتكميل فروضه وآدابه وعدم مجاوزة القدر المشروع في عدد الغسلات.لما في مسند الإمام أحمد وسنن النسائي وابن ماجة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الوضوء؛ فأراه ثلاثا ثلاثا، ثم قال: (( هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم)).
إحسان الصلاة
· وإحسان الصلاة يكون بإقامتها وأدائها في أول وقتها، وتكميل واجباتها وآدابها وأن يصليها كأنه يرى الله عز وجل.
· من أخل بأركانها وواجباتها فليس بمحسن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: (( ارجع فصلّ فإنك لم تصل)) متفق عليه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (( صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك)).
إحسان النفقة
· الإحسان في الإنفاق يكون بأدائه احتساباً لله عز وجل خوفاً وطمعاً لا يريد ممن أحسن إليه جزاء ولا شكوراً، ولا يُتْبِعُ نفقَتَه منًّا ولا أذى.
· في النفقة عملان عمل للقلب وعمل للجوارح؛ فعمل القلب ألا يريد بالنفقة إلا وجه الله تقرباً إليه خوفاً وطمعاً، لا يريد ممن أنفقه عليهم جزاء ولا شكوراً.
- قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾ [المؤمنون: 60].
مما يفسد النية في الإنفاق:الرياء والفخر والعجب والتعالي.
· ومما يبطل ثواب الصدقة: المنّ والأذى، والمنّ من الأذى لأن الذي يُمنّ عليه يتأذى بذلك، وفيه أيضاً سوء أدب مع الله عز وجل.
· والأذى في الإنفاق وصف جامع لخصال كثيرة منها:
1- المنّ وهو أعظمها وهو من كبائر الذنوب، والذي ينظر إلى أن ماله منَّة مِنَ الله تعالى عليه، استخلفه فيه لينظر كيف يعمل في هذه الأمانة لا يمنّ بإنفاقه، ال الله تعالى: ﴿آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الحديد: 7].
2- ومن الأذى في الإنفاق: المماطلة فيه، والتعالي بالنفقة على المحتاج، والتعسير عليه في أخذها.
3- ومن الأذى: أن يخرج ما تعافه نفسه من رديء ما يملك، وقد أمر الله بالإنفاق من طيب المال، كما قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ [البقرة: 267].
وقد وعد الله تعالى المحسنين في الإنفاق بالفضل العظيم كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) ﴾[البقرة: 262-264].
إحسان الجهاد في سبيل الله
يُعرف إحسان عبادة الجهاد بما دلَّ عليه الكتاب العزيز، وما دلَّت عليه السنة النبوية الشريفة، وبما عرف من سير الأئمة الذين أحسنوا الجهاد في سبيل الله.
قال الله تعالى: ﴿وجاهدوا في الله حق جهاد هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج﴾ [الحج: 78] وقال تعالى: ﴿وجاهدوا في سبيل الله لعلكم تفلحون﴾ [المائدة: 35]، وقال تعالى: ﴿إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أؤلئك هم الصادقون﴾
· في الجهاد ينقسم المؤمنون إلى مستطيع للجهاد بماله ونفسه، ومستطيع بأحدهما، ومن لا يستطيع بماله ولا بنفسه، وكل هؤلاء يمكنهم إدارك مرتبة الإحسان فيه.
· من رحمة الله عز وجل أن يسَّر السبيل لهؤلاء الأصناف الثلاثة لبلوغ مرتبة الإحسان، وعلى كل صنف أعمال إذا قاموا بها بلغوا بها مرتبة الإحسان في الجهاد.
1- الجهاد بالنفس: جمع الله خصال الإحسان في الجهاد بالنفس في قوله تعالى: ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) ﴾
· صفات إحسان القتال المذكورة في الآية ترجع إلى تحقيق الصبر واليقين.
- الصبر يحمل على عدم الوهن والضعف والاستكانة.
- واليقين يحمل على تحقيق الاستعانة بالله واتباع هداه على نور وبصيرة.
· قدَّموا الاستغفار ليقينهم بأنهم إن خذلوا فإنما خذلانهم من قبل أنفسهم بتفريطهم وتقصيرهم ومخالفتهم هدى الله فيما وصَّاهم به، فاستغفروا الله تعالى من الأسباب الموجبة للخذلان، وسألوه الثبات والنصر على الكافرين لتكون كلمة الله هي العليا.
· القيام بهذه العبادات العظيمة يُذهب عن القلب العجب والغرور والرياء والسمعة وإرادة الدنيا بعمل الآخرة لأنه يعلم أنه متى وقع فيها كان على خطر من الخذلان والانتكاس.
من حقق صفات الإحسان في الجهاد أصاب حقيقة الجهاد في سبيل الله؛ فأخلص لله واتبع هداه؛ وأورثه ذلك شجاعة عظيمة وإقداما عجيباً وكان ذلك فاتحة لكرامات عظيمة.
مما طمأن الله به المجاهدين ليقدموا ولا يخافوا أنهم لا يجدون من ألم القتل إلا كما يجد أحدنا ألم القَرصة، وهو ألم يسير محتمل، فمن آمن بذلك أقدم.
· عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( ما يجد الشهيد من ألم القتل إلا كما يجد أحدكم من ألم القَرْصَة)). رواه الدارمي وابن حبان وصححه الألباني.
2- الجهاد بالمال:
قال الله تعالى: ﴿وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله﴾ [التوبة: 41]، وقال تعالى: ﴿وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين﴾ [البقرة: 195] فينبغي أن نتعلم كيف نحسن الإنفاق في سبيل الله.
يكون الإحسان في الإنفاق بإحسان القصد، وإحسان الحال، وإحسان طريقة الإنفاق، ومنه قدر واجب يأثم المسيء فيه، ومنه مستحب لصاحبه فضل عظيم.
القسم الثالث: فهم الذين لا يطيقون الجهاد لضعف أو مرض أو قلة نفقة؛ وهولاء لم يحرمهم الله بلوغ مرتبة الإحسان في الجهاد.
· يبلغون مرتبة الإحسان بالنصيحة لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله تعالى: ﴿لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(91)﴾ [التوبة: 91].
والنصيحة تجمع معنى الصدق والإخلاص: إخلاص القصد لله عز وجل، والصدق في محبة الله عز وجل ونصرة دينه وإعلاء كلمته.
فإحسان هؤلاء هو النصيحة لله عز وجل، وهذه المرتبة من الإحسان ممكنة للمحسنين في كل وقت، ولا تكلفهم أكثر من إخلاص القصد وصدق العزيمة، وإنما يحرم خيرها وفضلها من حُرم.

رد مع اقتباس
  #91  
قديم 22 ذو القعدة 1436هـ/5-09-2015م, 05:44 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

طرق معرفة الإحسان
يعرف الإحسان بأمور:
- الأمر الأول:بيان القرآن الكريم لمعنى الإحسان العام والإحسان في الأمور التي بيَّنها الله عز وجل في كتابه.
- الأمر الثاني: بيان النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى الإحسان بهديه العملي والقولي والإقراري.
- الأمر الثالث: تأمل سير أئمة المحسنين، والاهتداء بهديهم فيما أحسنوا فيه.
بيان القرآن لمعنى الإحسان
أمّا إحسان الدعاء ففي قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 55، 56]؛ فالدعاء هنا يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، ومن قام بهذه الأمور التي أمر الله عز وجل بها فهو من أهل الإحسان.
وقوله تعالى: ﴿إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الأعراف: 56] له دلالةٌ بمنطوقه ودلالةٌ بإيمائه وتعليله ودلالةٌ بمفهومه:
-فدلالته بمنطوقه على قرب الرحمة من أهل الإحسان.
-ودلالته بإيمائه وتعليله على أن هذا القرب مستحق بالإحسان، وهو السبب في قرب الرحمة منهم.
-ودلالته بمفهومه على بعده من غير المحسنين.
والإحسان هاهنا هو فعل المأمور به سواءٌ كان إحسانًا إلى الناس أو إلى نفسه؛ فأعظم الإحسان: الإيمان والتوحيد والإنابة إلى الله تعالى والإقبال إليه والتوكل عليه وأن يعبد الله كأنه يراه إجلالًا ومهابةً وحياءً ومحبةً وخشيةً؛ فهذا هو مقام الإحسان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم - وقد سأله جبريل عليه السلام عن الإحسان -؛ فقال: (( أن تعبد الله كأنك تراه )).
فإذا كان هذا هو الإحسان فرحمته قريبٌ من صاحبه؛ وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان يعني هل جزاء من أحسن عبادة ربه إلا أن يحسن ربه إليه).ا.هـ، وهو من نفيس ما كتب رحمه الله، وهو من رسالة له في تفسير هاتين الآيتين، وما تضمنتاه من آداب الدعاء بنوعيه.
وجاء بيان معنى الإحسان في الابتلاء بأنه يكون بالصبر والتقوى كما قال يوسف عليه السلام: ﴿قَالُواْ أَإِنَّكَ لَأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾[يوسف: 90]؛ فالإحسان عند البلوى، يكون بالصبر والتقوى.
والإحسان عند سماع خبر الله عز وجل وخبر رسوله صلى الله عليه وسلم هو التصديق والتسليم وأن لا يكون في صدر المؤمن حرج من ذلك كما قال تعالى: ﴿وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33) لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ﴾ [الزمر: 33، 34]؛ فهؤلاء قد أحسنوا في تصديقهم.
بيان سنّة النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى الإحسان:
يكفي في الإرشاد إليه قول الله تعالى: ﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾ [الأحزاب: 21].
· فالتفقه في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات يُعرف به أوجه الإحسان، وبه يُنال الاتساء الحسن.
· وذلك أن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الهدي؛ فطهوره أحسن الطهور، وصلاته أحسن الصلاة، وإنفاقه أحسن الإنفاق، وصيامه أحسن الصيام، وحجه أحسن الحج، ومعاملته للناس أحسن المعاملة، وهكذا في كبير الأمور وصغيرها؛ وسبيل معرفة ذلك هو التفقه في مسائل الدين.
ثم أصحابه من بعده هم أحسن الناس هدياً بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم، وأقربهم منه منزلة وأفقههم في دين الله عز وجل.
· وأولاهم بالاتباع من شهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان وأمر باتباع سنتهم وهديهم كالخلفاء الراشدين الذين قال فيهم: (( فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين تمسَّكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة)). رواه أحمد وأبو داوود.
ومن أئمة المحسنين الذين ورد في شأن إحسانهم أحاديث وآثار: الخلفاء الأربعة وفاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم وأمهات المؤمنين ومعاذ بن جبل وعبد الله بن مسعود، وسعد بن أبي وقاص، وعبادة بن الصامت، وأبو أيوب الأنصاري، وغيرهم.
· ومن التابعين: أويس القرني وعمرو بن الأسود والربيع بن خثيم وعمر بن عبد العزيز وآخرون.
أبواب الإحسان
أبواب الإحسان كثيرة، ففي صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس بن ثابت رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إنَّ الله كتبَ الإحسانَ على كلِّ شيء؛ فإذا قتلتم فأحسِنوا القِتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبحة، وَلْيحدَّ أحدُكُم شَفْرَتَهُ وَلْيُرِح ذبيحَته)).
· فالإحسان مكتوب على كل شيء، وإحسان كل شيء بحسبه، وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم هنا الإحسان في الذبح، فمن خالف هديه فلم يحدّ السكين ولم يرح ذبيحته فليس بمحسن في ذبحه.
الإحسان يكون بالقلب واللسان والجوارح:
1: فأما إحسان القلب فهو لُبّ الإحسان وأصله، وأول ذلك أن يحرص على تحقيق الإحسان في أعمال القلوب من المحبة والخوف والرجاء وغيرها.
· فالعبادات القلبية الحسنة يظهر أثرها على اللسان والجوارح؛ ويدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( أن تعبد الله كأنك تراه)) وهذا عمل قلبي؛ ومتى تحقق العبد بهذا الوصف وقام بحقه أحسن العبادات الباطنة والظاهرة.
فلذلك كان الأصل في مرتبة الإحسان العبادات القلبية من المحبة والخوف والرجاء والتوكل والاستعانة والخشية والإنابة والتوبة وغيرها، وهذه العبادات من أحسنها أفلح وفاز فوزاً عظيماً، والإحسان فيها على درجتين:
- الدرجة الأول: الإحسان الواجب، وهو ما تصح به هذه العبادات وتسلم به من الشرك والبدعة والغلو والتفريط.
- الدرجة الثانية: الكمال المستحب، وهو المراد هنا، وهو مضمار تسابق أولياء الله المحسنين، وتفاضلهم فيه كبير عظيم وهم فيه على درجات ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران: 163].
وتفاضل العبادات القلبية يكون في أمرين:
- الأمر الأول:قوة الاحتساب والإتيان بالعبادات القلبية، كما يتفاضلون في المحبة والخوف والرجاء وغيرها من العبادات.
- الأمر الثاني: تعدد المقاصد الحسنة في الأعمال التي يعملها العبد، حتى إن من بركات الإحسان أن يعمل العبدُ العملَ الواحد يكون له فيه مقاصد حسنة متعددة؛ فيثاب عليها جميعاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم.
2: وأما الإحسان بالقول فهو أن يتحرى العبد القول الحسن الطيب الذي يحبه الله في كل شؤونه؛ فإذا ذكر الله بلسانه أحسن الذكر، وإذا وعظ أحسن الموعظة، وإذا دعا أحسن الدعوة، وإذا علَّم أحسن التعليم، وإذا نصح أحسن النصيحة، وإذا تحدث مع الناس أحسن الحديث إليهم، كما قال الله تعالى: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾ [البقرة: 83]، وقال: ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾ [الإسراء: 53]. والأقوال الحسنة متفاضلة، وأحسنُ القول وَصَفَه الله تعالى بقوله: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [فصلت: 33]؛ فالداعي إلى الله الذي يعمل الصالحات ويعلن انتسابه للإسلام ويعتز به من أهل الإحسان في القول.
والمقصود أن إحسان القول على ثلاث درجات:
- الدرجة الأولى: تجنّب القول السيئ الذي يبغضه الله عز وجل وأسوؤه قول الشرك بالله عز وجل والصد عن سبيله وقول الزور والغيبة والنميمة والفحش والبذاءة وغيرها.
- الدرجة الثانية: الإتيان بالقول الحسن الواجب، في حق الله عز وجل وفي حق الناس، فأما القول الحسن في حق الله عز وجل فأحسنه وأوجبه كلمة التوحيد، ثم ما يجب عليه من الأذكار الحسنة والأدعية الواجبة في الصلاة وفي غيرها، وما يجب عليه من الأقوال الحسنة في حق الناس، وأحق الناس بالقول الحسن الوالدان كما أمر الله تعالى بقوله: ﴿وقل لهما قولاً كريماً﴾ [الإسراء: 23] أي طيباً حسناً.
- ومما يجب من القول الحسن: رد السلام، وبيان الحق عند وجوب بيانه، ونصرة الحق، والذب عن عرض المسلم، وغيرها من المواطن التي يجب فيها القول الحسن مع الاستطاعة.
- الدرجة الثالثة: القول الحسن المستحب، وهذه الدرجة مترتبة على الدرجتين السابقتين، وهي تشمل نوافل الأقوال الحسنة من التلاوة والذكر والدعاء والدعوة إلى الله تعالى، وما يندب إليه من الإحسان إلى الناس كتعزية المصاب بقول حسن، وتثبيت المبتلى، وإعانة المستعين، ومكافأة صانع المعروف، وغيرها من الأقوال الحسنة المستحبة التي من أداها مع ما قبلها فهو من أهل الإحسان في القول.
3: وأما إحسان العمل فهو من أثر إحسان عمل القلب وإحسان القول.
- والأعمال الحسنة على نوعين:
- النوع الأول: العبادات العملية فهذه أداؤها على وجه حسن بإخلاص واتباع بلا غلو ولا تفريط هو الإحسان المطلوب؛ فمن كان هذا دأبه في عباداته فهو من أهل الإحسان فيها، ويتفاضل المحسنون في هذه المرتبة تفاضلاً عظيماً.
- النوع الثاني: معاملة الناس، والإحسان في معاملة الناس على ثلاث درجات:
الدرجة الأولى: كف الأذى، فالذي لا يكف أذاه عن الناس فليس بمحسن، بل هو من أبعد الناس عن الإحسان، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.
الدرجة الثانية: أداء الحقوق الواجبة، وأخصها حق الوالدين وحق الأرحام والجار، ومن بينه وبينه معاملة تقتضي حقاً خاصاً كالشركاء من حق بعضهم على بعض الصدق والبيان، وحق المؤتمِن على المؤتمَن أداء الأمانة، وحق المشتري على البائع أن لا يغبنه في سعرها وأن يبيّن له عيبها إن كان فيها عيب.
- الدرجة الثالثة: الإحسان المستحب، وهو أنواع ويجمعه أنه ما زاد على القدر الواجب من وجوه الإحسان وهي كثيرة متنوعة فالصدقة إحسان، والكلمة الطيبة إحسان، وتبسمك في وجه أخيك إحسان إليه، وتوسعة المجلس له إحسان، وكل هذه الأعمال الحسنة يثاب عليها العبد إذا احتسب فيها نية صالحة.
معاني لفظ الإحسان في النصوص:
- المعنى الأول: إحسان العمل وإتقانه، فمن أتى بالعمل على وجه حسن فهو محسن.
- المعنى الثاني: فعل الحسنات، كما قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ﴾ [النساء: 125] فالإحسان الأول غير الإحسان الثاني.
وقال تعالى: ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ [الأنعام: 160] والذي يجيء بالحسنة محسن، ودرجته في الإحسان بحسب استكثاره من الحسنات.
- المعنى الثالث: البر والإفضال إلى المخلوقين في كل مقام بحسبه قال تعالى: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا﴾ [الإسراء: 23]، و﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً﴾
حاجة العبد إلى الاستعانة بالله على الإحسان
حاجة العبد إلى سؤال الله تعالى الإعانة على الإحسان لازمة دائمة، كما دلَّ على ذلك حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أَنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَخذ بيدهِ، وقال: (( يا مُعَاذُ، واللهِ إِني لأُحِبُّكَ)).
فقال: (( أُوصيكَ يا معاذُ، لا تَدَعنَّ في كلِّ صلاةٍ أَنْ تَقُولَ: اللهمَّ أَعِنِّي على ذِكْرِكَ وشُكْرِكَ وحُسنِ عِبَادَتِكَ ))
سمات المحسنين:
الصدق والإخلاص، والنصيحة لله ولرسوله ولكتابه وللمؤمنين، والسكينة، والبعد عن التكلف، وترْكهم ما لا يعنيهم.
تيسير الإحسان:
هو يسير لمن يسَّره الله له، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: (( لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه )).
ومن أدلة ذلك أن الله تعالى أمر بالإحسان ورغَّب فيه؛ فقال تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [البقرة: 195]، وقال: ﴿إن الله يأمر بالعدل ولإحسان﴾ [النحل: 90]،وليس في الشريعة تكليف بما لا يُطاق، ولا ترغيب فيما لا ينال.
· لا يرغّب الله في أمر ثم يعسّره على عباده إلا أن يأتوا من أسباب الخذلان ما يُحرَمون بسببه التوفيق له، وأما الصادق المجتهد فحريّ بالفوز بمطلوبه.
ومن أعظم أسباب التوفيق للإحسان: تعظيم أوامر الله، وشكر نعمه، وكثرة ذكره، والمجاهدة فيه.
· فأما تعظيم أوامر الله عز وجل فإنه علامة على تقوى القلب كما قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].
· وأما شكر النعمة فإن الله تعالى يحب الشاكرين ويوفقهم لما يحبه لهم، ولمَّا اعترض المشركون على هداية ضعفاء المؤمنين قال الله تعالى: ﴿أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ [الأنعام: 53].
· وأما كثرة الذكر فتجلي القلب، وتطرد الشيطان، وتزيد محبة الرب جل وعلا في قلب العبد، ومحبة الرب جل وعلا لعبده، ومن أحب شيئاً أكثر من ذكره، فلا يزال العبد يذكر الله بقلبه ولسانه حتى يوفق للإحسان.
· وقد قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾ [الأحزاب: 21].
· ومن جاهد لبلوغ هذه المرتبة وتحراها فحري أن ينالها وقد قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)﴾ [العنكبوت: 69].
· والإحسان أعلى مراتب الدين، والمحسنون فيه متفاضلون وأعلاهم مرتبة الصديقون.
أدلة من القرآن الكريم لبيان معنى الإحسان وفضله.
قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى﴾ [لقمان: 22]؛ الوثقى أي التي لا أوثق منها.
· فتبيّن أن الإحسان هو أفضل العمل، وأنه لا يكون إلا بإسلام الوجه إلى الله تعالى، أي يكون قصد العبد خالصاً لله تعالى ويكون منقاداً لأوامره جل وعلا مطيعاً له.
· وَقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ [النحل: 128]؛ فيه بيان فضل المحسنين وأنهم فائزون بمعية الله تعالى الخاصة التي تقتضي محبته ونصره وتأييده وهدايته وحفظه وغير ذلك من المعاني الجليلة العظيمة التي جعلها الله تعالى لأهل معيته الخاصة.
وَالدَّلِيلُ مِنَ السُّنَّةِ: حَدِيثُ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورُ

رد مع اقتباس
  #92  
قديم 24 ذو القعدة 1436هـ/7-09-2015م, 07:00 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

تلخيص الدرس السادس عشر:
شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم تستلزم أموراً عظيمة يمكن إجمالها في ثلاثة أمور كبار من لم يقم بها لم يكن مؤمناً بالرسول صلى الله عليه وسلم:
- الأمر الأول: تصديق خبره.
- الأمر الثاني: امتثال أمره.
- الأمر الثالث: محبته صلى الله عليه وسلم.
· الإسلام لا بد فيه من خضوعٍ لله وإخلاص وانقياد، ومن لم يشهد أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة صحيحة فليس بمنقادٍ ولا خاضعٍ لأحكام الإسلام فلا يكون مسلماً، وإن ادعى الإسلام.
الأمر الأول: تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم:
وهذا التصديق ينقضه أمران:
- الأمر الأول: التكذيب.
- والأمر الثاني: الشك.
الدرجة الأولى: التكذيب المطلق؛ فيدَّعي أنه كذاب في أصل رسالته أي أن الله لم يرسله، أو يكذّبه فيما يخبر به عن الله جل وعلا وعن أمور الغيب.
وهذا هو تكذيب المشركين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم وتكذيب بعض أصحاب الملل الأخرى كاليهود والنصارى والمجوس وغيرهم.
الدرجة الثانية: تكذيب بعض ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا قد يقع من بعض من يقرّ برسالة النبي صلى الله عليه وسلم، ويكذبه في بعض أخباره، كإقرار بعض اليهود والنصارى بأنه رسول، لكن رسالته للعرب وليست لجميع الناس؛ وكتكذيب بعض من ينتسب للإسلام لبعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم مع إقراره بصحتها عنه.
التفريق بين تكذيب خبر الرسول بعد الإقرار بصحته إليه، وبين تكذيب الخبر المنسوب إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
- فتكذيب الخبر المنسوب الذي لم تتحقق صحته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو تأوَّله المتأوّل على غير معناه الصحيح ليس له حكم تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم.
- وذلك لأن الأخبار المنسوبة للنبي صلى الله عليه وسلم قد تصحّ نسبتها وقد لا تصح، وإذا صحت النسبة فقد يصح تفسير المعنى على ما فهمه المتلقي وقد يفهم منه فهماً خاطئاً مخالفاً لنص صحيح صريح فيكذب الخبر بناء على ما صح عنده من مخالفته للنص المحكم الصحيح؛ فهذا ليس بتكذيب للنبي صلى الله عليه وسلم في حقيقة الأمر.
وكذلك المشكك في بعض أخبار النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر غير مصدق.
· ولا يستقيم إسلام العبد حتى يصدّق الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يخبر به.
الأمر الثاني: طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم
· طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم تتحقق بامتثال ما أمر به حسب الاستطاعة، واجتناب ما نهى عنه.
· والطاعة من لوازم التصديق؛ فمن كان تصديقه صحيحاً أذعن بالطاعة، ومن كان في قلبه مرض الشك والتكذيب ظهر أثر مرضه على عمله.
· طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب، وهي طاعة لله جل وعلا كما قال الله تعالى: ﴿مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ﴾[النساء: 80]
وطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم علامة على صدق محبّته ومن ثوابها محبّة الله تعالى للعبد المطيع كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾
· والمخالفون في الطاعة على درجتين:
- الدرجة الأولى: الذين لا يرون أنه يلزمهم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهؤلاء كفار غير مسلمين، وإن أقرّوا بصحة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، فكل من لم ير طاعة الرسول واجبة عليه لازمة له فهو كافر غير مسلم؛ لأنه ممتنع عن الطاعة متولٍّ غير منقاد لحكم الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقد قال الله تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [النساء: 65].
- الدرجة الثانية: الذين يؤمنون بأنه يلزمهم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كبير الأمور وصغيرها وأن ما أوجبه عليهم فهو واجب، وما حرَّمه عليهم فهو حرام، ويلتزمون ذلك، لكنهم يخالفون في بعض الأمر فيرتكبون بعض المحرمات ويتركون بعض الواجبات مع إقرارهم بعصيانهم فهؤلاء من عصاة المسلمين، وهم آثمون مستحقون للعذاب بقدر ما عصوا الرسول فيه، ولا يكفرون إلا إذا أفضت معصيتهم إلى ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام، والعياذ بالله.
· وقد ضلت طوائف من أهل البدع في هذا الباب فكفَّروا مرتكب الكبيرة كما فعلت الخوارج وقالوا بأن أهل الكبائر خالدون مخلدون في نار جهنم.
الأمر الثالث: محبة الرسول صلى الله عليه وسلم.
محبة الرسول صلى الله عليه وسلم فرض واجب، لا يصح الإيمان إلا به، بل يجب تقديم محبته صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأهل والولد والمال، كما قال الله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ [التوبة: 24].
وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين)).
·وتقديم محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة النفس والأهل والولد والناس أجمعين على ثلاثة درجات، وهي درجات الاتباع:
- الدرجة الأولى: وهي التي لا يصح الإسلام إلا بها وهي تقديم محبته فيما يلزم منه البقاء على دين الإسلام، والمخالف في هذه الدرجة هم الكفار الأصليون والمرتدّون الذين ارتكبوا ناقضاً من نواقض الإسلام فقدَّموا ما يحبونه من معصية الرسول صلى الله عليه وسلم على محبة الرسول؛ فخرجوا من دين الإسلام بهذه المخالفة.
- الدرجة الثانية: درجة الوجوب، فيطيع الرسول صلى الله عليه وسلم فيما أمر به أمر وجوب، ويجتنب ما نهى عنه نهي تحريم، والذين يؤدي هذه الدرجة هو مؤمن متقٍّ مؤدٍّ للطاعة الواجبة، والمخالف فيها هو الذي يقدّم ما تحبه نفسه وتهواه على طاعة الرسول وهو عاص مخالف للأمر مستحق للعقاب بقدر مخالفته.
- الدرجة الثالثة: درجة الاستحباب والكمال، وهو طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به أمر استحباب على ما يستطيع العبد، واجتناب ما ينهى عنه نهي كراهة، وهذه الدرجة من حقَّقها فهو من أهل الإحسان، ومن خالف فيها بما لا يلحقه بالمخالفين في الدرجة الثانية فهو غير آثم، لكن يفوته من الخير والفضل بقدر ما فرَّط فيه.
ويكون معنى نفي الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم: (( لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه...)) على ثلاث درجات:
- نفي أصل الإيمان، وهذا للمخالفين في الدرجة الأولى.
- نفي الإيمان الواجب، وهذا للمخالفين في الدرجة الثانية.
- نفي كمال الإيمان، وهذا للمخالفين في الدرجة الثالثة.
· والناس في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:
- القسم الأول: الجفاة المقصِّرون في محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء على درجتين: كفار، وعصاة.
فأما الكفار فهم الذين يبغضون الرسول صلى الله عليه وسلم أو يبغضون شيئاً مما جاء به من شريعة الإسلام.
وأما العصاة فهم الذين يخالفون أمر الرسول صلى الله عليه وسلم فيرتكبون بعض المحرمات ويتركون بعض الواجبات مع طاعتهم له فيما يلزم منه بقاؤهم على دين الإسلام.
- القسم الثاني: الغلاة الذين غلوا في دعوى محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهؤلاء على درجتين: مشركون ومبتدعة:
فأما المشركون فهم الذين غلوا في النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرفوا له بعض أنواع العبادة من الدعاء والنذر وطلب المدد وقضاء الحوائج وغير ذلك.
وأما المبتدعة فهم الذين غلوا في مدحه فأطروه وجاوزوا الحدَّ المأذون فيه من المدح والثناء ولم يصرفوا له شيئاً من أنواع العبادة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله)
- القسم الثالث: المهتدون المتبعون لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه الكرام والتابعين لهم بإحسان بلا غلو ولا تفريط، وهؤلاء هم الناجون السعداء.
أقسام البدع
فأما البدع المكفرة فهي التي يكون فيها ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام كأن تتضمن تلك البدعة شركاً أكبر بصرف العبادة لغير الله عز وجل كما يفعله بعض غلاة الشيعة والباطنية والصوفية.
- القسم الثاني: البدع المفسّقة، وهي التي لا يكون فيها ارتكاب ناقض من نواقض الإسلام من الشرك الأكبر أو التكذيب أو غيرها من النواقض، وهذه غالب البدع العملية من مثل ما يحدثه بعض المبتدعة من الموالد والأذكار المبتدعة والزيادة على القدر المشروع في بعض العبادات، وتخصيص بعض الأزمنة والأمكنة بعبادات لم يرد تخصيصها بها.

رد مع اقتباس
  #93  
قديم 24 ذو القعدة 1436هـ/7-09-2015م, 08:10 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

تلخيص الدرس السابع عشر:
· وتلخيص ذلك أن الفرق بين الرسول والنبي يتضح ببيان أمرين:
· الأمر الأول: أن النبوة منزلة، والرسالة منزلة أخص منها، فكل رسول نبي وليس كل نبي رسول، وهذا الأمر عليه قول جماهير العلماء ولا أعرف إماماً معروفاً بالعلم والإمامة في الدين يخالف في هذا القول.
لدلالة قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ...﴾
ولدلالة حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين في حديث الشفاعة الطويل وفيه أن الناس يأتون نوحاً فيقولون له: (أنت نوح أول الرسل إلى أهل الأرض). وقد علم بنص الحديث أن آدم عليه السلام نبي مكلم.
· الأمر الثاني: بيان الفرق بين مطلق الإرسال ومنزلة الرسالة؛ فمطلق الإرسال حاصل للأنبياء كلهم كما دل عليه قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ [الحج: 52].
· فالرسول مرسل، والنبي مرسل، لكن رسالة الرسول أخص من رسالة النبي ومنزلة الرسالة أخص وأعلى من منزلة النبوة ولذلك قدم ذكر الرسول على ذكر النبي في هذه الآية.
قال الخطابي: والفرق بين النبي والرسول: أن الرسول هو المأمور بتبليغ ما أنبئ وأخبر به، والنبي هو المخبَر ولم يؤمر بالتبليغ، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا).
قال مجاهد قوله تعالى: ﴿رسولاً نبياً﴾: (النبي هو الذي يُكَلَّم ويُنْزَلُ عليه ولا يُرْسَلُ، والرسولُ هو الذي يُرسَل).
قول هؤلاء العلماء: (وأمر بتبليغه) هو معنى قول من تقدم (وأرسل) لأن الأمر بالتبليغ هو مقتضى الإرسال.
· فليس مرادهم من قولهم: (ولم يؤمر بتبليغه) نفي مطلق الإرسال والتبليغ، وإنما المراد نفي مقتضى ما تختص به منزلة الرسالة عن منزلة النبوة؛ فإن منزلة الرسالة تقتضي تميز (الرسول) برسالة لا يشترك معه فيها (النبي)، وهذا هو القدر المنفي عن النبي في قول العلماء، ولم يريدوا نفي الإرسال عنه جملة.
أقوال العلماء في مسألة الفرق بين الرسول والنبي:
· ولأهل العلم في التفريق بين الرسول والنبي أقوال، أشهرها خمسة أقوال:
· القول الأول: هو المتقدم ذكره، وهو أشهر الأقوال، وقد بيَّنت ما فيه من الإشكال وجوابه.
· القول الثاني: أن الرسول هو الذي يأتيه جبرئيل بالوحي عياناً وشفاهاً، والنبي هو الذي تكون نبوّته إلهاماً أو مناماً- وهذا القول في التفريق لا يصح فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نبئ بنزول: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾[العلق: 1]؛ وأما قول عائشة رضي الله عنها في الصحيحين: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح).
- فالمراد به مقدمات النبوة، لا النبوة نفسها، فإن بدء النبوة كان بنزول قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق: 1].
القول الثالث: أن الرسول من أنزل معه كتاب، والنبي غير الرسول من لم ينزل عليه كتاب، وإنما أمر أن يدعو الناس إلى شريعة من قبله، وهذا قول الزمخشري في تفسيره، واختاره النسفي.
· القول الرابع: الرسول من أرسل إلى قوم مخالفين ليبلغهم رسالة الله، والنبي من كان يعمل بشريعة من قبله، ولم يرسل إلى أحد ليبلغه رسالة الله، وهذا قول شيخ الإسلام ابن تيمية، نص عليه في رسالة النبوات.
القول الخامس: الرسول من أوحي إليه بشريعة جديدة يدعو الناس إليها، والنبي من بعث لتقرير شرع سابق، وهذا القول ذكره عبد القاهر بن طاهر البغدادي حكاية عن اعتقاد الأشاعرة، واختاره البيضاوي وأبو السعود، وقد حكاه قولاً أبو المظفر السمعاني وأبو حيان،لكن البغدادي ذكر أن آدم عليه السلام هو أول الرسل.
والبيضاوي أيضاً خالف هذا القول في موضع آخر من تفسيره كما نبَّه إليه العاملي في الكشكول، حيث قال في تفسير سورة مريم في شأن إسماعيل عليه السلام:(﴿وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيًّا﴾[مريم: 51] يدل على أن الرسول لا يلزم أن يكون صاحب شريعة، فإن أولاد إبراهيم كانوا على شريعته).
· والقول الصحيح هو القول المأثور عن مجاهد رحمه الله، وهو ما قاله الفراء وابن جرير وعليه جمهور أهل العلم لولا ما أثير من الإشكال حول ذلك التعبير الشائع، وقد علمت جوابه.
قوله: (وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) ﴾[المدثر:1-7]).
· هذه الآيات هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي الأولى، كما تقدم بيانه.
· والمدَّثر: أصله: (المتدثّر) ثم أدغمت التاء في الدال وشدِّدَت.
· والمدثر هو المتغطي بالدِّثَار وهو لباس يكون فوق الشعار؛ فالشعار هو اللباس الذي يلي الجسد، والدّثار لباس فوقه، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (( الأنصار شعار والناس دثار)) متفق عليه من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
· قال الفراء وأبو معمر وابن قتيبة وابن جرير وغيرهم: المدثر هو المتدثر بثيابه إذا نام.
· وقال إبراهيم النخعي: كان متدثراً بقطيفة.
قوله: (وَمَعْنَى: ﴿قمْ فَأَنْذِرْ﴾ يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ).
· قال ابن جرير: (وقوله: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ﴾ يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذابَ الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره).
· والإنذار يكون من العذاب وسببه؛ فالشرك سبب للعذاب، والنار وما يعاقب الله به المشكرين عذاب، ويقع الإنذار من هذا وهذا.
قوله: (﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ).
· قال ابن جرير: (﴿وَرَبَّكَ﴾ يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد).
· فالتكبير هو التعظيم كما قال الله تعالى: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[الإسراء: 111].
· قال الشنقيطي: (﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[الإسراء: 111] أي: عظمه تعظيماً شديداً، ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه، والمسارعة إلى كل ما يرضيه: كقوله تعالى:﴿وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ﴾[الحج: 37]، ونحوها من الآيات).
قوله: (﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ﴾ أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ).
· هذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، أن الطهارة فيه معنوية
· والرّجز: الأوثان، تضم الراء وتكسر، وهما قراءتان.
· وقد قال الله تعالى: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ﴾ [الحج: 30].
· قال ابن المبارك اليزيدي: (الرجز والرجس واحد).
· وقد قيل في اشتقاق هذه العبارة أن هذا الأصل الذي هو الـراء والجيم والزاي (ر ج ز) يفيد الاضطراب, ويفيد المهانة أيضا, فيه معنى الاضطراب وفيه معنى الامتهان, لأن أصل الرجز في اللغة هو داءٌ يصيب أعجاز الإبل فتضطرب منه أي: تتحرك حركة مضطربة.
تأريخ فرض الصلوات الخمس مختلف فيه بين أهل العلم حتى ذكر ابن حجر أن في هذه المسألة نحو عشرة أقوال لأهل العلم، لكن أشهرها ثلاثة أقوال:
- القول الأول: أنه قبل الهجرة بنحو سنة، وهذا قول ابن سعد في الطبقات وقول إبراهيم الحربي وابن حزم وجماعة من أهل العلم، ومنهم من يزيد أشهراً وينقص أشهراً.
- القول الثاني: أنه قبل الهجرة بثلاث سنين، وهذا القول حكاه ابن حجر عن ابن الأثير، وقال به ابن قدامة في المغني، قال ابن رجب: (وهو أشهَر).
- القول الثالث: أنه بعد البعثة بخمس سنين، وهو قول الزهري، ورجحه النووي.

رد مع اقتباس
  #94  
قديم 24 ذو القعدة 1436هـ/7-09-2015م, 08:40 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

الدرس الثامن عشر:
الهجرة:
معنى الهجرة:
قوله: (وَالهِجْرَةُ: الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَالهِجْرَةُ: فَرِيضَةٌ عَلَى هَذِهِ الأُمَّةِ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ، وَهِيَ بَاقِيَةٌ إِلى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ).
· الهجرة في اللغة هي الانتقال من بلد إلى بلد، وسمي فاعل ذلك مهاجراً، لأنه قد هجر بلدَه ومن فيه، وَرَغِبَ عن جوارهم.
أنواع الهجرة
· والهجرة تنقسم إلى قسمين: هجرة معنوية وهجرة حسية.
· فأما الهجرة المعنوية فهي: هَجْرُ كلِّ ما نهى الله عنه كما في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هَجَرَ ما نهى الله عنه)).
· وهذه الهجرة المعنوية شأنها عظيم بل هي أصل الهجرة الحسية، كما أن جهاد النفس أصل سائر أنواع الجهاد.
· وهي واجبة في هَجْرِ ما نهى الله عنه نهي تحريم، ومستحبة في هجرِ ما نُهي عنه نَهْيَ كراهة دون نهي التحريم.
· قال ابن القيم رحمه الله في الرسالة التبوكية: (الهجرة هجرتان):
- الهجرة الأولى:هجرة بالجسم من بلد إلى بلد، وهذه أحكامها معلومة وليس المراد الكلام فيها.
- والهجرة الثانية:الهجرة بالقلب إلى الله ورسوله، وهذه هي المقصودة هنا، وهذه الهجرة هي الهجرة الحقيقية، وهي الأصل، وهجرة الجسد تابعة لها.
· والهجرة المعنوية يتحدث عنها علماء السلوك والتزكية ويقسّمونها إلى هجرتين:
1: هجرة إلى الله تعالى بالإخلاص ويفيضون في الحديث فيها عن مسائل الإخلاص وتطهير القصد مما ينقض الإخلاص أو ينقصه من الشرك الأكبر والأصغر وإرادة الدنيا بعمل الآخرة وسائر حظوظ النفس المحرمة وحيل الشيطان في صرف العبد عن تحقيق الإخلاص.
- 2: وهجرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحقيق المتابعة ويفيضون في الحديث فيها عن اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات والمعاملات ومعرفة تفاصيل ذلك وعلاماته ومراتبه.
· وغاية ما يبلغه العبد من درجات الإحسان إنما يحصل له بتحقيق هاتين الهجرتين.
الهجرة الحسية: (وَالهِجْرَةُ: الاِنْتِقَالُ مِنْ بَلَدِ الشِّرْكِ إِلى بَلَدِ الإِسْلاَمِ)
· قوله: (من بلد الشرك) أي البلد الذي يكون للمشركين فيه سلطان وحكم؛ بحيث يمنعون به بعض المسلمين من إقامة دينهم.
· (إلى بلد الإسلام) أي إلى البلد الذي يكون الحكم فيه للمسلمين.
· وهذه الهجرة واجبة وجوباً مؤكداً في نصوص الكتاب والسنة.
مقاصد الهجرة
- منها: أنها سبب لحفظ المؤمنين من الفتنة في الدين.
- ومنها: أنها سبب لعزة المؤمنين ورفعتهم ومَنَعَتهم من ظلم الكفار وتسلطهم عليهم في أنفسهم وأعراضهم وأموالهم.
- ومنها: أن تميّز المسلمين في بلادٍ لا يكون للكفار سلطان عليها سبب لإقامة الجهاد في سبيل الله، ومقاتلة الكفار الذين لا يستجيبون لدعوة الحق ولا يسالمون المسلمين.
ومنها: أنَّ مَن كان يخفي إسلامه خوفاً من تسلط الكفار إذا علم بقيام بلد مسلم بأحكام الجهاد وإيواء المهاجرين ونصرتهم هاجر إليه؛ فيكثر المهاجرون وتكون لهم شوكة يدفعون بها عن أنفسهم ويقاتلون من يستحق القتال.
فضل الهجرة في سبيل الله تعالى
وعد الله المهاجرين في سبيله وعداً حسناً وفضلاً عظيماً؛ فمن كتبت له الحياة نال من ثواب الدنيا ما تقرّ به عينه ومن اصطفاه الله فمات أو قتل لقي من إكرام الله تعالى له ما لا يخطر له على بال.
· كما دل على ذلك قول الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ
فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ
يَتَوَكَّلُونَ (42) ﴾[النحل: 41، 42].
ومن فضائلها أنها تهدم ما كان قبلها من الذنوب والمعاصي كما في صحيح مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال: لمَّا جعلَ الله الإسلامَ في قلبي أتيتُ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلم فقلتُ:ابسُطْ يمينكَ فَلأُبايعُك، فبسط يمينَه فقبضْتُ يَدِي؛ فقال: (( ما لكَ يا عمْرُو؟)) قلتُ: أردتُ أنْ أشْتَرِط؛ قال:(( تَشْتَرِط ماذا؟))؛
قلت: أنْ يُغْفَرَ لي؛ قال: (( أما علمت أنَّ الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله)).
· وهذا يدل عليه قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (110) ﴾
ومن فضائلها ما رواه ابن حبان في صحيحه والبزار في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( للمهاجرين منابر من ذهب يجلسون عليها يوم القيامة قد أمنوا من الفزع)). والحديث صححه الألباني رحمه الله.
متى تنقطع الهجرة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها)).
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (( لا هجرة بعد الفتح؛ ولكن جهادٌ ونيةٌ؛ وإذا استنفرتم فانفروا))وقال: (( لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو)) وكلاهما حق؛ فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه، وهي الهجرة إلى المدينة من مكة وغيرها من أرض العرب؛ فإن هذه الهجرة كانت مشروعةً لما كانت مكة وغيرها دار كفرٍ وحربٍ وكان الإيمان بالمدينة؛ فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبةً لمن قدر عليها؛ فلما فتحت مكة وصارت دار الإسلام ودخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام فقال: (( لا هجرة بعد الفتح)) )
هجرة البادي وهجرة الحاضر
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( الهجرة هجرتان: هجرة الحاضر وهجرة البادي؛ أما البادي فإنه يطيع إذا أُمِرَ ويجيب إذا دُعِي، وأمَّا الحاضِرُ، فهو أعظمهما بلية وأفضلهما أجرا)). رواه أحمد والنسائي وابن حبان وصححه الألباني.
حكم الهجرة
قال ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني: (الناس في الهجرة على ثلاثة أضربٍ:
- أحدها: من تجب عليه، وهو من يقدر عليها، ولا يمكنه إظهار دينه، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار، فهذا تجب عليه الهجرة؛ لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا﴾ [النساء: 97].
وهذا وعيدٌ شديدٌ يدل على الوجوب، ولأن القيام بواجب دينه واجبٌ على من قدر عليه، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجبٌ.
الثاني: من لا هجرة عليه، وهو من يعجز عنها، إما لمرضٍ، أو إكراهٍ على الإقامة، أو ضعفٍ؛ من النساء والولدان وشبههم، فهذا لا هجرة عليه؛ لقول الله تعالى:﴿إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 98].
ولا توصف باستحبابٍ؛ لأنها غير مقدورٍ عليها.
والثالث: من تُستحب له، ولا تجب عليه، وهو من يقدر عليها، لكنه يتمكن من إظهار دينه، وإقامته في دار الكفر، فتستحب له، ليتمكن من جهادهم)ا.هـ.
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالمَدِينَةِ أُمِرَ فِيهَا بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ؛ مِثْلِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ والأَذَانِ وَالجِهَادِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ).
فَلَمَّا اسْتَقَرَّ بِالمَدِينَةِ أُمِرَ فِيهَا بِبَقِيَّةِ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ؛ مِثْلِ الزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالحَجِّ والأَذَانِ وَالجِهَادِ وَالأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ،وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ).

رد مع اقتباس
  #95  
قديم 19 ربيع الأول 1437هـ/30-12-2015م, 05:23 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

تلخيص مادة تلخيص الدروس العلمية:
بيان مراحل التكوين العلمي لطالب العلم:
أولاً: مرحلة التأسيس العلمي:
· معنى التأسيس العلمي:
أن يكون لدى الطالب أساس متين من كل علم من العلوم الشرعية وما يعين عليها من العلوم المساعدة على أصول مختصرة يتقن دراستها ويضبط مسائلها حتى يلم إلمامًا حسنًا بما يناسب مرحلة المبتدئين ليتجاوزها بعد ذلك إلى مرحلة المتوسطين.
· أهمية مرحلة التأسيس العلمي
أهم مرحلة لأنها إذا أتقنت كان ما بعدها أسهل وأيسر لأنه إذا كان الأساس متينًا كان البناء أفضل.
· كيف يكون التأسيس العلمي؟
الركيزة الأولى: أن يدرس كتاباً مختصراً غير مطوّل، حتى يتمكن من الإلمام بمسائل ذلك العلم إلماماً شاملاً بما يناسب المبتدئين فيه في مدّة قصيرة نسبياً.
والركيزة الثانية: أن تكون دراسته دراسة متقنة؛ فلا يجاوز الدرس حتى يضبط مسائله جيداً، وإذا درس عددا من الدروس عاد إلى ما سبقت له دراسته بالمراجعة ليثبّت علمه به حتى لا ينساه.
والركيزة الثالثة: أن تكون دراسته ميسّرة غير شاقة؛ لأنّ الذي يتكلّف طريقة عسرة عليه لا يواصل طلب العلم غالباً.
والركيزة الرابعة: الإشراف العلمي، وذلك لأن طالب العلم في بداية طلبه للعلم يحتاج إلى من يرشده ويبصّره، ويعرّفه بجوانب الإجادة والإحسان لديه، ومواضع الخلل والتقصير، ويقوّم له دراسته وتحصيله، ويرشده إلى الخطة المنهجية التي تصلح له.
· كيف يكون ضبط المسائل العلمية؟
ضبط المسائل العلمية له طريقتان:
الأولى: ضبط الصدر، وهو حفظ المسائل العلمية عن ظهر قلب.
والثانية: ضبط الكتاب، وهو تقييد المسائل العلمية في كتاب يحفظها؛ وتسهل مراجعته.
· تفاوت طلاب العلم في الحفظ والفهم
تفاوت طلاب العلم في الحفظ والفهم ظاهر بيّن، ولذلك فإنّ طلاب العلم على أربع مراتب:
المرتبة الأولى: الذين جمعوا بين حسن الفهم وقوّة الحفظ؛ وهؤلاء بأفضل المنازل؛ فإنّهم يحصّلون علماً غزيراً في مدّة وجيزة إذا داوموا على طلب العلم باجتهاد على خطة صحيحة بإشراف علمي.
والمرتبة الثانية: الذين رُزقوا حسن الفهم مع ضعف في الحفظ؛ فهؤلاء يوصون بالعناية بضبط المسائل العلمية جيداً بالكتابة؛ وأن يعتنوا بالتلخيص، ويعالجوا ضعف الحفظ بمداومة المراجعة لملخصاتهم وتهذيبها والإضافة إليها.
وليحذر هؤلاء من آفتين خطيرتين:
الأولى: ترك المراجعة.
والثانية: التذبذب في مناهج الطلب.
والمرتبة الثالثة: الذين أوتوا قوّة الحفظ مع تعسّر الفهم ومشقّته، وهؤلاء يوصون بالعناية بالتواصل مع عالم أو طالب علم متمكّن ليختبر فهمهم لمسائل العلم، وكلما ضبطوا مسائل درس من الدروس فليعتنوا بحفظها، وبمواصلة الدراسة والضبط على هذه الطريقة يعالجون ما كان لديهم من تعسّر الفهم، وتتضح لهم الطريقة، ويحرزوا من العلم النافع حظاً وفيراً بإذن الله تعالى.
والمرتبة الرابعة: الذين لديهم ضعف في الحفظ وتعسّر في الفهم، وهؤلاء يرجى لهم أن يضاعف لهم أجر طلبهم للعلم؛ لما يجدون فيه من المشقة، ومن جاهد منهم وواصل طلب العلم، رجي له أن يوفّق لقدر حسن من الضبط العلمي يكفيه بإذن الله تعالى.
· الصدق في طلب العلم:
لما حضرت معاذ بن جبل رضي الله عنه الوفاة قيل له أوصنا فقال: "إن العلم والإيمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما " كررها ثلاثا. رواه أحمد والترمذي والنسائي.
وقال إبراهيم النخعي: (قلَّ ما طلب إنسانٌ علماً إلا آتاه الله منه ما يكفيه). رواه ابن سعد.
فمن صدق في طلب العلم وفق له، لأنّ الله تعالى هو الذي يعلّم، والعبد إنّما يبذل أسباب التعلّم، وقد قال الله عز وجل: {واتقوا الله ويعلمكم الله}، وقال جلّ ذكره: {فاذكروا الله كما علّمكم ما لم تكونوا تعلمون}.
ويتحقق صدق الطلب بأمرين:
الأول: إخلاص النية لله تعالى، وتصحيح المقاصد.
والثاني: العزيمة على تحصيل العلم، ونبذ التواني.
· سمات مرحلة التأسيس العلمي:
تمتاز مرحلة التأسيس العلمي بأنها دراسة طويلة متأنيّة، وفيها مشقّة محتملة بإذن الله.
1: فأمّا طولها فهو طول نسبي؛ لأن الطالب قد يمكث في دراسة الكتاب المختصر الواحد أشهراً؛ لثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنّ أبواب ذلك العلم ومسائله جديدة عليه، لم يسبق له دراستها جيداً.
والأمر الثاني: أنه يحتاج إلى أن يُشرح له ذلك الكتاب، ولا سيما المتون والمنظومات العلمية.
والأمر الثالث: أن همّة الطالب منصرفة إلى إتقان الدراسة، والتحقق من صحّة فهمه، وجودة ضبطه.
2: وأما التأنّي في دراسة الكتب المختصرة في مرحلة التأسيس فأمر مهمّ؛ حتى يمكنه أن يدرسها بإتقان وضبط حسن، وينبغي لطالب العلم أن يحذر من العجلة في هذه المرحلة، وأن لا يسأم من التكرار والمراجعة.
3: وأمّا المشقّة التي تكون في أوّل طلب العلم؛ فلا بدّ منها، وهي من حِكَم الابتلاء، لكن من صبر على مشقّة طلب العلم ومرارته رجي له أن يجد لذّته وحلاوته، وأن يسهّل الله له طريق الطلب.
· محاذير وتنبيهات:
1: العجلة؛ فإن الاستعجال في قراءة الدروس من دون ضبط آفة تضعف انتفاع الطالب بدراسته، وتضيع عليه كثيراً من الجهد والوقت، لأنّ الدروس التي قرأها إذا لم يضبط مسائلها جيّدا فهو إما أن يتجاوزها من غير إتقان؛ فلا يمكنه البناء على ما درس.
2: التذبذب في مناهج الطلب، والتردد بين الكتب والشيوخ، وهذه آفة حرم بها كثير من طلاب العلم من مواصلة الطلب، فتمضي عليهم سنوات وهم لا يزالون في مرحلة المبتدئين، وقد كلّت قواهم ، وضعفت عزائمهم.
3: التوصيات الخاطئة من الطلاب المبتدئين، ومن لم يعرف بالخبرة في مناهج الطلب، وكم من طالب حرم مواصلة الطلب بوصيّة خاطئة من مبتدئ لم يجرّب أو رجل غير حكيم في التوصيات يوصي الطالب بما لا يلائمه.
4: الاستجابة للقواطع والشواغل عن طلب العلم، وتأجيل طلب العلم.
ثانياً: مرحلة البناء العلمي:
· معنى البناء العلمي
تعلم الطالب لتفاصيل المسائل العلمية تعلما منظما متوازناً شاملاً لأبواب العلم الذي يطلبه.
· أهمية مرحلة البناء العلمي:
مرحلة البناء العلمي مرحلة مهمّة جداً لأن فيها أكثر التحصيل العلمي المنظّم لطالب العلم، وهي المرحلة التي ينتقل بها الطالب من مستوى المبتدئين إلى مستوى المتقدّمين في طلب العلم بإذن الله تعالى.
· سمات مرحلة البناء العلمي:
يكون البناء العلمي بخمسة أمور:
الأمر الأول: الدراسة المتدرّجة في كتب العلم الذي يطلبه.
والأمر الثاني: اتّخاذ أصل جامع في ذلك العلم، يكون كالحاوي لمسائله فيتعاهده بالمراجعة والتهذيب والإضافة حتى ينمو هذا الأصل العلم لديه بنموّ تحصيله العلمي.
والأمر الثالث: القراءة المنظّمة في كتب ذلك العلم.
والأمر الرابع: كثرة مطالعة الكتب التي تعدّ من أصول ذلك العلم.
والأمر الخامس: قراءة سير علماء ذلك العلم، ومعرفة طبقاتهم ومراتبهم، والتفكّر طرق تعلمهم وتعليمهم لذلك العلم.
· عناية العلماء بالأصول العلمية:
كان لكثير من العلماء أصولهم العلمية الخاصة بهم، وهي بمثابة العدّة العلمية، يداومون على مطالعتها وتحريرها والإضافة إليها، والإفادة منها، وهذه الأصول وإن كانت غير مشتهرة لدى كثير من طلاب العلم إلا أنّ لها أثراً كبيراً في التحصيل العلمي لدى العلماء.
ومن الأمثلة على ذلك:
أ: أن الإمام أحمد انتقى أحاديث مسنده من أصله الذي تضمّن سبعمائة ألف حديث وخمسين ألف حديث.
ب: وقال إسحاق بن راهويه: (كأني أنظر إلى مائة ألف حديث في كتبي).
ج: وقال الإمام مسلم: (صنفت هذا المسند الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموعة).
· أنواع الأصول العلمية
النوع الأول: الأصول المبنية من كتب عالم من العلماء واسع المعرفة والاطلاع حسن الفهم كثير التأليف؛ فيقبل الطالب على كتبه ويلخص مسائلها؛ حتى يكون لديه أصل علمي حسن من كتب ذلك الإمام.
ولهذا النوع أمثلة كثيرة من أعمال العلماء، ومن ذلك:
أ: أن الإمام اللغوي أحمد بن يحيى (ثعلب) أقبل على كتب الفرّاء وحذقها وهو لم يبلغ الخامسة والعشرين من عمره.
ب: وأبو بكر الخلال صاحب كتاب السنة، أقبل على جمع مسائل الإمام أحمد وتصنيفها وترتيبها والتحقق من صحتها حتى صار إماما ذا شأن، وكانت كتبه من أهمّ مراجع الحنابلة.
والنوع الثاني: العناية بالكتب الأصول في علم من العلوم؛ كأن يعتني طالب علم التفسير بتفسير مهمّ فيكثر من قراءته حتى يستظهر مسائله؛ ويعرف كوامنه.
وقد سلك هذه الطريقة جماعة من العلماء.
أ: قال ابن فرحون المالكي: (لازمت تفسير ابن عطية حتى كدت أحفظه).
ب: ونقل القاضي عياض عن ابن التبان أنه قرأ المدونة أكثر من ألف مرة.
ج: والكافيجي شيخ السيوطي لقّب بذلك بسبب كثرة اشتغاله بكتاب الكافية لابن الحاجب قراءةً وإقراءً.
والنوع الثالث: أن يتخذ أصلاً يستفيده من كتب متعددة فيلخّص مسائلها ويجمعها ويصنّفها؛ ولهذا أمثلة:
أ: وهذا كما لخّص الماوردي أقوال المفسّرين من مصادر متعددة في كتابه "النكت والعيون"، وتبعه على ذلك ابن الجوزي في كتابه "زاد المسير في علم التفسير" وزاد عليه كثيراً.
ب: وكما جمع ابن الصلاح مقدّمته في علوم الحديث من مصادر كثيرة، أكثرها من كتب الخطيب البغدادي؛ فلخّصها، وهذّبها، ورتّبها، وأحسن تصنيفها وتقسيمها، حتى كانت مقدّمة نفيسة، وأصلاً علمياً مهمّا ثمّ هيّأها للنشر؛ ففرح بها أهل العلم، واعتنوا بها عناية كبيرة؛ حتّى عُدّ كتابه هذا من أصول الكتب المؤلّفة في علوم الحديث.
والنوع الرابع: التأليف لغرض التعلّم، وهذه الطريقة سلكها بعض أهل العلم كالسيوطي رحمه الله فإنّه ألّف التحبير في علم التفسير وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وكرّر التأليف في علوم القرآن على صور مختلفة إلى أن ألّف كتابه الكبير "الإتقان في علوم القرآن" فكان كتاباً حسناً جامعا متقناً.
والنوع الخامس: الاجتهاد في شرح كتاب من الكتب المختصرة الشاملة لعامّة مسائل العلم الذي يطلبه، فيشرحه شرحاً وافياً حافلاً يعتني بتحريره وتهذيبه حتى يكون أصلاً جامعًا لمسائل ذلك العلم، وقد سلك هذه الطريقة جماعة من أهل العلم رحمهم الله ، ومن ذلك:
أ: ما فعله ابن القيّم لمّا شرح كتاب منازل السائرين في كتابه العظيم "مدارج السالكين" فشرحه شرحاً وافياً بديعاً محرراً حتى كان من أهمّ مراجع علم السلوك.
ب: وما فعله الزركشي في عدد من الكتب؛ فإنّه شرح مقدمة ابن الصلاح شرحاً وافياً جامعاً مليئا بالفوائد والنقول المنتخبة من كتب أهل العلم، وشرح أيضاً جمع الجوامع للسبكي بالطريقة نفسها؛ حتى كانت كتبه تلك من أنفس الكتب المؤلّفة في تلك العلوم وأجمعها، وأغزرها مادّة علمية.
والنوع السادس: أن يقسّم العلم الذي يطلبه إلى أبواب كبيرة، ويكون له في كلّ قسم أصل علمي كبير؛ إما أن يؤلّف فيه أو يجعل لنفسه ملخّصاً خاصّا به، وقد سلك هذه الطريقة جماعة من أهل العلم، ومن ذلك ما فعله الخطيب البغدادي في أكثر أبواب علوم الحديث؛ فإنّه قد جعل بذلك لنفسه أصولاً علمية متعددة في علوم الحديث، وقد أحسن في جمعها وتهذيبها حتى عدّت كتبه من أهمّ المراجع لدى العلماء في علوم الحديث.
والنوع السابع: الدراسات الجامعة المحررة لمسائل ذلك العلم، وهذا النوع من أصعب هذه الأنواع وأعظمها مشقّة، لكنه من أكثرها فائدة، ومن ذلك ما صنعه الأستاذ محمد عبد الخالق عضيمة في دراساته لأساليب القرآن؛ وأمضى في إعدادها أكثر من ثلاثة وثلاثين عاماً.
· محاذير وتنبيهات
1: التصدّي للبناء العلمي على ضعف في التأسيس.
2: ضعف التوازن في البناء العلمي، فتجد بعض الطلاب متبحّراً في أبواب من العلم الذي يطلبه ضعيفاً في الأبواب الأخرى منه.
3: العشوائية في القراءة، وهذه آفة حرم بها بعض طلاب العلم من إحكام أصولهم العلمية، وقادهم الاسترسال في القراءة العشوائية إلى إهمال أصولهم العلمية والتفريط فيها.
4: التصدّر قبل التأهل، فيشتغل الطالب بالتصدر وما يتطلبه، ويغفل عن مواصلة بنائه العلمي.
5: الإكثار المرهق، وهذه آفة تؤخّر طالب العلم كثيراً عن إتمام بنائه العلمي، وتهذيبه وتحسينه، فإنّه إذا أكثر على نفسه من المهامّ المتزامنة حتى يرهقها ضعف عزمه عن مواصلة البناء العلمي.
ثالثاً: مرحلة النشر العلمي
أنواع النشر العلمي:
ومنها: إلقاء الكلمات والدروس والمواعظ والخطب إلقاء صوتياً أو مرئياً.
ومنها: التصدر للفتوى وإجابة أسئلة السائلين.
ومنها: تأليف الكتب التعليمية المحررة؛ كشروح المتون العلمية وغيرها.
ومنها: كتابة الرسائل والمقالات.
ومنها: إعداد البحوث العلمية القيّمة.
ومنها: إعداد الفهارس العلمية والكشافات التحليلية.
ومنها: إجراء الدراسات العلمية المتخصصة في أبواب من العلم.
ومنها: النهوض ببعض الأعمال الدعوية التي تتطلب قدراً حسناً من التأهّل العلمي؛ ومنها: إقامة المشروعات العلمية المتنوّعة كتنظيم الدورات العلمية، وإنشاء المعاهد والهيئات العلمية، وإنشاء المواقع العلمية.
الأول: أن يعتني بجوانب الإحسان والإجادة إليه، وقد روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: (قيمة كلّ امرئ ما يحسنه).
والثاني: أن يتجنّب تكلّف ما يشقّ عليه.

رد مع اقتباس
  #96  
قديم 19 ربيع الأول 1437هـ/30-12-2015م, 07:25 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

المراد بالتلخيص العلمي:
استخلاص المسائل التي تضمّنها الدرس، وجمع ما يتّصل بها من الكلام المتفرّق في الدرس، وتصنيفه، وتحريره، والتعبير عنه بعبارة حسنة جامعة من غير إسهاب ولا تقصير.
فوائد التلخيص العلمي:
1: فمن ذلك أنها تعين الطالب على ضبط مسائل الكتاب الذي يدرسه، بتفصيل جيد، من غير اختصار مخلّ، ولا تطويل مملّ.
2: أن الدراسة بطريقة التلخيص العلمي تختصر على الطالب كثيراً من الجهد والوقت على المدى البعيد.
3: أنها تعين الطالب على تثبيت علمه ورسوخه بسبب مداومته على مطالعة تلخيصه وتهذيبه والإفادة منه.
4: أنها تعين الطالب على تنمية ملكة التصنيف العلمي للمسائل.
5: أنها تدرّب الطالب على سرعة الاستحضار ؛ بسبب كثرة تصنيفه للمسائل العلمية، ومعرفته بمواضعها، وطالب العلم إذا كان سريع الاستحضار فإنّه ينبغ نبوغاً حسناً في العلم بإذن الله تعالى.
6: أنها توسّع مدارك الطالب، وتكسبه مَلَكة الموازنة العلمية بين الكتب.
7: أنّها من أفضل السبل لبناء أصل علمي متين في العلم الذي يطلبه، وذلك إذا داوم على هذه الطريقة على ما سبق بيانه.
أهمية المداومة على التحصيل العلمي المتقن:
- منها: أن تكون دراسته لمسائل العلم دراسة صحيحة متقنة.
- ومنها: أن تكون دراسته ميسّرة غير شاقّة ولا متكلّفة.
- ومنها: أن يداوم على تلك الدراسة ولا ينقطع عنها ولا يضعف فيها.
- وأما الأمر الثالث؛ فييستفاد به ثمرات جليلة:
- منها: محبّة الله تعالى للعمل الذي يقوم به طالب العلم من الدراسة والمذاكرة التي داوم عليها؛ فإن الله تعالى يحبّ العلم، وأحبّ العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه؛ فيكون طالب العلم قد داوم على أمر هو من أحبّ الأعمال إلى الله.
- ومنها: البركة؛ فإنّ الله تعالى إذا أحبّ عملاً بارك فيه، وإذا بارك في شيء نفع به.
- ومنها: تنمية ملَكات الطالب العلمية وقدراته الذهنية وتوسيع مداركه فيكون فهمه للمسائل العلمية أحسن وأيسر وأسرع، ويكتسب دربة حسنة على أصول دراسة مسائل العلم.
- ومنها: رسوخ علمه بكثرة مراجعته لما درس وازدياده من العلم ؛ فإنّ مسائل العلم لها أصول جامعة من ضبطها كانت دراسته لتفاصيلها ترسيخاً لتلك الأصول وازديادا من المعرفة بها من جوانب متعددة.
- ومنها: أن تكون دراسته على منهج صحيح موصل للطالب إلى مبتغاه بإذن الله.
فمن أسباب تحققه أن يكون طلبه للعلم بإشراف من عالمٍ أو طالب علم متمكّن عارف بطرق التعلم.
طلاب العلم على أربعة أقسام:
القسم الأول: تحصيلهم العلمي متقن دائم؛ فهؤلاء بأفضل المنازل، ولو كانت مداومتهم على قدر يسير من العلم؛ فإن الديمومة بركة؛ فهي كالماء الذي يتعاهد به الساقي زرعه حتى يثمر ويُنتفع به.
والقسم الثاني: تحصيلهم العلمي متقن لكنّه متقطّع ؛ فهؤلاء يلحقهم من الضعف والنسيان بقدر تفريطهم وانقطاعهم، ويبقى لديهم ضبط جيّد لبعض المسائل.
والقسم الثالث: تحصيلهم العلمي ضعيف لكنّه دائم؛ فهؤلاء يُرجى لهم بمواصلة التعلّم، ومراجعتهم للمسائل العلمية، ومذاكرة أهل العلم، ورجوعهم إلى العلماء والتأدّب معهم، مع صلاح النيّة وزكاء النفس أن يُوفّقوا للصواب، وأمّا من فرّط في هذه الأصول فيخشى عليه من سوء الفهم في العلم والزيغ عن السنة.
والقسم الرابع: تحصيلهم العلمي ضعيف متقطّع ؛ فهؤلاء لا يزالون كذلك غالباً حتى يعدّوا من العوامّ، ومَن تعالَـم منهم ظهر عواره وبانت سوءاته.

رد مع اقتباس
  #97  
قديم 19 ربيع الأول 1437هـ/30-12-2015م, 07:37 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

أنواع التلخيص:
1: تلخيص الدراسة والتعلّم
وهو التلخيص الذي يراد به ضبط مسائل الكتاب الذي يدرسه الطالب لغرض الدراسة والتعلّم، وهو النوع الذي نُعنى به في هذه المرحلة.
وهذا النوع من التلخيص قائم على فقه مقاصد الدرس، واستخلاص مسائله، ثم النظر في المعلومات المتعلّقة بكلّ مسألة؛ ومحاولة جمعها ولو كانت في مواضع متفرقة من الدرس.
2: تلخيص الانتخاب والانتقاء.
وهو التلخيص الذي يكون مراد الملخّص منه أن ينتخب الفوائد اللطيفة، والمسائل والتنبيهات المهمة، والأقوال التي يستحسنها من الكتاب الذي يلخّصه.
3: التلخيص النوعي
والمراد به أن يعمد الطالب لكتاب من الكتب التي تحوي أنواعاً من العلوم فيلخّص ما يتعلّق بنوع منها.
ومن أمثلته: تلخيص مسائل توجيه القراءات من تفسير ابن عطية، وتلخيص مسائل التفسير من كتاب بدائع الفوائد لابن القيم، ونحو ذلك.
فهو تلخيص متجّه لنوع من الأنواع لا يلوي على غيره.
4: تلخيص الاختصار والتهذيب
وهو الذي يكون مراد الملخّص منه أن يختصر كتاباً طويلاً فيبقي على أصول ما تضمّنه الكتاب من الأبواب والفصول ويختصر إسهاب المؤلف في كلامه في تلك الأبواب والفصول.
5: تلخيص التقريب والتيسير
وهو التلخيص الذي يكون مراد العالم منه تقريب كتاب من الكتب المطوّلة أو التي في أسلوب كاتبها عسر أو صعوبة أو في ترتيبه ما يضعف الانتفاع به، وقد يكون في بعضها ما ينتقد فيلخّص العالم الكتاب تلخيصاً يقرّب به فوائده لطلاب العلم لينتفعوا به ويتجنّب ما فيه من المسائل المنتقدة أو يذكرها لغرض التنبيه.
6: تلخيص المقاصد
وهو من أرفع أنواع التلخيص وأدقّها مسلكاً، وهو التلخيص الذي يراد به تقريب مقاصد الكتاب وإبرازها وتجنب الإسهاب في بعض التفصيلات التي ليست من غرض الملخِّص.
ومن أمثلة هذا النوع: القول السديد في مقاصد التوحيد للسعدي.
: التلخيص الجمعي
وهو نوع من أنواع التأليف التي يسلكها العلماء، فيطّلع العالم على عدد من الكتب في علم من العلوم، ثمّ يلخّص مسائلها بعبارات مختصرة وافية بمسائل كل باب من الأبواب التي يذكرها في كتابه، من الكتب التي استمدّ منها، ومن أمثلة هذا النوع: كتاب جمع الجوامع للسبكي، لخّصه من مائتي كتاب في أصول الفقه.
أنواع الكتب التعليمية:
النوع الأول: المتون والمنظومات العلمية، وهي كتب صغيرة الحجم، مقسّمة على الأبواب، جامعة لمسائل الفنّ، مختصرة العبارات جداً، بل بعضها كأنه فهرس لأسماء المسائل، وفي بعضها تعقيد لفظي ومعنوي، وكان من العلماء من يعتني بحفظها ليستظهر بها مسائل العلم الذي يدرسه.
للعلماء في شروح المتون العلمية مناهج متعددة ينبغي لطالب العلم أن يكون على معرفة بها:
- فمنها منهج الشرح الإجمالي؛ الذي يعتني فيه صاحبه بتوضيح عبارات المتن؛ توضيحاً موجزاً.
- ومن شرّاح المتون العلمية من انتهج منهج الشرح التحليلي، الذي لا يكاد يغادر صاحبه لفظة من ألفاظ المتن إلا ويعلّق عليها، ويشرحها، ويسهب في تفصيلها.
- ومن العلماء من يسلك مسلك الشرح التأصيلي الذي يعتني فيه بمقاصد الدرس، وقواعده، وأنواع مسائله وأدلّتها، دون التقيّد بعبارات المتن.
النوع الثاني: الكتب المتوسّطة التي حوت جلّ أبواب ومباحث العلم الذي أُلّفت فيه، بتفصيل غير مطوّل، ككتاب روضة الناظر لابن قدامة في أصول الفقه، ومقدمة ابن الصلاح في علوم الحديث، والاقتراح في فنّ الاصطلاح لابن دقيق العيد، وقطر الندى في النحو.
والنوع الثالث: الكتب المختصرة الميسّرة، التي أعدّت إعداداً محكماً يصعب معه اختصارها وتلخيصها؛ لأنّها في حقيقة الأمر كالملخّص، ومن هذا النوع: كتاب الفقه الميسّر، وكتاب دروس البلاغة، وشذا العرف في فنّ الصرف، ونحوها.

رد مع اقتباس
  #98  
قديم 19 ربيع الأول 1437هـ/30-12-2015م, 07:49 PM
عائشة مجدي عائشة مجدي غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 412
افتراضي

معايير جودة التلخيص العلمي
1:معيار الشمول:
فأما الشمول فيراد به أن يكون الملخّص وافياً بذكر المسائل التي تضمّنها الدرس؛ حتى لا تفوته مسألة من مسائل عماد ذلك الدرس، وأما المسائل الاستطرادية فالطالب مخيّر بين ذكرها وتركها في بادئ الأمر ما لم تكن كثيرة؛ فإذا كثرت فيوصى أن يتعمّد ترك بعضها؛ حتى تكون مسائل عماد الدرس ظاهرة بيّنة غير مغمورة في المسائل الاستطرادية الكثيرة.
2: معيار الترتيب:
والمراد به: أن يحسن الطالب ترتيب المسائل بتسلسل موضوعي معتبر، وللطالب أن يختار باجتهاده طريقة الترتيب التي يراها أقرب إلى حسن الفهم، ولو خالف ترتيب مسائل الكتاب الذي يلخّصه.
والترتيب الموضوعي لمسائل الدرس يفيد الطالب فوائد جليلة:
- منها: أنه يعين الطالب على حسن ضبط أسماء المسائل ، وذلك لأجل إعماله الذهن في ترتيبها على طريقة متسلسلة متناسقة يظهر بها تناسب مسائل الدرس.
- ومنها: أنّ الطالب يحتاج في الترتيب إلى إعمال الذهن في الموازنة بين المسائل، وتكرار هذا العمل الذهني ينمّي ملكة الطالب في اكتشاف التناسب بين المسائل، ويوسّع مداركه.
- ومنها: أن الترتيب الصحيح يكشف للطالب مواضع النقص في مسائل الدرس، فتنقدح في ذهنه أسئلة يحتاج إلى تقييدها لسؤال شيخه عنها، ويتمم بذلك معيار الشمول.
3: معيار التحرير العلمي:
والتحرير العلمي هو لبّ عمل التلخيص، والمراد به أن تكون عبارة الطالب في التلخيص عبارة علمية منضبطة بالأصول والقواعد العلمية، جامعة بين حسن الاختصار، والوفاء بذكر ما يتصّل بتلك المسألة من تفصيل.
ومما يقدح في التحرير العلمي:
- اجتزاء بعض ما يتعلق بالمسألة، وترك أجزاء مهمة.
- الأسلوب الإنشائي الذي لا يستند إلى أصل ولا ينضبط بالقواعد العلمية.
- إطلاق الأحكام والدعاوى التي لا أصل لها.
- التوسّع في إطلاق بعض كلام الشارح بما يخرجه عن مراده.
- تعميم ما حقّه التخصيص وإطلاق ما حقّه التقييد.
4: معيار حسن الصياغة:
والمراد بحسن الصياغة : أداء المعنى بألفاظ متناسقة، جيدة السبك، سالمة من التعقيد اللفظي والمعنوي، فصيحة الأسلوب، يحاكي بها الطالب لغة أهل العلم.
ومما يقدح في حسن الصياغة، ويُضعف تلخيص الطالب:
- ضعف الأسلوب، وركاكة العبارات.
- الأخطاء الإملائية.
- أخطاء علامات الترقيم المخلّة بأداء المعنى.
- التكرار والحشو.
- الاختصار المخلّ.
- التعقيد اللفظي والمعنوي.
5: معيار حسن العرض:
والمراد به أن يحسّن الطالب عرض تلخيصه بما يعين على قراءته بوضوح وارتياح، من حيث توزيع النصوص وتلوينها وتفاوت أحجام الخطوط ، فإذا أحسن الطالب إبراز العناوين الرئيسة والفرعية والتقسيمات والجمل المهمة فقد أحسن التنسيق، وليتجنّب الإفراط في استخدام التلوين فإنّه قد يذهب بحسن العرض.

رد مع اقتباس
  #99  
قديم 5 ربيع الثاني 1437هـ/15-01-2016م, 09:18 AM
هيئة التصحيح 3 هيئة التصحيح 3 غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 2,990
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عائشة مجدي مشاهدة المشاركة
العناصر:
1- تخريج الحديث.
2- موضوع الحديث.
3- قصة الحديث.
4- منزلة الحديث.
5- المعنى الإجمالي للحديث.
6- مسائل تتعلق بالحديث.
7- فوائد الحديث.

المسائل العلمية:
1- عظمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. [؟]
2- شروط الأمر بالمعروف والنهي عن النكر.
3- دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
4- أنواع إنكار المنكر.
5- فوائد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
التلخيص:
تخريج الحديث:
أخرجه مسلم- كتاب: الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان وأن الإيمان يزيد وينقص وأن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، (49)، (78).
موضوع الحديث: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قصة الحديث: عندما خطب مروان بن الحكم قبل الصلاة في العيد فأنكر عليه رجل فأبى فقال أبو سعيد الخدري الحديث وقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: : ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
منزلة الحديث: هذا الحديث عظيم الشأن في وجوب إنكار المنكر.
المعنى الإجمالي للحديث:
هذا الحديث يوضح وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمجرد رؤية ذلك المنكر؛ فبمجرد رؤية المنكر يجب تغييره باليد عند الاستطاعة، فإن لم يستطع الناهي باليد فباللسان، فإن لم يستطع فبالقلب.
مسائل متعلقة بالحديث:
1- شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
*الإسلام.
* التكليف.
* الاستطاعة.
*العدالة.
*العلم بما ينكر.
* التيقن من وجود المنكر.

دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
1- كسب الثواب والأجر:
قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ)).
2- خشية عقاب الله:
قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ)).
3- الغضب لله.
4- النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم.
قالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ)).
5- إجلال الله وإعظامه ومحبته.
أنواع إنكار المنكر:
1- الإنكار باليد: وهذه الدرجة الأولى لولي الأمر ومن يملك السلطة أما غيرهم فلا حتى لا تترتب عليه مفسدة أعظم.
2- الإنكار باللسان: وتكون عند من لا يملك السلطة، ولا يعذر منها إلا من لا يملك القدرة الكلامية أو وجدت موانع تمنعه.
3- الإنكار بالقلب: وهي واجبة على الجميع؛ وهي كراهية المنكر وتمني زواله والدعاء لأهله بالسلامة منه.
فوائد الحديث:
1- وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بالقلب عند عدم الاستطاعة باليد واللسان.
2- الإنكار باليد لا يكون إلا لمن يملك سلطة حتى لا يترتب عليه خطر أعظم.
3- إذا لم ينكر المنكر انتشر الفساد وانتهكت الحرمات.
4- لا بد من التأكد من وجود المنكر قبل إنكاره.
5- لا بد من توفر عدة شروط لمن ينكر المنكر.
6- الثواب والأجر العظيم للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر.
تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 1 / 3
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا بما يعين على حسن الفهم وجودة التصوّر) : 3 / 3
ثالثاً: التحرير العلمي (ذكر خلاصة القول في كلّ مسألة بتفصيل وافٍ بالحاجة العلمية من غير تطويل واستيعاب الأقوال -إن وجدت- وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها): 7/ 8
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل فتؤدي الغرض بأسلوب مباشر وميسّر وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 3 / 3
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 2 / 3
مجموع الدرجات: 16 من 20
بارك الله فيكِ، ونفع بكِ.

يلاحظ على التلخيص ما يلي:
- نقص مسائل الدرس المستخلصة بشكل واضح؛ والمفترض استخلاص جميع المسائل التي احتواها الدرس؛ والتي يتوقف عليها فهم الدرس وضبطه، فيكون التلخيص وافيا بمسائل الدرس، بحيث لو اطلع الطالب مرة أخرى على الموضوع لا يجد نقطة يضيفها، فالمراد ضبط مسائل الدرس وإحسان تعلّمها وهذا مما يفيد الطالب في ضبط مسائل العلم وإتقان تعلمها؛ ومن ذلك شرح مفردات الحديث؛ كالمراد بالرؤية، والمنكر، ومعنى الأمر في قوله (فليغيره)، والمراد بتغيير اللسان والقلب، وما هو المشار إليه في قوله: (وذلك أضعف الإيمان)، والمراد بقوله أضعف الإيمان، وغير ذلك.
- أحسنتِ ترتيب المسائل عمومًا، وكان الأجود أن تكون دوافع الأمر والنهي بعد ذكر مراتب الإنكار.
- ينقص تلخيصك تحرير بقية مسائل الدرس.
- تلخيصك حسن العرض، وينقصه توحيد منهج التنسيق؛ بجعل أسماء المسائل بلون واحد، وما تعتمدينه من لون للعناصر وأسماء المسائل فاثبتي عليه، مع اعتماد الترقيم للتلخيص أو للعناصر.

- وتأمّل التلخيص التالي يظهر بعض ما فات من المسائل في التلخيص حتى يُتنبّه لذلك في الملخصات القادمة، مع جمع حسن العرض، وفقكِ الله وسددكِ.

اقتباس:
تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكراً فليغيّره...)



عناصر الدرس:

· موضوع الحديث.
· تخريج الحديث.
· قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث.
· منزلة الحديث.
· المعنى الإجمالي للحديث.
· شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
- إعرابها.
- المخاطب في قوله: (من رأى منكم).
- المراد بالرؤية في قوله: (من رأى)
- فائدة التعبير بلفظ (رأى) دون لفظ (علم).
- المراد بالمنكر.
- معنى (فليغيّره بيده).
- معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده).
- سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده).
· شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
- كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟
- هل نقيس الكتابة على اللسان؟
- كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟
- المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان).
- المراد بكون ذلك أضعف الإيمان.
· الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب.
· هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟
· فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله.
· حكم إنكار المنكر.
· تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر.
· مراتب إنكار المنكر.
· شروط إنكار المنكر.
· حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها.
· ما يشترط توافره في المُنكِر.
· آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· أحوال تكتنف إنكار المنكر.
- الحالات التي يحرم فيها إنكار المنكر.
· حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به.
· مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟
· دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· شبهات وجوابها.
- الشبهة الأولى: قول القائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر.
- الشبهة الثانية: تعليل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم}.
- الشبهة الثالثة: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟
· خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
· فوائد الحديث.
· خلاصة الدرس.

تلخيص الدرس:
· موضوع الحديث.
وجوب تغيير المنكر.
· تخريج الحديث.
رواه مسلم من طريقين:
قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن أبي سعيد الخدري.
إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن أبي سعيد الخدري.
· قصة إيراد أبي سعيد الخدري الحديث.
أن مروان بن الحكم أوّل من خطب في العيد قبل الصلاة، فأنكر عليه رجل فعله فأبى، فقال الصحابي أبو سعيد الخدري -وكان حاضرًا-: أما هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من رأى منكم منكرا فليغيّره بيده، ...)) فذكر الحديث.
· منزلة الحديث.
حديث عظيم الشأن؛ لأنه نصّ على وجوب إنكار المنكر.
· المعنى الإجمالي للحديث.
من رأى منكرًا بعينه أو سمعه سماعًا محققًا وجب عليه في حال القدرة والاستطاعة أن يغيّره بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه، وهذه أضعف درجة، لا تسقط عن أحد في حال من الأحوال.
· شرح قوله (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
- إعرابها.
من: اسم شرط جازم.
ورأى: فعل الشرط الذي تعلّق به الحكم؛ وهو وجوب الإنكار.
وجملة (فليغيّره بيده): جواب الشرط؛ وهو الأمر بالتغيير باليد.
- المخاطب في قوله: (من رأى منكم).
المكلّفون من أمّة الإجابة، الذين يطبّقون الأوامر، ويتركون النواهي.
- دلالة قوله: (من رأى منكم).
يدل على وجوب الأمر بالإنكار على جميع الأمة إذا رأت منكرًا أن تغيّره.
- المراد بالرؤية في قوله: (من رأى).
فيه قولان:
الأول: أنها رؤية العين؛ فرأى بمعنى أبصر بعينيه، وهذا ما رجّحه الشيخ صالح آل الشيخ وسعد الحجري.
وحجتهم:
1: أن (رأى) تعدّت إلى مفعول واحد، فتكون بصرية.
2: أن العلم بالمنكر لا يُكتفى به في وجوب الإنكار.
3: ولأن تقييد وجوب الإنكار برؤية العين يفيد زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور.
الثاني: المراد بها العلم، فتشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وهذا ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وحجته:
1: أنه مادام أن اللفظ يحتمل هذا المعنى الأعمّ، فإنه يُحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث يدلّ على أنه رؤية العين.
- فائدة التعبير باللفظ (رأى) دون لفظ (علم).
فيه زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور لتؤتي ثمارها.
بتقييد وجوب الإنكار بمن رأى بعينه، أو سمعه سماعًا محققا بأذنه، أو بلغه خبر بيقين.
- المراد بالمنكر.
المنكر ضد المعروف؛ وهو اسم لما عرف في الشريعة قُبحه والنهي عنه، وسمّي منكرًا:
- لأن الشارع أنكره ومنع منه.
- ولأن العقول والفطر تأباه وتنكره.
- ولأنه يُنكر على فاعله أن يفعله.
- معنى (فليغيّره بيده).
الفاء: واقعة في جواب الشرط، واللام: لام الأمر، وهاء الضمير عائد على المنكر؛ أي يغير هذا المنكر.
ويغيّر: أي يحوّله ويبدّله من صورته التي هو عليها إلى صورة أخرى حسنة.
- معنى الأمر في قوله: (فليغيّره بيده).
للوجوب، لعدم وجود صارف يصرفه عن الوجوب.
- سبب تخصيص اليد في قوله: (فليغيّره بيده).
لأنها قوّة الإنسان في الأخذ والعطاء والكفّ والمُدافعة.
وفيه بيان أنها آلة الفعل، فالغالب أن الأعمال باليد.
· شرح قوله (فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)
- كيف يكون تغيير المنكر باللسان ؟
بإنكاره بالتوبيخ والزجر ونحو ذلك، مع استعمال الحكمة.
- هل نقيس الكتابة على اللسان؟
الجواب: نعم، فيغيّر بالكتابة، بأن يكتب في الصحف أو يؤلف كتبًا في بيان المنكر.
- كيف يكون تغيير المنكر بالقلب؟
بإنكاره بقلبه، فيكرهه ويبغضه ويتمنى أن لم يكن، مع اعتقاد أنه محرم وأنه منكر.
- المشار في قوله: (وذلك أضعف الإيمان).
أي مرتبة الإنكار بالقلب.
وقيل: يعود للرجل الذي لا يقدر إلا على الإنكار بالقلب.
- المراد بكون ذلك أضعف الإيمان.
فيه أقوال:
الأول: أنه أقلّ درجات الإيمان الذي يجب على كلّ أحد، يدلّ على ذلك ما جاء من الزيادة في بعض الروايات: ((وليس وراء ذلك حبة خردل من إيمان)).
وجه ذلك: أن المنكر المجمع عليه إذا لم يعتقد حرمته ولم يبغضه فإنه على خطر عظيم في إيمانه.
الثاني: أنه أضعف مراتب الإيمان في باب تغيير المنكر.
وجه ذلك: أن كتم الإنكار وعدم إظهاره يدلّ على الضعف وعدم وجود الغيرة، وكراهية المنكر يدلّ على وجود الإيمان، وهو في أضعف مراتبه في هذا الباب.
الثالث: أنه أضعف أهل الإيمان إيمانًا؛ لأنه لم يمكّن من وظائف أرباب الكمال.
وجه ذلك: أن إنكار المنكر بالقلب قليل الثمرة، بعس التغيير باليد أو اللسان فإنه عظيم الفائدة.
· الحكمة من الابتداء بتغيير اليد قبل اللسان والقلب.
لأنه أقوى درجات الإنكار وأعظمها فائدة؛ لأن فيه إزالة للمنكر بالكلّيّة وزجر عنه.
· هل تغيير المنكر بمعنى إزالته؟
ليس هو بمعنى إزالته، ولكنه يشمله؛ لأن المنكر قد يزول بهذا التغيير، وقد لا يزول، لاختلاف مراتب إنكار المنكر، فيغيّر بيده، فإن عجز فبلسانه، فإن عجز فبقلبه.
فمثلًا: الإنكار باللسان من المعلوم أنه لا يزيل المنكر دائمًا؛ لأن فاعل المنكر قد ينتهي بإنكارك وزجرك وقد لا ينتهي، ولكنك بإخبارك له بأن هذا منكر وحرام فأنت قد غيّرت، وإن سكتّ فأنت لم تغيّر.
· فائدة تعليق الأمر بالتغيير بالمنكر دون فاعله.
يفيد أن الأمر بالتغيير باليد راجع إلى المنكر، لا إلى فاعله، فلا يدخل في هذا الحديث عقاب فاعل المنكر.
فمثلًا: من رأى مع شخص آلة لهو لا يحلّ استعمالها أبدًا فيكسرها في حال القدرة على التغيير باليد، أما تعنيف الفاعل لذلك وعقابه فهذا له حكم آخر يختلف باختلاف المقام؛ فمنهم من يكون الواجب معه الدعوة، ومنهم من يكون بالتنبيه، ومنهم من يُكتفى بزجره بكلام ونحوه، ومنهم من يكون بالتعزير، وغير ذلك.
· حكم إنكار المنكر.
إنكار المنكر باليد واللسان له حالتان:
الأول: فرض كفاية: إذا قام به جماعة من المسلمين سقط عن الباقين.
قال تعالى: {ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}
قال ابن كثير في تفسيرها: المقصود من هذه الآية أن تكون فرقة من الأمة متصدّية لهذا الشأن.
الثاني: فرض عين: فيجب على كلّ فرد مستطيع إنكار المنكر علم به أو رآه.
دلّ على ذلك عموم قوله صلى الله عليه وسلم: ((من رأى منكم منكرًا فليغيّره بيده، ...)) الحديث.
· تفاوت الناس في قيامهم بواجب إنكار المنكر.
الناس يتفاتون في قيامهم بهذا الواجب حسب طاقتهم وقدرتهم:
فالمسلم العاميّ عليه القيام بهذا الواجب حسب قدرته وطاقته، فيأمر أهله وأبناءه بما يعلمه من أمور الدين.
والعلماء عليهم من الواجب في إنكار المنكر ما ليس على غيرهم؛ لأنهم ورثة الأنبياء، فإذا تساهلوا بهذه المهمّة دخل النقص على الأمّة.
والحكّام واجبهم عظيم في إنكار المنكرات؛ لأن بيدهم الشوكة والسلطان التي يرتدع بها السواد الأعظم من الناس عن المنكر، فإذا قصّروا بهذه المهمّة فشا المنكر، واجترأ أهل الباطل والفسوق بباطلهم على أهل الحقّ والصلاح.
· مراتب إنكار المنكر.
على ثلاث مراتب:
الدرجة الأولى: تغييره باليد.
حكمه: واجب مع الاستطاعة والقدرة، فإن لم تغيّر بيدك فإنك تأثم.
ويجب على: ولي الأمر في الولاية العامة والخاصة.
- كولي الأمر صاحب السلطة لقوّته وهيبته.
- والأب على أولاده.
- والسيد على عبده.
- أو في مكان أنت مسئول عنه وأنت الوليّ عليه.
أهميته: هو أقوى درجات الإنكار؛ لأنه إزالة للمنكر بالكليّة وزجر عنه.
متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب:
1: إذا كان المنكر في ولاية غيرك، فهنا لا توجد القدرة عليه؛ لأن المقتدر هو من له الولاية، فيكون هنا باب النصيحة لمن هذا تحت ولايته ليغيّره.
2: إذا ترتّب على الإنكار مفاسد أعظم من ترك واجب الإنكار، فيُنكر منكرًا فيقع فيما هو أنكر، وليس ذلك من الحكمة.
الدرجة الثانية: الإنكار باللسان عند من لا يملك سلطة.
حكمه: واجب على من كان قادرًا على التغيير والإنكار باللسان.
ويجب على: أهل العلم.
وكل من كان يملك القدرة الكلاميّة، وليس لديه مانع يمنعه من الإنكار.
أهميته: حاجة الناس لهذه المرتبة شديدة جدًا؛ لكثرة الأخطاء، ووجود الغفلة، وقسوة القلوب، وكثرة الفتن، وانغماس الناس في الدنيا ونسيان الآخرة.
متى يُعذر المسلم بترك هذا الواجب:
1: عند انعدام القدرة الكلامية.
2: أو كان لا يستطيع التغيير لوجود مانع.
الدرجة الثالثة: الإنكار بالقلب.
حكمه: فرض واجب على الجميع، لا يسقط عن أحدٍ في حالٍ من الأحوال؛ لأنه تغيير داخلي لا يتعدّى صاحبه.
أهميته: أضعف درجات الإيمان؛ إذ ليس بعدها شيء من الإيمان، فمن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ على ذهاب الإيمان من قلبه.
· شروط إنكار المنكر
يدلّ الحديث أن المنكر الذي أُمرنا بإنكاره يشترط فيه أمور:
الأول: أن يكون المنكر ظاهرًا معلومًا؛ لقوله: (من رأى)، فليس للآمر البحث والتفتيش والتجسّس بحجّة البحث عن المنكر.
الثاني: أن يكون المنكر مجمع عليه بين المسلمين أنه منكر؛ مثل الربا، والزنا، والتبرّج وغيرها.
الثالث: أن يتيقّن أنه منكر في حقّ الفاعل؛ إذ قد يكون منكرًا في حدّ ذاته، وليس منكرًا بالنسبة للفاعل؛ كالأكل والشرب في رمضان في حقّ المريض الذي يحلّ له الفطر.
· حكم الإنكار في المسائل المختلف فيها.
فيه أقوال:
الأول: قالوا: الأمور التي اختلف فيها العلماء في حرمتها أو وجوبها على نوعين:
ما كان الخلاف فيها ضعيفًا، والحجّة لمن قال بالحرمة، فمثل هذا ينكر على فاعله.
وأما ما كان الخلاف فيها قويّا، والترجيح صعبًا، فمثل هذا –والله أعلم- لا يُنكر على فاعله.
وهذا القول رجحه كثير من أهل العلم كابن عثيمين.
الثاني: قالوا: المختلف فيه من المسائل لا يجب إنكاره على من فعله مجتهدًا فيه، أو مقلّدًا.
واستثنى القاضي أبي يعلى ما ضعُف فيه الخلاف، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه، وهو القول الثالث في هذه المسألة.
· ما يشترط توافره في المُنكِر.
يشترط في المُنكِرِ أمور هي:
- الإسلام
- التكليف
- الاستطاعة
- العدالة
- وجود المنكر ظاهرًا.
- العلم بما يُنكر وبما يأمر.
· آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
الأول: الرفق واللين في الإنكار، والأمر بالمعروف بلا غلظة؛ إلا في حالات يتعيّن فيها الغلظة والقسوة.
قال الإمام أحمد: (الناس محتاجون إلى مداراة ورفق، والأمر بالمعروف بلا غلظة، إلا رجل معلن بالفسق، فلا حرمة).
الثاني: أن يكون الأمر أو الإنكار بانفراد وبالسرّ، فذلك أرجى لقبول النصيحة.
قال الشافعي: (من وعظه سرّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وعابه).
الثالث: أن يكون الآمر قدوة للآخرين، وقد قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتًا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون}
· أحوال تكتنف إنكار المنكر.
الأولى: أن ينتقل إلى ما هو خير ودين، وهذا الذي يجب معه الإنكار.
الثانية: أن ينتقل منه إلى منكرٍ يساويه، وهذا محل اجتهاد.
الثالثة: أن ينتقل منه إلى منكر آخر.
الرابعة: أن ينتقل منه إلى ما هو أنكر منه، وهذا حرام بالإجماع.
فالحالات التي يحرم فيه الإنكار: الحالة الثالثة والرابعة وهما: أن ينتقل إلى منكر آخر، لا تدري أنه مساوٍ له، وإلى منكر أشد منه بيقينك.
· مسألة: حكم إنكار ما كان مستورًا عنه فلم يره، ولكن علم به.
فيه أقوال:
الأول: لا يعرض له، فلا يفتّش على ما استراب به، وهذا القول هو المنصوص عن الإمام أحمد في أكثر الروايات، وهو قول الأئمة مثل سفيان الثوري وغيره.
وحجّتهم: أنه داخل في التجسّس المنهي عنه.
الثاني: يكشف المغطّى إذا تحقّقه؛ كأن يسمع صوت غناء محرّم، وعلم المكان، فإنه ينكره، وهو رواية أخرى عن الإمام أحمد، نصّ عليها وقال: إذا لم يعلم مكانه فلا شيء عليه.
وحجّتهم: أنه قد تحقق من المنكر، وعلم موضعه، فهو كما رآه.
الثالث: إذا كان في المنكر الذي غلب على ظنّه الاستسرار به بإخبار ثقة عنه، انتهاك حرمة يفوت استدراكها كالزنى والقتل، جاز التجسس والإقدام على الكشف والبحث، وإن كان دون ذلك في الرتبة لم يجز التجسّس عليه، قال بذلك القاضي أبو يعلى.
· مسألة: هل وجوب الإنكار متعلّق بظن الانتفاع؟
فيه قولان:
الأول: يجب الإنكار مطلقًا، سواء غلب على الظنّ أم لم يغلب على الظنّ، وهذا قول الجمهور وأكثر العلماء ومنهم الإمام أحمد.
وحجتهم:
1: أن إيجاب الإنكار لحقّ الله جلّ وعلا، وهذا لا يدخل فيه غلبة الظنّ.
2: يكون لك معذرة، كما أخبر الله عن الذين أنكروا على المعتدين في السبت أنهم قالوا لمن قال لهم: {لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذّبهم عذابًا شديدًا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلّهم يتّقون}.
الثاني: أنه يجب مع غلبة الظنّ؛ أي عند عدم القبول والانتفاع به يسقط وجوب الأمر والنهي ويبقى الاستحباب، وهذا ذهب إليه جماعة من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية وهو رواية عن الإمام أحمد وقال به الأوزاعي.
وحجّتهم:
1: قوله تعالى: {فذكّر إن نفعت الذكرى} فأوجب تعالى التذكير بشرط الانتفاع.
2: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوله تعالى: {عليكم أنفسكم}، فقال: ((ائتمروا بالمعروف، وانتهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحّا مطاعًا، وهوًى متّبعًا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كلّ ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام)) رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي.
ورُوي هذا التأويل عن عدد من الصحابة كابن مسعود وابن عمر وغيرهما.
3: كما دلّ عليه عمل عدد من الصحابة كابن عمر وابن عباس وغيرهما لمّا دخلوا بيوت بعض الولاة ورأوا عندهم بعض المنكرات فلم ينكروها لغلبة الظنّ أنهم لا ينتفعون بذلك.
4: هذا القول أوجه من جهة نصوص الشريعة؛ لأن أعمال المكلفين مبنية على ما يغلب على ظنّهم، وفي الحديث: ((فإن لم يستطع فبلسانه)) وعدم الاستطاعة يشمل عدة أحوال ويدخل فيها غلبة الظن ألا ينتفع الخصم.
· دوافع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دوافع كثيرة منها:
1: كسب الثواب والأجر، فمن دلّ الناس على معروف كان له من الأجر مثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء، قال صلى الله عليه وسلم: ((من دلّ على خير فله مثل أجر فاعله)).
2: خشية عقاب الله؛ وذلك أن المنكر إذا فشا في أمّة كانت مهدّدة بنزول العقاب عليها، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنّ الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)).
3: الغضب لله تعالى أن تنتهك محارمه، وذلك من خصال الإيمان الواجبة.
4: النصح للمؤمنين والرحمة بهم رجاء إنقاذهم؛ فالذي يقع في المنكر عرّض نفسه لعقاب الله وغضبه، وفي نهيه عن ذلك أعظم الرحمة به.
5: إجلال الله وإعظامه ومحبته، فهو تعالى أهل أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُشكر فلا يُكفر، وأن يُعظّم بإقامة أوامره والانتهاء عن حدوده، وقد قال بعض السلف: وددت أن الخلق كلهم أطاعوا الله، وإن ّ لحمي قُرض بالمقاريض.
· شبهات وجوابها.
- الشبهة الأولى: قد يقول قائل: أنا كاره بقلبي، مع جلوسه مع أهل المنكر.
الجواب: لا يكفي في إنكار القلب أن يجلس الإنسان إلى أهل المنكر ويقول: أنا كاره بقلبي، لأنه لو صدق أنه كاره بقلبه ما بقي معهم إلا إذا أكرهوه، فحينئذ يكون معذورًا.
قال تعالى: {فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين} فمن جلس في مكان يستهزأ فيه بآيات الله، وهو جالس لا يُفارق ذلك المكان، فهو في حكم الفاعل من جهة رضاه بذلك؛ لأن الراضي بالذنب كفاعله كما قال العلماء.
- الشبهة الثانية: يعلل البعض تركهم واجب إنكار المنكر بقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضرّكم من ضلّ إذا اهتديتهم}
الجواب: في تفسير هذه الآية قولان:
الأول: أن معناها: إنكم إذا فعلتم ما كلّفتم به فلا يضرّكم تقصير غيركم، وهذا هو المذهب الصحيح عند المحققين في تفسير هذه الآية، ذكره النووي، ثم قال: وإذا كان كذلك فمما كلّفنا به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
ومما يدلّ لصحة هذا المعنى قول الصديق رضي الله عنه: يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية وتضعونها على غير موضعها، وإنا سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمّهم الله بعقاب منه)).
الثاني: أن تأويل هذه الآية لم يأتِ بعد، وإن تأويلها في آخر الزمان، وهذا القول مرويّ عن طائفة من الصحابة.
فعن ابن مسعود قال: إذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعًا، وذاق بعضكم بأس بعض، فيأمر الإنسان حينئذ نفسه، حينئذ تأويل هذه الآية.
وعن ابن عمر: هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم.
وهذا قد يُحمل على أنّ من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر، سقط عنه.
- الشبهة الثالثة: قد يقول قائل: هل للعاصي أن يأمر وينهى؟
الجواب: قال العلماء: لا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كامل الحال، ممتثلًا ما يأمر به، مجتنبًا ما نهى عنه، بل عليه الأمر وإن كان مخلّا بما يأمر به، فإنه وإن كان متلبّسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه وينهاها، ويأمر غيره وينهاه.
فإذا أخلّ بأحدهما كيف يُباح له الإخلال بالآخر؟ ذكره النووي.
· خطر ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
1: فساد المجتمع بشيوع المنكرات والفواحش، وتسلّط الفجار على الأخيار.
2: اعتياد الناس على الباطل، ودثور الحقّ ونسيانه، حتى يصبح الحقّ باطلًا والباطلُ حقّا.
3: الطرد من رحمة الله كما طرد الله اهل الكتاب من رحمته لمّا تركوا هذا الوجب، قل تعالى: {لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون}.
4: الهلاك في الدنيا، ففي الحديث: أن مثل القائمين على حدود الله والواقعين فيها كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وأصاب بعضهم أسفلها، فأراد الذين في أسفلها أن يخرقوا في نصيبهم خرقًا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعًا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعًا.
وفي حديث أبي بكر مرفوعًا: ((ما من قوم يُعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيّروا فلا يغيّروا، إلا يوشك أن يعمّهم الله بعقاب)) رواه أبو داود.
5: عدم استجابة الدعاء، فعن حذيفة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف، ولتنهونّ عن المنكر، أو ليوشك الله أن يبعث عليكم عقابًا من عنده، ثم لتدعنّه فلا يستجيب لكم)).
· فوائد الحديث.
1: أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
2: وجوب تغيير المنكر.
3: أنه ليس في الدين من حرج، وأن الوجوب مشروط بالاستطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبلسانه)).
4: من لم يستطع التغيير باليد ولا باللسان فليغيّر بالقلب بكراهة المنكر وعزيمته على أنه من قدر على إنكاره بلسانه أو يده فعل.
5: أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خصال الإيمان.
7: أن للقلب عملًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فإن لم يستطع فبقلبه)) عطفًا على قوله: ((فليغيّره بيده)).
8: أن الإيمان عمل ونيّة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل هذه المراتب من الإيمان.
9: زيادة الإيمان ونقصانه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وذلك أضعف الإيمان)).
· خلاصة الدرس.
فيتحصّل مما سبق: وجوب إنكار المنكر، وأن إنكاره باليد واللسان متعلّق بالقدرة والاستطاعة بالإجماع.
وأما إنكار القلب فمن الفروض العينيّة التي لا تسقط عن أحدٍ مهما كانت الحال.
ومن لم يُنكر قلبه المنكر دلّ ذلك على ذهاب الإيمان من قلبه.
كما دلّ الحديث بظاهره على تعليق وجوب التغيير باليد بالرؤية، وما يقوم مقامه، وبالمنكر نفسه دون فاعله.


رد مع اقتباس
  #100  
قديم 6 ربيع الثاني 1437هـ/16-01-2016م, 05:46 PM
هيئة التصحيح 3 هيئة التصحيح 3 غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 2,990
افتراضي

مثال تطبيقي في تلخيص شرح حديث أبي سعيد الخدري: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ...)


الأول: استخلاص العناصر وأسماء المسائل.
بقراءة الدرس، وكلما مرّت به مسألة دوّنها، مع الإشارة للشرح الذي تضمّن تلك المسألة، مادام أنه يلخّص من عدة شروح، ويمكن أن يرمز للشراح برموز لتسهيل العملية؛ فمثلًا يرمز للشيخ ابن عثيمين (ع)، وللشيخ محمد حياة السندي (ح)، ونحو ذلك.
مثاله: في شرح ابن عثيمين:

اقتباس:
لشرح
"مَنْ" اسم شرط جازم،و: "رأى" فعل الشرط،وجملة "فَليُغَيرْه بَيَدِه" جواب الشرط.[إعرابها]
وقوله: "مَنْ رَأَى" هل المراد من علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، أو نقول: الرؤيا هنا رؤية العين، أيهما أشمل؟ [المراد بالرؤية]
الجواب :الأول، فيحمل عليه، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعم فليحمل عليه.
وقوله: "مُنْكَراً" المنكر:هو ما نهى الله عنه ورسوله، لأنه ينكر على فاعله أن يفعله.[المراد بالمنكر]
فيدوّن:
شرح قوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره)
- إعرابها. ع
- المراد بالرؤية. ع س ص [أي ابن عثيمين وسعد الحجري وصالح آل الشيخ]
- المراد بالمنكر. ع ح س ج [ابن عثيمين ومحمد حياة وسعد الحجري وابن رجب]

ثانيا: بعد استخلاص العناصر وأسماء المسائل نرتبها.
والغالب أن الشرح الواحد تكون مسائله متناولة من الشارح بترتيب معتبر، أما عند التلخيص من عدة شروح فنحتاج للنظر إلى أوجه التناسب بين المسائل.
ففي المثال السابق: ترتيب العناصر والمسائل المستخلصة:
* شرح قوله: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده)
- إعرابها. ع
- المراد بالرؤية. ع س ص
- المراد بالمنكر. ع ح س ج

ثالثا: التحرير العلمي.
بعد استخلاص المسائل نجمع ما يتصل من الكلام بكل مسألة من جميع أجزاء الدرس، ومن جميع الشروح إذا كان التلخيص منها جميعًا، فهذا يساعد على تحقيق جودة التحرير بذكر خلاصة القول فيه واستيعاب جميع الأقوال، وإتمام ذلك في أقلّ مدة بإذن الله.
ومما يساعد على ذلك وجود الرموز التي تدلنا على مواضع ورود المسألة.
مثال ذلك: تحرير القول في مسألة المراد بالرؤية، وقد وردت في ثلاثة شروح، ونلاحظ أن لأهل العلم فيها قولان:
اقتباس:
* المراد بالرؤية في قوله: (رأى)
[ابن عثيمين] وقوله:"مَنْ رَأَى"هل المرادمن علم وإن لم يرَ بعينه فيشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وماأشبه ذلك، أو نقول: الرؤيا هنا رؤية العين، أيهما أشمل؟
الجواب :الأول،فيحمل عليه، وإن كان الظاهر الحديث أنه رؤية العين لكن مادام اللفظ يحتمل معنى أعمفليحمل عليه.
[سعد الحجري]((رَأَى))؛ أيْ: أَبْصَرَ بِعَيْنَيْهِ وَشَاهَدَ بها هذا المنكرَ، وَهذا فيهِ زيادةُ تَأْكِيدٍ على التَّثَبُّتِ في هذهِ الأمورِ لِتُؤْتِيَ ثِمَارَهَا
[صالح آل الشيخ]والفعل (رأى) هو الذي تعلق به الحكم، وهو وجوب الإنكار، و(رأى) هنا بصرية لأنهاتعدت إلى مفعول واحد، فحصل لنا بذلك: أن معنى الحديث:
من رأى منكم منكراً بعينه فليغيرهُ بيده، وهذا تقييد لوجوب الإنكار بماإذا رُئى بالعين، وأما العلم بالمنكر فلا يُكتفى به في وجوب الإنكار، كما دل عليهظاهرُ هذا الحديث.
قال العلماء: ظاهرُ الحديث على أنهُ لا يجب حتى يرى بالعين، ويُنزَّلالسمع المحقق منزلة الرأي بالعين، فإذا سمع منكراً سَماعاً محققاً، سمع صوت رجلوامرأة في خلوة محرمة سَماعاً محققاً، يعرف بيقين أن هذا محرم، وأنه كلامه إنما هومع أجنبية وأشباه ذلك؛ فإنه يجب عليه الإنكار لتنزيل السماع المحقق منزلة النظر،كذلك إذا سمع أصوات معازف أو أصوات ملاهي أو أشباه ذلك، بسماع محقق؛ فإنه يجب عليههنا الإنكار، وأمّا غير ذلك فلا يدخل في الحديث.
فإذا علم بمنكر فإنه هنالا يدخل في الإنكار، وإنما يدخُل في النصيحة؛ لأنَّ الإنكار عُلِّق بالرؤية في هذاالحديث، وينزّل -كما قال العلماء- السماع المحقق فقط منزلةالرؤية.>> وتوجد هنا مسألة أخرى وهي: فائدة تعليق حكم الإنكار بالفعل (رأى) دون الفعل (علم)
فيكون التحرير كالتالي:
- المراد بالرؤية في قوله: (من رأى).
لأهل العلم قولان في المراد بالرؤية في الحديث:
الأول: العلم، فتشمل من رأى بعينه ومن سمع بأذنه ومن بلغه خبر بيقين وما أشبه ذلك، وهذا ما رجّحه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله.
وحجته: أنه مادام أن اللفظ يحتمل هذا المعنى الأعمّ، فإنه يُحمل عليه، وإن كان ظاهر الحديث يدلّ على أنه رؤية العين.
الثاني: أنها رؤية العين؛ فرأى بمعنى أبصر بعينيه، وإنما يُنزَّلالسمع المحقق منزلة الرأي بالعين، وهذا ما رجّحه الشيخ صالح آل الشيخ وسعد الحجري.
وحجتهم: أن (رأى) تعدّت إلى مفعول واحد، فتكون بصرية.
ولأن العلم بالمنكر لا يُكتفى به في وجوب الإنكار.
ولأن تقييد وجوب الإنكار برؤية العين يفيد زيادة تأكيد على التثبّت في هذه الأمور.


رابعا: حسن الصياغة.
ومما يساعد على حسن صياغة الملخّص الاستعانة بكلام أهل العلم وعباراتهم الواردة في الشروح.

خامسًا:حسن العرض.
وفيه تراعى المعايير الواردة في دروس الدورة.
ومن ذلك: البدء بذكر العناصر مجرّدة، وتمييز العناصر وأسماء المسائل بلون مختلف.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:09 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir