دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم اللغة > متون علوم اللغة العربية > النحو والصرف > ألفية ابن مالك

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 ذو الحجة 1429هـ/17-12-2008م, 09:05 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي فتح همزة (إن) وكسرها


وهَمْزَ إنَّ افْتَحْ لسَدِّ مَصْدَرِ = مَسَدَّها وفي سِوَى ذاكَ اكْسِرِ
فاكْسِرْ في الابتداءِ وفي بَدْءِ صِلَةْ= وحيثُ إنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَةْ
أو حُكِيَتْ بالقولِ أوْ حَلَّتْ مَحَلْ = حالٍ كزُرْتُهُ وإِنِّي ذُو أَمَلْ
وكَسَرُوا مِنْ بعدِ فِعْلٍ عُلِّقَا = باللامِ كاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى
بعدَ إذا فُجَاءَةٍ أوْ قَسَمِ = لا لامَ بعدَهُ بوجهَيْنِ نُمِي
معَ تِلْوِ فَا الْجَزَا وذَا يَطَّرِدُ = في نَحْوِ خيرُ القولِ إنِّي أَحْمَدُ


  #2  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ابن عقيل (ومعه منحة الجليل للأستاذ: محمد محيي الدين عبد الحميد)


وَهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرِ = مَسَدَّهَا وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرِ ([1])

(إنَّ) لها ثلاثةُ أحوالٍ: وُجُوبُ الفتحِ، ووجوبُ الكسرُ، وجوازُ الأمريْنِ:
فيَجِبُ فتحُها إذا قُدِّرَتْ بمصدرٍ؛ كما إذا وَقَعَتْ في موضِعِ مرفوعِ فِعْلٍ ([2])، نحوُ: (يُعْجِبُنِي أَنَّكَ قائِم)؛ أي: قِيَامُكَ، أو منصوبِهِ، نحوُ: (عَرَفْتُ أَنَّكَ قَائِمٌ)؛ أي: قِيَامَكَ، أو في مَوْضِعِ مَجْرُورِ حرفٍ، نحوُ: (عَجِبْتُ مِن أَنَّكَ قائِمٌ)؛ أي: مِن قِيامِكَ ([3]).
وإنما قالَ: (لِسَدِّ مَصْدَرٍ مَسَدَّهَا) ولم يَقُلْ: (لسدِّ مفردٍ مَسَدَّها)؛ لأنَّه قدْ يَسُدُّ المفرَدُ مَسَدَّها ويَجِبُ كَسْرُها، نحوُ: (ظَنَنْتُ زيداً إنه قائِمٌ)، فهذه يَجِبُ كسرُها وإنْ سَدَّ مَسَدَّهَا مفردٌ؛ لأنَّها في موضعِ المفعولِ الثاني، ولكِنْ لا تُقَدَّرُ بالمصدرِ؛ إذ لا يَصِحُّ (ظَنَنْتُ زيداً قِيَامَهُ)([4]).
فإنْ لم يَجِبْ تقديرُها بمصدرٍ لم يَجِبْ فَتْحُها، بل تُكْسَرُ وُجُوباً أو جَوَازاً على ما سَنُبَيِّنُ، وتحتَ هذا قِسمانِ:
أَحَدُهما: وجوبُ الكسرِ، والثاني: جوازُ الفتحِ والكسرِ، فأشارَ إلى وجوبِ الكسرِ بقولِهِ:
فاكْسِرْ فِي الابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ = وَحَيْثُ (إِنَّ) لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ ([5])
أَوْ حُكِيَتْ بِالْقَوْلِ أَوْ حَلَّتْ مَحَلْ = حَالٍ كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ ([6])
وكَسَرُوا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا = بِاللاَّمِ كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى ([7])
فذَكَرَ أنه يَجِبُ الكسرُ في سِتَّةِ مواضِعَ:
الأوَّلُ: إذا وَقَعَتْ (إنَّ) ابتداءً؛ أي: في أوَّلِ الكلامِ، نحوُ: (إنَّ زيداً قائمٌ)، ولا يَجُوزُ وقوعُ المفتوحةِ ابتداءً؛ فلا تقولُ: (أَنَّكَ فاضلٌ عندِي)، بل يَجِبُ التأخيرُ، فتقولُ: (عِنْدِي أنكَ فاضلٌ)، وأجازَ بعضُهم الابتداءَ بها.
الثاني: أنْ تَقَعَ (إنَّ) صَدْرَ صِلَةٍ، نحوُ: (جاءَ الذي إنه قائمٌ)، ومنه قولُه تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ}.
الثالِثُ: أنْ تَقَعَ جَوَاباً لِلْقَسَمِ وفي خَبَرِها اللامُ، نحوُ: (واللهِ إِنَّ زَيْداً لقائِمٌ)، وسيأتي الكلامُ على ذلكَ.
الرابِعُ: أنْ تَقَعَ في جملةٍ مَحْكِيَّةٍ بالقولِ، نحوُ: (قُلْتُ: إنَّ زيداً قائمٌ)، قالَ تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}، فإنْ لم تُحْكَ به، بل أُجْرِيَ القولُ مُجْرَى الظنِّ فُتِحَتْ، نحوُ: (أَتَقُولُ أَنَّ زَيداً قَائِمٌ)؟ أي: أَتَظُنُّ.
الخامِسُ: أنْ تَقَعَ في جُمْلَةٍ في موضِعِ الحالِ؛ كقولِهِ: (زُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ)، ومنه قولُه تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}، وقولُ الشاعرِ:
96- مَا أَعْطَيَانِي وَلاَ سَأَلْتُهُمَا = إِلاَّ وَإِنِّي لَحَاجِزِي كَرَمِي ([8])
السادِسُ: أنْ تَقَعَ بعدَ فِعْلٍ من أفعالِ القلوبِ وقد عُلِّقَ عنها باللامِ، نحوُ: (عَلِمْتُ إنَّ زيداً لقائمٌ)، وسَنُبَيِّنُ هذا في بابِ (ظَنَّ)، فإنْ لم يَكُنْ في خَبَرِها اللامُ فُتِحَتْ، نحوُ: (عَلِمْتُ أَنَّ زيداً قائِمٌ).
هذا ما ذَكَرَه المصنِّفُ، وأُورِدَ عليه أنه نَقَصَ مواضِعَ يَجِبُ كَسْرُ (إنَّ) فيها:
الأَوَّلُ: إذا وَقَعَتْ بعدَ (أَلاَ) الاستفتاحيَّةِ، نحوُ: (أَلاَ إِنَّ زيداً قائمٌ)، ومنه قولُه تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}.
الثاني: إنْ وَقَعَتْ بعدَ (حيثُ)، نحوُ: (اجْلِسْ حَيْثُ إِنَّ زَيداً جَالِسٌ).
الثالثُ: إذا وَقَعَتْ في جملةٍ هي خبرٌ عن اسمِ عَيْنٍ، نحوُ: (زيدٌ إنه قائِمٌ).
ولا يَرِدُ عليه شيءٌ مِن هذه المواضِعِ؛ لِدُخُولِها تحتَ قولِهِ: (فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَا)؛ لأنَّ هذه إنما كُسِرَتْ لكونِها أَوَّلَ جُمْلَةٍ مُبْتَدَأً بها.
بعدَ إِذَا فُجَاءَةٍ أَوْ قَسَمِ = لاَ لامَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي ([9])
مَعْ تِلْوِ فَا الْجَزَا وَذَا يَطَّرِدُ = فِي نَحْوِ (خَيْرُ القَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ) ([10])
يعني أنه يَجُوزُ فتحُ (إنَّ) وكَسْرُها إذا وَقَعَتْ بعدَ (إذا) الفُجَائِيَّةِ، نحوُ: (خَرَجْتُ فإذا إنَّ زيداً قائِمٌ)، فمَن كَسَرَها جَعَلَها جملةً، والتقديرُ: (خَرَجْتُ فإذا زيدٌ قائمٌ). ومَن فَتَحَها جَعَلَها معَ صِلَتِها مَصدراً، وهو مبتدأٌ خَبَرُه (إذا) الفُجائيَّةُ، والتقديرُ: (فإذا قِيامُ زيدٍ)؛ أي: ففي الحَضْرَةِ قِيَامُ زيدٍ، ويَجُوزُ أنْ يكونَ الخبرُ محذوفاً والتقديرُ: (خَرَجْتُ فإذا قيامُ زيدٍ موجودٌ) ([11])، ومِمَّا جاءَ بالوجهيْنِ قولُه:
97- وَكُنْتُ أُرَى زَيْداً كَمَا قِيلَ سَيِّداً = إِذَا أَنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا وَاللَّهَازِمِ ([12])
رُوِيَ بفتحِ (أنَّ) وكَسْرِها، فمَن كَسَرَها جَعَلَها جملةً مستأنَفَةً، والتقديرُ: (إذا هو عبدُ القَفَا واللَّهَازِمِ). ومَن فَتَحَها جَعَلَها مصدراً مبتدأً، وفي خَبَرِه الوجهانِ السابقانِ، والتقديرُ على الأوَّلِ: (فإذا عُبُودِيَّتُه)؛ أي: ففي الحَضْرَةِ عُبُودِيَّتُه، وعلى الثاني (فإذا عُبُودِيَّتُه مَوْجُودَةٌ).
وكذا يَجُوزُ فتحُ (إنَّ) وكَسْرُها إِذَا وَقَعَتْ جوابَ قَسَمٍ وليسَ في خَبَرِها اللامُ، نحوُ: (حَلَفْتُ أنَّ زَيْداً قائِمٌ) بالفتحِ والكسرِ، وقد رُوِيَ بالفتحِ والكسرِ قولُه:
98- لَتَقْعُدِنَّ مَقْعَدَ الْقَصِيِّ = مِنِّيَ ذِي الْقَاذُورَةِ المَقْلِيِّ

أَوْ تَحْلِفِي بِرَبِّكِ الْعَلِيِّ = أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ ([13])
ومُقْتَضَى كلامِ المصنِّفِ أنه يَجُوزُ فتحُ (إنَّ) وكَسْرُها بعدَ القَسَمِ إذا لم يَكُنْ في خَبَرِها اللامُ، سواءٌ كانَتِ الجملةُ المُقْسَمُ بها فِعْلِيَّةً والفعلُ فيها ملفوظٌ به، نحوُ: (حَلَفْتُ إنَّ زيداً قائِمٌ)، أو غيرُ ملفوظٍ به، نحوُ: (واللهِ إنَّ زيداً قائمٌ)، أو اسميَّةً، نحوُ: (لَعَمْرُكَ إنَّ زيداً قائِمٌ) ([14]).
وكذلك يَجُوزُ الفتحُ والكسرُ إذا وَقَعَتْ (إنَّ) بعدَ فاءِ الجزاءِ، نحوُ: (مَن يَأْتِنِي فإنَّه مُكْرَمٌ)، فالكسرُ على جَعْلِ (إنَّ) ومَعْمُولَيْهَا جملةً أُجِيبَ بها الشرطُ، فكأنه قالَ: مَن يَأْتِنِي فهو مُكْرَمٌ، والفتحُ على جَعْلِ (أنَّ) وصِلَتِها مَصْدراً مبتدأً، والخبرُ محذوفٌ ([15])، والتقديرُ: (مَن يَأْتِنِي فإِكْرَامُه مَوْجُودٌ)، ويَجُوزُ أنْ يكونَ خبراً والمبتدأُ محذوفاً، والتقديرُ: (فجزاؤُه الإكرامُ).
وممَّا جاءَ بالوجهيْنِ قولُه تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، قُرِئَ: (فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بالفتحِ والكسرِ، فالكسرُ على جَعْلِها جملةً جواباً لِـ (مَن)، والفتحُ على جَعْلِ أنَّ وَصِلَتِها مصدراً مبتدأً خَبَرُه محذوفٌ، والتقديرُ (فالغُفرانُ جَزَاؤُه)، أو على جَعْلِها خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ (فَجَزَاؤُهُ الغُفْرَانُ).
وكذلك يَجُوزُ الفتحُ والكسرُ إذا وَقَعَتْ (أنَّ) بعدَ مبتدأٍ هو في المعنَى قولٌ، وخَبَرُ (إنَّ) قولٌ، والقائلُ واحدٌ، نحوُ: (خيرُ القولِ إِنِّي أَحْمَدُ اللهَ)، فمَن فَتَحَ جَعَلَ (أنَّ) وَصِلَتَهَا مصدراً خبراً عن (خَيْرُ)، والتقديرُ: خيرُ القولِ حَمْدُ اللهِ، فـ(خيرُ) مبتدأٌ، و (حَمدُ اللهِ) خَبَرُه، ومَن كَسَرَ جَعَلَها جملةً خبراً عن (خَيْرُ)، كما تقولُ: (أَوَّلُ قِرَاءَتِي {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى}، فـ (أَوَّلُ) مبتدأٌ، و {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} جملةٌ خبرٌ عن (أَوَّلُ)، وكذلك (خيرُ القولِ) مبتدأٌ، و(إني أَحْمَدُ اللهَ) خبرُه، ولا تَحْتَاجُ هذه الجملةُ إلى رابطٍ؛ لأنَّها نفسُ المبتدأِ في المعنى، فهي مثلُ: (نُطْقِي اللهُ حَسْبِي)، ومَثَّلَ سِيبَوَيْهِ هذه المسألةَ بقولِهِ: (أَوَّلُ ما أَقُولُ أَنِّي أَحْمَدُ اللهَ)، وخَرَّجَ الكسرَ على الوجهِ الذي تَقَدَّمَ ذِكْرُه، وهو أنه مِن بابِ الإخبارِ بالجُمَلِ، وعليه جَرَى جماعةٌ مِن المتقدِّمِينَ والمتأخِّرِينَ؛ كالمُبَرِّدِ والزَّجَّاجِ والسِّيرَافِيِّ وأبي بَكْرِ بنِ طَاهِرٍ، وعليه أكثرُ النَّحْوِيِّينَ.


([1])(وهَمْزَ) مفعولٌ مُقَدَّمٌ على عاملِه، وهو قولُه: (افْتَحِ) الآتي، وهمزَ مضافٌ و(إنَّ) قُصِدَ لفظُه: مضافٌ إليه، (افْتَحْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (لِسَدِّ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بافْتَحْ، وسدِّ مضافٌ و(مصدرِ) مضافٌ إليه، (مَسَدَّهَا) مَسَدَّ: مفعولٌ مطلقٌ، ومسَدَّ مضافٌ والضميرُ مضافٌ إليه، (وفي سِوَى) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِهِ: (اكْسِرِ) الآتي، وسِوَى مضافٌ واسمُ الإشارةِ من (ذاكَ) مضافٌ إليه، والكافُ حرفُ خِطابٍ، (اكْسِرِ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستتِرٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ.

([2])شَمِلَ قولُ الشارِحِ: (مرفوعِ فِعْلٍ) ما إذا وَقَعَتَ أنَّ في مَوْضِعِ الفاعلِ كالمثالِ الذي ذَكَرَه، ومنه قولُه تعالَى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا}؛ أي: أوَلَمْ يَكْفِهِم إِنْزَالُنا، وما إذا وَقَعَتْ في مَوْضِعِ النائبِ عن الفاعلِ، نحوُ قولِهِ تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}؛ أي: قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ اسْتِمَاعُ نَفَرٍ مِن الجِنِّ، ولا فرقَ بينَ أنْ يكونَ الفعلُ ظاهِراً، كما في هذه الأمثلةِ، وبينَ أنْ يكونَ الفعلُ مُقَدَّراً، وذلك بعدَ (ما) المصدريَّةِ، نحوُ قولِهم: )لا أُكَلِّمُه ما أنَّ في السماءِ نَجْماً)، وقولِهم: (لا أَفْعَلُ هذا ما أنَّ حِرَاءَ مكانَه) التقديرُ: لا أُكَلِّمُه ما ثَبَتَ كونُ نَجْمٍ في السماءِ، ولا أَفْعَلُه ما ثَبَتَ كونُ حِرَاءَ في مكانِه، وبعدَ (لو) الشرطيَّةِ في مذهَبِ الكُوفِيِّينَ، وذلك كما في نحوِ قولِه تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ}؛ أي: لو ثَبَتَ صَبْرُهم.

([3])ذَكَرَ المؤلِّفُ ضَابِطاً عامًّا للمواضِعِ التي يَجِبُ فيها فَتْحُ همزةِ (إنَّ) ـ وهو أنْ يَسُدَّ المصدرُ مَسَدَّها ـ وقد ذَكَرَ الشارِحُ ثلاثةً منها، وبَقِيَتْ عليه خمسةُ مواضِعَ أُخْرَى:
الأوَّلُ: أنْ تَقَعَ في مَوْضِعِ مبتدأٍ مُؤَخَّرٍ، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ}؛ أي: ومِن آياتِه رُؤْيَتُكَ الأرضَ.
الثاني: أنْ تَقَعَ في موضِعِ خبرِ مبتدأٍ، بشرطِ أنْ يكونَ المبتدأُ غيرَ قولٍ، وبشرطِ أنْ لا يكونَ خبرُ أنَّ صَادِقاً على ذلك المبتدأِ، نحوُ قولِكَ: ظَنِّي أنكَ مُقِيمٌ مَعَنا اليومَ؛ أي: ظَنِّي إِقَامَتُكَ معَنا اليومَ.
الثالثُ: أنْ تَقَعَ في موضعِ المضافِ إليه، نحوُ قولِه تعالى: {إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}؛ أي: مثلَ نُطْقِكُمْ، فما: صِلَةٌ، ومثلَ مضافٌ، وأنَّ مع ما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بالإضافةِ.
الرابِعُ: أنْ تَقَعَ في موضِعِ المعطوفِ على شيءٍ مِمَّا ذَكَرْنَاه، نحوُ قولِه تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}؛ أي: اذْكُرُوا نِعْمَتِي وتَفْضِيلِي إيَّاكُم.
الخامِسُ: أنْ تَقَعَ في موضِعِ البَدَلِ، مِن شيءٍ مما ذَكَرْنَاه، نحوُ قولِهِ تعالى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}؛ أي: وإذ يَعِدُكُمُ اللهُ إحدَى الطائفتيْنِ كَوْنَها لكم، فهو بَدَلُ اشتمالٍ من المفعولِ به.

([4]) أصلُه أنَّ اسمَ الذاتِ لا يُخْبَرُ عنه بالمصدرِ إلاَّ بتأويلٍ، والمفعولُ الثاني لظَنَّ أَصْلُه خَبَرٌ.

([5])(فاكْسِرْ) فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (في الابْتِدَا) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ باكْسِرْ، (وفي بَدْءِ) جارٌّ ومجرورٌ معطوفٌ بالواوِ على الجارِّ والمجرورِ السابقِ، وبَدْءِ مضافٌ و(صِلَهْ) مضافٌ إليه، (وحيثُ) الواوُ عاطفةٌ، حيثُ: ظرفٌ معطوفٌ على الجارِّ والمجرورِ، (إنَّ) قُصِدَ لفظُه: مبتدأٌ، (لِيَمِينٍ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (مُكْمِلَهْ) الآتي، (مُكْمِلَهْ) خبرُ المبتدأِ، والجملةُ من المبتدأِ والخبرِ في مَحَلِّ جرٍّ بإضافةِ (حيثُ) إليها.

([6])(أو) حرفُ عطفٍ، (حُكِيَتْ) حُكِيَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والتاءُ للتأنيثِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مُسْتَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ إلى إنَّ، والجملةُ معطوفةٌ على جملةِ المبتدأِ والخبرِ السابقةِ، (بالقولِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بحُكِيَتْ، (أو) حرفُ عطفٍ، (حَلَّتْ) حَلَّ: فعلٌ ماضٍ، والتاءُ للتأنيثِ، والفاعلُ ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هي يعودُ إلى إنَّ، (مَحَلْ) مفعولٌ فيه، ومحل مضافٌ و(حالٍ) مضافٌ إليه، (كَزُرْتُهُ) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، كما سَبَقَ مِراراً، زُرْتُهُ: فِعْلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ، (وإني) الواوُ واوُ الحالِ، إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والياءُ اسْمُها، (ذو) خَبَرُها، وذو مضافٌ و(أَمَلْ) مضافٌ إليه، والجملةُ مِن إنَّ واسمِها وخبرِها في مَحَلِّ نصبِ حالٍ صاحِبُه تاءُ المتكلِّمِ في (زُرْتُهُ).

([7])(وَكَسُروا) الواوُ عاطفةٌ، وكَسَرُوا: فعلٌ وفاعلٌ، (مِن بَعْدِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بكَسَرُوا، وبعدِ مضافٌ و(فِعْلٍ) مضافٌ إليه، (عُلِّقَا) عُلِّقَ: فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، والألِفُ للإطلاقِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى فِعْلٍ، والجملةُ في مَحَلِّ جَرِّ نعتٍ لِفِعْلٍ، (باللامِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بعُلِّقَ، (كاعلم) الكافُ جارَّةٌ لقولٍ محذوفٍ، اعْلَمْ: فعلُ أمرٍ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنتَ، (إنَّهُ) إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والهاءُ اسْمُها، (لذو) اللامُ هي لامُ الابتداءِ، وهي المُعَلَّقَةُ، ذو: خبرُ إنَّ مرفوعٌ بالواوِ نيابةً عن الضمَّةِ؛ لأنَّه من الأسماءِ الستَّةِ، وذو مضافٌ و(تُقَى) مضافٌ إليه.

([8]) البيتُ لِكُثَيِّرِ عَزَّةَ، وهو كُثَيِّرُ بنُ عَبْدِ الرحمنِ، من قصيدةٍ له يَمْدَحُ فيها عبدَ المَلِكِ بنَ مَرْوَانَ بنِ الحَكَمِ، وأخاه عبدَ العزيزِ بنَ مَرْوَانَ، وأوَّلُ هذه القصيدةِ قولُه:
دَعْ عَنْكَ سَلْمَى إِذْ فَاتَ مَطْلَبُهَا = وَاذْكُرْ خَلِيلَيْكَ مِن بَنِي الْحَكَمِ
اللغةُ: (مَطْلَبُهَا) يجوزُ أنْ يكونَ ههنا مَصْدَراً ميميًّا بمعنى الطلَبِ، ويجوزُ أنْ يكونَ اسمَ زمانٍ بمعنى وَقْتِ الطلبِ، والثاني أقربُ، (إلا) روايةُ سِيبَوَيْهِ رَحِمَه اللهُ على أنها أداةُ استثناءٍ مكسورةُ الهمزةِ مُشَدَّدَةُ اللامِ، وروايةُ أبي العبَّاسِ المُبَرِّدِ بفتحِ الهمزةِ وتخفيفِ اللامِ على أنها أداةُ استفتاحٍ، وروايةُ سِيبَوَيْهِ أَعْرَفُ وأَشْهَرُ وأَصْلَحُ للدلالةِ على ما يُرَادُ من المعنى، (حَاجِزِي)؛ أي: مانِعِي، وتقولُ: حَجَزَهُ يَحْجِزُهُ ـ مِن بابِ ضَرَبَ ـ إذا مَنَعَه وكَفَّهُ.
الإعرابُ: (ما) نافيةٌ، (أَعْطَيَانِي) أَعْطَى: فعلٌ ماضٍ، وألِفُ الاثنيْنِ فاعلٌ، والنونُ للوقايةِ، والياءُ مفعولٌ أوَّلُ، والمفعولُ الثاني محذوفٌ، والتقديرُ: ما أَعْطَيَانِي شَيْئاً، (ولا) الواوُ عاطفةٌ، لا: نافيةٌ، (سَأَلْتُهُما) فعلٌ وفاعلٌ ومفعولٌ أَوَّلُ، والمفعولُ الثاني محذوفٌ، وتَقْدِيرُهُ كالسابِقِ، (إلا) أداةُ استثناءٍ، والمستثنَى منه محذوفٌ؛ أي: ما أَعْطَيَانِي ولا سَأَلْتُهُما في حالةٍ من الأحوالِ، (وإني) الواوُ واوُ الحالِ، إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونَصْبٍ، والياءُ اسْمُها، (لَحَاجِزِي) اللامُ للتأكيدِ، حاجِزِ: خبرُ إنَّ، وحاجِزِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، مِن إضافةِ اسمِ الفاعلِ إلى مفعولِه، (كَرَمِي) كَرَمِ: فاعلٌ بِحَاجِزِ، وكَرَمِ مضافٌ وياءُ المتكلِّمِ مضافٌ إليه، وجملةُ إنَّ واسْمِها وخبرِها في محلِّ نصبٍ حالٌ، هذه الحالُ في المعنى مُسْتَثْنَاةٌ مِن عمومِ الأحوالِ، وكأنه قالَ: ما أعطَيَانِي ولا سَأَلْتُهُما في حالةٍ من الأحوالِ إلا في هذه الحالةِ.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (إلا وإني... إلخ) حيثُ جَاءَتْ هَمْزَةُ (إنَّ) مكسورةً؛ لأنَّها وَقَعَتْ مَوْقِعَ الحالِ، وثَمَّتَ سببٌ آخَرُ في هذه العبارةِ يُوجِبُ كَسْرَ هَمْزَةِ (إنَّ)، وهو اقترانُ خَبَرِها باللامِ، وقالَ الأَعْلَمُ (ج1 ص 472): (الشاهدُ فيه كسرُ إنَّ؛ لدخولِ اللامِ في خَبَرِها، ولأنَّها واقِعَةٌ موقِعَ الجملةِ النائبةِ منابَ الحالِ، ولو حَذَفَ اللامَ لم تَكُنْ إلاَّ مكسورةً لذلك). اهـ.
ومثلُ هذا البيتِ قولُ اللهِ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ} فـ (إنَّ) في هذه الآيةِ الكريمةِ مكسورةُ الهمزةِ وُجُوباً؛ لسبَبَيْنِ، كلُّ واحدٍ مِنهما يَقْتَضِي ذلكَ على استقلالِه: وُقُوعِها مَوْقِعَ الحالِ، واقترانِ خَبَرِها باللامِ.

([9])(بعدَ) ظرفٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (نُمِي) في آخِرِ البيتِ، وبعدَ مضافٌ و(إذا) مضافٌ إليه، وإذا مُضافٌ و(فُجَاءَةٍ) مضافٌ إليه، وهي من إضافةِ الدالِّ إلى المدلولِ، (أو) حرفُ عطفٍ، (قَسَمِ) معطوفٌ على إذا، (لا) نافيةٌ للجِنْسِ، (لامَ) اسْمُها، (بعدَه) بعدَ: ظرفٌ متعلِّقٌ بمحذوفٍ خبرُ لا، وبعدَ مضافٌ والهاءُ مضافٌ إليه، وجملةُ لا واسْمِها وخَبَرِها في محلِّ جرٍّ نعتٌ لِقَسَمِ، (بِوَجْهَيْنِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بقولِه: (نُمِي) الآتي، (نُمِي) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، ونائبُ الفاعلِ ضميرٌ مستَتِرٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ إلى همزِ إنَّ.

([10])(مَعْ) ظرفٌ معطوفٌ على قولِه: (بعدَ) السابقِ بعاطفٍ مقدَّرٍ، ومعْ مضافٌ و(تِلْوِ) مضافٌ إليه، وتلوِ مضافٌ و(فَا) قُصِرَ للضرورةِ: مضافٌ إليه، وفا مضافٌ و(الجَزَا) قُصِرَ للضرورةِ أيضاًً: مضافٌ إليه، (ذا) اسمُ إشارةٍ مبتدأٌ، (يَطَّرِدُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه جَوَازاً تَقْدِيرُهُ هو يعودُ على اسمِ الإشارةِ، والجملةُ في محَلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، (في نَحْوِ) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بيَطَّرِدُ، (خَيْرُ) مبتدأٌ، وخيرُ مضافٌ و(القولِ) مضافٌ إليه، (إني) إنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والياءُ اسْمُها، (أَحْمَدُ) فعلٌ مضارعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، وجملةُ المضارعِ وفاعلِه في محَلِّ رفعٍ خبرُ إنَّ، وجملةُ إنَّ ومَعْمُولَيْهَا في محلِّ رفعٍ خبرُ المبتدأِ، وجملةُ المبتدأِ وخبرِه في محلِّ جرٍّ بإضافةِ (نحوِ) إليه.

([11])هذان الوجهانِ اللذانِ جَوَّزَهُما المؤلِّفُ على تقديرِ فتحِ همزِ أنَّ بعدَ إذا الفُجائيَّةِ مبنيانِ على الخلافِ في إذا الفجائيَّةِ: أهي حرفٌ أم ظرفٌ؟ (انْظُرْ ص 244 وما بعدَها)، فمَن قالَ: هي ظرفٌ مكانِيٌّ أو زمانِيٌّ جعَلَها الخبرَ، وفتَحَ الهمزةَ، ومَن قالَ: هي حرفٌ أَجَازَ جَعْلَ إنَّ واسمِها وخبرِها جملةً أو جَعْلَها في تأويلِ مفردٍ، وهذا المفرَدُ إمَّا أنْ يكونَ خبراً لمبتدأٍ محذوفٍ، وإما أنْ يكونَ مبتدأً والخبرُ محذوفاً، فإنْ جَعَلْتَهَا جملةً كَسَرْتَ الهمزةَ، وإنْ جَعَلْتَها مفرداً فَتَحْتَ الهمزةَ.
والحاصِلُ أنَّ مَن قالَ: (إذا حرفُ مُفَاجَأَةٍ) - وهو ابنُ مالِكٍ - جازَ عندَه كَسْرُ همزةِ إنَّ بعدَها على تقديرِ أنَّ ما بعدَها جملةٌ تامَّةٌ، وجازَ عندَه أيضاًً فتحُ الهمزةِ على تقديرِ أنَّ ما بعدَها في تأويلِ مصدرٍ مبتدأٍ خبرُه محذوفٌ، أو خبرٍ لمبتدأٍ محذوفٍ، وأمَّا مَن جَعَلَ إذا ظَرفاً زمانِيًّا أو مكانيًّا فقد أَوْجَبَ فتحَ همزةِ أنَّ على أنها في تأويلِ مصدرٍ مبتدأٍ خبرُه الظرفُ قبلَه.
ومِن هنا يَتَبَيَّنُ لكَ أنَّ كلامَ الناظمِ وجعلَه (إنَّ) بعدَ (إذَا) ذاتَ وجهيْنِ لا يَتِمُّ إلا على مذهبِه، وهو أنَّ إذا الفُجائيَّةَ حرفٌ، أو على التلفيقِ مِن المذهبيْنِ: بأنْ يكونَ الفتحُ على مذهَبِ مَن قالَ بظَرْفِيَّتِها، والكسرُ على مذهَبِ مَن قالَ بحَرْفِيَّتِها، معَ أنَّ مَن قالَ بحَرْفِيَّتِها يجوِّزُ فيها الفتحَ أيضاًً.

([12]) هذا البيتُ مِن شواهدِ سِيبَوَيْهِ التي لم يَنْسُبُوها، وقالَ سِيبَوَيْهِ قبلَ أنْ يُنْشِدَه (1/ 472): (وسَمِعْتُ رجلاً من العربِ يُنْشِدُ هذا البيتَ كما أُخْبِرُكَ به) اهـ.
اللغةُ: (اللَّهَازِمِ) جَمْعُ لِهْزِمَةٍ ـ بكسرِ اللامِ والزايِ ـ وهي طَرَفُ الحُلْقُومِ، ويقالُ: هي عَظْمٌ ناتِئٌ تحتَ الأُذُنِ، وقولُه: (عبدُ القَفَا واللَّهَازِمِ) كنايةٌ عن الخِسَّةِ والدناءَةِ والذِّلَّةِ؛ وذلك لأنَّ القفا موضِعُ الصَّفْعِ، واللِّهْزِمَةَ موضِعُ اللَّكْزِ، فأنتَ إذا تَأَمَّلْتَ فيه ونَظَرْتَ إلى هذين الموضعيْنِ منه اتَّضَحَ لكَ أنه يُضْرَبُ على قَفَاهُ ولِهْزِمَتِه، وليسَ أحدٌ يُضْرَبُ على قَفَاهُ ولِهْزِمَتِه غيرَ العَبْدِ، فتَعْرِفُ من ذلك عُبُودِيَّتَه وذِلَّتَه ودَنَاءَتَه.
المعنى: كنتُ أَظُنُّ زَيْداً سَيِّداً كما قِيلَ له عنه، فإذا هو ذَلِيلٌ خَسِيسٌ لا سِيَادَةَ له ولا شَرَفٌ.
الإعرابُ: (كُنْتُ) كانَ: فعلٌ ناقِصٌ، والتاءُ اسْمُه، (أُرَى) بزِنَةِ المبنيِّ للمجهولِ ـ ومعناه أَظُنُّ ـ فعلٌ مضارِعٌ، وفاعلُه ضميرٌ مستترٌ فيه وُجُوباً تَقْدِيرُهُ أنا، (زَيْداً) مفعولُه الأوَّلُ، (كما) الكافُ جارَّةٌ، وما: مصدريَّةٌ، (قِيلَ) فعلٌ ماضٍ مبنيٌّ للمجهولِ، وما المصدريَّةُ معَ مَدْخُولِها في تأويلِ مصدرٍ مجرورٍ بالكافِ؛ أي: كقولِ الناسِ، والجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بمحذوفٍ نعتٌ لمصدرٍ محذوفٍ يَقَعُ مفعولاً مُطْلقاً، والتقديرُ: ظَنًّا مُوَافِقاً قولَ الناسِ، (سَيِّداً) مفعولٌ ثانٍ لأُرَى، والجملةُ مِن (أُرَى) وفاعلِها ومفعولَيْها في محَلِّ نصبِ خبرِ كانَ، (إِذَا) فُجَائِيَّةٌ، (أنه) أن: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والهاءُ اسْمُه، (عبدُ) خبرُ أنَّ، وعبدُ مضافٌ و(القَفَا) مضافٌ إليه، (واللَّهَازِمِ) معطوفٌ على القَفَا.
الشاهِدُ فيه: قولُه: (إذا أنَّه) حيثُ جازَ في همزةِ (إنَّ) الوجهانِ، فأمَّا الفتحُ فعلى أنَّ تَقْدِيرَها معَ معمولَيْها بالمفردِ الذي هو مصدرٌ، وإنْ كانَ هذا المفرَدُ مُحتاجاً إلى مفردٍ آخَرَ لِتَتِمَّ بهما جملةٌ، وهذا الوجهُ يَتَأَتَّى على الراجِحِ عندَ الناظمِ مِن أنَّ (إذا) حرفٌ لا ظرفٌ، كما أنه يَتَأَتَّى على القولِ بأنها ظرفٌ، وأما الكسرُ فتَقْدِيرُهُا معَ معمولَيْها جملةٌ، وهي في ابتدائِها، قالَ سِيبَوَيْهِ: (فحالُ (إذا) ههنا كحالِها إذا قلتَ: مَرَرْتُ فإذا أنه عبدٌ، تُرِيدُ: مَرَرْتُ به فإذا العبوديَّةُ واللُّؤْمُ، كأنك قلتَ: مَرَرْتَ فإذا أَمْرُه العبوديَّةُ واللؤمُ، ثمَّ وضَعْتَ أنَّ في هذا الموضِعِ جازَ). اهـ.
وقالَ الأَعْلَمُ: (الشاهدُ فيه جوازُ فتحِ إنَّ وكَسْرُها بعدَ إذا، فالكَسْرُ على نِيَّةِ وُقُوعِ المبتدأِ، والإخبارِ عنه بإذا، والتقديرُ: فإذا العبوديَّةُ، وإنْ شِئْتَ قَدَّرْتَ الخبرَ محذوفاً على تقديرِ: فإذا العبوديَّةُ شأنُه). اهـ.
والمُحَصَّلُ مِن وُجُوهِ الإعرابِ الجائزِ في هذا الأسلوبِ أنْ نقولَ لكَ:
أمَّا مَن ذَهَبَ إلى أنَّ إذَا الفُجَائِيَّةَ ظرفٌ، فأَوْجَبَ فتحَ همزةِ إنَّ، وجَعَلَ أنَّ وما دَخَلَتْ عليه في تأويلِ مصدرٍ، ويجوزُ لكَ حينَئذٍ ثلاثةُ أوجهٍ من الإعرابِ:
الأوَّلُ: أنْ يكونَ المصدرُ مبتدأً خبرُه إذا نفسُها.
والثاني: أنْ يكونَ المصدَرُ مبتدأً خبرُه محذوفٌ؛ أي: فإذا العبوديَّةُ شأنُه، أو فإذا العبوديَّةُ موجودةٌ، وهذا تقديرُ الشارِحِ كغيرِه.
والثالِثُ: أنْ تَجْعَلَ المصدرَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، والتقديرُ: فإذا شأنُه العبوديَّةُ، وهذا تقديرُ سِيبَوَيْهِ كما سَمِعْتَ في عِبارتِه.
وأمَّا مَن ذَهَبَ إلى أنَّ إذا الفجائيَّةَ حرفٌ فأجازَ فتحَ همزةِ إنَّ، وأجازَ كَسْرَها، فإنْ فَتَحْتَهَا فهي ومدخولُها في تأويلِ مصدرٍ، ولكَ وجهانِ من الإعرابِ:
الأوَّلُ: أنْ تَجْعَلَ المصدرَ مبتدأً خبرُه محذوفٌ.
والثاني: أنْ تَجْعَلَ المصدرَ خبرَ مبتدأٍ محذوفٍ، وليسَ لكَ على هذا أنْ تَجْعَلَ (إذا) نفسَها خبرَ المبتدأِ؛ لأنَّ إذا حينَئذٍ حَرْفٌ وليسَتْ ظرفاً، وإنْ كَسَرْتَها فليسَ لكَ إلا الإعرابُ الظاهرُ؛ إذ ليسَ في الكلامِ تقديرٌ. فاحْفَظْ هذا واللهُ تعالى يُرْشِدُكَ.

([13]) البيتانِ يُنسبانِ إلى رُؤْبَةَ بنِ العَجَّاجِ، وقالَ ابنُ بريٍّ: (هما لأعرابِيٍّ قَدِمَ مِن سَفَرٍ فوَجَدَ امرأتَه وَضَعَتْ وَلَداً فأَنْكَرَه).
اللغةُ: (القَصِيِّ) البعيدِ النائِي، (ذِي القاذُورةِ) المرادُ به الذي لا يُصاحِبُه الناسُ لِسُوءِ خُلُقِه، ويقالُ: هذا رجلٌ قَاذُورَةٌ، وهذا رجلٌ ذو قَاذُورَةٍ، إذا كانَ الناسُ يَتَحَامَوْنَ صُحْبَتَه لسُوءِ أخلاقِه ودَنِيءِ طِباعِه، (المَقْلِيِّ) المكروهِ، اسمُ مفعولٍ مأخوذٌ من قولِهم: قَلاَهُ يَقْلِيهِ، إذا أَبْغَضَه واجْتَوَاهُ، ويقالُ في فِعْلِه أيضاًً: قَلاَهُ يَقْلُوه، فهو يائِيٌّ وَاوِيٌّ، إلا أنه يَنْبَغِي أنْ يكونَ اسمُ المفعولِ الذي معَنا في هذا الشاهدِ مأخوذاً مِن اليائيِّ؛ لأنَّه لو كانَ من الواويِّ لقالَ: مَقْلُوٌّ؛ كما تقولُ: مَدْعُوٌّ ومَغْزُوٌّ، مِن دَعَا يَدْعُو، وغَزَا يَغْزُو.
الإعرابُ: (لَتَقْعُدِنَّ) اللامُ واقعةٌ في جوبِ قَسَمٍ محذوفٍ، تَقْعُدِنَّ: فعلٌ مضارعٌ مرفوعٌ بالنونِ المحذوفةِ؛ لتوالي الأمثالِ، وياءُ المؤنَّثَةِ المخاطبَةِ المحذوفةِ للتخلُّصِ من الْتِقَاءِ الساكنيْنِ فاعلٌ، والنونُ للتوكيدِ، وأصلُه: (تَقْعُدِينَنَّ) فحُذِفَتْ نونُ الرفعِ فِراراً من اجتماعِ ثلاثةِ نوناتٍ، فلمَّا حُذِفَتْ الْتَقَى ساكنانِ، فحُذِفَتْ ياءُ المؤنَّثَةِ المخاطَبَةِ للتخلُّصِ مِن الْتِقَائِهِما، وهي كالثابِتَةِ؛ لكونِ حَذْفِهَا لِعِلَّةٍ تَصْرِيفِيَّةٍ، وللدَّلالةِ عليها بكسرِ ما قبلَها، (مَقْعَدَ) مفعولٌ فيه أو مفعولٌ مطلَقٌ، ومقعَدَ مضافٌ و(القَصِيِّ) مضافٌ إليه، (مِنِّي) جارٌّ ومجرورٌ مُتَعَلِّقٌ بتَقْعُدِنَّ، أو بالقَصِيِّ، أو بمحذوفٍ حالٌ، (ذِي) نعتٌ للقَصِيِّ، وذِي مضافٌ و(القاذُورَةِ) مضافٌ إليه، (المَقْلِيِّ) نعتٌ ثانٍ للقَصِيِّ، (أو) حرفُ عطفٍ بمعنى إلاَّ، (تَحْلِفِي) فعلٌ مضارِعٌ منصوبٌ بأنِ المضمَرَةِ بعدَ أنْ، وعلامةُ نصبِه حذفُ النونِ، وياءُ المخاطبَةِ فاعلٌ، (بِرَبِّكِ) الجارُّ والمجرورُ متعلِّقٌ بتَحْلِفِي، ورَبِّ مضافٌ والكافُ مضافٌ إليه، (العَلِيِّ) صفةٌ لرِبِّ، (أني) أنَّ: حرفُ توكيدٍ ونصبٍ، والياءُ اسمُه، (أبو) خبرُ أنَّ، وأبو مضافٌ وذَيَّا مِن (ذَيَّالِكِ) اسمُ إشارةٍ مضافٌ إليه، واللامُ للبُعْدِ، والكافُ حرفُ خِطابٍ، (الصبِيِّ) بَدَلٌ مِن اسمِ الإشارةِ أو عطفُ بيانٍ عليه، أو نعتٌ له.
الشاهدُ فيه: قولُه: (أني)؛ حيثُ يَجُوزُ في همزةِ (إنَّ) الكسرُ والفتحُ؛ لكونِها واقعةً بعدَ فِعْلِ قَسَمٍ، لا لامَ بعدَه.
أمَّا الفتحُ فعلى تأويلِ أنَّ واسمِها وخبرِها بمصدرٍ مجرورٍ بحرفِ جرٍّ محذوفٍ، والتقديرُ: أو تَحْلِفِي على كوني أَباً لهذا الصبيِّ.
وأمَّا الكسرُ فعلى اعتبارِ أنَّ واسمِها وخبرِها جملةً لا مَحَلَّ لها من الإعرابِ؛ جوابَ القَسَمِ.
ووجهُ جوازِ هذين الوجهيْنِ في هذا الموضِعِ أنَّ القَسَمَ يَسْتَدْعِي جَوَاباً لا بُدَّ أنْ يكونَ جملةً، ويَسْتَدْعِي محلوفاً عليه يكونُ مُفرداً ويَتَعَدَّى له فعلُ القَسَمِ بعلى، فإنْ قَدَّرْتَ (أنَّ) بمصدرٍ كانَ هو المحلوفَ عليه، وكانَ مفرداً مجروراً بعلى محذوفةٍ، وإنْ قَدَّرْتَ أنَّ جملةً فهي جوابُ القَسَمِ. فتَنَبَّهْ لهذا الكلامِ.

([14])اعْلَمْ أنَّ ههنا أربعَ صُوَرٍ:
الأُولَى: أنْ يُذْكَرَ فعلُ القَسَمِ وتَقَعَ اللامُ في خبرِ إنَّ، نحوُ قولِكَ: حَلَفْتُ باللهِ إنك لصادِقٌ، ومنه قولُه تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ)، وقولُه جَلَّ شأنُه: {أَهَؤُلاَءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}.
والثانيةُ: أنْ يُحْذَفَ فعلُ القَسَمِ، وتَقَعَ اللامُ أيضاًً في خبرِ إنَّ، نحوُ قولِكَ: واللهِ إنكَ لمؤدَّبٌ، ومنه قولُه تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}.
ولا خِلافَ في أنه يَتَعَيَّنُ كَسْرُ همزةِ إنَّ في هاتيْنِ الصورتيْنِ؛ لأنَّ اللامَ لا تَدْخُلُ إلا على خبرِ إنَّ المكسورةِ.
والصورةُ الثالثةُ: أنْ يُذْكَرَ فعلُ القَسَمِ، ولا تَقْتَرِنَ اللامُ بخَبَرِ إنَّ؛ كما في البيتِ الشاهدِ السابقِ (رَقْمِ 98)، ولا خلافَ أيضاًً في أنه يجوزُ في هذه الصورةِ وجهانِ: كسرُ همزةِ إنَّ، وفَتْحُها، على التأويليْنِ اللذين ذَكَرَهما الشارِحُ، وذَكَرْنَاهُما لكَ معَ بيانِ وجهِ كلِّ واحدٍ مِنهما في شرحِ الشاهدِ السابِقِ.
والصورةُ الرابعةُ: أنْ يُحْذَفَ فعلُ القَسَمِ، ولا تَقْتَرِنَ اللامُ بخَبَرِ إنَّ، نحوُ قولِكَ: واللهِ إنكَ عالِمٌ، ومِنه قولُه تعالى: {حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ}.
وفي هذه الصورةِ خِلافٌ، والكُوفِيُّونَ يُجَوِّزُونَ فيها الوجهيْنِ، والبَصريُّونَ لا يُجَوِّزُونَ فتحَ الهمزةِ، ويُوجِبُونَ كَسْرَها، والذي حَقَّقَه أَثباتُ العلماءِ أنَّ مذهَبَ الكُوفِيِّينَ في هذا الموضِعِ غيرُ صحيحٍ؛ فقد نَقَلَ ابنُ هِشامٍ إجماعَ العربِ على الكسرِ، وقالَ السّيُوطِيُّ في جَمْعِ الجَوَامِعِ: (وما نُقِلَ عن الكُوفِيِّينَ من جوازِ الفتحِ فيها غَلَطٌ؛ لأنَّه لم يُسْمَعْ). اهـ.
وعلى هذا يَنْبَغِي أنْ يُحْمَلَ كلامُ الناظِمِ، فيكونُ تجويزُ الوجهيْنِ مخصوصاً بذِكْرِ فعلِ القَسَمِ معَ عدمِ اقترانِ الخبرِ باللامِ، وهي الصورةُ التي أَجْمَعُوا فيها على جوازِ الوجهيْنِ.

([15])نَصَّ ابنُ مَالِكٍ على أنَّ الكسرَ في هذا الموضِعِ أَحْسَنُ مِن جِهَةِ القياسِ؛ لأنَّه لا يَحتاجُ إلى تقديرِ محذوفٍ، ولم يُقْرَأْ في القرآنِ الكريمِ بالفتحِ إلا في الموضِعِ الذي تَتَقَدَّمُ فيه أنَّ مفتوحةً، نحوُ: {كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلاَّهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ}، وكالآيةِ التي تَلاها الشارِحُ.


  #3  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح ألفية ابن مالك للشيخ: علي بن محمد الأشموني


[مَوَاضِعُ فتحِ همزةِ "إنَّ" وكسْرِها]:
177 - وَهَمْزَ إنَّ افْتَحْ لِسَدِّ مَصْدَرٍ = مَسَدَّهَا وَفِي سِوَي ذَاكَ اكْسِرِ
(وَهَمْزَ "إنَّ" افْتَحْ) وجوبًا (لِسَدِّ مَصْدَرٍ * مَسَدَّهَا) معَ مَعْمُولَيْهَا لُزومًا بأنْ وقعتْ في مَحَلِّ فاعلٍ نحوُ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا} أو مفعولٍ غيرِ محكِيٍّ بالقولِ نحوُ {وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ} أو نائبٍ عنِ الفاعِلِ نحوُ {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ} أو مبتدَأٍ نحوُ {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً} أو خبرٍ عَنْ اسْمِ معنىً غيرِ قولٍ ولا صادِقٍ عليهِ خبرُهَا نحوُ: "اعْتِقَادِي أَنَّكَ فَاضِلٌ" بخلافِ: "قَوْلِي إِنَّكَ فَاضِلٌ" و"اعْتِقَادُ زَيْدٍ إِنَّهُ حَقٌّ"، أو مجرورٍ بالحرفِ نحوُ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ}، أوِ الإضافَةِ، نحوُ: {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} أو معطوفٍ على شَيْءٍ مِن ذلك نحوُ: {اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ} أو مُبْدَلٍ منهُ؛ نحوُ {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ}
تنبيهٌ: إنَّمَا قالَ "لِسَدِّ مَصْدَرٍ" ولم يقُلْ لِسَدِّ مُفردٍ لِأنَّهُ قد يَسدُّ المفردُ مَسَدَّهَا ويجبُ الكسرُ نحوُ: "ظَنَنْتُ زِيَادًا إِنَّهُ قَائِمٌ".
178 - فَاكْسِرْ فِي الِابْتِدَا وَفِي بَدْءِ صِلَهْ = وَحَيْثُ "إِنَّ" لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ
179 - أَوْ حُكِيَتْ بِالقَوْلِ أَوْ حَلَّتْ مَحَلّ = حَالٍ كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ
180 - وَكَسَرُوا مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ عُلِّقَا = بِاللَّامِ كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى
(وَفِي سِوَى ذَاكَ اكْسِرْ) على الأصلِ (فَاكْسِرْ فِي الِابْتِدَاءِ) أمَّا حقيقةً نحوِ: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ}، أو حُكْمًا؛ كالواقعَةِ بعدَ "أَلَا" الاستفتاحيةِ نحوُ {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ} والواقعةِ بعدَ "حيثُ" نحوُ: "اجْلِسْ حيثُ إِنَّ زَيْدًا جالسٌ" والواقعةِ خَبَرًا عنِ اسمِ الذاتِ نحوُ: "زَيْدٌ إنَّهُ قائمٌ" والواقعةِ بعدَ إذْ نحوُ: "جِئْتُكَ إِذْ إِنَّ زَيْدًا غَائِبٌ". (وفِي بَدْءِ صِلَةٍ) نحوُ: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} بخلافِ حَشْوِ الصلةِ نحوِ: "جَاءَ الَّذِي عِنْدِي إنَّهُ فَاضِلٌ". و"لَا أَفْعَلُهُ مَا أَنَّ فِي السَّمَاءِ نَجْمًا" إذِ التقديرُ: ما ثبتَ أنَّ في السماءِ نَجْمًا (وَحَيْثُ إِنَّ لِيَمِينٍ مُكْمِلَهْ) يعنِي وقعتْ جوابًا لهُ سواءٌ معَ اللامِ أو دُونَها نحوُ: {وَالعَصْرِ إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} {حم وَالكِتَابِ المُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ} (أَوْ حُكِيَتْ بِالقَوْلِ) نحوُ: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} فإنْ لم تُحْكَ بلْ أُجْرِيَ القولُ مُجْرَى الظنِّ وَجَبَ الفتحُ ومِن ثَمَّ رُوِيَ بالوجهينِ قولُهُ [مِنَ الكَامِلِ]:
259 - أَتَقُولُ إِنَّكَ بِالحَيَاةِ مُمَتَّعُ = وَقَدِ اسْتَبَحْتَ دَمَ امْرِئٍ مُسْتَسْلِمِ
(أَوْ حَلَّتْ مَحَلَّ حَالٍ) إمَّا معَ الواوِ (كَزُرْتُهُ وَإِنِّي ذُو أَمَلْ)، {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالحِّق وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ المُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وقولُهُ [مِنَ المُنْسَرِحِ]:
260 – مَا أَعْطَيَانِي وَلَا سَأَلْتُهُمَا = إِلَّا وَإِنِّي لَحَاجِزِي كَرَمِي
أو بدونِهِ نحوُ {إِلَّا أَنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ} (وَكَسَرُوا) أيضًا (مِنْ بَعْدِ فِعْلٍ) قَلْبِيٍّ (عُلِّقَا) عنها (باللامِ كَاعْلَمْ إِنَّهُ لَذُو تُقَى) و{اللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} وأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
261 - أَلَمْ تَرَ إِنِّي وَابْنَ أَسْوَدَ لَيْلَةً = لَنَسْرِي إِلَى نَارَيْنِ يَعْلُو سَنَاهُمَا
181 - بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةً أَوْ قَسَمِ = لَا لَامَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي
182- مَعْ تِلْوِ فَا الجَزَا وَذَا يَطَّرِدُ = فِي نَحْوِ "خَيْرُ القَوْلِ إِنِّي أَحْمَدُ"
و(بَعْدَ إِذَا فُجَاءَةً أَوْ) فعلِ (قَسَمٍ) ظاهِرٍ (لَا لَامَ بَعْدَهُ بِوَجْهَيْنِ نُمِي) أي: نُسِبَ نظرًا لموجِبِ كُلٍّ منهما لصلاحيَةِ المقامِ لهما على سبيلِ البدَلِ؛ فمِنَ الأوَّلِ قولُهُ [مِنَ الطَّوِيلِ]:
262 - وَكُنْتُ أَرَى زَيْدًا كَمَا قِيلَ سَيِّدًا = إِذَا إنَّهُ عَبْدُ القَفَا وَاللَّهَازِمِ
يُروىَ بالكسرِ على معنَى: فإذَا هو عبدُ القَفَا، وبالفتْحِ على معنَى: فإذا العُبوديَّةُ أي: حاصِلَةٌ؛ كما تَقولُ: "خَرَجتُ فإذَا الأسَدُ".
قالَ الناظِمُ: "والكَسْرُ أَوْلَى لِأنَّهُ لَا يُحْوِجُ إِلَى تقديرٍ". لكنْ ذَهَبَ قومٌ إلى أنَّ "إذَا" هي الخبرُ والتقديرُ: فإذا العبوديَّةُ: أي ففِي الحضرةِ العبوديَّةُ، وعلى هذا: فَلا تقديرَ في الفتحِ أيضًا، فيَستوِي الوجهانِ.
ومِنَ الثانِي قولُهُ [مِنَ الرَّجَزِ]:
263 - أَوْ تَحْلِفِي بِرَبِّكِ العَلِي = أَنِّي أَبُو ذَيَّالِكِ الصَّبِيِّ
يُروىَ بالكسرِ على جعْلِهَا جَوَابًا للقَسَمِ وبالفتحِ على جعْلِها مفعولًا بواسِطَةِ نزْعِ الخافِضِ أيْ: على أنِّي والتقييدُ بكونِ القَسَمِ بفِعلٍ ظاهرٌ للاحترازِ عمَّا مرَّ قريبًا في المكسورةِ.
وبقولِهِ: "لَا لَامَ بَعْدَهُ" عمَّا بعدَهُ اللامُ من ذلك؛ حيثُ يتعَيَّنُ فيهِ الكسرُ نحوُ: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ} وَ{أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا باللهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ}
وقدِ اتَّضَحَ لكَ أنَّ مَن فتَحَ "أنَّ" لمْ يجعَلْها جوابَ القَسَمِ؛ لأنَّ الفتحَ متوقِّفٌ على كونِ المَحَلِّ مُغْنِيًا فيهِ المصدرُ عنْ "أنَّ" وصِلتِهَا وجوابُ القَسَمِ لا يكونُ كذلك؛ فإنَّهُ لا يكونُ إلا جُملةً.
ويجوزُ الوجهانِ أيضًا (مَعْ تِلْوِ فَا الجَزَا) نحوُ {فَإِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} جَوَابُ {مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ} قُرِئَ بالكسرِ على جعْلِ مَا بعدَ الفاءِ جملةً تامَّةً؛ أيْ: فهو غفورٌ رحيمٌ وبالفتحِ على تقديرِها بمصدرٍ هو خبرُ مبتدَأٍ محذوفٍ أي: فجَزَاؤُهُ الغفرانُ أو مبتدَأٍ خبرُهُ محذوفٌ أي: فالغفرانُ جزاؤُهُ والكسرُ أحسَنُ في القياسِ.
قالَ الناظِمُ: "ولذلك لم يَجِئِ الفتحُ في القرآنِ إلا مسبوقًا بأنَّ المفتوحةِ".
(وَذَا) الحُكْمُ أيضًا (يَطَّرِدُ فِي) كُلِّ موضِعٍ وقَعَتْ "إنَّ" فيهِ خبرَ قولٍ وكانَ خبرُها قولًا والقائلُ واحِدٌ؛ كما في نحوِ: (خَيْرُ القَوْلِ أَنِّي أَحْمَدُ اللهَ) فالفتْحُ على معنَى: خيرُ القولِ حَمْدُ اللهِ" والكسرُ على الإخبارِ بالجملةِ لقصدِ الحكايةِ كأنَّكَ قُلْتَ: خيرُ القولِ هذا اللفظُ.
أمَّا إذَا انتَقَى القولَ الأوَّلَ فالفتحُ مُتَعَيِّنٌ نحوُ: "عِلْمِي أَنِّي أَحْمَدُ اللهَ" أوِ القولَ الثانِيَ أوْلم يتَّحِدِ القائلُ، فالكسْرُ نَحْوُ: "قَوْلِي إِنِّي مُؤْمِنٌ" و"قَوْلِي إِنَّ زَيْدًا يَحْمَدُ اللهَ".
تنبيهٌ: سَكَتَ الناظِمُ عَن مواضِعَ يجُوزُ فيها الوجهانِ:
الأوَّلُ: أنْ تقعَ بعدَ واوٍ مَسبوقةٍ بمفرَدٍ صالحٍ للعطفِ عليهِ نحوُ {إِنَّ لَكَ أنْ لَا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعْرَى وَأَنَّكَ لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلَا تَضْحَى} قَرَأَ نافعٌ وأبُو بَكرٍ بالكسرِ إمَّا على الاستئنافِ أو العطفِ على جملةِ "إنَّ" الأُولَى والباقونَ بالفتحِ عطْفًا على "أنْ لَا تَجُوعَ".
الثانِي: أنْ تقعَ بعدَ "حتَّى" فتُكْسَرَ بعدَ الابتدائيةِ ، نحوُ: "مَرِضَ زيدٌ حتَّى إنَّهُمْ لَا يَرْجُونَهُ". وتُفْتَحُ بعدَ الجارَّةِ والعاطِفَةِ نحوُ: "عَرَفْتُ أُمُورَكَ حتَّى أَنَّكَ فَاضِلٌ".
الثالثُ: أنْ تقعَ بعدَ "أمَّا" نحوُ: "أَمَّا إِنَّكَ فَاضِلٌ" فتُكسَرُ إنْ كانتْ "أمَّا" استفتاحيَّةً بمنزلةِ "أَلَا" وتُفتحُ إنْ كانتْ بمعنَى "حَقٍّا"؛ كما تقولُ: "حَقًّا إنَّكَ ذاهبٌ" ومنهُ قولُهُ [مِنَ الوَافِرِ]:
264 - أَحَقًّا أَنَّ جِيرَتَنَا اسْتَقَلُّوا = فَنِيَّتُنَا وَنِيَّتُهُمْ فَرِيقُ
أيْ: أَفِي حَقٍّ هَذَا الأَمْرُ.
الرابعُ: أنْ تقعَ بعدَ "لَا جَرَمَ" نحوُ {لَا جَرَمَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ} فالفتحُ عندَ سِيبَوَيْهِ على أنَّ "جَرَمَ" فِعْلٌ "وأنَّ" وصِلَتُهَا فاعلٌ أي: وَجَبَ أنَّ اللهَ يَعلمُ و"لَا" صِلةٌ وعندَ الفَرَّاءِ على أنَّ "لَا جَرَمَ" بمنزلةِ: لَا رجُلَ ومعناهُ: لا بدَّ و"مِنْ" بعدَهَا مقدَّرَةٌ والكسرُ على ما حَكَاهُ الفَرَّاءُ مِن أنَّ بعضَهُمْ يُنْزِلُهَا منزلةَ اليمينِ فيقولُ: لَا جَرَمَ لَآتِيَنَّكَ.

  #4  
قديم 20 ذو الحجة 1429هـ/18-12-2008م, 01:33 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي دليل السالك للشيخ: عبد الله بن صالح الفوزان


وُجوبُ فَتْحِ همزةِ إنَّ
176- وهَمْزَ إِنَّ افْتَحْ لسَدِّ مَصْدَرِ = مَسَدَّهَا وفي سِوَى ذاكَ اكْسِرِ
هَمزةُ (إنَّ) لها ثلاثةُ أحوالٍ: وُجوبُ الفتْحِ، ووُجوبُ الكسْرِ، وجوازُ الوَجْهَيْنِ.
والقاعدةُ في هذه المسألةِ أنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ يَحتَاجُ فيه ما قبلَ (إنَّ) إلى مَصْدَرٍ؛ أي: مُفْرَدٍ، ولا يَجُوزُ في صناعةِ الإعرابِ أنْ يكونَ جُملةً - فإنَّ الهمزةَ تُفتَحُ، وكلَّ مَوْضِعٍ يَحتاجُ فيه ما قبلَ (إنَّ) إلى جُملةٍ، ولا يَجُوزُ في صناعةِ الإعرابِ أنْ يكونَ مَصْدَراً؛ أيْ: مُفْرَداً - فإنَّ الهمزةَ تُكْسَرُ، وكلَّ مَوْضِعٍ يَصِحُّ فيه الوَجهانِ فإنَّ الهمزةَ يَجُوزُ فتْحُها وكَسْرُها، والآنَ نُفَصِّلُ ذلك فنَقولُ:
الحالةُ الأولى: وُجوبُ الفتْحِ.
وذلك إذا وَجَبَ تقديرُها معَ اسْمِها وخَبَرِها بمصدَرٍ؛ لكونِ المقامِ يَستدعِي ذلك، كأنْ تكونَ في مَوْضِعِ رفْعِ فاعلٍ، نحوُ: سَرَّنِي أنَّكَ مُوَاظِبٌ على الصَّفِّ الأَوَّلِ. أيْ: سَرَّنِي مُواظبَتُك، قالَ تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ}؛ أيْ: إنزالُنا؛ لأنَّ الفاعلَ لا يكونُ إلاَّ مُفْرَداً.
أو تكونَ في مَوْضِعِ رفْعِ نائبِ فاعِلٍ، نحوُ: كُتِبَ إليَّ أنك حاضِرٌ؛ أيْ: حُضورُكُ، قالَ تعالى: {قَلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ}؛ أي: استماعُ.
أو مُبتدأٍ، نحوُ: مِن حِرْصِكَ أنَّكَ حَضَرْتَ مُتَقَدِّماً؛ أيْ: حُضورُكَ مُتَقَدِّماً، قالَ تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً}؛ أيْ: رُؤْيَتُكَ.
أو تكونَ في مَحَلِّ نصْبِ مفعولٍ به، نحوُ: عَرَفْتُ أنَّ العلْمَ نافعٌ؛ أي: نفْعَ العِلْمِ، قالَ تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ}؛ أيْ: إشراكَكم.
أو في مَوْضِعِ جَرٍّ، نحوُ: فَرِحْتُ بأنَّ جارَنا مُواظِبٌ على الصلاةِ. قالَ تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ}؛ أيْ: بأَحَقِّيَّتِه، إلى غيرِ ذلك ممَّا يَدْخُلُ تحتَ الضابطِ المذكورِ.
واعلَمْ أنَّ هذا المصدَرَ المُؤَوَّلَ هو مَصدرُ خبرِ (إنَّ) مُضافاً إلى اسْمِها إنْ كانَ مُشْتَقًّا كالفعْلِ، كما تَقَدَّمَ في الآياتِ أو الوصْفِ، نحوُ: سَرَّنِي أنَّكَ مُخْلِصٌ؛ أيْ: إخلاصُكَ، وإنْ كانَ خَبَرُها جامِداً أو ظَرْفاً فالمصدَرُ الْمُقَدَّرُ هو (الكونُ) مُضافاً إلى اسْمِها، نحوُ: سَرَّنِي أنَّك في الدارِ؛ أيْ: كونُك في الدارِ. ونحوُ: سَرَّنِي أنَّكَ رَجُلٌ. أيْ: كونُك رَجُلاً.
هذا معنى قولِه: (وهَمْزَ إنَّ افْتَحْ.. إلخ)؛ أي: افتَحْ همزةَ (إنَّ) إذا كانَ المصدَرُ يَسُدُّ مَسَدَّها؛ أيْ: يقُومُ مَقَامَها في الصناعةِ الإعرابيَّةِ، واكسِرِ الهمزةَ فيما سِوَى ذلك.

وجوبُ كَسْرِ هَمزةِ (إنَّ)

177- فاكْسِرْ في الابْتِدَا وفي بَدْءِ صِلَهْ = وحيثُ إنَّ ليَمينٍ مُكْمِلَهْ
178- أو حُكِيَتْ بالقولِ أو حَلَّتْ مَحَلْ = حالٍ كزُرْتُهُ وإِنِّي ذو أَمَلْ
179- وكَسَرُوا مِن بعدِ فِعْلٍ عُلِّقَا = باللامِ كاعْلَمْ إنَّه لَذُو تُقَى
الحالةُ الثانيةُ مِن أحوالِ همزةِ (إنَّ) وُجوبُ الكسْرِ، وضابِطُ ذلك إذا لم يُمْكِنْ تأويلُها بِمَصدَرٍ، بأنْ كانَ السياقُ يَستدعِي جُملةً. وهذا يَقَعُ في سبعةِ مَواضعَ:
1- أنْ تَقَعَ (إنَّ) في ابتداء الكلامِ، سواءٌ كانَ الابتداءُ حقيقيًّا، نحوُ: إنَّ الرجوعَ إلى الحقِّ فَضيلةٌ. قالَ تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ}، أو حُكْمِيًّا؛ كالواقعةِ بعدَ (أَلاَ)؛ كقَولِه تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}، أو بعدَ (كَلاَّ)؛ كقولِه تعالى: {كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى}.
2- أنْ تَقَعَ في صَدْرِ صِلةِ الموصولِ، بحيثُ لا يَسْبِقُها شيءٌ، نحوُ: حَضَرَ الذي إنه يُفيدُ الناسَ. قالَ تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ}، فإنْ وَقَعَتْ في حَشْوِ الصِّلَةِ فُتِحَتْ، نحوُ: جاءَ الذي عِندي أنه فاضلٌ.
3- أنْ تَقَعَ جوابًا للقَسَمِ، وقد حُذِفَ فِعْلُ القَسَمِ، سواءٌ ذُكِرَت اللامُ في خَبَرِها، نحوُ: واللهِ إنَّ الصدْقَ لنافِعٌ. قالَ تعالى: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ}، أو لم تُذْكَرْ، نحوُ: واللهِ إنَّ الصدْقَ نافِعٌ. قالَ تعالى: {حم* وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ* إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ}.
فإنْ ذُكِرَ فِعْلُ القَسَمِ كُسِرَتْ بشَرْطِ وجودِ اللامِ، نحوُ: أَحْلِفُ باللهِ إنَّ التحَيُّلَ على الرِّبَا لَمُحَرَّمٌ.
ومنه قولُه تعالى: {وَيَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ}، وإنْ لم تُوجَدِ اللامُ جازَ الوَجهانِ - الفتْحُ والكسْرُ - كما سيَأْتِي إنْ شاءَ اللهُ.
4- أنْ تَقَعَ في صَدْرِ جُملةٍ مَحْكِيَّةٍ بالقولِ (لأنَّ الْمَحْكِيَّ بالقولِ لا يكونُ إلاَّ جُملةً في الأَغْلَبِ)، بشرْطِ ألاَّ يكونَ القولُ بمعنى (الظنِّ)، نحوُ: قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((إِنَّ خَيْرَكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً)). مُتَّفَقٌ عليه. ومنه قولُه تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ}.
فإنْ كانَ القولُ بمعنى الظنِّ فُتِحَتِ الهمزةُ، نحوُ: أَتقولُ الْمَرَاصِدُ: أنَّ الْجَوَّ بارِدٌ غَدًا؟ أيْ: أَتَظُنُّ. وإنما فُتِحَتْ؛ لأنَّ القولَ بمعنى الظنِّ يَنْصِبُ مَفعوليْنِ.
5- أنْ تَقَعَ في أوَّلِ جُملةِ الحالِ، نحوُ: زُرْتُ عَلِيًّا وإني مَسرورٌ بزيارتِه. ومنه قولُه تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ}، فالواوُ للحالِ، والجملةُ بعدَها في مَحَلِّ نَصْبِ حالٍ.
6- أنْ تَقَعَ بعدَ فِعْلٍ مِن أفعالِ القلوبِ، وقد عُلِّقَ عن العمَلِ بسببِ وجودِ لامِ الابتداءِ في خَبَرِها، نحوُ: عَلِمْتُ إنَّ الإسرافَ لطريقُ الفَقْرِ. قالَ تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}.
فإنْ لم تَكُنِ اللامُ في خَبَرِها فُتِحَتْ أو كُسِرَتْ، نحوُ: عَلِمْتُ أنَّ الْمَصَارِفَ الرِّبَوِيَّةَ بَلاءٌ، بفَتْحِ الهمزةِ أو كَسْرِها، قالَ تعالى: {عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ}.
وإلى هذه الْمَوَاضِعِ أشارَ بقولِه: (فَاكْسِرْ فِي الابْتِدَاءِ... إلخ)؛ أي: اكسِرْ هَمزةَ (إنَّ) إذا وَقَعَتْ في ابتداءِ جُملتِها، أو حيثُ تكونُ مُكَمِّلَةً لليمينِ بأنْ تَقَعَ في صَدْرِ جُملةِ جَوابِ القَسَمِ... إلخ.

جوازُ فَتْحِ الهمزةِ وكَسْرِها


180- بعدَ إذَا فُجَاءَةٍ أو قَسَمِ = لاَ لامَ بعدَه بوجهينِ نُمِي


181- معْ تِلْوِ فا الْجَزَا وذا يَطَّرِدُ = في نحوِ خيرُ القولِ إني أَحْمَدُ

في هذا الأبياتِ ذَكَرَ الحالةَ الثالثةَ مِن أحوالِ همزةِ (إنَّ)، وهي جَوَازُ الوجهيْنِ - الفتْحِ والكسْرِ - فذَكَرَ أربعةَ مَواضِعَ:
الأوَّلُ: إذا وقَعَتْ (إنَّ بعدَ (إذا) الفُجائيَّةِ، (وهي الدالَّةُ على الْمُفاجأةِ)، بمعنى: (أنَّ ما بعدَها يَحْدُثُ بعدَ وُجودِ ما قَبْلَها بَغْتَةً وفَجأةً)، وهي حرْفٌ أو ظَرْفٌ.
مثالُ ذلك: خَرَجْتُ (فإذا الضيفُ حاضِرٌ)(*). فكسْرُ الهمزةِ على أنَّ (إنَّ) ومعمولَها جُملةٌ مُستأنَفَةٌ، وتكونُ (إذا) حَرْفًا لا مَحَلَّ له مِن الإعرابِ، وهذا أَيْسَرُ.
وفَتْحُ الهمزةِ على أنَّ (إنَّ) وصِلَتَها مَصْدَرٌ، وهو مُبتدأٌ خَبَرُه (إذا) الفجائيَّةُ باعتبارِ أنها ظرْفٌ، والتقديرُ: خَرَجْتُ فإذا حُضورُ الضيْفِ؛ أي: ففي الْحَضْرَةِ حُضورُ الضيْفِ.
ويَجوزُ أنْ يكونَ الخبرُ مَحذوفًا وتكونَ (إذا) حَرْفًا. والتقديرُ: فإذا حُضُورُ الضيفِ مَوجودٌ.
الثاني: إذا وقَعَتْ (إنَّ) جَوابَ قَسَمٍ بشَرْطِ أنْ يُذْكَرَ فعْلُ القَسَمِ ولا تُذْكَرَ اللامُ في خَبَرِها، نحوُ: أحْلِفُ أنَّ ثَمرةَ العلْمِ العملُ، فالكسْرُ على أنها واسْمَها وخَبَرَها جوابُ القَسَمِ.
والفتْحُ على أنها وصِلَتَها مصدَرٌ منصوبٌ بنَزْعِ الخافِضِ سَدَّ مَسَدَّ الجوابِ، والتقديرُ: أحْلِفُ على كونِ العمَلِ ثَمرةَ العِلْمِ.
الثالِثُ: إذا وَقَعَتْ (إنَّ) بعدَ فاءِ الجزاءِ (أي: الفاءِ الواقعةِ في صَدْرِ جواب الشرْطِ وجَزائِه)، نحوُ: مَن يَزُرْنِي (فهو)(*) مُكْرَمٌ. قالَ تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.
فقَرأَ ابنُ عامرٍ وعاصمٌ بفَتْحِ همزةِ إنَّ في قولِه: {فَأَنَّهُ}، وقَرَأَ بَقِيَّةُ السبعةِ بكسْرِها، فالكسْرُ على أنها جُملةٌ في مَحَلِّ جَزْمِ جوابِ الشرْطِ، والفتْحُ على تأويلِ مَصْدَرٍ يَقعُ مُبتدأً لخبَرٍ محذوفٍ، والتقديرُ في الْمِثالِ: فالإكرامُ جَزاؤُه. وفي الآيةِ: فالغفرانُ والرحمةُ جَزاؤُه، أو يكونُ المصدَرُ المؤَوَّلُ خَبَراً, والْمُبتدأُ محذوفٌ؛ أيْ: فجَزاؤُه الإكرامُ. وفي الآيةِ: فجزاؤُه الغُفرانُ والرحمةُ.
الرابعُ: أنْ تَقَعَ (إنَّ) بعدَ مُبتدأٍ هو في المعنى قولٌ، وخبرُ (إنَّ) قولٌ والقائلُ واحدٌ، نحوُ: أوَّلُ كلامِي أَنِّي أحْمَدُ اللهَ. فالفتْحُ على تأويلِ مَصْدَرٍ يَقَعُ خَبَرًا عن المبتدأِ، والتقديرُ: أوَّلُ كلامِي حَمْدُ اللهِ. والكسْرُ على جعْلِ الخبرِ جُملةً، ولا تَحتاجُ إلى رابِطٍ؛ لأنها نفْسُ المبتدأِ في المعنى كما تَقَدَّمَ في الابتداءِ.
وهذا معنى قولِه: (بعدَ (إذَا) فَجاءةٍ.. إلخ)؛ أيْ: نُمِي بمعنى: نُسِبَ إلى السابقينَ، ونُقِلَ عنهم الوجهانِ في همزةِ (إنَّ) إذا وَقَعَتْ بعدَ (إذا) الفُجائيَّةِ أو بعدَ قَسَمٍ لا لامَ بعدَه.
وكذا يَجُوزُ الوَجهانِ معَ (إنَّ) الواقعةِ بعدَ (فاءِ) الجزاءِ، كما يَطَّرِدُ الوجهانِ في كُلِّ مِثالٍ أَشْبَهَ قولَكَ: (خيرُ القولِ إِنِّي أَحْمَدُ), وقولُه: (فا الجَزَا) بالقصْرِ فيهما للضرورةِ.

(*) لعلها: فإذا أنَّ الضيفَ حاضرٌ.
(*) لعلها: فإنه.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
فتح, همزة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:45 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir