حسن الصياغة للشيخ: محمد ياسين بن عيسى الفاداني
(وأمَّا النداءُ) فهو طَلَبُ الإقبالِ(1) بِحَرْفٍ(2) نَائِبٍ مَنَابَ: أَدْعُو(3). وأدواتُهُ(4) ثَمَانٌ: يا، والهمزةُ، وأَيْ، وآ، وآي، وأَيَا، وهَيَا، ووَا.
فالهمزةُ وأَيْ(5) للقريبِ(6), وَغَيْرُهُمَا(7) للبعيدِ(8)، وقد يُنَزَّلُ البعيدُ مَنْزِلَةَ القريبِ, فَيُنَادَى بالهمزةِ، وأيْ إشارةٌ إلى أَنَّهُ لِشِدَّةِ استحضارِهِ في ذِهْنِ المُتَكَلِّمِ صارَ(9) كالحاضرِ مَعَهُ(10)، كقولِ الشاعرِ:
أَسُكَّانَ(11) نَعْمَانَ الأَرَاكِ(12) تَيَقَّنُوا = بِأَنَّكُمْ فِي رَبْعِ قَلْبِي(13) سُكَّانُ(14)
وقد يُنْزَّلُ القريبُ مَنْزِلَةَ البعيدِ, فَيُنَادَى بأَحَدِ الحروفِ الموضوعةِ لهُ(15)؛ إشارةً(16) إلى أنَّ المُنَادَى عَظِيمُ الشَّأْنِ رَفِيعُ المَرْتَبَةِ حتَّى كَأَنَّ بُعْدَ دَرَجَتِهِ في العِظَمِ عن درجةِ المُتَكَلِّمِ بُعْدٌ في المسافةِ(17)، كقولِكَ: أَيَا مَوْلاَيَ و(18) أَنْتَ مَعَهُ(19). أو إِشَارَةً إلى انحطاطِ درجتِهِ، كقولِكَ: أَيَا هَذَا. لِمَنْ هوَ مَعَكَ(20), أو إشارةً إلى أنَّ السامِعَ غَافِلٌ لنحوِ نَوْمٍ أو ذُهُولٍ(21) كأَنَّهُ غيرُ حاضِرٍ في المجلسِ، كقولِكَ للساهِي: أَيَا فُلاَنُ(22).
____________________
قال الشيخ محمد ياسين بن عيسىى الفاداني:
( 1) ( وَأَمَّا النداءُ فهو طَلَبُ الإقبالِ ) أي: طَلَبُ المُتَكَلِّمِ إِقْبَالَ المخاطَبِ حِسّاً أو مَعْنًى: فالأوَّلُ نحوُ: يا خالدٌ، والثاني نحوُ: يَا جِبَالُ, ويا سَمَاءُ.
( 2) ( بِحَرْفِ ) الباءِ لِلآلَةِ، سواءٌ كانَ ذلكَ الحرفُ مَلْفُوظاً أو مُقَدَّراً، نحوُ: ( {يُوْسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} )
( 3) ( نَائِبٍ مَنَابَ أَدْعُو ) يعني أنَّ مَفَادَ هذا الحرفِ وَمَدْلُولَهُ أَدْعُو، أَعْنِي: هذهِ الجملةَ المنقولةَ من الخبريَّةِ إلى الإنشائيَّةِ، وليس فيهِ دلالةٌ على طَلَبِ الإقبالِ، ولذا لا يُجْزَمُ الفعلُ بَعْدَهُ جَوَاباً، نعمْ، الإقبالُ مَطْلُوبٌ باللزومِ؛ لأَنَّ الإنسانَ إِنَّمَا يُدْعَى لِلإِقْبَالِ.
( 4) ( وَأَدَوَاتُهُ ) أي: صِيَغُ النداءِ.
( 5) ( ثَمَانٌ: يا، والهمزةُ، وأىْ، وآ، وآي، وأيا، وهَيَا، وواو)
( فالهمزةُ وَأَىْ ) مَوْضُوعَتَانِ
( 6) ( للقريبِ ) أي: لنداءِ القريبِ.
( 7) ( وَغَيْرُهُمَا ) أي: الستةُ الباقيَةُ.
( 8) ( للبعيدِ ) أي: لِنِدَائِهِ.
( 9) ( وقد يُنَزَّلُ البعيدُ منزلةَ القريبِ, فَيُنَادَى بالهمزةِ وأي, إِشَارَةً إلى أنَّهُ لِشِدَّةِ استحضارِهِ فِي ذِهْنِ المُتَكَلِّمِ صَارَ كَـ )
( 10) المشهودِ ( الحَاضِرِ مَعَهُ ) لا يَغِيبُ عن القلبِ، وَكَأَنَّهُ مَاثِلٌ أَمَامَ العَيْنِ.
( 11) ( كقولِ الشاعرِ: أَسُكَّانَ ) بضمِّ السينِ المُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الكافِ جَمْعُ سَاكِنٍ، والهمزةُ للنداءِ.
( 12) ( نَعْمَانَ الأَرَاكِ ) بِفَتْحِ النونِ: وادٍ بينَ مَكَّةَ والطائفِ, وَيخْرُجُ إلى عَرَفَاتٍ.
( 13) ( تَيَقَّنُوا * بِأَنَّكُمْ فِي رَبْعِ قَلْبِي ) الرَّبْعُ بِفَتْحِ الراءِ وَسُكُونِ الموحَّدةِ: مَحَلَّةُ القومِ وَمَنْزِلُهُمْ، أي: حَوَالي قَلْبِي
( 14) ( سُكَّانُ ) أي: نُزَلاَءُ
( 15) ( وَقَدْ يُنَزَّلُ القريبُ مَنْزِلَةَ البَعِيدِ فَيُنَادَى بِأَحَدِ الحروفِ الموضوعَةِ لهُ ) وهو غيرُ الهمزةِ وأي
( 16) ( إِشَارَةً إلى أنَّ المنادَى عَظِيمُ الشأنِ رَفِيعُ المَرْتَبَةِ حتى كأنَّ بُعْدَ دَرَجَتِهِ ) أي: درجةِ المنادَى.
( 17) ( فى العِظَمِ عن درجةِ المُتَكَلِّمِ بُعْدٌ فِي المسافةِ ) أي: والمكانِ.
( 18) ( كَقَوْلِكَ: أَيَا مَوْلاَي و ) الحالُ.
( 19) ( أنتَ مَعَهُ ) للدلالةِ على أنَّ المُنَادَى عَظِيمُ القَدْرِ, رفيعُ الشأنِ.
( 20) ( أو إِشَارَةً إلى انْحِطَاطِ دَرَجَتِهِ، كقولِكَ: أيا هذا، لِمَن هو مَعَكَ ) للدلالةِ على أنَّ المنادَى مُنْحَطُّ الرُّتْبَةِ.
( 21) ( أو إشارةً إلى أنَّ السامعَ غَافِلٌ لِنَحْوِ نَوْمٍ أو ذُهُولٍ ) حَقِيقَةً، فَيَجْعَلُ كلَّ واحدٍ من النومِ والذهولِ بمنزلةِ البعدِ فِي إعلاءِ الصوتِ.
( 22) و ( كَأَنَّهُ غَيْرُ حَاضِرٍ فِي المَجْلِسِ، كَقَوْلِكَ للسَّاهِي: أَيَا فُلاَنُ ) وَيَبْدُو مِمَّا تَقَدَّمَ أنَّ يا موضوعةٌ لنداءِ البعيدِ، فلا تُسْتَعْمَلُ فِي القريبِ إلاَّ مَجَازاً، وهو مذهبُ الزمخشريِّ.
وقالَ ابنُ الحاجبِ: إِنَّهَا حقيقةٌ فِي القريبِ والبعيدِ؛ لاسْتِعْمَالِهَا فيهِمَا على السواءِ، ودعوى المجازِ فِي أحدِهِمَا خلافُ الأصلِ.
وعلى الأوَّلِ تُسْتَعْمَلُ فِي القريبِ بتنزيلِهِ منزلةَ البعيدِ، إمَّا لاستبعادِ الداعي نَفْسَهُ عن حالِ المنادَى كقولِنَا: يا اللهُ مع أنَّ اللهَ تعالى جَلَّ وَعَلاَ أقربُ إلينا من حَبْلِ الوَريدِ.
وإمَّا لاستعظامِ الأمرِ المدعُو لهُ حَتَّى كأنَّ المنادَى مُقَصِّرٌ فِي أمرِهِ غَافِلٌ عنهُ مع شِدَّةِ حِرْصِهِ على الامتثالِ، نحوُ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ} وَإِمَّا لِغَيْرِ ذَلِكَ.