تمهيد
أسلوب الشرط من الأساليب التي تكررت كثيراً في القرآن الكريم، وتعددت أغراضه البيانية، واشتملت مواضعه في القرآن على لطائف بديعة، وفوائد عجيبة، تفتح للمفسّر باباً عظيم النفع في استخراج المعاني والأوجه التفسيرية.
وأحبّ أن أنبّه إلى أنّ دراسة هذا الباب ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالقراءات والإعراب؛ ومعرفة القواعد النحوية في هذا الباب.
فلذلك ينبغي لدارس التفسير البياني أن يكون حسن العناية بهذه العلوم.
وحقيقة الشرط هي ترتيب جملة على جملة بأداة تفيد هذا الترتّب والتعليق؛ تسمى إحداهما جملة الشرط، والأخرى جواب الشرط، وتسمّى الأداة أداة الشرط.
وَتَعَلُّق جملة جواب الشرط بجملة فعل الشرط كتعلّق الخبر بالمبتدأ؛ لا يتمّ المعنى إلا بهما ذكراً أو تقديراً.
ففي قولك: إن تأتني أكرمْك.
"إن" أداة شرط.
و"تأتني" فعل الشرط.
و"أكرمْك" جواب الشرط.
فأفاد هذا التركيب تعليق الإكرام بالإتيان، ولو حذف جواب الشرط هنا لبقي الكلام غير تامّ يتطلَّب جزءاً يتمّ به.
وفي قول الله تعالى: {وإن تطيعوه تهتدوا}
{إن} أداة شرط.
{تطيعوه} فعل الشرط، مجزوم بحذف النون.
{وتهتدوا} جواب الشرط مجزوم بحذف النون.
فأفاد هذا التركيب تعليق الاهتداء بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وأنّ من لم يطع الرسول فليس بمهتدٍ.
فهذا هو الأصل في معنى الشرط، إلا أنّ الشرط قد يأتي لأغراض متعددة يتوصّل بها إلى معانٍ بيانية كثيرة.
ويتركّب من دلالات أدوات الشرط، وأغراض الشرط، وتراكيب جُملتي الشرط وجواب الشرط، والصيغ الصرفية لمفرداتهما أنواع كثيرة من الدلالات واللطائف البيانية.
أما دلالات الصيغ الصرفية للأسماء والأفعال فقد تقدّم الحديث عنها؛ وينبغي للدارس أن يستصحب في هذا الدرس ما درسه من تلك الدلالات.
وأما بقية المباحث فسيكون تفصيلها في هذا الدرس، والله المستعان وبه التوفيق.