دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الدعوة بالقرآن

 
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #2  
قديم 24 رمضان 1444هـ/14-04-2023م, 04:34 PM
الصورة الرمزية صفية الشقيفي
صفية الشقيفي صفية الشقيفي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 5,755
افتراضي



تفسير قول الله تعالى:
{ولهُ ما سَكَنَ في الليلِ والنَّهارِ وهو السميع العليم}[سورة الأنعام: 13]
هذه الآية على وجازة ألفاظها تحتمل معاني عظيمة جدًا تدل على عظمة بيان القرآن وهداه، وكيف جعله الله نورا ورحمة وبشرى للمؤمنين، كما تظهر وجها من وجوه عجز مشركي العرب على الإتيان بمثل القرآن، أو بسورة منه، رغم فصاحتهم، وكيف أن القرآن آية على صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه كلام الله عز وجل الذي لم يستطع معارضته أفصح أهل الأرض.
ويمكن تصنيف المعاني التي تحتملها هذه الآية بحسب معنى (ما) في قوله تعالى: {وله ما سكن} وتحتمل معنيين؛ أنها بمعنى الذي، وبمعنى المصدرية، وبيان هذا كما يلي:
المعنى الأول: {ما} بمعنى الذي:
أي أن الله عز وجل {له} أي له ملك كل مخلوق يسكن في الليل والنهار، وما من مخلوق إلا ويحتمل أن يكون ساكنًا في الأصل لا يتحرك، أو يكون متحركًا في أصله، وهذا لابد وأن تأتي عليه لحظة من ليل أو نهار يسكن فيها، فتبين بهذا أن الله عز وجل له ملك كل المخلوقات.
وتقديم الجار والمجرور على المبتدأ (ما سكن) يفيد الحصر.
أي أنه وحده من يملك جميع المخلوقات، وإذا كان يملكها فهو وحده المتصرف فيها، المدبر لأمورها، العليم بحركتها وسكونها.
وإذا استقر في نفوسنا هذا المعنى؛ علمنا أنه وحده من يملك دفع ضرها وأذاها عن العبد، ووحده من يملك أن يأتيهم بخيرها، فحقيقة النفع والضر بيد الله عز وجل.
فإذا أردت خيرًا وحبسه عنك خلق الله، ولم تنفع كل أسبابك في تحصيله، فينبغي أن يكون سؤالك وخضوعك لمن يملك الخلق، لا إلى مخلوق ضعيف لا يملك من أمره شيئا.
وإذا اشتدّ أذى الناس لك ولم تنفع كل أسبابك في دفع أذاهم عنك، فينبغي كذلك أن يكون خضوعك وتضرعك لله عز وجل لا إلى خلقه.
قال تعالى: {
وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس: 107]
وقال: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر: 2]


المعنى الثاني: {ما} مصدرية، وعليه يؤول معنى {ما سكن} إلى المصدر، ولهذا الفعل عدة مصادر منها:
- السكون ويأتي بمعنى ذهاب الحركة والخشوع والطمأنينة.
- والسكن ويأتي بمعنى ذهاب الحركة والراحة والهدوء والطمأنينة.
- والسكنى وهي المكان الذي يُسكن بلا كراء أي حاجة لدفع إيجار، فهو متضمن لمعنى الثبات والاستقرار.
- والسكينة وهي الوداعة والوقار والطمأنينة.
- والمسكنة وهي الفقر ومنه افتقار النفس.

والله عز وجل وحده هو من يستحق أن يفتقر العبد إليه، ويخضع له، وهو وحده من يملك أن يرزقه السكن والسكينة والسكنى.

والجمع بين هذه المعاني يفيد:
1. إذا أخلص العبد لله عز وجل في افتقاره إليه وخضوعه له، فهو موعود بأن يغنيه الله من فضله ويرزقه ما يرجوه من السكن والسكينة والسكنى، ويدفع عنه شر كل ذي شر ويأتيه بكل خير يرجوه حتى وإن تظاهر كل الخلق على حجبه عنه.
2. إذا أنعم الله على عبده وأعطاه من فضله، أو دفع عنه شرًا كان يؤذيه، فينبغي أن يعظم نعمة الله عليه، وتزيده افتقارًا وخضوعًا لله عز وجل، ولا يكون حاله كحال قارون الذي قال بعد ما أغناه ربه: {قال إنما أوتيته على علم عندي}
[القصص: 78]
وقوله تعالى: {فإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون}[الزمر: 49]
وكما قال تعالى: {ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولن هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رُجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى} [سورة فصلت: 50]
3. إذا أنعم الله على عبده وأعطاه من فضله، فينبغي أن يشكر نعمة الله عليه ويستعملها في طاعته، ويصبر نفسه عن التعلق بها من دون الله عز وجل، وهي فتنة يقع فيها كثير من الناس.
كما قال تعالى: {هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها فلما تغشاها حملت حملا خفيفا فمرت به فلما أثقلت دعوا الله ربهما لئن آتيتنا صالحا لنكونن من الشاكرين. فلما آتاهما صالحا جعلا له شركاء فيما آتاهما فتعالى الله عما يشركون}
[سورة الأعراف: 189-190]
وفي قراءة أخرى: {جعلا له شِركًا}

وأما مناسبة ختام الآية: {وهو السميع العليم}
فالله عز وجل هو الذي وسع سمعه كل الأصوات، لا يخفى عليه حركة متحرك، وصوت داع، وهمس الماكرين، والله عز وجل هو العليم الذي أحاط علمه بكل شيء فلا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
وهذا مناسب لما سبق من المعاني فمن علم أن الله أحاط سمعه بكل الأصوات وأحاط علمه بكل شيء؛ ازداد خشوعا وافتقارًا لله عز وجل، وصدق التوكل عليه في تحصيل ما ينفع ودفع ما يضر.
- قال تعالى: {ويقولون طاعة فإذا برزوا من عندك بيّت طائفة منهم غير الذي تقول والله يكتب ما يبيتون فأعرض عنهم وتوكل على الله وكفى بالله وكيلا} [سورة النساء: 81]
- وقال تعالى مخبرًا عن سماعه بتدبير قوم صالح لقتل نبيهم: {قالوا تقاسموا بالله لنُبيِّتنَّه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون. ومكروا مكرًا ومكرنا مكرًا وهم لا يشعرون} [سورة النمل: 49- 50]
- وقال تعالى: {ولا يُحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} [سورة البقرة: 255]
- وقال تعالى: {الله الذي خلقَ سبع سماوات ومن الأرضِ مثلهنّ يتنزَّل الأمر بينهن لتعلموا أنَّ الله على كل شيء قدير وأنَّ الله قد أحاطَ بكل شيء علمًا} [سورة الطلاق: 12]
- عن أبي موسى، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: «اربعوا على أنفسكم، فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا، تدعون سميعا بصيرا قريبا»، ثم أتى علي وأنا أقول في نفسي: لا حول ولا قوة إلا بالله، فقال لي: «يا عبد الله بن قيس، قل لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها كنز من كنوز الجنة، - أو قال ألا أدلك به -». رواه البخاري.
- قال الأعمش، عن تميم بن سلمة، عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة: " تبارك الذي ‌وسع ‌سمعه ‌كل ‌شيء، إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه، وهي تشتكي زوجها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله} [المجادلة: 1]". رواه ابن ماجة، وصححه الألباني.


وبعبارة مختصرة يمكنك قول أن هذه الآية تدل على معنى: "الله عز وجل وحده من يستحق أن يصرف العبد إليه سكون جوارحه وقلبه ومسكنته وافتقاره ومنه وحده ينال العبد سَكَنه وسكينته وسكناه ووحده يملك التصرف في كل الخلق يدفع عنه ضرهم ويأتيه بخيرهم يسمع دعواته وما خفي عنه من مكر الماكرين وأحاط علما بكل شيء؛ بحاجة العبد وسؤله وبما في قلب عبده من صدق الافتقار إليه والخضوع له، وبما يمكر به".
ولعل عطف قوله تعالى: {وهو السميع العليم} على قوله: {وله ما سكن في الليل والنهار} وعطف الآية كلها على الآية قبلها، ليفيد أن كل معنى من هذه المعاني كافٍ لأن يقوم في قلب العبد إفراد الله عز وجل بالعبودية ومنها الخشوع له والتوكل عليه، والله أعلم.

فكيف لمن وقر في قلبه هذه المعاني أن يتخذ من دون الله وليا يزعم أن بإمكانه تدبير أمره ونصره ؟!
وكيف يعصي الله ؟!
وكيف يخاف مكر عباده والله وحده هو القاهر فوق عباده ؟!
وكيف لا يكتفي بالله شهيدًا ووكيلا ويقبل على أمر ربه خاشعا صادقًا مخبتا ؟!
وإذا تبين هذا المعنى علمت مناسبة هذه الآية لما بعدها من الآيات، كما أمر الله عز وجل نبيه أن يقول في الآيات التالية: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (14) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (16) وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (17) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (18) قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآَنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آَلِهَةً أُخْرَى قُلْ لَا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (19)}


والحمد لله رب العالمين.


رد مع اقتباس
 

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 12:49 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir