دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 19 محرم 1441هـ/18-09-2019م, 12:49 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف غير متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,790
افتراضي المجلس الرابع: مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج


خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

تعليمات:
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________
وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 21 محرم 1441هـ/20-09-2019م, 01:30 AM
علاء عبد الفتاح محمد علاء عبد الفتاح محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 599
افتراضي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج


خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وفي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
==تخريج هذا القول:
-هذا القول رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن سفيان عن عاصم عن زر بن حبيش بهذا اللفظ
- وَأخرجه َعبد بن حميد عن زر بن حبيش كما في الدر المنثور للسيوطي.

==توجيه هذا القول
أن معنى الآية على قراءة (الظاء) هي بمعنى متهم، أي وما محمد صلى الله عليه وسلم بمتهم على الغيب وهو القرآن بل قد بلغه كما وصله صلوات الله وسلامه عليه
ووجدت في بعض كتب اللغة أن معنى ظنين: ضعيف
وعلى قراءة (الضاد) هي بمعنى بخيل، وفي معنى ما بخل به قولان:
أحدهما: أي وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل على أمته بشيء من القرآن الذي أنزله الله عليه، بل هو صلى الله عليه وسلم حريص على تبليغهم كل ما أوحي إليه منه.(وهذا تأويل أغلب من نقلنا عنه)
الآخر: أي وما محمد صلى الله عليه وسلم ببخيل على أمته بشيء من الوحي الذي أوحاه الله إليه وهذا يدخل فيه القرآن والسنة (وهذا القول نسبه الماتريدي عن أبي بكر الأصم)


==الترجيح
-وجدت خلال البحث أن ابن جرير الطبري قد رجح واختار القراءة (بالضاد) معللا ذلك بأنها المثبتة في المصاحف فقال:
وأولى القراءتين في ذلك عندي بالصواب: ما عليه خطوط مصاحف المسلمين متفقة، وإن اختلفت قراءتهم به، وذلك (بِضَنِينٍ) بالضاد، لأن ذلك كله كذلك في خطوطها. فإذا كان ذلك كذلك، فأولى التأويلين بالصواب في ذلك: تأويل من تأوّله، وما محمد على ما علَّمه الله من وحيه وتنزيله ببخيل بتعليمكموه أيها الناس، بل هو حريص على أن تؤمنوا به وتتعلَّموه.) ا.ه

-وقد وجدت عن الماتريدي نقلا عن أبي عبيد أنه اختار القراءة بالظاء فقال: (قال أبو عبيد: والظنين أولى؛ لأن الظنين هو المتهم، والضنين: البخيل، ولم ينسب أحد رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى البخل حتى ينفي عنه البخل بهذه الآية، وقد كانوا يتهمونه على الغيب، وهو القرآن، فكانوا يقولون: علمه بشر، وليس من عند اللَّه، ويقولون - أيضا -: إن هذا إلا إفك افتراه)

-وقد نبهنا شيخنا أن القراءات لا يرجح بينها إن كانت ثابتة فكل منها يصح أن يبين به معنى الآية، وعليه فإن الآية على القراءة المثبتة في المصاحف وهي بالضاد يكون لها معنى بخيل ، وعلى القراءة التي قرأ بها بعض الصحابة وهي بالظاء يكون لها معنى متهم وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي.

ووجدت هذا عند ابن كثير بعد ذلك حيث قال بعد ذكر القراءتين ومعنى الآية على كل معنى : "وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم" ا.ه

===================================================================

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).

==تخريج هذا القول:
-هذا القول رواه ابن جرير الطبري في تفسيره عن ابن المثنى وعبد الحميد بن بيان السُّكري كلاهما عن ابن عدي عن داود عنه
ورواه أيضا عن محمد بن بشار عن أبي عاصم عن سفيان عن داود عنه بلفظ قريب.
ورواه أيضا عن عمار عن ابن أبي جعفر عن أبيه عن داود بن أبي هند عنه بلفظ قريب.

==توجيه هذا القول:
أن معنى الآية على هذا القول هو أن الله سبحانه وتعالى يخبرنا عن اليهود والنصارى الذين كانوا مؤمنين وكفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثم ازدادوا كفرا بالذنوب لن تقبل توبتهم من هذه الذنوب لإقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم.

==أقوال أخرى في معنى الآية:
=القول الثاني:
أن معنى قوله "إنّ الذين كفروا" أي ببعض أنبيائه الذين بعثوا قبل محمد صلى الله عليه وسلم والمقصود بهم اليهود كفروا بعيسى وبالإنجيل "بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرًا" بكفرهم بمحمد، فهؤلاء "لن تقبل توبتهم" عند حضور الموت لإقامتهم على الكفر.
هذا القول رواه ابن جرير في تفسيره عن الحسن وقتادة.

=القول الثالث:
قيل إن الآية عامة في جميع من كفر بنبيه ثم ازداد كفرا حتى مات علي الكفر فلن ينفعه الإيمان الأول لكفره الآخِر.
هذا القول رواه ابن جرير في تفسيره عن القاسم عن الحسين عن حجاج، عن ابن جريج، عن عكرمة
=القول الرابع:
وقيل إن الزيادة في الكفر هو أنهم ماتوا عليه
وهذا القول رواه الطبري عن السدي

==الترجيح
أما القول الثالث والرابع فإنه يقال فيها كيف ستكون التوبة المذكورة في الآية وهل يقال فيها أنها ستقبل أو لا تقبل بعد الموت، ومن المتقرر أنه ينقطع عمل العبد بموته، وأما في الحياة فإن التوبة تقبل حتى من الكافر فلو اقترب موته وتاب من كفره فإن توبته تقبل.
قال الطبري: (فإذْا صحّ أنها في حال حياته مقبولة، ولا سبيلَ بعد الممات إليها، بطل قولُ الذي زعم أنها غير مقبولة عند حُضُور الأجل)

وأما القول الأول والثاني فبعد البحث وجدت
أن الطبري رحمه الله قد اختار القول بأن المراد بالآية اليهود الذين كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم فلن تقبل توبتهم من الذنوب التي يتوبون منها لإقامتهم على الكفر، وقال عن هذا القول أنه أولى الأقوال عنده بالصواب
-وهذا القول يظهر لي أنه جمع بين القول الأول وهو قول أبي عالية الرياحي والقول الثاني المنقول عن قتادة والحسن.
-وإنما اختار هذا القول لأن سياق الآيات هي في الكلام على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، واختار أن الزيادة مقصود بها شيء غير الكفر الأول لذلك لن يقبل الله التوبة من هذه الزيادة لوجود الكفر الأول المانع منها وقال بعد كلام طويل:
(فالذي لا يَقبل منه التوبة، هو الازدياد على الكفر بعد الكفر، لا يقبل الله توبة صاحبه ما أقام على كفره، لأن الله لا يقبل من مشرك عملا ما أقام على شركه وضلاله. فأما إن تاب من شركه وكفره وأصلح، فإنّ الله - كما وصف به نفسه - غفورٌ رحيمٌ.) ا.ه.

==================================================================

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
==تخريج هذا القول
هذا القول رواه الطبري عن ابن بشار عن يحيى وعبد الرحمن، وعن المثنى عن أبو دكين ثلاثتهم عن سفيان عن أبي بكير عنه.
"أبو بكير التيمي"، مؤذن لتيم، واسمه "مرزوق". روى عن سعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد. وروى عنه ليث بن أبي سليم، وإسرائيل، وسفيان الثوري، وشريك

==أقوال أخرى في المقصود "بالصاحب بالجنب"
=القول الثاني:
قيل أن المقصود به امرأة الرجل التي تكون معه إلى جنبه.
هذا القول رواه الطبري عن علي وابن مسعود رضوان الله عليهما
وعن الحسن وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى كما في الدر المنثور
=القول الثالث:
وقال آخرون: هو الذي يلزمك ويصحبك رَجاء نفعك
هذا القول رواه الطبري عن ابن عباس وابن زيد

==الترجيح بين الأقوال:
هذه الأقوال الثلاثة التي قيلت في المراد بالصاحب بالجنب كلها يصح بها تأويله فإن المعنى "بالجنب" هو من كان بجانبك قريبا منك، وكل المذكورين ينطبق عليهم هذا الوصف فالصاحب في السفر هو قريب منك وكذلك المرأة وكذلك من يلازمك رجاء نفعك ولا يوجد دليل على تخصيص أحدهم دون الآخر لذلك يكون مأمورا بالإحسان إليهم كلهم.

============================================================================
4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
==تخريج هذا القول
أخرجه ابن جرير الطبري عن الحسين عن حجاج عن ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد عنه

==وقيل في معنى الآية أيضا:
=القول الثاني:
المراد تعلمهم القرآن وقراءته
روى هذا القول الطبري عن أبي جعفر
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل عن جابر عن أبي جعفر.

=القول الثالث:
المراد أهل الذكر
روى هذا القول الطبري عن إبراهيم النخعي ورواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في الدر المنثور
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج عن وكيع عن سفيان عن مغيرة عن إبراهيم النخعي


=القول الرابع:
المراد بدعائهم ربّهم، عبادتهم إياه
روي هذا عن الضحاك كما عند الطبري
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي صالح عن معاوية بن أبي صالح عن علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس

==الترجيح:
لفظ الدعاء يرد ويقصد به العبادة كلها كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال : "الدعاء هو العبادة"
وكل الأقوال المذكورة هي من العبادة فمنها هو قولي كالذكر وقراءة القرآن ومنها ما هو فعلي وقولي كالصلاة
وعليه فكل هذه الأقوال قد يوصف بها القوم فلا نخصص منها شيء دون شيء.

===========================================================================

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء)
==تخريج هذا القول:
هذا القول رواه ابن جرير الطبري عن يعقوب عن ابن علية عن الحجاج بن أبي عثمان عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي.
وفرقد السبخي ليس بثقة
وأخرجه سعيد بن منصور وأبو الشيخ أيضا عن فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي كما في الدر المنثور.

==وقيل في معناها
أن معنى المراد بسوء الحساب المناقشة في الأعمال
وهذا القول رواه ابْن أبي شيبَة وَابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن أبي الجوزاء رضي الله عنه كما في الدر المنثور
توجيه هذا القول
هذا القول مبني على قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث: "من نوقش الحساب هلك"
=وقيل معناه التقريع والتوبيخ
وهذا القول حكاه ابن عيسى كما ذكر الماوردي في تفسيره
=وقيل معناه أن الله لا يقبل لهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة
ذكر هذا القول الماوردي والقرطبي في تفسيريهما ولم ينسباه لأحد.

==الترجيح
هذه الأقوال كلها مما يدخل تحت سوء الحساب لوجود الأدلة عليها وهي راجعة إلى قولين:
=أحدهما: عدم مغفرة الذنوب والمؤاخذة عليها جميعا،
=والآخر: في مناقشة الحساب الذي به يكون الحساب العسير فيدخل فيه أن يكون فيه تقريع وتوبيخ وقد ينتهي بسوء العاقبة بالعذاب الأليم.

والله أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 21 محرم 1441هـ/20-09-2019م, 09:53 PM
نورة الأمير نورة الأمير غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز - مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 749
افتراضي

: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
تخريج القول:
رواه ابن جرير من ثلاثة طرق عن سُفيانُ، عنْ عاصِمٍ، عنْه.
وأخرجه عبد بن حميد عنه, كما ذكر السيوطي.
تحرير المسألة:
فيما يخص القراءات, فقد قرئت بـ:
"بظنين". كما روى ابن وهب وابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرؤها -وروي عنه بالقراءة الأخرى-, وكما روى عبدالرزاق عن مجاهد أنه سمع ابن الزبير يقرؤها, وروى كذلك عن ابن الزبير أن رسول الله كان يقرؤها كذلك, وأخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ في الأفرادِ والحَاكِمُ وصحَّحه وابنُ مَرْدُويَهْ, والخطيبُ في تاريخِه عن عائشةَ, أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ كانَ يَقْرَؤُها كذلك, كما ذكر السيوطي, وأخْرَجَ سعيدُ بنُ منصورٍ وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن ابنِ مَسْعُودٍ قراءته لها كذلك, كما ذكر السيوطي, وروى ابن جرير أن سعيد بن جبير كان يقرؤها, وروى الفراء عن ورقاء أنه يقول: نحن نقرؤها "بظنين". وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو والكسائي, كما ذكر القسطلاني. وقراءة بعض المكيين والبصريين والكوفيين, كما ذكر ابن جرير, ورجّح أبو عبيدة قراءة الظّاء مشالةً؛ لأنّ قريشاً لم تبخّل محمّداً صلّى اللّه عليه وسلّم فيما يأتي به، وإنما كذّبته، فقيل: ما هو بمتّهمٍ.
ومعنى ظنين: متهم. قاله سفيان بن عيينة, كما رواه ابن وهب, ومغيرة, وإبراهيم النخعي, كما رواه عبدالرزاق وابن جرير, وقال بذلك البخاري, والعيني, والقسطلاني, والطبري, وابن عباس, وسعيد بن جبير, والضحاك, كما ذكر ابن جرير, وقال به ابن عطية, وابن كثير. ومن أهل اللغة: الفراء, وأبو عبيدة, والأخفش, و واليزيدي, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, وسيبويه, والمبرد, والأنباري.
وقدْ تَأَوَّلَ بعضُ أهلِ العربيَّةِ أنَّ معناهُ: وما هوَ على الغَيْبِ بضعِيفٍ، ولَكِنَّهُ مُحْتَمِلٌ لهُ مُطِيقٌ. ووَجْهُهُ إلى قَوْلِ العرَبِ للرجلِ الضعيفِ: هوَ ظَنُونٌ. كما ذكر الطبري والفراء.
والقراءة الثانية:
"بضنين". كان يقرؤها ابن عباس, وابن مسعود, كما روى عبدالرزاق, وعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ, كما ذكر العيني, وزيد بن ثابت, كما ذكر الفراء, وابن زيد, وأهل الكوفة, كما ذكر الطبري, وأخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وابنُ مَرْدُويَهْ, عن ابنِ الزُّبَيْرِ: أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ- كانَ يَقْرَؤُهَا: (وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بظَنِينٍ). وفي لفظٍ: {بضَنِينٍ} بالضَّادِ. كما ذكر السيوطي, وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عن هِشَامِ بنِ عُرْوَةَ قَالَ: كانَ أَبِي يَقْرَؤُها: (وَمَا هُوَ عَلَى الغَيْبِ بظَنِينٍ). فقيلَ لَه في ذلك. فقَالَ: قَالَتْ عائشةُ: إنَّ الكُتَّابَ يَخْطِئُونَ في المَصَاحِفِ. كما ذكر السيوطي, وأخْرَجَ عَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ عن عَطَاءٍ قَالَ: زَعَمُوا أنَّها في المَصَاحِفِ وفي مُصْحَفِ عُثْمَانَ: {بضَنِينٍ}, كما ذكر السيوطي, أخْرَجَ أبو عُبَيْدٍ وابنُ المُنْذِرِ, عَنْ مُجَاهِدٍ وهارونَ قَالَ: في حَرْفِ أُبَيِّ بنِ كَعْبٍ: {بضَنِينٍ}؛ يَعْنِي بالضادِ. كما ذكر السيوطي.
ومعنى ضنين: بخيل. قاله سفيان بن عيينة, كما رواه ابن وهب والطبري, ومغيرة, وإبراهيم النخعي, كما روى عبدالرزاق والطبري, والبخاري, والثعلبي, كما ذكر العيني, والقسطلاني, والسندي, والطبري, وروى ذلك عن مجاهد, وقتادة, وابن زيد, وقال به ابن عطية وابن كثير. وقال به من أهل اللغة: الفراء, وذكر: أنه حسن. وأبو عبيدة, والأخفش, واليزيدي, وابن قتيبة, والزجاج, وغلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب, والسكري, والأنباري.

وقد روى ابن وهب أن إنسانا سأل عبد الرحمن الأعرج عن قول الله: {وما هو على الغيب بضنينٍ}، أو ظنينٍ، فقال عبد الرحمن: ما أبالي بأيهما قرأت.
بل وروى عن سفيان قوله: أن تفسير ضنين وظنين سواء، ويقول ما هو بكاذبٍ، وما هو بفاجرٍ.
والصحيح أن كلا القراءتين متواترة صحيحة, كما ذكر ابن كثير, لكن أولى القراتين بالصواب كما ذكر ابن جرير:
(ما عليهِ خُطُوطُ مصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً، وإِن اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهم بهِ، وذلكَ {بِضَنِينٍ} بالضادِ؛ لأنَّ ذلكَ كلَّهُ كذلكَ في خُطُوطِهَا. فإذا كانَ ذلكَ كذلكَ، فَأَوْلَى التأويلَيْنِ بالصوَابِ في ذلكَ تأويلُ مَنْ تأوَّلَهُ: وما مُحَمَّدٌ على ما عَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْ وَحْيِهِ وتَنْزِيلِهِ بِبَخِيلٍ بتَعْلِيمَكُمُوهُ أيُّها الناسُ، بلْ هوَ حريصٌ على أنْ تُؤْمِنُوا بهِ وتَتَعَلَّمُوهُ).

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
تخريج القول:
رواه الطبري من طريقين, وابن أبي حاتم عن داود، قال: سألت أبا العالية, وذكر قوله.
تحرير المسألة:
الأقوال في المسألة:
الأول: عنى اللّه عزّ وجلّ بقوله: {إنّ الّذين كفروا} أي ببعض أنبيائه الّذين بعثوا قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم بعد إيمانهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} بكفرهم بمحمّدٍ {لن تقبل توبتهم} عند حضور الموت وحشرجته بنفسه. قال به الحسن وقتادة.
الثاني-وهو قول أبي العالية-: عنى ذلك أنّ الّذين كفروا من أهل الكتاب بمحمّدٍ بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} يعني ذنوبًا {لن تقبل توبتهم} من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون. ورجحه الطبري.
الثالث: أنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، {ثمّ ازدادوا كفرًا}، يعني بزيادتهم الكفر تمامهم عليه حتّى هلكوا وهم عليه مقيمون، لن تقبل توبتهم: لن تنفعهم توبتهم الأولى، وإيمانهم لكفرهم الآخر وموتهم. قال به مجاهد وابن جريج.
الرابع: معنى قوله: {ثمّ ازدادوا كفرًا} ماتوا كفّارًا، فكان ذلك هو زيادتهم من كفرهم. وقالوا: معنى {لن تقبل توبتهم} لن تقبل توبتهم عند موتهم. قال به السدي وابن كثير.
الخامس: أن تكون إشارة إلى قوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه قوماً [آل عمران: 86] فأخبر عنهم أنهم لا تكون لهم توبة فيتصور قبولها. قال ابن عطية: هذا القول محتمل عندي.
وقد يؤكد هذا القول ما رواه البزار عن ابن عبّاسٍ؛ أنّ قومًا أسلموا ثمّ ارتدّوا، ثمّ أسلموا ثمّ ارتدّوا، فأرسلوا إلى قومهم يسألون لهم، فذكروا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فنزلت هذه الآية: {إنّ الّذين كفروا بعد إيمانهم ثمّ ازدادوا كفرًا لن تقبل توبتهم} هكذا رواه، وإسناده جيّدٌ. كما ذكر ابن كثير, إلا أن السيوطي قال هذا خطأ من البزار.
والحق أن الأقوال كلها قد تقبل, والاختلافات بينها تكاد تكون طفيفة, فبعضها مثلا خصص "ازدادوا كفرا" بمحمد, وبعضها جعلها عامة في الذنوب, وبعضها جعلها بمعنى الاستمرارية على الكفر, وبعضها بمعنى الموت عليه, وقوله "لن تقبل توبتهم" بعضهم فسرها بعند الموت, والبعض بمعنى التوبة من الذنوب دون الإيمان بمحمد, والمراد أن كل هذه المعاني التي تدور عليها الأقوال صحيحة, وقول ابن عطية له شاهد في القرآن وهو ما ورد من قصة أبي لهب, فقد يعين الله أشخاصا بالكفر وعدم قبول التوبة لعلمه سبحانه بعدم توبتهم وختام حياتهم على ذلك, لكني مع ذلك قد أستبعده لعدم وجود قول لمتقدمي السلف بمثله, إذ يصعب أن يكون المعنى ما ذكره ابن عطية دون أن يشير إليه السلف, ويذكروه في سبب النزول, والحديث الذي رواه البزار خطأه السيوطي.
وقد يترجح قول أبي العالية لما ذكره لطبري: "لأنّ الآيات قبلها وبعدها فيهم نزلت، فأولى أن تكون هي في معنى ما قبلها وبعدها إذ كانت في سياقٍ واحدٍ.
وإنّما قلنا: معنى ازديادهم الكفر ما أصابوا في كفرهم من المعاصي؛ لأنّه جلّ ثناؤه قال: {لن تقبل توبتهم} فكان معلومًا أنّ معنى قوله: {لن تقبل توبتهم} إنّما هو معنيّ به: لن تقبل توبتهم ممّا ازدادوا من الكفر على كفرهم بعد إيمانهم، لا من كفرهم؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره وعد أن يقبل التّوبة من عباده، فقال: {وهو الّذي يقبل التّوبة عن عباده} [الشورى].
فإن قال قائلٌ: وما ينكر أن يكون معنى ذلك، كما قال من قال: فلن تقبل توبتهم من كفرهم عند حضور أجله، وتوبته الأولى؟
قيل: أنكرنا ذلك؛ لأنّ التّوبة من العبد غير كائنةٍ إلاّ في حال حياته، فأمّا بعد مماته فلا توبة، وقد وعد اللّه عزّ وجلّ عباده قبول التّوبة منهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، ولا خلاف بين جميع الحجّة في أنّ كافرًا لو أسلم قبل خروج نفسه بطرفة عينٍ أنّ حكمه حكم المسلمين في الصّلاة عليه والموارثة، وسائر الأحكام غيرهما".

3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
تخريج القول:
رواه عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن الثوري عن أبي بكير عنه.
ورواه سفيان [الثوري] عن مورقٍ أو مرزوقٍ مولى الشّعبيّ عنه.
تحرير المسألة:
القول الأول -وهو قول سعيد-: الرفيق في السفر. قال به زيد, فيما رواه ابن وهب وابن أبي حاتم عنه, ومجاهد فيما رواه عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم, وابن عباس, وابن مسعود, وقتادة, والسدي, والضحاك, فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم, وعكرمة, فيما رواه ابن أبي حاتم, وابن كثير. ومن أهل اللغة: أبو عبيدة, واليزيدي, وابن قتيبة, والزجاج, ومكي بن أبي طالب.
القول الثاني: امرأة الرجل. قال به النخعي, فيما رواه عبدالرزاق وسعيد بن منصور وابن جرير, وأبو الهيثم, وابن مسعود, فيما رواه الثوري وابن جرير وابن أبي حاتم, وعلي, وابن عباس, وعبدالرحمن بن أبي ليلى, فيما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. ومن أهل اللغة: غلام ثعلب, ومكي بن أبي طالب.
والصواب -والله أعلم- أننا نأخذ الكلام على عمومه, فكل من صاحبك وكان بجانبك وجب في حقه الإحسان, وبذا ينطبق المعنى على ما ورد في الأقوال, فامرأة الرجل أولى بالإحسان لطول الصحبة والملازمة, ورفيق السفر كذلك لما يحيجه السفر من ملازمة لصاحبه واحتياج لإحسانه وتلطفه, لذا تجد لابن عباس -كما روى ابن جرير- مثلا قولا آخر ذكر فيه أن الصاحب بالجنب هو الذي يصاحبك ويلازمك, يطلق ذلك على عمومه, وكذلك ابن زيد, مما يؤكد أن ما ذكروه مسبقا كان على سبيل التمثيل. وبالعودة لأقوال أهل اللغة تجد المراد بالصاحب بالجنب هو: الرفيق. كما ذكر الفراء, وذكر الأخفش: أنه الذي بجانبك. وهذا القول بعموم المراد هو ما رجحه الطبري, واستدل كذلك بأحاديث نبوية تؤكد معناه, قال:
-حدّثنا سهل بن موسى الرّازيّ، قال: حدّثنا ابن أبي فديكٍ، عن فلان بن عبد اللّه، عن الثّقة، عنده: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان معه رجلٌ من أصحابه وهما على راحلتين، فدخل النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في غيضةٍ طرفاء، فقطع قصيلين أحدهما معوجٌّ والآخر معتدلٌ، فخرج بهما فأعطى صاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوجّ، فقال الرّجل: يا رسول اللّه بأبي أنت وأمّي، أنت أحقّ بالمعتدل منّي. فقال: كلاّ يا فلان، إنّ كلّ صاحبٍ يصحب صاحبًا مسئولٌ عن صحابته ولو ساعةً من نهارٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا سويد بن نصرٍ، قال: أخبرنا ابن المبارك، عن حيوة، قال: حدّثني شرحبيل بن شريكٍ، عن أبي عبد الرّحمن الحبليّ، عن عبد اللّه بن عمرٍو، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: إنّ خير الأصحاب عند اللّه تبارك وتعالى خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند اللّه خيرهم لجاره.

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج القول:
رواه الطبري عن ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب, وذكر قوله.
تحرير المسألة:
الأقوال في المسألة
قيل: الصلوات المكتوبة، قاله ابن عباس, والنخعي, ومجاهد, والضحاك, وقتادة, وابن عمر، كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
قيل: الذكر, قال به النخعي, ومنصور, كما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
وقال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشيا فأنكر ذلك ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما, كما ذكر ابن جرير وابن كثير.
وقيل: قراءة القرآن وتعلمه. قاله أبو جعفر, كما ذكره الطبري وابن أبي حاتم.
وقيل: العبادة. قال به الضحاك, كما رواه الطبري, وابن عباس, كما رواه ابن أبي حاتم, وقال به ابن كثير.
والصحيح أن الأقوال لا تتعارض, فكل ماورد عبادة, وكله من أشكالها وتمثلاتها, وقد يبين تعدد الأقوال للقائل الواحد صحة ما ذكرنا, وأن ما قد يذكر قد يكون على سبيل التمثيل, ولا يمنع أن تكون الصلوات المكتوبة على رأس تلك العبادات, فهي عبادة ودعاء وفرض من أهم المفروض, لكن الآية بلا شك ينطبق معناها على كل متعبد دعي إلى طرده, وفي هذا يقول الطبري: "الصّواب من القول في ذلك أن يقال: إنّ اللّه -تعالى- نهى نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم أن يطرد قومًا كانوا يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ، والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاً وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها من النّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلّها".

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).[/color]
تخريج القول:
رواه سعيد بن منصور عن سعيدٌ، قال: نا خلف بن خليفة، عن رجلٍ، عنه. (وفيه رجل مجهول الحال مما يضعف من درجته).
ورواه ابن جرير عن عقوب قال: حدّثنا ابن عليّة قال: حدّثني الحجّاج بن أبي عثمان قال: حدّثني فرقدٌ السّبخيّ قال: قال إبراهيم النّخعيّ, وذكر قوله.
تحرير المسألة:
الأقوال في هذه المسألة شبه مجمعة على قول النخعي, فقد قال بمثل قوله فرقد السبخي, فيما رواه سعيد بن منصور, وشهر بن حوشب, كما روى ابن جرير, وابن عطية, وابن كثير.
ويدل على صحة هذا القول حديث عائشة -رضي الله عنها-: من نوقش الحساب هلك ]أو عذب[.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 28 محرم 1441هـ/27-09-2019م, 03:33 PM
عقيلة زيان عقيلة زيان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: May 2011
المشاركات: 700
افتراضي

قال الله تعالى : ( وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ)

قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل

التخريج:

رواه الفراء في معاني القران من طريق قيس بن الربيع؛ ورواه الطبري من طريق سفيان؛ كلاهما عن عاصم عن زربن حبيش به ؛ ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي.

القراءات

لفظ "ضنين" قرئ بقرأتين:

الأولى: "ظنين" ..بالظاء المشالة؛وهي قراءة المكي والبصري والكسائي و رويس عن يعقوب من العشرة
ومن قرأ بالظاء من الصحابة : ابن مسعود ؛ابن عباس ؛وزيد بن ثابت؛ وابن عمر؛ وابن الزبير؛ وغيرهم.
و معنى "ظنين" متهم ؛ أي أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بمتهم في أن يكون كاذبا فيما يخبر به عن الغيب ..

.
الثانية : "ضنين"...بالضاد أخت الصاد وهى قراءة الباقين؛( نافع؛ وعاصم؛ و الشامي؛ وحمزة؛وأبو جعفر؛ وروح عن يعقوب ؛ وخلف العاشر)
ومعنى " ضنين" بخيل؛ أي ليس محمد ببخيل ببيان ما أوحي إليه وكتمانه؛بل يبثه ويبينه.


التوجيه:


وجه قراءة " ضنين" .
-أن هذه القراءة التي رسمت بها جميع مصاحف الأمصار .
من جهة اللغة :
يقال ضننت به أضن أي بخلت ؛ وفي كتاب العين: ضن: الضِّنُّ والضِّنَّةُ والمَضَنِةُ، كلُّ ذلك من الإِمساكِ والبُخْل اهـ
و قال ابن فارس في المقاييس : (ضَنَّ) الضَّادُ وَالنُّونُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى بُخْلٍ بِالشَّيْءِ." اهـ
.
.- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يبخل ببيان ما أنزل إليه من الوحي ؛ وما يخبر به من الأمور الغيبية فكل ما علمه بثه وعلمه ونشره..فليس شأنه وأمره مثل أمر علماء اليهود الذي كانوا يخفون كثيرا من التوراة على الناس فلا ينشرونه
وأيضا لم يكن يبخل بشيء علمه الله أن يعلمه أحد من الصحابة ؛ لم يفرق بينهم في التعليم ..كما يفعل ذلك بعض من فسدت نيته ؛وخبثته طويته من العلماء فيمتنعون عن تعليم طلبة العلم كل ما عندهم من العلم حتى لا يستغنى عنهم. أو كما يفعله الكهان يمتنعون من التعليم قصدا طلب المال و الحلوان قال أبو على الفارسي : ... يخبر بالغيب فيبينه ولا يكتمه كما يكتم الكاهن ذلك ويمتنع من إعلامه حتى يأخذ عليه حلوانا.اهـ
وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ الْقُرْآنُ غَيْبًا، فَأَنْزَلَهُ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ، فَمَا ضَنّ بِهِ عَلَى النَّاسِ، بَلْ بَلَّغه وَنَشَرَهُ وَبَذَلَهُ لِكُلِّ مَنْ أَرَادَهُ.
و قد تكرر هذا المعنى في عدد من آيات القران أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبخل في البيان والتعليم .
قال تعالى :{ { قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} .

وجه قراءة "ظنين" .

من اللغة:
أن "ظنين " من الظن بمعنى التهمة...أي مظنون. فعيل بمعنى مفعول ؛كما قالوا: مطبوخ وطبيخ.
يقال : ظننت زيدا في معنى اتهمته ، وليس من الظن الذي يتعدى إلى مفعولين
وتقول العرب " فلان عندي ظَنِين أي بمتهم ؛ ويقال لَا تجوز شَهَادَة ظَنين فِي وَلَاء.. .
قال ابْن السّكيت: ظننْته - اتّهَمته والظِنّة - التُهَمة وَرجل ظنين – متّهم.
وقد ورد هذا المعنى في لسان الصحابة :
.
حَدَّثَنَا مالكٌ أنَّه بَلَغَه أن عُمَرَ بنَ الخطابِ قال: لا تَجوزُ شَهادَةُ خَصْمٍ ولا ظَنينٍ" اهـ..أي متهم

-وفي مصنف عبد الرزاق عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنَادِيًا فِي السُّوقِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ، وَلَا ظِنِّينٍ» قِيلَ: وَمَا الظِّنِّينُ؟ قَالَ: الْمُتَّهَمُ فِي دِينِهِ

- أن قريشا لم تبخّل محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به وإنما كانوا يتهمونه على الغيب فقالوا { يقولون إنما يعلمه بشر } ؛وليس من عند الله ، ويقولون : { إن هذا إلا إفك افتراه } ؛ فبرّأه الله تعالى مما قالوا بقوله : وما هو على الغيب بظنين..أي ما هو بمتهم.
-
- ولو كان المراد البخل لقال بالغيب لأنه يقال: فلان ضنين بكذا وقلما يقال على كذا ...وتعقب أن "على " بمعنى "الباء"؛ أو يقال هو على التضمين ؛ ضمن " ضنين" معنى حريص.والحرص شدة البخل. أفاده ابن عاشور
وقد برأ الله عزوجل في كتابه نبيه أن يكذب في الوحي ؛ يزيد أو ينقص فيه... وما ذلك إلا لكمال أمانته .وذلك في عدد من الآيات
قال تعالى : {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45}.
"ظنين" بمعنى ضعيف
وقد ذكر الفراء أن لفظ "ظنين" ؛ قد يكون معناه : ضعيف
هو من قول العرب.: وَصْلُ فلان ظَنون، أَي ضعيف، ..و تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل : هو ظنون.

ولعل هذه لغة بعض قبائل العرب ؛
قال الفراء: سمعت بعض قضاعة يقول : ربما دلّك على الرأي الظنون ، يريد : الضعيف من الرجال . اهـ
وعليه يكون أصل قوله "وما هو على الغيب بظنين " أي ..وما هو على الغيب بظَنون، فقلَبوا الواو ياءً؛ ..وهو كما قالوا أيضا .: ماء شريب ، وشروب ، وقروني ، وقريني ،ناقةٌ طَعُوم وطَعِيم، للَّتي بين الغَثَّة والسَّمينة.
ومعنى الآية على هذا القول أن النبي صلى الله عليه وسلم ليس بضعيف على تحمل أعباء الوحي ؛تعلما وتعليما وصبرا ومصابرة .وجهادا؛ بل هو محتمل له مطيق.

.الترجيح
القراءتان سبعيتان متواترتان عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؛ فبأيهم قُرئ صح. فليس أحد القراءتين أولى بالقبول من الأخرى إذ كلاهما حجة مقبولة
فالنبي صلى الله عليه وسلم غير بخيل على الوحي يبذله ويدعو له ويعظ به؛ ويذكر به ويعلمه؛ لا كما يفعل بعض العلماء والكهان يبخلون بما عندهم من العلم بغية تحصيل النفع من مال أو جاه أو غير ذلك
وهو غير متهم على الوحي و على القران ؛فلا ينبغي أن يظن به الريبة ، لأن أحواله ناطقة بالصدق والأمانة ؛ فهو أمين عليه وعلى تبليغه كما أوحي إليه. .
وهو أيضا غير ضعيف على أداء مهام الرسالة؛ وتبليغ الوحي وتعليم القران والصبر عليه و الجهاد على ذلك وبذل الغالي و النفيس بل قد كمل في صفاته البشرية ؛العقلية؛ الجسمية الخلقية؛ والنفسية وبلغت غاياتها .
فالمعاني كلها صحيحة لا تعارض بينها والآية تتحملها جميعا
و في الصحيحين "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أَلاَ تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ، يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً».

-وقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَينة: ظَنِينٌ وَضَنِينٌ سَوَاءٌ، أَيْ: مَا هُوَ بِكَاذِبٍ، وَمَا هُوَ بِفَاجِرٍ.
وهذا ترجيح جماهير المفسرين
قال ابن كثير:.. قُلْتُ: وَكِلَاهُمَا مُتَوَاتِرٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ.

وقد رجح ابن جرير رحمه الله تعالى قراءة "ضنين" بحجة أن مصاحف الأمصار كلها اتفقت على رسم هذه اللفظة بالضاء لا بالظاء؛..والمعنى الذي بقراءة الظاء لا يصح إلا بصحة الرسم بالظاء..حتى لا يختل ركن من أركان القراءة الصحيحة..

ويمكن القول أن :
1. أن الأصل في نقل القران المشافهة والتلقي وليس الأصل في نقله الكتابة .قال ابن عاشور: فلا يقدح في قراءتهم كونُها مخالفة لجميع نسخ مصاحف الأمصار لأن تواتر القراءة أقوى من تواتر الخط إن اعتبر للخط تواتر .
2. - أن القراءة حجة بذاتها إذا ثبتت وجب قبولها.
3. ما ذُكر من شرط موافقة القراءة لما في مصحف عثمان لتكون قراءة صحيحة تجوز القراءة بها ، إنما هو بالنسبة للقراءات التي لم تُرْو متواترة.. قاله ابن عاشور
4. - ثبتت مرسومة بالظاء في مصحف عبد الله ابن مسعود كما ذكر ذلك علماء الرسم . (ذكره السخاوي في شرحه على العقلية و ذُكر أيضا في معجم الرسم العثماني )
5. -حتى لو أجمعت مصاحف الأمصار على رسمها " بالضاد " ضنين" ؛ لم يكن ذلك مخالفة؛ لأن الضاد والظاد لا يختلف خطهما في المصحف إلا بزيادة ألف. وبينهما تشابه قوي.
قال ابن عاشور:.. وقد اعتذر أبو عبيدة عن اتفاق مصاحف الإمام على كتابتها بالضاد مع وجود الاختلاف فيها بين الضاد والظاء في القراءات المتواترة ، بأن قال : « ليس هذا بخلاف الكتَّاب لأن الضاد والظاء لا يختلف خطهما في المصاحف إلا بزيادة رأس إحداهما على رأس الأخرى فهذا قد يتشابه ويتدانَى » اه .
و نص كلام أبي عبيد ذكره السخاوي في كتابه الوسيلة ثم عقب عليه بقوله :" صدق أبو عبيد رحمه الله تعالى ؛فإن الخط القديم على ما وصف.
6- هناك ألفظ رسمت على صورة واحدة وهى تحتمل عدة قراءات؛ ولم يقدح ذلك في صحة القراءة وتواترها
مثل لفظ الصراط ؛و لفظ المصيطرون ؛ فلفظ الصراط في كل المصحف رسم بالصاد ؛ وتقرأ بثلاث قراءات بالصاد خالصة ؛ وبالسين خالصة ؛ و بالصاد المشماة بالزاي..
قال الداني رحمه الله في المقنع " ..وحدثنا خلف بن حمدان قال حدثنا احمد بن محمد قال حدثنا علي قال حدثنا أبو عبيد إن مصاحف أهل الأمصار اجتمعت على رسم " الصرط " و " صرط " بالصاد قال أبو عمرو وكذلك رسموا " المصيطرون " و " بمصيطر " ورسموا " بضنين " في كوّرت بالضاد ابن المبارك عن حنظلة بن أبي سفيان عن عطاء قال زعموا أنها في مصحف عثمان رضي الله عنه " بضنين " بالضاد وبالله التوفيق. " اهـ

فخلاصة القول قراءة " ظنين" .متواترة إلى رسول الله بالسند الصحيح ؛ وذكرها ابن مجاهد؛ ولها وجه في اللغة ؛ وهى توافق الرسم ولو احتمالا

والعلم عند الله



********************************


*
قال الله تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)} [آل عمران: 90]

سبب نزول الآية:

قالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَزِيع، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيع، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ أَنَّ قَوْمًا أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا ثُمَّ ارْتَدُّوا، فَأَرْسَلُوا إِلَى قَوْمِهِمْ يَسْأَلُونَ لَهُمْ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ}... قال ابن كثير هَكَذَا رَوَاهُ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ . هذا خطأ من البزار
-نقل ابن حجر في العجاب عن ابن الكلبي أنها: "نزلت في الأحد عشر رفقة الحارث بن سويد لما رجع الحارث قالوا: نقيم بمكة ما بدا لنا فمتى أردنا رجعنا فنزل فينا ما نزل في الحارث، فلما افتتحت مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلت توبته ونزلت فيمن مات منهم كافرا هذه الآية". وذكر مقاتل نحو ذلك


ورد في معنى الآية أقوال:

القول الأول .هم اليهود والنصارى كفرا بأنبيائهم ثم ازدادوا كفرا بمحمد لن تقبل توبتهم عند الموت وهو قول قتادة والحسن..وفي بعض الروايات تخصيص اليهود بالذكر... والمراد اليهود كفروا بالمسيح والإنجيل ثم ازدادوا كفرا بمحمد و القران لن تقبل توبتهم عند الموت وهو قول عطاء الخرساني وقتادة والحسن

-وقيل كفروا بعد إيمانهم أي كفروا بمحمد بعد إيمانهم به قبل مبعثه

-وقيل المراد به الكفار عموما كفروا واستمروا على كفرهم حتى حضور الموت فلن تقبل توبتهم عند موتهم إذا تابوا.
وهو قول السدي
-وقيل كفروا بعد إيمانهم أي بعد إقرارهم بأن الله خالقهم ؛ثم تموا على كفرهم لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا تابوا وهو قول مجاهد

توجيه القول:
وهذا القوم يحمل على أن :
- المراد ب "كفروا بعد إيمانهم" .الكفر بعد تحقق الإيمان
و المراد ب" ازدادوا كفرا " ضم كفر إلى كفره..أو المراد به استمروا على الكفر وأصروا ؛وثبتوا عليه..ذلك أن التائب راجع عن الكفر ومن لم يتب مستمر يزداد كفرا بعد كفر.

- والمراد ب "لن تقبل توبتهم " أن التوبة على ظاهره بمعنى أنه قد تقع منهم توبة؛ لكن ليست التوبة التي تقبل لفقدها شرط من شروط التوبة وصور ذلك :
- أنهم لا يتوبون إلا عند حضور الموت ، والتوبة حينئذٍ لا تقبل لقوله تعالى :{ وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن }[ النساء :18 ]
- وقيل : هي محمولة على ما إذا تابوا باللسان لا عن الإخلاص . ..توبة معراة عن الصدق والإخلاص
-وقيل : " هي محمولة " إذا تابوا من كفرهم إلى كفر آخر ، وإنما تقبل توبتهم إذا تابوا إلى الإسلام .
وقيل؛ هي محمولة على التوبة بعد الموت

القول الثاني :هم الكفارجميعا، كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثم ازدادوا كفرا}، أي أقاموا على كفرهم حتى هلكوا عليه. "لن تقبل توبتهم " أي لا تنفعهم توبتهم الأولى وإيمانهم أول مرة لكفرهم وموتهم ..وهو قول ابن جريج؛
توجيه القول:.
وجه هذا القول أن:
- المراد ب."
كفروا بعد إيمانهم" ؛ كفر بعد إيمان
- المراد بازدياد الكفر الإصرار على الكفر والثبات عليه فكفرهم في تزايد لا نقص فيه..لأن النقص في الكفر لا يتصور إلا مع توبة.
-و المراد بقوله " لن تقبل توبتهم " التوبة التي كانوا عليها قبل أن يكفروا ؛ فهذه التوبة لا تقبل لأن الكفر قد أحبطها .

القول الثالث :

المراد بهم أناس بأعيانهم .. قوم ارتدوا ثم عزموا على إظهار التوبة على طريق التورية ، فأطلع الله نبيه على سريرتهم ، وهذا قول ابن عباس...لما رواه البزار. كما في سبب نزول الآية .. أو المراد بهم أصحاب الحرث بن سويد .لما رواه ابن الحجر في العجاب..حيث قالوا : نقيم بمكة على الكفر ما بدا لنا ، فمتى ما أردنا الرجعة رجعنا ، فينزل فينا ما نزل في الحرث ، فلمّا فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة دخل في الإسلام من دخل منهم فقبلتْ توبته ، فنزل فيمن مات منهم كافراً .
توجيه القول:
هذا القول يحمل على أن المراد:
- "كفروا بعد إيمانهم" على .الردة
- " ازدادوا كفرا".. كفروا بعد كفر..أي حصل لهم ردة بعد ردة
- " لن تقبل توبتهم"..عزموا على التوبة نفاقا وتورية ...لم تحصل منهم توبة أو لم يكن مع التوبة عزم...
.
القول الرابع .هم اليهود والنصارى كفروا بمحمد بعد إيمانهم بأنبيائهم ، ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها ، لن تقبل توبتهم من ذنوب ارتكبوها مع الإقامة على كفرهم . لأنهم : تابوا من الذنوب ولم يتوبوا من الكفر. وهو قول أبي العالية

قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).


-
تخريج قول أبي العالية:

رواه الطبري وابن المنذر و ابن أبي حاتم بعبارات متقاربة ؛و ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي

رواه الطبري من طريق ابن أبي عدى عن داود بن أبي هند قال سألت أبا العالية به..


توجيه القول:
وهذا القول يحمل على أن

- المراد ب "كفروا بعد إيمانهم" أمنوا بأنبيائهم ؛ وبمحمد صلى الله عليه وسلم قبل بعثته ثم كفروا بأنبيائهم وب محمد صلى الله عليه وسلم بعد بعثته
- المراد " ازدادوا كفرا " اكتساب الذنوب واقترافها
والمراد ب " لن تقبل توبتهم " لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان : نحن نتوب من هذه الأفعال ، وهم مقيمون على كفرهم ، فأخبر الله تعالى ، أنه لا يقبل تلك التوبة .
قال ابن عطية: قال الإمام أبو محمد : وعلى هذا الترتيب يدخل في الآية المرتدون اللاحقون بقريش وغيرهم

النقاش

محصلة
يمكن أن نرتب جماع ما قيل في الآية على ما يلي:
-المراد بالذين كفروا : إما أهل الكتاب عموما و إما اليهود على الوجه الخصوص..أو المراد بهم عموم الكفار أو من ارتد وعزم على التوبة تقية أو المراد بهم أصحاب الحرث بن سويد

-المراد " كفروا بعد إيمانهم" ..إما الردة..أو الجحود كمن جحد وكفر بنوة محمد بعد الإيمان به قبل بعثته..أو كجحود اليهود لنبوة عيسى والإنجيل والكفر بها بعد إيمانهم بموسى والتوراة
- المراد ب"ازدادوا كفرا ". إما
- .تحصيل كفر بعد كفر و معنى الزيادة في هذا ظاهر .
- أو اقتراف الذنوب والعاصي بعد الكفر. ذلك أن اقتراف المعاصي والذنوب زيادة في الكفر، كما أن أعمال البر زيادةٌ في الإيمان ؛ وأيضا كثرة المعاصي والكفر توغل في الكفر ،وكل إيغال فيه ازدياد . من هنا عبر عن فعل المعصية زيادة في الكفر
- أو يراد به الإصرار على الكفر والاستمرار عليه والثبات عليه حتى الموت
ومعنى الزيادة هنا أيضا ظاهرة ؛ فالمستمر على الشيء يزداد منه يوما بعد يوم لا نقص معه ؛ وحيث انتفى النقص تلبس بضده وهو الزيادة
- "المراد لن تقبل توبتهم"...على معنيين:
- إما أن التوبة وقعت منهم فعلا لكنها وقعت عارية عن شروطها فلم تقبل –سأذكر صورة تلك التوبة غير المقبولة لاحقا بإذن الله تعالى -
-و إما أنهم لا يوفقون إلى التوبة ؛ لا يهديهم الله إلى التوبة لما علم الله فيهم من عدم صلاح محلهم وفساد قلوبهم ؛ وإصرارهم على الكفر والعناد والحجود فقيل لن تقبل توبتهم ،لأنه لا توجد لهم توبة.
قال السندي في معرض شرح حديث "فإن تاب لم يتب الله عليه" قال : ..كأنه كناية عن أن الله تعالى لا يوفقه للتوبة على وجهها، فلا يقبل التوبة منه لذلك، أو لا يوفقه للتوبة أصلاً، على أن معنى: "إن تاب": إن أراد أن يتوب، ومثله قوله تعالى : (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم)

اتفاق
وقبل البدأ بنقاش الأقوال .يحسن تحرير محل النزاع .
اتفق العلماء على أن
1- للتوبة شروطا لابد أن تتوفر فيها حتى تقبل
2- التوبة إذا وقعت بشروطها تقبل عند الله..سواء كانت التوبة من ذنب أو معصية أو كبيرة أو الكفر أو الردة أو شرك..لعموم قوله تعالى "{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ }.
ولقوله تعالى :{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } .
3- أن من مات على كفره بعد ما تبين له الحق ؛لا تقبل توبته إن تاب

إشكال:
وبعد هذا البيان نرجع إلى الآية الشريفة فمحل الإشكال فيها؛ ما دل عليه ظاهر معناها ؛ وهو أن الكافر والمرتد لا تقبل توبتهم ؛ وهذا معارض لما هو متقرر في الشريعة ومعروف من الدين بالضرورة أن كل من تاب و رجع وأناب إلى ربهم تقبل توبته ؛ منه الآيات المذكورة قبل هذه الآية وهو قوله تعالى {كَيْفَ يَهْدِي اللهِ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ , وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ , وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ , وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ , أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ , خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ , إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
وقبل ذكر التوفيق بين الآتين ؛ أذكر حوصلة ما قاله المفسرون في سبب عدم قبول التوبة في قوله " لن تقبل توبتهم".

رد التوبة
بالرجوع إلى الأقوال يظهر أن عدم قبول التوبة كان بسبب فقدان شرط من شروطها فتوبتهم كانت
- إما نفاقا و تقية..كما ذكر ذلك في القول الثالث؛ ومن شرط قبول التوبة أن تحقق فيها الإخلاص والصدق فيها
- أو كانت بعد الموت؛ وهذا أيضا مخالف لشرط من شروط التوبة النصوح لابد أن تكون التوبة في أثناء حياة التائب
-أو كانت عند معاينة الموت.لهذا لم تقبل وهذا أيضا مناقض لشرط من شروط التوبة النصوح؛ كما قال تعالى :{وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) }.
- أو كانت مما دون الشرك و الكفر ولم يتوبوا منهما
وشرط قبول التوب أن الكافر أن يتوب من الأصل أولا وهو التوبة من الكفر والشرك إلى الإيمان والتوحيد كما هو قول أبي العالية
- أو كانت توبة بعد الكفر.كما هو قول ابن جريج.وهى توبة لا تقبل لأن الكفر يهدمها. والتوبة عمل؛ والشرك مهبط للعمل..كما قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك) ..

خلاصة
فالأقوال كلها صحيحة لا تعارض بينهما والآية تتحملها وتشملها جميعا بلا تعارض ؛ بل دلالة الآية أوسع من ذلك ولفظها عام ؛ والعبرة بعموم اللفظ..
- قال شيخ الإسلام بن تيمية: { وهذه الآية إن كان قد قيل فيها إن ازدياد الكفر المقام عليه إلى حين الموت وإن التوبة المنفية هي توبته عند الغرغرة أو يوم القيامة فالآية أعم من ذلك.}

توفيق
بما سبق ذكره يظهر التوفيق بين الآيات .آية."لن تقبل توبتهم"
والآيات التي قبل " كيف يهدي الله قوما .... إلا الذين تابوا "
فكلاهما في صدد الكلام على المرتد ...فالمرتد له حالان:
-مرتد تقبل توبته ؛ من كفر بعد إيمانه ولم يزدد كفرا؛ فإن تاب وأناب على الله وأخلص في توبتهم تاب الله عليه وهو داخل في عموم الآيات الدالة على قبول توبة التائبين " { قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.
-ومرتد لا تقبل توبته ؛ من ازداد كفرا على كفر ؛ وأصر على كفره حتى عاين الموت قال شيخ الإسلام :"..بخلاف المصر إلى حين المعاينة فما بقي له زمان يقع لنقص كفره ؛فضلا عن هدمه" اهـ.
وهذا مثل قوله تعالى :{نَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا }
قال شيخ الإسلام عليه رحمه الله "..وفرق بين الكفر المزيد كفرا والكفر المجرد في قبول التوبة من الثاني دون الأول فمن زعم أن كل كفر بعد الإيمان تقبل منه التوبة فقد خالف نص القرآن...." الصارم المسلول




***


قال الله تعالى :{ {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) } [النساء: 36، 37]


اختلف أهل العلم في المراد بالصاحب الجنب على أقوال:

القول الأول:الزوجة..وهو قول علي ، وابن مسعود ، والحسن ، وإبراهيم النخعي ، وابن أبي ليلى .
توجيه:
وجه هذا القول أن المرأة تكون مع الرجل وتضجع إلى جنبه . فيلصق جنبها جنب الرجل ؛ كما أن جنب الرجل يلصق جنب المرأة
وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ الزَّوْجَةَ صَاحِبَةً فِي قَوْلِهِ: {أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ} .
قال رشيد رضا رحمه الله تعالى :.."وَجْهَهُ أَنَّهُ الْمَرْأَةُ، أَيْ: لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَضَتِ الْفِطْرَةُ وَنِظَامُ الْمَعِيشَةِ أَنْ تَكُونَ بِجَنْبِ بَعْلِهَا"
.
القول الثاني::الصاحب الملازم وهو قول ابن جريج ، عن ابن عباس ، عكرمة ؛ ابن زيد
و هو الصاحب الملازم لك ..يكون معاك سفرا وحضرا.
قال مقاتل : هو رفيقك حضرا وسفرا . .
و قيد بأنه بصاحب الْحَاجَةِ..قال ابن زيد : هو الذي يلصق بك ؛ وهو إلى جبنك ويكون معك رجاء خيرك .ونفعك
ولا تنافي بين القولين إذ لا يتصور صحبة وملازمة دون نفع وهو من لوازم الملازمة.

توجيه
سمي الصاحب الملازم ب الصاحب بالجنب لأنه يمشي بجانب صاحبه

القول الثالث: أنه الرفيق في السفر
القائلون به، قاله ابن عباس في رواية مجاهد ، وقتادة ، والضحاك ، والسدي ، وابن قتيبة . وعن سعيد بن جبير كالقولين .


تخريج: قول سعيد بن جبير

رواه سفيان الثوري عَنْ مُورِقٍ أَوْ مَرْزُوقٍ مَوْلَى الشَّعْبِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ به
و رواه الصنعاني وابن جرير من طريق سفيان عن أبي بكير عن سعيد بن جبير به


توجيه:
وجه هذا القول أن الرفيق في السفريَرْكَبُ بِجَانِبِ رَفِيقِهِ فِي الشُّقْدُفِ عَلَى الْبَعِيرِ.
ومنهم قول العرب .جَانَبَهُ بِمَعْنَى سَارَ إِلَى جَنْبِهِ.

الترجيح

أقوال المذكورة في الآية تنصب على معنى واحد..لا تنافر ولا تعارض بينهما
فلفظ " الصاحب الجنب" يشمل كل من يصاحب العبد ويكون إلى جنبه؛سواء في أمر ديني أو أمر دنيوي
فالمرأة تصاحب الرجل وتكون إلى جنبه وهو أيضا يصاحبها ويكون لجنبها
وكذا المسافر يصاحب صاحبه ولازمه في سفره ويكون إلى جنبه
وكذا الرفيق والملازم في أمور الدنيا أو أمور الدين ملازم لصاحبه يكون إلى جنبه لحصول النفع وتحقيق الانتفاع

قال ابن جرير : " يقال : فلان بجنب فلان وإلى جنبه ، وهو من قولهم : جَنَب فلان فلانا فهو يَجْنُبُهُ جَنْبا ، إذا كان لجنبه ، ومن ذلك : جَنَبَ الخَيْلَ ، إذا قاد بعضها إلى جنب بعض . وقد يدخل في هذا الرفيق في السفر ، والمرأة ، والمنقطع إلى الرجل الذي يلازمه رجاء نفعه ، لأن كلهم بجنب الذي هو معه وقريب منه ، وقد أوصى الله تعال بجميعهم لوجوب حقّ الصاحب على المصحوب ."

قال ابن عاشور :" قَوْلُهُ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هُوَ الْمُصَاحِبُ الْمُلَازِمُ لِلْمَكَانِ، فَمِنْهُ الضَّيْفُ، وَمِنْهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مُلِمٌّ بِكَ لِطَلَبِ أَنْ تَنْفَعَهُ"
بل معنى الآية أوسع من ذلك فيدخل في معناه : كل من صدق عليه أنه صاحب بالجنب أي : بجنبك كمن يقف بجنبك في تحصيل علم ، أو تعلم صناعة ، أو مباشرة تجارة ، أو نحو ذلك .
قال الزمخشري :" هو الذي صحبك بأن حصل بجنبك ، إما رفيقاً في سفر ، وإما جاراً ملاصقاً ، وإما شريكاً في تعلم علم أو حرفة . وإما قاعداً إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك ، من أدنى صحبة التأمت بينك وبينه . فعليك أن ترعى ذلك الحق ولا تنساه ، وتجعله ذريعة إلى الإحسان "
وقال أبو زهرة :"وإن من الإحسان إلى الصاحب الذي يكون بجنبك ، ألا تؤذيه بمنظر كريه أو ريح كريهة ، وان تحافظ على الحياء في مجلسك ، فلا تجعل نعلك يحف بثيابه أو بحيث يؤذيه ، وأن تعاونه عن كان محتاجا إلى معاونتك ".


ولا يشترط في الصاحب الجنب طول الصحبة ؛أو موافق الدين

قال شيخ الإسلام بن تيمية : { معلومأَنَّ لَفْظَ " الصَّاحِبِ " فِي اللُّغَةِ يَتَنَاوَلُ مَنْ صَحِبَ غَيْرَهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى أَنَّهُ وَلِيُّهُ، أَوْ عَدُوُّهُ، أَوْ مُؤْمِنٌ، أَوْ كَافِرٌ، إِلَّا لِمَا يَقْتَرِنُ بِهِ...وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ} ، وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الرَّفِيقَ فِي السَّفَرِ وَالزَّوْجَةَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى إِيمَانٍ، أَوْ كُفْرٍ ."

وقال رحمه الله :"..قد قيل: هو الرفيق في السفر وقيل: هو الزوجة ومعلوم أن صحبة الرفيق وصحبة الزوجة قد تكون ساعة فما فوقها وقد أوصى الله به إحسانا ما دام صاحبا.......وقد دخل في ذلك قليل الصحبة وكثيرها وقليل الجوار وكثيره " اهـ
. قال ابن القيم: "وَكُلُّ مَنْ ذُكِرَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ فَحَقُّهُ وَاجِبٌ وَإِنْ كَانَ كَافِرًا."

فالذي يظهر –والله اعلم- أن قوله الصاحب الجنب كناية عن القرب... فكأن هذا الشخص صار قريبا منك قرب جنبك منك..فمن كان هذه حاله فحقه الإحسان إليه؛ ولا يشترط طوال ملازمة ولا موافق الدين بالعبرة بالقرب والمخالطة
والله أعلم


*****************************************************************




قال تعالى : {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (52) } [الأنعام: 52]

سبب نزول الآية:
أخرج مسلم والنَّسَائِي وابن ماجه عن سعد بن أبي وقاص - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال كنا مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ستة نفر فقال المشركون للنبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اطرد هؤلاء لا يجترئون علينا، قال: وكنتُ أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال ورجلان لست أسميهما، فوقع في نفس رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما شاء الله أن يقع. فحدث نفسه. فأنزل الله - عزَّ وجلَّ -: (وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ).


اختلف أهل العلم في المراد الدعاء في قوله " الذين يدعو ربهم " على أقوال:

القول الأول:. ذكر الله ، وهو قول إبراهيم النخعي ومنصور
التوجيه :
وجه هذا القول مبناه أن الذاكر الله عزوجل ؛ داع لله بلسان الحال؛ لسا الجارحة ذاكر لله عزوجل ؛ و حاله يطلب المغفرة والرحمة والقرب من الله عزوجل.

القول الثاني: تعظيم القرآن و تعلمه غدوة وعشية ، وهو قول أبو جعفر .
التوجيه:
وجه هذا القول مثل سابقه ؛ أن تعليم القران وتعلمه عبادة لله؛ بل هو من أشرف العبادات..وكل قائم بالعبادة فهو داع لله بلسان الحال..طالب منه المغفرة و القربى
والمنزلة
-وله وجه آخر أن من أعظم مقاصد جلوس الصاحبة عند النبي صلى الله عليه وسلم هو تعلم القران ؛ والنبي صلى الله عليه وسلم إنما بعث معلما ؛ معلما للوحي ؛وأفضل الوحي القران
القول الثالث:. عبادة الله عزوجل والإخلاص له بالتوحيد
وهو قول ابن عباس و الضحاك .
التوجيه
أن الدعاء هو العبادة بل هو من أعظم العبادات لما فيها من حسن الظن بالله عزوجل
وقد جاء الشرع بتسمية الدعاء العبادة
قال تعالى :" ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ[غافر: 60]؛
-عن النُّعمان بن بَشِير رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الدعاء هو العبادة)) رواه أحمد.

القول الرابع: الصلوات الخمس، قاله عبد الله بن عمر وابن عباس ، ومجاهد . الضحاك ؛ إبراهيم؛ سعيد بن جبير
وعباراتهم في ذلك متقاربة؛ فعُبر عنها بلفظ الصلاة ؛ الصلاة المكتوبة ؛ الصلوات الخمس ؛ صلاة الصبح والعصر ؛ وقيل أن الصلاة يومئذ كانت ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشي ؛ ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك .

قَالَ قَتَادَةُ: وَهُمَا الصَّلاتَانِ: صَلاةُ الْفَجْرِ وَصَلاةُ الْعَصْرِ.
وَإِنَّمَا فُرِضَتِ الصَّلَوَاتُ قَبْلَ خُرُوجِ النَّبِيِّ مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ.

التخريج
قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} 52 انعام قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج قول سعيد بن جبير

رواه الطبري قال حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج قال :أخبرني عبد الله بن كثير ، عن مجاهد ، قال : صليت الصبح مع سعيد بن المسيب ، فلما سلم الإمام ابتدر الناس القاصّ ، فقال سعيد : ما أسرعهم إلى هذا المجلس قال مجاهد : فقلت : يتأوّلون ما قال الله تعالى . قال : وما قال ؟ قلت : وَلا تَطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ وَالعَشِيّ قال : وفي هذا ذا ؟ إنما ذاك في الصلاة التي انصرفنا عنها الاَن ، إنما ذاك في الصلاة


توجيه: وجه هذا القول
- أن الصلاة فرد من أفراد العبادة ؛ بل هى من أعظ العبادات ؛ وصح إطلاق اسم الدعاء عليها؛ لأن حقيقة العابد أنه داع لله بلسان حاله .
- أن الصلاة فيها دعاء . يقول المصلي فيه : { اهدنا الصراط المستقيم } ثم يقول : آمين . ففيها أعظم دعاء . .

ومن خصها بصلاة الفجر والعصر نظر إلى قوله " بالغداة و العشي "؛ ظرف قيد به الفعل "يدعون"؛ فعُلم أن وقت الدعاء كان بالغداة أول النهار وهو وقت صلاة الفجر؛ أو بالعشي في آخر النهار وهو وقت صلاة العصر
*أو هو باعتبار أن سورة الأنعام مكية ؛ نزلت قبل فرض الصلاة ؛ فلم يكن وقت نزولها صلوات مفروضة؛ قال قتادة والحسن البصري : أن الصلاة يومئذ كانت ركعتين بالغداة ، وركعتين بالعشي ؛ ثم فرضت الصلوات الخمس بعد ذلك .

* - وأخرج أبو داودعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُعْتِقَ أَرْبَعَةً " (د) 3667 , (هب) 561 , صَحِيح الْجَامِع: 5036 , الصَّحِيحَة: 2916


ترجيح
لا تتعارض, بين ما قيل من الأقوال ؛ فكل ما ذُكر يصح إطلاق له لفظ الدعاء. وهو قول جماهير المفسرين

لأن الدعاء قسمان: دعاء عبادة، ودعاء مسألة.وكل واحد منهما مستلزم للآخر.

دعاء عبادة:..والمراد به أن يكون الإنسان عابداً لله تعالى ، بأي نوع من أنواع العبادات ، القلبية أو البدنية أو المالية؛ ولسان حاله داع لله أن يتقبل من ويغفر له ويرفع منزلته
والعبادة ..:" اسم جامع لكل ما يحبه الله ورضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة "
فيدخل في مسمى العبادة كل عمل صالح يحبه الله عزوجل من ذكر أو تسبيح أو تهليل أو تعلم للقران أو تعليم له أو صلاة أو زكاة فكل هذا يصلح إطلاق لفظ العبادة عليه بل يصح تسميته عبادة .ه
ودعاء مسألة:وهو أن يسأل الله تعالى ما ينفعه في الدنيا والآخرة ، ودفع ما يضره في الدنيا والآخرة .

-وقد أطلق الله عزوجل في غير ما موضع من كتاب؛ لفظ الدعاء على العبادة ولفظ العبادة على الدعاء

قال تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}...سمى العبادة دعاء
وقال تعالى: { " وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)}

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : كل سَائل رَاغِب رَاهِب فَهُوَ عَابِد للمسؤول وَلَك عَابِد لَهُ فَهُوَ أَيْضا رَاغِب وراهب يَرْجُو رَحمته وَيخَاف عَذَابه فَكل عَابِد سَائل وكل سَائل عَابِد فأحد الاسمين يتَنَاوَل الآخر عِنْد تجرده عَنهُ وَلَكِن إِذا جمع بَينهمَا فَإِنَّهُ يُرَاد بالسائل الَّذِي يطْلب جلب الْمَنْفَعَة وَدفع الْمضرَّة بصيغ السُّؤَال والطلب وَيُرَاد بالعابد من يطْلب ذَلِك بامتثال الْأَمر وَإِن لم يكن فِي ذَلِك صِيغ سُؤال " اهـ

وقال ابن القيم " ."وَالدُّعَاء نَوْعَانِ دُعَاء عبَادَة وَدُعَاء مَسْأَلَة وَالْعَابِد دَاع كَمَا أَن السَّائِل دَاع" جلاء الأفهام .

فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يَدْعُونَ رَبّهُمْ بالغَدَاةِ والعَشِيّ بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها ؛ وتعلم القران؛ ودعائهم الله عزوجل والابتهال والتضرع إليه يُرِيدُونَ بفعلهم ذلك وَجْهَهُ لا يريدون عرضا من عرض الدنيا .
والله أعلم


*****************************************************************************


قال تعالى { لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (18) } [الرعد: 18]


اختلف أهل العلم في المراد ب "سوء الحساب على أقوال "
القول الأول......أن يؤاخذوا بجميع ذنوبهم فلا يعفى لهم عن شيء منها ، قاله إبراهيم النخعي.

.: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).
تخريج قول إبراهيم النخعي

-أخرجه الطبري من طريقين ؛ طريق أبي عليه ؛ و طريق أبي العاصم ؛كلاهما عن الحجاج بن أبي عثمان ، قال : ثني فَرْقَدٍ السبَخِيّ ،عن إبراهيم النخعي به
- وأخرجه ابن وهب في كتاب التفسير من الجامع بعبارة متقاربة .من طريق حماد بن سلمة، عن فرقد عن إبراهيم قال: {ويخافون سوء الحساب}، أن يحاسب بذنبه، ثم لا يغفر له.
-وأخرجه سعيد بن منصور أبو الشيخ كما في الدر المنثور للسيوطى
لكن لما رجعت إلى سنن سعيد بن المنصور ظهر أنه رواه بعبارة متقاربة موقوفا على فرقد
-قال رحمه الله :حَدَّثَنَا سَعِيدٌ ، قَالَ: نا عَوْنُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: سَمِعْتُ فَرْقَدَ السَّبَخِيَّ يقول: {سُوءُ الْحِسَابِ} : أَنْ لَا يَتَجَاوَزَ لَهُ عَنْ شيء.
**-- فرقد السبخي—ليس بثقة

التوجيه:
لعل وجه هذا القول أن :
لكافر ليس له ما يوجب مغفرة ذنبه ؛ فهو لم يأت بالتوحيد الموجب لمغفرة الذنوب لهذا فهو مؤاخذ بجميع ذنوبه
-
القول الثاني: :: المناقشة بالأعمال ،وهو قول أبي الجوزاء
التوجيه:
لعل وجه هذا القول :أن الحساب هو الإحصاء الدقيق والتقصي على المحاسب ؛ بحيث يحاسبه ويناقشه على الجليل والحقير فلا يقع في حسابه من التجاوز شيء
و هذا مثل قولنا حساب المدير عامله ؛دقق معه و ناقشه في دقيق عمله وحقيره وصغيره وجليله بدون أي عفو أو مسامحة ولم يفوت عليه شيء
وهذا حال الكافر يوم القيامة يناقش في حسابه و يشدد عليه ؛ أما المؤمن يحاسب حسابا يسيرا كمال قال تعالى : { فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (7) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } .
وروى البخاري من حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من نوقش الحساب عُذِّب"

-
القول الثالث : أنه التقريع والتوبيخ ، حكاه ابن عيسى .ذكر الماوردي في تفسيره
التوجيه:
-وجه هذا القول النظر إلى ما يحف حسابهم ويلازمه...فحسابهم قد احتف به التوبيخ والتقريع بخلاف المؤمن ييسر عليه الحساب

-وله وجه آخر أن المراد بحساب الكفار عرض أعمالهم وتوبيخهم عليها؛ لأن الكفار لا يحاسبون حساب التدقيق والموازنة بين الحسنات والسيئات فليس لهم حسنات يستحقون عليها الجنة وأعمالهم كلها محبطة ومصيرهم إلى النار
القول الرابع:..هو أن لا تقبل حسناتهم فلا تغفر سيئاتهمذكره الماوردي ولم ينسبه لأحد.
التوجيه:
- لعل وجه هذا القول ؛ أن الشرك والكفر محبط للعمل ؛فلا حسنة باقية مع الكفر والشرك كما قال تعالى

كما قال تعالى : {
وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 88]
- فحسناتهم التي عملوه وطمعوا بالانتفاع بها لم تنفعهم ، بل صارت كالسراب الذي ( يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا )
-
-و قوله أيضا " وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ" ؛ فإن من كان مأواه جهنم ؛ لم تبق له من الحسنات ما ينجوا بها؛ فأخذ بجميع ذنبه لم يُعف عنه شيء
قال تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } .

القول الخامس: سوء العقاب وسوء الجزاء ذكره الماوردي و لم ينسبه لأحد.
وعبارة الماوردي : أن يكون سوء الحساب ما أفضى إليه حسابهم من السوء وهو العقاب .
التوجيه:
وجه هذا القول التعبير بالحال عن ما يؤول إليه؛ فسوء العقاب هو ما أفضى إليه سوء الحساب؛
فالمراد به الجزاء الذي سوؤهم وهو النتيجة النهائية لسوء الحساب
فسمي الجزاء حسابا ، لأن فيه إعطاء المستحق حقه
.
وفي نهاية الآية إشارة إلى النتيجة النهائية لجزائهم ( ومأواهم جهنّم وبئس المهاد ) .

الترجيح:
مرجع الأقوال في المراد ب " سوء الحساب " قولان:

- إحباط جميع الأعمال الحسنة ؛ و المؤاخذة بجميع الذنوب وعدم مغفرتها . وتوبيخه عليها ؛لأن الكافر لم يقدم شرط قبول العمل وهو التوحيد ؛ كما أنه لم يحقق شرط المغفرة وهو التوبة والإنابة إلى لله
-المناقشة والتقصي في الحساب والتشديد في ذلك؛ وما يحفه من تقريع وتوبيخ على ذلك ثم يكون مصيره إلى النار خالدا فيها

وهذا المبحث راجع راجعة إلى مسألة هل "الكفار يحاسبون يوم القيامة
وقد فصل فيها القول شيخ الإسلام بن تيمية عليه رحمة الله فقال:...وَفَصْلُ الْخِطَابِ أَنَّ الْحِسَابَ يُرَادُ بِهِ عَرْضُ أَعْمَالِهِمْ عَلَيْهِمْ وَتَوْبِيخُهُمْ عَلَيْهَا وَيُرَادُ بِالْحِسَابِ مُوَازَنَةُ الْحَسَنَاتِ بِالسَّيِّئَاتِ. فَإِنْ أُرِيدَ بِالْحِسَابِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ فَلَا رَيْبَ أَنَّهُمْ يُحَاسَبُونَ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ. وَإِنْ أُرِيدَ الْمَعْنَى الثَّانِي فَإِنْ قُصِدَ بِذَلِكَ أَنَّ الْكُفَّارَ تَبْقَى لَهُمْ حَسَنَاتٌ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا الْجَنَّةَ فَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُمْ يَتَفَاوَتُونَ فِي الْعِقَابِ؛ فَعِقَابُ مَنْ كَثُرَتْ سَيِّئَاتُهُ أَعْظَمُ مِنْ عِقَابِ مَنْ قَلَّتْ سَيِّئَاتُهُ وَمَنْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ خُفِّفَ عَنْهُ الْعَذَابُ كَمَا أَنَّ أَبَا طَالِبٍ أَخَفُّ عَذَابًا مِنْ أَبِي لَهَبٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ} وَقَالَ تَعَالَى {إنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ} وَالنَّارُ دَرَكَاتٌ فَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْكُفَّارِ عَذَابُهُ أَشَدُّ عَذَابًا مِنْ بَعْضٍ - لِكَثْرَةِ سَيِّئَاتِهِ وَقِلَّةِ حَسَنَاتِهِ - كَانَ الْحِسَابُ لِبَيَانِ مَرَاتِبِ الْعَذَابِ لَا لِأَجْلِ دُخُولِهِمْ الْجَنَّةَ. " (مج / 304-305)
والله أعلم

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 30 محرم 1441هـ/29-09-2019م, 04:18 AM
سارة المشري سارة المشري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 544
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: ( الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).


القول الأول : أنّ الظنين هو المُتّهم ، و الضنين هو البخيل ، وهما قراءتان صحيحتان .

تخريج قول زر بن حبيش :
رواه ابن جرير في تفسيره من طريق سفيان عن عاصم – وهو ابن أبي النجود - عنه ،
و هو إسناد صحيح متصل .
و رواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور .

التوجيه :
هذا تفسير بالمعنى اللغوي المُتبادَر ، فما هو عليه الصلاة والسلام بمُتّهَم في إخباره ، ولا هو بضانّ عليهم في تبليغ القرآن وتعليمه .
قال الجوهرِيّ - في فصل الضاد - : ضَنَنْتُ بِالشَّيْءِ أَضَنُّ بِهِ ضَنًّا وَضَنَانَةً إِذَا بَخِلْتَ بِهِ وَهُوَ ضَنِينٌ بِهِ .
وَقَالَ - فِي فَصْلِ الظَّاءِ -: وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ وَالظِّنَّةُ التُّهْمَ .

وهو قول ابن عباس و مجاهد ، وقتادة ، و الضحاك و سعيد بن جبير ، و سفيان وإبراهيم النخعي ، وزر بن أبي حبيش ، وابن زيد ، وأبي عبيدة في مجاز القرآن ، و الأخفش وعبدالله بن يحيى وقتيبة والزجاج ومكي بن أبي طالب .

القول الثاني : الظنين بمعنى الضعيف ، حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية ، وذكره الفراء في معاني القرآن .

توجيهه :
أنّ العرب تقول للرجل الضعيف أو الشيء القليل: هو ظنون ، كقولهم ماءٌ شريب، وشروب ، ذكره الفراء .

دراسة الأقوال :
كلّ الأقوال هي باعتبار ما تحمله من معانٍ لغوية ، و الفرق بين الضنين والظنين ، أنّ الأول بمعنى بخيل ، والثاني له معنيين أُولاهما أنّه "المتّهم" و الثاني أنه : "الضعيف " ، والاتهام يكون بأمور كثيرة منها الاتهام بالكذب و الفجور ، ويجوزُ أن يُتّهم بالبخل ، أو الضعف .
وقال سفيان : (تفسير ضنين وظنين سواء) ، ولعلّه لأجل أنّ الضِّنَّة تؤدي إلى الظِّنّة .
و ذكر ابن جرير أن القراءة ب"ضنين " أولى" لثبوتها في الرسم العثماني ، وخالفه أبو عبيدة فرجح "الظنين " لقيام المعنى اللازم لها من اتهام العرب النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب لا بالتبخيل ، فهو عليه الصلاة والسلام لم يكتم شيئا من الوحي ،
قلتُ : ولا يلزم ذلك ، فقد يكون المعنى إقرار المشركين بصدقه عليه الصلاة والسلام واستلزام ذلك طاعته ، بناءً على ما علموه منه من حرص على التبليغ و عدم الترك وإن كان فيه أذى له واستهزاء به ، كما حصل في رحلة الإسراء والمعراج .
وهذه الأقوال هي من قبيل التنوع لا الاختلاف ، و القول بالظّنة بمعنى الاتهام عامٌّ ويدخل فيه الاتهام بالبخل أو الضعف ، لكن القول بالبخل هو الثابت عن الصحابة والتابعين ، والقول بالضعف احتمالٌ ذكره بعض أهل اللغة .
ومفهوم المخالفة من الآية إثبات أنه عليه الصلاة والسلام أمينٌ ، مبلّغ للناس غير مستأثر عنهم بالعلم .
والله تعالى أعلم .


• ذكرتم حفظكم الله أن لا ترجيح بين القراءات إذا صحت جميعها ، فما وجه ترجيح المتقدمين من العلماء ،
• قال ابن جرير في هذه الآية ( وَأَوْلَى القراءَتَيْنِ في ذلكَ عندِي بالصَّوابِ: ما عليهِ خُطُوطُ مصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً، وإِن اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهم بهِ ) .


2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
القول الأول :
أنّهم الّذين كفروا من أهل الكتاب بمحمّدٍ بعد إيمانهم بأنبيائهم {ثمّ ازدادوا كفرًا} يعني ذنوبًا {لن تقبل توبتهم} من ذنوبهم، وهم على الكفر مقيمون.
وهو قول رفيع وأبي العالية .


تخريج قول أبي العالية :
رواه ابن جرير من طريق ابن أبي عدي ، و عبد الأعلى وسفيان ، و ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن داود بن أبي هند عنه .
وروى بعضه ابن أبي حاتم من طريق أبي خالد عن داود عنه ، وبلفظ آخر بمعناه من طريق سفيان عن داود عنه .

توجيهه :
هذا القول بناءً على حكاية واقع اليهود في زمان نزول الآيات ، وأنّ المراد بالكفر بعد الإيمان هو الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم و لازمه عدم قبول توبتهم ما داموا مقيمين على كفرهم .

القول الثاني : أنّهم الذين كفروا ببعض من بُعث قبل النبي صلى الله عليه وسلم بعد إيمان ، ثم ازدادوا كفرا بكفرهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، لن تقبل توبتهم عند حضور الموت ، وهذا ينطبق على اليهود الذين كفروا بالإنجيل .

وهو قول الحسن قال هم اليهود والنصارى ، وقول قتادة قال هم اليهود كفروا بالإنجيل ثم بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وقال عطاء الخراساني مثل ذلك حكاه ابن جرير عن معمر .

توجيهه :

القول الثالث : الّذين كفروا بعد إيمانهم بأنبيائهم، {ثمّ ازدادوا كفرًا}، يعني بزيادتهم الكفر تمامهم عليه حتّى هلكوا وهم عليه مقيمون، لن تقبل توبتهم: أي أنّ إيمانهم الأول لن ينفعهم وقيل لن تُقبل توبتهم عند موتهم ، وإيمانهم لكفرهم الآخر وموتهم .
وهو قول مجاهد وابن جريج و السدي .

توجيهه :
هذا القول يشبه القول الأول ، فإن من لوازم زيادة الكفر عدم إيمانهم بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فآل الأمر إلى قولين .

دراسة الأقوال والترجيح :
القائلون بأنها في اليهودِ كفروا بعيسى بعد الإيمان بموسى ثم ازدادوا كفراً بمحمد صلى الله عليه وسلم ،
أجابهم ابن عطية بأن في هذا القول اضطراب، لأن الذي كفر بعيسى بعد الإيمان بموسى ليس بالذي كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فالآية على هذا التأويل تخلط الأسلاف بالمخاطبين .
و على القول بأنها في اليهود، كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بصفاته وإقرارهم أنها في التوراة، ثم ازدادوا كفرا بالذنوب التي أصابوها في خِلافه عليه الصلاة والسلام و محاربته ، قال مجاهد: معنى قوله ثمّ ازدادوا كفراً أي تموا على كفرهم وبلغوا الموت به، فيدخل في هذا القول اليهود والمرتدون .
و قال الحسن وقتادة ومجاهد والسدي: نفي قبول توبتهم مختص بوقت الحشرجة والغرغرة والمعاينة، فالمعنى لن تقبل توبتهم عند المعاينة .
أو يكون المعنى: لن تقبل توبتهم من تلك الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا يقولون في بعض الأحيان: نحن نتوب من هذه الأفعال، وهم مقيمون على كفرهم، فأخبر الله تعالى، أنه لا يقبل تلك التوبة ، وهو قول أبي العالية .
وذكر ابن عطية وابن عاشور احتمال إشارة الاسم الموصول إلى فريق معهود وقوم بأعيانهم من المرتدين ختم الله عليهم بالكفر، وجعل ذلك جزاء لجريمتهم ونكايتهم في الدين، وهم الذين أشار إليهم بقوله كيف يهدي اللّه في الآيات التي قبل هذه .
وخلاصة ذلك أنّ الأقوال محتملة ، و العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فيدخل في التهديد كل من أتى مثل فعلهم ، والله تعالى أعلم .


3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).
القول الأول : الرفيق في السفر ، وهوإحدى الروايتين عن علي وعبدالله بن مسعود ، و ابن عباس و زيد ، وهو قول مجاهد وعكرمة وقتادة ، وسعيد بن جبير والسدي والضحاك .

تخريج قول سعيد بن جبير :
رواه سفيان عن مورقٍ أو مرزوقٍ مولى الشّعبيّ عنه ، ورواه عبدالرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن سفيان الثوري عن أبي بكير- وهو مرزوق - عنه .

توجيهه :
هذا تفسير بالمثال ، ووجهه أنه يكون بجانب صاحبه ، منزلُهُ منزلَه ، وطعامُه طعامَه ، ومسيرُه مسيرَه ، و هذا التوجيه مروي عن مجاهد ، رواه ابن أبي حاتم من طريق ابن أبي نجيحٍ، عنه .

القول الثاني : جليسك في الحضر الذي يصحبك ويلزمك رجاء نفعك ، وهو أحد قولي ابن عباس و زيدٍ.

توجيهه :
أيضا هو تفسير بالمثال ، لأنه بملازمته صار إلى جانبه قريبا منه .

القول الثالث : هي المرأة ، وهو إحدى الروايتين عن علي ،وعبد الله بن مسعود ، و هو قول إبراهيم ، وابن هيثم وعبدالرحمن بن أبي ليلى .

توجيه هذا القول :
هذا أيضا كسابقَيه ، تفسير بالمثال ، وذلك لكونها تكون مع الرجل إلى جنبه ، ذكره ابن جرير .

الدراسة والتوجيه :
( الصاحب بالجنب ) تعني الصّاحب إلى الجنب، كقولنا فلانٌ بجنب فلانٍ وإلى جنبه ، ومن ذلك: جنب الخيل، إذا قاد بعضها إلى جنب بعضٍ ، وهو خلاصة قول ابن جرير .
وما سبق من الأقوال هو من قبيل اختلاف التنوع ، لا التضاد ، فالمعنى يسع الجميع ،لأنهم كلهم يصدق عليهم وصف القرب و الكل قد أُمرنا بالإحسان إليه ، فهو تفسير بالمثال ، فيدخل فيه رفيق السفر ، والمرأة ، و ملازم الرجل رجاء نفعه ، وهو اختيار ابن جرير الطبري رحمه الله ، وقال به أبي عبيدة في مجاز القرآن ، والأخفش في معاني القرآن .


4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).
هناك أكثر من مسألة :
- المراد بالذين ؟
- المراد بالدعاء في ( يدعون ربهم بالغداة والعشي ) .
- المراد بالغداة والعشي .
- محلّ الطرد ؟
و احترت في المراد هل هو محل الطرد ؟ أم المراد بالغداة والعشي .


1- المراد بالدعاء في الغداة والعشي :
القول الأول : أنها الصلوات المكتوبة ، وهو قول ابن عباس ، و عبدالله بن عمر ، و إبراهيم النخعي ، و مجاهد ، و الضحاك ، وقتادة ، وسعيد بن المسيب ، وعبدالرحمن بن أبي عمرة ، وعامر .

تخريج قول ابن المسيب - رحمه الله - :
أخرجه ابن جرير من طريق ابن جريجٍ عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عنه ، ولم أجد ابن كثير هذا في طلاب ابن المسيب .

توجيهه :
لأن الصلاة دعاء بالمعنى اللغوي ، لما اشتملت عليه من ذكر و قراءة قرآن ودعاء ، فهذا تفسير ببعض المعنى ، مع ما يناسب هذا المعنى من قوله تعالى " بالغدو والعشي " فقالوا هما صلاة الفجر والعصر ، أو تكون كل الصلوات الخمس فهي تؤدى في هاتين الوقتين .


القول الثاني : الدعاء وذكر الله وقراءة القرآن ، وهو قول إبراهيم النخعي ومنصور وأبي جعفر .

توجيهه :
هذا تفسير المفردة بالمعنى المطابق لها .

القول الثالث :
عبادتهم إياه ، وهو قول الضحاك ، ذكره ابن جرير .

توجيهه :
لأن الدعاء من العبادة ، وهو تفسير بلازم المعنى ، إذ كل دعاء عبادة ، وقد يكون تفسيرا بالمعنى اللغوي للدعاء ، فيكون أعمّ من جهة دخول كل أنواع العبادات التي تؤدى في الصباح والمساء فيها .


القول الرابع : أنه الاجتماع إلى القصاص غدوة وعشيا ، وهو قول بعض القُصّاص ، ذكره ابن عطية .

توجيهه :
هذا القول توهمه بعض القصاص في زمن التابعين ، وأنكره ابن المسيب وعبد الرحمن بن أبي عمرة وغيرهما ، ولعلهم تأولوا قوله تعالى : ( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ) .

الدراسة والترجيح :
أما الأقوال الثلاثة الأولى فيمكن أن نقول أنها من قبيل اختلاف التنوع لا التضاد ، و قولنا أنها العبادة ، لفظ عام يدخل تحته الصلوات الخمس ، و الذكر وقراءة القرآن والدعاء الشرعي وغير ذلك من أنواع العبادات .
وقولنا هي الصلوات ، خَصَصنا نوعا من العبادات فيه ذكر وقراءة قرآن ودعاء ، ويؤيده كثرة منقولات السلف في ذلك .
أما قول القُصّاص فهو مردود بما نُقل من إنكار السلف ذلك ، أولاً لكونها يراد بها الصلاة ، كما ذكروا ، وثانيا لكون القصاص يأتون بأمور لا تصح ، حذر منها العلماء ، وأمروا بالجلوس في حلق العلم .




و اختُلف في محل الطرد لهؤلاء على قولين :
القول الأول : أنه في الصلوات الخمس ، فيطردون أو يُؤخّرون عن الصفّ الأوّل حتّى يكونوا وراءهم في الصف .
و قد نُسب هذا القول لابن عباس .

القول الثاني : طردهم وتأخيرهم عن مجلس النبي صلى الله عليه وسلم .

توجيهه :
ورد في ذلك عدة أقوال في سبب نزول الآية ، تدل على هذا المعنى ،
- منها ما رواه ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ، عن أبي سعد الأزديّ ، عن أبي الكنود، عن خبّابٍ في قوله: ولا تطرد الّذين يدعون ربهم بالغداة والعشي قال: جاء الأقرع بن حابسٍ التّميميّ، وعيينة بن حصنٍ الفزاريّ، فوجدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع صهيبٍ، وبلالٍ، وعمّارٍ، وخبّابٍ قاعدًا في ناسٍ من الضّعفاء من المؤمنين، فلمّا رأوهم حول النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- حقروهم.
فأتوه فخلوا به فقالوا: إنّا نريد أن تجعل لنا منك مجلسًا تعرف لنا به العرب فضلنا، فإنّ وفود العرب تأتيك فنستحي أن ترانا العرب مع هذه الأعبد، فإذا نحن جئناك فأقمهم عنّا، فإذا نحن فرغنا فاقعد معهم إن شئت. قال: نعم. قالوا: فاكتب لنا عليك كتابًا، قال: فدعا بالصّحيفة، ودعا عليًّا ليكتب، ونحن قعودٌ في ناحيةٍ. فنزل جبريل فقال: ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيءٍ وما من حسابك عليهم من شيءٍ فتطردهم فتكون من الظّالمين. فرمى رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم- بالصّحيفة ثم دعانا فأتيناه.

- ومنها ما رواه ابن أبي حاتم أيضا من طريق أبي جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ قال: كان رجالٌ يستبقون إلى مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منهم بلالٌ، وصهيبٌ، وسلمان. قال: فيجيء أشراف قومه وسادتهم، وقد أخذ هؤلاء المجلس، فيجلسون ناحيةً. فقالوا: صهيبٌ روميٌّ، وسلمان فارسيٌّ وبلالٌ حبشيٌّ، يجلسون عنده ونحن نجيء فنجلس ناحيةً، حتّى ذكروا ذلك لرسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-، إنّا سادة قومك وأشرافهم، فلو أدنيتنا منك إذا جئنا، قال: فهمّ أن يفعل فأنزل اللّه تعالى: ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ يريدون وجهه يعني: سلمان وأصحابه.


القول الثالث :
لا تطردهم عن الذّكر ، وهو قول إبراهيم النخعي رواه عنه ابن جرير وابن أبي حاتم .

الدراسة والترجيح :
هذه الأقوال من قبيل اختلاف التنوع ، فنهى الله عن كل هذه الأمور ، فلا يُؤخَرون في الصلاة وقد سبقوا إليها ، ولا في المجالس وقد استبقوها ، ولا يُمنعون من الخير والذكر ، وقول تأخيرهم في الصلاة لم يثبت فيه شيء صحيح ، و تواردت الأدلة على ذكر سبب نزول الآية في طلب تأخيرهم عن مجلسه عليه الصلاة والسلام أو منعهم منه ، فيترجح ، والثالث داخل فيه لأن المنع من حضور مجلس النبي صلى الله عليه وسلم هو في الحقيقة منع عن الذكر .
والله تعالى أعلم .



5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

القول الأول :
يأخذهم بذنوبهم كلّها، فلا يغفر لهم منها شيئًا، ولكن يعذّبهم على جميعها ، وهو قول شهر بن حوشب وإبراهيم النخعي .

تخريج قول إبراهيم النخعي - رحمه الله - :
رواه ابن جرير من طريق الحجاج بن أبي عثمان عن فرقد السبخي عنه ، و فرقد من الرواة عن النخعي ، ويُعد ما يرويه عنه متصلا .
ورواه سعيد بن منصور من طريق خلف بن خليفة، عن رجلٍ عنه ، وهذا الإسناد فيه مجهول فلا يصح عند المحدثين .

توجيهه :
هذا القول مبني على أنّ ترك الاستجابة تركٌ مُطلَق ، وهذا ينطبق على الكفار و المشركين والمنافقين نفاقا أكبرا وهم المخلدون في النار .
و ممّا يُسند هذا القول : قوله تعالى : {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.

القول الثاني :
المناقشة في الأعمال ، وهو قول أبي الجوزاء ، حكاه السيوطي عن جماعة عنه .


توجيهه :
هذا القول أعمُّ من الذي قبله ، فهو لترك الاستجابة بعضها أو كلها ، و مستنده قوله صلى الله عليه وسلم ( من نوقش الحساب عُذّب ) .
فسوء الحساب هي المناقشة ، ذكره النحاس ، ثم مآله إلى جهنم زيادة في العذاب .


الدراسة والترجيح :
أمّا القول الأول فهو مبني على الكفر بالله والشرك به ، واستُدلّ على معناه من محكمات في الكتاب كقوله تعالى : {الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل اللّه أضلّ أعمالهم}.
قال الزجاج : ألاّ تقبل منهم حسنة ولا يتجاوز لهم عن سيئة، وأن كفرهم أحبط أعمالهم .
أما القول الثاني : وهو المناقشة ، فيحتمل دخول عصاة المسلمين أيضا ، الذين رجحت سيئاتهم على حسناتهم ،
وكلاهما فيه عطب كما قال النحاس ، فأي جهد وبلاء فيمن نوقش الحساب ، و في المناقشة عذاب دون العذاب .
أو تكون فيمن ردّت كل حسناته و أّخذ بكل سيئاته وهذا هو الكافر والمشرك ، أما مناقشة الحساب فتأولُ به إلى النار ثم إن كان معه أصل التوحيد خرج منها ، وإن لم يكن فهو خالد مخلد فيها ، نعوذ بالله أن تمسنا النار .
والتفسيرين القول بهما من قبيل اختلاف التنوع لا التضاد ، ولا مانع من حمله على كليهما ، فإنّ المؤاخذة على كل الأعمال من سوء الحساب ، والمناقشة عليها من سوء الحساب أيضا ، والله تعالى أعلم .

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 30 محرم 1441هـ/29-09-2019م, 02:15 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

مجلس أداء التطبيق الثالث من تطبيقات مهارات التخريج



خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول زر بن حبيش: (الظنين المتّهم، وقي قراءتكم {بضنين} والضنين البخيل).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه

التخريج:
أخرجه الطبري من طريق مهران ووكيع وعبدالرحمن كلهم عن سفيان عن عاصم عن زر
ولفظ عبدُ الرحمنِ: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)، قالَ: الظَّنِينُ المُتَّهَمُ. وفي قِرَاءَتِكُم: {بِضَنِينٍ}، والضنينُ: البَخِيلُ، والغَيْبُ: القُرْآنُ.
ولفظ وكيع: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)، قالَ: الغَيْبُ القرآنُ، وفي قِرَاءَتِنَا (بِظَنِينٍ): مُتَّهَمٍ.
ولفظ مهران: (وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِظَنِينٍ)، قالَ: في قِراءَتِنَا: بِمُتَّهَمٍ، ومَنْ قَرَأَها: {بِضَنِينٍ}، يقولُ: بِبَخِيلٍ.

كما عزاه السيوطي في الدر المنثور 15/ 278 لعبد بن حميد عن زر، ولفظه: الغيبُ: القرآنُ, في قِرَاءَتِنَا, (بظَنِينٍ): بمُتَّهَمٍ, وفي قِرَاءَتِكُم {بضَنِينٍ}: ببَخِيلٍ). ولم أعثر عليه.

تعليق:
يفهم من الرواية المذكورة بجميع ألفاظها أن زر قرأ " بظنين" بالظاء وفسرها بحسب قراءته لعلمه رحمه الله بالتفسير، كما أنه كان على اطلاع على الرواية الأخرى وأقرها وفسر معناها ولم ينكرها
وقد لفت نظري أن زر رحمه الله أقرأ من الروايات السبعية عاصم وحمزة وكلاهما يقرأ بالضاد، وبعد شيء من التأمل والبحث اليسير، أتوقع أن السبب أن القراءات السبع إنما أثبتت في زمن متأخر والغالب أن زر رحمه الله تلقى القراءتين وأقرأ بهما إلا أن الله كتب أن تحفظ روايته بالضاد، والله أعلم.


التوجيه:
جمع زر رحمه الله بين كونه عالما باللغة العربية، وبين اجتهاده في تلقي العلم عن ابن مسعود وأبي بن كعب رضي الله عنهما وقد لزم أبي وقرأ عليه وأكثر من سؤاله عن التفسير
والرواية التي بين أيدينا لها علاقة باللغة العربية وبالتفسير وبالقراءات وزر رحمه الله جمع من العلوم الثلاثة ما مكنه من القول في معنى المفردتين بإرجاعهما لمعنى صحيح في اللغة متوافق مع ما عرف عنه صلى الله عليه وسلم من أمانته على الغيب وكونه غير متهم ولا بخيل، وفسرها بما ثبت عنده من قراءات مسندة.

تحرير المسألة:
بالرجوع لما كتب عن الآية في بعض كتب القراءات والتفسير نخلص إلى:

أولا: القراءات
القراءتان سبعيتان ثابتتان عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد قرأ:
- " بظنين" ابن كثير وأبو عمرو والكسائي
- "بضنين" نافع وعاصم وابن عامر وحمزة

وقد رجح الطبري قراءة الضاد بحجة اتفاق مصاحف المسلمين عليها، وبالتالي رجح المعنى المرتبط بالبخل.
ولا وجه لهذا الترجيح إذ القراءتان سبعيتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد فصل ابن عاشور في أسباب رد هذا الترجيح بما ملخصه:
1. أن القراءتان سبعيتان ثابتتان عن النبي صلى الله عليه وسلم.
2. أن تواتر القراءة أقوى من تواتر الخط إن اعتبر للخط تواتر.
3. أن مَا ذُكِرَ مِنْ شَرْطِ مُوَافَقَةِ الْقِرَاءَةِ لِمَا فِي مُصْحَفِ عُثْمَانَ لِتَكُونَ قِرَاءَةً صَحِيحَةً تَجُوزُ الْقِرَاءَةُ بِهَا، إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَاتِ الَّتِي لَمْ تُرْوَ متواترة.
4. نقل كلاما لأبو عبيدة هو أن:" الضَّادَ وَالظَّاءَ لَا يَخْتَلِفُ خَطُّهُمَا فِي الْمَصَاحِفِ إِلَّا بِزِيَادَةِ رَأْسِ إِحْدَاهُمَا عَلَى رَأْسِ الْأُخْرَى فَهَذَا قَدْ يَتَشَابَهُ وَيَتَدَانَى"
5. رأى أنه لَمَّا كَانَتِ الْقِرَاءَتَانِ مُتَوَاتِرَتَيْنِ عَنِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَمَدَ كُتَّابُ الْمَصَاحِفِ عَلَى إِحْدَاهُمَا وَهِيَ الَّتِي قَرَأَ بِهَا جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ وَخَاصَّةً عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ، وَأَوْكَلُوا الْقِرَاءَةَ الْأُخْرَى إِلَى حفظ القارئين.

كما نقل ابن عطية عن أبي عبيد ترجيحه لقراءة الظاء لأن قريشا لم تبخل محمدا صلى الله عليه وسلم فيما يأتي به وإنما كذبته، فقيل ما هو بمتهم.

ويقال في هذا الترجيح ما قيل في الترجيح قبله إذ ما دامت القراءتان مرويتان عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح أجمعت عليه الأمة فلا وجه لترجيح إحداهما على الأخرى.

ثانيا المعنى:
اتفق كل من قرأت له في التفسير على المعنيين المذكورين في الرواية، بما محصلته:
- "ضنين" بمعنى: الْبَخِيلُ الَّذِي لَا يُعْطِي مَا عِنْدَهُ، مُشْتَقٌّ مِنَ الضَّنِّ بمعنى البخل، فيكون المعنى أنه ينفي عنه بخله بتعليمهم ما علمه الله وما أنزل عليه من كتابه.
- «ظَنِينٍ» بمعنى: المتهم بالكذب، مُشْتَقٌّ مِنَ الظَّنِّ بِمَعْنَى التُّهْمَةِ، فيكون المعنى أنه ينفي عنه الكذب فيما يخبر به من الغيب.

وفصل بعضهم مثل الماوردي، وابن الجوزي وابن عاشور في المعنى المتعلق بالبخل في قراءة "ضنين"، فأرجعوه إما للبخل بما أوحي إليه فلا يؤديه إلا بمقابل كما يفعل الكهان، أو بكتمانه فيبخل بشيء منه أن يؤديه.

وذكر البعض مثل: الطبري والفراء وابن عطية والماوردي معنى آخر لقوله " ظنين" وهو الضعف يقال: "بئر ظنون" أي قليلة الماء قال الفراء: "والعرب تَقُولُ للرجل الضعيف أَوِ الشيء القليل: هُوَ ظنون. سمعت بعض قضاعة يَقُولُ: ربما دلّك عَلَى الرأي الظنون، يريد: الضعيف من الرجال"

والخلاصة:
أن القراءتين متواترتين ومعناهما صحيح، ولم أر تعارضا بين جميع المعاني التي ذكرت، والرواية محل الدراسة تظهر لنا أن التابعي الجليل العالم باللغة والتفسير والقراءة فسر كلا القراءتين ولم ينكر أيا منهما ولم يرجح إحداهما على الأخرى، وهذا مما يظهر لنا جانبا من تعلق علم القراءات بالتفسير والثراء الذي يحصل للمفسر إذا تأمل في القراءات.

قال ابن كثير بعد أن فصل في معنى القراءتين: قُلْتُ: وَكِلَاهُمَا مُتَوَاتِرٌ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ كَمَا تَقَدَّمَ.
وقال ابن عاشور: وَإِذ تَوَاتَرَتْ قِرَاءَةُ بِضَنِينٍ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ، وبظنين بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ عَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَهُ بِالْوَجْهَيْنِ وَأَنَّهُ أَرَادَ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ.

وقد كان عليه الصلاة والسلام أمينا على الوحي غير متهم بالكذب ولا بخيل بتعليم ما علمه الله لا يسأل الخلق مقابلا على تعليمهم كما أنه كان قويا في تبليغ الرسالة، قال السعدي: بعثه الله في أمة أمية، جاهلة جهلاء، فلم يمت صلى الله عليه وسلم حتى كانوا علماء ربانيين، وأحبارا متفرسين.

وفي نهاية هذه الدراسة يتجدد لنا الانبهار بدقة استعمال المفردات في القرآن الكريم حيث حوت هذه اللفظة عددا من المعاني التي تخلص نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام من عدد من التهم المتعلقة بتبليغ الوحي ليكتمل نظم الآيات على نسق بديع شامل يؤدي المعنى بأبهى عبارة..
قال تعالى: {وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24) }
" فَنَفَى عَنْهُ نَقْصَ التَّلَقِّي بِنَفْيِ آفَةِ الْجُنُونِ
وَأَثْبَتَ لَهُ اللُّقْيَا، فَلَمْ يَلْتَبِسْ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِغَيْرِهِ، وَهِيَ أَعْلَى دَرَجَاتِ السَّنَدِ
ثُمَّ نَفَى عَنْهُ التُّهْمَ المتعلقة بالتبليغ سواء كانت هذه التهمة كذبا أو بخلا أو ضعفا." أضواء البيان باختصار وتصرف

فسبحان من أحكم آياته، وأعان على تبليغها، وحفظها.

2: قول أبي العالية الرياحي في تفسير قول الله تعالى: {إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم} قال: (قال: إنما هم هؤلاء النصارى واليهود الذين كفروا، ثم ازدادوا كفرًا بذنوب أصابوها، فهم يتوبون منها في كفرهم).
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

التخريج:
روى هذا الأثر ابن جرير وابن أبي حاتم وابن المنذر في تفاسيرهم من طريق داود بن أبي هند عن أبي العالية بعدة أسانيد في ألفاظها اختلاف يسير لكنها متطابقة في المعنى، ورواه عبد بن حميد كما في الدر المنثور.

التوجيه:
والله أعلم أن قول أبي العالية مثالا من الأمثلة التي تنطبق الآية عليها، وقد خص الآية باليهود والنصارى متابعة لسياق الآيات التي تتحدث عنهم، ولا يمنع من حمل الآية على غير ذلك من المعاني الصحيحة.

تحرير المسألة:
في الآية عدة مباحث تطرق لها المفسرون:

الأول: من المقصود بالآية؟
فقال بعضهم أنهم اليهود خاصة وقال آخرون بل هم أهل الكتاب عامة، والبعض قال إنها نزلت في أصحاب الحارث بن سويد، والبعض عمم المقصود بالآية ولم يخصصها بفئة معينة.

الثاني: ما المقصود بالكفر بعد الإيمان، وما المقصود بزيادة الكفر؟
وقد تعددت عبارات المفسرين في تحديد المقصود هنا على أقوال منها:
• على اعتبار أن المقصود بهم اليهود خاصة:
-أن كفرهم الأول هو كفرهم بالمسيح بعد إيمانهم بموسى وزيادتهم في الكفر هي كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
• على اعتبار أن المقصود بهم أهل الكتاب:
1. أن كفر اليهود كما قيل في الفقرة السابقة وكفر النصارى كفرهم بعبادتهم لعيسى بعد أن آمنوا به وزيادتهم في الكفر هي كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم.
2. أن الكفر الأول هو كفرهم بأنبيائهم، قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، وزيادتهم في الكفر هي كفرهم بمحمد.
3. أن الكفر الأول هو كفرهم بمحمد صلى الله عليه وسلم بعد إيمانهم بأنبيائهم، وزيادتهم في الكفر إما ذنوبهم، أو استمرارهم على كفرهم حتى ماتوا.
• على اعتبار أن المقصود بهم أصحاب الحارث بن سويد.
- أن الكفر الأول ارتدادهم بعد إيمانهم، وزيادتهم اقامتهم على الكفر.
• على اعتبار أن المقصود بهم فئة مرتدة مخصوصة:
- أن الكفر الأول هو ارتدادهم بعد إسلامهم، ثم اظهارهم الرغبة في الرجوع للإسلام كذبا فأظهر الله أمرهم.

الثالث: معنى عدم قبول توبتهم وكيفية الجمع بين هذه الآية وما ثبت في غيرها من قبول توبة الكافر والمذنب ولو تكرر منهم الكفر والذنب إذا صدقوا وقد قيل فيها عدة أقوال منها:
1. أنهم لم يصدقوا التوبة وإنما قالوا بها نفاقا فأظهر الله أمرهم، فَالْمُرَادُ بِعَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ تَصْدِيقِهِمْ فِي إِيمَانِهِمْ.
2. وَقِيلَ الْمُرَادُ الَّذِينَ ارْتَدُّوا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَمَاتُوا عَلَى الْكُفْرِ، فَالْمُرَادُ بِالِازْدِيَادِ الِاسْتِمْرَارُ وَعَدَمُ الْإِقْلَاعِ.
3. أَنَّ الْكُفْرَ قَدْ رَسَخَ فِي قُلُوبِهِمْ فَصَارَ لَهُمْ سَجِيَّةً لَا يُحَوَّلُونَ عَنْهَا، فَإِذَا أَظْهَرُوا التَّوْبَةَ فَهُمْ كَاذِبُونَ، فَيَكُونُ عَدَمُ الْقَبُولِ بِمَعْنَى عَدَمِ الِاطْمِئْنَانِ لَهُمْ، وَأَسْرَارُهُمْ مَوْكُولَةٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى.
4. أنه لا يقبل توبتهم التي كانوا عليها قبل أن يكفروا لأن الكفر أحبطها.
5. أنهم تابوا من الذنوب مع إقامتهم على كفرهم ولم يتوبوا من كفرهم فلا يقبل منهم.
6. أن المقصود عدم قبول التوبة إذا حضر الموت وهو كقوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ} وَمِنْهُ الْحَدِيثُ: «إِنَّ اللَّهَ يَقْبَلُ تَوْبَةَ الْعَبْدِ مَا لَمْ يُغَرْغِرْ».
7. أن توبتهم لا تقبل بعد الموت، فعبر عن الموت على الكفر بعدم قبول التوبة، وفي هذه الحالة تكون الآية بعدها: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار..} كالبيان لها.
8. أنهم لن يوفقوا للتوبة، وهو كقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}، وقوله{لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ}، فيكون ذلك كِنَايَةٌ عَنْ أَنَّهُمْ لَا يَتُوبُونَ فَتُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ } أَيْ لَا شَفَاعَةَ لَهَا فَتُقْبَلُ، ويدل عليه قَوْلِهِ: {وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ}، وسبب عدم توفيقهم هو إعراضهم قال تعالى {ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة} {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم} فالسيئات ينتج بعضها بعضا.

الترجيح:
لم أر في كل ما ذكر تعارض وإنما هي أمثلة على معان صحيحة يمكن أن تحمل عليها الآية وتفسر بها، وإن كان بعضها أكثر تعلقا بالآية وأكثر وضوحا، إلا أنها كلها صحيحة والأولى حمل الآية على العموم وضرب الأمثلة يزيد وضوح الآية ويجليها.
وقد رجح الطبري المعنى المذكور في رواية أبي العالية وأطال الاستشهاد له ورد غيره من الأقوال، وفضل بعض المفسرين بعض الأقوال على بعض والله أعلم.


المعذرة بإذن الله أكمل قريبا

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 1 صفر 1441هـ/30-09-2019م, 12:09 PM
ضحى الحقيل ضحى الحقيل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2015
المشاركات: 666
افتراضي

تتمة مع الاعتذار

تابع للترجيح في قول أبي العالية:
وأجمعوا على قبول التوبة من التائب سواء من الكفر أو ما دونه إذا حققت الشروط
لما ثبت بالأدلة القطعية من القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، وأن الواجب حمل النصوص التي فيها عدم قبول التوبة على معنى من المعاني الصحيحة التي تحتملها.

قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى بعد أن استطرد في إثبات أدلة قبول التوبة:
"وهو سبحانه في آل عمران ذكر المرتدين ثم ذكر التائبين منهم ثم ذكر من لا تقبل توبته ومن مات كافرا فقال :{إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون } { إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب أليم وما لهم من ناصرين }. وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا: قيل لنفاقهم وقيل لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت فيكون هذا كقوله: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار}"

والله أعلم.



3: قول سعيد بن جبير في الصاحب بالجنب قال: (الرفيق في السفر).


الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله:
التخريج:
رواه الصنعاني والطبري في تفسيرهما من طريق سفيان الثوري عن أبي بكير عن سعيد بن جبير في قوله تعالى {والصاحب بالجنب} قال: الرفيق في السفر، كما روى مثله النهدي عن مورق أو مرزوق مولى الشّعبيّ عن سعيد بن جبيرٍ.

التوجيه:
التفسير هنا مثال لأحد من وصانا سبحانه بإحسان صحبتهم وهو رفيق السفر إذ بين حقه لألا يغفل عنه ولا يمنع من وجوب الإحسان لغيره من الأصحاب.

تحرير المسألة:
قيل في المراد بالصاحب بالجنب ثلاثة أقوال:

الأول: أنه الرفيق في السفر، روي عن علي وعبد الله وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك، وذكره الزجاج والطبري والماوردي وابن الجوزي وابن عاشور والسعدي.
الثاني: أن المراد الزوجة، روي عن علي وعبد الله وابن عباس وابن أبي ليلى، وإبراهيم، وذكره الطبري والماوردي وابن الجوزي وابن عاشور والسعدي.
الثالث: أنه الرفيق والملازم، روي عن ابن عباس وابن زيد، وذكره الطبري والماوردي وابن الجوزي وابن عاشور والسعدي.

الترجيح:
لا تعارض بين الأقوال وإنما هي أمثلة على من أمر بالإحسان إليهم لصحبتهم والأولى حمل الآية على العموم.

قال الطبري:
وإن كان الصّاحب بالجنب محتملا معناه ما ذكرناه من أن يكون داخلا فيه كلّ من جنب رجلاً يصحبه في سفرٍ أو نكاحٍ أو انقطاعٍ إليه واتّصالٍ به، ولم يكن اللّه جلّ ثناؤه خصّ بعضهم ممّا احتمله ظاهر التّنزيل؛ فالصّواب أن يقال: جميعهم معنيّون بذلك، وبكلّهم قد أوصى اللّه بالإحسان إليه.

وقال السعدي:
قيل: الرفيق في السفر، وقيل: الزوجة، وقيل الصاحب مطلقا، ولعله أولى، فإنه يشمل الصاحب في الحضر والسفر ويشمل الزوجة.

4: قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} قال: (إنما ذاك في الصلاة).


التخريج:
رواه الطبري في تفسيره عن طريق ابن جريج عن عبد الله بن كثير عن مجاهد قال: صلّيت الصّبح مع سعيد بن المسيّب، فلمّا سلّم الإمام ابتدر النّاس القاصّ، فقال سعيدٌ: ما أسرعهم إلى هذا المجلس، قال مجاهدٌ: فقلت: يتأوّلون ما قال اللّه تعالى، قال: وما قال؟ قلت: {ولا تطرد الّذين يدعون ربّهم بالغداة والعشيّ}، قال: وفي هذا ذا؟ إنّما ذاك في الصّلاة الّتي انصرفنا عنها الآن، إنّما ذاك في الصّلاة.

التوجيه:
قوله إنما ذاك في الصلاة تفسير لمعنى الدعاء الوارد في الآية، ولا يخفى أن الصلاة في اللغة الدعاء وهي أحد المعاني الصحيحة لمعنى الدعاء الوارد في الآية وإن لم تقتصر عليه.

التحرير والدراسة:
تنوعت عبارات السلف في تفسير معنى الدعاء الوارد هنا ومما قالوا:

1. أنه الصلوات المكتوبة وخصها بعضهم بصلاة الصبح والعصر والبعض بصلاة الجماعة، قاله ابن عباس وابن عمر وإبراهيم، ومجاهد والحسن والضحاك وقتادة وسعيد بن المسيب وأبي عمرة وعامر وعبد الرحمن، وذكره الطبري وابن عطية والماوردي وابن الجوزي وابن عاشور.
2. أنه الدعاء، ذكره ابن عطية والشوكاني.
3. أنه ذكر الله، قاله إبراهيم ومنصور، وذكره الطبري والماوردي وابن الجوزي والشوكاني.
4. أنه تعظيم القرآن وقراءته وتعلمه غدوة وعشيا، قاله أبو جعفر، وذكره الطبري والماوردي وابن الجوزي والشوكاني.
5. أنه عبادة الله وتوحيده والإخلاص له، قاله الضحاك، وذكره الطبري وابن عطية وابن الجوزي والشوكاني.
6. أنه إعلان الإيمان بالله بالقول المستلزم للاعتقاد قاله ابن عاشور.
7. قال بعض القصاص: إنه الاجتماع إليهم غدوة وعشيا فأنكر ذلك ابن المسيب وغيره وقال: إنما الآية في الصلاة كما هو في الأثر محل الدراسة


الترجيح:
كل المعاني التي ذكرت صحيحة في معنى الدعاء إلا القول بأنه الاجتماع للقصاص قال الطبري:

"والدّعاء للّه يكون بذكره وتمجيده والثّناء عليه قولاً وكلامًا، وقد يكون بالعمل له بالجوارح الأعمال الّتي كان عليهم فرضها وغيرها من النّوافل الّتي ترضي، والعامل له عابده بما هو عاملٌ له، وقد يجوز أن يكون القوم كانوا جامعين هذه المعاني كلّها، فوصفهم اللّه بذلك بأنّهم يدعونه بالغداة والعشيّ، لأنّ اللّه قد سمّى العبادة دعاءً، فقال -تعالى-: {وقال ربّكم ادعوني أستجب لكم إنّ الّذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنّم داخرين}. وقد يجوز أن يكون ذلك على خاصٍّ من الدّعاء".

والله أعلم.

5: قول إبراهيم النخعي في تفسير المراد بسوء الحساب: ( هو أن يحاسب الرجل بذنبه كله، لا يغفر له منه شيء).

التخريج:
أخرجه الطبري في تفسيره من طريق فرقد السبخي عن إبراهيم النخعي، كما أخرج نحوه سعيد بن منصور عن خلف بن خليفة عن رجل عن إبراهيم، وعزاه السيوطي في الدر المنثور لأبي الشيخ.

التوجيه:
سوء الحساب ينتفي معه أن يدرك المحاسب رحمة الله بمغفرة ذنوبه وتجاوزه عنها، ولا يخلو العبد من ذنوب لو أحاطت به أهلكته، ويظل يتتبع أبواب الخير التي وعد الله عليها بمغفرة الذنوب والتجاوز عنها وما أكثرها وما أزهد العباد فيها!!
فيأتي تفسير إبراهيم رحمه الله لهذه الآية ليقع على قلب المؤمن محذرا إياه من تبعة استقصاء ذنوبه، ومحفزا له على بذل جهده في الإحسان والتوبة.

التحرير:.
لم أجد خلافا يذكر في هذه المسألة وقد تنوعت عبارات المفسرين في التعبير عن معنى سوء الحساب بمعان فيها شبه لا تخرج عن هذه الأقوال:
1. أن يؤخذوا بجميع ذنوبهم فلا يغفر منها شيء: {يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا}، قاله فرقد السبخي وشهر بن حوشب وإبراهيم، وذكره الزجاج والطبري والماوردي وابن الجوزي والسعدي الموسوعة
2. أن المقصود مناقشة الأعمال " من نوقش الحساب عذب" ، ذكره الزجاج والماوردي وابن الجوزي وابن كثير والموسوعة.
3. أنه التقريع والتوبيخ الذي يرافق الحساب، ذكره الماوردي وابن الجوزي وابن عاشور.
4. ألا يقبل منهم حسنة ولا يغفر لهم سيئة لأن كفرهم أحبط عملهم (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ)، ذكره الزجاج الماوردي وابن الجوزي
5. أنه ما أفضى إليه حسابهم من عقاب، ذكره الماوردي
وكلها معان صحيحة لسوء الحساب أعاذنا الله ووالدينا وأحبابنا ومن علمنا حرفا ومن له حق علينا من سوء الحساب.

والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 15 ربيع الأول 1441هـ/12-11-2019م, 09:11 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي

أحسنتم جميعاً بارك الله فيكم

توصيات عامة:
- آمل مواصلة التمرن على تخريج الأحاديث والآثار لأهميتها، والاطلاع على تخريجات المحدثين وكبار المحققين لتستفيدوا من طريقتهم، وتعتادوا لغة أهل العلم في التخريج.
- آمل من كل طالب النظر في تطبيقات زملائه ليستدرك ما فاته من التخريج والتوجيه، ويحبّر إجابته ثم يضيفها إلى أصله العلمي في التفسير، وهكذا في كلّ مجلس.


علاء: أ
- واصل التمرن على التخريج وحاول اختصار العبارة فيه.
- فرقد السبخي رجل صالح وكان نصرانياً فأسلم لكنه ضعيف الحديث على قول الجمهور وقال العجلي: لا بأس به.
وقال البخاري: (فرقد أبو يعقوب السبخي عن سعيد بن جبير في حديثه مناكير).
فالجرح فيه من جهة ضعف ضبطه، وكقولك عنه (ليس بثقة) يشعر بجرح عدالته، والأولى اتباع عبارة أهل الجرح والتعديل.


نورة الأمير: أ
- تخريج القراءات يُرجع فيه إلى كتب القراءات، وليس إلى كتب التفسير والأحاديث، لأن القراءات المشهورة محررة فيها
إلا ما كان من قبيل الأحرف التي تركت القراءة بها؛ فلا بأس بتخريجها من الكتب المسندة في القراءات والحديث وعلوم القرآن.
- القراءات إذا صحّت فلا يرجّح بينها، بل تقبل جميعاً من جهة المعنى، ومن جهة القراءة يتبع القارئ الإمام الذي يقرأ بروايته، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرأوا كما عُلّمتم).
- لديك ملكة حسنة في التحرير والتوجيه فلو حاولت التعبير بأسلوبك بعبارة مختصرة أولى من الاقتباسات التي تتفاوت أساليب قائليها.

قولك: (رواه الطبري عن ابن جريجٍ: وأخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ) = رواه الطبري من طريق ابن جريجٍ قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ ... إلخ.

عقيلة: أ
- أحسنت في التحرير والتوجيه، ولديك براعة في محاولة الوقوف على محل الإشكال وتحرير محلّه وتفصيل القول فيه، ومحاولة إعطاء كلّ قول حقه من الاحتجاج، وهذه ملكات حسنة.
- قولك: (ولو كان المراد البخل لقال بالغيب) هذا يشعر بالاستدراك على القراءة الصحيحة، وهو أمر لا ينبغي لطالب العلم، نعذر العلماء المتقدمين قبل اشتهار القراءات السبع المتواترة كالفراء وابن جرير وأضرابهما لأن انتقادهم لبعض القراءات قد يكون لاعتقاد شذوذها وضعف بعض رواتها، وأما بعد استقرار الإجماع على قبول هذه القراءات المتواترة فلا يسوغ الطعن فيها، وما يُشكل منها على الناظر يطلب توجيهه بطرق التوجيه المعتبرة.
- تخريج قول أبي العالية فيه نقص وضعف في الصياغة.
- قولك: (أو كانت توبة بعد الكفر) لعلها توبة بعدها كفر ، لأن التوبة بعد الكفر هي توبة من الكفر.
- قولك: (التخريج
قول سعيد بن المسيّب في قول الله تعالى: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي} 52 انعام قال: (إنما ذاك في الصلاة).
تخريج قول سعيد بن جبير ) = الصواب سعيد بن المسيب.
- ولو خرجّت الأثر من مخرجه أولى من سياق الإسناد كاملاً،
- آمل قراءة تعليقي على تطبيق الأخ علاء فيما يخص فرقد السبخي.
- قول إبراهيم النخعي هو كالقول المنسوب إلى أبي الجوزاء.


سارة: ب+
- قولك: (ذكرتم حفظكم الله أن لا ترجيح بين القراءات إذا صحت جميعها ، فما وجه ترجيح المتقدمين من العلماء، قال ابن جرير في هذه الآية ( وَأَوْلَى القراءَتَيْنِ في ذلكَ عندِي بالصَّوابِ: ما عليهِ خُطُوطُ مصاحِفِ المُسْلِمِينَ مُتَّفِقَةً، وإِن اخْتَلَفَتْ قِرَاءَتُهم بهِ ) .
الجواب: أن ابن جرير رحمه الله متقدّم على زمان اشتهار القراء السبعة ، وأوّل من اختار السبعة هو تلميذه ابن مجاهد، واقرأي تعليقي على تطبيق الأخت عقيلة.
- تخريج قول أبي العالية لو اختصرتيه هكذا: رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن داوود بن أبي هند عنه، لكان أجود وأخصر.
- قولك: ( أخرجه ابن جرير من طريق ابن جريجٍ عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عنه ، ولم أجد ابن كثير هذا في طلاب ابن المسيب) : عبد الله بن كثير المكي تلميذ مجاهد بن جبر ، ومجاهد روى هذا القول عن سعيد بن المسيب كما في تفسير ابن جرير؛ فقولك عنه يشعر بأن ابن كثير روى هذا القول عن سعيد بن المسيب وهو خطأ.

ضحى: أ+
- أحسنت التخريج والتوجيه وتحرير المسائل، بارك الله فيك وزادك علماً ونفع بك.
- قولك: (قاله أبو جعفر، وذكره الطبري) من المقصود بأبي حعفر؟




رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المجلس, الرابع

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع
إبحث في الموضوع:

البحث المتقدم
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:25 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir