دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة البناء في التفسير > منتدى المسار الثالث

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 29 ذو الحجة 1443هـ/28-07-2022م, 11:57 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

"عبد الله بن عمرو _ عزيمة وثبات "
العزم فضلٌ من الله يؤتيه عبده الصادق إذا رأى منه نية صالحة وهمة عالية ..
فمن علم عزم ، ومن جاهد وصل ،ومن ثبت نبت .
وسيرة هذا الصحابي الجليل مثال للعزيمة الصادقة والهمة المتدفقة ،والسبق إلى المعالي والقوة في العبادة .
"نعم البيت عبدالله وأبو عبدالله وأم عبد الله "
قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
فياله من فخر وشرف حظي به إلى يوم الدين .
ترعرع في هذا البيت الشاب عبدالله بن عمرو العابد التقي العالم الرباني ،وقد نال قدم السبق حيث أسلم رضي الله عنه قبل أبيه الذي يكبره بثلاثة عشر سنة فقط .
وكم للشباب من توقٍ وهمة إن استغلت ووضعت موضعها الصحيح ..
وكذلك لفتة مهمة لنا، ولكل شاب وشابة .
ماذا ترى قدمنا لهذا الدين ...؟ !
وهل لنا بصمة نرضي بها ربّ العالمين..؟

فاللهمّ أترك لنا في الأخرين .
واجعلنا ممن يحمل همّ هذا الدين .

*الشاب عبدالله بن عمرو والعبادة:
منذ أسلم " عبد الله بن عمرو " حُبب إليه العلم والعبادة .
فجمع بين العلم والعمل واشتهر بكثرة الحديث والاجتهاد .
عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما .


وقد أعطى رضي الله عنه العبادة كلّ وقته ، وملئ كلّ جوانب حياته
فهو العابد الزاهد، القانت، الأواب...
ثمل رضي الله عنه بحلاوة الايمان، فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه ..
وما أجمل الشاب وهو ينشأ في طاعة الله وعبادته ،ليكون من السبعة الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبو هريرة رضي الله عنه المتفق على صحته
"سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله "...منهم شاب ٌّ نشأ في عبادة الله ".
ولنشأة الشاب في عبادة الله لها أثر كبيرٌ في التثبيث، والضمان بعد الله سبحانه وتعالى عن الإنحراف والإنسياق وراء الشهوات والمغيرات التي تعج بها هذه الحياة .

*عبدالله بن عمرو والقرآن .
عكف عبدالله على القرآن الذي كان يتنزل منجّما، فكان كلما نزلت منه آيات حفظها وفهمها، حتى اذا تمّ واكتمل، كان له صاحباً وحافظاً ،وبه عاملا ، متأنقا في رياضه اليانعات، باكي العين خاشع القلب ...
قد عمُر قلبه آياته ،وملأ جوانح نفسه عظاته ..
فكان عبده المطيع، يحلّ ما أحلّ، ويحرّم ما يحرّم ، يتقرب إليه بمحابه ومراضيه .
أورثته هذه العبادة قيام طويل ،وترنمٌ وترتيل ..
لذة مناجاة وعيش مع الآيات ..
ولا غرو في ذلك وهو الذي روى لنا حديث :" يقال لصاحب القرآن : »اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها «.
فكأني به وهو ينقل لنا هذا الحديث يتمثله قولاً وعملا وخلاقا ، قال سليمان بن ربيعة الغنوي: " كنا نُحدَّث أنه أشد الناس تواضعاً" .

صحب القرآن وأحبه ،وربما قرأه رضي الله عنه وأرضاه ، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمره بالقصد والاعتدال .
فالشاب عبدالله رضي الله عنه وأرضاه متقد الحماس ..
والعبادة ليست لمرحلة معينة ثم ينفك منها ، أو يأخذ ببعضها ويترك الأخر ، إنما هي استمرار وديمومة .
وذلك لأن كل مبالغ لا بد أن تنكسر همته، وتفتر قوته عن الجد عادة .

" إني أصوم وأفطر .. وأصلي وأنام .. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني "

قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ليكشف لنا حرص هذا الدين على القصد والاعتدال في نشدان كل تفوّق واكتمال..
وذلك حتى يبقى للنفس حماسها وأشواقها ..
وتبقى للجسد عافيته وسلامته !! ...
"فالمنبَتُّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " ...
"وهذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق "
ولننظر لهذا الحوار اللطيف بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذُكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته،
فقال لي: " ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟» فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير.
قال: " فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام"
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال "فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا"
قال: " فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبد الناس"
قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟
قال: " كان يصوم يوما ويفطر يوما"
قال: " واقرأ القرآن في كل شهر"
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل عشرين".
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل عشر".
قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا، ولزَورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا "
قال: فشدَّدت، فشُدِّد علي.
قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُر".
قال: " فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددتُ أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم"
ومع هذه المشقة التي وجدها في أخر عمره إلا إنه لزم ذلك، ولم يتركه خشية أن يترك شيئاً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

*"ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب"

قالها أبو هريرة رضي الله عنه مثنياً عليه مبيناً سبقه وفضله،
وقد ذكر أصحاب السير أنه بلغ ما أسند سبع مائة حديث ، اتفقا له على سبعة احاديث ،وانفرد البخاري بثمانية ،ومسلم بعشرين .
فقد كان الوحيد الذي أَذن له النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث؛ فكان يكتب ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب حديثاً كثيراً، وكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة.
فقيل له في ذلك ؛ إنك لكتب عن رسول صلى الله عليه وسلم في الغضب والرضا وهو بشر..؟
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما روى عمرو بن شعيب، قال: قلت: يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟، قال: نعم، قلت: في الرضا والسخط؟، قال: نعم، فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقا .
وعن مجاهد قال: رأيت عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها فقال: "هذه الصادقة! فيها ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه فيها أحد "


*عبدالله بن عمرو والجهاد
ومع هذا الشغف بالعلم والعبادة ،لم يكن رضي الله عنه متثاقلا حين يأتي أمر الله بالجهاد إذ يرى في مقدمة صفوف المجاهدين متمنياً الشهادة في الغزوات التي شارك فيها .
*مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ .
فكيف حملته ساقاه إذًا من المدينة الى صفين حيث أخذ مكانا في جيش معاوية في صراعه مع الامام علي رضي الله عنه.. ؟ !!
وإن مؤمنا من هذا الطراز ليصعب العثور عليه في معركة تدور رحاها بين جماعتين من المسلمين ...
والحق أن موقف عبد الله هذا، جدير بالتدبّر، بقدر ما سيكون بعد فهمنا له جديرٌ بالتوقير والإجلال ..
لما جاءت موقعة صفين ..
و همّ عمرو والد عبدالله بالخروج الى صفين دعاه إليه وقال له : يا عبد الله تهيأ للخروج، فإنك ستقاتل معنا ..
وأجابه عبد الله : " كيف وقد عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أضع سيفا في عنق مسلم أبدا .. ؟؟
وحاول عمرو بدهائه إقناعه ،
ثم ألقى مفاجأته الحاسمة قائلا لولده : " أتذكر يا عبد الله، آخر عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك : أطع أباك ؟ .. فاني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل " وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه، وفي عزمه الا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما ....
حدث نافعٌ عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا بِعِشْرِيْنَ سَنَةً -أَوْ قَالَ: بِعَشْرِ سِنِيْنَ - أَمَا وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ، وَلاَ رَمَيْتُ بِسَهْم. وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَتِ الرَّايَةُ بِيَدِهِ.


*مالعمل يارسول الله عند ورود الفتن .
قالها هذا الشاب التّقي مبادراً فزعا عندما ذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن محذراً منها ، ،ما اغتر بما هو عليه من خير وصلاح وحاشاه ذلك ،
-خرج أبو داود عن عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا» - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ نَعْمَلُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ الْخَاصَّةِ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ<<
ووالله ما أشد حاجتنا إلى تفهم هذا الحديث والعمل بما فيه ونحن نرى تنوع موارد الفتن ، واختلاف مشاربها ، وذلك لما للفتن من شأن عظيم وخطرٌ جسيم ومضرة على الناس شديدة ومهلكة إلا من تداركه الله برحمته وفضله، لذا تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من الفتن وبيان خطورتها، وورد في النصوص الدعاء بها بشكل يومي ومتكرر.

*قبس من كلام عبدالله بن عمرو:
(1) قال عبدالله بن عمرو: لو تعلمون حق العلم لسجدتم حتى تنقصف ظهوركم، ولصرختم حتى تنقطع أصواتكم، فابكوا فإن لم تجدوا البكاء فتباكوا؛
(2) وقال: لأن أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّقَ بألف دينار؛
(3) وقال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحبُّ إليَّ من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدَّق يمينًا وشمالًا؛

●وفاته
قال أحمد بن حنبل: مات عبد الله ليالي الحرَّة ، سنة ثلاث وستين.
وقال يحيى بن بكير: توفي عبد الله بن عمرو بمصر، ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين.

المراجع:
(1) الذهبي سير أعلام النبلاء(2) صفة الصفوة؛ لابن الجوزي .
(3) ابن منظور مختصر تاريخ دمشق ، وذكره أحمد في مسنده
(4) رواه أبو داوود
(5) البخاري
(6) رواه مسلم.
(7) رواه البخاري.
(8) سير أعلام النبلاء
(9) ابن سعد في الطبقات

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 محرم 1444هـ/7-08-2022م, 01:01 PM
إدارة برنامج الإعداد العلمي إدارة برنامج الإعداد العلمي غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: May 2019
المشاركات: 2,051
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منيرة محمد مشاهدة المشاركة
"عبد الله بن عمرو _ عزيمة وثبات "
العزم فضلٌ من الله يؤتيه عبده الصادق إذا رأى منه نية صالحة وهمة عالية ..
فمن علم عزم ، ومن جاهد وصل ،ومن ثبت نبت .
وسيرة هذا الصحابي الجليل مثال للعزيمة الصادقة والهمة المتدفقة ،والسبق إلى المعالي والقوة في العبادة .
"نعم البيت عبدالله وأبو عبدالله وأم عبد الله "
قالها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم
فياله من فخر وشرف حظي به إلى يوم الدين .
ترعرع في هذا البيت الشاب عبدالله بن عمرو العابد التقي العالم الرباني ،وقد نال قدم السبق حيث أسلم رضي الله عنه قبل أبيه الذي يكبره بثلاثة عشر سنة فقط .
وكم للشباب من توقٍ وهمة إن استغلت ووضعت موضعها الصحيح ..
وكذلك لفتة مهمة لنا، ولكل شاب وشابة .
ماذا ترى قدمنا لهذا الدين ...؟ !
وهل لنا بصمة نرضي بها ربّ العالمين..؟

فاللهمّ أترك لنا في الأخرين .
واجعلنا ممن يحمل همّ هذا الدين .

*الشاب عبدالله بن عمرو والعبادة:
منذ أسلم " عبد الله بن عمرو " حُبب إليه العلم والعبادة .
فجمع بين العلم والعمل واشتهر بكثرة الحديث والاجتهاد .
عن عبد الله: أنه رأى في المنام كأن في إحدى يديه عسلاً، وفي الأخرى سمناً، فإنه يلعقهما، فأصبح فذكر ذلك لرسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فقال: " تقرأ الكتابين التوراة والقرآن " فكان يقرؤهما .


وقد أعطى رضي الله عنه العبادة كلّ وقته ، وملئ كلّ جوانب حياته
فهو العابد الزاهد، القانت، الأواب...
ثمل رضي الله عنه بحلاوة الايمان، فلم يعد الليل والنهار يتسعان لتعبّده ونسكه ..
وما أجمل الشاب وهو ينشأ في طاعة الله وعبادته ،ليكون من السبعة الذين ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبو هريرة رضي الله عنه المتفق على صحته
"سبعة يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله "...منهم شاب ٌّ نشأ في عبادة الله ".
ولنشأة الشاب في عبادة الله لها أثر كبيرٌ في التثبيث، والضمان بعد الله سبحانه وتعالى عن الإنحراف والإنسياق وراء الشهوات والمغيرات التي تعج بها هذه الحياة .

*عبدالله بن عمرو والقرآن .
عكف عبدالله على القرآن الذي كان يتنزل منجّما، فكان كلما نزلت منه آيات حفظها وفهمها، حتى اذا تمّ واكتمل، كان له صاحباً وحافظاً ،وبه عاملا ، متأنقا في رياضه اليانعات، باكي العين خاشع القلب ...
قد عمُر قلبه آياته ،وملأ جوانح نفسه عظاته ..
فكان عبده المطيع، يحلّ ما أحلّ، ويحرّم ما يحرّم ، يتقرب إليه بمحابه ومراضيه .
أورثته هذه العبادة قيام طويل ،وترنمٌ وترتيل ..
لذة مناجاة وعيش مع الآيات ..
ولا غرو في ذلك وهو الذي روى لنا حديث :" يقال لصاحب القرآن : »اقرأ، وارتق، ورتل كما كنت ترتِّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها «.
فكأني به وهو ينقل لنا هذا الحديث يتمثله قولاً وعملا وخلاقا ، قال سليمان بن ربيعة الغنوي: " كنا نُحدَّث أنه أشد الناس تواضعاً" .

صحب القرآن وأحبه ،وربما قرأه رضي الله عنه وأرضاه ، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة ، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وأمره بالقصد والاعتدال .
فالشاب عبدالله رضي الله عنه وأرضاه متقد الحماس ..
والعبادة ليست لمرحلة معينة ثم ينفك منها ، أو يأخذ ببعضها ويترك الأخر ، إنما هي استمرار وديمومة .
وذلك لأن كل مبالغ لا بد أن تنكسر همته، وتفتر قوته عن الجد عادة .

" إني أصوم وأفطر .. وأصلي وأنام .. وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني "

قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ليكشف لنا حرص هذا الدين على القصد والاعتدال في نشدان كل تفوّق واكتمال..
وذلك حتى يبقى للنفس حماسها وأشواقها ..
وتبقى للجسد عافيته وسلامته !! ...
"فالمنبَتُّ لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى " ...
"وهذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق "
ولننظر لهذا الحوار اللطيف بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : حدثني عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، قال: كنت أصوم الدهر وأقرأ القرآن كل ليلة، قال: فإما ذُكرت للنبي صلى الله عليه وسلم، وإما أرسل إلي فأتيته،
فقال لي: " ألم أُخبر أنك تصوم الدهر وتقرأ القرآن كل ليلة؟» فقلت: بلى، يا نبي الله، ولم أرد بذلك إلا الخير.
قال: " فإن بحسبك أن تصوم من كل شهر ثلاثة أيام"
قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال "فإن لزوجك عليك حقا، ولزورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا"
قال: " فصم صوم داود نبي الله صلى الله عليه وسلم، فإنه كان أعبد الناس"
قال: قلت: يا نبي الله، وما صوم داود؟
قال: " كان يصوم يوما ويفطر يوما"
قال: " واقرأ القرآن في كل شهر"
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل عشرين".
قال: قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل عشر".
قال قلت: يا نبي الله، إني أطيق أفضل من ذلك.
قال: " فاقرأه في كل سبع، ولا تزد على ذلك، فإن لزوجك عليك حقا، ولزَورك عليك حقا، ولجسدك عليك حقا "
قال: فشدَّدت، فشُدِّد علي.
قال: وقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: " إنك لا تدري لعلك يطول بك عُمُر".
قال: " فصرت إلى الذي قال لي النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كبرت وددتُ أني كنت قبلت رخصة نبي الله صلى الله عليه وسلم"
ومع هذه المشقة التي وجدها في أخر عمره إلا إنه لزم ذلك، ولم يتركه خشية أن يترك شيئاً فارق عليه النبي صلى الله عليه وسلم.

*"ما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب"

قالها أبو هريرة رضي الله عنه مثنياً عليه مبيناً سبقه وفضله،
وقد ذكر أصحاب السير أنه بلغ ما أسند سبع مائة حديث ، اتفقا له على سبعة احاديث ،وانفرد البخاري بثمانية ،ومسلم بعشرين .
فقد كان الوحيد الذي أَذن له النبي صلى الله عليه وسلم في كتابة الحديث؛ فكان يكتب ما يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فكتب حديثاً كثيراً، وكانت عنده صحيفة يسميها الصادقة.
فقيل له في ذلك ؛ إنك لكتب عن رسول صلى الله عليه وسلم في الغضب والرضا وهو بشر..؟
فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما روى عمرو بن شعيب، قال: قلت: يا رسول الله، أكتب ما أسمع منك؟، قال: نعم، قلت: في الرضا والسخط؟، قال: نعم، فإنه لا ينبغي لي أن أقول في ذلك إلا حقا .
وعن مجاهد قال: رأيت عند عبد الله بن عمرو بن العاص صحيفة فسألت عنها فقال: "هذه الصادقة! فيها ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس بيني وبينه فيها أحد "


*عبدالله بن عمرو والجهاد
ومع هذا الشغف بالعلم والعبادة ،لم يكن رضي الله عنه متثاقلا حين يأتي أمر الله بالجهاد إذ يرى في مقدمة صفوف المجاهدين متمنياً الشهادة في الغزوات التي شارك فيها .
*مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ .
فكيف حملته ساقاه إذًا من المدينة الى صفين حيث أخذ مكانا في جيش معاوية في صراعه مع الامام علي رضي الله عنه.. ؟ !!
وإن مؤمنا من هذا الطراز ليصعب العثور عليه في معركة تدور رحاها بين جماعتين من المسلمين ...
والحق أن موقف عبد الله هذا، جدير بالتدبّر، بقدر ما سيكون بعد فهمنا له جديرٌ بالتوقير والإجلال ..
لما جاءت موقعة صفين ..
و همّ عمرو والد عبدالله بالخروج الى صفين دعاه إليه وقال له : يا عبد الله تهيأ للخروج، فإنك ستقاتل معنا ..
وأجابه عبد الله : " كيف وقد عهد إليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أضع سيفا في عنق مسلم أبدا .. ؟؟
وحاول عمرو بدهائه إقناعه ،
ثم ألقى مفاجأته الحاسمة قائلا لولده : " أتذكر يا عبد الله، آخر عهد عهده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أخذ بيدك فوضعها في يدي وقال لك : أطع أباك ؟ .. فاني أعزم عليك الآن أن تخرج معنا وتقاتل " وخرج عبد الله بن عمرو طاعة لأبيه، وفي عزمه الا يحمل سيفا ولا يقاتل مسلما ....
حدث نافعٌ عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، قَالَ:
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرٍو -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: مَا لِيَ وَلِصِفِّيْنَ، مَا لِيَ وَلِقِتَالِ المُسْلِمِيْنَ، لَوَدِدْتُ أَنِّي مِتُّ قَبْلَهَا بِعِشْرِيْنَ سَنَةً -أَوْ قَالَ: بِعَشْرِ سِنِيْنَ - أَمَا وَاللهِ عَلَى ذَلِكَ مَا ضَرَبْتُ بِسَيْفٍ، وَلاَ رَمَيْتُ بِسَهْم. وَذُكِرَ أَنَّهُ كَانَتِ الرَّايَةُ بِيَدِهِ.


*مالعمل يارسول الله عند ورود الفتن .
قالها هذا الشاب التّقي مبادراً فزعا عندما ذكر لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتن محذراً منها ، ،ما اغتر بما هو عليه من خير وصلاح وحاشاه ذلك ،
-خرج أبو داود عن عِكْرِمَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ حَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْفِتْنَةَ أَوْ ذُكِرَتْ عِنْدَهُ فَقَالَ: «إِذَا رَأَيْتَ النَّاسَ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا» - وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ - قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ نَعْمَلُ عِنْدَ ذَلِكَ؟ فَقَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ الْخَاصَّةِ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ<<
ووالله ما أشد حاجتنا إلى تفهم هذا الحديث والعمل بما فيه ونحن نرى تنوع موارد الفتن ، واختلاف مشاربها ، وذلك لما للفتن من شأن عظيم وخطرٌ جسيم ومضرة على الناس شديدة ومهلكة إلا من تداركه الله برحمته وفضله، لذا تكاثرت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في التحذير من الفتن وبيان خطورتها، وورد في النصوص الدعاء بها بشكل يومي ومتكرر.

*قبس من كلام عبدالله بن عمرو:
(1) قال عبدالله بن عمرو: لو تعلمون حق العلم لسجدتم حتى تنقصف ظهوركم، ولصرختم حتى تنقطع أصواتكم، فابكوا فإن لم تجدوا البكاء فتباكوا؛
(2) وقال: لأن أدمع دمعة من خشية الله عز وجل أحبُّ إليَّ من أن أتصدَّقَ بألف دينار؛
(3) وقال: لأن أكون عاشر عشرة مساكين يوم القيامة أحبُّ إليَّ من أن أكون عاشر عشرة أغنياء، فإن الأكثرين هم الأقلُّون يوم القيامة إلا من قال هكذا وهكذا، يقول: يتصدَّق يمينًا وشمالًا؛

●وفاته
قال أحمد بن حنبل: مات عبد الله ليالي الحرَّة ، سنة ثلاث وستين.
وقال يحيى بن بكير: توفي عبد الله بن عمرو بمصر، ودفن بداره الصغيرة سنة خمس وستين.

المراجع:
(1) الذهبي سير أعلام النبلاء(2) صفة الصفوة؛ لابن الجوزي .
(3) ابن منظور مختصر تاريخ دمشق ، وذكره أحمد في مسنده
(4) رواه أبو داوود
(5) البخاري
(6) رواه مسلم.
(7) رواه البخاري.
(8) سير أعلام النبلاء
(9) ابن سعد في الطبقات
أحسنت وفقك الله وسددك
أ+

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مذاكرة, مجلس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:56 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir