٩لقسم الرابع عشر:
المجموعة الثانية:
1. فسّر بإيجاز قول الله تعالى:
{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (193)}.
أمر عام من الله عز و جل للمسلمين بمقاتلة الكفار ({وَقَاتِلُوهُم) و ذلك لغاية عظيمة ( َحتّى لَا تَكُونَ فِتْنَة ) ينتهي الشرك و يظهر دين الله وحده، فلا يطاع على وجه الأرض غيرهـ و تكون كلمته هى العليا،(وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّه)، الطاعة لله وحده، ( فَإِنِ انْتَهَوْا ) فإن انتهوا عما هم عليه من الباطل و عادوا إلى ما فطرهم عليه من التوحيد فقد حصلوا أسباب النجاة لهم،( َلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ ) في الصّحيحين: "أمرت أن أقاتل النّاس حتّى يقولوا: لا إله إلّا اللّه، فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها، وحسابهم على اللّه"، أما من ثبت على ضلاله فقد ظلم نفسه، و لا عصمة له، و استحق القتال حتى يفىءإلى أمر الله.
و قيل أن المقصود بالفتنة هنا الاختبار و الانتهاء هو عن قتالهم المسلمين الذي في الآية( فإن قاتلوكم), و ما ذكرنا أولى و ذلك لمقابلة الفتنة للدين و الآيه كما ذكر المفسرون ناسخة.
2.*حرّر القول*في المسائل التالية:
أ: معنى قوله تعالى: {فاذكروا الله كذكركم آباءكم أو أشدّ ذكرا}.
١- القول الأول: كانت عادة العرب إذا قضت حجها تقف عند الجمرة فتتفاخر بالآباء وتذكر أيام أسلافها من بسالة وكرم وغير ذلك، فنزلت الآية ليلزموا أنفسهم ذكر الله تعالى أكثر من التزامهم ذكر آبائهم بأيام الجاهلية: نسبه ابن عطية إلى جمهور المفسرينـ، و روي عن أنس بن مالكٍ، وأبي وائلٍ، وعطاء بن أبي رباحٍ في أحد قوليه، وسعيد بن جبير، وعكرمة في إحدى رواياته، ومجاهدٍ، والسّدّيّ، وعطاءٍ الخراسانيّ، والرّبيع بن أنسٍ، والحسن، وقتادة، ومحمّد بن كعبٍ، ومقاتل بن حيّان، نحو ذلك كما نقل ابن كثير عن ابن أبي حاتم، وهكذا حكاه ابن جريرٍ أيضًا عن جماعةٍ، كما قال ابن كثير و قاله الزجاج.
٢- القول الثاني: اذكروا الله كذكر الأطفال آباءهم وأمهاتهم، أي فاستغيثوا به والجؤوا إليه كما كنتم تفعلون في حال صغركم بآبائكم. قاله كلاً من ابن عباس رواه عنه ابن جرير كما ذكر ابن كثير، و ابن عطية، و قاله عطاء، ذكر ذلك عنه ابن عطية و ابن كثير، و قاله أيضًا الضحاك و الربيع بن أنس ذكر ذلك عنهم ابن كثير.
٤- القول الثالث: اذكروا الله وعظموه وذبوا عن حرمه، وادفعوا من أراد الشرك والنقص في دينه ومشاعره، كما تذكرون آباءكم بالخير إذا غض أحد منهم وتحمون جوانبهم وتذبون عنهم،نسبه ابن عطيه إلى طائفة.
و ذكر ابن عطية قول محمد ابن كعب القرظي «كذكركم آباؤكم» أي اهتبلوا بذكره كما يهتبل المرء بذكر ابنه.
و يظهر من الأقوال أن مقصد الآيه أن يعظم الناس الله المستحق للتعظيم، ربهم و رب أبآئهم ، و تعليمهم أن المقام مقام عبودية لله وحده، فيقفون بين يديه متعلقين به تعلق الغريق، تعلق الطفل الذي لا يجد الأمان إلا مع أمه، بخضوع و ذل و افتقارـ فيجمع بين الأقوال: وصف لحالهم الذي يجب أن يكونوا عليه و أمر لهم بذكر الله المستحق الذكر، و بما يكون ذكرهم.
ب:*معنى قوله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص}.
1-الشهر الحرام الذي غلبكم الله فيه وأدخلكم الحرم عليهم بالشهر الحرام الذي صدوكم فيه، قاله ابن عبّاسٍ، والضّحّاك، والسّدّيّ، ومقسم، والرّبيع بن أنسٍ، وعطاءٍ، ذكر ذلك عنهم ابن عطية و ابن كيير و ذكره الزجاج.
و معني الحرمات : قصاصٌ على هذا التأويل: أي حرمة الشهر وحرمة البلد وحرمة المحرمين حين صددتم بحرمة البلد والشهر والقطان حين دخلتم، ذكره ابن عطية.
2-وقال الحسن بن أبي الحسن: نزلت الآية في أن الكفار سألوا النبي صلى الله عليه وسلم هل يقاتل في الشهر الحرام؟ فأخبرهم أنه لا يقاتل فيه، فهموا بالهجوم عليه فيه وقتل من معه حين طمعوا أنه لا يدافع فيه، فنزلت: الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ، : قاله الحسن البصري، ذكر ذلك عنه ابن عطية، و و ذكر ابن كثير نحو هذا القول مما روي عن جابر بن عبد اللّه، قال: لم يكن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يغزو في الشّهر الحرام إلّا أن يغزى ويغزوا فإذا حضره أقام حتّى ينسلخ.
ومعنى الحرمات على هذا القول: على هذا جمع حرمة عموما: النفس والمال والعرض وغير ذلك، فأباح الله بالآية مدافعتهم، ذكره ابن عطية.
اختار الزجاج القول الثاني؛ فقال أن تقدير الكلام (قتال الشهر الحرام).
مال ابن عطية للقول الأول فقال : قول الأول أكثر
ذكر ابن كثير رواية سبب النزول انها الأشهر الحرم التي صدوا فيها مسندة، و ذكر تطبيق للقول الثاني و لم يذكره كسبب نزول.
و الله أعلم يجوز أن يكون سبب نزول الآية هو ما كان من دخول المسلمين مكة في ذات الشهر الذي صدوا فيه سابقا و هو أول ما يدخل فيه المعنى، و المستفاد منها أيضا أن القتال يكون في الأشهر الحرم إذا قوتل المسلمين فيهم،و ذلك لحذف متعلق الشهر الحرام، و لأنه لا يوجد ما يمنع، و سياق الآيات يحتمل المعنين، و لما ذكر من آثار صحيحة الإسناد لتطبيق الرسول صلى الله عليه و سلم.
3. بيّن ما يلي:
أ:متعلّق الاعتداء في قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا
}.
وقيل في تفسيره قولان:
1_ قيل:{لا تعتدوا} : على غير من أمرتم بقتالهم، ذكره ابن عطية
2-قيل:{لا تعتدوا}أي: في القتل و التمثيل و الغلول و لا تجاوزوا في قتل النساء و الأطفال والرهبان وشبههم، ذكره ابن عطية و ابن كثير
قال ابن كثير تعقيبا على هذا القول: : ولهذا جاء في صحيح مسلمٍ، عن بريدة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يقول: "اغزوا في سبيل اللّه، قاتلوا من كفر باللّه، اغزوا ولا تغلّوا، ولا تغدروا، ولا تمثّلوا، ولا تقتلوا وليدًا، ولا أصحاب الصّوامع". رواه الإمام أحمد.
3- لا تعتدوا في نية القتال؛ أن لا تكون تعصبًا أو حمية، قاله ابن عطية.
و يجمع هذه الأقوال تجاوز الحد في القتال؛في النية و فيمن يقاتلونهم، و من كانت نيته لله لزم من ذلك السمع و الطاعة و لزوم الأمر و النهي في القتال.
ب: المراد بإتمام الحجّ والعمرة لله.
1- إتمامهما أن تحرم من دويرة أهلك: قاله علي رضي الله عنه، ذكره عنه الزجاج و ابن عطية و ابن كثير، و قاله ابن مسعود ،ذكر ذلك عنه الزجاج.
2- إتمامهما أن تكون النفقة حلالًا، وينتهي عما نهى الله عنه، ذكره الزجاج و لم ينسبه.
3- إن الحج والعمرة لهما مواقف ، ومشاعر، كالطواف، والموقف بعرفة ، وغير ذلك، فإتمامهما تأدية كل ما فيهما، قاله كلًا من ابن عباس ذكر ذلك عنه ابن عطية و ابن كثير و علقمة وإبراهيم وغيرهم، ذكر ذلك عنهم ابن عطية و ذكره الزجاج و لم ينسبه .
3- إتمامهما أن لا تفسخ وأن تتمهما إذا بدأت بهما، قاله كلًا من ابن عباس كما ذكر ذلك ابن كثير و ابن زيد و الشعبي و غيرهمكما ذكر الزجاج.
مما استدل به ابن كثير ما روي عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} يقول: من أحرم بالحجّ أو بالعمرة فليس له أن يحلّ حتّى يتمّهما، تمام الحجّ يوم النّحر، إذا رمى جمرة العقبة، وطاف بالبيت، وبالصّفا، والمروة، فقد حلّ..
4_ إتمامهما أن تخرج قاصدا لهما لا لتجارة ولا لغير ذلك، قاله سفيان الثوري كما ذكر ابن عطية و قال :ويؤيد هذا قوله: للّه، و ذكره عنه أيضا ابن كثير .
و ذكر ابن كثير ما روي عن سفيان الثّوريّ أنّه قال في هذه الآية: إتمامهما أن تحرم من أهلك، لا تريد إلّا الحجّ والعمرة، وتهلّ من الميقات ليس أن تخرج لتجارةٍ ولا لحاجةٍ، حتّى إذا كنت قريبًا من مكّة قلت: لو حججت أو اعتمرت، وذلك يجزئ، ولكنّ التّمام أن تخرج له، ولا تخرج لغيره.
5-إتمامهما أن تحرم بالعمرة وتقضيها في غير أشهر الحج، وأن تتم الحج دون نقص ولا جبر بدم، وهذا مبني على أن الدم في الحج والعمرة جبر نقص، وهو قول مالك وجماعة من العلماء،قاله قتادة والقاسم بن محمد،كما ذكر ابن عطية، و ذكره ابن كثير و رده لثبوت عمرة النبي صلى الله عليه و سلم بأشهر الحج.
6-: إتمامهما أن تفرد كل واحدة من حجة وعمرة ولا تقرن، وهذا على أن الإفراد أفضل، قاله عمر ، ذكر ذلك عنه ابن كثير ذكره ابن عطية و نسبه لفرقة.
7-: القِران هو الإتمام ، ذكره ابن عطية و نسبه لفرقة.
9- وإتمامهما إنشاؤهما جميعًا من الميقات: قاله مكحول ،ذكر ذلك عنه ابو كثير.
10- أقيموا الحجّ والعمرة: قاله السدي،ذكر ذلك عنه ابن كثير .
ذكر ابن كثير ما روي عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: الحجّ عرفة، والعمرة الطّواف. وكذا روى الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة في قوله: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} قال: هي [في] قراءة عبد الله: "وأقيموا الحجّ والعمرة إلى البيت" لا تجاوز بالعمرة البيت. قال إبراهيم: فذكرت ذلك لسعيد ابن جبيرٍ، فقال: كذلك قال ابن عبّاسٍ.
و روي نحوه عن علقمة أنّه قال: "وأقيموا الحجّ والعمرة إلى البيت" وكذا روى الثّوريّ أيضًا عن إبراهيم، عن منصورٍ، عن إبراهيم أنّه قرأ: "وأقيموا الحجّ والعمرة إلى البيت".
اختار ابن كثير أن ظاهر السّياق إكمال أفعالهما بعد الشّروع فيهما ؛ و علل ما رجح بما جاء في الآية قال بعده: {فإن أحصرتم} أي: صددتم عن الوصول إلى البيت ومنعتم من إتمامهما. و ذكر اتفاق العلماء على أنّ الشّروع في الحجّ والعمرة ملزم.
و بالنظر للأقوال يجوز الجمع بين بعضها هي من شروط القبول و يلزم بعضها بعضا،فإقامة الحج و العمرة تعني أن تؤدي بحقها، أن تكون النية خالصة لاداء الحج و العمرة لوجه الله، و أن تكون النفقة حلال، و أن يكون الإحرام من الميقات،و ان متى شرع فيهما لزم اكمالهما و عدم التحلل قبل الاتمام.
و أما الاختلاف بين القران و الإفراد و عمل العمرة في غير أشهر الحج فهو من اجتهاد العلماء، و قد رد ابن كثير رحمة الله عليه أن العمرة لا تؤدى في أشهر الحج بأن الرسول صلى الله عليه و سلم اعتمر فيهم.
حكم القتال في المسجد الحرام
قال تعالى(وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191)
1- القول الأول: يقاتل الكافر في أي موضع، و عليه تكون هذه الآية منسوخة :
1- نسخها (وقاتلوهم) حتّى لا تكون فتنةٌ:قاله الربيع ذكره عنه ابن عطية.
2_نسخها قوله تعالى: فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم [التوبة: 5].، قاله قتادة ذكر ذلك تنه ابن عطية و ابن كثير و قاله مقاتل ذكره عنه ابن كثير.
و عقب ابن كثير على هذا القول، أن فيه نظر
2_ لا يجوز قتال الكافرين في المسجد الحرام إلا إذا كان مقابلة لقتال ، و عليه تكون الآية محكمة، قاله مجاهد ،ذكر ذلك عنه ابن عطية، و قاله الزجاج و ذكره واختاره ابن كثير و استدل بما جاء في الصحيحين : "إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّموات والأرض، فهو حرامٌ بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، ولم يحلّ لي إلّا ساعةً من نهارٍ، وإنّها ساعتي هذه، حرام بحرمة اللّه إلى يوم القيامة، لا يعضد شجره، ولا يختلى خلاه. فإن أحدٌ ترخّص بقتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا: إنّ اللّه أذن لرسوله ولم يأذن لكم".
و الراجح و الله أعلم أنه لا يجوز القتال إلا مقابلة، و ذلك لأثر الرسول صلى الله عليه و سلم وهو ما اختاره الزجاج و ابن كثير.
أعتذر عن سوء التنسيق لأني أكتب على الموبايل لعدم وجود اللاب معي.
.