دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الدورات العلمية > الدورات العلمية العامّة > معالم العلوم

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 5 ربيع الأول 1441هـ/2-11-2019م, 11:36 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي الدرس الأول: معالم العلوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

معالم العلوم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم

عناصر الدرس:

1. خصائص العلم النبوي
2. شمول العلم النبوي لأبواب الدين
3. عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم العلم
4. هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العلم
5. بعوث النبي صلى الله عليه وسلم للتفقيه في الدين وتعليم القرآن
6. العلوم المُعتنَى بها زمن النبي صلى الله عليه وسلم.

خصائص العلم النبوي:
النبي صلى الله عليه وسلم هو أعلم الأمة على الإطلاق وأخشاهم لله تعالى، فهو الإمام الأكبر لأهل العلم، عِلْمُه أصحّ العلم، وفهمه أصوب الفهم، وهديه أحسن الهدي، وبلاغه أبين البلاغ.
قد علَّمه الله فأحسن تعليمه، وأنزل عليه خير كتبه، ووهبه الحكمة العظيمة، كما قال الله تعالى: { وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113)}
وعظّم الله له شأن العلم، وأمره بسؤاله الزيادة منه كما في قول الله تعالى: { وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا (114)}

وقال تعالى: {وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ (6)} وهذا غاية ما يكون من التشريف وصحّة العلم أن يكون العلم متلقّى من الله تعالى الحكيم العليم الذي وسع كلّ شيء علماً، وأحكم شرعه غاية الإحكام.

فعلّمه الله بالوحي، وبالإلهام، وبالرؤى الصادقة، وبما ضرب له من الأمثال، وقدّر له من الأقدار، مع ما وهبه الله من نفسٍ زكيّة، وقلب ذكيّ، وفهم حسن، وفطنة عالية.

فكان ربما علم في لحظة واحدة ما لا يبلغه التعليم المعتاد في سنوات، وفي ذلك أحاديث:
- منها حديث عبد الرحمن بن عائش الحضرمي، عن مالك بن يخامر السكسكي، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات غداة من صلاة الصبح حتى كدنا نتراءى عين الشمس، فخرج سريعا فثوب بالصلاة، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتجوَّز في صلاته، فلما سلم دعا بصوته فقال لنا: «على مصافّكم كما أنتم» ثم انفتل إلينا فقال: (( أما إني سأحدثكم ما حبسني عنكم الغداة: إني قمت من الليل فتوضأت فصليت ما قُدّر لي فنعست في صلاتي فاستثقلت، فإذا أنا بربي تبارك وتعالى في أحسن صورة، فقال: يا محمد !
قلت: لبيك رب. قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قلت: لا أدري رب، - قالها ثلاثا -
قال: فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي، فتجلَّى لي كلُّ شيء وعرفت.
فقال: يا محمد
قلت: لبيك رب
قال: فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قلت: في الكفارات.
قال: ما هن؟
قلت: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات.
قال: ثم فيم؟
قلت: إطعام الطعام، ولين الكلام، والصلاة بالليل والناس نيام.
قال: سل.
قلت: (( اللهم إني أسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون، وأسألك حبك وحب من يحبك، وحب عمل يقرب إلى حبك)).
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها حق فادرسوها ثم تعلموها» رواه أحمد والترمذي وصححه البخاري.
وقد روي من حديث أبي قلابة عن ابن عباس، وطارق بن شهاب، وغيرهم، وهي رؤيا منامية، ورؤى الأنبياء وحيّ.
وفي رواية عند أحمد: (قال: يا محمد، فيم يختصم الملأ الأعلى؟
قال: قلت: في الكفارات،
قال: وما الكفارات؟
قلت: المشي على الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد خلاف الصلوات، وإبلاغ الوضوء في المكاره.
قال: (من فعل ذلك عاش بخير، ومات بخير، وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه).

وهذا التعليم نظير ما جعل الله لإبراهيم عليه السلام، وقد جاء في رواية في مسند الإمام أحمد قال: فوضع كفه بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي حتى تجلى لي ما في السموات وما في الأرض ثم تلا هذه الآية: {وكذلك نري إبراهيم ملكوت السموات والأرض} الآية.
ونظير تعليم الله لآدم الأسماء كلّها في كائنة واحدة.

- ومنها حديث أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إن الله زوى لي الأرض؛ فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض...)) الحديثَ، رواه أحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم.

وقد رفع الله نبيّه صلى الله عليه وسلم درجات في العلم لم يبلغها أحد من البشر، وعصمه من نسيان العلم، ومن النطق عن الهوى، وأتمّ عليه النعمة، وأكمل له الدين، فاجتمع له تمام النعمة بالعلم، والعصمة من نقصانه، وأمن الخطأ في بيانه.
وهو مع ذلك أفصح العرب قاطبة، وأحسنهم بياناً، وأقدرهم على التعبير عن مراده بأبلغ عبارة وأوجزها، قد منّ الله عليه بحسن اختصار الكلام؛ فكان قليل كلامه كثير المعاني عظيم البركة.
وهو مع ذلك أحسن الناس عملاً بما علّمه الله، وأحسنهم هدياً، وأرشدهم مسلكاً، وأقومهم بأمر الله جلّ علا، وأتقاهم وأخشاهم له سبحانه.
ففي مسند الإمام أحمد وصحيح البخاري من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: « والله إني لأعلمكم بالله عز وجل وأخشاكم له ».
وفي رواية البخاري: « إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا »
وكان مع عظيم ما آتاه الله من العلم والفهم والبيان أتقى الناس لله أن يقول ما ليس له به علم، فإذا سُئل عما لم يبلغه علمه لم يتكلّف فيه القول بغير علم، بل يكل العلم إلى عالمه جلّ وعلا حتى يأتيه من الله ما يعلّمه به.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (إن من العلم أن يقول لما لا يعلم: لا أعلم، فإن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين}). رواه البخاري.
والمقصود من هذا التمهيد بيان أنّ النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام الأعظم والميزان الأكبر في العلم، كما قال سفيان بن عيينة رحمه الله: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تُعرض الأشياء، على خلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل» رواه الخطيب البغدادي في الجامع.
وهو المعلّم الأوّل لهذه الأمّة، اختار الله له خير أهل الأرض، فكانوا أصحابه خير أصحاب الأنبياء، وأحسنهم علماً وهدياً، وكانت أمته خير الأمم، فمن رام الخيرية في العلم فليتبع سبيلهم، وليلزم جماعتهم.

شمول العلم النبوي لأبواب الدين:

كانت عناية النبي صلى الله عليه وسلم بالعلم شاملة لجميع أبواب الدين؛ فكان هديه في كل باب من أبواب الدين قائماً على العلم الصحيح والهدى المستقيم.
1. فبيّن أصول الإيمان وفروعه وشعبه، ودعا أصنافاً من المخالفين من المشركين الوثنيين، واليهود، والنصارى، والمجوس، والمنافقين، وكان لكل طائفة من هذه الطوائف شبهاتها وما بنت عليه اعتقادها وعملها فحاجّهم النبي صلى الله عليه وسلم ودعاهم بأحسن ما يُدعون به، وبيّن الهدي القويم في معاملتهم ، حتى أظهره الله عليهم جميعاً.
2.
وكان هديه في العبادات والمعاملات أحسن الهدي؛ فهو إمام السالكين.
3.
وكان في أحكام تلك العبادات والمعاملات هو المفتي الأكبر والمعلّم الأول؛ فهو إمام الفقهاء.
4.
وهو إمام المحدّثين الذين قام علمهم على جمع حديثه وتدوينه وتصنيفه.
5.
وهو أفصح الناس وأحسنهم بياناً فلا يتقدّمه أحد من العرب في عربيّته.
وهذه هي أصول العلوم فما تفرّع منها فالفرع تابع لأصله، وكان مع ذلك أصدق الناس فراسة، وأحكمهم عبارة للرؤيا، وأحسنهم سياسة للناس.

والمقصود من هذا التعريف بيان اجتماع علوم الدين له صلى الله عليه وسلم، وأثر ذلك في تعليمه لأصحابه، وما ورّث من العلم الذي من أخذه فقد أخذ بنصيب وافر.

عناية النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم العلم:

كان النبي صلى الله عليه وسلّم حريصاً على تعليم أصحابه العلم، يحضّهم على تعلّم القرآن، والتفقّه في الدين، واتّباع هديه، حتى كثرت الأحاديث في بيان فضل القرآن والفقه في الدين، وشرف أهل العلم، بما يُفهم منه مقصد الحضّ الشديد على تعلّم العلم والتفقه في الدين، والاستكثار من تلاوة القرآن وحفظه والقيام به.
وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأمّته شاملاً لجميع أمور الدين:
- قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فنزلنا منزلا فمنا من يصلح خباءه، ومنا من ينتضل، ومنا من هو في جشره، إذ نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصلاة جامعة، فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم، وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء، وأمور تنكرونها...)) وذكر الحديث وهو في صحيح مسلم.
- وقد روي من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيها الناس ليس من شيء يقربكم إلى الجنة، ويباعدكم من النار، إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم من النار، ويباعدكم من الجنة إلا قد نهيتكم عنه ». رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، والبيهقي في شعب الإيمان والبغوي في شرح السنة وله شواهد أخرى، وقد صححه الألباني في السلسلة الصحيحة.
- وقال أبو ذر رضي الله عنه: «لقد تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر في السماء يقلب جناحيه إلا وقد أوجدنا فيه علما» رواه البزار والطبراني في الكبير.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد النخعي: قال رجل من أهل الكتاب لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - وفي رواية لسلمان [ الفارسي] -: قد علمكم صاحبكم كلَّ شيء حتى علمكم كيف تأتون الخلاء؟
قال: « أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم » رواه أبو داوود الطيالسي وأحمد ومسلم وغيرهم.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقدّم أهل القرآن من أصحابه في مواضع كثيرة، بل أمّر رجلاً على سريّة لأنّه كان يحفظ سورة البقرة وأصحابه لا يحفظونها، وأمّر عثمان بن أبي العاص على الطائف وهو أصغر الوفد سنّاً لأنه كان يحفظ سورة البقرة وسوراً أخرى وكان أكثرهم أخذاً للقرآن، وكان يقدّم للإمامة وفي دفن الموتى أكثرهم قرآناً.

هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم العلم:

وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم للعلم أحسن التعليم؛ فكان تعليماً برفق ورحمة، ونصح وحكمة، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويقوم بأمر الله، ويعزّ دينه، ويحفظ حدوده، ويفتي المستفتي، ويرشد المخطئ،ويحلم على الجاهل، ويسترعي الانتباه، ويوصي كلَّ مستوصٍ بما هو أنفع له، فيقع منهم العلم موقعاً حسناً.



- قال معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: "يرحمك الله" فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: "واثكل أمياه، ما شأنكم تنظرون إلي؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم" فلما رأيتهم يصمّتونني لكني سكتّ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه؛ فوالله ما كهرني ولا ضربني ولا شتمني، قال: «إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن». رواه أحمد والدرامي ومسلم وغيرهم من طريق هلال بن أبي ميمونة، عن عطاء بن يسار، عن معاوية.




وكان تعليم النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه جامعا بين تعليم العلم وتعليم الإيمان؛ فتعلّم أصحابه القرآن والإيمان معاً تعلّماً شاملاً لأبواب الدين، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: « لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدثنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فيتعلم حلالها وحرامها، وما ينبغي أن يوقف عنده فيها كما تعلمون أنتم القرآن، ثم لقد رأيت رجالا يؤتى أحدهم القرآن فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه ينثره نثر الدقل» رواه الطحاوي والحاكم والبيهقي من حديث زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف الشيباني عن ابن عمر.
- وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن والعمل بهن» رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وابن جرير في تفسيره من طريق الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة، عن ابن مسعود.
- وقال جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: « كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن، ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا» رواه البخاري في التاريخ الكبير وابن ماجه في سننه من طريق حماد بن نجيح، عن أبي عمران الجوني، عن جندب.
- وقال أبو عبد الرحمن السلمي: (حدثنا من كان يقرئنا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أنهم كانوا يقترئون من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات؛ فلا يأخذون في العشر الأخرى حتى يعلموا ما في هذه من العلم والعمل، قالوا: فعلمنا العلم والعمل). رواه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وابن سعد في الطبقات.
وفي لفظ ابن جرير: (فكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمنا القرآن والعمل جميعا).
وزاد ابن سعد: (وإنه سيرث القرآن بعدنا قوم ليشربونه شرب الماء لا يجاوز تراقيهم بل لا يجاوز هاهنا ووضع يده على الحلق).
والذين أخذ عنهم أبو عبد الرحمن السلمي القراءة: عثمان وعلي وأبيّ بن كعب وزيد بن ثابت.



ولذلك كانت قراءتهم للقرآن قراءة تدبّر وتفقّه يتبعها عمل واهتداء، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من أخذ بنصيب وافر من القرآن في حياته صلى الله عليه وسلم، ومنهم من جمعه، وكان منهم من معلّمون يعلّمون سائر الصحابة القرآن.
فكان من المعلّمين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم: ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، ومعاذ بن جبل، وأبيّ بن كعب، وعبادة بن الصامت، وأبو موسى الأشعري، وأبو الدرداء، ومصعب بن عمير، وأبن أمّ مكتوم، وعثمان بن أبي العاص، وغيرهم كثير، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلّم مرّة سبعين من القرّاء في سريّة ليعلّموا بعض من ذُكر لهم أنهم أسلموا من أحياء العرب القرآن؛ فغدروا بهم يوم بئر معونة، ومات يوم اليمامة كثير من القراء.
وكثرة القراء في زمان النبي صلى الله عليه وسلم مع شدّة الإقبال على القرآن ودراسته على الطريقة النبوية تدلّ على ما كان عليه ذلك الجيل من الاشتغال بالقرآن وحسن تدارسه، وشدّة أثره عليهم.

بعوث النبي صلى الله عليه وسلم للتفقيه في الدين وتعليم القرآن:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعثّ المعلّمين إلى الأمصار ليعلّموهم القرآن ويفقّهوهم في الدين.
- فبعث إلى المدينة قبل أن يهاجر إليها مصعب بن عمير وابن أمّ مكتوم فكانا يعلّمان الناس القرآن ويفقهانهم في الدين.
- وبعث سبعين من قراء أصحابه إلى رعل وذكوان وعصية وبني لحيان وهم قبائل من العرب ليقرؤوهم القرآن ويعلّموهم شرائع الدين؛ فغدروا بهم وقتل أكثرهم وأسر بعضهم؛ فوجد عليهم النبي صلى الله عليه وسلّم وجداً شديداً.
- وبعد فتح مكة أبقى معاذ بن جبل يعلّم الناس القرآن في المسجد الحرام لمّا أراد الخروج إلى حنين، وأمّر على أهل مكة عتاب بن أسيد؛ فعلّمهم معاذ ما شاء الله أن يعلّمهم؛ ثمّ لما عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة خلّف معاذاً في مكة حتى يستكمل ما أمره به من تعليمهم، ثم أذن له في العودة إلى المدينة.
- وبعث عثمان بن أبي العاص إلى الطائف.
- وبعث العلاء بن الحضرمي إلى البحرين.
- وبعث عباد بن بشر الأشهلي إلى بني المصطلق.
- وبعث مالك بن الحويرث الليثي إلى قومه بعد أن تعلّم وتفقّه في المدينة وقرأ ما شاء الله أن يقرأ من القرآن.
- وكان ربما بعث معاذا إلى أحياء من العرب يدعوهم إلى الإسلام.
- وبعث عمرو بن حزم النجاري إلى نجران، وهو ابن سبع عشرة سنة، ليعلّمهم القرآن، ويفقّههم في الدين، وأمّره عليهم، وكتب له كتاباً مشهوراً، وقد رواه البيهقي في دلائل النبوة بطوله وفيه: ((عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره، فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون، وأمره أن يأخذ الحقَّ كما أمره، وأن يبشر الناس بالخير ويأمرهم، ويعلم الناس القرآن، ويفقههم فيه، وينهى الناس، ولا يمسَّ أحدٌ القرآن إلا وهو طاهر، ويخبر الناس بالذي لهم والذي عليهم ويلين لهم في الحق، ويشد عليهم في الظلم، فإنَّ الله عز وجل كره الظلم ونهى عنه...).
- وبعث أبا موسى الأشعري بعد غزوة تبوك إلى اليمن؛ ثمّ أتبعه بمعاذ بن جبل ، يعلّمان الناس القرآن ويفقهانهم في الدين، وأوصاهما بوصيته العظيمة: «يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا» ، وهي أسس نجاح العمل الدعوي الجماعي.
ومات النبي صلى الله عليه وسلم ومعاذ باليمن.
وبعوث النبي صلى الله عليه وسلم إلى الأمصار أكثر من ذلك.


العلوم المُعتنى بها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
لا ريب أنّ النبي صلى الله عليه وسلم سيّد العلماء، وأن الصحابة رضي الله عنهم هم سادات أهل العلم وأئمّتهم إذ كان تعلّمهم على يد النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، الذي أحسن تعليمهم وتأديبهم ووضع كلّ واحد منهم في الموضع الأليق به.
وهذا التقدّم في العلم لديهم يثير لدينا سؤالاً مهماً عن العلوم التي كانوا يُعنون بها في ذلك الزمان الشريف الذي هو خير القرون؛ لندرس كيف كانت عناية الأمّة بتلك العلوم من بعدهم.
فوجدنا العناية بجملة من العلوم:
أوّلها: علوم القرآن الكريم، فكانوا على علم عظيم بفضله وحروفه، وتنزيله وتأويله، وناسخه ومنسوخه، وكتابته وتدوينه في صحف متفرقة، وغير ذلك من علومه التي كان لهم من التقدّم في معرفتها ما لا يلحقهم فيها أحد ممن كان بعدهم.
وثانيها: سُنّة النبي صلى الله عليه وسلم وأحاديثه التي شملت جميع أبواب الدين، فكانوا على عناية حسنة بها حفظاً وعملاً، ومعرفة بأحكامها، وأسباب ورودها، ومتقدّمها ومتأخرها، وناسخها ومنسوخها، وعامّها وخاصّها، ومِن الصحابة مَن كتب الحديث في زمن النبي صلى الله عليه وسلم بإذنه، وهذه علوم جليلة من علوم الحديث، بل هي أصول علوم الحديث.

والكتاب والسنة هما أصل علوم الشريعة، ومنهما تُستمدّ سائر العلوم.

وثالثها: علم العقيدة، وهو العلم الذي تُعرف به مراتب الدين وأصوله، وأحكام المخالفين في الدين وأحوالهم، وما يجب الإيمان به، وما ينقض الإيمان وينقِصه.
ورابعها: علم الفقه، وهو ما اصطلح عليه بمعرفة الأحكام الشرعية الفرعية كمعرفة ما تصحّ به العبادات والمعاملات وما يبطلها والآثار المترتبة على ذلك.
والفقه في الدين أعمّ من ذلك فهو يشمل جميع علوم الدين.
وخامسها: علم السلوك، والمراد به سلوك الصراط المستقيم، وغايته بلوغ مرتبة الإحسان في عبادة الله تعالى، وهو علم يُعنى بتعليم إحسان أداء العبادات، وإحسان المعاملات على هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف يصنع المرء فيما يعترضه من الفتن والابتلاءات، وهو من أجلّ العلوم التي كانوا يُعنون بها؛ فكانوا يترسّمون هدي النبي صلى الله عليه وسلم في عباداته ومعاملاته، ويتدارسون المخارج من الفتن، ويتعلّمون عمله كما يتعلّمون حديثه.
وسادسها: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه وما فيها من الفوائد والأحكام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقصّ على بعض أصحابه ما جرى له، وكان من الصحابة أهل علم بالسير والمغازي.
وسابعها: علم الدعوة إلى الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إمام الدعاة إلى الله، وقد دعا أصنافاً من المخالفين والموافقين إلى ما يحبه الله ويرضاه.
فهذه أصول العلوم الشرعية، وكانت العناية بها في زمن النبوة عناية ظاهرة، وكان الصحابة هم أئمة هذه العلوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم هي من فروع علوم الشريعة.
وأما اللغة العربية فكانوا هم خير قرن تكلّم بها، وقد نزل القرآن بلسانهم، وما يعهدون من فنون التخاطب والبيان.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأول, الدرس

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:44 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir