دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي رسالة في تفسير قول الله تعالى: { مالكم لا ترجون لله وقاراً . وقد خلقكم أطواراً}

رسالة في تفسير قول الله تعالى: { مالكم لا ترجون لله وقاراً . وقد خلقكم أطواراً}

في هاتين الآيتين من المعاني البديعة الواسعة ما يستدعي كشفه وبيانه، والتذكير به، وفيهما حجة بالغة تدحض حجة كلّ مشرك ومعرض عن هدى الله تعالى، وتجلّي قبح فعلهم، وسوء مذهبهم، وسفاهة عقولهم، بما اشتملت عليه هاتان الآيتان من مقابلة بديعة بين أسباب ضلالهم ومظاهره، وبين الأسباب المقتضية لتعظيم الله تعالى وطاعته، وشمولها لجميع أحوالهم، وأطوار خلقهم.
وأسلوب الاستفهام في الآية الذي يفيد في أصله الإنكار والتوبيخ لهم، ويفضي بالمتأمّل فيه إلى معنى التبكيت والتشنيع الذي يلوح ظاهراً لمن تدبّر الخطاب وعقله.
وللتبكيت والتشنيع أثر بالغ على قلب المخالف الذي يعقل الخطاب، ويفهم المراد، فيدعوه إلى التفكّر في حاله وما سيكون عليه مآله.
وفي الاستفهام من استدعاء التفكّر والتأمّل في الجواب، والنظر في مرامي الاستفهام وأغراضه ما هو ظاهر لا يخفى على المتأمل.
وقوله: {ما لكم} أي ما الذي حملكم على هذه الحال؟!! وأرداكم إلى هذه الشقاوة البئيسة، والحرمان المقيت، وأين ذهبت عقولكم حيث صرتم {لا ترجون لله} في نفوسكم ولا في مجامعكم وسائر أموركم {وقاراً} أي: تعظيماً وتبجيلاً، تخلصونه {لله} تعالى، فيحملكم على مهابته وخشيته وطاعة أمره.
وتوقير الله تعالى يستلزم توقير أسمائه وصفاته، وأمره ونهيه، وثوابه وعقابه.
وهو الذي {خلقكم أطواراً} وصرّف لكم الآيات في أنفسكم وفي الآفاق، لتعلموا أنه هو الذي يدبّر الأمور، ويصرّف الأحوال، وإليه المآل؛ فهو الذي بيده نفعكم وضرّكم، وسعادتكم وشقاوتكم، وهو الذي عذابه لا يُطاق، ورحمته لا يُستغنى عنها.
ومع ذلك كلّه لا تطمع نفوسكم في توقيره، ولا تلتفت إلى أن يُجلّ ويقدّس عن الشرك به وعصيان أمره، ولا تبالون بتعظيمه في أنفسكم، وفي مجامعكم، وفي سائر شؤونكم.
وهذا غاية ما يكون من الإعراض عن ذكر الله تعالى وتوقيره، وعدم الخوف من سخطه وعقابه، وأليم أخذه لمن أعرض عن ذكره.
وتأمّل كيف كان هذا الإعراض وهذه الغفلة المقيتة في مقابل علمهم بأنّ الله تعالى هو الذي خلقهم كلَّهم أطواراً، فلا تخلو حال من أحوالِ خلقهم وتصريف أمورهم من تقدير الله تعالى وتدبيره؛ فكيف لا يلتفتون مع هذا كلّه إلى توقير الله تعالى وتعظيمه؟!! ولا تتطلّبه نفوسهم، ولا يرجون حصوله من غيرهم؛ فلا يبالون أن لا يعظموا الله في نفوسهم، ولا أن يعظمه غيرهم.

دلالات الاستفهام في الآية

الاستفهام في قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} يصلح أن يكون في مقام الإنكار والتوبيخ فيصلح تقديره بكل ما يُنكر عليهم من أعمال الشرك والكفر والعصيان، وذلك يعمّ جميع أحوالهم التي ليس فيها توقير لله تعالى.
ويصلح أن يكون في مقام التبكيت والتشنيع فيصلح تقديره بكل ما حملهم على أن لا يرجوا لله وقاراً، ليوازنوا بينه وبين ما يجب أن يحملهم على توقير الله تعالى وتعظيمه، وتوقير أمره ودينه ورسوله.

ولذلك كان لهذا الاستفهام متعلقات لطيفة محذوفة ليفيد بلفظ وجيز بديع يأخذ بالألباب جمالاً وجلالاً عمومَ الدلالة على معانٍ كثيرة غير محصورة، فتستوقف المتدبّر ليتعرّف معاني هذا الخطا، ويغوص في دلالاته البديعة، وآثارها على نفوس أولئك القوم الذين نزل القرآن بلسانهم، وعرفوا ما عرفوا من دلائل خطابه، وبديع تنبيهاته، وقد وقعوا فيما وقع فيه قوم نوح من الشرك والكفر والعصيان.
فيجد هاتين الآيتين تجليان أنواع من الدلالات سفاهة عقول أولئك المعرضين، وسوء اختيارهم لأنفسهم، وشناعة جرمهم بما غفلوا عنه وفرّطوا فيه من حقّ الله تعالى وتقدّس، وكان الأولى بهم أن يعظموه أشدّ التعظيم، وأن يقدموا العناية بأمره على كلّ عناية.
ولتقريب المراد بحذف المتعلق في مثل هذا النوع من الخطاب أقول: لو قيل لشخص عُرف عنه أنه فعل فعائِلَ مخزية: أما تستحيِ؟!!
فإن هذا الاستفهام مع إفادته التوبيخ والتبكيت قد حذف متعلق الاستحياء منه لتذهب نفس المخاطب كلّ مذهب في تقديره، ويجد هذا الخطاب صالحاً لأن يقدّر بما لا يحصره ذهنه:
فيصلح أن يراد به: أما استحييت من عمل كذا وكذا؟! ويدخل في ذلك كلّ فعل مخزٍ فعله.
ويصلح أن يراد به: أما استحييت من الله؟!
ويصلح أن يراد: أما استحييت ممن يراك؟!
ويصلح أن يراد: أما استحييت ممن تبلغه فعلتك؟!
ويصلح أن يراد: أليس لديك خلق الحياء؟!
إذا تبيّن ذلك فقوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} يفيد معاني كثيرة غير محصورة تتعلق بجميع ما وقع المخاطبون فيه من معصية الله تعالى والإعراض عن ذكره وبما حملهم على ذلك.
فيقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً فتنتهون عن الإشراك به ومعصيته.
ويقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً إذ عصيتم رسوله الذي أرسله إليكم.
ويقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً إذ أعرضتم عن آياته التي أمركم بالتفكر فيها والاستهداء بها.
ويقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً حيث ظننتم أن الله يترككم سدى من غير أمر ولا نهي ولا ثواب ولا عقاب.
ويقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً إذ ظننتم أن الله الذي خلقكم ورزقكم يقرّكم على أن تدعو غيره وتعبدوا سواه.
ويقال: ما لكم لا ترجون لله وقاراً فتقابلون نعمه عليكم بالشكر والعرفان، وهو الذي بيده زيادة هذه النعم وسلبها؟!!
وهكذا في كلّ مظهر من مظاهر عدم التوقير، وكل حامل لهم على عدم التوقير، تجد ما ينادي عليهم بسفاهة رأيهم، وشناعة جرمهم.
فانتظمت هذه الجملة جميع مظاهر عدم التوقير، وجميع الأسباب الحاملة لهم على ذلك.
وقوبلت في قوله تعالى: {وقد خلقكم أطوارا} بما يذكّرهم بالأسباب الحاملة على توقير الله تعالى، وبما لا تنفك عنه جميع شؤونهم أحوالهم مما يستدعي التوقير والتعظيم.

أقوال السلف في تفسير قول الله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً}
للسلف في معنى قول الله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} أربعة أقوال:
القول الأول: ما لكم لا تبالون لله عظمة، ولا تعظمونه حقّ عظمته، وهذا قول ابن عباس، ومجاهد، وقال به الخليل بن أحمد الفراهيدي.
- قال أبو معاوية عن إسماعيل بن سميع عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس في قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} قال: (ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته). رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال خالد بن عبد الله الطحان، عن إسماعيل بن سميع، عن أبي الربيع [ وهو سليمان بن أبي هند مولى زيد بن الخطاب]، عن ابن عباس في قوله: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} قال: (ما لكم لا تعلمون لله عظمة). رواه سعيد بن منصور، وأبو داوود في الزهد، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله تعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}
قال: (لا تبالون لله عظمة). رواه الفريابي كما في تغليق التعليق لابن حجر، ورواه ابن جرير من طريق عيسى بن ميمون الجرشي عن ابن أبي نجيح وقيس بن سعد، عن مجاهد.
- وقال علي بن المديني: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور، عن مجاهد في قوله {ما لكم لا ترجون لله وقارا} قال: (لا تبالون لله عظمة) قال: (والرجاء الطمع والمخافة). رواه البيهقي في شعب الإيمان.
- وقال سعيد بن منصور: حدثنا جرير بن عبد الحميد، عن منصور بن المعتمر، عن مجاهد في قوله {ما لكم لا ترجون لله وقارا} قال: (لا يبالون عظمة ربهم). رواه سعيد بن منصور في سننه، والبيهقي في شعب الإيمان.
- وقال سفيان الثوري، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، {ما لكم لا ترجون للّه وقارًا}. قال: (لا ترون للّه عظمةً). رواه ابن جرير.
- وقال أبو فاطمة مسكين بن عبد الله الطاحي البصري: سأل منصورَ بن زاذان رجلٌ وأنا أسمع: ما كان الحسن يقول في قوله: {ما لكم لا ترجون لله وقارا} قال: (لا تعلمون له عظمة، ولا تشكرون له نعمة). رواه البيهقي في شعب الإيمان، وأبو فاطمة ضعّفه الدارقطني.

ومبنى هذا القول على أنّ انتفاء الرجاء دليل على عدم المبالاة.
- قال الخليل بن أحمد: (الرَّجوُ: المبالاة، يقال: ما أرجو، أي: ما أبالي، من قول الله عز وجل: {ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً} أي: لا تخافون ولا تُبالون.
وقال أبو ذؤيب:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوب عواسل
أي: لم يكترث)ا.هـ.
قوله: عواسل، هكذا ورد في المطبوع، ولعله تصحيف، والصواب: عوامل.
والنّوب اسم عام للدّبر والنحل.
وقبل هذا البيت قوله في وصف رجل تدلّى من جبل شاهق إلى خليّة عسل:
فلو كان حَبْلٌ من ثمانينَ قــــــــــــــــــامَةً ... وسبعينَ باعًا نالهَا بالأَنامِــــــــــــــــــــــــــــلِ
تدلّى عليها بالحبال موثّقــــــــــــــــــــــــــــــاً ... شديد الوصاة نابلٌ وابن نابـــــــــــــــــــلِ
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعهـــــــا ... وخالفهــــــــــــــــا في بيت نوبٍ عوامـــــــلِ
فالعوامل صفة للنُّوب.
القول الثاني: ما لكم لا ترجون لله عاقبة، وهذا قول قتادة روي عنه من طريق معمر، وسعيد بن أبي عروبة.
وهذا بمعنى قوله تعالى: {إنهم كانوا لا يرجون حساباً} أي على أعمالهم، ومن لازم رجاء الحساب توقير الذي يحاسِب الخلق.
- وقال أبو إسحاق الزجاج: (وحقيقته -واللّه أعلم- مالكم لا ترجون عاقبة الإيمان فتوحدون الله، وقد جعل لكم في - أنفسكم آية تدل على توحيده من خلقه إياكم، ومن خلق السّماوات والأرضين والشمس والقمر فقال: {وقد خلقكم أطوارا}).
قلت: العاقبة أعمّ، فتطلق على عاقبة أعمال الخير، وعلى عاقبة أعمال الشر.

والقول الثالث: الرجاء هنا بمعنى الخوف، والوقار بمعنى العظمة، والمعنى: ما لكم لا تخافون لله عظمة، وهذا القول روي عن ابن عباس ولا يصحّ عنه، وهو قول عامة اللغويين، ومنهم: الفراء، وأبو عبيدة، والأخفش الأوسط، وابن قتيبة.
وحكاه أبو إسحاق الزجاج أحد قولين في تفسير هذه الآية.
واستشهد جماعة منهم لهذا القول بقول أبي ذؤيبٍ الهذلي:
إذا لسعته النّحل لم يرج لسعها ... وخالفها في بيت نوبٍ عوامل
وروي هذا القول عن عاصم بن أبي النجود، ولا يصحّ عنه.
- قال عمر بن إسماعيل بن مجالد بن سعيد الهمداني: حدثني أبي قال: سألت عاصماً عن قول الله عز وجل: {ما لكم لا ترجون لله وقارا}؟
قال: (لا تخافون لله عظمة، قال الشاعر:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها ... وحالفهما في بيت نوب عوامل).
رواه ابن أبي الدنيا في المنازل والأشراف، وعمر بن إسماعيل متروك الحديث.
- وقال ابن القيم: (قال كثير من المفسرين: المعنى ما لكم لا تخافون لله عظمة؟ قالوا: والرجاء بمعنى الخوف.
والتحقيق أنه ملازم له. فكل راج خائف من فوات مرجوه. والخوف بلا رجاء يأس وقنوط. وقال تعالى: {قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله} قالوا في تفسيرها: لا يخافون وقائع الله بهم، كوقائعه بمن قبلهم من الأمم).

القول الرابع: الوقار هنا الطاعة، أي ما لكم لا ترجون أن تطيعوا ربكم، وهذا معنى قول عبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
- قال ابن وهبٍ: قال ابن زيدٍ في قول اللّه: {ما لكم لا ترجون للّه وقارًا} قال: (الوقار: الطّاعة). رواه ابن جرير.
وأرجح هذه الأقوال قول ابن عباس ومجاهد، وبقية الأقوال أقرب إلى التفسير بلازم المعنى.

تفسير قول الله تعالى: {وقد خلقكم أطواراً}
في تفسير الأطوار ثلاثة أوجه صحيحة:
الوجه الأول: أي: خلقاً من بعد خلق، نطفة ثم علقة ثمّ مضغة، وهو قول مجاهد وقتادة والضحاك وغيرهم.
والوجه الثاني: أطواراً أي: أصنافاً، في ألسنتكم وألوانكم وأخلاقكم وأعمالكم، وهذا الوجه ذكره بمعناه ابن قتيبة ومكي بن أبي طالب.
والوجه الثالث: أي على أحوال مختلفة، من الصحة والمرض، والشدة والرخاء، والسرور والحزن، والهم والانشراح، إلى ما لا يحدّ من أحوال الابتلاء بالخير والابتلاء بالشرّ.

والقرآن يدلّ على صحة هذه المعاني الثلاثة:
1: أما المعنى الأول فقد تكرر ذكره في آيات كثيرة في القرآن، منها قوله تعالى: {هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخاً}
2: وأما المعنى الثاني فيدلّ عليه قول الله تعالى: {وخلقناكم أزواجا} أي أصنافاً على أحد الوجهين في التفسير، وقوله تعالى: {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم} أي أمثالهم وأشباههم وضُرباءهم؛ فكل صنف من الظالمين زوجٌ، وقوله تعالى: {وإذا النفوس زوّجت} أي ألحق النظير بنظيره من أهل كل عمل.
ومن هذا الوجه قول العرب: (الناس أطوار) أي أصناف، وقد قيل:
لا تحسب الناسَ سواءً متى ... ما اشتبهوا فالناس أطوار
وقد ذكر أبو حيان التوحيدي في "البصائر والذخائر" أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال لصعصعة بن صوحان وكان من حكماء العرب: صف لي الناس
فقال: (خلق الله الناس أطواراً: فطائفة للعبادة، وطائفة للسياسة، وطائفة للفقه والسنة، وطائفة للبأس والنجدة، وطائفة للصنائع والحِرَف، وآخرون بين ذلك يكدرون الماء، ويغلون السعر).
وقد جُمع المعنيان الأول والثاني في قوله تعالى: {اللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا}
3: وأما المعنى الثالث فقد ورد في مواضع من القرآن منها قوله تعالى: {لتركبنّ طبقاً عن طبق} أي حالاً بعد حال، على أحد الأوجه في تفسيرها.
قال الأقرع بن حابس:
إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقني طبق منها إلى طبق
وقال آخر:
كذلك المرء إن ينسأ له أجل ... يركب على طبق من بعده طبق
واستعمال الأطوار في معنى التحول من حال إلى حال كثير شائع في كلام العرب، ومن شواهد الخليل بن أحمد:
ما سمي القَلْبُ إلا من تقلّبه ... والرأي يُصرف والإنسان أطوار
وقال النابغة الذبياني:
لولا حبائل من نُعْمٍ علقت بها ... لأقصر القلبُ عنها أيّ إقصار
فإن أفاق لقد طالت عمــــــــــــايتُه ... والمرء يُخلق طوراً بعد أطـــــــــــوار
أي ُتصرّف مقاديره من طور إلى طور.
وقالت الخنساء:
لا بدَّ من ميتةٍ في صرفِها غِيَرٌ ... والدهر في صرفه حَول وأطوار
وقال عروة بن أذينة:
نعالج العيش أطواراً تقلبه ... فيه أفانين تطوى عن أفانين
وقال آخر:
فطورا تراه ضاحكا فى ابتسامة ... وطورا تراه قد علاه قطوب
وقال عبد العزيز بن زرارة الكلابي:
قد عشتُ في الناس أطواراً على طُرُق .. شتَّى وقاسيتُ فيها اللين والفظعــــــــا
كلا بلوتُ فلا النعمـــــــــــــــــــــــــاء تبطرني .. ولا تخشَّعتُ من لأوائها جزعـــــــــــــــــــــــــا
لا يمـــــــلأ الــــــــــهولُ صدري قبل موقِعِهِ .. ولا أضيق به ذرعاً إذا وقعـــــــــــــــــــــــــــــا
ما سُدّ لي مطلعٌ ضــــــــــــــــــــــــــــــاقت ثنيّتُه .. إِلَّا وجدتُ وراء الضيق متّسعـــــــــــــــــــا
والمقصود أن مفردة "الأطوار" في قوله تعالى: {وقد خلقكم أطواراً} قد جمعت هذه المعاني الثلاثة جمعاً بديعاً حسناً؛ فلو قُلّب لسانُ العرب كلّه كلمة كلمة لم توجد مفردة أحسن من هذه المفردة في هذا الموضع ولا أجمع للمعاني المرادة منها؛ فسبحان اللطيف الخبير الذي بهر العقولَ حُسنُ بيانه.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 3 ( الأعضاء 0 والزوار 3)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:36 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir