دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > اختصار علوم الحديث

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 07:16 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مسائل في الجرح والتعديل

والتعديلُ مَقْبولٌ مِن غيرِ ذِكْرِ السَّبَبِ؛ لأنَّ تَعْدادَه يَطُولُ، فقُبِلَ إِطلاقُهُ بخِلافِ الجُرْحِ فإنَّهُ لا يُقْبَلُ إلا مُفَسَّرًا؛ لاختلافِ الناسِ في الأسبابِ المُفَسِّقَةِ. فقَدْ يَعْتَقِدُ ذلك الجارِحُ شَيْئًا مُفَسِّقًا فيُضَعِّفُهُ، ولا يَكُونُ كذلك في نَفْسِ الأمرِ أو عِندَ غَيرِهِ، فلهذا اشتُرِطَ بَيانُ السَّبَبِ في الجَرْحِ.
قالَ الشيخُ أبو عَمْرٍو: وَأَكْثَرُ ما يُوجَدُ في كُتُبِ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ: فُلانٌ ضعيفٌ أو مَتْرُوكٌ أو نَحْوُ ذلك، فإن لم نَكْتَفِ به انْسَدَّ بابٌ كبيرٌ في ذلك.
وأجابَ: بأنَّا إذا لم نَكْتَفِ به تَوَقَّفْنَا في أَمْرِه لِحُصولِ الرِّيبَةِ عِنْدَنا بذلك.
قُلتُ: أمَّا كلامُ هؤلاءِ الأئمةِ المُنْتَصِبينَ لهذا الشأنِ فَيَنْبَغِي أن يُؤْخَذَ مُسَلَّمًا مِن غيرِ ذِكرِ أَسبابٍ، وذلك للعِلْمِ بمَعْرِفَتِهِم واطِّلاعِهمْ واضْطِلاعِهِم بهذا الشأنِ، واتِّصافِهِم بالإنصافِ والدِّيَانَةِ والخِبْرَةِ والنُّصْحِ، لا سِيَّما إذا أَطْبَقُوا على تَضْعِيفِ الرَّجُلِ أو كَوْنِه مَتْرُوكًا أو كَذَّابًا أو نحوَ ذَلِكَ، فالمُحَدِّثُ الماهرُ لا يَتَخالَجَهُ في مِثلِ هذا وَقْفَةٌ في مُوافَقَتِهِم لصِدْقِهم وأَمانَتِهم ونُصْحِهم، ولهذا يَقُولُ الشافِعِيُّ في كثيرٍ مِن كَلامِهِ على الأحاديثِ: "لا يُثْبِتُهُ أَهْلُ العِلْمِ بالحَدِيثِ"، ويَرُدُّهُ ولا يَحْتَجُّ به بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. واللهُ أَعْلَمُ.
أما إِذَا تَعارَضَ جُرْحٌ وتَعْدِيلٌ فيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الجَرْحُ حِينَئِذٍ مُفَسَّرًا، وهل هو المُقْدَّمُ؟ أوِ الترجيحُ بالكَثْرَةِ أو الأَحْفَظِ؟ فيه نِزاعٌ مشهورٌ في أصولِ الفقهِ وفروعِهِ وعِلْمِ الحديثِ، واللهُ أَعْلَمُ.
ويَكْفِي قَوْلُ الواحدِ بالتعديلِ والتَّجْرِيحِ علَى الصَّحِيحِ، وأمَّا رِوَايةُ الثقةِ عن شَيْخٍ فهل يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ ذلك الشَّيْخَ أَمْ لا؟ فيه ثلاثةُ أقوالٍ... ثَالِثُها: إنْ كانَ لا يَرْوِي إلا عن ثِقَةٍ فتَوثِيقٌ وإلا فَلا، والصحيحُ أنه لا يَكُونُ تَوْثِيقًا له حتى لو كانَ مِمَّنْ يَنُصُّ على عَدالَةِ شُيوخِهِ، ولو قالَ: "حَدَّثَنِي الثِّقَةُ" لا يَكُونُ ذلك توثيقًا له على الصحيحِ؛ لأنه قد يَكُونُ ثِقَةً عِنْدَه لا عِنْدَ غَيْرِه، وهذا واضحٌ، وللهِ الحَمْدُ.


  #2  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الباعث الحثيث للشيخ: أحمد شاكر

والتعديلُ مَقْبولٌ مِن غيرِ ذِكْرِ السَّبَبِ؛ لأنَّ تَعْدادَه يَطُولُ، فقُبِلَ إِطلاقُهُ بخِلافِ الجُرْحِ فإنَّهُ لا يُقْبَلُ إلا مُفَسَّرًا؛ لاختلافِ الناسِ في الأسبابِ المُفَسِّقَةِ. فقَدْ يَعْتَقِدُ ذلك الجارِحُ شَيْئًا مُفَسِّقًا فيُضَعِّفُهُ، ولا يَكُونُ كذلك في نَفْسِ الأمرِ أو عِندَ غَيرِهِ[1]، فلهذا اشتُرِطَ بَيانُ السَّبَبِ في الجَرْحِ.
قالَ الشيخُ أبو عَمْرٍو: وَأَكْثَرُ ما يُوجَدُ في كُتُبِ الجَرْحِ والتَّعْدِيلِ: فُلانٌ ضعيفٌ أو مَتْرُوكٌ أو نَحْوُ ذلك، فإن لم نَكْتَفِ به انْسَدَّ بابٌ كبيرٌ في ذلك.
وأجابَ: بأنَّا إذا لم نَكْتَفِ به تَوَقَّفْنَا في أَمْرِه لِحُصولِ الرِّيبَةِ عِنْدَنا بذلك.
قُلتُ: أمَّا كلامُ هؤلاءِ الأئمةِ المُنْتَصِبينَ لهذا الشأنِ فَيَنْبَغِي أن يُؤْخَذَ مُسَلَّمًا مِن غيرِ ذِكرِ أَسبابٍ، وذلك للعِلْمِ بمَعْرِفَتِهِم واطِّلاعِهمْ واضْطِلاعِهِم بهذا الشأنِ، واتِّصافِهِم بالإنصافِ والدِّيَانَةِ والخِبْرَةِ والنُّصْحِ، لا سِيَّما إذا أَطْبَقُوا على تَضْعِيفِ الرَّجُلِ أو كَوْنِه مَتْرُوكًا أو كَذَّابًا أو نحوَ ذَلِكَ، فالمُحَدِّثُ الماهرُ لا يَتَخالَجَهُ في مِثلِ هذا وَقْفَةٌ في مُوافَقَتِهِم لصِدْقِهم وأَمانَتِهم ونُصْحِهم، ولهذا يَقُولُ الشافِعِيُّ في كثيرٍ مِن كَلامِهِ على الأحاديثِ: "لا يُثْبِتُهُ أَهْلُ العِلْمِ بالحَدِيثِ"، ويَرُدُّهُ ولا يَحْتَجُّ به بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ. واللهُ أَعْلَمُ[2].
أما إِذَا تَعارَضَ جُرْحٌ وتَعْدِيلٌ فيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الجَرْحُ حِينَئِذٍ مُفَسَّرًا، وهل هو المُقْدَّمُ؟ أوِ الترجيحُ بالكَثْرَةِ أو الأَحْفَظِ؟ فيه نِزاعٌ مشهورٌ في أصولِ الفقهِ وفروعِهِ وعِلْمِ الحديثِ، واللهُ أَعْلَمُ[3].
ويَكْفِي قَوْلُ الواحدِ بالتعديلِ والتَّجْرِيحِ علَى الصَّحِيحِ[4]، وأمَّا رِوَايةُ الثقةِ عن شَيْخٍ فهل يَتَضَمَّنُ تَعْدِيلَهُ ذلك الشَّيْخَ أَمْ لا؟ فيه ثلاثةُ أقوالٍ... ثَالِثُها: إنْ كانَ لا يَرْوِي إلا عن ثِقَةٍ فتَوثِيقٌ وإلا فَلا، والصحيحُ أنه لا يَكُونُ تَوْثِيقًا له حتى لو كانَ مِمَّنْ يَنُصُّ على عَدالَةِ شُيوخِهِ، ولو قالَ: "حَدَّثَنِي الثِّقَةُ"[5] لا يَكُونُ ذلك توثيقًا له على الصحيحِ؛ لأنه قد يَكُونُ ثِقَةً عِنْدَه لا عِنْدَ غَيْرِه، وهذا واضحٌ، وللهِ الحَمْدُ.



[1]من ذلك ما نقل عن بعضهم: أنه قيل له: لم تركت حديث فلان؟ فقال: رأيته يركض على برذون فتركت حديثه. ومنها: أنه سئل بعضهم عن حديث لصالح المري، فقال: ما يصنع بصالح؟ ذكروه يوما عند حماد بن سلمة، فامتخط حماد!

[2] اختلفوا في الجرح والتعديل: هل يقبلان مبهمين من غير ذكر أسبابهما؟ فشرط بعضهم لقبولهما ذكر السبب في كل منهما، وشرط بعضهم ذكر السبب في التعديل دون الجرح. وقبل بعضهم التعديل من غير ذكر أسبابه. وشرط في الجرح بيان السبب مفصلا وهو الذي اختاره ابن الصلاح والنووي وغيرهما، وهو المشتهر عند كثير من أهل العلم.
واعترض ابن الصلاح على هذا بكتب الجرح والتعديل، فإنها -في الأغلب- لا يذكر فيها سبب الجرح، فالأخذ بهذا الشرط يسد باب الجرح، وأجاب عن ذلك بأن فائدتها التوقف فيمن جرحوه، فإن بحثنا عن حاله وانزاحت عنه الريبة وحصلت الثقة به قبلنا حديثه.
وذهب بعضهم إلى أنه لا يجب ذكر السبب في الجرح أو التعديل، إذا كان الجارح أو المعدل عالما بأسباب الجرح والتعديل والخلاف في ذلك، بصيرا مرضيا في اعتقاده وأفعاله. قال السيوطي في التدريب (ص 122): (وهو اختيار الراضي أبي بكر، ونقله عن الجمهور، واختاره إمام الحرمين والغزالي والرازي والخطيب، وصححه الحافظ أبو الفضل العراقي والبلقيني في محاسن الإصلاح. واختار شيخ الإسلام -يعني ابن حجر- تفصيلا حسنا: فإن كان من جرح مجملا قد وثقه أحد من أئمة هذا الشأن لم يقبل الجرح فيه من أحد كائنا من كان، إلا مفسرا، لأنه قد ثبتت له رتبة الثقة، فلا يزحزح عنها إلا بأمر جلي، فإن أئمة هذا الشأن لا يوثقون إلا من اعتبروا حاله في دينه ثم في حديثه، ونقدوه كما ينبغي، وهم أيقظ الناس، فلا ينقض حكم أحدهم إلا بأمر صريح، وإن خلا عن التعديل قبل الجرح فيه غير مفسر، إذا صدر من عارف، لأنه إذا لم يعدل فهو في حيز المجهول، وإعمال قول المجرح فيه أولى من إهماله. وقال الذهبي، وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال: لم يجتمع اثنان من علماء هذا الشأن قط على توثيق ضعيف، ولا على تضعيف ثقة. اهـ. ولهذا كان مذهب النسائي أن لا يترك حديث الرجل حتى يجتمعوا على تركه).
والتفصيل الذي اختاره ابن حجر هو الذي يطمئن إليه الباحث في التعليل والجرح والتعديل، بعد استقرار علوم الحديث وتدوينها.

[3] إذا اجتمع في الراوي جرح مبين السبب وتعديل، فالجرح مقدم، وإن كثر عدد المعدلين، لأن مع الجارح زيادة علم لم يطلع عليها المعدل، ولأنه مصدق للمعدل فيما أخبر به عن ظاهر حاله، إلا أنه يخبر عن أمر باطن خفي عنه. وقيد الفقهاء ذلك بما إذا لم يقل المعدل: عرضت السبب الذي ذكره الجارح، ولكنه تاب وحسنت حاله، أو إذا ذكر الجارح سببا معينا للجرح، فنفاه المعدل بما يدل يقينا على بطلان السبب. قاله السيوطي في التدريب.

[4]وحكى الخطيب في الكفاية: أن القاضي أبا بكر الباقلاني حكى عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم: أنه لا يقبل في التزكية إلا اثنان، سواء كانت للشهادة أو للرواية اهـ عراقي.

[5] يريد بهذا أن الراوي لا بد أن يسمي شيخه ويصفه بأنه ثقة، حتى يكون معينا، أما إذا قال: (حدثني الثقة) فقط، فإنه من باب الراوي المبهم.



  #3  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:18 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: عبد الكريم الخضير (مفرغ)


  #4  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 10:28 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: سعد الحميد (مفرغ)

القارئ: قال: والتعديل مقبول من غير ذكر السبب؛ لأن تعداده يطول، فقبل إطلاقه، بخلاف الجرح فإنه لا يوجد إلا مفسرا، بخلاف (غير مسموع) بالأسباب المفسقة (غير مسموع). والله أعلم.

الشيخ: (طيب) اقرأ أيضا الجزئية (اللي) بعدها: أما إذا تعارض الجرح...
القارئ: (غير مسموع) والله أعلم.

الشيخ: (طيب) التعديل أيها الإخوة والجرح في الراوي، إما أن يكون متعارضين، أي: تعارض الجرح والتعديل في راو واحد، أو يكون الوارد في الراوي أحدهما: إما تعديل أو جرح، فإذا وجدنا في الراوي التعديل فقط أو الجرح فقط فهل يشترط في هذه الحال بيان السبب أو لا، حصل هناك اختلاف؛ فمنهم من قال: لا بد من بيان السبب في الجرح والتعديل تعارضا أو لم يتعارضا، ومنهم من قال: لا بد من بيان السبب في التعديل، وأما الجرح فلا يشترط بيان السبب.
ومنهم من عكس وقال: لا يشترط بيان أسباب التعديل، وأما أسباب الجرح فلا بد من ذكرها. ومنهم من قال: إذا لم يتعارض الجرح والتعديل، قبل الجرح والتعديل، ولو من غير ذكر سبب، أما إذا تعارضا فلا يشترط ذكر التعديل مفسرا، ولكن لا بد من بيان الجرح مفسرا. ومنهم من قال أقوالا أخرى في مسألة تعارض الجرح والتعديل، سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى.
لكن الذي يهمنا الآن، أن نأخذها جزئية جزئية:
أما بالنسبة للتعديل فلا يشترط ذكر سببه -هذا على القول الراجح- فلا يشترط ذكر سببه، سواء تعارض مع الجرح أو لا.
والسبب: أن أسباب التعديل كثيرة، فيصعب أن تقول: إن هذا الراوي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويصلي ويزكي ويحج ويصوم، ويبر والديه ولا يظلم ولا يزني، ولا يسرق ولا يشرب الخمر، ولا.... وهكذا من سائر الصفات الثبوتية أو السلبية يصعب أن تحصل أسباب العدالة، لذلك قالوا: التعديل يقبل على الإبهام من غير بيان السبب، وهذا هو القول الراجح.
أما بالنسبة للجرح فإذا كان ذلك الراوي لم يرد فيه تعديل لإمام من الأئمة، فإنه يفضل أن يذكر الجرح دائما مفسرا ومبين السبب، لكن إن ذكر الجرح في الراوي الذي ليس فيه تعديل لإمام من الأئمة، إن ذكر الجرح مبهما غير مفسر، ولا مبين السبب فإنه يقبل في تلك الحال.
والسبب: أننا لو لم نقبل الجرح في ذلك الراوي، فإنه سيكون مجهولا، وإعمال الجرح في هذه الحال أولى من إهماله، ويتأكد هذا إذا كان الجارح من الأئمة المعتبرين العارفين بأسباب الجرح، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
قلت: إن هذا كله فيما لو لم يتعارض الجرح مع التعديل، أما إذا تعارض الجرح مع التعديل، فإن لهم في هذه الحال عدة مقالات، فمنهم من قال: يقدم الجرح في هذه الحال؛ لأن مع الجارح مزيد علم، وهو مثبت ومقدم على النافي، فهذا قول في حال تعارض الجرح مع التعديل.
ومنهم من قال: لا، بل ننظر إلى أيهما أكثر، فإن كان عدد المجرحين أكثر من عدد المعدلين قبلنا الجرح، وإلا فلا.
ومنهم من قال: إذا تعارض الجرح مع التعديل فإننا في هذه الحال لا نقبل الجرح إلا مفسرا ومبين السبب، فما دام أنه وثق ممن يعتد بتوثيقه، فهذا قد ثبتت له العدالة والضبط أيضا، فإن وجدنا ما يخدش هذا التعديل أو هذا التوثيق فإننا ننظر في كلام ذلك المجرح؛ إذ قد يكون جرح بما ليس بجارح.
ويضربون على ذلك بعض الأمثلة التي حصلت لبعض المجرحين؛ فإن أحدهم لما جرح أحد الرواة الموثقين قيل له: لماذا تجرحه؟ قال: رأيته يركض على برذون.
والبرذون: نوع من الحيوانات كان يركبه في ذلك الزمن المترفون من الناس.
فاعتبروا أن هذا لا يليق بأخلاق أهل العلم في ذلك الزمن، لكن هذا لا يعتبر جارحا في حقيقة الأمر، لا يعتبر جارحا؛ لأن هذا الراوي حتى لو لم يتمش وفق زي أهل العلم أو بسيرة أهل العلم، فإنه قد يكون تأول في مثل هذه الحال، فركوبه على البرذون لا يعتبر أمرا محرما أو منهيا عنه، وليس هناك من دليل يدل على حرمة حكم ركوب البرذون. فإذًا هذا الرجل لم يرتكب أمرا منهيا عنه شرعا.
رجل آخر أظنه: جرير بن عبد الحميد، جرح سماك بن حرب، فلما قيل له: لماذا تجرحه؟ قال: رأيته يبول قائما.
والبول قائما من المسائل التي حصل الاختلاف فيها بين أهل العلم، ومن بال قائما فإنه قد أخذ بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلكم تعرفونه، والحديث في صحيح مسلم: أنه عليه الصلاة والسلام أتى سباطة قوم، فبال قائما.
فهل هذا المجرح سيذهب يجرح أيضا النبي عليه الصلاة والسلام؟! ثم إن الدليل الذي يدل على النهي عن البول قائما لم يثبت في هذه الحال، فدل هذا على أن هناك من قد يجرح بما ليس جارح.
وأيضا نظر من أحوال المتكلمين في الرواة جرحا وتعديلا، حتى وإن كانوا من الأئمة المعتبرين، نظر في أن بعضهم قد يتعجل ويسرف في الجرح، وهذا مثل ما حصل لشعبة بن الحجاج رحمه الله مع بعض العلماء الآخرين، مثل جرحه لعبد الملك بن أبي سليمان؛ فإن العلماء وثقوه ولم يؤثر فيه قول شعبة ذلك التأثير الذي من أجله يرد حديثه؛ لأنهم نظروا إلى أن جرح شعبة.. إلى أن سبب جرح شعبة ليس سببا وجيها.
وأوضح منه قصته مع المنهال بن عمرو، المنهال بن عمرو وثقه أئمة وجرحه شعبة، وأغلظ القول فيه، فلما سئل شعبة عن السبب ذكر أنه مر بجانب داره فسمع في بيته صوت طنبور.
والطنبور من الآلات الموسيقية، فهذا الجرح بهذه الصورة يمكن أن يغتر به المتعجل، ولكن العلماء يدققون أيضا فيقولون: ما دام أن هذا الرجل قد وثق، والأصل فيه العدالة، فإننا يمكن أن نحمل هذا على محمل حسن، فنقول: إن كان صوت طنبور حقيقة، فإنه قد يكون من إنسان جاهل من أهل البيت، فلعله كان لا يعلم، فكان الأولى أن يسأل ويقال: ما هذا الصوت الذي في دارك؟ فقد يبين ما يرتفع به ذلك الجرح الذي ذكر فيه.
وقد لا يكون ذلك الصوت صوت طنبور أيضا، وبخاصه أن هناك قرينة في مثل حال هذا الرجل؛ فإنه كان حسن الصوت، قالوا: وكان يقرأ بالألحان السبعة، ولست أدري ما الألحان السبعة، لكن هذا مذكور في ترجمته، فقد تكون قراءة معروفة عندهم، فلعل صوته كان يشبه صوت.. أو شبه على شعبة أنه صوت طنبور، فتكلم فيه لهذا السبب.
على كل حال سئل شعبة، قيل له: هلا سألته. قال: لا، جاوزت ولم أسأله، فالمزي رحمه الله لما مر على هذه العبارة علق عليها بقوله: قلت: هلا سألته، فلعله كان لا يعلم.
وهكذا في أمثلة عديدة، حينما تأملها العلماء وجدوا أن هناك من قد يجرح بما ليس بجارح، لذلك قالوا: لا بد من ذكر الجرح مفسرا ومبين السبب.
هناك من قال: نحن ننظر نظرة أخرى، فنقول: إن كان الذي جرح هذا الرجل من العارفين بأسباب الجرح كما ذكره الحافظ ابن كثير فيما مر معنا قبل قليل، إن كان من العارفين بأسباب الجرح من الجهابذة النقاد الذين نعتمد على كلامهم في جرح الرواة وتعديلهم، ونعرف أنهم يعرفون ما الذي يجرح به الراوي، وما الذي لا يجرح به، ومتى يمكن أن يجرح ومتى يتوقف عن جرحه، وهلم جرا، فإنه يقبل.
والسبب: أننا وجدنا أن معظم الرواة الذين وجدناهم ونظرنا في تراجمهم، وجدنا الكلام فيهم هكذا غير مبين السبب، فيقولون: فلان ضعيف، متروك، ليس بثقة، ليس بشيء، وهلم جرا من عبارات الجرح، دون أن يتوقف أحد أو يوجه إليهم السؤال فيقول: لماذا قلت: ليس بثقة؟ لماذا قلت: ضعيف؟ ما الذي أمسكت عليه؟ وهلم جرا من أنواع المساءلات، ما سئلوا رحمهم الله تعالى.
لذلك دل هذا على أن المسألة تحتاج إلى مزيد نظر. هناك من ينظر نظرة أخرى فيقول: نحن ننظر في أحوال هؤلاء المعدلين والمجرحين؛ فإننا بعد التأمل وجدنا من الأئمة من هو متشدد في التوثيق ويسرف في الجرح، كأبي حاتم الرازي، لا يكاد يوثق الرجل إلا قليلا، ووجدنا منهم أناسا متساهلين في التوثيق، يطلقون التوثيق لأسباب.. أو في رواة لم يوثقهم أحد من الأئمة الآخرين، كابن حبان والحاكم، وكما ترون من منهج ابن عبد البر رحمه الله ههنا، مع العلم أنني أعجب من هذه.. من وجهة نظر ابن عبد البر؛ لأن بعض الأحاديث يعيبها هو بالجهالة، وبناء على قاعدته هذه الأولى: أن لا يعل حديث بالجهالة إطلاقا؛ لأن الراوي المجهول لم يعرف فيه جرح، وهو من حملة العلم، ما دام روى هذا الحديث فكيف تعل يا ابن عبد البر ذلك الحديث بالجهالة؟
هذا من الأمور التي في الحقيقة تحير وتدهش، ولعلكم تراجعون الحديث الذي في.. وأظنه حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنه، في أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن تستقبل القبلة بغائط أو بول. قال: فرأيته قبل موته بعام يبول وهو مستدبر القبلة. أظنه هذا الحديث أو حديث آخر، على كل حال راجعوا تخريج هذا الحديث في مثل (نصب الراية) أو تعليق الشيخ أحمد شاكر على المعلى لابن حزم، فستجدون أنه نقل عن ابن حزم وعن ابن عبد البر أنهم جهلا أحد الرواة وردا ذلك الحديث.
ابن حبان، والحاكم، وابن عبد البر، وأيضا هناك غيرهم من الأئمة يعرفون بالتساهل في التعديل، وهناك أئمة متوسطون كالإمام أحمد والبخاري ونحوهما، وهناك أئمة أحيانا ينزع الواحد منهم منزع المتساهل، وأحيانا ينزع منزع المتشدد، بحيث يصعب عليك أن تقول: إنه متشدد أو متساهل أو معتدل، كيحيى بن معين؛ فإنني بعد سبري لأقواله ونظري فيها وجدت أنه أحيانا يوثق من ينبغي أن يجرح، ولعلكم تنظرون في حديث: لا مهدي إلا عيسى. فإن الراوي الذي تفرد بذلك الحديث لم يوثقه أحد إلا ابن معين، وأما الأئمة فتكلموا فيه لأجل نكارة ذلك المتن.
وكذلك أحد الرواة، وأظنه اسمه: محمد بن جعفر الفيدي، إن لم تخطئني الذاكرة، وهو من الذين تابعوا من ذكرت لكم في الحديث: أنا مدينة العلم.
قلت: إن الراوي الذي تفرد به عن أبي معاوية هو أبو الصلت عبد السلام بن صالح، ممن تابعه راو يقال: له محمد بن جعفر الفيدي، وهذا لم يوثقه إلا ابن معين، والصواب: أنه مجهول، أو مجهول الحال على الأقل.
فابن معين أحيانا ينزع منزع المتساهلين، فيحسن الظن ويثق بهذه الصورة، وأحيانا يتشدد فربما أسرف في الجرح، حتى إنه ربما تكلم في الراوي الذي يمكن أن يكون مضعفا، لكن تجد عبارات عنه شديدة جدا، كأن يقول: هذا ينبغي أن يخزى وأن يقاتل، وودت أن عندي فرسا وأغزوه وأقاتله... وهلم جرا. مثل كلامه في سويد بن سعيد الحدثاني.
وأحيانا يطلق العبارة ثم يتراجع عنها في نفس الوقت، مثل ما ذكرت لكم عن جرحه لأحمد بن الأزهر: أين هذا الكذاب الخراساني ؟ فلما قام قال: أما إنك لست بكذاب.
فمثل هذه المواقف من يحيى بن معين تدل على أننا لا نستطيع أن نكيفه فنقول: لا هو بالمتساهل ولا هو بالمتشدد، لكن الغالب عليه في الرواة الذين عرفوا إما عرفوا بجرح أو عرفوا بتعديل، الغالب عليه إن شاء الله أنه مع المعتدلين، مع العلم أن كثيرا من عباراته في بعض الأحيان يكون فيها شيء من التناقد، وتناقده أكثر من غيره في الأئمة الآخرين، فكثيرا ما نجد ابن معين مرة يقول عن الراوي: ثقة، ومرة يقول: لا بأس به، ومرة يقول: ضعيف.
وهذا وارد في عدة رواة، يمكن أن تنظروا إلى هذا أو إلى نماذج من هذا في كتب الجرح والتعديل، كالتهذيب وغيره.
لكن مع هذا نقول: إن هؤلاء الرواة المعروفين، وتنبهوا إلى كلمة المعروفين، المعروفين الذين للأئمة فيهم كلام بجرح أو تعديل، وتبين من حالهم ما يشفي، نعم كلام ابن معين فيهم يمكن أن يقرب من الأئمة المعتدلين كالإمام أحمد، أما الرواة الآخرون، وبخاصة الذين لم يوثقهم إمام معتبر، فأنا أنصح طالب العلم أن يكون حذرا من توثيق يحيى بن معين له؛ لأننا لو قبلنا توثيقه لأولئك الرواة لدخلت علينا طوام في مثل الحديثين اللذين ذكرتهما وغيرهما من الأحاديث.
وأنا قلت هذا الكلام بعد تدبر كما قلت لكم، وإن كان من قد يتسرع قد يهدر قيمة هذا الكلام، لكن إذا قال أحد بخلاف هذا، قولوا: اذهب فادرس توثيق ابن معين وتجريحه للرواة، ثم بعد ذلك احكم عن بينة، وإلا إن أراد أن آتيه بالأمثلة التي لا أظنه إلا وسيتوقف فيها أو يقبل الأحاديث:
فمثل حديث: ((أنا مدينة العلم)). لو أنه أطلق القول بقبول توثيق يحيى بن معين على الإطلاق، للزمه أن يقبل ذلك الحديث، إلا أن يعله ببعض العلل الخفيفة التي قد يخالف فيها، فمجرد إثباته ذلك الحديث عن أبي معاوية تعني طامة كبرى، وكذلك حديث: ((لا مهدي إلا عيسى)). هو حديث منكر عند أهل العلم، وبعضهم حكم عليه بالوضع، وأظن ابن القيم أورده في (المنار المنيف) وحكم عليه بالوضع أو نحو ذلك.
فعلى كل حال مثل ذلك الحديث البلاء كله جاء من راو لم يوثقه إلا ابن معين، فمن خلال كل هذه الأقوال كلها نستطيع أن نقول: إننا ينبغي أن نعمل جميع هذا الكلام برمته، ولا نستطيع أن نضع قاعدة ثابتة منضبطة محدودة بحد لا يتجاوز في كل راو بعينه، لا، قد تأتي إلى راو من الرواة فتقبل أقوال الأكثر وتترك أقوال الأقل، مثل ماذا؟
مثل ما لو وجدنا الأئمة معظمهم يوثقونه، وضعفه إمام آخر، ولكنه في تضعيفه لم يبين سبب الجرح، فإنه في هذه الحال.. فإننا في هذه الحال نقبل أقوال المعدلين ونترك قول ذلك الراوي الذي خالف، أو حتى وإن انضاف إليه من قد يتابعه على ذلك التضعيف، ولكنهم قلة، والعكس كذلك: لو وجدنا أقوال الأئمة مطبقة على تضعيف راو وخالفهم واحد أو اثنان وهلم جرا، يعني: قلة، فوثقوا ذلك الراوي فإننا في هذه الحال لا تطمئن النفس إلى أن نهدر أقوال هؤلاء الأئمة الكثر ونقبل أقوال هؤلاء القلة.
فإذن من قال: نأخذ بقول الأكثر كلامه لا نقول: إنه غير صحيح، لا، بل يعمل به في بعض الأحيان، كما أننا في بعض الأحيان يمكن أن نعمل القاعدة المذكورة: لا يقبل الجرح إلا مفسرا ومبين السبب، إذا كان هناك قرينة تدعونا إلى أن نقول: لا بد من تفسير الجرح في مثل هذه الحال، مثل ما ذكرت لكم من كلام شعبة بن الحجاج في المنهال بن عمرو رحمه الله تعالى.
وأحيانا يمكن أن نكون مضطرين إلى الموازنة بين أقوال هؤلاء الأئمة وشخصياتهم، فنقول في راو ضعفه أبو حاتم، ووثقه ابن حبان والحاكم مثلا، وقال الإمام أحمد عنه: لا بأس به، فإننا نستطيع أن نقول في هذه الحال: إن هذا الراوي في مرتبة وسط، فلا هو بالثقة المطلق كما ذهب إليه ابن حبان والحاكم، ولا هو بالمضعف كما ذهب إليه أبو حاتم.
ولكن من جرح فإنه متشدد، وهو ممن يسرق في الجرح، ومن وثق فإنه متساهل، وممن تساهله يدفعه إلى أن يوثق من لا يصل إلى درجة التوثيق، وأما المعتدل فهو الذي أنصف هذا الرجل وأعطاه حقه، وهو مثل الإمام أحمد، فقال: لا بأس به. بمعنى: أنك يمكن أن تحتج بحديثه، فحديثه حسن، ولكنه لا يصل إلى درجة الثقة الضابط المتقن الذي حديثه حديث صحيح.
فلا بد إذًا من إعمال جميع هذه الأقوال وهذه القواعد، ولكن كل حالة يتنزل عليها بعض هذه الأقوال أو سواء كانت حالة واحدة أو قول واحد أو أكثر من قول مما قيل في هذه الحال، فمجموع هذه الأقوال تشكل منهجا متكاملا، وبخاصة في حال تعارض الجرح والتعديل في راو من الرواة. والله أعلم.

الـوجـه الـثـانـي


تشكل منهجا متكاملا، وبخاصة في حال تعارض الجرح والتعديل في راو من الرواة. والله أعلم.

القارئ: قال: ويكفي قول الواحد من تعديل أو تجريح على الصحيح، وأما رواية الثقة عن شيخ، فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا ؟ فيه ثلاثة أقوال: ثالثها إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، وإلا فلا، والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه.

الشيخ: (بس، طيب) هذا الكلام يتعلق بالعدد الذي يمكن أن يقبل في التعديل والتجريح، هناك أيها الإخوة أوجه شبه بين الرواية والشهادة؛ فأحيانا تجد المحدثين يستدلون ببعض أحوال الشهادة في باب الرواية، وإذا جاؤوا لبعض الأحوال الأخرى قالوا: لا، الرواية تختلف عن الشهادة، ومن جملة أوجه الاختلاف كذا وكذا، وينصون على إخراج تلك الحالة.
فمن الأمور التي أخرجوها عن أوجه الشبه بين الرواية والشهادة: مسألة العدد، ففي الشهادة لا بد من اثنين من الشهود، وأما في الرواية فتكفي رواية الواحد، ولذلك يصحح المحدثون الحديث الفرد الغريب.
كذلك في التزكية في الشهادة: يؤخذ بمعدلين اثنين للراوي، أما في الرواية فقالوا: تكفي تزكية الواحد أو تعديل الواحد أو تجريحه حتى، وليست الرواية كالشهادة في مثل هذه القضية.
وهناك من قال: لا بد من اثنين، ولكن الذي قال هذا القول لا يعتمد على قوله؛ فأهل الحديث يكتفون بتزكية الواحد فقط، لكن هل يمكن أن يكون هذا التجريح أو التعديل مقبولا حتى ولو من عبد أو امرأة ؟
قالوا: نعم، فالتعديل أو التجريح مقبول من الواحد ومن العبد ومن المرأة على حد سواء.
وهذه أيضا من أوجه الفرق بين الرواية والشهادة، فبالشهادة لا تقبل شهادة المرأة وحدها، ولا تزكيتها، ولا شهادة العبد، ولكن في حال الرواية يختلف الأمر؛ فكل هذا مقبول.
وهذا من الفرائق بين الرواية والشهادة.
أما بالنسبة لرواية الثقة عن شيخ من الشيوخ، فهل تعني تلك الرواية توثيق ذلك الشيخ أم لا؟ بمعنى: أننا لو وجدنا راويا من الرواة لم ينص الأئمة على جرحه أو تعديله، ولكن روى عنه راو من الثقات، فهل مجرد هذه الرواية تعني توثيقه لذلك الشيخ؟ فلسنا محتاجين في تلك الحال لأحد يقول: إن هذا الراوي ثقة أو مجروح أو الأمر يختلف؟
قالوا: لا، الرواية لا تعني التزكية، الرواية لا تعني التزكية، لكن كما ترون في الكتاب أنه قال: فيها ثلاثة أقوال: ثالثها: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، وإلا فلا.
حينما قال: ثالثها، يدل على أن الأمرين الأولين معروفان، وهما الأمران اللذان لا يمترى فيهما، معنى ذلك أن هناك من قال: لا يعتبر ذلك توثيقا، ومنهم من قال: يعتبر ذلك توثيقا، والقول الثالث: التفصيل، هذا معنى: ثالثها، معنى أنه يسبقه قولان:
القول الأول: اعتباره توثيقا.
والقول الثاني: عدم اعتباره توثيقا.
والقول الثالث: هو التفصيل.
التفصيل جاء هكذا، إن كان ذلك الراوي ممن عرف أنه لا يروي إلا عن ثقة، فهذا حاله يختلف، ولكن الأصل أن الرواية عن الشيخ لا تعتبر تزكية له، ولا توثيقا، هذا هو الأصل، إلا في حالة مستثناة، وهي ما لو قال: أنا لا أروي إلا عن الثقات، ولا آخذ من المجروحين، فهل هذا الآن يعتبر من ذلك الراوي توثيقا لذلك الشيخ الذي روى عنه أو لا؟
ترون أنه قال ههنا: إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوثيق، وإلا فلا.
قال بعد ذلك: والصحيح: أنه لا يكون توثيقا له، حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه.
يبدو أن ذلك الكلام كلام ابن الصلاح، وأن هذا تعقب من ابن كثير، والعلم عند الله جل وعلا، لكن على كل حال الذي يهمنا في هذه المسألة أن هناك أئمة قيل عنهم: إنهم لا يروون إلا عن الثقات، مثل قولهم، أو مثل قول أبي داود السجستاني: إن جميع شيوخ حديث ابن عثمان ثقات. ومثل ما عرف عن شعبة بن الحجاج أن جميع شيوخه ثقات ولا يأخذ عن المجروحين، وكذلك الإمام مالك قالوا: لا يروي إلا عن الثقات، وكذلك يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، قالوا: إنهما لا يرويان إلا عن الثقات، وكذلك الإمام أحمد، وأبو حاتم الرازي، وأبو زرعة الرازي، وهكذا هؤلاء ممن قيل: إنهم لا يروون إلا عن الثقات، فهل جميع شيوخ هؤلاء الأئمة يعتبرون من الثقات أو لا؟
الذي يهمنا في هذه الحال: ما لو جاءنا شيخ لم يوثق من إمام معتبر، وفي بعض الأحيان لا نعرف له راويا إلا ذلك الراوي الذي قيل: إنه لا يروي إلا عن ثقة كالإمام مالك وغيره، فهل يمكن أن ترتفع الجهالة أو جهالة الحال عن ذلك الراوي ويعد ثقة؟
هذه من مهمات المسائل، والمسألة مهمة جدا للغاية، والحقيقة أن الاختلاف جار فيها، وهو قوي جدا، ومن تأمل عبارات الأئمة في هذه الحال وجد أنهم يعملون هذه الدعوة في بعض الرواة، ويلتفتون لهذه الأقوال التي قيلت، ولكن ما ذهب إليه ابن كثير من قوله: والصحيح أنه لا يكون توثيقا له حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه، كحريز بن عثمان، نقول: أنا أميل إلى ما قاله ابن كثير في هذه الحال، ولست أميل إليه بمجرد هوى إن شاء الله، ولكن بعد تأمل وتدبر.
وكما قلت لكم: إن الأصل في حديث النبي عليه الصلاة والسلام الحيطة والحذر، فبعد التأمل والتدبر وجدنا بعض هؤلاء الأئمة يروي عن المجروحين؛ فشعبة مثلا ليس فقط يروي وإنما يزكي مثل الحجاج بن أرطأة، بل ويقدمه على بعض الرواة الثقات، على مثل خالد الحذاء كما قال لأحد الرواة دله قال: ارو عن الحجاج بن أرطأة وعن محمد بن إسحاق، واكتم علي في خالد الحذاء وهشام بن عروة عند البصريين، فيجرح خالد الحذاء الإمام الثقة ويوثق الحجاج بن أرطأة الرجل المتكلم فيه.
كذلك الإمام مالك قالوا: وهو ممن اشتهر أنه لا يروي إلا عن الثقات، لكن وجدناه يروي عن بعض المجروحين، مثل عبد الكريم بن أبي المخارق، وروايته عنه في الموطأ، وهو ضعيف باتفاق أهل العلم، فدل هذا على أن هؤلاء الأئمة قد يجتهد الواحد منهم، ولكن اجتهاده في غير محله، قد يقول قائل: هذا في الرواة الذين عرف فيهم الجرح، ولذلك نحن نعتبر رواية الإمام مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق مثلا توثيقا له، ولكن نوازن بين أقوال الأئمة الجارحين وقول الإمام مالك، فالإمام مالك يوثق وأولئك يجرحون، فترجح لدينا الجرح، فجرحنا عبد الكريم بن أبي المخارق.
ولكن هذا لا يعني أن الإمام مالك لا يروي عمن يراه ثقة، نقول: حسبك بهذا، حينما نقف عند هذه الجزئية طبقها تماما على المجهول، أو مجهول الحال، ألا يحتمل أن يكون مثل الإمام مالك أو شعبة أو غيرهما، أن يكون رأى أن هذا الرجل الذي لا يعرف بعدالة ولا جرح ظاهر حاله العدالة، فروى عنه بناء على هذا الظاهر؟ كما اغتر بظاهر عبد الكريم بن أبي المخارق أو غيره، هذا وارد.
فلأجل هذا الورود قلنا ما قلنا من أن هذا لا يصلح، فالتوثيق على الإبهام أمره خطير أيها الإخوة، وبخاصة في الأحاديث التي تبنى عليها مسائل عملية مهمة، كالعقائد والأحكام، وبعض الأمور المهمة التي يمكن تؤدي إلى القدح في أحد من الصحابة، أو غير ذلك من الأشياء التي تنوعها كثير.
لكن لو جاءت الرواية عن مثل هذا الصنف في الأمور التي يمكن أن تحتمل، وعرفنا من أصل قاعدتهم التساهل فيها، كالترغيب والترهيب، والفضائل والمواعظ والرقائق، ونحو ذلك، فهذا يمكن أن يتسمح فيه ويتساهل فيه، وليس الحال في هذا كالحال في ذاك.
ولذلك لو تأملتم في أحاديث الأحكام مثلا، فأنتم ستجدون الرواة الذين ينفردون ببعض الأدلة، يهتم العلماء ببيان أحوالهم والكلام فيهم، ويكثر فيهم الخوض والقيل والقال، وهلم جرا، ما السبب؟
السبب أهمية المتن الذي نقله ذلك الراوي، أما الراوي الذي تجده لا ينقل متنا مهما مثل هذا، فهو الذي لا يهتم به العلماء ويتساهلون فيه ويتسمحون ولا يشغلون أنفسهم به، لذلك أؤكد على ضرورة تفهم ما قاله الحافظ ابن كثير ههنا؛ فإنه قول وثيق. والله أعلم.

القارئ: قال: ولو قال: حدثني الثقة لا يكون ذلك توثيقا له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقة عنده، لا عند غيره، وهذا واضح ولله الحمد.
الشيخ: (طيب) هذه مسألة تختلف عن سابقتها؛ فالمسألة السابقة مع معرفة اسم الراوي، لكن هذه المسألة تختلف، فهذا يسمى التوثيق على الإبهام، يعني: مطلقا، فالراوي لا يسمى، ولكنه مبهم، فيقول: حدثني الثقة، من هو؟ ما اسمه؟ لا يبينه، أو: حدثني من أثق به، أو: حدثني من لا أتهم، أو نحو هذه العبارات، هذه عبارات كثيرا ما يستعملها الشافعي رحمه الله في بعض كتبه، كـ (الأم) و (الرسالة) وغيرهما.
ولكن بعد التأمل وجد أن الشافعي ـ رحمه الله – يطلق هذه العبارة أحيانا على المجروحين؛ لكونهم غير مجروحين عنده، مثل: إبراهيم بن يحيى الأسلمي، فهو راو متهم بالكذب، وأقل أحواله أنه متروك الرواية ورافضي، وفيه من الشر الشيء الكثير، ولكن الشافعي - رحمه الله – اغتر بظاهر حاله، لذلك رأى الأئمة أن هذا التعديل على الإبهام لا يكفي، ولا ينبغي أن يغتر به، فلا بد من ذكر اسم ذلك الذي وثق، فلو قال: حدثني فلان وهو ثقة عندي، أو: حدثني الثقة وهو فلان بن فلان، لزال الإشكال، ونظرنا في توثيقه هذا بالإضافة لكلام الأئمة الآخرين، ووازنا بينه إن كان هناك تعارض أو قبلناه إن لم يكن هناك تعارض، فالتعديل على الإبهام بهذه الصورة أمر لا بد من أخذ الحيطة منه.
نعم هناك من قال: إن هذا يلزم أتباع ذلك الإمام، فيلزمهم قبوله، فالشافعية يلزمهم توثيق من وثقه الشافعي مثلا، وهكذا، ولكن هذا قول أحقر من أن يذكر، ولولا أنه قيل، وأحببت التنبيه عليه لما ذكرته؛ لأن هذا يدل على أصل مسألة تدل على سطاحة تفكير من يذكرونها، وهي مسألة التقليد والمذهبية، فكيف يفرق بين المسلمين، ونحن نقول: ندين الله جل وعلا بحب الشافعي، وإن لم نكن متمسكين بأقواله كلها، ولكن نأخذ من أقواله ما وافق الدليل، ونرفض ما سوى ذلك مع احترامنا وتقديرنا له ولسائر أئمة أهل السنة.
فعلى كل حال هذا القول لا يصدر من إنسان تشرب بمحبة السنة وتعظيمها. نعم.


  #5  
قديم 7 ذو الحجة 1429هـ/5-12-2008م, 11:36 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح اختصار علوم الحديث للشيخ: إبراهيم اللاحم (مفرغ)

الشيخ: . . . القضية التي بعدها يتكلم عليها ابن كثير هي.. نحن الآن بعيدون عن الرواة, وفي عصر متأخر حتى في عصر ابن كثير, وأيضا اطلاعنا على أحوال الرواة وعلى.. وتمكننا من الواسائل التي نعرف بها ضبط الرواة وعدالتهم ضعفت أو قلت, وفقدناها تقريبا, الاعتماد على كلام من إذن ؟

على كلام أئمة الحرج والتعديل الذين انتصبوا .. قال ابن كثير رحمه الله.. الآن بما يثبت ما تقدم ؟ قال ابن كثير يثبت بأمور منها: اشتهاره بالخير, والثناء الجميل عليه, أو بتعديل الأئمة أو اثنين منهم له, أو واحد على الصحيح, هذه أمور يثبت بها ثقة الراوي وبينها تداخل, إذا اشتهر الراوي بالخير والثناء الجميل عليه, من أين يشتهر الرواة من أين يشتهر ؟ من كلام الأئمة.
إذن هو راجع إلى تعديل أئمة الجرح والتعديل له, راجع.. يرجع الأمر إلى تعديل أئمة الجرح والتعديل له, نحن عالة على أئمة الجرح والتعديل, لكن بعض الذين يعني: يرفضون التقليد, أو يقولون: لا يصح التقليد في أمور الدين, أو كذا يسمون اتباعنا لعمل الأئمة أو لتعديل الأئمة أو لكلام الأئمة في الجرح والتعديل يسمونه أو يطلقون عليه أنه تصديق, بدل ما يقولون: تقليد. يقولون: نحن نصدق خبرهم. يعني: أن إمام الجرح والتعديل يقول: فلان ثقة, فلان كذا, فلان كذا يخبرنا, فنحن نصدق خبره, وليس حكما منه أن نقلده فيه.


وهذا فيه نظر في نظري, والذي يظهر أن أحكامهم هي أخبار أو اجتهاد, هي غالبها, ولا سيما ما يتعلق بالضبط, إنما هي اجتهاد يعني: عنده مجموعة من الأمور والقرائن والأحوال درسها ونظر فيها, فبمجموعها حكم على هذا الراوي, اجتهد في الحكم عليه, ولهذا يختلفون أحيانا في الراوي لهذا السبب, ونحن نقلدهم, نحن تبع لهم في هذا إلا في النادر جدا, لكن النادر لا حكم له الكلام على الإجمال؛ إذن نحن الآن يمكن.. صدرت كتب وبحوث في ضوابط الجرح والتعديلنتداولها, ما المقصود بها بالنسبة لنا؟ المقصود بها ضوابط هذا باختصار قواعد النظر في أقوال الأئمة أو ضوابط النظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل, وليس المقصود بها كيف نعدل نحن أو نجرح, وهذا أمر مهم لابد أن ننتبه, ولهذا بعض الباحثين يقول: وثقه أحمد وابن حجر, كثير هذا في البحوث كثير جدا.
يقول: وثقه أبو حاتم والذهبي, وهذا خلل في البحث خلل في التصور, الذهبي لا يوثق, الذهبي لا يوثق بالمعنى الذي نريده, الآن الذي يعني: ذكره ابن كثير الآن بما تثبت عدالة الراوي وإنما الذهبي ماذا فعل؟ نظر في أقوال الأئمة وفي تصرفاتهم وعملهم وتطبيقهم, وحكم على الراوي بما حكم به.. مثلا أحكام ابن حجر في التقريب بناها على نظره هو في الرواة, أو نظره في أقوال الأئمة في الرواة, بناها على نظره على ما ذكره ابن كثير .

الآن تثبت عدالة الراوي, وكذلك جرحه بما ذكره بالشهرة أو بتعديل اثنين أو بواحد, نعم يكفي واحد على الصحيح, ثم تحدث ابن كثير -رحمه الله- على مذهب لابن عبد البر, يقول فيه:"إن كل حامل علم معروف العناية به محمول أمره على العدالة حتى يتبين حرجه". وهذا يعني: توسط ابن عبد البر, اشترط للحكم بالعدالة إذا لم يتبين جرح الراوي بأن يكون معروف العناية بعلم من العلوم, يقول: مثل أن يكون أديبا مشهورا بالأدب, أو أن يكون مثلا.. مشهورا مثلا بالورع, مشهور بعلم من العلوم, مشهور به, ولم يثبت جرحه؛ فهو إذن محمول أمره على أي شيء؟ على العدالة, وهذا يقول ابن الصلاح: إنه توسع, لابد من النص؛ لأنه لا يكفي عدالته, المهم عند الأئمة ما هو أكثر؛ لأنه بحمد الله ثرى.

يعني: بالمناسبة قضية الفسق وخوارم المروءة والأمور هذه إذا تجاوزت الوضع في الحديث والكذب فيه فليست بكثيرة, في الرواة الأكثر ما هو ما يتعلق بالخلل في أي شيء؟ في الضبط والحفظ, وهذا هو الأكثر, هو الذي اشتغل عليه الأئمة, ولهذا لو تبحث في كلام الأئمة فيما عدا الكذب فيما عدا الكذب والوضع, مع أنه جاء من الصالحين.. لكن المقصود فيما عدا الكذب والوضع؛ فإنه يقال: فلان تُرِكَ لشربه الخمر, أو لأنه لا يصلي, أو لأنه كذا, قليل نجد الكثير إذا نسبته إلى أي شيء؟إلى الكلام في ضبط الراوي وحفظه.

فإذن كلام ابن عبد البر هذا ينفع في العدالة, ربما نفع في العدالة, ولكنه في الضبط غير كاف, فلابد من النص على ضبطه, وسيذكر ابن كثير بعد قليل كيف يعرف ضبط الراوي .
يقول ابن كثير: إن ابن عبد البر اعتمد على حديث: (( يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين)). ويعني: أمر مسطوع من هذا الكلام يدلك ظاهر الحديث على ضعفه أو على قوته؟ يدلك على ضعفه, ظاهر الحديث يدل على ضعفه, الأمر كما قال ابن كثير: هذا الحديث لا يثبت.
يقول ابن كثير: لو ثبت لكان فيه قوة, أو فيه تأييد لكلام ابن عبد البر, لكنه لا يثبت, نعم اقرأ يا شيخ .
. . .
وكذلك أيضا تفسير حال الراوي هذا بحر لا ساحل له, ينظرون في حديث الراوي على هذا الشيء,فيقولون: هو حافظ لحديث هذا الشيخ, (طيب) بقي الشيخ الثاني ثم الثالث ثم الرابع ثم.... وهكذا, يستمرون في شيوخ الراوي, ينظرون في حديثه, ويصدرون أحكامهم على الراوي في هذا الشيخ, وفي هذا الشيخ يسبرون أحواله في البلاد, ينظرون في رواية البصريين عنه, هل هي توافق رواية المدنيين أم تخالفهم؟ هل هو إذا حدث في البلد الفلاني مثله إذا حدث في البلد الفلاني أو يختلف؟ ينظرون حديثه الأول وحديثه الآخر, هل تغير أو اختلف؟ يعني: يعيشون مع الراوي من أول حياته إلى آخرها, ولهم في ذلك أمور عجيبة جدا جدا .

يعني: القارئ في كتب الجرح والتعديل إذا قرأ بتمعن لا ينفك من الترحم عليهم, ويعني: الدعاء لهم والاعتراف بفضلهم, وأيضا من التشوق لهذا العلم, وأنه لم يأت من فراغ, ولم يأت إلا بجهود كبيرة جدا بذلها هؤلاء الأئمة -رحمهم الله تعالى- فهذه الكلمة أو هذا السطر من ابن كثير وهو قوله: " ويعرف ضبط الراوي بموافقه الثقات لفظا أو معنى وعكسه عكسه".
هذا تحته من الأمور العظيمة شيء كبير جدا, يعني: لا يقدر قدره من الجهد الذي بذله, يعني: إذا نظرت تتبعهم لحياة الراوي مثلا يعني: حاله في صغره, حاله في كبره, حاله في بعض شيوخه, حاله في كتابه, حاله إذا حدث من حفظه, يعني: أمور يعني: مما تشوق القارئ والناظر في هذا العلم, وأنه يدخل في علم جليل, يدخل في علم منظم, له قواعده, ولم.. يعني: يحصل هكذا اعتباطا, نعم بعد ذلك .
تعرض ابن كثير تبعا لابن الصلاح لأمر مهم جدا وهو إذا قال الإمام: فلان ثقة. هل يلزم أن يقول: هو ثقة ؟ لأنه يصلي ويفعل كذا وكذا؛ ولأنه ضابط لحديثه, ولأنه لم يخطئ, يبدأ يعدد أو لا يلزم؟وكذلك في الجرح ابن الصلاح -رحمه الله- قال يعني: فيه أقوال في المسألة, لكن ابن الصلاح اختار أنه في التعديل لا يلزم. لماذا لا يلزم ؟ لأن أسباب التعديل تطول؛ ولأنها معروفة, لكن الذي نحتاجه إلى بيان.. في قضية الجرح يقول: يلزم أن يبين أن يقول: ضعيف فيه كذا؛ لأنه يخطئ, لأنه أخطأ في الحديث الفلاني, لأنه فعل كذا, إذا كان بالعدالة.
ثم استدرك ابن الصلاح على نفسه فلاحظ هذا الأمر المهم,ابن الصلاح استدرك على نفسه, قال: قد يقول قائل: إن أكثر أحكام الأئمة في كتب الجرح والتعديل غير مفسرة في السبب, فيقول فقط: فلان ضعيف, فلان متروك. فقال ابن الصلاح أجاب بجواب لم يقنع ابن كثير,ابن الصلاح ماذا يقول ؟ يقول: بأنا إذا لم نكتف به توقفنا في أمره؛ إذن ليس يعني: ليس قبولا للحكم بإطلاق, وإنما هو توقف في أمر هذا الراوي, ابن كثير -رحمه الله- لم يقتنع بهذا والحق معه, يقول: لا يتوقف في أمره, بل الصواب أننا نقبل حكم هذا الإمام وإن لم يكن.. وإن لم يكن يكن مفسرا؛ لأننا إذا اشترطنا أن الجرح والتعديل لابد من أن يكون من عالم بأسبابه, وعرفنا أن هذا الإمام لا يتكلم إلا.. يعني: بأدلة قوية, وسبرنا أحواله, وأنه يتفق مع باقي الأئمة في كثير من أحكامه؛ فهذا كاف في أنْ نقبل حكمه وإن لم يكن مفسرا, وهذا هو الصحيح .

يعني: إذا قال ابن معين في راو: ضعيف. ما نطبق عليه مثلا, وإن كان رأيابن كثير وابن الصلاح ليس بينهما تباعد, لكن قوله: نتوقف فيه يعني: لم يعبر بالقبول, هذا هو الذي أشكل على ابن كثير, يعني: لا يقول قائل: إن ابن معين لم يفسر الجرح؛ إذن لا نقبله, هذا إنما يقوله بعض المتعصبين, قد يأثم يعني: بعض المتعصبين فيقول: هذا جرح غير مفسر, ويرده لكي يقوي الحديث, ولكن الإنصاف يقتضي أننا نقبل من هؤلاء الأئمة أحكامهم على علاتها, ولا نسأل عن سبب الجرح, لا نسأل عن سبب ثقة بهم من أين عرفت هذا؟ يكفي أن نقرأ سيرتهم.
تكلموا في آبائهم, هل هناك.. أكثر من هذا يتكلم الراوي في أبيه, سئل ابن المديني-رحمه الله- عن والده يعني: تغافل, هكذا لا يريد أن يتكلم في أبيه, يريد.. يعني: أن السؤال يطرح على غيره, ثم السائل أتاه مرة أخرى وطرح عليه فأيضا تغافل, يعني: ما أحب, ففي الثالثة قال: والدي ضعيف. ضعيف يعني: ليس متهما, ولكنه ضعيف في حفظه, فتكلموا في إخوانهم, يقول بعضهم: أخي يكذب في حديثه فلا تقبلوا منه فإني أخاف أن يكذب هذا من كلام ..
المهم زيد بن أنيس تكلم في أخيه يحيى, أخوه يحيى كذاب تكلم فيه, تكلموا في آبائهم في أخوانهم في أولادهم, إنصافهم وورعهم -رحمهم الله- فنأمن, وكذلك أحكامهم لما صدرت وجدت صحيحة, نأمن عليهم يعني: من جانبين؛ من جانب أن يكونوا قد تحاملوا, ومن جانب أن يكونوا أخطأوا.

فإذن نقبل أقوالهم غير مفسرة, سواء في التعديل أو في الجرح, ولا تلفت إلى غير هذا, تكلم ابن كثير -رحمه الله- على تعارض الجرح والتعديل, وهذا باب واسع جدا جدا لماذا ؟ لأنه موجود بكثرة, الإمام قد يروى عنه عدد من الروايات بينها تعارض, حتى الإمام نفسه, ونقول: تعارض بناء على الظاهر, وقد يتعارض كلامه مع كلام غيره؛ ولهذا النظر في التعارض قواعد نشرحها في باب الجرح والتعديل ونطيل فيها,ليس هذا.. موضوعها قواعد؛ لأن احتمال أن يكون هذا التعارض في الظاهر, أما في الباطن فتلتقي الأقوال, احتمال أن يقول الإمام: ليس به بأس. ثم يقول في مرة: ليس بالقوي. ويقول مرة: ضعيف.

وإذا درست هذه الأحوال أو هذه الأقوال ربما لا تجد بينها تعارض في الحقيقة؛ لأنها ليس به بأس, يعني: أنه لم يصل إلى درجة الضعيف المتروك, ضعيف يعني: لم يصل إلى درجة الثقة, فتلتقي أقوال الأئمة, فربما نترك قول الإمام؛ لأنه خالف غيره, خالف عشرة من الأئمة .
ربما نترك قول الإمام؛ لأنه مثلا تبين لنا أنه لم يخبره, يعني: أمور عديدة تسمى قواعدا, أو تدخل في قواعد النظر في أقوال الأئمة وقوية.
إذن نقول هنا: يعني قضية الجرح و التعديل لا ينبغي أن يطلق الحكم على أن الجرح هو المقدم, أو أن التعديل هو المقدم, أو أنه إذا بين السبب فالجرح.. كلام كثير , هناك أقوال شاذة تذكر في كتب المصطلح, هناك من يقول: لوعدله مائة وجرحه واحد يقدم قول من ؟
المجرح يقول: لأن معه زيادة علم, وهذا كلام خطير ما يمكن, ولا يصلح هذا في باب التدقيق, وإلا لم يبق عندك راو؛ لأنه لا يخلو راو من كلام.. من إمام, ولو من كلام يسير, ومثل هذا الكلام لا يصح, بعض الأقوال في هذا الموضوع في هذا الفرع كما ستأتي معكم منقولة عن أصوليين, أو منقولة نظريا أحيانا, فمسألة تعارض الجرح والتعديل هذه من أهم مسائل علم نقل السنة, ولها ضوابطها وقواعدها, نعم اقرأ يا شيخ يكفي . نعم .
القارئ :.
"ويكفي قول الواحد في التعديل والتجريح على الصحيح, وأما رواية الثقة عن.. فهل يتضمن تعديله ذلك الشيخ أم لا ؟ في ثلاثة أقوال ثالثها :
إن كان لا يروى إلا عن ثقة فتوفيق وإلا فلا, والصحيح أنه لا يكون توفيقا له, حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه, ولو قال: حدثني الثقة. فيكون ذلك توفيقا له على الصحيح؛ لأنه قد يكون ثقة عنده لا عند غيره وهذا واضح ولله الحمد .
قال: وكذلك فتيا العالم أو عمله على وقف حديث لا يستلزم تصحيحه له, قلت: وفي هذا نظر إذا لم يكن في الباب غير ذلك الحديث, أو تعرض للاحتجاج به في فتياه أو حكمه, أو استشهد به عند العمل بمقتضاه, هذا ابن الحاجب, وحكم الحاكم المشترط العدالة تعديل باتفاق, وأما إعراض العالم عن الحديث المعين بعد العلم به فليس قادحا في الحديث باتفاق؛ لأنه قد يعدل عنه لمعاريض, أرجح عنده مع اعتقاد صحته". نعم
الشيخ :.
هذه أيضا أمور تتعلق بالجرح والتعديل, واحد منها تقدم وهو الاكتفاء بالتعديل بواحد, أو لابد من العدد الصحيح أنه يكفي واحد, فإذا قال إمام من أئمة الجرح والتعديل عن شخص: إنه ثقة. فهو ثقة, وإذا قال: إنه ضعيف. فهو ضعيف, وهناك أمور تحكم يعني: هذا هو يعني: الصحيح في الجملة تحدث ابن كثير أيضا عن رواية الثقة عن شيخ, وهذه مسألة عظيمة, وهي التوثيق العملي أو نعم يمكن أن نسميها هكذا أو التعديل الضمني, إذا روى الثقة عن راو هل هو تعديل له أو ليس بتعديل ؟
ذكر ابن كثير ثلاثة أقوال,فذكر الأول منها, أشار إلى ثلاثة أقوال :
واحد : أنه ليس بتوفيق, والآخر: أنه توفيق, والثالث:هو الذي ذكره, قال : إن كان لا يروي إلا عن ثقة فتوفيق وإلا فلا, والصحيح أنه لا يكون توفيقا له, حتى ولو كان ممن ينص على عدالة شيوخه, لست أعلق على هذا تقول: يظهر من عمل الأئمة أن من لا يروي إلا عن ثقة إذا عرف من منهجه أنه لا يروي إلا عن ثقة, فالصحيح أن روايته عن الشخص تقوية له, ونستفيد من هذا فيمن لم يكن فيه تعديل, ولا تجريح يستفاد منه تقوية هذا الراوي, ولكن ليس معنى هذا أنه ثقة بإطلاق, وإنما يعني: هذا خلاصة الكلام, والكلام طويل في هذا الموضوع, وكتب فيه كتابات خلاصته هو هذا:
أن رواية الراوي إذا كان عرف من حاله مثل: شعبة, ويحيى القطان, والإمام أحمد, وأبو داود, وابن معين, والبخاري, وجماعة أئمة الجرح والتعديل في الغالب لا يروون إلا عن ثقات في الغالب, لكن تقيد معنى الثقة هنا بأنه ليس المقصود به مطلق الثقة, وإنما له حظ من الثقة يعني: ليس بمتروك الحديث, وهذا باب واسع كما ذكرت, خلاصته أن الأئمة -رحمهم الله- عندهم حد للراوي, إذا لم يصل إلى حد الترك يروون عنه وإن كان فيه شيء من الضعف.
فالخلاصة أن من روى عنه من لا يروي إلا عن ثقة, فأقل أحواله أن يكون ضعفه محتملا, يعني: له حظ من الثقة.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir