دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > الفقه > متون الفقه > زاد المستقنع > كتاب الصلاة

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 21 ذو القعدة 1429هـ/19-11-2008م, 11:02 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي مسائل في الإمامة والائتمام

( فصلٌ ) يَصِحُ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ في المسجِدِ وإن لم يَرَهُ ولا مَن وراءَه إذا سَمِعَ التكبيرَ، وكذا خارِجَه إن رأى الإمامَ أو المأمومينَ، وتَصِحُّ خَلْفَ إمامٍ عالٍ عنهم ويُكْرَهُ إذا كان العُلُوُّ ذِرَاعًا فأَكْثَرَ، كإمامتِه في الطَّاقِ وتَطَوُّعِه مَوْضِعَ الْمَكتوبةِ إلا مِن حاجةٍ، وإطالةُ قُعودِه بعدَ الصلاةِ مُستَقْبِلَ القِبلةِ، فإن كان ثَمَّ نِساءٌ لَبِثَ قليلًا ليَنْصَرِفْنَ، ويُكْرَهُ وُقوفُهم بينَ السواري إذا قَطَعْنَ الصفوفَ.


  #2  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 07:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي المقنع لموفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي

...................

  #3  
قديم 24 ذو القعدة 1429هـ/22-11-2008م, 07:55 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي الروض المربع للشيخ: منصور بن يونس البهوتي

فَصْلٌ
فِي أَحْكَامِ الاقتِدَاءِ
(يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإمامِ) إِذَا كانَا (في المَسجدِ وإن لم يَرَهُ ولا مَن وَرَاءَهُ, إذا سَمِعَ التَّكْبِيرَ)؛ لأنَّهم في مَوْضِعِ الجَماعةِ ويُمْكِنُهم الاقتداءُ به بسماعِ التَّكْبيرِ شِبْهِ المُشَاهَدَةِ، (وكذا) يَصِحُّ الاقتداءُ إذا كانَ أَحَدُهُمَا (خَارِجَهُ)؛ أي: خَارِجَ المَسْجِدِ (إنْ رَأَى) المأمومُ (الإمامَ, أو) بَعْضَ (المَأْمُومِينَ) الذينَ وراءَ الإمامِ, ولو كانَتِ الرُّؤْيَةُ في بعضِ الصَّلاةِ أو مِن شُبَّاكٍ ونَحْوِه، وإنْ كَانَ بينَ الإمامِ والمأمومِ نَهَرٌ تَجْرِي فيه السُّفُنُ أو طَرِيقٌ ولم تَتَّصِلْ فيه الصُّفُوفُ حيثُ صَحَّت فيهِ، أو كانَ المأمومُ بسفينةٍ وإِمَامُه في أُخْرَى في غَيْرِ شِدَّةِ خَوْفٍ, لم يَصِحَّ الاقتِدَاءُ.
(وتَصِحُّ) صلاةُ المَأْمُومِينَ (خَلْفَ إمامٍ عالٍ عنهم)؛ لفِعْلِ حُذَيْفَةَ وعَمَّارٍ, رواهُ أَبُو دَاوُدَ.
(ويُكْرَهُ) عُلُوُّ الإمامِ عَن المأمومِ (إذا كانَ العُلُوُّ ذِرَاعاً فأَكْثَرَ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ: ((إِذَا أَمَّ الرَّجُلُ القَوْمَ فَلاَ يَقُومَنَّ فِي مَكَانٍ أَرْفَعَ مِن مَكَانِهِمْ)). فإنْ كَانَ العُلُوُّ يَسِيراً دونَ ذِرَاعٍ لم يُكْرَهْ: لصلاتِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ على المِنْبَرِ في أَوَّلِ يَوْمٍ وُضِعَ، فالظَّاهِرُ أنَّهُ كانَ على الدَّرَجَةِ السُّفْلَى جَمْعاً بينَ الأخبارِ، ولا بَأْسَ بعُلُوِّ المأمومِ.
(كـ) ما تُكْرَهُ (إِمَامَتُه في الطَّاقِ)؛ أي: طَاقِ القِبْلَةِ, وهي المِحْرَابُ، رُوِيَ عَن ابنِ مَسْعُودٍ وغَيْرِه؛ لأنَّه يَسْتَتِرُ عَن بَعْضِ المَأْمُومِينَ, فإن لم يَمْنَعْ رُؤْيَتَهُ لم يُكْرَهْ.
(و) يُكْرَهُ (تَطَوُّعُه مَوْضِعَ المَكْتُوبَةِ) بعدَها؛ لقَوْلِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((لا يُصَلِّيَنَّ الإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ المَكْتُوبَةَ حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ)). رواهُ أَبُو دَاوُدَ عَن المُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ.
(إلاَّ مِن حَاجَةٍ) فِيهِمَا بأنْ لا يَجِدَ مَوْضِعاً خَالِياً غَيْرَ ذلكَ. (و) يُكْرَهُ للإمامِ (إِطَالَةُ قُعُودِه بَعْدَ الصَّلاةِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ)؛ لقَوْلِ عَائِشَةَ: كانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ إذا سَلَّمَ لم يَقْعُدْ إلا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلامُ وَمِنْكَ السَّلامُ تَبَارَكْتَ يَاذَا الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ)) رواهُ مُسْلِمٌ.
فيُسْتَحَبُّ له أنْ يَقُومَ أو يَنْحَرِفَ عَن قِبْلَتِه إلى مَأْمُومٍ جِهَةَ قَصْدِه، وإلا فعن يَمِينِه.
(فإن كانَ ثَمَّ)؛ أي: هناكَ (نِسَاءٌ, لَبِثَ) في مَكَانِه (قَلِيلاً, لِيَنْصَرِفَنَّ)؛ لأنَّه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ وأَصْحَابَهُ كانُوا يَفْعَلُونَ ذلكَ، ويُسْتَحَبُّ أن لا يَنْصَرِفَ المأمومُ قَبْلَ إِمَامِه؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ: ((لاَ تَسْبِقُونِي بِالانْصِرَافِ)). رواهُ مُسْلِمٌ.
قالَ في (المُغْنِي) و(الشَّرْحِ): إلاَّ أَنْ يُخَالِفَ الإمامُ السُّنَّةَ في إِطَالَةِ الجُلُوسِ, أو لم يَنْحَرِفْ, فلا بَأْسَ بذلكَ. (ويُكْرَهُ وُقُوفُهُم)؛ أي: المَأْمُومِينَ (بَيْنَ السَّوَارِي إذا قَطَعْنَ) الصُّفُوفَ عُرْفاً بلا حَاجَةٍ؛ لقَوْلِ أَنَسٍ: (كُنَّا نَتَّقِي هذا على عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). رواهُ أَحْمَدُ وأَبُو دَاوُدَ وإِسْنَادُه ثِقَاتٌ.
فإن كانَ الصَّفُّ صَغِيراً قَدْرَ ما بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ, فلا بَأْسَ، وحَرُمَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ يُرَادُ به الضِّرَارُ لمَسْجِدٍ بقُرْبِه، فيُهْدَمُ مَسْجِدُ الضِّرَارِ, ويُبَاحُ اتِّخَاذُ المِحْرَابِ, وكُرِهَ حُضُورُ مَسْجِدٍ وجَمَاعَةٍ لِمَن أَكَلَ بَصَلاً ونَحْوَه حتَّى يَذْهَبَ رِيحُه.


  #4  
قديم 26 ذو القعدة 1429هـ/24-11-2008م, 07:14 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي حاشية الروض المربع للشيخ: عبد الرحمن بن محمد ابن قاسم

فصل


في أحكام الاقتداء([1])


يصح اقتداء المأموم بالإمام إذا كانا (في المسجد([2]) وإن لم يره ولا من وراءه إذا سمع التكبير) لأنهم في موضع الجماعة، ويمكنهم الاقتداء به، بسماع التكبير أشبه المشاهدة([3]).(وكذا) يصح الاقتداء إذا كان أحدهما (خارجه) أي خارج المسجد (إن رأى) المأموم (الإمام أو) بعض (المأمومين) الذين وراءَ الإمام([4]) ولو كانت الرؤية في بعض الصلاة أو من شباك ونحوه([5]).وإن كان بين الإمام والمأموم نهر تجري فيه السفن([6]) أو طريق ولم تتصل فيه الصفوف، حيث صحت فيه([7]) أو كان المأموم بسفينة وإمامه في أخرى، في غير شدة خوف لم يصح الاقتداء([8]).(وتصح) صلاة المأمومين (خلف إمام عال عنهم) لفعل حذيفة وعمار رواه ابو داود([9]) (ويكره) علو الإمام عن المأموم (إذا كان العلو ذراعا فأكثر)([10]) لقوله صلى الله عليه وسلم «إذا أم الرجل القوم فلا يقومن في مكان أرفع من مكانهم»([11]) فإن كان العلو يسيرًا، دون ذراع لم يكره([12]).لصلاته صلى الله عليه وسلم على المنبر في أول يوم وضع([13]) فالظاهر أنه كان على الدرجة السفلى، جمعًا بين الأخبار([14]) ولا بأس بعلو المأموم([15]) (كـ) ما تكره (إمامته في الطاق) أي طاق القبلة، وهي المحراب([16]) روي عن ابن مسعود وغيره([17]) لأنه يستتر عن بعض المأمومين([18]).فإن لم يمنع رؤيته لم يكره([19]) (و) يكره (تطوعه موضع المكتوبة) بعدها([20]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يصلين الإمام في مقامه الذي صلى فيه المكتوبة حتى يتنحى عنه» رواه أبو داود عن المغيرة بن شعبة([21]) (إلا من حاجة) فيهما([22]) بأن لا يجد موضعا خاليًا غير ذلك([23]).(و) يكره للإمام (إطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة) ([24]) لقول عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سلم لم يقعد إلا مقدار ما يقول «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام» رواه مسلم([25]) فيستحب له أن يقوم([26]) أو ينحرف عن قبلته إلى مأموم جهة قصده([27]).وإلا فعن يمينه([28]) (فإن كان ثم) أي هناك (نساء لبث) في مكانه (قليلا لينصرفن)([29]) لأنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك([30]) ويستحب أن لا ينصرف المأموم قبل إمامه([31]) لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تسبقوني بالانصراف » رواه مسلم([32]).قال في المغني والشرح: إلا أن يخالف الإمام السنة، في إطالة الجلوس([33])، أو لم ينحرف فلا بأس بذلك([34]) (ويكره وقوفهم) أي المأمومين (بين السواري إذا قطعن) الصفوف عرفا، بلا حاجة([35]) لقول أنس كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه أحمد وأبو داود وإسناده ثقات([36]).فإن كان الصف صغيرًا، قدر ما بين الساريتين فلا بأس([37]) وحرم بناء مسجد يراد به الضرر لمسجد بقربه، فيهدم مسجد الضرار([38]) ويباح اتخاذ المحراب([39]) وكره حضور مسجد وجماعة لمن أكل بصلاًٍ ونحوه، حتى يذهب ريحه([40]).



([1]) اقتدى به: فعل مثل ما فعل، والمقتدي شرعا من يصلي خلف الإمام.

([2]) وساحته: والمنارة التي هي منه، نقل غير واحد إجماع المسلمين فيه، ولو لم تتصل الصفوف عرفًا، لأن المسحد بني للجماعة، فلا يشترط اتصالها فيه، بلا خلاف في المذهب، وحكاه أبو البركات إجماعا، لأنه في حكم البقعة الواحدة فكل من حصل فيه حصل في محل الجماعة، بخلاف خارج المسجد، فإنه ليس معدا للاجتماع فيه، فلذلك اشترط الاتصال فيه، فإذا اتصلت صحت إجماعًا.

([3]) ولو كان بينهما حائل، إذا علم حال الإمام، وفاقا لمالك والشافعي، وحكي الإجماع على أنه لا يضر بعد المؤتم في المسجد ولا الحائل ولو كان فوق القامة، مهما علم حال الإمام، واعتبره في الشرح وغيره ببعد غير معتاد بحيث يمنع إمكان الاقتداء لأنه لا نص فيه ولا إجماع، فرجع فيه إلى العرف، وقال في كفاية المبتدي وغيرها، ولا يشترط الاتصال، إذا حصلت الرؤية المعتبرة، وأمكن الاقتداء وفي شرحها، ولو جاوز ثلاث مائة ذراع اهـ ولو كان في صحراء ليس فيها قارعة طريق، وبعدوا عن الإمام، أو تباعدت الصفوف جاز ذلك، مع سماع التكبير، ووجود المشاهدة إن اعتبرت.

([4]) ولو لم تتصل الصفوف لانتفاء المفسد، ووجود المقتضي للصحة، وهو الرؤية وإمكان الاقتداء وإن لم يره ولا بعض من وراءه لم تصح صلاة المأموم لعدم تمكنه من الاقتداء بإمامه، وقال النووي: يشترط أن لا تطول المسافة بين الإمام والمأمومين إذا صلوا في غير المسجد، وبه قال جماهير العلماء.

([5]) كطاق صغيرة صحت، لتمكنه إذا من متابعته لا إن سمعه من غير رؤية فلا يصح الاقتداء، لقول عائشة لنساء كن يصلين في حجرتها، لا تصلين بصلاة الإمام فإن كن دونه في حجاب، رواه الشافعي وغيره، ولأنه لا يمكنه الاقتداء به في الغالب، قال الشيخ: إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط، بحيث لا يرون الصفوف، ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة، فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء اهـ وتكفي الرؤية في بعض الصلاة، لما في الصحيح من حديث عائشة كان يصلي من الليل، وجدار الحجرة قصير، فرأى الناس شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام أناس يصلون بصلاته، الحديث، ولحديث الحصير الذي نصبته على باب حجرتها والمسلمون يصلون بصلاته، وقال النووي: يشترط لصحة الإقتداء، علم المأموم بانتقالات الإمام، سواء صليا في المسجد، أو في غيره، أو أحدهما فيه والآخر في غيره، بالإجماع، ويحصل العلم له بذلك بسماع الإمام أو من خلفه، أو مشاهدة فعله أو فعل من خلفه ونقلوا الإجماع في جواز اعتماد واحد من هذه الأمور، ولو كان المأموم أعمى اشترط أن يصلي بجنب كامل ليعتد بموافقته مستدلا بها.

([6]) لم يصح الاقتداء فإن لم تجر فيه صحت، وعنه: تصح وإن جرت، إذا أمكنه الاقتداء اختاره الشيخ وغيره، وفاقا لمالك والشافعي.

([7]) أي في الحال الذي تصح الصلاة فيه، يعني الطريق، وهو ماإذا ضاق المسجد بنحو صلاة جمعة، بخلاف سائر الصلوات، فلا تصح، فإن اتصلت إذا صحت، قال الشيخ: إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم، في أظهر قولي العلماء، وعنه: يصح وإن كان ثم طريق لم تتصل فيه الصفوف لفعل أنس، وهو اختيار أبي محمد لإمكان المتابعة قال النووي ولو حال بينهما طريق عند مالك والشافعي والأكثرين

([8]) والحالة هذه، لأن الماء طريق، وليست الصفوف متصلة إلا في شدة خوف، كحال المسايفة، وأمكن الاقتداء فيصح للعذر، وإلا إذا كانت صلاة جمعة ونحوها، واتصلت فيه الصفوف صح، وعنه: تصح وإن كان في سفينة وإمامه في أخرى، اختاره الشيخ وغيره، وألحق الآمدي بالنهر النار والبئر، وقال في الإنصاف: المرجع في اتصال الصفوف إلى العرف، على الصحيح من المذهب، وصححه في المغني، فلا يتقدر بشيء، وهو مذهب مالك والشافعي، لأنه لا حد في ذلك ولا إجماع، ولأنه لا يمنع الاقتداء، فإن المؤثر في ذلك ما يمنع الرؤية، أو سماع الصوت، والمنع من الاقتداء بالإمام تحكم محض، لا يلزم المصير إليه ولا العمل به.

([9]) وهو أن عمارًا صلَّى بالمدائن، فقام على دكان، والناس أسفل منه، فأخذ حذيفة بيده، فاتبعه عمار حتى أنزله، فلما فرغ قال: ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أم الرجل قوما فلا يقومن من مقام أرفع من مقامهم»؟ قال عمار: لذلك اتبعتك حين أخذت بيدي، وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، ورواه الشافعي والبيهقي، ومن لا يحصون من كبار المحدثين ومصنفيهم بأسانيد صحيحة، وللدارقطني معناه بإسناد حسن.

([10]) وفاقًا لأبي حنيفة ومالك، ويشترك الإمام والمأموم في النهي إن انفرد الإمام بالعلو، وفعله في خبر سهل يدل أن النهي ليس للتحريم، ولأن النهي لا يعود إلى داخل في الصلاة، فإن كان مع الإمام أحد مساوله أو أعلى منه زالت الكراهة صرح به ابن نصر الله وغيره.

([11]) رواه أبو داود وغيره، والشافعي بلفظ: قال ابن مسعود لحذيفة، ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك؟ قال: بلى ومحل النهي إذا كان ذراعا فأكثر قال ابن فرحون، لأن الإمامة تقتضي الترفع، فإذا انضاف إلى ذلك علوه عليهم في المكان دل على قصده الكبر، وقال الزركشي، يشترك الإمام والمأموم في النهي إذا انفرد الإمام بالعلو.

([12]) وصحت بلا خلاف.

([13]) أخرجاه من حديث سهل أنه صلى الله عليه وسلم صلى على المنبر ثم نزل القهقري، فسجد وسجدنا معه، ثم عاد حتى فرغ، ثم قال: إنما فعلت هذا لتأتموا بي، ولتعلموا صلاتي.

([14]) ولئلا يحتاج إلى عمل كثير في الصعود والنزول فيكون ارتفاعًا يسيرًا.

([15]) سواء كان قليلا أو كثيرا لأن أبا هريرة صلى على سطح المسجد، بصلاة الإمام، رواه أحمد والشافعي والبيهقي، والبخاري تعليقا، وعن أنس نحوه رواه سعيد ويروى عن ابن عباس وابن عمر، ولأن المتابعة حاصلة أشبهت العلو اليسير وأما ارتفاع المؤتم ارتفاعا مفرطا، بحيث يكون فوق ثلاث مائة ذراع، على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام، فهو ممنوع بالإجماع، من غير فرق بين المسجد وغيره، وإن كان دون ذلك فالأصل الجواز.

([16]) الذي يقف فيه الإمام، سمي بذلك لأنه يذب عنه، ويحارب عليه، والطاق ما عطف من الأبنية كالقوس، من قنطرة ونافذة وما أشبه ذلك، وصوابه وهو المحراب لأنه مذكر.

([17]) ونقل عن مالك وغيره.

([18]) أشبه ما لو كان بينه وبينهم حجاب فيقف عن يمين المحراب، إن لم يكن حاجة كضيق المسجد، وكثرة الجمع، وقال جماعة من أهل العلم: المشهور الجواز بلا كراهة، وعنه: يستحب اختاره ابن عقيل وغيره، وقطع به ابن الجوزي وغيره ولم يزل عمل الناس عليه.

([19]) وفاقا لزوال العلة.

([20]) أي يكره للإمام بلا حاجة تمييزا لفرض الصلاة عن نفلها، وهو الأولى للمأموم أيضا، وعنه: يكره وفاقا كالإمام.

([21]) ولفظه «لا يصلي الإمام في الموضع الذي صلي فيه حتى يتحول» أي ينصرف وينتقل من ذلك الموضع، ونحوه لابن ماجه، ولنهيه عليه الصلاة والسلام أن توصل صلاة بصلاة، حتى يتكلم أو يخرج رواه مسلم، وذكره البخاري والبغوي أن العلة تكثير مواضع العبادة، لأنها تشهد له، والنص للفصل، فإن لم ينتقل فينبغي أن يفصل بالكلام للخبر ويكفي التسبيح.

([22]) أي الإمامة في الطاق، والتطوع موضع المكتوبة.

([23]) لنحو ضيق مسجد كما إذا لم يجد منصرفا، ولم يمكنه الانحراف، فلا يكره رواية واحدة، ويكره لغير الإمام اتخاذ مكان لا يصلي فرضه إلا فيه، وكان أحمد يكرهه، وقيل إن كانت فاضلة كنقرة الإمام لم يكره، لفعل سلمة عند الأسطوانة عند المصحف، وقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى الصلاة عندها، متفق عليه، ولحاجة كتدريس ونحوه، وذكره بعضهم اتفاقًا.

([24]) وذهب إليه بعض المالكية، والشعبي وإبراهيم وقال: احصبوه، ومفهومه لا يكره القعود اليسير مستقبل القبلة، قال في الإنصاف: وهو صحيح وهو المذهب.

([25]) أي لا يلبث جالسًا على هيئته قبل السلام، بل ينصرف ويقبل على المأمومين ولأن في تحوله إعلاما بأنه صلى فلا ينتظر وربما إذا بقي على حاله يسهو فيظن أنه لم يسلم، فكره سدا للباب المفضي إلى أن يزاد في الفرض ما ليس منه أو يظن غيره أنه في الصلاة.

([26]) لخبر: كان إذا انصرف انحرف، وأخرج عبد الرزاق عن أنس: كان عليه الصلاة والسلام ساعة يسلم يقوم، وذكر أبا بكر كذلك وفي الصحيحين من حديث سمرة، كان إذاصلى صلاته أقبل علينا بوجهه، وغير ذلك من الأحاديث، فدلت النصوص، أنه كان يعقب سلامه بالانصراف، والإقبال على المأمومين وقال الحافظ على قوله: باب مكث الإمام في مصلاه بعد السلام، أي وبعد استقبال القوم، ولا فرق بين الانفتال والانصراف، للأخبار الثابتة بكل من ذلك، وحكى النووي وغيره أن عادته صلى الله عليه وسلم إذا انصرف استقبل المأمومين جميعهم وقال القاضي وغيرهم، عادته صلى الله عليه وسلم أن يستقبل جميعهم بوجهه، وهو مفهوم ما ورد عنه من الذكر بعد الصلاة، وتذكيرهم ووعظهم وغير ذلك.

([27]) أي مسيره فإذا قصد أن يخرج مع باب مثلا انحرف إلى المأمومين من جهة ذلك الباب لأنه أرفق به.

([28]) أي وإن لم يقصد الإمام جهة، فينحرف عن يمينه، بأن تكون يساره تلي القبلة وهذا أفضل، لعموم الأحاديث المصرحة بفضل اليمين، ولا كراهة في انحرافه على اليسار، لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم ولإطلاقهم.

([29]) أي فإن كان في الجهة التي يريد أن يذهب معها يمينًا أو شمالاً أو أمامًا نساء، لبث في مكانه قليلا، وكذا من معه من الرجال، لينصرف النساء، فلا يدركهن الرجال.

([30]) ففي الصحيح وغيره، عن أم سلمة، كان إذا سلم قام النساء، حين يقضي تسليمه وهو يمكث في مكانه يسيرًا قبل أن يقوم، قال ابن شهاب، فنرى أن ذلك كان لكي ينصرف النساء قبل أن يدركهن الرجال، وللخبر الآتي وغيره، ولأن الإخلال بذلك يفضي إلى اختلاط الرجال بالنساء، ويستحب للنساء قيامهن عقب سلام الإمام

([31]) أي قبل انصراف إمامه عن القبلة، والحكمة في ثبوتهم إلى أن ينصرف الإمام لئلا يذكر سهوًا فيسجد.

([32]) قال الطيبي علة نهيه أن يذهب النساء اللاتي يصلين خلفه، ويشهد لما قاله ما في الصحيح، كن إذا سلمن قمن، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن صلى من الرجال ما شاء، الله فإذا قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قام الرجال.

([33]) أي مستقبل القبلة، فلا بأس بانصراف المأموم، قال خارجة بن زيد: السنة أن يقوم الإمام ساعة يسلم، فلا يبقى مستقبل القبلة، وذكر غير واحد أن استدبار الإمام المأمومين إنما هو لحق الإمامة، فإذا انقضت الصلاة زال السبب، فاستقبالهم حينئذ يرفع الخيلاء والترفع على المأمومين.

([34]) أي بانصراف المأموم إذا لم ينحرف الإمام عن استقبال القبلة، ولا يعيد السلام من سلم قبل الصلاة، ورده واجب، والمصافحة بعد السلام من الصلاة لا أصل لها، لا بنص ولا عمل من الشارع وأصحابه، ولو كانت مشروعة لتوفرت الهمم على نقلها، ولكان السابقون أحق بذلك، وقال الشيخ: بدعة باتفاق المسلمين أما إذا كانت أحيانا لكونه لقيه عقب الصلاة، لا لأجل الصلاة فحسن، لكن عند اللقاء فيها آثار حسنة.

([35]) كضيق المسجد، وكثرة الجماعة، وقدره بعضهم بمحل ثلاثة رجال واستظهر بعضهم أن المراد القطع عرفًا فلا تحديد فيه، وأما مع الحاجة فقال ابن رشد وابن العربي: لا خلاف في جوازه عند الضيق، وأما عند السعة فهو مكروه للجماعة، فأما الواحد فلا بأس به، والسواري جمع سارية وهي الأسطوانة.

([36]) وقال الحافظ: سنده صحيح، ورواه النسائي والترمذي ولابن ماجه نحوه، وفيه، ونطرد عنها طردا، وكرهه ابن مسعود وابن عباس وحذيفة وغيرهم.
قال ابن سيد الناس: ولا يعرف لهم مخالف من الصحابة، ورخص فيه مالك وغيره، وعن أحمد: لا يكره وفاقا، كالإمام والمنفرد.

([37]) أي يباح الوقوف بينهما، لأن الصف لا ينقطع بذلك، كما لا يكره للإمام أن يقف بين السواري، لأنه ليس ثم صف.

([38]) وجوبا، لقصة مسجد الضرار، ولحديث «لا ضرر ولا ضرار»، وظاهره أنه إذا لم يقصد به الضرار جاز وإن قرب، واختار الشيخ لا يجوز ويهدم، وصححه في التصحيح وغيره، وظاهره أنه يجوز إذا بعد، ولو قصد به الضرر.

([39]) نص عليه وقيل: يستحب أومأ إليه، واختاره الآجري وابن عقيل وغيرهما ليستدل به الجاهل.

([40]) أي البصل ونحوه كثوم وكراث وفجل وتنباك وغيرها، من كل ما له رائحة منتنة للأخبار، وكذا إصنان وبخر ونحوه، ونتن خراج وجرح ونحوه، وكذا جزار له ريح منتنة، ومن يتأذى الناس منه من غير رائحة كانتشار قمل ونحوه، ويمنع أبرص ومجذوم يتأذى به، فلا يحل لمجذوم مخالطة صحيح بلا إذنه وعلى ولي الأمر منعهم من ذلك، ولا يعذر بترك جمعة وجماعة من جهل الطريق إلى محلها، إذا وجد من يهديه، ولا أعمى إذا وجد من يقوده، لحديث الأعمى، ومن الأدب وضع إمام نعله عن يساره، ومأموم بين يديه، لخبر أبي ذر وغيره، ولئلا يتأذى به غيره.


  #5  
قديم 6 ذو الحجة 1429هـ/4-12-2008م, 12:30 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي الشرح الممتع للشيخ: محمد بن صالح العثيمين

يَصِحُّ اقْتِدَاءُ المَأْمُومِ بِالإِمَامِ فِي المَسْجِدِ،..........
قوله: «فصل» أي: في أحكامِ اقتداءِ المأمومِ بالإِمامِ، وقد سَبَقَ أنَّه يجبُ على المأمومِ متابعةُ الإِمامِ، وأنَّ المأمومَ بهذا الاعتبارِ ينقسمُ إلى أربعة أقسام وهي:
1 ـ متابعة.
2 ـ ومسابقة.
3 ـ وموافقة.
4 ـ وتخلّف.
وليس المراد بهذا الفصل هذه الأقسام، بل المراد في أيِّ مكانٍ يَصِحُّ اقتداء المأموم بإمامِه؟ وهل يُشترطُ لصحَّةِ الاقتداءِ أن يكونا في مكانٍ واحد؟ أو يجوز أنْ يقتديَ به ولو كانا في مكانين متباينين؟
قوله: «يصح اقتداء المأموم بالإِمام في المسجد...» . «في المسجد» أي: في مسجدٍ واحدٍ، فيصِحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ، ولو كانت بينهما مسافاتٍ، وظاهرُ كلامهِ أنه لا يُشترط أن يليَ الإِمامَ، فلو أنَّ أحداً ائتمَّ بالإِمامِ وهو بمؤخِّرِ المسجدِ، والإِمامُ في مقدمه وبينهما مثلاً خمسون متراً فالصَّلاةُ صحيحةٌ، لأنَّ المكانَ واحدٌ، والاقتداءُ ممكن، وسواء رأى الإِمامَ أم لم يرَه.

وَإِنْ لَمْ يَرَهُ وَلاَ مَنْ وَرَاءَهُ إِذَا سَمِعَ التَّكْبِيرَ، وَكَذَا خَارِجَهُ إِنْ رَأَى الإِمَامَ أَوْ المَأْمُومِين.
وقوله: «وإن لم يره ولا من وراءه» أي: لم يرَ الإِمامَ، ولا مَن وراءَه مِن المأمومين.
قوله: «إذا سمع التكبير» أي: لا بُدَّ مِن سماعِ التكبير؛ لأنه لا يمكن الاقتداءُ به إلا بسماعِ التكبير إما منه أو ممن يبلِّغُ عنه، فصار شرطُ صِحَّةِ اقتداءِ المأمومِ بإمامِه إذا كان في المسجدِ شرطاً واحداً فقط، وهو: سماعُ التكبير. فإن كان خارجه فيقول المؤلِّفُ:
قوله: «وكذا خارجه إن رأى الإِمام أو المأمومين» أي: وكذا يصحُّ اقتداءُ المأمومِ بالإِمامِ إذا كان خارجَ المسجدِ بشرطِ أنْ يَرى الإِمامَ أو المأمومين، وظاهرُ كلام المؤلِّفِ رحمه الله: أنَّه لا يُشترط اتِّصالُ الصُّفوفِ، فلو فُرِضَ أنَّ شخصاً جاراً للمسجد، ويرى الإِمامَ أو المأمومين مِن شُبَّاكه، وصَلَّى في بيتِه، ومعه أحدٌ يزيل فَذِّيَّتَه فإنه يَصِحُّ اقتداؤه بهذا الإِمامِ؛ لأنه يسمعُ التكبيرَ ويرى الإِمامَ أو المأمومين. وظاهرُ كلامِ المؤلِّفِ: أنَّه لا بُدَّ أن يرى الإِمامَ أو المأمومين في جميع الصَّلاةِ؛ لئلا يفوته الاقتداءُ. والمذهبُ يكفي أنْ يراهم ولو في بعضِ الصَّلاةِ.
إذاً؛ إذا كان خارجَ المسجدِ فيُشترطُ لذلك شرطان:
الشرطُ الأول: سماعُ التكبيرِ.
الشرطُ الثاني: رؤيةُ الإِمامِ أو المأمومين، إما في كُلِّ الصَّلاةِ على ظاهرِ كلامِ المؤلِّفِ، أو في بعضِ الصَّلاةِ على المذهبِ.
وظاهرُ كلامِهِ: أنَّه لا يُشترط اتِّصال الصُّفوفِ فيما إذا كان المأمومُ خارجَ المسجدِ وهو المذهب.
والقول الثاني: وهو الذي مشى عليه صاحبُ «المقنع»: أنَّه لا بُدَّ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، وأنَّه لا يَصِحُّ اقتداءُ مَن كان خارجَ المسجدِ إلا إذا كانت الصُّفوفُ متَّصلةً؛ لأنَّ الواجبَ في الجماعةِ أن تكون مجتمعةً في الأفعالِ ـ وهي متابعة المأمومِ للإِمام ـ والمكان. وإلا لقلنا: يَصِحُّ أن يكون إمامٌ ومأمومٌ واحد في المسجد، ومأمومان في حجرة بينها وبين المسجد مسافة، ومأمومان آخران في حجرة بينه وبين المسجدِ مسافة، ومأمومان آخران بينهما وبين المسجد مسافة في حجرة ثالثة، ولا شَكَّ أنَّ هذا توزيعٌ للجماعةِ، ولا سيَّما على قولِ مَن يقول: إنَّه يجب أن تُصلَّى الجماعةُ في المساجد.
فالصَّوابُ في هذه المسألة: أنَّه لا بُدَّ في اقتداءِ مَن كان خارجَ المسجدِ مِن اتِّصالِ الصُّفوفِ، فإنْ لم تكن متَّصِلة فإنَّ الصَّلاة لا تَصِحُّ.
مثال ذلك: يوجد حولَ الحَرَمِ عَماراتٌ، فيها شُقق يُصلِّي فيها الناسُ، وهم يَرَون الإِمامَ أو المأمومين، إما في الصَّلاةِ كلِّها؛ أو في بعضِها، فعلى كلامِ المؤلِّفِ تكون الصَّلاةُ صحيحةً، ونقول لهم: إذا سمعتم الإِقامة فلكم أنْ تبقوا في مكانِكم وتصلُّوا مع الإِمام ولا تأتوا إلى المسجدِ الحرام.
وعلى القول الثاني: لا تَصِحُّ الصَّلاةُ؛ لأنَّ الصفوفَ غيرُ متَّصلةٍ. وهذا القولُ هو الصَّحيحُ، وبه يندفع ما أفتى به بعضُ المعاصرين مِن أنَّه يجوز الاقتداءُ بالإِمامِ خلفَ «المِذياعِ»، وكَتَبَ في ذلك رسالةً سمَّاها: «الإقناع بصحَّةِ صلاةِ المأمومِ خلفَ المِذياع»، ويلزمُ على هذا القول أن لا نصلِّيَ الجمعةَ في الجوامع بل نقتدي بإمام المسجدِ الحرامِ؛ لأنَّ الجماعةَ فيه أكثرُ فيكون أفضلَ، مع أنَّ الذي يصلِّي خلفَ «المِذياع» لا يرى فيه المأموم ولا الإِمامَ، فإذا جاء «التلفاز» الذي ينقل الصَّلاة مباشرة يكون مِن بابِ أَولى، وعلى هذا القول اجعلْ «التلفزيون» أمامَك وصَلِّ خلفَ إمامِ الحَرَمِ، واحْمَدِ اللهَ على هذه النِّعمةِ؛ لأنَّه يشاركك في هذه الصَّلاةِ آلاف النَّاس، وصلاتك في مسجدك قد لا يبلغون الألف.
ولكن؛ هذا القولُ لا شَكَّ أنَّه قولٌ باطلٌ؛ لأنه يؤدِّي إلى إبطالِ صلاةِ الجماعةِ أو الجُمعة، وليس فيه اتِّصالَ الصُّفوفِ، وهو بعيدٌ مِن مقصودِ الشَّارعِ بصلاةِ الجمعةِ والجماعةِ.
وأنا رأيتُ شخصاً يُصلِّي بجماعةٍ، لكنَّهم جماعةٌ لا يَرَون الصَّلاةَ إلا خلفَ الإِمام المعصومِ جالساً على جدارٍ قصيرٍ، ومعه مكبِّرُ صوتٍ، والقِبْلةُ خلفَه، والجماعةُ أمامَه، فيقول: «الله أكبر» فيكبِّرون للإِحرام، وهو لا يصلِّي بهم بل جالسٌ على الجِدار، ثم يقول: «الله أكبر» فيركعون، ثم يقول: «سمع الله لمن حمده» فينهضون، والذي يصلِّي خلفَ «المِذياع» يصلِّي خلفَ إمامٍ ليس بين يديه بل بينهما مسافات كبيرة، وهو فتح باب للشر؛ لأنَّ المتهاون في صلاةِ الجُمُعة يستطيع أن يقولَ: ما دامتِ الصَّلاةُ تَصِحُّ خلفَ «المِذياع» و«التلفاز»، فأنا أريدُ أن أصلِّيَ في بيتي، ومعيَ ابني أو أخي، أو ما أشبه ذلك نكون صفَّاً.
فالرَّاجح: أنه لا يَصِحُّ اقتداءُ المأمومِ خارجَ المسجد إلا إذا اتَّصلتِ الصُّفوف، فلا بُدَّ له مِن شرطين:
1 ـ أن يَسمعَ التكبيرَ.
2 ـ اتِّصال الصُّفوف.
أما اشتراطُ الرُّؤيةِ ففيه نظر، فما دام يَسمعُ التَّكبير والصُّفوف متَّصلة فالاقتداء صحيح، وعلى هذا؛ إذا امتلأ المسجدُ واتَّصلتِ الصُّفوف وصَلَّى النَّاسُ بالأسواقِ وعلى عتبة الدَّكاكين فلا بأس به.

وَتَصِحُّ خَلْفَ إِمَامٍ عَالٍ عَنْهُمْ.
وَيُكْرَهُ إِذَا كَانَ العُلُوُّ ذِرَاعاً فَأَكْثَرَ،..........
قوله: «وتصح خلف إمام عالٍ عنهم» أي: عن المأمومين.
مثل: أن يكون هو في الطَّابقِ الأعلى وهم في الطَّابق الأَسفلِ، وهذا يقع كثيراً في الأَسفلِ (الخلوة)، فالإِمامُ فوقَ هؤلاء، فتصِحُّ الصَّلاةُ ولا حَرَجَ فيها.
ودليلُ صِحَّة الصَّلاةِ خلفَ الإِمامِ إذا كان عالياً: أنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لما صُنِعَ له المِنبرُ صَلَّى عليه، يصعدُ ويقرأُ ويركعُ، وإذا أرادَ أنْ يسجدَ نَزَلَ مِنَ المِنبرِ فَسَجَدَ على الأرضِ، وقال: «يا أيُّها النَّاسُ، إني صَنَعتُ هذا لِتَأتمُّوا بي، ولِتَعْلموا صَلاتي».
قوله: «ويُكره إذا كان العلوُّ ذِراعاً فأكثر» أي: يُكره إذا كان الإِمامُ عالياً على المأموم ذِراعاً فأكثر.
ودليله: الحديث: «إذا أمَّ الرَّجُلُ القومَ؛ فلا يَقُمْ في مكانٍ أرفع مِن مقامهم»، ولكن هذا الحديث لا تقوم به الحُجَّةُ.
والجَمْعُ ـ عند من احتجَّ به ـ بينه وبين الحديث الثَّابتِ في الصَّحيحين بأنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم صَلَّى بهم على المِنبر: أنَّ المِنبرَ لا يتجاوز الذِّراع غالباً، فيُحمل هذا الحديثُ على ما إذا كان العلوُّ كثيراً، ولكن يبقى النَّظرُ في تقديره بالذِّراعِ.
والجواب: أن درجات المِنبرِ غالباً لا تزيد على الذِّراعِ.
والخلاصةُ: أنَّ المؤلِّفَ رحمه الله يرى أنَّه لا بأسَ أن يكون الإِمامُ أعلى مِن المأمومِ، إلا أنَّه يُكره إذا كان العلوُّ ذِراعاً فأكثر.
القول الثاني: أنَّه لا يُكره علوُّ الإِمامِ مطلقاً؛ لأنَّ الحديثَ الذي استدلَّ به الأصحابُ ـ رحمهم الله ـ ضعيف، والضَّعيفُ لا تقومُ به الحُجَّةُ.
وقيَّدَ بعضُ العلماءِ هذه المسألةَ بما إذا كان الإِمامُ غيرَ مُنفردٍ بمكانِه، فإذا كان معه أحدٌ فإنه لا يُكره؛ ولو زادَ على الذِّراع؛ لأنَّ الإِمامَ لم ينفردْ بمكانِه، وهذا لا شَكَّ أنَّه قولٌ وجيهٌ؛ لأنه إنِ انفردَ الإِمامُ بمكانٍ؛ والمأمومُ بمكانٍ آخر؛ فأين صلاةُ الجماعةِ والاجتماع؟
مسألة: لو كان المأمومُ في مكان أعلى فلا يُكره، فإذا كان الإِمامُ هو الذي في الأسفل، كأن يكون في الخَلوة مثلاً، وفيه أناسٌ يصلُّون فوقَه فلا حَرَجَ ولا كراهة.
هل المعتبر في قوله: «ذراع فأكثر» ذراع الحديد، أو ذراع اليد؟
الجواب: المعتبر ذراع اليد، وهو ما بين المرفق ورؤوس الأصابع؛ لأنَّ هذا هو المعروف في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، والمراد باليد: اليد المتوسِّطة، لأنَّ بعض النَّاس تكون ذراعُه طويلةً، وبعضُهم تكون قصيرةً.

كَإِمَامَتِهِ فِي الطَّاقِ،............
قوله: «كإمامته في الطاق» أي: كما يُكره دخول الإِمامِ في الطَّاق، والمراد بالطَّاقِ طاقُ القِبْلة الذي يُسمَّى «المِحراب» وطاقُ القِبْلة يكون مقوَّساً مفتوحاً في عرض الجِدار، وأحياناً يكون واسعاً بحيث يقفُ الإِمامُ فيه ويصلِّي ويسجدُ في نَفْسِ المِحراب، فيُكره؛ لآثارٍ وَرَدت عن الصحابة رضي الله عنهم؛ ولأنه إذا دَخَلَ في الطَّاق استتر عن بعض المأمومين فلا يَرَونه لو أخطأ في القيام أو الرُّكوع أو السُّجود فلهذا يُكره، ولكن إذا كان لحاجة مثل: أن تكون الجماعةُ كثيرةً؛ واحتاج الإِمامُ إلى أن يتقدَّمَ حتى يكون في الطَّاقِ فإنه لا بأس به.
أما إذا كان الإِمامُ في باب الطَّاقِ، ولم يدخل فيه، ولم يتغيَّب عن النَّاس، وكان محلُّ سجودِه في الطَّاق، فلا بأس به.
ويمكن أن يُؤخذ مِن كلام المؤلِّف: أنَّ هذا الطَّاق الذي هو المِحراب ليس بمكروه وهو كذلك، فاتخاذ المحراب ليس بمكروه، وإن كان بعضُ العلماء استحبَّه؛ لما فيه مِن الدلالة على القِبْلة، وعلى مكانِ الإِمامِ.
وبعضُهم كَرِهَه، وقال: إنَّه غيرُ معروف في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وإنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم نَهى عن اتِّخاذِ المساجدِ مذابحَ مثلَ مذابحِ النَّصارى يجعلون لها الطَّاق[(479)]. فهذا يقتضي كراهته.
والصَّحيحُ: أنَّه مباحٌ، فلا نأمرُ به ولا ننهى عنه، والقول بأنه مستحبٌّ أقربُ إلى الصَّوابِ مِن القول بأنه مكروه، لأنَّ الذي وَرَدَ النَّهيُ عنه مذابح كمذابح النصارى، أي: أن نتخذَ المحاريبَ كمحاريب النَّصارى، أما إذا كانت تختلِفُ عنهم فلا كراهة؛ لأن العِلَّةَ في المحاريب المشابهة لمحاريب النَّصارى هي التشبُّه بهم، فإذا لم يكن تشبُّه فلا كراهة.
فلو قال قائل: إذا كان الرَّسولُ صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلْها فما بالُنا نفعلها؟
فالجواب: أن النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم لم يفعلْها إما لعدمِ الحاجةِ إليها، أو لأن ذلك قد يكلِّفُ في البناء في ذلك الوقت، أو لغير ذلك مِن الأسبابِ، فما دامت ليست متَّخذة على وَجْهِ التعبُّدِ، وفيها مصلحةٌ؛ لأنَّها تبين للنَّاسِ محلَّ القِبْلة فكيف نكرهها؟!
ولو أنَّ المسجدَ لا مِحراب فيه ثم دَخَلَ رَجُلٌ غريبٌ فسوف تشتبه عليه القِبْلة، ولهذا قالوا في باب استقبالِ القبلة: إنَّه يُستدلُّ عليها بالمحاريبِ الإِسلاميةِ.
وَتَطَوُّعُهُ مَوْضِعَ المَكْتُوبَةِ إِلاَّ مِنْ حَاجَةٍ، وَإِطَالَةِ قُعُودِهِ بَعْدَ الصَّلاَةِ مُسْتَقْبِلَ القِبْلَةِ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ لَبِثَ قَلِيلاً لِيَنْصَرِفْنَ.
قوله: «وتطوعه موضع المكتوبة» أي: يكره تطوُّع الإِمام في موضع المكتوبة، أي: في المكان الذي صلَّى فيه المكتوبةَ.
ودليل ذلك ما يلي:
أولاً: ما رُوِيَ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم: «لا يُصَلِّ الإِمامُ في مُقَامِهِ الذي صَلَّى فيه المكتوبةَ، حتى يَتَنَحَّى عنه»ولكنه ضعيف لانقطاعه.
ثانياً: ربما إذا تطوَّعَ في موضع المكتوبة يَظنُّ مَن شاهدَه أنَّه تذكَّرَ نقصاً في صلاته؛ فيلبس على المأمومين. فلهذا يُقال له: لا تتطوّع في موضع المكتوبة، ولا سيَّما إذا باشر الفريضة، بمعنى أنَّه تطوَّع عقب الفريضة فوراً.
وظاهرُ كلام المؤلِّف: أنَّه لا فَرْقَ بين أن يتطوَّع في هذا المكان قبل الصَّلاة أو بعدَها، وهذا غير مراد بل المراد بعد الصلاة.
أمَّا المأموم؛ فإنه لا يُكره له أن يتطوَّع في موضع المكتوبة. لكن؛ ذكروا أنَّ الأفضلَ أن يَفْصِلَ بين الفرضِ وسُنَّتِهِ بكلامٍ أو انتقال مِن موضعه.
قوله: «إلا من حاجة» الحاجةُ دون الضَّرورة؛ لأنَّ الضَّرورةَ هي التي إذا لم يقم بها الإِنسانُ أصابه الضَّرر.
والحاجة هي التي تكون مِن مكمِّلات مراده، وليس في ضرورة إليها. مثال الحاجة هنا: أن يريدَ الإِمامُ أن يتطوَّعَ لكن وَجَدَ الصُّفوفَ كلَّها تامَّةً ليس فيها مكان ولا يتيسَّر أن يصلِّي في بيتِه أو في مكانٍ آخر، فحينئذٍ يكون محتاجاً إلى أن يتطوَّع في موضع المكتوبة.
قوله: «وإطالة قعوده بعد الصلاة مستقبل القبلة» أي: يُكره للإِمام أنْ يُطيلَ قعودَه بعد السَّلام مستقبلَ القِبْلة، بل يخفِّف، ويجلسَ بقَدْرِ ما يقول: «أستغفرُ الله ـ ثلاث مرات ـ اللَّهُمَّ أنت السَّلامُ ومنك السَّلامُ، تباركتَ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ»ثم ينصرفُ: هذه هي السُّنَّةُ، فإطالةُ قعودِه بعدَ السَّلامِ مستقبلَ القِبْلة فيه محاذير هي:
أولاً: أنَّه خِلافُ السُّنَّةِ.
ثانياً: حَبْسُ النَّاسِ؛ لأنَّ المأمومينَ منهيون أنْ ينصرفوا قبل انصرافِ الإِمامِ، فإذا بقي مستقبلَ القِبْلة كثيراً حَبَسَ النَّاسَ.
ثالثاً: أنه قد يَظنُّ مَن خلفَه أنه يتذكَّرُ شيئاً نسيه في الصَّلاةِ، فيرتبكُ المأمومُ في هذا.
وابتداءُ الانصرافِ مِن اليسار أو مِن اليمين كُلُّ ذلك وَرَدَ عن النَّبيِّ صلّى الله عليه وسلّم. فَوَرَدَ أنه ينصرفُ عن يمينه ثم يستقبلُ النَّاسَ، وأنَّه ينصرفُ عن يسارِه، ثم يستقبلُ النَّاسَ، فأنت إنْ شئتَ انصرفْ عن اليمين، وإن شئتَ انصرفْ عن اليسارِ، كُلُّ هذا سُنَّةٌ.
قوله: «فإن كان ثَمَّ نساء» أي: في المسجدِ نساءٌ.
قوله: «لبث قليلاً» أي: لَبِثَ مستقبلَ القِبْلة قليلاً.
قوله: «لينصرفن» أي: النساء قبل الرِّجال، كما ثَبَتَ عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم إذا سَلَّمَ، قامَ النِّساءُ حين يقضي تَسْلِيمَهُ، ويمكُثُ هو في مَقَامِهِ يسيراً قبل أنْ يقومَ. قال: نرى ـ والله أعلم ـ أنَّ ذلك كان لكي ينصرفَ النِّساءُ، قبل أن يُدْرِكَهُنَّ أحدٌ مِن الرِّجالِ».
وذلك لأن الرِّجالَ إذا انصرفوا قبلَ انصرافِ النِّساءِ لَزِمَ مِن هذا اختلاطُ الرِّجالِ بالنِّساءِ، وهذا مِن أسبابِ الفتنة، حتى إنَّ الرَّسولَ صلّى الله عليه وسلّم قال: «خيرُ صُفوفِ النِّساءِ آخرها، وَشَرُّها أوَّلُها»، لأن أوَّلَها أقربُ إلى الرِّجالِ مِن آخرها، فهو أقربُ إلى الاختلاطِ.
وفي هذا دليلٌ واضحٌ جداً على أنَّ مِن أهدافِ الإِسلامِ بُعْدُ النساءِ عن الرِّجال، وأنَّ المبدأ الإِسلاميَّ هو عَزْلُ الرِّجالِ عن النساءِ، خلاف المبدأ الغربيِّ الكافرِ الذي يريد أن يختلِطَ النساءُ بالرِّجالِ، والذي انخدعَ به كثيرٌ مِن المسلمين اليوم، وصاروا لا يبالون باختلاطِ المرأةِ مع الرِّجالِ، بل يَرَون أنَّ هذه هي الديمقراطية والتقدُّم، وفي الحقيقة أنَّها التأخُّر؛ لأنَّ اختلاطَ المرأةِ بالرِّجال هو إشباعٌ لرغبةِ الرَّجُلِ على حسابِ المرأةِ، فأين الديمقراطية كما يزعمون؟!
إن هذا هو الجَور، أما العدلُ فأن تبقى المرأةُ مصونة محروسة لا يَعبثُ بها الرِّجالُ، لا بالنَّظَرِ ولا بالكلامِ ولا باللَّمس ولا بأي شيء يوجب الفتنة.
لكن؛ لضعفِ الإِيمانِ والبُعدِ عن تعاليم الإِسلام صار هؤلاء المخدوعون منخدعين بما عليه الأممُ الكافرةُ، ونحن نعلمُ بما تواترَ عندنا أنَّ الأممَ الكافرةَ الآن تَئِنُّ أنينَ المريضِ المُدنفِ تحت وطأة هذه الأوضاع، وتودُّ أن تتخلَّصَ مِن هذا الاختلاطِ، ولكنه لا يمكنها الآن؛ فقد اتَّسعَ الخرقُ على الرَّاقعِ. لكن الذي يُؤسفُ له أيضاً: مَن يريدُ مِن المسلمين أنْ يلحقوا برَكْبِ هؤلاء الذين ينادون بما يسمُّونه «الحرية»، وهي في الحقيقة حرية هوًى، لا حرية هُدًى، كما قال ابن القيم رحمه الله:
هربوا مِن الرِّقِّ الذي خُلقوا له = فَبُلوا بِرِقِّ النَّفْسِ والشيطان
فالرِّقُ الذي خُلقوا له هو: الرِّقُ لله عزّ وجل، بأن تكون عبداً لله حقاً، لكن؛ هؤلاء هربوا منه، وبُلُوا بِرِقِّ النَّفْسِ والشيطان، فصاروا الآن ينعقون ويخطِّطون مِن أجلِ أن تكون المرأةُ والرَّجُلُ على حَدٍّ سواءٍ في المكتب، وفي المتجر، وفي كُلِّ شيء، وإني لأشهد بالله أنَّ هؤلاء غاشُّون لدينهم وللمسلمين؛ لأنَّ الواجب أن يتلقَّى المسلمُ تعاليمه مِن كتابِ الله وسُنَّةِ رسولِ الله صلّى الله عليه وسلّم وهَدي السَّلفِ الصَّالح، ونحن إذا رأينا تعاليمَ الشَّارعِ الحكيم وجدنا أنَّه يسعى بكُلِّ ما يستطيع إلى إبعاد المرأةِ عن الرَّجُلِ، فيبقى الرسول صلّى الله عليه وسلّم في مصلاَّه إذا سَلَّمَ حتى ينصرفَ النساءُ من أجلِ عدم الاختلاط، هذا مع أنَّ النَّاسَ في ذلك الوقت أطهرُ مِن النَّاسِ في أوقاتنا هذه، وأقوى إيماناً كما قال النَّبيُّ صلّى الله عليه وسلّم: «خَيرُ النَّاسِ قَرْني، ثم الذين يَلونهم، ثم الذين يَلونهم».
وقوله: «فإنْ كان ثَمَّ» «ثَمَّ» بمعنى: هناك، وهي مفتوحةُ الثاء، وليست مضمومة قال تعالى: {{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ}} [الإنسان: 20] وما أكثر الذين يغلطون فيها فيقولون: (ثُمَّ) بالضَّمِ، و«ثُمَّ» بالضَّمِ حرفُ عطفٍ لا ظرف.

وَيُكْرَهُ وُقُوفُهُمْ بَيْنَ السَّوَارِي إِذَا قَطَعْنَ الصُّفُوفَ.
قوله: «يكره وقوفهم» أي وقوفُ المأمومين.
قوله: «بين السواري» أي: الأعمدة.
قوله: «إذا قطعن الصفوف» اشترط المؤلِّفُ للكراهةِ أن تقطع الصفوف.
وما مقدار القطع؟ قيَّده بعضُهم بثلاثة أذرع، فقال: إذا كانت السَّاريةُ ثلاثةَ أذرعٍ فإنها تقطع الصَّفَّ، وما دونها لا يقطعُ الصَّفُّ.
وقال بعضُ العلماء: بمقدار قيام ثلاثة رِجالٍ، ومقدار قيامٍ ثلاثة رجال أقل مِن ثلاثةِ أذرع، وقيل: المعتبر العُرف وهو ظاهر كلام المؤلِّفِ، وأما السَّواري التي دون ذلك فهي صغيرة لا تقطعُ الصُّفوفَ، ولا سيَّما إذا تباعدَ ما بينها. وعلى هذا؛ فلا يُكره الوقوفُ بينها، ومتى صارت السَّواري على حَدٍّ يُكره الوقوفُ بينها فإنَّ ذلك مشروطٌ بعدمِ الحاجةِ، فإنْ احتيجَ إلى ذلك بأن كانت الجماعةُ كثيرة والمسجدُ ضيقاً فإن ذلك لا بأس به من أجلِ الحاجةِ، لأنَّ وقوفَهم بين السَّواري في المسجدِ خيرٌ مِن وقوفهم خارجَ المسجدِ، وما زال النَّاسُ يعملون به في المسجدين المسجدِ الحرامِ والمسجدِ النَّبويِّ عند الحاجةِ؛ وإنما كُرِهَ ذلك لأنَّ الصَّحابةَ كانوا يَتوقَّون هذا، حتى إنَّهم أحياناً كانوا يُطْرَدون عنها طَرْداً. ولأنَّ المطلوبَ في المصافةِ التَّراصُ مِن أجل أن يكون النَّاسُ صفَّاً واحداً، فإذا كان هناك سواري تقطع الصُّفوفَ فاتَ هذا المقصود للشَّارعِ.


موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مسائل, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:29 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir